الأصحاح الثالث – إنجيل يوحنا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل يوحنا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثالث

(مع نيقوديموس ليلاً).

مقدمة الإصحاح الثالث.

رأينا فيما سبق أن المسيح كلمة الله تجسد ليعطينا الفرح، بشرط أن نجاهد لنطهر أنفسنا، ولكن هل جهادنا يكفي؟ هنا نرى معلم يهودي من الفريسيين وهؤلاء مشهور عنهم جهادهم وتدقيقهم وإلتزامهم بالناموس. نجده يأتي للمسيح، ومن المؤكد أنه يبحث عن أعمال أخرى يرضي بها الله. وبدأ حديثه مع المسيح بالتحيات التي إعتاد اليهود إستعمالها مع بعضهم البعض لذلك وبخهم المسيح قائلا "كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يو44: 5). كما نادى الشاب السيد قائلاً "أيها المعلم الصالح".

ونجد المسيح وهو فاحص القلوب والكلي، لم يرد على تحية نيقوديموس بالتحيات، ولا أجابه عن إرشاده لمزيد من الأعمال ليعملها، بل فتح معه موضوعاً لم يفهمه نيقوديموس. وجدنا المسيح يتكلم عن لزوم الولادة الجديدة من الماء والروح، حتى يتجدد الإنسان تجديداً شاملاً ويصبح خليقة جديدة. فالمسيح لا يبحث عن وضع رقعة جديدة في ثوب عتيق، بل هو يريد أن يكون الكل جديداً (2كو17: 5). فلأن الخليقة الاولى أفسدتها الخطية، فالحل هو الخليقة الجديدة وهذا معنى (إر 18، 19). والمعمودية هي المدخل للحياة الجديدة بعد أن سمعنا عن خمر جديدة وهيكل جديد نسمع هنا عن ولادة جديدة. ومن أين تكتسب المعمودية قوتها؟ نجد المسيح يشرح هذا بفكرة أنه كما رفع موسى الحية النحاسية هكذا سيرفع إبن الإنسان على الصليب ويموت. والمعمودية هي موت مع المسيح وقيامة مع المسيح متحدين به (رو3: 6 - 5). المعمودية هي نعمة من الله، ولكن كل نعمة نحصل عليها هي شئ قابل لأن يزداد بجهادنا أو يضمحل وينقص بتكاسلنا.

مقدار من النعمة

مثال: سر الميرون نحصل به على نعمة حلول الروح القدس فينا. ولكن نجد الرسول بولس يقول "إمتلئوا بالروح" (أف18: 5). ويقول "إضرم موهبة الله التي فيك بوضع يدي" (2تي6: 1). ولكنه يقول أيضاً "لا تطفئوا الروح" (1تي19: 5).

وهكذا في المعمودية: نحن نحصل على المقدرة على التغيير. ومن يجاهد تموت طبيعته القديمة تماماً ويحصل على طبيعة جديدة، إنسان داخلي جديد يشبه المسيح (غل19: 4).

والمعمودية وجهادنا لا ينفعان شيئاً بدون إيمان، لذلك يضيف القديس يوحنا الآيات الأخيرة في الإصحاح ليشير لأهمية الإيمان. فالإيمان هو المدخل ثم المعمودية ثم جهادنا وتوبتنا لنثبت على ما حصلنا عليه ويستمر التغيير والتجديد. ومن يجاهد يعمل فيه الروح ليجدده "بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو13: 8).

والمسيح لم يكلم السامرية ولا الزانية عن المعمودية، فالخطية ظاهرة في حياتهم. إنما يكلم نيقوديموس ويدعوه للمعمودية والتجديد، فهو مملوء من البر الذاتي. لذلك على كل من يشعر فينا بأنه بار، عليه أن يقدم توبة سريعة ليتجدد ويتغير فهو مخدوع، فليس بار ليس ولا واحد. فلنقل أننا عبيد بطالون محتاجون للتغيير. ولاحظ أن المعمدان علم بأن المسيح سيأتي بمعمودية بالروح القدس ونار. ومن يولد من الروح سيكون له طبيعة جديدة (في محبته ووداعته..) تظهر فيه، إذ أن نتائج عمل الروح تكون واضحة دون أن يرى أحد الروح.

  1. يقرأ هذا الجزء يوم الجمعة السادسة من الصوم الكبير التي تسبق أحد التناصير مباشرة لما جاء فيه عن الميلاد من الماء والروح، وأهمية التجديد في حياتنا والتغيير لنصل إلى صورة المسيح (غل19: 4).
  2. رأينا في الإصحاح السابق الهدم والبناء للهيكل القديم أي موت الإنسان وقيامته، وهنا نرى سر التجديد والبناء للكنيسة كأفراد، فالهدم هو هدم الإنسان العتيق ثم قيامة الإنسان الجديد بالمعمودية من الماء والروح. فبالمعمودية نولد من جديد لندخل هيكل الله الجديد أي ملكوت الله. فللإنسان المسيحي ميلادين، أولهما جسدي به يكون إبناً لآدم وثانيهما من الماء والروح يصير به إبناً لله وللكنيسة. الميلاد الأول أرضي من رجل وامرأة والميلاد الثاني سماوي من الله والكنيسة. (ونرى الخلقتين فى أف 10: 2). والخليقة الجديدة بها نكون فى المسيح (2كو5: 17) والتوبة هي صون للنعمة التي أخذناها بالمعمودية، التوبة تجدد عمل المعمودية في حياتنا لذلك يسمونها معمودية ثانية. المعمودية هي موت وقيامة مع المسيح. والتوبة هي قرار بالموت عن الخطية فتكون لي قيامة ثانية مع المسيح لذلك هي معمودية ثانية.
  3. ونيقوديموس هو من رجال إسرائيل الكبار، عضو في السنهدريم ودارس كبير للناموس وهو آمن بالمسيح إذ رأى الآيات التي صنعها يسوع في أورشليم (2: 3). وبحسب العقلية اليهودية، فهذا الفريسي الكبير الذي يؤمن بالبر الذاتي، كان ينتظر أن يسمع من المسيح عن ممارسات جديدة يزداد بها بره الشخصي (مر17: 10). ولكن المسيح لم يكلمه عن تعديل في سلوك بل عن تغيير الطبيعة البشرية كلها. فما فائدة الأعمال والخليقة قد فسدت وصارت غير مقبولة. [المسيح كان يتكلم عن عمل الروح ونيقوديموس مصر على عمل الجسد (الولادة من بطن)] وبعد هذا الحديث نجد نيقوديموس يدافع عن المسيح أمام المجمع (50: 7 - 51) ثم جاهر بإيمانه بعد موت المسيح (39: 19).
  4. الأعداد 1-21

    الآيات (يو3: 1– 21): -

    "1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». 3أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». 4قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟ » 5أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. 6اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. 7لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ. 8اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ». 9أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذَا؟ » 10أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هذَا! 11اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا. 12إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟ 13 وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ. 14« وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. 19 وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. 20لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. 21 وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ»".

