المزمور الثاني – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثَّانِي

المسيح الملك وعداوة الأمم.

"لماذا ارتجت الأمم..." (ع1).

العدد 1

ع1:

لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟

ارتجت: تجمعت واحتشدت للمحاربة.

يبدأ هذا المزمور بتساؤل استفهامى يقوله داود لله؛ ليعرف سبب قيام أمم الأرض والشعوب على المسيا المنتظر، فهو يرى بعين النبوة قيام اليهود والدولة الرومانية التي تحكم العالم على المسيح حتى صلبوه.

وهو يستفهم أيضًا عن قيام الأمم على داود الملك الذي هو رمز للمسيح. رغم أن الله أعطى النصرة لداود على كل الأمم المحيطة به، وقد ظهر هذا في انتصاراته المتوالية على الأمم، فكان ينبغى على باقي الأمم أن تخضع له، ولا تحاول أن تقوم عليه، أو تحاربه.

ويصف أفكار هذه الشعوب ومؤامراتهم بأنها باطلة، أى بلا نفع.

وقد يكون هذا السؤال تعجبى واستنكارى، إذ يتساءل كيف تجاسرت الأمم والشعوب؛ لتحارب رب المجد يسوع، الذي له السلطان على كل شيء، فلفق اليهود اتهامات زور كاذبة باطلة على المسيح يسوع. والعجب أنهم يفكرون باطلًا في قتل مصدر الحياة. أو كيف تفكر في محاربة داود الملك، الذي يسنده الله فلا يستطيع أحد أن يقهره؟ وبالتالي فكل مؤامراتهم باطلة.

ويمكن أن يكون هذا السؤال توبيخى، أي أن داود يوبخ الأمم والشعوب على تطاولهم وتجاسرهم أن يقوموا ضد مسيح الرب، أي داود، أو المسيا المنتظر، فقد نسوا ضعفهم وقوة الله الذي أمامهم.

العدد 2

ع2:

قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ:

ملوك الأرض: هيرودس الذي قتل أطفال بيت لحم وبيلاطس الذي صلب المسيح.

الرؤساء: رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب اليهودي.

يواصل المرنم تساؤله عن تجاسر رؤساء شعب الله وملوك العالم حتى يحاولوا إهلاك المسيح وصلبه. ويقرر أن هذه المؤامرات ليست على شخص يسوع الإنسان الظاهر في ضعف أمامهم، إنما على الله؛ لأنه هو الإله المتأنس. وتآمرهم على داود هو أيضًا على الله، الذي يسنده ويحميه، فداود هو مسيح الرب، أى الممسوح بالدهن كملك من قبل الرب، وليس مثل باقي ملوك الأرض، فمن يقاومه يقاوم الله.

العدد 3

ع3:

«لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا».

نادت الأمم المعادية لله برفض سلطانه وتبعيته متهمين إياه بأن تبعيته تحملهم قيودًا وربط ثقيلة. وفى الترجمة السبعينية يقول "أغلالًا ونيرًا" والأغلال هي القيود، والنير هو الخشبة التي توضع على رقبة الحيوانات لتجر وراءها الآلات الزراعية.

رغم أن نير المسيح هين وحمله خفيف (مت11: 30) فوصاياه مريحة للنفس وتعطيها الخلاص، أما قيود الخطية وشهوات العالم فهي تُذل الإنسان وتقوده للهلاك.

† لا تنزعج من مؤامرة الأشرار أو كل من يهددك، فهم بلا قيمة أمام قوة الله التي تساندك. فقط تمسك بوصايا الله واثبت في كنيسته.

العدد 4

ع4:

4 - اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.

الله الساكن في السموات يضحك على مؤامرات الأشرار؛ لأنها بلا قيمة ولا تعطل خلاصه الذي يقدمه للعالم على الصليب، بل على العكس يحول مؤامراتهم إلى وسيلة تخلص العالم. بموته عن البشرية، هم يقتلونه وهو يفديهم، هم يقبرونه وهو يجذبهم إلى السماء "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىّ الجميع" (يو12: 32).

