اَلأَصْحَاحُ السَّابِعُ عَشَرَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ السَّابِعُ عَشَرَ

حياة يهوشافاط ومُلْكه.

كل ما ورد هنا في هذا الأصحاح لم يرد في الأسفار الأخرى. كان شريكًا في الحُكْمِ في السنوات الثلاث الأخيرة من حياة أبيه آسا الذي اشتدَّ به المرض في رجليه. ولعلّه في هذه السنوات أدرك خطأ أبيه الذي سجن النبي الذي وبَّخه على عدم ثقته في الرب.

يهوشافاط أحد ثلاثة ملوك ليهوذا مُتميِّزين، يمكن القول إنه أفضل ملك ليهوذا منذ نياحة الملك داود، كان رجلاً صالحًا ابن رجلٍ صالحٍ، فقد جرت النعمة في دمه الملوكي في ذلك الحين.

طوبى لأبٍ صالحٍ له ابن صالح، كما طوبى لابنٍ صالحٍ من أبٍ صالحٍ، أو قل طوبى لمملكة يتبوّأ عرشها ملكان حكيمان مثل آسا وابنه يهوشافاط!

1. تبوُّء يهوشافاط العرش وثباته 1 - 2، 5.

2. تقوى يهوشافاط وحفظه للوصية 3 - 4، 6.

3. اهتمامه بالتعليم والعبادة لله 7 - 9.

4. تأثيره على الممالك المجاورة 10 - 11.

5. قوته العسكرية 12 - 19.

الأعداد 1-4

1. تبوُّء يهوشافاط العرش وثباته

وَمَلَكَ يَهُوشَافَاطُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ،.

وَتَشَدَّدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. [1].

ما أن تبوَّأ يهوشافاط العرش، حتى بدأ في جدِّية يُشَدِّد على عدم تسرُّب الفساد من إسرائيل إلى يهوذا، كما اهتم بالجانب العسكري وتحصين المدن، وكانت يد الرب معه.

أما سبب اهتمامه بهذا الجانب، فهو أن أخآب ملك إسرائيل كان ملك حروب، له ثلاث سنوات على العرش في الوقت الذي فيه كانت يهوذا في حالة انحطاطٍ وضعفٍ في أواخر أيام آسا. ربما بدأت مملكة إسرائيل تُرعِب يهوذا، هذا ما دفع يهوشافاط أن يبدأ بتقوية الجيش. في نفس الوقت كان يهوشافاط حكيمًا ومُتعقِّلاً غير مُحِبٍ لسفك الدم، خاصة لبني جنسه في مملكة الشمال. كما لم يلجأ مثل أبيه إلى التحالف مع أرام ضد إسرائيل.

حسن أنه حَصَّن نفسه حتى لا يعتدي عليه ملك إسرائيل؛ وسلك في بدء حُكْمِه في طريق أبيه الصالح، حسب فكر الله، فثبَّت الله المملكة في يده، وقَدَّم له كل يهوذا هدايا.

أسرع أخآب إلى التودد والتحالف معه. وبسبب فساد أخآب وانحرافه عن الإيمان بالله الحي صار كصديقٍ له أخطر من الأعداء من الأمم.

وَجَعَلَ جَيْشًا فِي جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ،.

وَجَعَلَ وُكَلاَءَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِ أَفْرَايِمَ الَّتِي أَخَذَهَا آسَا أَبُوهُ. [2].

الأعداد 5-6

2. تقوَى يهوشافاط وحفظه للوصية

وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَهُوشَافَاطَ،.

لأَنَّهُ سَارَ فِي طُرُقِ دَاوُدَ أَبِيهِ الأُولَى،.

وَلَمْ يَطْلُبِ الْبَعْلِيمَ [3].

قيل عنه: "سار في طرق داود أبيه الأولى". نجد قلة حتى من ملوك يهوذا يُقَال عنهم هكذا (1 مل 15: 3 - 11؛ 2 مل 14: 3؛ 16: 2؛ 18: 3).

لقد صارت حياة داود مقياسًا لملوك يهوذا. أما قوله "الأولى"، فيُقصَد بها قبل سقوط داود في أمر أوريّا الحثِّي وزوجته بثشبع، وقد صار هذا السقوط وصمة عارٍ في تاريخه (1 مل 15: 5).