    آية (يو3: 1): - "1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ.".

    رئيساً لليهود = أي عضو من السنهدريم. وفي (10) معلم إسرائيل = دكتوراه في الناموس اليهودي. وقد جاء في التلمود أن شخصاً إسمه نيقوديموس أحد أربعة من الأغنياء وأنه من أتباع المسيح.

    آية (يو3: 2): - "2هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ».".

    جاء ليلاً = ويوحنا الإنجيلي يذكر هذه العبارة 3 مرات (50: 7 + 39: 19). فمجيئه ليلاً يكشف عن حذره وخوفه وأنه لا يريد أن يعرض مركزه للخطر، ويكشف عن كبريائه، فكيف يأتي هذا المعلم الكبير لنجار ليتعلم منه. ماذا يقال عنه لو عرف الفريسيون ما عمله. وهذا يعني أن الإيمان لم ينمو ليصبح إيمان حي بإبن الله كمخلص حقيقي، ودواء الخوف هو المسيح، والإيمان به. ومجيئه ليلاً يشير إلى أنه لم يعثر بعد على الإيمان والنور الإلهي (قارن مع يو30: 13) في مفهوم القديس يوحنا كلمة ليلاً تشير للخطية والكبرياء والظلام في القلب. نعلم أنك أتيت من الله معلِّماً = هذه قد جاءت من معلم عظيم كنيقوديموس، لذلك ففي نظره أن المسيح له قيمة عظيمة.

    نعلم = ليس المهم أن تعلم فقط بل أن تتغير. وقوله نعلم يشير إلى أن غيره من الفريسيين أعجبوا بأعمال المسيح وتعاليمه. رابي = هي إحدى درجات ثلاث وترتيبها راب / رابي / رابون. وتأتي من كلمة جذرها في العبرية يعني كبير أو عظيم. ومع كل هذا كانت معرفة نيقوديموس بالمسيح ناقصة، كان ينقصه إيمانه بأن المسيح هو إبن الله. إن لم يكن الله معه = (تك24: 26 + قض12: 6). فنفهم من هذا أن رأي نيقوديموس أن الله يعين المسيح، وبهذه المعونة يعمل أعماله الإعجازية.

    آية (يو3: 3): - 3أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ».

    هنا المسيح لا يرد على كلام نيقوديموس بل على أفكاره (يو24: 2) فنيقوديموس كان يسعى وراء معرفة يزدادها من المسيح. والمسيح كلمه عن إيمان يحتاجه، نيقوديموس يريد أن يبني على معلوماته القديمة معلومات جديدة يتباهى بها، أو ممارسات يعملها فيتبرر أكثر. والمسيح يقول بل هناك شئ جديد ينبغي أن يولد، هناك ولادة جديدة وليس مجرد إضافة. حتى ولا يكفي إعجابك بالمعجزات التي رأيتها.

    الحق الحق = تفيد التوكيد، وأن ما سيقال هو شئ جديد أو غريب على أسماعهم، وهو شئ هام. وتفيد أن المتكلم هو الله، فالأنبياء يقولون هكذا.. يقول الرب.

    يولد من فوق = أي من السماء (وتترجم يولد ثانية). وهذا حادث يتم للإنسان بقوة إلهية تفوق فهم الإنسان، لذلك تسمى المعمودية سر. وهي تعني أننا صرنا أولاداً لله، وذلك بإتحادنا بالمسيح الإبن. فنصلي "أبانا الذي في السموات". يرى ملكوت الله = بهذه الولادة يتصل الإنسان بالوجود الفوقاني أي ملكوت الله، لأننا بخطية آدم فقدناها.

    لا يقدر = حتى على التأمل في السماويات بسبب العجز الروحي الراجع للخطية. ملكوت الله = قالها يوحنا هنا وفي آية (5) ثم أصبح يطلق عليها الحياة الأبدية وهو يعني أن الله يملك على كنيسته بقوة منذ الآن ويتمم إرادته ومشيئته في أولاده الذين يملكونه على قلوبهم. ولكن ملكوته هذا سيستعلن بشكل جديد في الزمن الآتي حين يتلاشى الشر تماماً ونحيا في ميراث المجد العتيد. (هذا الفهم لملكوت الله لن يفهمه سوى المولود من فوق، أما اليهود فيطلبون ملكاً أرضياً).

    الولادة الجديدة: - تعبير الولادة الجديدة إستخدمه اليهود فى عدة مناسبات كتشبيه. أمثلة لذلك: دخول أممى لليهودية، هذا تم تشبيهه عند اليهود بأنه كطفل وُلد جديدا بتوبته وقد بدأ علاقة جديدة بالله. وهكذا قالوا عن العريس الجديد بل إستخدموا هذا التشبيه حين يتم ترقية أحد ليصير رئيسا للأكاديمية أو جلوس ملك على عرشه. ويسمى الداخل للإيمان مولودا جديدا فهو قد دخل إلى علاقة جديدة مع الله وغفرت خطاياه وهو قد قطع وترك كل علاقة قديمة بينه وبين العالم القديم حتى أهله وأصدقاءه. ولكن كلام المسيح مع نيقوديموس لم يعطه أن يفهم كلامه فى ضوء هذه التشبيهات اليهودية، أو أن المسيح يطلب منه التوبة عن أعمال سابقة. بل هو فهم أن المسيح يتكلم عن ولادة جديدة حقيقية وليست كتشبيه. ثانيا اليهود يتكلمون عن هذه الولادة الجديدة كنتيجة لأن هذا الشخص قد تقبل تحمل مسئولية جديدة، فالملك يتحمل مسئولية المملكة الجديدة. أما كلام المسيح فهو عكس هذا إذ يقول أن شرط دخول هذا الملكوت الجديد أن يولد الشخص من جديد. كما أن المسيح يقول أن هذه الولادة هى من فوق. واليهود يفهمون التوبة والغفران والعلاقة الجديدة بين الله والإنسان، وأن هذا مسئولية الشخص. ولكنهم لا يفهمون تجديد الداخل بخليقة جديدة وولادة روحية وأن هذا شرط لكى يرى الإنسان ملكوت الله. ولا يفهمون كيف أن اليهودية ليست هى ملكوت الله، أو أن هناك ملكوت آخر لله غير اليهودية. لكل هذا كانت هناك صعوبة شديدة لنيقوديموس ليفهم شئ جديد عن شرط الملكوت والولادة الجديدة ضد ما تأصل فى عقله وقلبه.

