الأصحاح الأول – سفر الأمثال – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر الأمثال – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدمــة الأمثال

  1. الله لم يترك طريق إلا وسلكه حتى يعلمنا. فنجد الكتاب المقدس قد إشتمل على عدة طرق للتعليم:
  1. القصص: وفيها يعلمنا الله قصص سقوط وتوبة كثيرين لنتعلم.
  2. الوصايا والشريعة: إذا إلتزمنا بها تتقدس النفس.
  3. النبوات: حينما نرى تحقيقها نؤمن بقوة الكلمة.
  4. الأناشيد والتسابيح والمزامير: هذه يسهل حفظها لترديدها فنتعلم الصلاة.
  5. الأمثال: جمل قصيرة تحوى حكمة ملخصة يكون شرحها كلاماً كثيراً.

والله استخدم كل هذه الطرق المتنوعة ليتركنا بلا عذر إذا فضَّلنا طريق الخطية بلا توبة.

  1. التعليم بالأمثال:
  1. هي طريقة قديمة إستعملها المصريين واليونان والفرس وشعوب أخرى كثيرة.
  2. هي طريقة مباشرة وسهلة للتعليم.
  3. الأمثال تعبر عن الشعوب، فالأجيال تتسلم الأمثال من القدماء كخلاصة فكرهم وإختباراتهم وتسلمها للأجيال التالية. فهي تشكل فكر الشعوب، بل تعبر عن ثقافة وحضارة هذه الشعوب. (1صم13: 24).
  4. تستعمل الأمثال في الحوار على أنها بديهيات لا يناقشها أحد. ويحاول كل طرف في مناقشته أن يستعمل الأمثال في صالحه. بل أن الكلمة العبرية "مشل" وتعني مثل تحمل معنى يحكم أو يسيطر أو شئ سائد. ومن يستخدم الأمثال في تعليمه فهو بهذا يريد أن يسود على فكر سامعه فالمثل خلاصة حكمة القدماء وكأن من يستخدم المثل يقول للآخر "كيف تناقشني والقدماء قد قالوا كذا وكذا" (أي8: 8).
  5. وتوجد لدى الشعوب أمثال كلها حكمة فعلاً ولكن هناك أمثال شعبية سيئة تفسد عقول الناس ومنها ما إنتشر مثلاً في مصر ويدعو للنفعية والأنانية.

"إن رحت بلد بتعبد العجل حش وإديله".. وهذا المثل لا يمانع في عبادة الأوثان.

"إن جالك الطوفان حُط ولادك تحت رجليك".. وهل هناك أنانية أكثر من هذا.

ومثل هذه الأمثال السيئة تقسى الإنسان في طريق الخطية. ومثل هذه الأمثال السيئة أيضاً إنتشرت أمثال سيئة وسط الشعب اليهودي. (راجع حز22: 12 + حز2: 18).

  1. والله حتى يحمي عبيده من تأثير الأمثال السيئة المفسدة سمح بوجود أمثال مقدسة، أوحى الله بها بواسطة روحه القدوس لبعض رجاله في كل مكان. ولنفس السبب تستخدم الكنيسة التراتيل والألحان والتسبحة لتحمي شعبها من تأثير الأغاني العالمية الهابطة.
  1. أمثال سليمان وأمثال الشعوب.

بعض الدارسين من نقاد الكتاب المقدس عقدوا دراسات مقارنة بين أمثال سليمان الحكيم وبين الأمثال التي جمعوها من بين الشعوب ووجدوا هناك تشابهاً بينهم واستخلصوا من هذا أن سليمان ما كان سوى جامعاً وناقلاً لأمثال الشعوب من حوله ولنرد على هذا نقول الآتي:

  1. ينسى هؤلاء أن "كل الكتاب موحى به من الله" (2تي16: 3 + 2بط21: 1).
  2. الله لم يقتصر عمله على شعب اليهود فقط، بل كان الله يتعامل مع كل الشعوب في كل العالم ويلقي أضواء بوحي من روحه القدوس على الحقيقة، فالله لا يترك نفسه بلا شاهد. ودليل على ذلك:

[1] قال أيوب وأصحابه كلاماً كله حكمة إلهية عجيبة.

[2] بلعام تنبأ عن المسيح وهو ليس بيهودي.