لم يُذكَر في الترجمة السبعينية "داود"، إنما "طرق أبيه الأولى"، لذلك يرى البعض أنه يقصد آسا في بداية حُكْمِه، حين كان يسلك باستقامةٍ في الرب.

"ولم يطلب البعليم"، إذ كانت الأمم المجاورة له، لكل منها البعل الخاص بها؛ أما هو فلم تكن له أية صلةٍ بعبادة البعل.

وَلَكِنَّهُ طَلَبَ إِلَهَ أَبِيهِ وَسَارَ فِي وَصَايَاهُ،.

لاَ حَسَبَ أَعْمَالِ إِسْرَائِيلَ. [4].

امتاز يهوشافاط ليس فقط بتَمَسُّكِه بعبادة الله الحيّ، إله أبيه، وإنما سار أيضًا في وصاياه، وليس حسب إسرائيل الذي خلط بين عبادة الله والعبادة الوثنية، ولم يحفظ الوصية الإلهية.

مع حفظه للصداقة مع إسرائيل، لم تكن له شركة معه في عبادته المُنحرِفة ورفضه للوصية الإلهية.

  • سؤال: كيف يمكن أن نفعل كل شيءٍ لمجد الله؟...

إن فعلنا كل شيءٍ حسب الله ووصاياه، ولا نطلب مديح الناس[150].

القديس باسيليوس الكبير.

  • لا يكفينا أن نقتني الوصايا فقط، لكننا نحتاج إلى حفظ مستقصى وبليغ لها.
  • حيث إن المكافأة هنا أعظم والقوَّة الممنوحة بالروح أغزر، لذا يجب أن تكون فضائلنا أيضًا أعظم. فإنه لم يَعِدنا هنا بأرض تفيض لبنًا وعسلاً، ولا براحةٍ طول العمر، ولا كثرة الأطفال، ولا (ببركة) الحِنطة والخمر والغنم والقطعان، إنّما صارت لنا السماء والسماويات والتبنِّي والأخوَّة للابن الوحيد وشركة الميراث معه، وأن نتمجَّد معه ونملك معه، وغير ذلك من الجزاءات غير المحصيَّة. أمّا بخصوص تَمَتُّعنا بعونٍ أعظم، فاسمع ما يقوله بولس: "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح، لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (رو 8: 1 - 2) [151].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

فَثَبَّتَ الرَّبُّ الْمَمْلَكَةَ فِي يَدِهِ،.

وَقَدَّمَ كُلُّ يَهُوذَا هَدَايَا لِيَهُوشَافَاطَ.

وَكَانَ لَهُ غِنىً وَكَرَامَةً بِكَثْرَةٍ. [5].

إذ كان يهوشافاط يطلب مجد الله وبرَّه، وهبه الله مع التقوى الغِنَى والكرامة. يقول السيد المسيح: "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33؛ لو 12: 31).

  • ملكوت الله وبرُّه هو الخبز الذي نسعى إليه، والذي نقصده من كل أعمالنا. ولكننا إذ نخدم في هذه الحياة كجنودٍ راغبين في ملكوت السماوات، نحتاج إلى الضروريّات اللازمة للحياة، لذلك قال الرب: "هذه كلها تُزاد لكم"، "ولكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه".

فبقوله كلمة "أولاً"، أشار إلى طلبنا هذه الأشياء، ولكننا لا نطلبها أولاً، لا من جهة الزمن بل حسب الأهمية، فملكوت الله نطلبه كخير نسعى نحوه، أمَّا الضروريات فنطلبها كضرورة نحتاج إليها لتحقيق الخير الذي نسعى نحوه[152].

القدّيس أغسطينوس.

وَتَقَوَّى قَلْبُهُ فِي طُرُقِ الرَّبِّ،.

وَنَزَعَ أَيْضًا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالسَّوَارِيَ مِنْ يَهُوذَا. [6].

"تقوّى قلبه في طرق الرب"، بمعنى أنه سُرّ قلبه أن يسلك في طرق الحق الإلهي، أو رفع قلبه بكل إخلاص إلى الله، فصار سلوكه متناغمًا مع عبادته لله. وكما يقول المرتل: "إليك رفعت نفسي" (مز 119: 32). رفع القلب يشير إلى فرحه وتهليل قلبه بالله وبعبادته وخدمته بكل غيرةٍ ونشاطٍ.

لقد تشبَّه بيعقوب الذي لما رأى السلم النازل من السماء انطلق بكل قوةٍ ونشاطٍ، إذ قيل: "ثم رفع يعقوب رجليه، وذهب إلى أرض بني المشرق" (تك 29: 1).