    بحسب فهم نيقوديموس هو قادر أن يفهم كيف أن إنسان ربما يصبح آخر (وهذا يحتاج إلى توبة وإلى جهاده ليتغير إلى شخصية جديدة) ويصبح فى النهاية له شخصية جديدة. وكان هذا معنى معمودية المعمدان، القرار الإنسانى وجهاده ليبدأ بداية جديدة.

    ولكن كان لا يمكن أن يفهم أن الإنسان يجب أولا أن يصبح إنسانا آخر حتى يمكنه أن يصبح آخر فى النهاية، وأن هذا يلزمه أن يولد من فوق أولا. هذا سر يصعب فهمه على اللاهوت اليهودى. وهذه هى معمودية المسيح بالروح القدس ونار، من فوق وليس بالإنسان. وهنا أراد نيقوديموس أن يفهم كيف يحدث هذا قبل أن يؤمن، ولكن كيف يفهم وهذه الأمور سماوية، فهو سيولد من فوق وليس على الأرض، والسماء لا يقدر أحد أن يصعد إليها. لذلك كان عليه أن يصدق المسيح الذى أتى من السماء وهو فى السماء.

    آية (يو3: 4): - "4قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟ ».".

    لم يفهم نيقوديموس ما قاله المسيح وأعلن عن عجزه على الفهم. وكما أنه من الصعب أن يدخل الشيخ العجوز لبطن أمه، كان صعباً على نيقوديموس أن يتقبل فكرة الميلاد الثاني بعد أن قضي عمره لا يفهم سوى البر الذاتي. [المسيح يتكلم عن ملكوت الله كخليقة جديدة ونيقوديموس يصر على تكرار القديم (الولادة الجسدية)] المسيح لا يغير الظروف الخارجية بل هو يعيد تغيير الداخل ويخلقه جديداً.

    آية (يو3: 5): - "5أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ.".

    المسيح يشرح له أن الميلاد المقصود هو من الروح، ميلاد روحاني للنفس هو ميلاد غير منظور. يولد من = وترجمتها من داخل، أي يدخل الإنسان للماء ليخرج مولوداً جديداً من الروح. (والمقصود بالولادة من فوق هو الروح). والروح يقدس الماء في المعمودية ليكون لها قوة على الميلاد الثاني الروحاني. كما يقول القديس كيرلس الكبير.. الميلاد من الماء والروح هو موت عن حياة جسدية سالفة وتقديس ثم قبول حياة جديدة مخلوقة بالروح القدس لتؤهل النفس للحياة مع الله في ملكوته. لذلك يسبق المعمودية توبة وإعتراف فهي بداية جديدة. والمعمودية هي موت مع المسيح عن حياتنا السالفة لقبول حياة جديدة من عمل الروح القدس هي من حياة المسيح. والميلاد من الروح ومن الماء كان في ذلك الوقت ليس غريباً عن نيقوديموس، فكان المعمدان يقول هذا عن المسيح الذي سيعمد بالروح القدس ونار.

    يدخل ملكوت الله = كما كان الختان شرط أن يكون الشخص من شعب الله في العهد القديم، هكذا في العهد الجديد فالمعمودية شرط لدخول ملكوت الله.

    آية (يو3: 6): - "6اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.".

    اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ = المولود من جسد فاسد يكون جسد فاسد مثله. ولذلك يقول لهم الرب يسوع هنا أنا جئت لتجديد الخليقة. أنا النور الذى يرشدكم لطريق الحياة لتولدوا من الروح.

    بالمعمودية يتحول الإنسان من حياة قديمة حسب الجسد إلى حياة حسب الروح. وما لا يستطيعه الجسد تستطيعه الروح. فأنت الآن يا نيقوديموس تتصور أنك لا يمكنك ترك شهواتك، هذا لأنك مولود من جسد. وبهذه الآية يشرح السيد لنيقوديموس أن الولادة الثانية ليست ولادة جسدية أي لا داعي لأن يدخل بطن أمه ثانية. ومن يولد من الجسد يموت، أما من يولد من الروح ويقوده الروح فله حياة أبدية فالمولود من الروح يقوده الروح حتى يصل به للسماء. من يولد من الجسد يشتهي العالم ومن يولد من الروح يشتهي الإلتصاق بالله، ويتخلى عن شهواته الجسدية.

    آية (يو3: 7): - "7لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.".

    فإذا كنت تريد أن تكون رجلاً روحياً ينبغي أن تولد من فوق. فإذا كنت قد جئت لي لتتعلم كيف ينبغي أن تحيا في ملكوت الله فلن ينفعك الأعمال الجسدية كلها فهي من الجسد. أولاً تولد من فوق ثم تعمل أعمالاً يعينك فيها الروح بعد ذلك لتستمر كميت أمام الخطية، وحياً للبر فى المسيح (رو6)، لتتجدد يوماً فيوماً.

    آية (يو3: 8): - "8اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ».".

    السيد يشرح له أن الولادة من الروح لها قوة غير منظورة للتغيير، ويتغير الإنسان ويصير إنساناً جديداً. كمن ولد من جديد. في العبرية واليونانية كلمتي روح وريح هي كلمة واحدة، وكلمة تهب من نفس أصل كلمة ريح والمعنى أنه كما تتحرك أوراق الشجرة فنعرف أنها تعرضت لريح، هكذا المولود من الروح تظهر عليه علامات عمل الروح القدس بغاية الوضوح والقوة في كلامه وتصرفاته وفهمه ومحبته وحكمته.. الخ. هذا هو التغيير بالروح (رو13: 8). ولكن ذلك لكل من يجاهد فيعين الروح ضعفاته (رو26: 8). وهذا أيضاً ما أسماه بولس الرسول ختان القلب بالروح (رو29: 2) أي إزالة الشهوات الخاطئة من داخل القلب كمن يقطعها بمشرط الختان. إذاً يولد الإنسان من الروح فيوجد داخله إنسان جديد روحي يقوده الروح، فالروح القدس يقود الروح الإنسانية، ويقودنا الروح القدس (الذي نحصل عليه في سر الميرون بعد المعمودية) لتتجدد طبيعتنا ونصير خليقة جديدة.

    آية (يو3: 9): - "9أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذَا؟ ».".

    يقصد نيقوديموس أنه كيف يتم هذا؟! وكان لا معنى لسؤاله فالمسيح أوضح له أنه ليس من عمل إنسان بل هو عمل فائق من الروح القدس.

    آية (يو3: 10): - "10أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هذَا!".

    هذا عتاب لكل معلمي اليهود في شخص نيقوديموس، الذين سمعوا بالتأكيد عن عمل الروح القدس وكيف أنه يجعل الشخص جديداً. وهذا حدث حتى مع شاول الملك. وكذلك نجد هذا في عدة أماكن (راجع 1صم1: 10 + 6 + 9 - 10 + 1صم13: 6.. وهذا ألا يعتبر كميلاد ثان للإنسان. وراجع (مز10: 51).. وألا يعتبر هذا خلقاً جديداً. وراجع (حز19: 11 + 31: 18) بل أن حزقيال جمع عمل الماء والروح في الخلق الجديد (حز25: 36 + 26 - 28 + 9: 37 - 14) وراجع أيضاً (إش18: 65 - 19 + 8: 66 - 9). وعن عمل الروح القدس راجع (يؤ28: 2 - 29).