  1. وُجِد بين الشعوب نوعين من الحكمة، الحكمة الجيدة المقدسة وهذه تقود لقداسة الناس وصلاحهم، والحكمة الفاسدة النفعية. ويجب أن نفهم أن كل حكمة حقيقية مصدرها هو الله (يع16: 1، 17). فإذا وجدت حكمة جيدة وسط الشعوب فمصدرها هو الله. ومن أين أتى أيوب وأليفاز وبلدد وأليهو بكل ما قالوه وهم من القبائل العربية. أما الحكمة الفاسدة التي إنتشرت وسط الشعوب فهي خلاصة تجاربها النفعية وخبراتها الشريرة وهي حكمة نفسانية شيطانية (يع15: 3).
  2. ويكون بهذا أن التصور الصحيح للتشابه بين أمثال سليمان والأمثال المنتشرة وسط الشعوب مرجعه.. أن الله أوحى بالتعاليم الصحيحة لبعض عبيده الأمناء في بعض الشعوب. وإنتشرت هذه الأقوال وسط هذه الشعوب ووسط الشعوب التي إحتكت بها سواء بالمصاهرة أو بالتجارة. ثم أضيفت لهذه الأمثال ذات المصدر الإلهي أمثال سيئة مصدرها الخبرات الشخصية لهذه الشعوب. ويكون سبب التشابه بين أمثال سليمان الحكيم الواردة في الكتاب المقدس وأمثال الشعوب راجع إلى:
  1. الروح القدس الذي أوحى لسليمان أن يكتب هنا هو نفسه الذي أوحى للآخرين وطالما أن المصدر واحد في الحالتين وهو الروح القدس سيكون الكلام واحداً.
  2. سليمان بوحي من الروح القدس إنتقي من وسط الأمثال الشعبية التي للشعوب الأخرى الأمثال المقدسة التي أوحى بها الله أولاً لهذه الشعوب قبل أن يضاف إليها. والرأي الأول أرجح.
  1. سليمان بحكمته نطق بأمثال (3000مثل) (1مل32: 4). والوحي لم يسجلها كلها. وربما كانت هذه الأمثال صالحة لوقت سليمان ولمملكته فقط، أما الروح القدس حين يُسَجِّلْ في الكتاب المقدس لا يسجل سوى ما هو مفيد لكل الناس في كل العصور. ومن هذا نفهم أن سليمان حين كتب هذا السفر لم يكن حراً تماماً في أن يسجل ما يختاره من أمثال الشعوب ولا حتى أن يسجل كل ما كتبه هو نفسه. بل بوحي من الروح القدس إنتقي ما كُتِبَ هنا، وهو النافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر بحسب ما رأي الروح القدس الذي أوحي به (2تي16: 3، 17).
  2. بنفس المنطق نجد أن كل الشعوب الوثنية كانت تقدم ذبائح حيوانية إرضاءً لآلهتها وجاءت شريعة موسى تطلب تقديم ذبائح حيوانية فهل نقل موسى عن الشعوب الوثنية؟ الصحيح أن فكر تقديم ذبيحة حيوانية كرمز للمسيح ثابت منذ البدء والله علَّم آدم أنه بواسطة الذبيحة يستر عُرْيَهْ وغضب من قايين إذ لم يقدم ذبيحة حيوانية. ومن هنا تسلمت الأجيال فكرة تقديم الذبيحة الحيوانية ولكن الشعوب في جهلها ظنت أنها بهذا ترضي آلهتها الوثنية وإختفت من وسط هذه الشعوب الوثنية فكرة الكفارة. وجاء موسى ليقدم الفكر الصحيح وينقيه من كل الشوائب الوثنية. وأيضاً قيل أن موسى نقل قصة الطوفان من أساطير الشعوب الوثنية لأنهم وجدوا أن قصة الطوفان منتشرة في كل العالم تقريباً. والصحيح أن قصة الطوفان قد حدثت فعلاً وتناقلتها الأجيال ومع فساد البشر بسبب الخطية دخلت العبادة الوثنية لمعظم الشعوب فتحورت القصة الصحيحة ونسبت لآلهة كل شعب وجاء موسى وبوحي من الروح القدس ليكتب ما حدث فعلاً وينقي القصص المشوهة المنتشرة في كل العالم مقدماً الصورة الحقيقية. وهكذا قدم سليمان الصورة الحقيقية للفكر الإلهي والحكمة الإلهية إنتقاها من وسط كم هائل من حكمة الشعوب وبوحي من الروح القدس ولكن بعد أن تنقت واستبعد منها كل فكر شيطاني نفساني دخيل وإنتقى منها ما هو صالح لكل إنسان في كل زمان وفي كل مكان.
  1. الأمثال في هذا السفر كلها حكمة وقداسة وتقدس من يتبعها فهي بوحي من الروح القدس، وليست مجرد خبرات سليمان الحكيم أو خبرات أي إنسان. ولذلك ففي بداية السفر نسمع أن مخافة الرب رأس المعرفة (7: 1). وهذا ما قاله أيضاً أيوب "هوذا مخافة الرب هي الحكمة" (أي28: 28). فالروح القدس الذي أوحى لسليمان هو نفسه الذي أوحى لأيوب. وهو أوحى بهذا لكليهما لنتعلم نحن (2تي16: 3 + عب5: 12).
  2. الأسفار الشعرية لها تسلسل رائع: هي خطة إلهية متكاملة مع كل نفس.
  1. أيوب: يقدم عمل الله مع الإنسان ليؤدبه ويروضه ليترك بره الذاتي ويمتنع عن أن يبرر نفسه وينسب الخطأ لله، ويتعلم أن الله مصدر كل حكمة وأنه لا يخطئ. ولكننا نجد ان النفس هنا ما زالت متذمرة ورافضة للتأديب.
  2. المزامير: الخطوة الثانية طالما إقتنع الإنسان بأن الله هو القادر على كل شئ وأن الإنسان خاطئ، يبدأ الإنسان يلجأ لله بروح الاتضاع والخشوع، يلجأ لله مصلياً مسبحاً. وبعد أن تعلم الإنسان في سفر أيوب أن تموت ذاته نجده في حياة الصلاة والتسبيح يختبر حياة القيامة المقرونة بالتسبيح والعبادة والفرح. وفى الضيقة لا تتذمر بل تلجأ لله.
  3. الأمثال: هي حديث شيق من الرب، يوجه فيه المؤمن كيف يسلك عملياً بحكمة في هذه الحياة، وقد أظهر سليمان هدف هذا السفر في (2: 1، 3). إذاً هذا السفر يرينا كيف نعيش حتى لا نعثر بل ننجح. ولكن من هو الذى يتعلم الحكمة؟ هو من تعلم من داود حياة الصلاة والتسبيح وسط الضيقات.
  4. الجامعة: يخبرنا فيه سليمان الحكيم عن بُطل العالم وقصوره عن إشباع النفس. وهذا هو نفس ما توصل له بولس الرسول (فى7: 3، 8). فكل نفس تسير في طريق الله بطريقة صحيحة لابد وستكتشف بطلان هذا العالم وأنه لا شئ بل نفاية إذا ما قورن بمعرفة يسوع المسيح. ونلاحظ أن النفس التى بدأت تنمو فى الحكمة ستدرك تفاهة هذا العالم.
  5. النشيد: يخبرنا عن النفس التي وجدت المسيح فدخلت معه في علاقة حب. وهذا أيضاً ما توصل له بولس الرسول في (رو35: 8 - 39). ونلاحظ أن إدراك تفاهة العالم بدون تذوق علاقة الحب مع المسيح يصيب النفس بالكآبة.

وبذلك نجد أن الأسفار الشعرية تعرض علينا طريقاً روحياً يتبعه الله مع النفس البشرية ليصل بها الرب لقمة الفرح. فالنفس البشرية متمردة بطبعها بعد السقوط والله يعلم ذلك. والنفس المتمردة تميل للإنفصال عن الله ولكن سيكون هذا سبباً في غمها وحزنها وموتها نهائياً في إنفصال كامل عن الله. لذلك نجد الله يبدأ مع هذه النفس كمؤدب ومعلم، يؤدب الإنسان حتى يمتنع عن تمرده ويشعر بحاجته إليه وهذا هو دور سفر أيوب. وإذا شعر الإنسان بالحاجة لله سيصلي وهذا هو دور سفر المزامير. ثم يأتي سفر الأمثال ليقدم للنفس المجاهدة أسلوباً مثالياً للتعليم فيشرح لها كيف تسلك في العالم. ولا يوجد كتاب نافع للصلوات بقدر المزامير لذلك استخدمته الكنيسة في صلوات الأجبية. وهكذا لا يوجد كتاب نافع للحياة بقدر الأمثال الذي يتكلم عن كل شئ... المرأة والاقتصاد والسياسة.. الخ. وكما أن سفر المزامير مدرسة للصلاة هكذا سفر الأمثال مدرسة للحياة وكلا السفرين مشحونين بالفوائد لتقديس حياتنا. ويأتي بعد ذلك سفر الجامعة ليلخص حكمة هذه الحياة "أن كل شئ باطل ومصيره إلى الزوال. وكل خاطئ يتمسك بهذه الحياة الباطلة مصيره للموت، وأنه مهما حصل الإنسان على ملذات هذا العالم سيكتشف أنه قبض الريح. وحكمة هذا السفر لكل نفس" لا تسعى وراء الباطل ". ثم يأتي سفر النشيد ولا يشعر بحلاوته سوى من خضع لتأديب الله وسلك في حياة الصلاة بالمزامير وسلك في حياته بطريقة صحيحة وإكتشف بطلان هذا العالم حينئذ تتذوق هذه النفس حلاوة الحب الناشئ عن حلاوة التوبة والشعور بالغفران، حينئذ فقط تتلذذ النفس بعريسها المسيح، وهذا هو هدف خطة الله مع كل نفس، أن تفرح وتتلذذ به. إكتشاف بطلان العالم هو نضج الحكمة. وإكتشاف حب المسيح هو كمال النضج. سفرى الجامعة والنشيد سفران متكاملان، فالشعور بأن العالم نفاية يتكامل مع علاقة الحب مع المسيح (فى3: 8). أما الشعور بتفاهة العالم وأنه نفاية دون محبة المسيح يقود للإنعزال المريض عن المجتمع.