ارتفع قلبه في طرق الرب، فلا تستطيع فخاخ العدو أن تمسك به، ولا للصعوبات أن تعوقه عن العمل، وكما قال الحكيم: "من يرصد الريح لا يزرع، ومن يراقب السحب لا يحصد" (جا 11: 4). سلك يهوشافاط بروح التحدِّي لإبليس وقواته ومكائده وخططه، لأنه اتكل على الرب إلهه الذي يرفع قلبه عن التراب، ويهبه روح القوة.

من الجانب الإيجابي، رفع قلبه في طرق الرب وتَقَوَّى؛ ومن الجانب السلبي "نزع أيضًا المرتفعات والسواري من يهوذا" [6]. قيل عنها: "ماذا نفع التمثال المنحوت حتى نحته صانعه، أو المسبوك ومُعَلِّم الكذب حتى أن الصانع صنعة، يتكل عليها فيصنع أوثانًا بُكمًا" (حب 2: 18).

بنزعه كل أثرٍ للعبادة الوثنية أعطى الفرصة لرؤسائه أن يُعلِّموا في مدن يهوذا، ومعهم اللاويون [7 - 8]. لقد حَطَّم مصدر الغواية والكذب ليُهيِّئ الطريق لقبول التعليم الحق.

وكأن يهوشافاط في حكمه ابتدأ بتقوية الجيش وتحصين المدن، ثم رفع قلبه للعمل بغير إحباطٍ، وإزالة مُعَلِّمي الكذب (العبادة الوثنية)، ثم إرسال مُعَلِّمي الحق، حتى يستنير الكل، ويقبل النور الإلهي.

لكن للأسف ارتدَّ الشعب إلى تلك الممارسات الوثنية، لم تمس هذه الإصلاحات قلب الشعب وضميره.

لهذا كثيرًا ما نسمع عن نزع المرتفعات والسواري، ويعود الشعب إلى إقامتها وممارسة الرجاسات الوثنية.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن بعض الملوك المُصلِحين كانوا يقومون بالإصلاح الجزئي فقط ومؤقتًا.

الأعداد 7-9

3. اهتمامه بالتعليم والعبادة لله

يذكر السفر هنا أنه اهتم بالجيش، لا في أورشليم وحدها، بل في جميع مدن يهوذا الحصينة. غير أننا من بين السطور نرى حكمة يهوشافاط، فقضى الثلاث سنوات الأولى أو أقل قليلاً يُعِدُّ جيشًا آخر وهو تدريب اللاويين وغيرهم وتشجيعهم على التعليم. فما كان يمكنه أن يرسل الرؤساء واللاويين أن "يعلموا في مدن يهوذا [7 - 9] دون إعداد قادة مدنيين وروحيين.

اهتم يهوشافاط بالتعليم حتى يتعامل مع شعبه، لا خلال الطاعة العمياء التي بلا فهمٍ، بل خلال المعرفة الصادقة. لم يَقْبَلْ أن يقودهم وهم معصوبو العينين، فيعوقون التقدُّم والإصلاح، إنما كخليقة عاقلة، تتعرَّف على الحق، وتزداد في المعرفة والحكمة.

لقد أَعَدَّ السيد المسيح اثني عشر تلميذًا وسبعين رسولاً للخدمة والشهادة لإنجيل الحق. هكذا يليق بالكنيسة أن تقتدي بعريسها، وتبث روح التعليم والمعرفة الصادقة تحت قيادة روحه القدوس.

وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِمُلْكِهِ، أَرْسَلَ إِلَى رُؤَسَائِهِ،.

إِلَى بِنْحَائِلَ وَعُوبَدْيَا وَزَكَرِيَّا وَنَثَنْئِيلَ وَمِيخَايَا،.

أَنْ يُعَلِّمُوا فِي مُدُنِ يَهُوذَا [7].

أراد يهوشافاط الملك أن يشترك الرؤساء المدنيون مع اللاويين، حتى يدرك الشعب أن قوانين الدولة تتجاوب مع الوصية الإلهية.

يُعَلِّق المؤرخ يوسيفوس: [الآن في السنة الثالثة لملكه، دعا حُكَّام البلد والكهنة، وأمرهم أن يجولوا في الأرض، ويُعَلِّموا الشعب الذين تحت سلطانه، مدينة مدينة، شريعة موسى، وأن يحفظوها، وأن يجاهدوا في العبادة لله. لهذا سُرَّت الجموع جدًا. بهذا لم يعد يشغلهم شيء ويغاروا على شيء مثل حفظ الشريعة[153].].