    1. ولادة شعب بأكمله: - "من سمع مثل هذا. من رأى مثل هذا هل تمخض بلاد فى يوم واحد. أو تولد أمة دفعة واحدة. فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها" (إش66: 8) + "... بل إفرحوا وإبتهجوا إلى الأبد فى ما أنا خالق لأنى هأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها فرحا" (إش65: 18).
    2. الولادة من الروح: - "فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه (هذا عن شاول الملك).... وكان عندما أدار كتفه لكى يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلبا آخر" (1صم10: 1، 9، 10) + (1صم16: 13) + (مز51: 10) + (حز11: 19) + "فقال لى تنبأ للروح (أى صلى).. وقل... هب على هؤلاء القتلى ليحيوا... فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم.... (حز37: 9 – 14) + (يؤ2: 28).
    3. الولادة من الماء والروح: - "وأرش عليكم ماء طاهرا فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم.... وأعطيكم قلبا جديدا وأجعل روحا جديدا فى داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحى فى داخلكم... (حز36: 25 – 28). وألا يعتبر هذا التغيير الجوهرى فى قلوب الشعب أنه ولادة جديدة من الماء والروح.
    4. وألم تبدأ الحياة فى الخليقة الأولى عندما كان روح الله يرف على وجه المياه (تك1: 1، 2). وألم تخرج الأرض وتبدأ الحياة عليها من الماء (تك1: 9 – 13) فى اليوم الثالث للخليقة.

    آية (يو3: 11): - "11اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا.".

    المسيح يوبخ نيقوديموس أنه لا يفهم، أمّا المسيح فيعلم. والمسيح يتكلم هنا بصيغة الجمع وقد يقصد الثالوث فالآب يريد الإعلان والإبن والروح ينفذان، والإبن لا يعمل شيئاً بدون الآب، أو هو وتلاميذه، أو هو والأنبياء الذين تنبأوا عن هذه الأيام. (ولاحظ أن التلاميذ سمعوا عن هذا من المعمدان). وبحسب الناموس فالشهادة تكون على فم إثنين. الرب يقول له إن هذا موضوع ليس للنقاش بل ستلاحظون وتدركون عمل الروح، ولكني أنا أخبرك به من الآن.

    آية (يو3: 12): - "12إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟".

    الأرضيات = أي الأمور السماوية مشروحة بطريقة أرضية ليفهمها الناس. السمويات = أي لو استعلنها المسيح على مستوى جوهرها السمائي والإلهي. والقول يشير إلى أنه إذا لم تفهم يا نيقوديموس الولادة من الماء والروح فهل ستفهم الأكل من جسد المسيح ودمه، أو قول المسيح أنه والآب واحد أو سر الثالوث القدوس. (وقد تكون الأرضيات هي مفاعيل المعمودية في المؤمن على الأرض أو أي أمور روحية تخص الحياة على الأرض والسمائيات هي الحياة في العالم الآخر والنصيب المعد لنا هناك.

    آية (يو3: 13): - "13 وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ.".

    سبق في آية (2) أن قال نيقوديموس "أنك أتيت من الله معلماً" والمسيح هنا يقول لا بل أنا أتيت من السماء، ولست معلماً كمعلمي اليهود. هنا المسيح بدأ يشرح السمويات لنيقوديموس بحسب ما يمكنه فهمه. وهو جاء ليعطي حياة أفضل للإنسان فيها يولد من فوق. ومع أن المسيح نزل من فوق إلا أنه سيصعد إلى فوق ومع هذا فهو بلاهوته لم يغادر السماء. هو السماوي نزل ليحملنا فيه للسماء، ولذلك قال "إثبتوا فيَّ" وهذه الآية تثبت لاهوته. صعد إلى السماء = أي يرى أسرار السماء وحده فلا أحد من البشر صعد للسماء ليعرف أسرارها. ولأنه من السماء فهو وحده الذي يعلم السمائيات وهو نزل من السماء ليعلن الأسرار لنا. ولذلك ينبغي أن تقبل شهادته. نزل من السماء = هذه تساوي "الكلمة صار جسداً" والآية تبدأ بحرف الواو. إذاً هي راجعة لما سبقها، أي لا أحد يعلم السماويات إلا من هو قادر أن يصعد ليرى وينزل ليخبر، أنا السماوي. وأيضاً موضوع الولادة من فوق التى كلمتك عنها يا نيقوديموس من الماء والروح، لم يتم إلاّ بنزولي من السماء. آية (12) أشار فيها السيد للسماويات. وهنا في هذه الآية يبدأ بقوله صعد إلى السماء قبل قوله نزل من السماء (ويبدو أن هذا عكس ما حدث فهو نزل وتجسد ثم صعد) لكنه بدأ بقوله صعد فنيقوديموس عجز عن فهم ما قاله السيد، والسيد يحاول أن يجذب فكر نيقوديموس للسماء، ويشرح له أنه هو أى المسيح وحده الذى يقدر أن يتكلم عن السماء، لأنه لا يوجد فى البشر من صعد للسماء ليشرح ما فى السماء. المسيح وحده يقدر فهو من السماء وهو فى السماء، وهو نزل من السماء ليستعلن لنا السماويات، بل هو طأطأ السماوات ونزل (مز18: 9) ليعطينا أن نحيا فى السماويات، ونحن ما زلنا على الأرض. وهو يقدر أن يرفعنا للسماء لأنه سيصعد للسماء كسابق ليعد لنا مكانا. وبهذا يجذب فكر نيقوديموس للإرتقاء للسماويات، ولهذه الحياة الجديدة التى يعرضها ويشرحها له، إذاً هو القادر وحده أن يخبرنا عما فى السماويات لذلك بدأ الآية بحرف العطف (و) لأنها عائدة على آية (12).

    الآيات (يو3: 14– 15): - "14« وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.".

    هنا نرى لماذا نزل إبن الإنسان من السماء وكيف يصعدنا إلى السماء.

