اَلْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالثَّانِي – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور المئة والثاني

يرى بعض الدارسين أن داود كتب هذا المزمور عند هروبه أمام إبشالوم. والمرنم يعبر فيه عن حالة محزنة وصل إليها، ثم نجد نغمة تعزية وكلمات إيمان وثقة بالله الذي لن يترك شعبه في محنتهم. والآيات (25 - 26) من المزمور طبقها بولس الرسول على المسيح (عب10: 1 - 12) ولذلك نفهم أن المزمور يتنبأ عن ألام المسيح، أو ألام كنيسة المسيح لأجل اسمه. ولأن المزمور يتكلم عن ألام المؤمن في العالم بصورة عامة نجد المزمور معنون باسم صلاة المسكين، يصلي به كل مسكين بالروح، وأيضاً نبوة عن المسيح الذي صار مسكيناً وأخلى ذاته آخذاً صورة عبد لأجلنا. وهكذا صلى المسيح ليلة القبض عليه.

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلاَتِي، وَلْيَدْخُلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي. 2لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا.".

هي صرخة لله، ولمن غيره نصرخ في ضيقتنا. قارن لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي بقول السيد المسيح إلهي إلهي لماذا تركتني. أَمِلْ أُذُنَكَ = تواضع يا رب واسمعنى أنا الذليل.

الأعداد 3-11

الآيات (3 - 11): -

"3لأَنَّ أَيَّامِي قَدْ فَنِيَتْ فِي دُخَانٍ، وَعِظَامِي مِثْلُ وَقِيدٍ قَدْ يَبِسَتْ. 4مَلْفُوحٌ كَالْعُشْبِ وَيَابِسٌ قَلْبِي، حَتَّى سَهَوْتُ عَنْ أَكْلِ خُبْزِي. 5مِنْ صَوْتِ تَنَهُّدِي لَصِقَ عَظْمِي بِلَحْمِي. 6أَشْبَهْتُ قُوقَ الْبَرِّيَّةِ. صِرْتُ مِثْلَ بُومَةِ الْخِرَبِ. 7سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ. 8الْيَوْمَ كُلَّهُ عَيَّرَنِي أَعْدَائِيَ. الْحَنِقُونَ عَلَيَّ حَلَفُوا عَلَيَّ. 9إِنِّي قَدْ أَكَلْتُ الرَّمَادَ مِثْلَ الْخُبْزِ، وَمَزَجْتُ شَرَابِي بِدُمُوعٍ، 10بِسَبَبِ غَضَبِكَ وَسَخَطِكَ، لأَنَّكَ حَمَلْتَنِي وَطَرَحْتَنِي. 11أَيَّامِي كَظِلّ مَائِل، وَأَنَا مِثْلُ الْعُشْبِ يَبِسْتُ.".

وصف مؤلم للحالة التي وصل لها المرنم وبكائه المستمر. أَيَّامِي قَدْ فَنِيَتْ فِي دُخَانٍ = فنيت سريعاً كما يفنى الدخان ويتلاشى سريعاً في الجو. وعن ضعفه العام يقول عِظَامِي مِثْلُ وَقِيدٍ قَدْ يَبِسَتْ = فالعظام هي التي تشدد الجسد وصارت كحطب محروق. وصار كعشب ملفوح بريح ساخنة جففته ففقد خضرته وحيويته. وصار دائم البكاء مثل القُوقَ والبُومَ. وكيف تكون هذه نبوة عن المسيح والقوق والبوم من الطيور النجسة؟! المسيح الذي بلا خطية صار خطية لأجلنا. وكان يبكي على حالنا، فهو بكى على أورشليم وبكي على قبر لعازر. صِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ = حين يعتدي أحد على عش العصفور ويقتلوا صغاره يطير وحده باكياً ومصدراً أصوات مؤلمة. وهكذا قال المسيح "تأتي ساعة تتركوني وحدي" وقد تركه الكل وقت الصليب، وكان هو يبكي على هلاك صالبيه. أَكَلْتُ الرَّمَادَ مِثْلَ الْخُبْزِ = هذه يقولها داود في محنته، إذ يقدم توبة عن خطية أوريا الحثي فهو يشعر أن كل مصائبه سببها خطيته. لذلك يكمل لأَنَّكَ حَمَلْتَنِي وَطَرَحْتَنِي = فالله بعد أن حمله إلى كرسي المملكة، عاد وطرحه من على كرسيه بسبب الخطية. أَيَّامِي كَظِلّ مَائِل هنا نرى المسيح الذي مات عنا وكانت حياته بالجسد على الأرض قصيرة ثم يكمل في (12).