  • إني مؤتمن على الكرازة بالرب يسوع... ويليق بي ألا أزيد أو أنقص الأمانة. وإذ هي "بحسب أمر الله مخلصنا" (تي 1: 3)، ليس في سلطاني أن أهرب منها، إن الأمر ليس متروكًا لاختيارنا، فإما تنفيذه أو العقاب. وهذا واضح من قوله: "الضرورة موضوعة عليَّ، فويل لي إن كنتُ لا أُبَشِّر". (1 كو 9: 16).

إنني بصراحة أقول في وضوح في مشهد من الجميع إن من يؤتمن على قيادة الكنيسة وينال شرف الأسقفية يُدَان إن لم يصارح الناس بما ينبغي عليهم أن يفعلوا. أما الرجل العلماني فليس تحت هذا الإلزام.

  • تأملوا كيف ثبَّت المسيح كلماته بأعماله. هكذا يقول: "تَعَلَّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). عَلَّمَ البشر أن يكونوا فقراء، وقد أوضح ذلك بأعماله، فإن "ابن الإنسان ليس له أين يسند رأسه" (مت 8: 20). مرة أخرى أَوصى البشر أن يُحِبُّوا أعداءهم، وقد عَلَّم ذات الدرس على الصليب حين طلب من أجل صالبيه.

لقد قال: "من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاتركْ له الرداء أيضًا" (مت 5: 40). الآن لم يُعطِ فقط الثياب بل قَدَّم دمه. بهذه الطريقة أمر الآخرين أن يُعلِّموا. لذلك يقول بولس أيضا: "كونوا متمثلين بي" (في 3: 17). فليس شيء أكثر تفاهة من أن يُظهِرَ مُعَلِّم فلسفته بالكلمات؛ فإن هذا ليس من عمل المُعَلِّم بل المرائي. لذلك عَلَّمَ الرسل أولاً بسلوكهم وبعد ذلك بكلماتهم، بل بالأحرى لم يكونوا في حاجة إلى كلمات عندما نطقت كلماتهم بصوتٍ عالٍ. فليس من الخطأ أن تتحدَّث عن آلام المسيح كعملٍ، فإنه بآلامه، بهذا كله، تمَّم عملاً عظيمًا وعجيبًا، بل دمَّر الموت، وقدَّم لنا أمورًا كثيرة فعلها من أجلنا[154].

  • يُمَكِّننا المسيح من أن نكون أشبه بسرج، إذ نكون مُعَلِّمين للآخرين.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

وَمَعَهُمُ اللاَّوِيُّونَ شَمَعْيَا وَنَثَنْيَا وَزَبَدْيَا وَعَسَائِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَهُونَاثَانُ.

وَأَدُونِيَّا وَطُوبِيَّا وَطُوبُ أَدُونِيَّا اللاَّوِيُّونَ،.

وَمَعَهُمْ أَلِيشَمَعُ وَيَهُورَامُ الْكَاهِنَانِ. [8].

لكي يكون التعليم متكاملاً استخدم يهوشافاط ثلاث فئات:

1. الكهنة لتعليم الشريعة الإلهية والوصية.

2. اللاويين لتعليم الطقوس والفرائض والتسابيح.

3. الرؤساء لتعليم القانون المدني وقوانين الدولة، كما يقومون بمعاقبة المستهترين.

فَعَلَّمُوا فِي يَهُوذَا، وَمَعَهُمْ سِفْرُ شَرِيعَةِ الرَّبِّ،.

وَجَالُوا فِي جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا، وَعَلَّمُوا الشَّعْبَ. [9].

لم يقف يهوشافاط عند نقطة انفصاله عن الشر، إنما كان في قلبه يود أن يقيم ما هو صالح، وهذا لن يتحقق في حياة الشعب بدون تعليم كلمة الله والناموس في كل مكانٍ.

كان التعليم يحتلُّ مركز الصدارة في حياة الكهنة واللاويين، فالعبادة والتقدمات يلزم أن تصدر عن فهمٍ وإدراكٍ ومعرفةٍ. غالبًا ما كان الكل قد أهمل التعليم في فترات الضعف الروحي.