    رأينا في آية (13) التجسد وهنا نرى الفداء (وهنا المسيح يشرح السمويات برموز من العهد القديم). فالإنسان سقط بواسطة الحية التي إستطاعت أن تُسَرِّبْ الخطية القاتلة للإنسان. فالخطية مرتبطة بالحية. وجاءت الحيات المحرقة تفتك بالشعب (عد7: 21) لتُصَوِّر عمل الخطية التي تفتك بالإنسان الخاطئ. أما الحية النحاسية فهي حية ميتة سمها مقتول وهي رمز للمسيح الذي تجسد في شبه جسد الخطية بل صار خطية لأجلنا لكنه بلا خطية. وحمل خطايانا في جسده ومات وهو حامل لها فقتل الخطية بالجسد. لهذا يقال أن المسيح أمات الموت ودان الخطية بالجسد أي حكم عليها حكماً مؤبداً بالعدم حينما مات بها ثم قام. والنظر للحية النحاسية هو رمز لمن يؤمن بالمسيح المصلوب الذي قام من الأموات ليقيم من يؤمن به من موت الخطية (1بط24: 2). يرفع إبن الإنسان = أولاً على خشبة ثم صعوده. حياة أبدية = فهي حياة الله نفسه الذي لا يموت، الأبدي، أعطاها لنا في المعمودية. "لي الحياة هي المسيح" (في21: 1) أعطاها لنا بصليبه وقيامته. المسيح يشرح هنا أن الصليب هو الأساس الذى تبنى عليه المعمودية التى هى ميلاد من الماء والروح.

    آية (يو3: 16): - "16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.".

    هنا المسيح يكرر لكي لا يهلك كل من يؤمن به = لكي يشرح لنيقوديموس أن الذي يعطي الحياة الأبدية ليس هو العمل بالناموس بل الإيمان. وما الذي دفع المسيح أن يتجسد ويصلب.. الإجابة هنا هي الحب. كل العالم = يهوداً وأمم. إبنه الوحيد = هذه تذكرنا بتقديم إبراهيم إبنه الوحيد محرقة. فإسحق كان رمزاً للمسيح. في آية (14) المسيح يقول عن نفسه "إبن الإنسان" وفي هذه الآية يقول "إبن الله" فهو إبن الله الذي صار إبناً للإنسان ليفدينا. أحب الله العالم = كانت آلام إبراهيم حين قدَّم إسحق ذبيحة تساوي تماماً آلام إسحق. فالله بهذه القصة شرح كيف أن آلام الآب كانت مساوية لآلام الابن، وأن درجة بذل الآب هي نفس درجة بذل الإبن. ولم يكن الله ليبذل إبنه الوحيد إلاّ لو كان الثمن الذي سيحصل عليه مساوياً لهذا. وكان ما حصل عليه الله الآب هو بنوة الإنسان لله بفداء المسيح، وهذه هي محبة الآب، الذي فرح بعودة أبنائه إليه. المسيح هنا يعلن محبة الآب لنا. أحب حتى بذل = محبة الله قوية إلى هذه الدرجة (رو32: 8). أحب = (أغابي) وهي المحبة التي تعطي دون أن تطلب شيئاً. بذل = أعطى نفسه عطاء كاملاً لكي لا يهلك بسم الحية كل من يؤمن به. الحياة الأبدية = هي حياة المسيح وهي أبدية. pf00.

    آية (يو3: 17): - "17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.".

    يا نيقوديموس الخلاص الذي جئت لأقدمه يختلف عن الناموس، فالناموس الذي أنت متمسك به يدينك، بل يحكم عليك بالموت. وكانت تعاليم الربيين اليهود أن المسيا حين يأتي سيبيد الأمم ويسحقها. لكن المسيح هنا يقول أن هدفه هو خلاص الأمم بل العالم كله وليس دينونة العالم (إش10: 52). فالمسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص ولكنه في مجيئه الثاني سيأتي ليدين. فالشمس التي تضئ للناس هي نفسها تميت البعض من ضربة الشمس والماء الذي يحيي الناس، هناك من يغرق فيه ويموت.

    آية (يو3: 18): - "18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ.".

    من يؤمن يخرج من دائرة الدينونة أما من يدان فهو يدان لأنه خرج من دائرة الحب. وهذا تفسير التناقض الظاهري بين "لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم" (يو39: 9)، "الله لم يرسل إبنه إلى العالم ليدين العالم" (يو17: 3). فالمسيح أتى حقاً ليخلص ويجمع كل شعبه في جسد واحد بالمحبة، فمن يؤمن يدخل لهذا الجسد ويتمتع بالحب والنور والفرح وغفران الخطايا، التي حملها في جسده. ومن يرفض فهو الذي حكم على نفسه أن يظل خارج الجسد وبالتالى حكم على نفسه بالدينونة وأن يبقى في الظلمة الخارجية وأن نحيا بضمير معذب من الخطايا فلا غفران سوى بالمسيح. وهذا تم التعبير عنه في قول سمعان الشيخ "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل" (لو34: 2). يؤمن = يؤمن + يعتمد + يحيا كما يحق لإنجيل المسيح. ومن رفض المسيح تبدأ دينونته على الأرض ليس بسبب خطاياه القديمة بل لرفضه المسيح الذي يغفر خطاياه.

    (ولاحظ أن يوحنا يكتب سنة 100م بعد خراب الهيكل بثلاثين سنة وبهذا نفهم أن سبب خراب الأمة اليهودية عدم إيمانها). ولكن يوحنا يضع أملاً ورجاءً لكل إنسان أنه حين يؤمن إيمان حي عامل بالمحبة يقبله الله (يو36: 12). ويحذر من عدم الإيمان (24: 8). الإيمان هنا هو يناظر النظر إلى الحية النحاسية ليشفَي الملدوغ. وأيضاً تركيز النظر على المسيح يُشفِي. كما ركز بطرس نظره على المسيح فسار فوق الأمواج.

    بإسم إبن لله = أي بقوة الفداء فكلمة الإسم تعني القدرة. فالذي يؤمن بأن الدم له قوة الغفران يستريح ضميره.

    آية (يو3: 19): - "19 وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.".

