الإصحاح الحادي عشر – تفسير رسالة كورونثوس الأولى – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول الأولى إلى كورنثوس – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الحادى عشر

هذا الإصحاح يناقش موضوعين.

  1. وضع الرجل والمرأة في الكنيسة.
  2. الإستعداد لسر الإفخارستيا.

وغالباً هو ذكر الموضوعين رداً على أسئلتهم، وربما رداً على المشاكل التي سمع أنها حدثت في كورنثوس فأراد أن يعالجها.

العدد 1

آية (1): -

"1كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ.".

هذه الآية عائدة على الإصحاح السابق. وبولس شابه المسيح في أنه لا يطلب ما لنفسه بل ما للناس، وعليهم وعلينا أن نعمل كما عمل الرسول.

مقدمة للآيات 2 – 7.

كانت تغطية رأس المرأة عادة شرقية، علامة على خضوع المرأة لرجلها، ومع التحرر الذي نادت به المسيحية، وأن المرأة مثل الرجل في الرب. ظنت السيدات أنهن تحررن من كل شئ، فخلعن غطاء الرأس، فثار الرجال وأرسلوا لبولس شكوى بخصوص هذا الموضوع. وهنا نجد الرسول يؤيد تغطية المرأة لرأسها لا لأهمية غطاء الرأس بل لأهمية خضوع المرأة لرجلها. وهذه كانت مشكلة محلية خاصة بكورنثوس ولم يفرضها على كل الكنائس. وبولس يرى دائماً الإمتناع عن التمرد، والثورات الإجتماعية، (وهكذا تعامل مع موضوع العبيد، وطلب من العبيد الخضوع لسادتهم ليس لأنه يؤيد موضوع العبيد، بل لأنه ضد التمرد على الأوضاع الإجتماعية لكنه يطلب أيضاً من السادة أن يعاملوا عبيدهم كإخوة، ومع إصلاح الداخل بالحب إنتهت قصة العبيد في المسيحية تماماً). وهنا نجد أن غطاء الرأس عادة شرقية ولكننا نجد الرسول يؤيدها طالما لا تتعارض مع الإنجيل، وستكون سببا فى الإستقرار العائلى. وكانت النساء الشريفات يغطين رؤوسهن في ذلك الوقت. ومفهوم الرسول أن المسيحي عليه أن يراعى قواعد المجتمع، فليس كل تقليد في المجتمع خاطئ، ما دام يتناغم مع تعاليم وتقاليد الكنيسة. وفى تحليل الرسول للمشكلة، وجد أن الخضوع بالمحبة منهج لاهوتى أصيل، فنراه موجودا بين المسيح والآب، ووجد أن الملائكة تغطى وجوهها أمام الله، ووجد أن تغطية المرأة لشعرها يجلب السلام والهدوء للأسرة، إذاً فلتخضع المرأة لزوجها فى محبة وتغطى رأسها. ولإهتمام الرسول بإستقرار الأسرة سمح للطرف الذى آمن من أسرة وثنية (رجل أو إمرأة) ألا يترك الطرف الذى رفض الإيمان حتى لا يضيع إستقرار الأسرة ويتشرد الأطفال.

ونلاحظ أنه كانت هناك عادة في المجتمعات الأممية أن المرأة المنحلة تترك شعرها دون غطاء. ومن هنا جاء المثل الشرقي عن المرأة المنحرفة أنها "دايرة على حل شعرها" وظهر مع فريق النساء اللاتى خلعن غطاء الرأس، فريق من الرجال أرادوا هم أيضاً التحرر فأطالوا شعور رؤوسهم آية 14. وربما كان هؤلاء وأولئك (نسوة ورجال) من الفريق الذي أدعى أنه تبع المسيح ورفضوا طاعة الرسول أو أي رسول (1كو 1: 12). هؤلاء أساءوا فهم المسيحية والحرية المسيحية، وخالفوا السلوك الوقور بحسب قوانين المجتمع آنذاك.

العدد 2

آية (2): -

"2فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ.".

تحفظون التعاليم = التعاليم هنا تعنى التعاليم الشفهية وأصلها شيئاً يسلم يداً بيد أي التقاليد، وهى تعنى العقائد والطقوس وخبرات الحياة التي عاشها الأباء القديسين وفقاً لتعاليم الكتاب وسلموها لنا، وهى تظهر في طقوس الكنيسة وصلواتها وتعاليمها (هذا يُظهر أهمية التقاليد). وفى هذه الآية نجد الرسول يمدحهم رغماً عن معرفته بإنحرافهم ليشجعهم قبل أن يهاجمهم فيطيعوه.

تَذْكُرُونَنِي = تذكرتم أنني صاحب سلطان رسولي وأرسلتم إلىَّ تسألونني.

العدد 3

آية (3): -

"3 وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ.".

نلاحظ هنا الآتي: -.