كما أن موسى الذي يُمَثِّل التعليم وهرون الذي يُمَثِّل العبادة يعملان معًا، هكذا يليق عدم الفصل بينهما في كل الأجيال.

كان معهم "شريعة الرب" حتى لا يُعَلِّموا حسب وصايا الناس.

انتشر المُعلِّمون في كل مدن يهوذا وقُرَاها، مؤكدين أن كلمة الله هي طريق الإصلاح الحقيقي والنهضة.

لم يستمدّ اللاويون سلطانهم في التعليم من انتداب الملك لهم، وإنما من "سفر شريعة الرب" [9]. ولعل هذا السفر هو الذي اكتُشف في الهيكل في أيام الملك يوشيا.

في فترة العودة من السبي، اهتم عزرا بالتعليم حسب شريعة الرب (نح 8).

لم يقف التعليم عند طقوس ممارسة العبادة والتسبيح، وإنما أيضًا حفظ الشريعة.

في القرن الثاني الميلادي نرى مدى اهتمام الكنيسة برتبة الشماسية للقيام بنفس دور اللاويين، وهو التعليم[155].

  • بعبارات صغيرة يزرع (الكتاب) الحكمة الإلهية في كل من يكون مهتمًا، وفي دفعات كثيرة عبارة واحدة تُقَدَّم للذين يقبلونها يمكن أن تكون مصدرًا لمؤونة رحلة الحياة كلها[156].
  • من المفيد جدًا قراءة الكتاب المقدس، فإنها تجعل النفس حكيمة، وتُوَجِّه الروح نحو السماء، وتُحَرِّك الإنسان نحو الشكر، وتهلك الرغبة في الأمور الأرضية، وتدع أذهاننا تتمعن باستمرار في العالم الآخر[157].
  • أُعطِي الكتاب المقدس بهذا الهدف أن يكون إنسان الله كاملاً به، بدونه لن يمكن أن يكون كاملاً. يقول (الرسول): لديك الكتب المقدسة عوضًا عني. إن أردت أن تتعلَّم شيئًا فتَعَلَّمه منها. هذا كتبه لتيموثاوس المملوء من الروح، فكم بالأكثر يكون بالنسبة لنا! [158].
  • بذرة الإنجيل هي أصغر البذور، لأن التلاميذ كانوا أكثر حياءً من غيرهم، لكنهم يحملون فيهم قوَّة عظيمة، فانتشرت كرازتهم في العالم كله[159].
  • كلمة واحدة من الكتب الإلهيّة هي أكثر فاعلية من النار! إنها تلين قسوة النفس، وتُهَيِّئها لكل عمل صالح[160].

القدّيس يوحنا الذهبي الفم.

الأعداد 10-11

4. تأثيره على الممالك المجاورة

وَكَانَتْ هَيْبَةُ الرَّبِّ عَلَى جَمِيعِ مَمَالِكِ الأَرَاضِي الَّتِي حَوْلَ يَهُوذَا،.

فَلَمْ يُحَارِبُوا يَهُوشَافَاطَ. [10].

نتيجة للالتصاق بالله وحفظ كلمته المقدسة أعطى الله الملك وكل دولته مهابة "هيبة الرب" أمام الأمم المجاورة، وحَلَّ الرخاء في البلاد. كلما وهبه الرب كرامة وخيرات ارتفع بالأكثر قلبه نحو طرق الرب.

من يخشى الرب ويهابه، يهبه مهابة في أعين الناس.

وَبَعْضُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَتُوا يَهُوشَافَاطَ بِهَدَايَا وَحِمْلِ فِضَّةٍ،.

وَالْعُرْبَانُ أَيْضًا أَتُوهُ بِغَنَمٍ مِنَ الْكِبَاشِ سَبْعَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ،.

وَمِنَ التُّيُوسِ سَبْعَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ. [11].

صار الفلسطينيون الذين كانوا أعداء لليهود في أيام داود في مَوَدَّة، وأرسلوا هدايا وفضة إجلالاً ليهوشافاط ولكسب صداقته. لقد وعد الله أنه يجعل أعداءنا يسالموننا (أم 16: 7).

الأعداد 12-19

5. قوته العسكرية

وَكَانَ يَهُوشَافَاطُ يَتَعَظَّمُ جِدًّا،.

وَبَنَى فِي يَهُوذَا حُصُونًا وَمُدُنَ مَخَازِنَ. [12].