    الدينونة هي القضاء. ولا يمكن أن ينعقد إلاّ بوجود أداة التمييز بين الخطأ والصواب للحكم بالعقاب أو البراءة. والقضاء أداته الوحيدة هي النور الإلهي الذي يفرق بين أعمال الظلمة وأعمال النور. فالمسيح جاء للعالم نوراً للعالم وهو الحق الإلهي. حياة المسيح وأقواله في الكتاب المقدس هي نور ومن يقبله فقد أحب النور. وكل ما ينحاز للنور فهذا يوضح أنه أحب النور ومن يرفضه يعلن أنه إختار الظلمة. فهل ما هو في الإنجيل من حياة المسيح وأقواله يمكن أن يسخر منه أحد إلاّ الذي أحب الظلمة (المادية والشهوانية). والنور بهذا يصير هو أداة التفريق والتمييز وهو القاضي. لأن الذين يرفضون النور ينحازون إلى رئيس هذا العالم فيقعون تحت الدينونة والرفض (يو31: 12). ربما كان لنا عذر في خطايانا لو لم يأت المسيح، لكنه أتى وظهر النور، وعرفنا الحق. فكل من ينحاز للشر يُدان. والدينونة تبدأ من هنا على الأرض في الضمير المتألم، أما من يؤمن بالمسيح يكون له سلام مع الله (رو1: 5). أما غير المؤمن فهو لم يحصل على الحياة الأبدية ولا الشفاء الروحي ولا الخلاص ولا السلام، هو سبب لنفسه هذه الدينونة برفضه المسيح. أحب الناس الظلمة = أي تمسكوا بها (شهوات وضلالات فكرية..). هؤلاء فضلوا الخطية والشيطان على المسيح. فماذا يفعل هؤلاء سوى السخرية من المسيح ليسكنوا ضمائرهم. يوحنا هنا يتكلم عن الغارقين في الشر، وليس عمن يخطئ عن ضعف. فالإستغراق في الشر يؤثر على قابلية الإنسان للتوبة وقبول النور. لأن أعمالهم كانت شريرة = أعماق نفوسهم صارت مصبوغة بالشر، الشيطان أصبح يسود على ضمائرهم. الاستمرار في الأعمال الشريرة يُوَلِّدْ عادات وإرتباطات تؤثر على حرية الإنسان فلا يستطيع أن يقترب من النور. ولكننا نرى نيقوديموس الذي أتى للمسيح ليلاً. وقد نما إيمانه وأتى للمسيح في النور ساعة الصلب (يو39: 19). ونسمع عن فيلسوف فرنسي ظل في حالة عداء للمسيح حتى لحظة موته فقال (أخيراً إنتصرت أيها الناصري المصلوب).

    آية (يو3: 20): - "20لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ.".

    السيئات = هنا هي الأعمال البطالة الحقيرة (العادات الخاطئة والأفعال الخاطئة أي السلوك الأخلاقي) هذه تؤثر على الضمير فيبغض النور. وهذه خطورتها في أنها تجعل الإنسان يهرب من النور ويبغض الدعوة إليه خشية أن توبخ أعماله من أحبائه أو أصدقائه المخلصين إليه (رؤ19: 3 + أف12: 5 - 14). هذا مثل العين المريضة تبغض النور وتهرب منه.

    آية (يو3: 21): - "21 وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ».".

    يفعل الحق = أي يمارسه، فالحق فعل وليس مجرد كلام، بل هو حياة ومن يحيا في الحق يحيا في النور. ومن له فكر روحي وبصيرة مفتوحة يرى الحق فينفذه. وعرض أعمال البر خطر أو الكلام عنها أمام الناس فهذا يؤدي للوقوع في خطية البر الذاتي والإعتداد بالنفس. ونلاحظ أن المسيح يقول هنا عن الأعمال الصالحة أنها بالله معمولة = فالله هو صاحب العمل الصالح حقيقة. هو الذي يعطي قوة لهذا العمل والهدف تمجيد إسم الله. ومن يفهم هذا لن يقع في البر الذاتي، بل لن يتكلم عن نفسه (1كو7: 4 + يع17: 1). بل "أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني" (في13: 4). يفعل الحق = أي غير منغمس في الشهوات. مثل هذا حين ظهر المسيح آمن به = يقبل إلى النور. هذا مثل أن من تابوا على يد المعمدان إكتشفوا المسيح. وقيل عن غاندي رجل المبادئ أنه قال (كيف ينام المسيحيين ولهم إله صنع لهم كل هذا) وقيل عن طاغور شاعر الهند أنه قال (أحب المسيح) فمن يعمل الحق ويحبه يكتشف المسيح بسهولة. فغاندي وطاغور رجلي المبادئ سهل عليهم إكتشاف شخص المسيح فأحبوه. مثال آخر: نيقوديموس أحب النور فإقترب من المسيح ليلاً ثم بدأ يحبه ويكتشف شخص المسيح وينمو إيمانه يوماً فيوماً إلى أن أعلن صراحة علاقته بالمسيح بعد صلبه.

    الآيات (22 - 36): (المعمدان يكمل شهادته).

    الأعداد 22-36

    الآيات (يو3: 22 – 36): -

    "22 وَبَعْدَ هذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى أَرْضِ الْيَهُودِيَّةِ، وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ يُعَمِّدُ. 23 وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضًا يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ. 24لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ أُلْقِيَ بَعْدُ فِي السِّجْنِ. 25 وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تَلاَمِيذِ يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ. 26فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ» 27أجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «لاَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ السَّمَاءِ. 28أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. 29مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. 30يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. 31اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، 32 وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. 33 وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ، 34لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ. 35اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. 36الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ».".

    (آية22): 22 وَبَعْدَ هذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى أَرْضِ الْيَهُودِيَّةِ، وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ يُعَمِّدُ.

    كان حديث المسيح مع نيقوديموس في أورشليم. وأتى المسيح مع تلاميذه إلى أرض اليهودية = أي ريف وأرض خلاء باليهودية شرق جبال أورشليم على ضفاف نهر الأردن حيث مكث المسيح مدَّة مع تلاميذه. وكان يُعَمِّدْ = وفي (مر15: 1 + يو1: 4 - 3) أن المسيح لم يكن يعمد بل تلاميذه!! وأن المسيح كان يكرز بالتوبة. والقديس أغسطينوس يقول إن المسيح عمَّد تلاميذه أولاً ثم كلفهم بأن يعمدوا الناس وإكتفى هو بالتعليم (مر15: 1). ويكمل أغسطينوس وذهبي الفم أن معمودية التلاميذ في ذلك الحين لم تكن معمودية سرائرية حسب ما يُصنع الآن فالروح القدس لم يكن قد حلَّ عليهم بعد.

    وهناك ثلاث معموديات قد مورست:

    1. أ - معمودية يوحنا: كانت إغتسالاً للجسد كله بالماء. وكان هذا عند اليهود يعني التطهير "إنضح علىَّ بزوفاك فأطهر. إغسلني فأبيض.." + (حز25: 36 + لا16: 15 + 4: 16). وكان هناك في خيمة الاجتماع مرحضة للإغتسال. وكان يوحنا يعمدهم إعلاناً وعلامة على توبتهم ورمزاً لنعمة الخلاص الآتي (مت11: 3).

    ب - معمودية التلاميذ للجموع قبل حلول الروح القدس على التلاميذ. هذه في شكلها شبيهة بمعمودية يوحنا وكانت للتطهير وينقصها حلول الروح القدس.

    وكلا المعموديتين (أ، ب) هدفهما التوبة، والمعمودية رمز وإعلان لذلك. وهدف ذلك أن التائب تنفتح عيناه فيعرف المسيح.