  1. الموضوع الذي يهتم به الرسول ليس غطاء الرأس بل خضوع المرأة لزوجها. فغطاء الرأس مشكلة خاصة بكورنثوس وخضوع المحبة فضيلة مسيحية أساسية.
  2. الرسول لم يرد مباشرةً على سؤالهم حول نزع غطاء الرأس للمرأة. بل بدأ برسم صورة سماوية رائعة، نرى فيها طاعة المسيح (كإنسان) لله وخضوعه له (كرأس للكنيسة). فيقتنعون بموضوع خضوع المرأة لزوجها. ونرى في ذلك أن المسيحية ليست قوانين جامدة بل لها مفاهيم روحية ولاهوتية وراء كل نظام. هنا نرى أن الرسول يرى في خضوع المرأة لرجلها أنه صورة للحياة السماوية حين تخضع الكنيسة كلها لله رأسها. نرى في هذه الآية الأساس الذي يبنى الرسول عليه حديثه فيما بعد. ويحدد فيه موقف كل عضو في الكنيسة من بقية الأعضاء. فيقول أن المسيح كخالق لكم جميعاً فهو إذن رأسكم، أي له السيادة والسلطان عليكم ليقودكم لمجده. ولأنه يحملكم جميعاً فى جسده، وبكون الآب رأساً له، فهو يحملكم في جسده إلى طاعة أبيه طاعة كاملة. وبهذا نفهم أن الحرية في المسيحية ليست هي التمرد بل هي خضوع الحب، خضوع المرأة لرجلها فى حب وخضوع الكنيسة للمسيح فى حب، وخضوع المسيح بكونه رأساً للكنيسة لله أبيه.

خلق الله الإنسان في صورة مثالية، هي صورة الحب المتبادل. فالله يحب آدم، وآدم يحب الله. وعلامة حب الله لآدم، أنه خلقه في جنة إستمر الله في إعدادها له ألاف الملايين من السنين، وفى بركاته التي يفيض بها عليه. وعلامة حب آدم لله خضوعه التام لله وطاعته فى حب لله. وعلى نفس النمط يجب أن تكون صورة العائلة المسيحية، فالرجل يفيض حبا وبذلا لإمرأته، وهى تخضع له بالحب، وبركة هذه الصورة السماوية تظهر فى خضوع الأولاد للأم وطاعتهم لها، وخضوعها هى وأولادها للأب.

ولما خالف آدم هذه الصورة المثالية تجسد المسيح ليوحدنا فيه، ويقدم كرأس لنا الخضوع لأبيه ليُعِيدْ هذه الصورة المثالية (1كو 15: 28). وصارت علاقة المسيح بكنيسته صورة لعلاقة الرجل بإمرأته (أف 5: 23) فكما تخضع الكنيسة للمسيح هكذا تخضع المرأة لرجلها، وكما أحب المسيح كنيسته وبذل نفسه عنها، هكذا على الرجل أن يحب إمرأته ويبذل نفسه عنها، بهذا يكون للبيت المسيحي الصورة السماوية. وكما يأخذ المسيح كنيسته ليقدم الخضوع للآب، هكذا يأخذ الرجل زوجته وأولاده وبيته ليقدم الخضوع لله. بهذه المقدمة العجيبة في هذه الآية، وهذه الصورة السماوية التي رسمها الرسول ليس للمرأة أن تتذمر إذا قال لها الرسول عليكِ أن تخضعى لزوجك، فالإبن نفسه خاضع لأبيه، وهما من ذات الجوهر. وكما تخضع كل أعضاء الجسم للرأس هكذا فليخضع كل إنسان للمسيح، وكما يقود الرأس كل الجسد، هكذا فليخضع كل إنسان للمسيح ليقوده. وهكذا فلتخضع كل إمرأة لرجلها. ونفهم أن خضوع المسيح للآب هو خضوع الجسد الذي أطاع حتى الموت، موت الصليب (في2: 8) أمّا لاهوتياً فنفهم أن الآب والإبن لهما إرادة واحدة ومشيئة واحدة. ولنضع أمامنا آيتين لشرح الفكرة فى معنى طاعة الابن للآب: -.

1) لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلاّ ما ينظر الآب يعمل (يو 5: 19).

2) أنا قد حفظت وصايا أبى وأثبت فى محبته (يو 15: 10).

والرب لكى يشرح فكرة وحدة الآب والابن استخدم هنا تعبير ينظر ليشير للتطابق فى كل شئ بينهما. لكن الآب يريد والابن هو أقنوم التنفيذ. فالفكرة والإرادة عند الآب ينفذها الابن الذى يراها. فهو واحد مع أبيه. وهما واحد بالمحبة التى هى طبيعة الله.

أنا فى الآب والآب فىَّ = أنا أحب الآب، الآب يحب الابن = كما أحبنى الآب = أنا والآب واحد.

(يو14: 10) (يو14: 31 + يو5: 20) (يو15: 9) (يو10: 30).

من كل هذا نفهم أن طاعة المسيح ناشئة عن الوحدة التامة والتطابق التام مع الآب وهذا ناتج عن المحبة. وعلى نفس النمط نحن نتحد بالمسيح ونثبت فيه بالطاعة والمحبة (يو14: 23 + يو 15: 9، 10). وعلى نفس النمط تخضع المرأة لزوجها بالمحبة.

الْمَسِيحُ رَأْسَ كُلِّ رَجُل = المسيح رأس الخليقة كلها بمعنى أنه بداية كل شئ فى الخليقة بصفته خالقها. فبه كان كل شئ. وهو صار رأساً لكل عضو في الكنيسة خلال بذله لذاته في تجسده وفى صليبه، وصار يحمل الكنيسة كلها في جسده، ويعنى هذا أنه يقود كل مؤمن إلى طاعة أبيه لينهى التمرد على الله الذي صار بالخطية، وليُعِيدْ الصورة السماوية المفقودة (1كو15: 28). ويقال هنا أن المسيح رأس كل رجل لأنه خلق آدم أولاً. وكان آدم فى الإبن الخالق، والإبن فى الآب. هذا كان فى البدء. ولما سقط الإنسان إنفصل عن الله وتجسد الإبن ليعيد الصورة كما أرادها الله، ولذلك يطلب منا المسيح "إثبتوا فىَّ". وخرجت حواء من آدم، إذاً هى كانت فى آدم. وحقاً المسيح أيضاً رأس للمرأة ولكن الرجل رأس للمرأة قريب ومنظور، والمسيح رأس لها بعيد وغير منظور.

رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ = فهي أخذت منه وخلقت لتكون معيناً نظيره، وعندما خالف آدم هذه القاعدة وتبع إمرأته سقط وإذ أراد الرب تصحيح الوضع عاقب الرب آدم قائلاً "لأنك سمعت لقول إمرأتك" وعاقب حواء قائلاً "إلى رجلك يكون إشتياقك وهو يسود عليك" (تك 3: 16). ولكن إن أراد الرجل أن يقول أنا رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة فعليه أن يقدم الحب والبذل لإمرأته كما قدم المسيح لكنيسته، فالمسيح صار رأساً للكنيسة بصليبه. وإذا لم تستطع المرأة أن تخضع لرأسها المنظور فلن تستطيع الخضوع لله غير المنظور.

وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ = لاهوتياً المسيح الإبن والآب جوهر واحد، وعندما يقال أن الله رأس المسيح فهذا من باب التمايز الأقنومى بين الآب والإبن، فالإبن مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مساوٍ للآب في الجوهر. وكلمة الآب تعنى المصدر فالابن يولد من الآب والروح القدس ينبثق من الآب. وجسدياً فالمسيح يحمل كل الكنيسة فى جسده، يُكمِّل طاعتها لله أبيه (1كو 15: 28)، كما أنه ينقل إليها فكر أبيه.

وهذا ليس معناه أن المسيح ليس له علاقة بالمرأة (غل 3: 27، 28). أو أن علاقة المرأة بالمسيح تكون من خلال رجلها. ولكن الرأس معناها القيادة والإتحاد فعندما نقول الرجل رأس المرأة فهذا يعنى أن المرأة كانت فى آدم، وخرجت من آدم وهى بالتالى واحدا مع آدم. وكما كان فى البدء، أن الله يحب آدم وعلامة المحبة عطاياه لآدم، وكان آدم يحب الله وعلامة المحبة خضوع آدم لله بالمحبة، هكذا ينبغى أن تكون الصورة السماوية للأسرة المسيحية. الرجل يحب إمرأته ويبذل نفسه عنها، والمرأة تخضع لقيادته فى محبة. والرسول هنا يقصد معنى الخضوع بالحب الواجب توافره لقيام حياة الشركة الزوجية بين الرجل والمرأة. ومثال لهذا الخضوع، خضوع الإنسان للمسيح والمسيح للآب. وصلة المرأة بالمسيح لا تعنى إلغاء أو نفى علاقتها بزوجها وخضوعها لزوجها. ولا مبرر للزوجة أن تقول أنا مثل الرجل في المسيح، فالمسيح خضع للآب وهما جوهر واحد. والعلاقات الثلاث التي يشير لها الرسول "علاقة المرأة بالرجل، والرجل بالمسيح، والمسيح بالله" هي علاقات توجد فيها شركة حياة. ويهدف الرسول إلى أن يصل، أن على المرأة أن تخضع لرجلها فهو رأسها، وخضوعها يكون بالحب. ورأسها هنا ليس معناه أن يسود عليها في إذلال وعبودية، بل بمفهوم المحبة فعليه أن يبذل نفسه كما فعل المسيح لعروسه الكنيسة وصار رأسا لها. سيادة الرجل للمرأة هى سيادة تنظيمية تقتضيها الحياة الزوجية.

العدد 4

آية (4): -

"4كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ.".

بولس الرسول فى تحليله للمشكلة التى أمامه ومحاولة إقناع أهل كورنثوس بالتصرفات السليمة لضمان سلامة الأسرة، إتخذ عدة محاور. فرأينا فى الآية السابقة أنه تأمل فى الخضوع بالمحبة التى تعلمناها من علاقة المسيح بالآب. وهنا فى هذه الآية يلجأ الرسول للمفاهيم الإجتماعية السائدة فى كورنثوس فهم يفهمون أن غطاء الرأس علامة خضوع. وهنا يتساءل... وإذا غطى الرجل رأسه فلمن يخضع؟ إذاً هذا لا يصح. وكما أن هذا لايصح أن يغطى الرجل رأسه، فنستنتج أن على المرأة أن تغطى رأسها فهى يجب أن تخضع لرجلها، فهما معا الرجل والمرأة يمثلان صورة للمسيح مع كنيسته (أف5).

كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ = يتنبأ هنا تشمل قيادة الصلاة والتسابيح وشرح عقائد الإيمان وإعلان مشيئة الله، هنا الرجل يقوم بعمل قيادي في الكنيسة، في العبادات الكنسية، أو هي نبوة فعلاً كما كان أغابوس يتنبأ وبنات فيلبس يتنبأن (لاحظ أنه في آية 5 أنه قيل عن المرأة أيضاً تصلى وتتنبأ. فلا فرق في المواهب بين الرجل والمرأة).

يَشِينُ رَأْسَهُ = 1) قد تفهم رأسه على أنه المسيح، وهو كرجل له أن يمثل المسيح في السلطان والسيادة ويحمل صورة الله ومجده، والمسيح لايخضع لأحد، وبالتالى تحمل هذه التغطية للرأس معني رمزي، هو أن الرجل هنا كمن يشعر بالخجل عندما يخدم المسيح ويعبده، وكأنه بهذا أنكر السلطان الذي أعطاه إياه المسيح، من حيث أنه يحمل صورة الله ومجده، ويجب أن يُظهر هذه الصورة وهذا المجد ولا يعمل على إخفائه.