من كثرة الهدايا قام يهوشافاط ببناء مدن مخازن لحفظ الهدايا.

وَكَانَ لَهُ شُغْلٌ كَثِيرٌ فِي مُدُنِ يَهُوذَا،.

وَرِجَالُ حَرْبٍ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ فِي أُورُشَلِيمَ. [13].

وَهَذَا عَدَدُهُمْ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ مِنْ يَهُوذَا رُؤَسَاءِ أُلُوفٍ:

عَدَنَةُ الرَّئِيسُ وَمَعَهُ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ. [14].

وَبِجَانِبِهِ يَهُونَاثَانُ الرَّئِيسُ وَمَعَهُ مِئَتَانِ وَثَمَانُونَ أَلْفًا. [15].

وَبِجَانِبِهِ عَمَسْيَا بْنُ زِكْرِي الْمُنْتَدِبُ لِلرَّبِّ وَمَعَهُ مِئَتَا أَلْفِ جَبَّارِ بَأْسٍ. [16].

ذكر هنا خمسة قادة عسكريين مع عدد الذين كانوا تحت قيادتهم، ثلاثة في يهوذا، واثنين في بنيامين.

ما أروع ما قيل عن القائد العسكري عمسيا، "كان منتدبًا للرب"؛ لم يكن مندوبًا عن الملك فقط ليخدمه في هذا المنصب، إنما كان يحسب نفسه مندوبًا عن الرب ليُمَجِّدَه بهذا المنصب. لقد كان أبرز هؤلاء القادة العسكريين في اهتمامه بالعبادة. قبل المنصب لا للكرامة ولا للسلطان أو المنفعة، إنما ليُمَجِّد الله. كان يخدم الرب وبلده بضميرٍ صالحٍ.

لم يُقَدِّمْ عمسيا شيئًا للرب، بل قَدَّم نفسه وقلبه له. قيل: "يا ابني أعطني قلبك، ولتُلاحِظ عيناك طرقي (أم 23: 26).

أقصى ما يريده الله منا هو القلب، ففي العهد القديم قُدِّم لنا الناموس منقوشًا على حجارة، لعل قلوبنا الحجرية تلتقط شيئًا من الناموس الإلهي، أو يترك الناموس بصماته على قلوبنا. وإذ لم يحدث هذا، قَدَّم لنا إنجيل العهد الجديد ناموسًا منحوتًا بالروح القدس على قلوبنا. "أجعل نواميسي في أذهانهم، وأكتبها على قلوبهم" (عب 10: 8). لهذا إذ يصرخ الكاهن: "ارفعوا قلوبكم"، يترنم الشعب متهللاً: "هي عند الرب".

  • في داخلكم إما معرفة الحق أو جهل، الابتهاج بالفضيلة أو الرذيلة، بهذا نعد قلوبنا إما لملكوت المسيح أو ملكوت إبليس[161].

الأب موسى.

  • إن لم تُعطِ نفسك your soul، فإنك تفقدها. تتكلم المحبة نفسها خلال الحكمة، وتخبرك كي تُخَلِّصك من حالة الذعر، إذ يقال: "أعطني نفسك".

إن أراد أحد أن يبيع لك حقلاً، يقول لك: "أعطني ذهبك"، وإن كان شيء آخر، يقول لك: "أعطني نحاسك"، "أعطني فضتك".

الآن لتصغِ إلى ما تقوله المحبة لك، إذ تنطق خلال فم الحكمة: "يا ابني أعطني قلبك". ماذا تعطيها؟ "قلبك يا ابني". كان قلبك شريرًا حين كان معك، عندما احتفظت به لنفسك. كُنت تُسحَب في هذا الطريق وذاك كما بالدمي والتفاهات وشهوات الحُبِّ المُدَمِّر.

استبعد قلبك عن هذا كله. إلى أين تسحبه؟ أين تضعه؟ تقول الحكمة: "أعطني قلبك". اجعله لي، فلا تفقده[162].

القديس أغسطينوس.

وَمِنْ بِنْيَامِينَ أَلِيَادَاعُ جَبَّارُ بَأْسٍ،.

وَمَعَهُ مِنَ الْمُتَسَلِّحِينَ بِالْقِسِيِّ وَالأَتْرَاسِ مِئَتَا أَلْفٍ. [17].

وَبِجَانِبِهِ يَهُوزَابَادُ وَمَعَهُ مِئَةٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا مُتَجَرِّدُونَ لِلْحَرْبِ. [18].