العدد 12

آية (12): -

"12أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ جَالِسٌ، وَذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.".

بالرغم من موتك يا رب فأنت إلى الدهر جالس على عرشك.

العدد 13

آية (13): -

"13أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ وَقْتُ الرَّأْفَةِ، لأَنَّهُ جَاءَ الْمِيعَادُ.".

والموت لن يسود عليك يا رب بل أنت تقوم وترحم صهيون. وهذه نبوة عن القيامة.

العدد 14

آية (14): -

"14لأَنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا.".

عَبِيدَكَ = رسلك الذي أرسلتهم للكرازة. قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا = المؤمنين هم الحجارة الحية في هيكل الله (1بط5: 2) وإيمان هؤلاء جعل الرسل فى فرح.

فيما سبق رأينا ألام المسيح، فلماذا كانت هذه الألام؟ لكى يبنى هيكل جسده أى الكنيسة، فبعد أن تمم الفداء أرسل تلاميذه ليكرزوا ويجمعوا له كل من يؤمن.

وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا = والرسل كان لهم اشتياق في توبة كل من لهم حياة أرضية وشفائهم من كبريائهم وخطاياهم وإنسحاقهم. ومن يفعل ينسحق فى التراب فيقبله الله ويفرح به (أى42: 6). والمرتل يقصد أن الرسل كانوا فى إشتياق لكى يُبنى هيكل الرب من هؤلاء المؤمنين. فالإنسان كان قبل السقوط هيكل لله وبعد السقوط صار هيكلا منهدما (عا9: 11). وفى مقابلة مع هيكل سليمان الذى هدمه البابليون، يقول المرتل أنه يشتاق لعودة الهيكل المنهدم، ويشتاق لحجارته المتناثرة، بل هو يشتاق للتراب المتناثر من أثار الهدم = وهذا يعنى بالنسبة لهيكل جسد المسيح أى الكنيسة التى يقومون بالكرازة فى كل العالم ليؤسسوها أنهم يشتاقون لكل من يدخلها بإيمانه فيصير حجرا حيا، ويدخلها متواضعا منسحقا كالتراب فيسكن الرب عنده (إش57: 15).

العدد 15

آية (15): -

"15فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ.".

الأمم الذين لم يعرفوا الله آمنوا وصاروا يخشونه. ويعرفون مجده ويخشون غضبه.

العدد 16

آية (16): -

"16إِذَا بَنَى الرَّبُّ صِهْيَوْنَ يُرَى بِمَجْدِهِ.".

الرب بنى كنيسته بعد أن كانت قد خربت، والرب يُرَى ويعرف عمله حينما نرى مجده في كنيسته.

العدد 17

آية (17): -

"17الْتَفَتَ إِلَى صَلاَةِ الْمُضْطَرِّ، وَلَمْ يَرْذُلْ دُعَاءَهُمْ.".

الْمُضْطَرِّ = المسكين المتواضع الذي يلجأ لله وهو فى ضيقة. والله لا يرذل من يلتجئ إليه.

العدد 18

آية (18): -

"18يُكْتَبُ هذَا لِلدَّوْرِ الآخِرِ، وشَعْبٌ سَوْفَ يُخْلَقُ يُسَبِّحُ الرَّبَّ:".

المرنم بروح النبوة قد رأى الكنيسة التي خلقها، وجدد خلقتها المسيح، ويقول أنه يكتب هذا شهادة منه قبل أن يصنع المسيح هذا، لنعرف أن هذا كان في فكر الله وتحقق في ملء الزمان. وأن شعوب الأرض الغارقة في وثنيتها ستخلق منها كنيسة تسبح اسم الرب.