2) وقد تفهم أنه بهذا يهين نفسه فهو رأس وله ولاية فلماذا يغطى رأسه ولمن يخضع وهو رمز للمسيح.

ملحوظة: - كان اليوناني الذي يقضى وقتاً طويلاً في الفلسفة يطيل شعره ويضع أغطية على رأسه. وربما أن بعض رجال كنيسة كورنثوس قلدوهم فأطالوا شعورهم (آية 14) وغطوا رؤوسهم. ولكن معنى الآية أن الرسول ليشرح فكرة خضوع المرأة لرجلها بالمحبة يعقد هذه المقارنة، أى الرجل لا يغطى رأسه فهو غير خاضع لأحد لكن على المرأة أن تغطى رأسها فهى لا بد أن تخضع لزوجها. ولاحظ أن الرسول يأخذ عدة محاور لإقناع النساء فى كورنثوس بالإلتزام بتغطية رؤوسهن ففى هذا سلام وإستقرار للأسرة. وهذا كان هدف الرسول فى الرسالة حينما أمر الطرف الذى آمن (رجل أو إمرأة) من الأسرة ألا يترك الطرف الآخر الذى لم يؤمن، وذلك للحفاظ على إستقرار العائلات (راجع الإصحاح السابع من هذه الرسالة).

غطاء رأس الكاهن = في بعض الأحيان يغطى الكهنة رؤوسهم (بالشملة) وذلك لأن الكاهن هنا يمثل الكنيسة رجالاً وسيدات، فهو بغطاء رأسه يمثل خضوع الكنيسة كعروس للمسيح رأسها العريس. ولكن في معظم الأحيان يضع الكاهن على رأسه إكليلاً في القداس إذ يشعر أنه بذبيحة الصليب قد توج ملكاً روحياً.

تاج البطريرك = يخلع البطريرك تاجه أثناء قراءة الإنجيل لأن المسيح يتكلم وهو الرأس الحقيقي غير المنظور في الكنيسة، وبهذا يعلن الأب البطريرك أن السيادة المطلقة في الكنيسة للرب يسوع. وفى كل العالم يكشف الرجل رأسه في حضرة من هو أعظم منه في الرتبة (كما في الجيش) أو المركز (أمام الرئيس أو أمام الملك).

الأعداد 5-6

آية (5 - 6): -

"وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. 6إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ.".

أمّا المرأة التي تصلى وتتنبأ دون أن تغطى رأسها مقلدة الرجل، فأنها في الواقع تشين رجلها (أي رأسها)، فهى تظهر بهذا أنها لا تحترم زوجها وهى تعلن أنها غير خاضعة لرجلها أمام كل الناس، وكأنها تستنكر سلطانه عليها، وغير مهتمة بغضبه، وغير مهتمة بإستقرار أسرتها، فهكذا يفهم شعب كورنثوس الأمر. وهذا عار للمرأة أن تقف فى موقف تحدى لرجلها وللمجتمع، ويكون هذا كأنها حلقت شعر رأسها.

وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى = من تغطى رأسها فهى تعلن إحترامها لزوجها وخضوعها له، وفى هذا سلام للأسرة وإستمراراً للمحبة. والمرأة بهذا تظهر أنها لا تزال تحترم وتخضع لترتيب الخليقة الأولى، لأن الله خلق الأنثى خاضعة للرجل. حتى بالرغم من حصول المرأة على كامل حريتها في المسيح، وخلاصها وفدائها ومساواتها للرجل. وهنا نرى أن الرجل والمرأة متساويان في المواهب (فهي تصلى وتتنبأ). الفرق الوحيد هو تغطية المرأة لرأسها تعبيرا عن خضوعها لزوجها، وفى هذا رجوع لترتيب الخليقة الأولى.

لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ = الله هو الذي جعل الرجل رأساً للمرأة، فتكون خاضعة له، ورفض المرأة لهذا القانون الإلهي: -.

  1. فيه تمرد على قانون وضعه الله.
  2. وفيه تمرد على زوجها. وأن تحلق المرأة شعرها لهو شئ غير مقبول ولكنها عبارة فيها حث للمرأة أن تطيع الوصية. والرسول يقصد: -.
  3. هي إرتضت أن تظهر بمظهر الرجال أي بغير غطاء للرأس رافضة الخضوع لرجلها، إذن فلتندفع إلى أقصى مظهر للرجال وتقص شعرها كالرجل، وإن كان هذا طبعاً قبيحاً للمرأة (فالشعر الطويل هو جمال المرأة) فلتغط شعرها.
  4. عدم تغطية المرأة لرأسها متشبهة بالرجال إعلان عن عدم إعتزازها بجنسها كإمرأة، فتريد أن تتشبه بالرجال.

ج) المرأة المتزوجة لو زنت يحلقون شعرها علامة عار، فهي لا تستحق أن يكون لها زوج. ومن ترفض الخضوع لزوجها ولقانون الله فهذا أيضاً عار عليها. والرسول يتهكم عليها بقوله هذا على من تفعل ذلك، فمن وجهة نظره لا فرق بين الإثنين.

ء) الكاهنات الوثنيات كن يكشفن شعورهن المنكوشة علامة حلول الوحي عليهن حين يقدن الإجتماعات الوثنية. والرسول رأى أنه من العار أن يتشبه النساء المسيحيات بكاهنات الأوثان.

العدد 7

آية (7): -

"7فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ.".