كان عدد رجال الجيش تحت قيادة هؤلاء الخمسة قد بلغ 1160000 جباري بأس ومحاربين، وهو رقم كبير للغاية بالنسبة لمساحة يهوذا وبنيامين. فأبيَّا استطاع أن يجمع 400000 (13: 3)، وآسا 600000 (14: 8).

أما سرّ تزايد العدد إلى الضعف تقريبًا عمّا كان عليه العدد في أيام آسا، فهو الآتي:

أ. سبق أن وعد الله إبراهيم أن نسله سيكون كنجوم السماء ورمل البحر في العدد.

ب. وجود فترة سِلْم طويلة لم يُقتَل فيها جنود.

ج. يُفترَض أنه مع حركة الإصلاح اتَّسعًت مدينة أورشليم جدًا.

د. كثيرون أتوا من مملكة إسرائيل، وانضموا إلى مملكة يهوذا (15: 19)، مما جعل عدد الشعب يتزايد.

هـ. كان العنصر الرئيسي في زيادة العدد، هو بركة الرب التي رافقت يهوشافاط، ونجاحه في كل عملٍ تمتد إليه يده.

هَؤُلاَءِ خُدَّامُ الْمَلِكِ،.

فَضْلاً عَنِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ الْمَلِكُ فِي الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي كُلِّ يَهُوذَا. [19].

غالبًا ما كان الجنود يعيشون في بلادهم، يمارسون بعض الأعمال، ومن حين إلى آخر يُستدعون للتدريب العسكري. أما قادة الجيش، فكانوا يخدمون في شئون الدولة كموظفين في البلاط الملكي ووزراء للدولة ومشيرين للملك.

أخيرًا، فإن ليست ضخامة عدد الجند هي سرّ رهبة الجيش لدى الأمم المحيطة، إنما وهبهم الله من عنده مهابة مع نجاح وتَقدُّم ونعمة في أعين الجميع.

من وحي 2 أي 17.

إلهي أنت هو سرُّ نجاحي!

فتكون يدك معي، لأسير في طريقك يا ابن داود.

بك أشعر بروح القوة يا ملك الملوك.

تُقِيم من الضعفاء أبطالاً.

ترفعني من المزبلة، وتهبني سلطانًا.

فلا يكون لقوات الظلمة موضع في داخلي.

  • من يقتنيك لا يعوزه شيء.

تُقِيم ملكوتك في داخلي.

فتهبني من فيض حكمتك وغناك وكرامتك.

تنزع من داخلي كل صنمٍ أَتعَبَّد له.

وتُقِيم منِّي هيكلاً مقدسًا لك.

يُعَلِّمون يهوذا وصيّتك المقدسة.

افتح عن عيني، فأَتعرَّف عن أسرارك.

واحملني بروحك إلى مائدة وصاياك.

أَتلذَّذ بكلماتك، وأَشبع بحُبِّك، وتمتلئ نفسي فرحًا بك.

روحك القدوس ينقش وصاياك في قلبي.

كنيستك المقدسة تُدَرِّبني بروح الحق.

تدخل بي إلى عربون السماء، فتستنير نفسي.

  • تُقِيم من ضعفي سفيرًا لك.

أَشهد بحُبِّك مناديًا: تصالحوا مع الله!

تُقِيم من أعماقي أورشليمي الحصينة.

تُدَرِّب طاقاتي وعواطفي وأحاسيسي،.

فتُقِيم منها جيشًا بألوية.

نعم، أنت هو سرُّ نجاحي.

بدونك تنهار نفسي إلى التراب،.

وبك تُقِيمني إلى الشركة مع خدامك السمائيين!


[150] Reg. Brev. , 195.

[151] In Matt. hom 16: 6.

[152] Sermon on Mount, 5: 53.

[153] Antiq. 8: 15: 2.

[154] Hom. On Acts, Homily 1.

[155] Cf. Clement of: Corinthians 32: 2; 40: 5.

[156] Concerning the Statues, homily 1: 3.

[157] د. عدنان طرابلسي: شرح إنجيل متى للقديس يوحنا الذهبي الفم، 1996، ص 5.

[158] In 2 Tim. hom 9.

[159] In Matt. hom 47.

[160] In Matt. hom 2: 9.

[161] Cassian: Conferences 1: 13.

[162] Sermon 34: 7.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ عَشَرَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 17
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 17