  1. كاتب السفر هو سليمان الملك ابن الملك داود. وهو أيضاً نبياً إبن نبي. وكان حكيماً بل لم يكن مثله في الحكمة، وكان غنياً لم يكن مثله في الغنى وإتسع سلطانه جداً. ومع هذا كرس نفسه لدراسة الحكمة وطلبها وقام بتعليمها للناس. وسليمان سأل الله أن يعطيه حكمة ليقود شعب الله فأعطاه الله حكمة وثروة. وبحكمته أدار مملكته وحياته بل أعطانا خلاصة حكمته لكل البشرية ولكل العصور فهو تاجر بوزنته وربح كثيراً لحساب الله.
  2. والله لم يقتصر في تعامله مع الحكماء والملوك، بل إستخدم الله العديد من الناس على مختلف درجاتهم لكتابة الكتاب المقدس، فإختار الله عاموس النبي الذي أتى به من وراء الضأن وكان يقطف الجميز أي فلاح بسيط واختار الله بطرس ويعقوب ويوحنا الصيادين، فإختار الله الجهلاء ليخزي بهم حكمة الحكماء (1كو27: 1 - 29).
  3. العجيب أن سليمان في نهاية أيامه فعل عكس ما كتبه هنا وإنحرف عن طريق الله (راجع 1مل11) وكان هذا الإرتداد لملك حكيم شئ محزن حقاً. ولكن نلاحظ أيضاً أن الشيطان هو ملاك ساقط ومن رتبة الكاروبيم المملوئين أعيناً أي حكمة ولكننا لم نسمع عن سقوط ملائكة من رتبة السارافيم الملتهبين حباً. فالمحبة لا تسقط أبداً (1كو8: 13). بينما المعرفة تنفخ. وهذا هو الدرس من سقوط هذا الملك الحكيم أن نسعى للحب، حب الله وحب كل إنسان قبل أن نسعى للمعرفة، فربما حينما نحصل على المعرفة ننتفخ ونتكبر فنسقط. ولنفهم أنه ليس هناك من هو محصن ضد الخطية فلا داعي للكبرياء والافتخار بمعرفة أو بقوة أو بغني فكل قتلى الخطية أقوياء (أم26: 7). ومن يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط (1كو12: 10).
  4. دعوة سليمان في هذا السفر هي "إقتن الحكمة" وإذا فهمنا أن المسيح أقنوم الحكمة أو اللوغوس. فالمسيح هو حكمة الله (1كو24: 1). واللوغوس (الكلمة يو1: 1) يعنى عقل الله الناطق، فكيف نقتني المسيح؟ بأن نحفظ وصاياه (يو23: 14) "إن احبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً". + (يو21: 14 - 25). فمن يريد أن يكون حكيماً ويقتني الحكمة عليه أن يحفظ الوصايا فيسكن الآب والابن عنده ويكون هيكلاً للروح القدس. وهذا معنى لقول المسيح "هوذا أحكم من سليمان ها هنا" فمن يقتني المسيح يقتني كل كنوز الحكمة المذخرة فيه (كو3: 2) ونقتني المسيح بأن نتخلى عن خطايانا فلا شركة للنور مع الظلمة وأي إتفاق للمسيح مع بليعال (2كو14: 6، 15).
  5. الأمثال هي كلمات حكمة مصوغة في عبارات موجزة في صيغة سجع (في اللغة العبرية) وهي من أقدم طرق التعليم وإستخدمتها كل الشعوب، ونقشها اليونانيون على الأعمدة. فهي طريقة سهلة وجيدة للتعليم، يسهل حتى على الأطفال حفظها، والله إستخدمها كما قلنا لتعليم شعبه، ولكن الشيطان أيضاً استخدم هذه الوسيلة فبث في العالم الكثير من الأمثال المضللة التي تنافي روح الله حتى تضلل البشر عن معرفة الرب، وهذه الأمثال الشيطانية هي من روح الشيطان، لذلك على إبن الله أن يحفظ الأمثال الواردة في كتاب الله المقدس ويرددها ويعمل بها ولا يردد الأمثال الأخرى الشريرة ولا يقتدي بها. على إبن الله أن يحفظ أمثال هذا السفر ويتخذها مرشداً له في سلوكه اليومي في رحلة هذه الحياة وهو على أرض الغربة فهي صالحة للوالدين والأبناء، الأزواج والزوجات، السادة والعبيد، الرعاة والرعية، التاجر، الصانع، الناضج، الشاب.... لكل أحد.
  6. الأمثال الواردة هنا هي بلا ترتيب واضح بل يمكن اعتبارها مثل كومة لآلئ ثمينة غير منظومة في سلك واحد. ونفس الموضوع تجد عنه أمثال متفرقة عبر السفر وهناك من قام بتجميع الأمثال عن موضوع واحد لدراسة هذا الموضوع ولنأخذ أمثله لذلك: -.
  7. تقسيم السفر:
  1. الحكمة والحث على اقتنائها وطريق اقتنائها وبركات اقتنائها (ص1 - ص7).

طريق اقتنائها = مخافة الرب / قبول تأديب الأباء / الهروب من الأشرار /.

الحذر من النساء الشريرات.

بركات اقتنائها = النجاة من الأشرار / الحياة في بركة وسلام.

  1. الحكمة هي الأقنوم الثاني، الكلمة المتجسد (ص8 - ص9).

في هذين الإصحاحين نرى الحكمة كائن حي عاقل مع الله منذ الأزل.

وأنه كان معه صانعاً. وفي هذا الجدول مقارنة بين الحكمة والكلمة.