الرجل لا ينبغي أن يغطى رأسه لأنه من البدء خُلِقَ ليمثل سلطان الله على الأرض، فهو خُلِقَ أولاً وأخذ الكرامة أولاً (تك 1: 26). وإذا كانت المرأة هي أيضاً صورة الله ومجده إلاّ أن هدف خلقتها هو أن تكون معينة للرجل. ومن الطبيعي أن تختفي في الرجل وهذا بطبيعة تكوينها النفسي والجسدي. فالرجل لا يغطى رأسه علامة إعتزازه بالسلطة التي وهبها له الله. الرجل ليس له رئيس منظور يحتشم منه فيقف مكشوف الرأس أمام الله.

الْمَرْأَةُ مَجْدُ الرَّجُلِ = أي هي بطاعتها وعفتها تكون سمعة طيبة لرجلها. وتظهر رجولة الرجل في خضوع زوجته له، وهى تصير مجداً للرجل إذا حققت إرادة الله في خلقتها وكانت معينة لزوجها، تربى أولاده حسناً، خاضعة لرجلها، وخضوعها علامة على عدم رغبتها في الإستقلال عن زوجها. وكما أن الرجل هو صورة مجد الله لأنه خُلِقَ على صورته، فالمرأة هي مجد الرجل لأنها مأخوذة منه.

العدد 8

آية (8): -

"8لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ.".

الرجل يتسلط على المرأة لأن الرجل لم يأتى في البدء من المرأة بل العكس.

العدد 9

آية (9): -

"9 وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ.".

المرأة خلقت لتساعد الرجل وليس العكس. لذلك ففي الكنيسة لا ترأس المرأة الرجل، ولا تُؤخذ نساء في الكهنوت.

العدد 10

آية (10): -

"10لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ.

لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا = سلطان = هي عمامة مزينة تلبسها السيدات المتزوجات على رؤوسهن، وهى غير غطاء الرأس للبنات. ويسمونها سلطان علامة على رئاسة المتزوجات وسلطانهن على البنات.

مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ = تأمل جديد للرسول يرى فيه الملائكة يغطون وجوههم أمام الله: -.

  1. والملائكة يحضرون معنا العبادة، كما نقول في القداس الغريغورى "الذي ثبت قيام صفوف غير المتجسدين في البشر" وفى نهاية القداس يقوم الكاهن بصرف ملاك الذبيحة الذي كان موجوداً طوال القداس. والملائكة كما قيل في سفر إشعياء 6: 2 أنهم يغطون وجوههم أمام مجد الرب رمزاً لخضوعهم. والملائكة تفرح بصورة الكنيسة وقد إستعادت صورتها السماوية الأولى بخضوع المرأة لرجلها وخضوع الجميع لله. والرسول يقصد أن يقول أن على المرأة أن تتشبه بالملائكة، وتُفَرِّحهمْ وتُعيد الكنيسة للصورة التي يريدها الله.
  2. الملائكة وهم مخلوقات رائعة الجمال يغطون وجوههم أمام الله فأمام الله كلِّيْ الجمال يخفي الملائكة وجوههم فلايظهر سوى جمال الله. كأنهم يقولون "جمالنا يا رب هو أنت"، هم لا يتفاخرون في حضرة الله بجمالهم فهم يعلمون أن الله مصدر هذا الجمال. وهكذا على المرأة في الكنيسة أن تغطى شعرها علامة جمالها فلا تتفاخر بجمالها أمام الله، بل تفعل ما يفعله الملائكة. ولاحظ أنه في العهد القديم ذُكِرَ كثير من النساء الجميلات وكثير من الرجال الأقوياء أما في العهد الجديد فلم نسمع عن أي إمرأة أنها جميلة، ولم نسمع عن أي رجل أنه قوى، وهذا لأن ربنا يسوع المسيح صار هو جمالنا وقوتنا.

العدد 11

آية (11): -

"11غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ.".

قارن مع (غل 3: 27، 28). وهذه حتى لا يتمادى الرجال في فرض سيطرتهم على النساء. وليفهم الرجل أنهُ وُجِدَ بالمرأة أي والدته. لكن مفهوم الكلام أن الرسول يريد أن تستقيم البيوت في نظام بلا تشويش.

فِي الرَّبِّ = فَكِلاَ الرجل والمرأة يختفيان في المسيح الرب ويعملان معاً خلال الرأس الرب يسوع لأجل بنيان الكل.

العدد 12

آية (12): -

"12لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ.".

المرأة جاءت من الرجل، والرجل مولود من المرأة. إذن كلاهما في مستوى واحد. وبهذا يصبح مفهوم رئاسة الرجل هو إلتزام وبذل وحب الرجل لإمرأته، هو تنظيم داخل الأسرة ويصبح مفهوم خضوع المرأة هو تعاون وحفظ روح الوحدة فى حب.

وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ =.

  1. كل المخلوقات تدين في وجودها وفى أصلها لله، خالق الكل، فلا معنى لإنتفاخ أحد على الآخر أي الرجل على المرأة.
  2. ليس من حق أحد أن يعترض على مشيئة الله، أي على الهيئة التي وُجِدَ فيها رجل كان أو إمرأة، أو يعترض على القوانين التي أوجدها الله لنسير عليها.

الأعداد 13-15

الآيات (13 - 15): -

"13احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ 14أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟ 15 وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا، لأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ.".

هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ... = أي هل يليق بالمرأة التي تقف لتصلى أن تكون في وضع ثورة على التقاليد والأنظمة التي وضعها الله والتى يؤمن بها مجتمع كورنثوس، وهل تستطيع أن تقف المرأة أن تقف لتصلى وهى تعلم أنها أشعلت نيران الغضب فى قلب زوجها. لكن على المرأة التي تصلى أن تقف في وقار أمام الله والناس، خاضعة لله ولزوجها صانعة سلاما فى بيتها. لا تبحث عن أن تظهر جمالها وزينتها بل تقف في إحتشام مخفية جمالها فيظهر جمالها الإلهي، وتظهر عليها نعمة الله. ونلاحظ أنه حتى النساء اليونانيات الوثنيات غطين رؤوسهن، فهل لا يفعل هذا النساء المسيحيات.