    1. أما المسيح نفسه فقد عمد تلاميذه معمودية حقيقية ولذلك عند غسله لقدمي بطرس قال له الذي إغتسل ليس له حاجة إلا لغسل رجليه بل هو طاهر كله. إذاً معمودية المسيح لهم كانت حقيقية ولكن فعلها مؤجلاً لحين حلول الروح القدس عليهم. هذا يشبه شيك حصلت عليه ولكن مكتوب على ظهره يصرف يوم كذا، فأنا حصلت على حقي لكن لن أحصل على المال إلاّ في اليوم المحدد. والتلاميذ حين عمدهم المسيح حصلوا على حقهم في مفاعيل المعمودية، لكن هذا تم يوم حلول الروح القدس.
    2. المعمودية الثالثة هي ما يصنع الآن في الكنيسة ومارسه التلاميذ بعد حلول الروح القدس عليهم. وهي معمودية للتطهير وكاملة الفعل وتتم بالروح القدس (راجع أع5: 19).

    ولإيضاح الفارق بين المعموديات الثلاث نسوق المثل التالي: (وهو للمتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف): -.

    دخل إنسان إلى بيت فوجد 3 آلات تليفونية.

    1. الآلة الأولى لها شكل التليفون ولكنها لعبة أطفال (المعمودية الأولى ليوحنا).
    2. الآلة الثانية هي تليفون حقيقي ولكن لم تصل له حرارة (معمودية المسيح للتلاميذ قبل حلول الروح القدس).
    3. الآلة الثالثة هي تليفون حقيقي به حرارة (هي المعمودية الحالية).

    إذاً قوله وكان يُعمِّد: - أنه هو عمد تلاميذه، وتلاميذه عمدوا الجموع، مثلما صنع هو معجزة الخمس خبزات وأعطى لتلاميذه ليوزعوا.

    وهذه الآية هنا هي مقدمة للحديث عن حديث المعمدان الأخير لتكميل شهادته عن المسيح. وبعد هذا = في الزمان أو بعد أن إنتقلوا إلى مكان آخر.

    (آية23): 23 وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضًا يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ.

    مياه كثيرة = فالمعمودية تتم بالتغطيس ولذلك تحتاج لمياه كثيرة. ونرى هنا المعمدان مازال يمارس وظيفته في الإعداد بالتوبة لملكوت الله كسابق للمسيح. وربما ترك المعمدان مكانه الذي كان يعمد فيه أولاً ليبعد عن هيرودس أنتيباس بسبب العداوة التي نشأت بسبب هجومه عليه وتوبيخه علناً. عين نون = غرب نهر الأردن في البراري الواقعة على ضفافه على الحدود بين اليهودية والسامرة. ولكن بدأ العدد الذي يذهب للمعمدان يتناقص، إذ بدأ كثيرون يذهبون للمسيح (آية26) لذلك قال المعمدان ينبغي أن هذا يزيد وأنا أنقص (30: 3).

    (آية24): 24لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ أُلْقِيَ بَعْدُ فِي السِّجْنِ.

    في (مر14: 1 - 15) نرى أن المسيح بدأ خدمته في الجليل بعد أن أُسْلِمْ يوحنا. ومن هذه الآية نرى أن المسيح بدأ خدمته قبل أن يُسَلَّمْ المعمدان ليد هيرودس. وقد بدأ المسيح خدمته أولاً في اليهودية.

    (الآيات 25 - 26): 25 وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تَلاَمِيذِ يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ. 26فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ».

    وجود المسيح يعمد مع وجود يوحنا أنشأ نوعاً من المنافسة والمباحثات بين تلاميذ المعمدان واليهود المعمدين أو بين تلاميذ المسيح. فالمسيح يعلم أن الخلاص يكون بالميلاد من فوق بواسطة الروح القدس لنكون خليقة جديدة. والمعمدان يعلم أن المعمودية هي توبة فقط، وحين إحتدمت المناقشة أتى تلاميذ المعمدان له ليسألوه، فهم تصوروا أن المعمدان هو المسيا ومعموديته هي الخلاص، وهكذا كانوا يشرحون لليهود. وفي هذا نرى أن تلاميذ المعمدان لم يفهموا شهادة معلمهم بأن الذي يأتي بعده هو أقوى منه. هوذا الذي كان معك = هذه تشير لأنهم يفهمون أن هناك تساوي بين المسيح ويوحنا. بل هم يقولون للمعمدان يامعلم. وفي إستخفاف لا يذكرون اسم المسيح. فهم وضعوا المسيح فى مركز أقل من المعمدان. الذي أنت قد شهدت له = بهذا كان تلاميذ يوحنا يريدون أن يثيروه ضد المسيح ولكنه لم يستجب لهم. فهم يذكرونه بأنه صنع معه إحساناً إذ شهد له وربما تصوروا أنه كأحد تلاميذه أي مساو لهم في تلمذته للمعمدان. ومعنى كلامهم أن المسيح بدأ يظهر كمنافس للمعمدان، أو كمتعدٍ على وظيفة معلمهم. وتلاميذ يوحنا المعمدان الذين لم يتبعوا المسيح كونوا جماعة تشيعت له وظنت أنه المسيح وظلوا لقرون طويلة يقاومون المسيحية. وللآن يظن بعض الخدام أن خادماً آخر صار منافساً له. هذا يطلب مجده هو لا مجد المسيح. الجميع يأتون إليه = بالعامية هذه تساوي "إنت راحت عليك". هو يعمد = أخذ عملك.

    (آية27): 27أجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «لاَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ السَّمَاءِ.

    يضع المعمدان هنا مبادئ هامة. فيقرر أن كل معلم لا يأخذ إلاّ ما أعطته له السماء. وعلى كل واحد أن يؤدي رسالته في حدودها المعينة له من السماء. وهذا الرد ينهي روح المنافسة بينه وبين المسيح في نظر تلاميذه، بل أنه هو فرح إذ أن الناس بدأت تتبع المسيح. لا يأخذ أحد شيئاً.. = هذا مبدأ عام (سواء لي أو للمسيح).

    (آية28): 28أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ.

    المعمدان يذكرهم بأقواله السابقة وشهادته السابقة عن المسيح للفريسيين (يو19: 1 - 28). ومن المؤكد هو قال هذا لتلاميذه.

    (آية29): من له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذى يقف ويسمعه فيفرح فرحا من أجل صوت العريس. إذا فرحى هذا قد كَمَلَ.

    تصوير المسيح أنه العريس، هذا جاء في الأنبياء (هو19: 2 - 21 + حز8: 19 + إش1: 54 - 10). والمعمدان كنبي تنبأ عن المسيح بفرح إذ أن نبوته قد تحققت ورأى تحقيقها بعينيه. وعند اليهود كان صديق العريس يعد كل شئ للعريس وللفرح، وحينما ينتهي الفرح بنجاح وبدون مشاكل يفرح الصديق إذ أن مهمته قد نجحت (راجع عرس قانا الجليل يو2 فكان رئيس المتكأ هو صديق العريس). وكان هذا عمل المعمدان، إعداد الناس كعروس للمسيح العريس الحقيقي. أما لو أخذ صديق العريس العروس لصار مغتصباً.