  1. مجموعة من الأمثال لسليمان جمعها هو بنفسه (ص10 - ص24).
  2. مجموعة من الأمثال كتبها سليمان ونقلها رجال حزقيا (ص25 - ص29).
  3. مجموعة أقوال أجور (ص30).
  4. مجموعة أقوال لموئيل (ص31).
  1. كاتب السفر.

كتب سليمان السفر كله فيما عدا الإصحاحين الأخيرين (30، 31) لذلك فالسفر كله ينسب لسليمان. وسليمان هو الذي أعطاه الرب حكمة وفهماً كثيراً جداً ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر. وفاقت حكمة سليمان جميع بني المشرق، وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس. وهذه الحكمة ملأته وأشبعته وفاضت منه علينا في هذا السفر. فجاء ترجمة عملية للحياة مع الله خلال السلوك العملي.

والإصحاح 30 منسوب إلى أجور بن متقية مسّا. ويُنْطَقْ أجور بن ياقة. وحيث أن كلمة أجور تعني الجامع وكلمة ياقة تعني مفيض بالحقائق قال بعض المفسرين أن أجور هو سليمان (الجامع) وياقة هو داود المملوء من روح الله وكانت مزاميره نبوات. ومسّا هي إسم سامي معناه حمل وهو إبن اسمعيل (تك14: 25) وقد يكون هو أب لقبيلة أخذت اسمه قطنت شمال جزيرة العرب. ومنها أيضاً لموئيل ملك مسا والإصحاح 31 منسوب إلى لموئيل ومعنى إسمه "مكرس الله" وإذ لا يعرف ملك بهذا الإسم ظن بعض المفسرين أنه اسم آخر لسليمان وظن آخرين أنه ملك آخر لقبيلة مسّا.

وإذا فهمنا بحسب رأي بعض المفسرين أن أجور ولموئيل هما أسماء رمزية لسليمان يكون سليمان هو كاتب السفر كله. وعموماً فالسفر ينسب لسليمان فهو كاتب معظم السفر. ومن يظن أن كاتب السفر كله هو سليمان يفسر كلمة مسا على أنها "وحي" أو وسيط الوحي الذي عن طريقه أوحى الله بهذه الكلمات "تفسير آدم كلارك" وسليمان كمعلم وحكيم إستخدم لفظ يا إبني كثيراً في هذا السفر كما يعلم ابنه وخصوصاً السبعة الإصحاحات الأولى وملخصهم "يا ابني اقتني الحكمة.. إصغ إلى حكمتي" ثم في الإصحاحات 8، 9 نجد الحكمة هي التي تتكلم، وتبرز كشخص، وكأن الأب عندما كلَّم إبنه عن الحكمة إشتهاها إبنه فظهرت الحكمة نفسها كشخص أمامه، وبدأ الإبن يسمع الحكمة نفسها تتكلم. ونفهم أن المتكلم في الإصحاحات 1 - 7 هو الآب يكلمنا عن الإبن وفي الإصحاحات 8، 9 يتكلم الإبن نفسه، بل أن الآب تكلم معنا في إبنه وقال "هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا" ثم تأتي الإصحاحات 10 - 29 وفيها أمثال عديدة، هي وصايا المسيح وتعاليمه، هي تعاليم الحكمة، من يتبعها يصير حكيماً ومن لا يتبعها يصير جاهلاً وأحمق. وكلمتي جاهل وأحمق يتكرران كثيراً في سفر الأمثال ويشيران لمن يرفض وصايا الله وتعاليم المسيح الذي أرسله الله "الذي صار لنا من الله حكمة وبراً وقداسة وفداء". من يرفض هو الجاهل ومن يصر على الرفض والعناد هو الأحمق. أما من يستجيب ويسمع فيتعلم الحكمة يسمى حكيماً. ولابد أن نفهم أننا في العهد الجديد لنا الروح القدس وصوته يدعونا لأن نسمع بل يعطي معونة لو قررت أن أسلك في طريق الله وبذلك أصير حكيماً فهو روح الحكمة والمشورة. وهذه الأمثال (ص10 - ص29) تكون مرشد لكل واحد يطلب هذه الحكمة.

ثم يأتي إصحاح (30) وفيه نجد كلام أجور بن متقية مسّا أي الجامع بن داود وسيط الوحي ليكلمنا عن المسيح وعمله الفدائي بصورة رمزية ويكلمنا عن حالة الإنسان بعد سقوطه وعمل المسيح معه ثم واجب الإنسان الآن.

ثم يأتي إصحاح (31) وفيه نجد كلام لموئيل ملك مسا أي من هو لله أو المكرس لله وسيط الوحي ويعطي نصيحة لكل من يريد أن يكون حكيماً أي يستجيب لوصايا الله، هو وصايا الكنيسة لأولادها. ثم مواصفات المرأة الكاملة أي الكنيسة أو النفس الحكيمة التي إستمعت ونفذت الوصايا أي عروس المسيح.

  1. سفر الأمثال ليس مجرد حكمة شخصية لسليمان بل هو وحي الروح القدس له. لذلك نجد تطابق في حكمة وأمثال هذا السفر مع تعاليم السيد المسيح ورسله.

بين تعاليم السيد المسيح وسفر الأمثال:

ففي (1) الكلام عمن يحبون الجلوس في المتكآت الأولى. وفي (2) نجد الكلام عن الحكماء والجهلاء وبيوتهم. وفي (3) مثل الغنى الغبي. وفي (4) المسيح يجيب عن تساؤل أجور. هذا وفي (مت19: 11) يقول المسيح عن الحكماء الذين يطيعونه "الحكمة تبررت من بنيها".

وقد إستخدم ربنا يسوع المسيح في أمثاله نفس الطريقة التعليمية الموجودة في سفر الأمثال بالضبط. فكلمة مثل بالعبرية هي نفس الكلمة اليونانية المستخدمة، فكان المسيح يكلمهم بأمثال، وهم بسبب عماهم الروحي لا يفهمون (مر10: 4 - 13). فكان المسيح يقدم كل شئ يتصل بملكوت الله إلى أولئك الذين لا يقبلوه في صورة ألغاز) وربما يكون هذا ليدفعهم للتفكير والتأمل وربما قادهم التفكير لقبول المسيح.

بين تعاليم تلاميذ المسيح وسفر الأمثال:

كما أحب المسيح سفر الأمثال وأخذ منه بل أخذ طريقته في التعليم هكذا صنع تلاميذه.

  1. كونوا حكماء كالحيات "هذا الجزء من محاضرات لقداسة البابا شنوده الثالث".