الرَّجُلَ يُرْخِي شَعْرَهُ = (راجع تفسير آية 4) بعض الرجال فعلوا هذا بدعوى التحرر.

فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا = شعر المرأة قد أعطى لها كغطاء طبيعي تغطى به رأسها، شعر المرأة هو جمالها لذلك يجب تغطيته حين تقف أمام الله، معلنة أن الله هو جمالها الحقيقى، وحتى لا تلفت الأنظار وقت الصلاة فتكون سبب عثرة وتشتيت للموجودين.

عِوَضَ بُرْقُعٍ = فالمرأة الصلعاء لا منظر لها ويجب أن تضع برقعاً أي غطاء على رأسها. لكن مجد المرأة وزينتها يمكن أن تعبر عنه المرأة بشعرها، والمرأة التي تقصد من إرخاء شعرها دون أن تغطيه التزين والبهرجة، فهذا الأمر لا يليق ببيت الله. فأمام الله يجب أن يشعر الرجل بضعفه ولا يقف ليتفاخر أو شاعرا بقوته، وهكذا على المرأة أن لا تشعر بجمالها أمام الله. فليتباهى الرجل بقوته إن أراد أمام البشر، ولتتباهى المرأة بجمالها أمام زوجها، لكن نقف جميعا فى إنسحاق أمام الله فهو قوتنا وجمالنا.

العدد 16

آية (16): -

"16 وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ.".

يُحِبُّ الْخِصَامَ = يقصد الجدال لإثبات حق المرأة في كشف شعرها بعد ما قلناه، إن كان بينكم من لا زال يريد كثرة المباحثات والإنقسام في هذا الموضوع الواضح، ففي كنائس الله لا توجد لنا مثل هذه العادة في الشقاق وكثرة الجدال والخصام. بولس الرسول رسم الصورة الصحيحة ويقول... من هو غير مقتنع ويريد الشجار، فانا أقول لهُ ونحن لم نتعود علي ذلك.. من أراد أن يقبل فليقبل.

الأعداد 17-19

الآيات (17–19): -

"17 وَلكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهذَا، لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ. 18لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ، وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ. 19لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا، لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ.".

بدأ هنا الرسول يناقش مشكلة أخرى، وهى الشقاقات التي كانت تحدث بينهم في الكنيسة. والرسول لا يمدحهم على هذا. فبينما كان المفروض أن يكون هدف إجتماعاتهم إزدياد المحبة بينهم، وبناء بعضهم البعض = أي لِلأَفْضَلِ صارت إجتماعاتهم لِلأَرْدَإِ = بسبب الشقاقات صاروا ينحدرون روحياً، بل يؤذون مشاعر بعضهم البعض. وَلكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهذَا = أنا أوصيتكم وأوصيكم بأن تجتمعوا في محبة وذلك لبنائكم الروحي وليس في وجود شقاقات.

أُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ = أميل للتصديق. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ = قارن مع (مت 18: 7 + 2بط2: 1، 2). فالرسول يعلم أن إبليس الذي لا يهدأ سيحارب قطيع المسيح وهدفه كسر وحدة الكنيسة التي في المسيح، فكل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. ولكن الذي يخرج من الجافي حلاوة، نجد أنه حين قامت البدع والهرطقات كان هذا فرصة لظهور الإيمان الحقيقي وثباته عبر الأجيال، فما كان قانون الإيمان سيكتب ويظهر للنور لولا هرطقة أريوس وغيره. وعلى صخرة الإيمان تكسرت كل محاولات إبليس. لقد سمح الله بظهور رداءة البعض وضلالهم. هؤلاء الذين ينشقون لكي تظهر أيضاً فضائل الآخرين وقداستهم. هؤلاء المحبون للوحدة والعاملون لأجل سلام الكنيسة وبنيانها = لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ.

الأعداد 20-22

الآيات (20 - 22): -

"20فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ الرَّبِّ. 21لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ، فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ. 22أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ وَتُخْجِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ؟ أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ!".

بدأت الإنشقاقات بينهم في ولائم الأغابى التي كانت عبارة عن عشاء عادى يعقبه سر الإفخارستيا. وكانوا يبدأون بالأغابى علامة المحبة بينهم ولنشر المحبة بينهم أع 2: 42. ولنرى الآية: -.

يواظبون على تعاليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات.

هذه هى الأغابى، هى طعام الشركة الذى لا بد أن يذوب فيه الغنى مع الفقير. وللأسف لم يحدث هذا مع أهل كورنثوس

.

ولكن نرى فيما حدث في كورنثوس من أخطاء، أن الذين قبلوا الإيمان لم يتحولوا فى يوم وليلة إلى أناس كاملين، بل كانوا في حاجة إلى إرشاد مستمر.