والسموات يمكن أن تكون نفوس أولاد الله وقديسيه الذين يسكن فيهم لسموهم في سلوكهم عن العالم، فهو يتمجد في قديسيه، وتفشل مؤامرات الأشرار في ايقاف علاقتهم به، بل على العكس كل ما يتعرضون له من آلام وعذابات تجعلهم يتمسكون به. وبموتهم لأجله ينالون أكاليل الاستشهاد وأكاليل الجهاد والخدمة.

والله يستهزئ بمؤامرات الأشرار في العالم، فهي لا شيء أمام قوته، فمحاولات الكتبة والفريسيين اصطياد المسيح بكلمة كانت تظهر حكمته وقوته وفى نفس الوقت ضعفهم. وعندما صلبوا المسيح ومات، قام وأعطى تلاميذه البسطاء والجهلاء في نظر العالم قوة، وبشروا بإسمه وجذبوا الكثيرين في العالم كله إليه. وهكذا يستهزئ الله بحكمة هذا العالم المزيفة وقوته الباطلة وينتشر الإيمان به وسط الضيقات والاضطهادات.

العدد 5

ع5:

5 - حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ، وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ.

يرجفهم: يجعلهم يرتعشون خوفًا.

بعد أن ضحك عليهم الرب واستهزأ بهم يظهر غضبه عليهم وذلك بتوبيخهم؛ كما وبخ الكتبة والفريسيين وقال لهم الويلات (مت23). ولكن إذا رفضوا الخضوع له بالتوبة يخيفهم ويرعدهم بعقابه الشديد لهم، كما سمح للرومان أن يدمروا أورشليم ويقتلوا آلاف اليهود عام 70 م. وكما سيرتجف أمامه كل الأشرار في يوم الدينونة، ثم يلقيهم إلى العذاب الأبدي.

† فرصة الحياة هي للتوبة والتمتع بحنان الله حتى لو بدا على هيئة وصايا قوية، أو إنذارات شديدة.. كل هذا يحمينا من العقاب الأبدي والهلاك. ليتنا لا نرفض يدى الله الممدودة لنا كل يوم للرجوع إليه.

العدد 6

ع6:

6 - «أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي».

يتكلم هنا عن الله الذي مسح داود ملكًا على إسرائيل واتخذ عاصمته أورشليم، التي هي صهيون.

والله ملك الملوك ورب الأرباب الأزلي الأبدي في ملء الزمان تجسد. والآب يعلن أن يسوع المسيح ابنه قد مسحه في الأردن يوم عماده ملكًا في صهيون، أي أورشليم جبل قدس الله، حيث هيكله العظيم، وهو رمز للكنيسة التي مسح عليها المسيح ملكًا وفاديًا للبشرية كلها. ودعاها جبل قدسه؛ لأن الهيكل مبنى على جبل، الذي يرمز لسمو هيكل الله، ورمز للكنيسة التي هي أيقونة السماء على الأرض، والكنيسة مبنية على الصخرة التي هي المسيح (مت16: 18) كما أن الهيكل مبنى على الجبل.

ودعى المسيح ملكًا لأن المجوس قدموا له في هداياهم ذهبًا لأنه ملك، وتكلم عن نفسه في نهاية الأيام قائلًا "حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه" (مت25: 34). وأكد كلام بيلاطس عندما سأله هل أنت ملك فقال له أنت قلت (يو18: 37) فهو ملك، بل ملك الملوك.

العدد 7

ع7:

7 - إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.

يعلن المرنم داود خبرًا من جهة ما قضى به الله وهو تجسد الابن في ملء الزمان؛ ليفدى البشرية ويعلن هنا أمرين:

أنت ابنى، أي أقنوم الآب يقول عن الأقنوم الثاني أنه ابنى. ويقول أيضًا أنا اليوم ولدتك واليوم يمثل الحال الحاضر الدائم، أي أن الابن مولود من الآب منذ الأزل وإلى الأبد.