يخطئ من يظن أن الإنسان الروحي هو إنسان يسلك بلا عقل (أو كما يقولون في اللغة العامية "هلهلي" أو "ماشي بالبركة"، لأن المسيح يمدح الحكمة فيقول "كونوا حكماء كالحيات" بل مدح المسيح وكيل الظلم إذ بحكمة فعل "(لو8: 16). وعلينا أن نتعلم الحكمة، بل إن وجدنا حكمة لدى أي إنسان حتى لو كان عدواً لنا أن نأخذها منه. ولاحظ أن المسيح مدح وكيل الظلم لأنه تصرف بحكمة بالرغم من الشرور التي كانت فيه. وفي إختيار الشمامسة إختاروا أناساً مملوئين من الروح والحكمة. وخدام الله إن كانوا غير حكماء يفسدون العمل. وبولس الرسول يقول أما نحن فنتكلم بحكمة بين الكاملين. وقول الكتاب. إختار الله جهال العالم ليس معناها أن الكنيسة لا تجمع سوى الجهلة، ولكن معناها أن الله يختار الذين مهما أعطاهم يقفون أمامه كجهال. ولقد إشتهر عن الأقباط أنهم" مكارين "وليسوا هم بمكارين بل حكماء. وعلينا أن نحتفظ بميراث أبائنا. ولنلاحظ أن كون الإنسان ليس حكيماً في عيني نفسه تجعله يطلب المشورة، بل أن المشورة نوع من وسائل الحكمة، ومن لا يستمع المشورة فهو مغرور في نفسه، فلا تكن حكيماً في عيني نفسك، بل أطلب دائماً أن تتعلم شاعراً أنك لا شئ. فإنه توجد طرق تبدو للإنسان أنها مستقيمة وعاقبتها طرق الموت. وهذه العبارة كررها سليمان الحكيم مرتين لأهميتها (أم12: 14 + 25: 16) فكل إنسان متكبر مغرور يكون معجباً بالطريق الذى يسلك فيه ويحاول أن يبرهن أنها أحسن طريق. لذلك ينبه الحكيم على ضرورة وجود مرشد نستمع منه ولمشورته (أم15: 12). وعموماً فالهراطقة والشباب الطائش يرون كل منهم أن طريقه هي الطريق المستقيمة.

  1. سفر الأمثال هو سفر سلوكي يساعد على ضبط وتوجيه سلوك الإنسان أثناء حياته اليومية، لذلك إعتاد بعض الناس على قراءة إصحاح يومياً منه خصوصاً أنه (31) إصحاح خاصة أن العالم يؤثر فينا بمبادئه وفساده فنحتاج لكلمة الله التي توجهنا لتصحيح مسارنا أو ما أسماه بولس الرسول تجديد الذهن فلا ننحرف وراء مبادئ العالم الفاسدة.
  2. دعوة سفر الأمثال لأن نقتني الحكمة ونتمسك بها، هي ذات النغمة التي نجدها في سفر النشيد ولكن بصورة أخرى. فعروس النشيد (النفس البشرية) حينما وجدت عريسها (المسيح) قالت "أمسكته ولم أرخه" (نش4: 3). ونلاحظ أن المسيح هو نفسه الحكمة أو أقنوم الحكمة المتجسد. والتمسك بالمسيح يملأ الحياة حكمة ويعطينا الروح القدس أن نرى التصرف السليم بل يعيننا في كل قرار ليكون قرار صحيح، أما الإرتداد عن المسيح فهو جهل، والإصرار والعناد في هذا الإرتداد هو الحماقة "ديماس تركني إذ أحب العالم الحاضر. أي أحب متع العالم وملذاته وخطاياه وشهواته. أما من إكتشف طريق الحكمة مثل بولس الرسول فيعتبر العالم بما فيه نفاية" (في7: 3، 8).
  3. في قراءة الأمثال ينبغي عدم التقيد بالحرف بل الفهم الروحي لمعنى المثل فمثلاً:
  1. هلاك المساكين فقرهم (15: 10) فهل معنى هذا أن كل فقير سيهلك. وقارن مع (9: 30). ففي (9: 30) نجد أن الفقر والغني كلاهما خطير، فالمسيح حذر من أن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني إلى ملكوت السموات ولكنه كان يقصد المتكلين على أموالهم كما شرح السيد المسيح هذا بنفسه، وكم من غني دخل ملكوت السموات (إبراهيم، إسحق، يعقوب، يوسف ونيقوديموس....) وكما أن الغني الذي يتكل على أمواله يهلك، هكذا يهلك الفقير الذي يلعن فقره ويعيش يشتهي المال ساخطا على وضعه متذمرا على الله الذى لم يجعله غنيا مثل هؤلاء الأغنياء، بل ربما يحاول أن يحصل على المال بطرق ملتوية (أم9: 30) + (1تي9: 6، 10). وهذا هو الفقر المهلك الذي لا يكتفي فيه صاحبه بما عنده ويقنع، هو الفقر الذي يشتهي ويجعل صاحبه لا يعتمد على الله. وأيضا لو كان الفقير متكاسلا لا يريد ان يعمل فهو سيهلك، وهذا سنراه عبر السفر أن سليمان لا يقبل هذا الكسلان.

مخافة الرب تزيد الأيام أما سنو الأشرار فتقصر (27: 10) وهذه أيضاً لا يمكن تطبيقها حرفياً فهابيل مات صغيراً، وعاش قاتله كثيراً. ويوناثان القديس وشاول الملك الشرير ماتا سوياً ويوناثان هو إبن شاول. ولكن نفهم هذه الآية كما نفهم الوصية أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك، أي بمعني البركة. فتكون أيام خائف الرب كلها بركة هنا على الأرض وفي السماء، والسماء هى الأرض الجديدة التي سوف يعطينا الرب إلهنا في الحياة الأخرى والتي يحيا فيها الآن الشهيد العظيم أبانوب الذي استشهد ومات وعمره 12سنة فقط.... وهكذا نفهم آيات هذا السفر.

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ:".

أمثال = كلمة مثل مشتقة من فعل معناه يحكم. وأتت هذه الكلمة لأول مرة في (تك16: 1 - 18) "النور الأكبر (الشمس) لحكم النهار والنور الأصغر (القمر) لحكم الليل.. ولتفصل بين النور والظلمة. وعلى ذلك يكون معنى كلمة أمثال هو" مبادئ الحكم "فهي تحكم بنورها السماوي سلوك المؤمن في هذا العالم وتميز سلوكه عن سلوك أهل العالم أي تميز بين من يسلك في النور ومن يسلك في الظلمة.