    (آية30): 30يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ.

    إنتهى دور الأنبياء بظهور الذين تنبأوا عنه، فإذا ظهرت الشمس (المسيح) ينتهي عمل المصابيح (المعمدان). لقد برهن المعمدان أنه بروحانيته هو أعظم من الإثارة. وعلىَّ أن أقول ينبغي أن يتمجد المسيح ويزداد وأن ذاتي تنقص. ويزداد المسيح فيَّ وأنقص أنا وأتضع.

    (آية31): 31اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ،.

    المعمدان هو قائل هذا الكلام وحتى نهاية الإصحاح. حسب رأي الآباء ومنهم ذهبي الفم وأغسطينوس. الذي من فوق = فهو رأى الروح نازلاً ومستقراً عليه، وهو شهد أنه إبن الله، فهو يعلم من أين أتى المسيح، وبالتالي فهو فوق الجميع علماً وتأثيراً وكرامة ومجداً. الذي من الأرض = هنا المعمدان يقارن نفسه بالمسيح.

    (آية32): 32 وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا.

    هنا المعمدان يتكلم بالروح عن المسيح وشهادة المسيح لنفسه ولرسالته. ولأن رسالة المسيح سماوية لم يفهمها كثير من الناس ولم يقبلوها. هذه نبوة عن رفض اليهود للمسيح. ورسالة المسيح سماوية فهو يشهد بما رآه وسمعه (قارن مع آية11: 3).

    رآه وسمعه = تعبير بشري عن تطابق فكر الآب والإبن فهو غير منفصل عن الآب، الإبن هو الحق ذاته.

    (آية33): 33 وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ،.

    (آية33): جرت العادة عند اليهود أن الشاهد يضع ختمه تصديقاً على الشهادة التي نطق بها. والمسيح هو الشاهد لله، الذي يتكلم بكلام الله ويختم بصدق الله. وكل من يقبل المسيح يكون كمن قبل كل الحق من الله. ففيه تكمل كل مواعيد الله الصادقة غير الكاذبة (يو8: 26).

    والآية تعنى أن الذي يقبل المسيح يجد فيه ختماً لكل النبوات والمواعيد التي قالها الله على فم أنبيائه. عموماً من يقبل شهادة المسيح وتعاليمه فقد صدق الله فالمسيح هو الله، هو كلمة الله الذي يعلن للناس كلام أبيه، وهو صورة الله غير المنظور (كو1: 15)، وهو رسم جوهره (عب1: 3). لذلك قال الرب يسوع لليهود "لستم تعرفونني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا" (يو8: 19). فمن عرف الله حقيقة سيعرف المسيح ومن يعرف المسيح سيعرف الآب، لذلك يقول الرب لفيلبس "الذى رآنى فقد رأى الآب" (يو14: 9).

    (آية34):، 34لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ.

    الله أرسل المسيح الذي تعترضون أنتم عليه، محملاً بآيات وكلام الحياة، كلام الله نفسه. والله كان يعطي الأنبياء الروح بمقياس ومكيال أي بقدر معين. وعلى قدر ما يحتمل كل نبي وبقدر ما يحتمل السامعين، أما للمسيح فبلا كيل وبلا مقياس فهو له ملء الروح، ونحن نأخذ من ملئه (يو16: 1). والناس تذهب إلى المسيح لأن كلامه هو كلام الله. وكلام المسيح هو روح وحياة (يو6: 63). ولا أحد يستطيع أن يتكلم في الإلهيات إلاّ بالروح القدس.

    (آية35): 35اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ.

    المعمدان كان هو أول من أعلن حقيقة أن المسيح هو إبن الله (يو34: 1) بعد ما رآه يوم المعمودية.

    دفع كل شئ في يده = إذاً سلطان الآب = سلطان الإبن.

    الآب يحب الإبن = "هذا هو إبني الحبيب" هذا ما سمعه يوحنا المعمدان. والحب هو لغة الثالوث فالله محبة والإبن هو المحبوب، الآب ينبوع محبة وهذه المحبة تصب فى الإبن بالروح القدس، وحينما إتحدنا بالإبن صارت هذه المحبة تنسكب فينا بالروح القدس (رو5: 5) إذاً قوله الآب يحب الإبن = تعنى الوحدة بين الآب والإبن، وتعنى أن الآب فى الإبن والإبن فى الآب (1يو16: 4 + أف6: 1). وهذا سر آخر كشف للمعمدان.

    (آية36): 36الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ». ".

    هذه تتطابق مع شهادة موسى عن المسيا النبي المنتظر (تث19: 18 + أع22: 3 - 23). ونلاحظ أن شهادة المعمدان هنا تتطابق مع ما قاله المسيح لنيقوديموس. فالروح هو الذي أوحى للمعمدان بما قاله، والمسيح أشاد بشهادة المعمدان عنه (يو33: 5 - 36). لن يرى حياة = حياة أبدية طبعاً. يمكث عليه غضب الله = يخيم عليه غضب الله، أي يقاسي من غضب الله. وهذه الآية تشير لأن من يحجب الله وجهه عنه بسبب عدم إيمانه بالمسيح يصير بلا بركة. هذه الآية في هذا الإصحاح تشير لطريق الخلاص [1] الصليب [2] الإيمان [3] المعمودية.

    الإيمان بالمسيح هو خطوة أولى، لكن لا بد من المعمودية (كما عمل التلاميذ يوم الخمسين، وعمل بولس الرسول مع عائلة سجان فيليبى، وفيلبس مع الخصى الحبشى وبطرس مع كرنيليوس. فبالمعمودية نتحد بالمسيح، والمسيح هو الحياة الأبدية (يو11: 25) فمن يتحد به يحيا أبدياً.

    وفي آية (3: 4) نجد المسيح يذهب للجليل ليبعد تلاميذه عن هذه المباحثات مع تلاميذ المعمدان وليبعدهم عن روح المنافسة. ولاحظ فهناك مجالات كثيرة للخدمة. ويوحنا المعمدان إستمر يعمد حتى لا يثار تلاميذه من المسيح لكنه ظل يشهد لعظمة المسيح ليحول تلاميذه للمسيح.

    بهذه الكلمات والتعاليم كان يوحنا المعمدان يحول تلاميذه للمسيح لتكون لهم حياة أبدية.

    فالإيمان بالمسيح هو فقط طريق الحياة الأبدية.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الاصحاح الرابع - تفسير إنجيل يوحنا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثاني - تفسير إنجيل يوحنا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل يوحنا الأصحاح 44230
تفاسير إنجيل يوحنا الأصحاح 44230
No items found