ومعنى آية 20: - أنه لم يعد لهم صورة مقدسة تليق بعشاء الرب.. لماذا؟ كان هدف عشاء الأغابى هو إعلان الوحدة بينهم، فكان كل فرد يأتى بحسب استطاعته بقدر من الطعام. لكن الأغنياء كانوا يأتون بالكثير والفخم ليأكلوه هم. ويتركوا الفقراء جائعين فإختفي بهذا معنى الشركة والوحدة في الرب يسوع. وَسبَّبَ هذا خجلاً للفقراء وإهانة للرب يسوع، وَسبَّبَ انقسامات وشقاقات بينهم. ومعنى كلام الرسول أنه عندما تجتمعون في الكنيسة أي في مكان العبادة وأنتم على هذا الحال من الانقسام، فإنه لا يمكن أن تتقدموا للاشتراك في عشاء الرب دون أن تتعرضوا للدينونة، أي لن يكون في تناولكم من عشاء الرب ما يفيدكم. ولذلك فالرسول ينصح بسبب هذه الشقاقات أنهم يفصلوا ما بين الأغابى والإفخارستيا، فكل واحد يأكل في بيته ثم يأتون للقداس (قارن مع 2بط 2: 13 + يه 12 + 1كو 10: 31، 32 + يع 2: 6).

رأيت في احدى الكنائس فى روسيا حلاً لهذا الإشكال. توضع مائدة كبيرة عند باب الكنيسة وكل واحد يدخل للكنيسة يضع على هذه المائدة لفافة مغلفة بورق لا يظهر ما بداخلها ويتركها ويدخل للكنيسة، ثم بعد نهاية القداس والتناول يخرج المصلون وإذا بمائدة عليها من كل الأصناف، دون أن يعرف أحد من الذي أتى بشيء، ومن لم يأتى بشيء، والكل يأكل في محبة من مائدة الأغابى هذه بعد صلوات شكر يتلوها الكهنة على هذه المائدة.

ولقد ظلت الإفخارستيا مرتبطة بالأغابى طيلة القرن الأول، ثم أصبحت طقساً منفصلاً. وغالباً كان انفصالهم ناتجاً عن دعوة بولس الرسول هنا. وذلك لأن الناس لم يلتزموا بأصول المحبة. وَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ = هنا خطيتان، أن يترك أحد أخاه جائعاً، فهذا خطية. أما الثانية فإنه يظل يشرب حتى السكر. يَسْبِقُ = فالأغنياء يسبقون الفقراء. عَشَاءَ نَفْسِهِ = أي ما أتى به من منزله من مأكولات فخمة. أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ = الأفضل من الأغابى بهذه الصورة التي تسبب شقاق أن تأكلوا في بيوتكم.

الأعداد 23-26

الآيات (23 - 26): -

"23لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا 24 وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». 25كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». 26فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ.".

ربما يقصد الرسول أن يقول... إن كان المسيح قد قدَّمْ لأجلكم جسده المكسور، فكيف يا أغنياء تحرمون الفقراء من طعامكم الجيد وتأكلونه أنتم وينفرد كل واحد بعشائه المادي الزائل. ويقصد الرسول أن ما يقدم على مائدة الإفخارستيا هو جسد المسيح ودمه فعلاً، فهل يتفق ما تفعلونه مع جلال سر الإفخارستيا الذي تسلمته من الرب. تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ = ربما في أحد الإعلانات وإذا كان بولس قد تسلم السر هكذا فإنه يلزم إقامة السر كما قدمه السيد تماماً، لأن خادم السر الخفي هو المخلص نفسه القادر أن يقول "هذا هو جسدي وهذا هو دمى". خُبْزًا = Artos = خبز مختمر وليس فطيرا. وَشَكَر = اشتقت منها كلمة إفخارستيا أي الشكر.

لِذِكْرِي = باليونانية هي "أنا منسيس" وتترجم بالإنجليزية RECALLING وليس REMEMBERANCE. ومعنى الكلمة دخول حقيقي واستعادة حقيقية لما نتذكره، بدخول حقيقي في كل مقدراته وملابساته. فهي لا تعنى مجرد ذكرى لأمر نتطلع إليه غائباً عنا، إنما ليتحقق حضور الله الحي العامل في حياة المؤمنين، حضور ما نصنع له الذكرى. الإفخارستيا إذن هي ذبيحة حقة حاضرة وعاملة، هي ذكرى فعالة، هي كرازة عملية بموت الرب الذي به وحده الخلاص. وكمثال على ذلك من العهد القديم حينما حفظ موسى جزء من المن ليريه لبنى إسرائيل، فالمن ذكرى عينية أي من نفس الشيء الذي يشار إليه بالذكرى، أي أن الخبز هنا هو نفس جسد المسيح والخمر هنا هو نفس دم المسيح. ولا محل للاعتقاد البروتستانتي بأن الخبز والخمر هما مجرد ذكرى أو هما رمز للجسد والدم. فالذكرى هنا ليست مجردة بل تذكر حقيقي بكل مفاعيله. ولو كان الأمر مجرد ذكرى لما غضب الرسول من إهمالهم، ولما إستدعى الأمر أن يكون غير المستحق مجرما ويمرض ويموت. والكلام الآن موجه لشعب كورنثوس... هل في شقاقكم ومنازعتكم وأكلكم بشراهة تذكرون وتخبرون بموت الرب وصليبه.

جَسَدِي الْمَكْسُورُ = هذا البذل تحقق على الصليب. ولكنه عمل دائم قدمه المسيح لكنيسته لتتمتع في هذا السر بعمل الصليب، وهذا مستمر عبر الزمن ولنهاية أيام الكنيسة على الأرض، والمسيح حاضر في كنيسته دائما لتتمتع بالخلاص، بل أن المسيح قدم جسده المكسور إلى تلاميذه، حتى قبل الصليب. وكان ذلك ليلة العشاء السري.

هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ = العهد القديم تثبت بدم الذبائح الحيوانية، أما العهد الجديد فلقد تثبت بدم إبن الله. فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ = إذاً هذا الطقس سيتم تكراره وللأبد في الكنيسة لنذكر ونبشر ونعترف بموت المسيح على الصليب. وواضح من كلمات الرسول هنا ومن كلمات السيد المسيح نفسه (مت 26: 26 – 28). إن ما قدمه المسيح لتلاميذه في هذه الليلة كان جسده ودمه فعلاً. وكون المسيح يقدم جسده قبل صلبه فهو كأنه قد ذبح نفسه قبل أن يذبحه العالم، هو قدم نفسه ذبيحة قبل أن يصلبه العالم. وإذا كنا نقبل أن المسيح قد قَدَّم جسده ودمه لتلاميذه قبل الصلب، فهل لا نقبل بالإيمان أن يقدمه لنا الآن. وهل كان التلاميذ أكثر احتياجا منا ليقدم لهم جسده ودمه ثم يعطينا رمزاً فقط نأكله. هو يعطى لغفران الخطايا (مت26: 28) فكيف يغفر الرمز الخطايا، بل ما يغفر الخطايا هو دم ذبيحة حقيقية. وهذا هو جسده متحداً بلاهوته، حتى يعطينا حياة أبدية، وتكون قوة القداسة التي فيه قادرة على تقديسنا، حينما يتحد جسده بجسدنا. تُخْبِرُونَ = تخبرون البشر وكل من يسمع. إِلَى أَنْ يَجِيءَ = تقام القداسات ونعمل سر الإفخارستيا حتى المجيء الثاني للكرازة ولمغفرة الخطايا.

العدد 27

آية (27): -

"27إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ.".

كون أن سر الإفخارستيا يشمل جسد ودم المسيح فهذا واضح أن من يتناول منه بغير إستحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه. أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ = في الأصل اليوناني جاءت (و) وليس (أو). بِدُونِ اسْتِحْقَاق = إشارة للأغنياء الذين تسببوا بأفعالهم في الكنيسة بشقاق إذ ميزوا أنفسهم عن الفقراء. ولكي نكون مستحقين علينا: -.

  1. الإيمان بحقيقة السر.
  2. تقديم توبة واعتراف قبل التناول.
  3. لا توجد في حياتنا مخاصمات أو تحزبات (مت 5: 23).
  4. الاستعداد اللائق بالسر وأن نكون على درجة من التقوى والصلاح والروحانية تتناسب مع كرامة جسد المسيح ودمه.

العدد 28

آية (28): -

"28 وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ.

لأن التناول أمر خطير. إذن ليقارن الواحد أعماله مع وصايا الرب ويفحص نفسه حتى لا يتعرض للدينونة قبل أن يتقدم للتناول.

العدد 29

آية (29): -

"29لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ.".

من يأكل ويشرب من الجسد ولا يميزه عن الخبز العادي، ولا يميز الدم عن الخمر العادي، أي لا يشعر بعظيم الاحترام لجسد الرب ودمه، فمثل هذا لا يأخذ بركة بل دينونة.

العدد 30

آية (30): -

"" 30مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. ".

لاحظ أن الذي يتناول بدون استحقاق يمرض بل ربما يموت = يرقدون = ولكن حتى وهو على فراش الموت فالله يترقب توبته حتى اللحظة الأخيرة.

العدد 31

آية (31): -

"31لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا،".

ما كنتم تتعرضون لهذا لو فحصتم أنفسكم، لو وقفنا أمام أنفسنا كقضاة وحكمنا على أنفسنا وقدمنا توبة وراقبنا تصرفاتنا، لما تعرضنا للعقوبات.

العدد 32

آية (32): -

"32 وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ.".

على أنه إذا تعرضنا لدينونة الله وحكمه فأصابنا الضعف أو المرض فإن هذا يكون من أجل تأديبنا وتهذيبنا الروحي حتى نصلح من أنفسنا، وحتى لا نتعرض في الحياة الأخرى لأن ندان دينونة أبدية. فالدينونة الزمنية تقينا شر التعرض للدينونة الأبدية.

العدد 33

آية (33): -

"33إِذًا يَا إِخْوَتِي، حِينَ تَجْتَمِعُونَ لِلأَكْلِ، انْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا.".

لا تبدأوا في الأكل إلى أن يجتمع الجميع وتصلوا، فلا يحرم أحدكم من بركة الصلاة التي تقال في البداية، وحتى لا يشعر الغائب بصغر نفس إذ لم يهتم به أحد، وتبدأ الشقاقات من هنا.

العدد 34

آية (34): -

"34إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي الْبَيْتِ، كَيْ لاَ تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا.".

إن العشاء الرباني لم يقم من أجل أن تأكلوا فتشبعوا ولكن من أجل أن تأخذوا بركات الخلاص الأبدية.

فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا = إذاً هناك أمور هامة رتبها لهم ولم يذكرها في الإنجيل، ومن هنا نرى أهمية التقليد، فالكتاب المقدس لا يتضمن كل ما يختص بالترتيب ونظام العبادة.

سؤال فى محبة نوجهه لأحبائنا واخوتنا البروتستانت... نفترض ان السيد المسيح سألكم. ماذا كان يجب ان يكتب فى الكتاب المقدس أكثر مما هو مكتوب لتصدقوا أن ما يقدم فى سر الافخارستيا هو جسد حق = حقيقي ودم حق = حقيقي.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الإصحاح الثاني عشر - تفسير رسالة كورونثوس الأولى - القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر - تفسير رسالة كورونثوس الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رسالة كورونثوس الأولى الأصحاح 11
تفاسير رسالة كورونثوس الأولى الأصحاح 11