سليمان بن داود ملك إسرائيل = هو رمز للمسيح فهو مشهور بالحكمة وهو إبن داود وهو ملك إسرائيل. والمسيح هو أقنوم الحكمة المتجسد كإبن لداود ليملك على كنيسته إسرائيل الحقيقية بل كلمة سليمان تعني من يحيا في سلام والمسيح هو ملك السلام. وكانت أيام سليمان كلها سلام. ولنلاحظ أن داود بعكس سليمان كانت أيامه كلها حروب وداود اشتهر بكتابته للمزامير. وحياتنا هي مزيج من أيام يسودها السلام وأيام أخرى تسودها الحروب والآلام. فلنتعلم من سليمان حينما تسود حياتنا فترات سلام أن تكون هذه الفترات للتعليم والتأديب. ولنتعلم من داود أنه حينما تسود حياتنا الألام والحروب أن نصلي (يع13: 5)، ليملك المسيح علينا كل أوقات حياتنا.

الأعداد 2-5

الآيات (2 - 5): -

"2لِمَعْرِفَةِ حِكْمَةٍ وَأَدَبٍ. لإِدْرَاكِ أَقْوَالِ الْفَهْمِ. 3لِقُبُولِ تَأْدِيبِ الْمَعْرِفَةِ وَالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالاسْتِقَامَةِ. 4لِتُعْطِيَ الْجُهَّالَ ذَكَاءً، وَالشَّابَّ مَعْرِفَةً وَتَدَبُّرًا. 5يَسْمَعُهَا الْحَكِيمُ فَيَزْدَادُ عِلْمًا، وَالْفَهِيمُ يَكْتَسِبُ تَدْبِيرًا.".

نجد هنا عشر كلمات (حكمة / أدب.. تدبر) وهي صفات يحصل عليها كل من يتغذى على دراسة كلام الله ويعيش به، وهي بالعدد عشر لتناظر العشر وصايا.

  1. لمعرفة حكمة = الحكمة هنا ليست ذكاء الإنسان أو مهارته. بل هي حكمة إلهية يعطيها الله. وهو شئ عجيب أن يضع الله حكمته تحت طلب الإنسان، لأجل راحته وسعادته وحتى تقوده بأمان وسط إضطرابات العالم، والله سمح بكتابة هذا القدر من أمثال سليمان الـ3000 لتعليم الأجيال المتعاقبة من الكنيسة كيف تسلك في حكمة وتميز بين الأشياء (في10: 1).
  2. أدب = ونفس الكلمة ترجمت تأديب وقد وردت في هذا السفر 26مرة. وهي تعني التعليم بطريق التأديب (عب5: 12).
  3. الفهم = تعني التمييز.
  4. تأديب المعرفة = تعني التعلم عن طريق الإختبار سواء إختباري أنا الشخصي أو إختبارات غيري (قصص الكتاب المقدس والسنكسار، بل ربما تعنى أيضاً أن أرى بعينيَّ المصير السيئ للخاطئ فأتعلم أن للخطية عقوبة مؤلمة فأتوب). وبنفس الفكر إن لم أتعلم من قصص الكتاب المقدس ولا من تبكيت الروح القدس على خطيتي ولا من مشاهداتي لمصير الأشرار، هنا يلجأ الله لأسلوب التجارب المؤلمة حتى يستيقظ الإنسان من غفلته ويصبح معنى تأديب المعرفة هو الحصول على المعرفة عن طريق التأديب، (مثل مجاعة الابن الضال).
  5. العدل = JUSTICE "الحكم بدون تحيز".
  6. الحق = JUDGMENT "إتخاذ قرار بعد تمييز الأمور".
  7. الاستقامة = كلمة تشير للمبادئ القويمة.
  8. تدبر = تفكير سليم في المشاكل.
  9. الذكاء = القدرة على إكتشاف ما في الآخرين.
  10. معرفة = أي علم = معلومات ذات طابع سليم.

لتعطي الجهال ذكاء = كلمة جاهل هنا تشير للإنسان عديم الخبرة وهذا يكون معرضاً لكل تأثير. ولكن بدراسته لهذا السفر ودراسة كلمة الله عموماً لا يعود يخطئ ويبدأ يتعلم، وحتى أبسط الناس في معرفته قادر أن يستفيد من هذا السفر، والشاب المندفع يكتسب حكمة الشيوخ. يسمعها الحكيم فيزداد علماً = سفر الأمثال الذي هو بوحي من الله لا ينفع الجهال والشباب فقط بل هو نافع أيضاً للحكماء فيزدادون حكمة، وهذه طبيعة تعاليم كلمة الله (1كو6: 2، 7). والحكيم حقاً هو من يشعر بإستمرار أنه في حاجة لأن يعرف المزيد (1كو18: 3). هذا كما يقول المثل المعرف "يعيش المعلم يتعلم"، ونجد أصل المثل هنا. وأما الحكيم في عيني نفسه فهو جاهل لأنه يشعر أنه أعظم من أن يتعلم. نهلوالعكس فالحكيم حقيقة يشعر في نفسه أنه جاهل ويريد أن يتعلم، فطابع الحكيم هو أنه على استعداد دائماً أن يتعلم. الفهيم = هو من إكتسب فهماً وتمييزاً صحيحاً ونما إدراكه بما يسمعه ويقبله من أقوال الحكمة. تدبير = مشورات حكيمة وقوة للتمييز. يكتسب تدبيراً = في السبعينية مترجمة "يصير مدير الدفة" أي يصير الفهيم فهيماً بالأكثر ومشوراته كلها حكمة فيقود دفة حياة من حوله بمشوراته.

العدد 6

آية (6): -

"6لِفَهْمِ الْمَثَلِ وَاللُّغْزِ، أَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ وَغَوَامِضِهِمْ.".

اللغز = الكلمة الأصلية تحمل معنى "إستخدام كنايات ومجاز للسخرية من شخص أو تأنيبه لدفعه على أن يترك ويتخلى عن طريقه الشرير. وهي نفس الكلمة التي إستخدمت في أمثال المسيح لليهود" (راجع مت11: 13، 16 + يو16: 12). غوامضهم = الكلام غير الواضح (راجع أع24: 18 - 28 + 27: 8 - 39). والمسيح لم يكن يكلم اليهود سوى بأمثال أو ما يسمى ألغاز أي كلام يستخدم فيه الكناية، وهذه الطريقة تدفع من يسمع ليفكر ويتدبر أموره، وهم لقسوة قلوبهم لم يفهموا... لماذا؟ هم كانوا قد إتخذوا قرارا ولم يقبلوا حتى أن يفكروا. (راجع مت34: 13 + مر34: 4 + يو6: 10 + يو25: 16، 29). ونأخذ مثالا من الأمثال الدارجة لفهم المقصود "اللى يشيل قربة مخرومة تخر على ظهره" والمعنى أن عملك الخاطئ سيجلب عليك أنت الضرر.