الأعداد 19-22

الآيات (19 - 22): -

"19لأَنَّهُ أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ نَظَرَ، 20لِيَسْمَعَ أَنِينَ الأَسِيرِ، لِيُطْلِقَ بَنِي الْمَوْتِ، 21لِكَيْ يُحَدَّثَ فِي صِهْيَوْنَ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَبِتَسْبِيحِهِ فِي أُورُشَلِيمَ، 22عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّعُوبِ مَعًا وَالْمَمَالِكِ لِعِبَادَةِ الرَّبِّ.".

لأَنَّهُ أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ.. إِلَى الأَرْضِ نَظَرَ = قد تعني أن الله نظر لصلاة المساكين، وقد تشير لتجسد المسيح الذي من السماء ونزوله إلى الأرض. وجاء المسيح ليحيي من كانوا قد ماتوا وصاروا أسرى إبليس، وليعيدهم للحياة = يسبحوا الرب في الكنيسة = أورشليم. والكنيسة ستكون اجتماع كل الشعوب وَالْمَمَالِكِ لِعِبَادَةِ الرَّبِّ.

الأعداد 23-24

الآيات (23 - 24): -

"23ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي، قَصَّرَ أَيَّامِي. 24أَقُولُ: «يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ.".

بالرغم من الخلاص الذي قدَّمه المسيح لكنيسته، إلا أن المؤمنين مازالوا يموتون ويمرضون وتضعف قوتهم بالأمراض. والإنسان يخاف الموت، لذلك يصرخ لله...

لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي = أي لا تجعلني أموت في شبابي، بل أريد أن أعيش فترة طويلة والمرنم يبني رجاؤه في حياة طويلة على أن الله حي وهو حي إلى دهر الدهور. وهذا ما عمله المسيح لنا، فهو أعطانا حياته حتى لا نموت أبدياً. بل لقد صار موتنا بالجسد الآن هو بداية حياتنا الأبدية فى الراحة من ألام العالم. فنحن حصلنا على الحياة الأبدية فى المعمودية حينما إتحدنا مع المسيح، لكننا ما زلنا على الأرض ونعانى من ضيق هذا العالم. وهذا الضيق سينتهى بإنطلاق الروح من هذا الجسد. وصار المرض تأديباً لنا حتى لا نرتد عن الله، بل في ضعف جسدنا أثناء المرض ينكسر كبريائنا.. حقاً كما نقول في القداس "حولت لي العقوبة خلاصاً".

حقا لقد أنهى فداء المسيح مشكلة الموت ولكن ما زلنا نموت ونمرض، فلماذا؟

الموت هو آخر عدو يُبطل (1كو15: 26) والله ترك الموت لأننا ما زلنا فى الجسد، والجسد له شهواته وأخطاءه. وبدون الموت لكان الإنسان قد إنطلق وراء شهواته بلا خوف، ووجود الموت يحدد من هذا الإنطلاق وراء الخطية. وترك الله المرض والألم لنفس السبب "من تألم فى الجسد كُفَّ عن الخطية" (1بط4: 1).

الأعداد 25-28

الآيات (25 - 28): -

"25مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. 26هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. 27 وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. 28أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ».".

الله الأزلى الأبدي، في مقارنة مع العالم البالي، الذي ستنتهي صورته الحالية. السماء والأرض تزولان، ليأتي مكانهما سماء جديدة وأرض جديدة. وصورة جسدنا الحالي ستزول ونأخذ عوضاً عنها الجسد الممجد. فبعد أن يؤدي الجسد وظيفته الحالية يصير كَثَوْبٍ يبْلَى ويدفن ونأخذ أو نلبس ثوباً جديداً = كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. فالأرض الحالية والسماء الحالية أيضاً لها دور كثوب مؤقت حينما يبلى نطويه ونرميه لنلبس ثوباً جديداً. وصورة الحياة الجديدة. أجسادنا النورانية التي سنحصل عليها ونعيش بها في الأرض الجديدة والسماء الجديدة هذه الصورة ستكون أبدية = أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ. راجع الآيات (رؤ1: 21 + 1يو2: 3 + في21: 3 + 1كو35: 15 - 58).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالثَّالِثُ - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

اَلْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالْوَاحِدُ - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 102
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 102