يتكلم عن التجسد، إذ يقصد أيضًا باليوم ملء الزمان الذي تجسد فيه المسيح لخلاص البشرية. وقد قال ولدتك وليس خلقتك لأنه مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجوهر، كما نقول في قانون الإيمان.

وتنطبق هذه الآية أيضًا على داود، أنه إن كان الشعب قد طلب ملكًا بدلًا من الله وأقام لهم شاول بحسب ما يرضيهم من المظهر الخارجي، ولكن بعد هذا يقيم لهم ملكًا، هو ابن حقيقي لله، قلبه مثل قلب الله وهو داود. فيعلن أنه ولد اليوم، سواء يقصد يوم ميلاده، أو يوم مسحه ملكًا على يد صموئيل.

العدد 8

ع8:

8 - اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ.

ينادى الآب الابن قائلًا له اسألنى فأعطيك أمم العالم ميراثًا وملكًا، مهما كانت بعيدة حتى إلى أقاصى الأرض. ويقصد الآب أن كل ما له يعطيه للإبن (يو16: 15) وقد تم ذلك عندما مات المسيح على الصليب ووفى الدين عن البشرية؛ ليخلص كل من يؤمن به ويحيا معه.

ويقصد أيضًا بإسألنى أنه هناك حوار دائم بين الإبن والآب، أي داخل الذات الإلهية. فإن كان الإنسان المحدود داخل عقله تيار من الأفكار والحوارات، فبالأولى داخل الذات الإلهية.

إن هذه الآية تظهر مدى الحب والوحدانية بين الأقانيم.

ليس معنى إسألنى أن هناك معرفة ناقصة، أو قدرة أقل عند الابن يريد أن يأخذها ويعرفها من الآب، بل كما قلنا هو تعبير عن الحوار والحب والوحدانية داخل الذات الإلهية بين الأقانيم.

إذا طبقنا هذه الآية على داود، فإنها تطبق تطبيقًا جزئيًا، إذ أن مملكة إسرائيل في أيام داود صارت أكثر ما يمكن من الاتساع وتحقق وعد الله، الذي قاله للآباء أنه يعطيهم الأرض من نهر الفرات إلى نهر مصر، وهو نهر موسمى لمخرات السيول يقع في برية سيناء. وهذا لم يحدث إلا أيام داود وليس قبله.

العدد 9

ع9:

9 - تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ».

المسيح هو ملك الملوك والملك له قضيب الملك، الذي يرعى به شعبه، ولأن مقاومين المسيح مخلوقون من الطين، أي بشر ضعفاء، فيقول عنهم أنهم آنية خزاف، أي آنية مصنوعة من الفخار.

وعندما يحطمهم ويكسرهم يتحولون إلى قطع بلا فائدة ولكن إن تابوا يعيد تشكيلهم ويجعلهم آنية للكرامة والمجد.

ولكن إن أصروا على مقاومته فإنه يعاقبهم بالعذاب الأبدي في يوم الدينونة.

ومعنى هذا أن قضيب ملك المسيح يحوى الرحمة والعدل معًا، فمن يتجاوب معه بالتوبة ينال الرحمة، ومن يصر على خطاياه يستوجب العدل.

† نحن أولاد الله ولنا دالة أن نطلب منه احتياجاتنا وغفران خطايانا، فكما يسأل الابن من الآب، يشجعنا أن نسأل نحن من الله ونفرح بمحبته وعطاياه.

العدد 10

ع10:

10 - فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ.

ينادى داود الملك والقاضى ملوك الأرض حتى يسلكوا بالعقل والحكمة، فيؤمنوا بالمسيح المخلص ويحفظوا وصاياه، وكذلك القضاة ليسلكوا بالأدب والضمير الصالح، أي يقضوا بالعدل، فيخضعوا لله العادل ومسيحه القدوس.