والله إختار أن يكون تعليمنا عن طريق التأمل واكتشاف الحقائق بمعونة الروح القدس ولم يقدم الحقائق الإيمانية بطريقة مباشرة فهو بحكمته وجد أن طريق التعلم أفضل لنا. وعمل الخدام هو مساعدة الشعب على فهم كلمة الله. وهكذا شرح فيلبس الكتاب للخصي الحبشي وهذا ما ينبه بولس تلميذه تيموثاوس أن يعمله فيفصل كلمة الحق بالاستقامة (2تي15: 2) فهناك كلمات صعبة كتبها بولس الرسول وأساء البسطاء فهمها (2بط16: 3). أما المتقدمين فهم يقارنون الروحيات بالروحيات.

العدد 7

آية (7): -

"7مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ.".

مخافة الرب رأس المعرفة = تعتبر هذه الآية شعاراً للسفر كله ومبدأه الأساسي. وكلمة رأس تفيد نقطة الإبتداء والجوهر. فبدون معرفة الرب الإله ومخافته لا يمكن البدء بإكتساب الحكمة، التي تقدم إرشاداً للحياة كلها. ونفس هذا الشعار مكرر ثانية في (10: 9) مع فارق طفيف في الكلمات. (وراجع إش1: 11 - 5) حيث تبدو معظم الهبات هنا كصفات المسيا وثمرة حضور روح الله.

الجاهلون = هم ذوي القلوب الفاسدة والطرق والأفكار الفاسدة الرافضين فى عناد طاعة وصايا الله. وهؤلاء يحتقرون الحكمة والأدب = من يعاند ويرفض تنفيذ الوصية هو غير مهتم بإقتناء الحكمة ورافض أن يتأدب، هو يسعى وراء شهوته ولا يفكر أن هناك إلها يعاقب من يخالف وصاياه، ومثل هذا الإنسان لا يوجد فى قلبه مخافة الله أو هو لا يفكر أن هناك يوما للدينونة، فمن يخاف الله يحترم وصاياه. ولكن لماذا أعطانا الله الوصايا، هل ليتحكم فينا ويقيد حرياتنا كما يقول الجاهلون؟ بالرجوع للإصحاح 20 من سفر حزقيال نجد أن الله يعتبر أن أهم ما أعطاه لشعبه هو الوصايا... فلماذا؟ لأن الله له هدف واحد تجاه الإنسان وهو خلاص نفسه، وكذلك أن يحيا الإنسان على الأرض فى فرح بقدر الإمكان إلى أن يصل لأفراح الأبدية. والله يعرف الطريق لهذا، ويعرف أن عكس هذه الوصايا يسقطنى فى يد الشيطان فيستعبدنى. ونلاحظ أن محبة الله تنسكب في قلوبنا بالروح القدس، والروح القدس هو أيضاً الذي يبكت على الخطايا. وبدون حب فلا طاعة "ومن يحبني يحفظ وصاياي" والعكس فمن لا يخاف الله ومن لا تكون عينه على وصايا الله لينفذها لن يعرف معنى الحب ولن تنسكب محبة الله في قلبه فيزداد جهلاً. وسفر الأمثال يؤكد في هذه الآية التي هي شعار السفر كله، أنه لا معرفة حقة بعيداً عن مخافة الرب.

ولنلاحظ أن من يقرر أن يحيا في مخافة الرب سيحفظ وصاياه عن خوف ورعدة من العذاب الابدي. ومن يطيع الوصايا سيصير غير مقاوم لعمل الروح القدس. حينئذ سيملأه الروح القدس: -.

  1. الروح القدس هو روح الحكمة، حينئذ سيمتلئ الانسان حكمة.
  2. الروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا (رو 5: 5) حينئذ سننفذ الوصايا بسهولة عن حب (يو14: 23).
  3. كلما نما الانسان في حفظ الوصية يزداد إمتلاء، وبالتالي سيزداد محبة لله وسيزداد حكمة.
  4. الإمتلاء من الروح القدس يجعل تنفيذ الوصايا سهلا... وذلك لانه يبكت لو اخطأنا.

(يو 16: 8) ويعين ضعفاتنا فنطيع الوصايا بسهولة (رو8: 26) وذلك ليس بالضغط ولكن بالإقناع (إر 20: 7) والله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل.

(في 2: 13).

الأعداد 8-9

الآيات (8 - 9): -

"8اِسْمَعْ يَا ابْنِي تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ، 9لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وَقَلاَئِدُ لِعُنُقِكَ.".

نجد هنا المبدأ الثاني للمعرفة وهو طاعة الوالدين. والمبدأ الأول هو مخافة الله. وطاعة الوالدين هي وصية من الوصايا العشر وهي أيضاً تعليم للعهد الجديد "راجع (أف2: 6 + كو20: 3 + لو51: 2). ونرى في الكتاب المقدس أن طاعة الوالدين مقترنة مع الخضوع لله، لذلك فكثير من المفسرين يرون أن وصية أكرم أباك وأمك" هي من وصايا اللوح الأول، فهي من الوصايا التي تتجه نحو الله، فإكرام الوالدين هو اعتراف وتسليم بالسلطان الإلهي. وفي (2تي2: 3) يضع الرسول عدم طاعة الوالدين في قائمة علامات إرتداد الأيام الأخيرة.

ولنقارن بين التعاليم السماوية التي جاءت في الكتاب المقدس وبين تعاليم الشعوب التي لها سمات الحكمة العالمية البشرية، فالفرس والرومان كانوا يعلمون بوجوب طاعة الأب فقط.

إسمع = معناها أَطِعْ. شريعة = أي تعليم (تث9: 4 + 7: 6 + 19: 11 + 46: 32) نرى هنا ماذا يجب أن يعلم الأباء أبنائهم. فطاعة الوالدين واجبة إذا كانت تعاليمهم في ضوء مخافة الله.

يا إبني = سليمان كمعلم للحكمة يخاطب شعبه ومستمعيه وكل قارئ بلقب يا إبني وهذه الطريقة إتبعها معلمي الحكمة. وقد وردت في هذا السفر 26 مرة سواء بصيغة الفرد كما وردت هنا أو بصيغة الجمع "أيها البنون 1: 4". وهذا أسلوب رقيق في التخاطب وقد إستعمل حزقيا نفس الأسلوب في (2أي11: 29).

إكليل نعمة = نعمة أي جمال أو حلية والقلائد رمز للجمال (نش10: 1) وللسلطان (دا7: 5) وهكذا علينا أن لا نشعر بفخر أو مجد في شئ عالمي، بل المجد الحقيقى هو في طاعة وصايا الله. والمعنى هنا أن من يطيع وصية إكرام الوالدين ستكون البركة التى يعطيها الله له فى حياته ظاهرة لكل إنسان كإكليل على رأسه.