وعندما يتعقل ويتأدب الملك والقاضى يؤثر على شعبه وتابعيه، فداود بهذا ينادى القيادات لتأتى بالشعوب للإيمان والخضوع للمسيح.

ويعتبر كل إنسان روحي مالكًا وضابطًا لنفسه (رؤ1: 6) وقاضيًا بالعدل على تصرفاته عندما يحاسب نفسه كل يوم، فكل مؤمن يعرف وصايا الله يقضى قضاء الله على نفسه قبل غيره. أي أن داود ينادى كل إنسان ليخضع للمسيح ويحفظ وصاياه ويحيا بالأدب والعقل.

العدد 11

ع11:

11 - اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ، وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ.

يستكمل داود النبي كلامه للملوك والقضاة ليدعوهم لعبادة الله بخوف، أي يقدموا توبة بانسحاق ودموع أمام الله، عالمين أنه نعمة عظيمة أن يسمح لهم الله - رغم كثرة خطاياهم - أن يتقدموا أمامه ويعبدوه، رافعين صلوات خشوعية أمام ملك الملوك ورب الأرباب. ويناديهم أيضًا أن يهتفوا، أو يتهللوا كما تقول الترجمة السبعينية (الأجبية) برعدة أمام الله. وهذا معناه أنهم سيفرحون بوجودهم في حضرة الله، فيرفعون أصواتهم بالهتاف والتهليل، ولكن في نفس الوقت يمتزج هذا الفرح برعدة، أي لا يفقدون خوفهم وخشوعهم أمام الله، فهم يفرحون ببنوتهم لله، التي أنعم بها عليهم مع أنهم لأجل كثرة خطاياهم لا يستحقون أن يكونوا عبيدًا له. وهذه هي التوبة الحقيقية المرتبطة بالركب المنحنية والدموع والصلوات المنسحقة، فيمتلئ القلب فرحًا وعزاءً في نفس الوقت.

العدد 12

ع12:

12 - قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ.

كانت عادة قديمة عند الشعوب أن يعلنوا خضوعهم للملك بتقبيل قدميه؛ لذلك يدعوا المرنم الملوك والقضاة أن يقبلوا الابن، أي يقبلوا قدميه ويخضعوا له ويحفظوا وصاياه. لأنه إن لم يخضعوا فسينتظرهم غضب الله، أي عقابه، وهذا ليس انفعال عاطفى مثل البشر ولكنه قضاؤه الإلهي على مقاوميه، فيلقون في العذاب الأبدي لإصرارهم على الخطية. وهذا العذاب هو ما يسميه الإبادة عن طريق الحياة، أي الملكوت.

ينذر أيضًا المرنم بقرب اتقاد غضب الله، أي يوم الدينونة، حيث يدين المسيح كل من رفض الإيمان به ولم يحفظ وصاياه. لذلك عاشت الكنيسة منذ نشأتها في العصر الرسولى تستعد ليوم الدينونة بالتوبة والجهاد الروحي، وإن كانت أحيانًا تضعف وتنسى هذا البعد الأخروى، فالله ينبهها بالضيقات لتعود لقوة عصر الرسل.

يطوب داود النبي في نهاية المزمور أولاد الله المتكلين عليه، أي المؤمنين به وحافظى وصاياه. وإن كان المزمور الأول يبدأ بالتطويب فالمزمور الثاني ينتهى أيضًا بالتطويب لأولاد الله حتى يشجعهم على الحياة معه.

† إن أحضان الله مفتوحة لك إن كنت تائبًا ورافضًا لخطاياك. فمهما كنت ضعيفًا وقبلت الخطية بإرادتك، بل وتلذذت بها، ثم انتبهت بعدما تذوقت مرارة السقوط، فعد سريعًا بخوف ودموع، فتنال مراحم وتعزيات من الله في سر الاعتراف، لا يعبر عنها.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الثالث - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

المزمور الأول - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 2
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 2