ويبدأ من هنا 13 درساً في الحكمة:

  1. تجنب أصدقاء السوء (8: 1 - 19).
  2. طلب الحكمة بجدية ومكافأتها (1: 2 - 9).
  3. ثق وأطع (1: 3 - 10).
  4. مسرات الحكمة (11: 3 - 20).
  5. مظاهر الحكمة ونتائجها (21: 3 - 35).
  6. سليمان تعلم الحكمة من أبيه (1: 4 - 9).
  7. ضرورة كراهية الشر (10: 4 - 19).
  8. ضرورة الالتصاق بالخير (20: 4 - 27).
  9. الحكمة في العلاقات بين الجنسين (1: 5 - 23).
  10. تحذير من بعض التصرفات الخاطئة (1: 6 - 19).
  11. تحذير من خطية الزنى (20: 6 - 35).
  12. خطورة الزنى (1: 7 - 27).
  13. الحكمة تقدم نفسها (1: 8 - 36).

وفي الإصحاح الثامن نجد الدروس تصل إلى ذروتها، ونجد هنا درساً فيه الحكمة تتشخصن، أى تصبح شخصا في شخص المسيح وتكمل الصورة في الإصحاح التاسع بأن يقدم المسيح نفسه ذبيحة بل يقدم نفسه مأكلاً ومشرباً. وتختتم الدروس في الإصحاح التاسع بملخص مقارن بين الحكمة والجهالة. ونرى وليمة يقيمها كلاهما يدعوان لها البشر. وكل منا حر في أن يستجيب لأحدهما.

الأعداد 10-19

الآيات (10 - 19): -

"10يَا ابْنِي، إِنْ تَمَلَّقَكَ الْخُطَاةُ فَلاَ تَرْضَ. 11إِنْ قَالُوا: «هَلُمَّ مَعَنَا لِنَكْمُنْ لِلدَّمِ. لِنَخْتَفِ لِلْبَرِيءِ بَاطِلاً. 12لِنَبْتَلِعْهُمْ أَحْيَاءً كَالْهَاوِيَةِ، وَصِحَاحًا كَالْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، 13فَنَجِدَ كُلَّ قِنْيَةٍ فَاخِرَةٍ، نَمْلأَ بُيُوتَنَا غَنِيمَةً. 14تُلْقِي قُرْعَتَكَ وَسْطَنَا. يَكُونُ لَنَا جَمِيعًا كِيسٌ وَاحِدٌ». 15يَا ابْنِي، لاَ تَسْلُكْ فِي الطَّرِيقِ مَعَهُمْ. اِمْنَعْ رِجْلَكَ عَنْ مَسَالِكِهِمْ. 16لأَنَّ أَرْجُلَهُمْ تَجْرِي إِلَى الشَّرِّ وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. 17لأَنَّهُ بَاطِلاً تُنْصَبُ الشَّبَكَةُ فِي عَيْنَيْ كُلِّ ذِي جَنَاحٍ. 18أَمَّا هُمْ فَيَكْمُنُونَ لِدَمِ أَنْفُسِهِمْ. يَخْتَفُونَ لأَنْفُسِهِمْ. 19هكَذَا طُرُقُ كُلِّ مُولَعٍ بِكَسْبٍ. يَأْخُذُ نَفْسَ مُقْتَنِيهِ.".

هو درس تحذير من المعاشرات الرديئة:

إن تملقك الخطاة = فالشرير يحاول إغراء صديقه البسيط كما أغوت الحية أمنا حواء. لنختف للبريء = أي نتربص للبريء لأذيته. نبتلعهم أحياء كالهاوية = أي نفترسهم أحياء، كما تقع فريسة في الحفرة التي يحفرها الصياد. وَصِحَاحًا كَالْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ = صحاحا أى بكل ما عندهم من ممتلكات فلا نفقد شئ مما يمتلكون.

أرجلهم تجري إلى الشر = كناية عن شدة رغبتهم وشوقهم إلى فعل الشر. قنية فاخرة = هكذا كل إنسان عالمي شرير يتصور أن ما يحصل عليه هو قنية تملأ بيته، بينما أن ما يجب أن نعرفه ويعرفه كل إنسان روحي أن العالم باطل وما نمتلكه ما هو إلا تراب، بل أن ما نمتلكه بواسطة الظلم ما هو إلا نار تحرق ما هو موجود عندنا أصلاً. تلقي قرعتك وسطنا = يشرح سليمان هنا أن الغواية تبدأ بدعوة بسيطة من الأشرار لنا، أن نكون معهم ونعيش معهم. ثم تكون لنا معهم شركة = كيس واحد = وهذا الكيس يجب أن يكون ممتلئ لننفق منه على ملذاتنا. ولكن كيف نملأ هذا الكيس = نكمن للدم = أي نقتل الأبرياء لنسرق منهم ما يمتلكونه.

وسليمان هنا يدعو لاعتزال الشر والأشرار فلا يكون لنا قرعة معهم ولا أي شركة ولا كيس واحد (رؤ4: 18، 5 + إش11: 52) ومع من تكون لنا شركة = الإجابة هي في (أع42: 2 - 47). وكل مفتوح العينين سيرى شباك الأشرار في محاولاتهم إغوائه، فالأشرار يحبون غواية الآخرين ليكونوا جماعة شريرة، فالخاطئ يحب الصحبة في طريقه الشريرة، وطريقهم في هذا غواية الأبرياء البسطاء. ودعوة سليمان هنا أن نمتنع عن الخطوة الأولى وهي أن لا نقبل صحبة الأشرار وإلا تبع ذلك خطوات كثيرة مخيفة في طريق الإنحدار إلى هاوية الشر. ولنلاحظ أن السلوك في طريق الشر يشبه الإنحدار على تل لأسفل، ولا شئ يستطيع أن يوقف المتدحرج، بل هو كلما إنحدر لأسفل تزيد سرعته ويزداد إقترابه للهاوية، وهل يقف الشرير أو يتحذر من العواقب السيئة لباقي الأشرار؟! أبداً!! فهو يندفع بالأكثر وذلك لأنه يصبح غير قادر على ذلك بينما هو يهوي لأسفل التل. لأنه باطلاً تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح = الطائر المفتوح العينين يرى الشبكة المعدة لاصطياده فيهرب منها مستخدماً في ذلك جناحيه القويين. ولاحظ أن الله يعطي بصيرة لأولاده يرون بها الشباك المنصوبة لهم ويعطيهم أجنحة ليهربوا (الأجنحة هي حياتهم السماوية التي يرفضون بها الشر). أما هم فيكمنون لدم أنفسهم = أي يكون إندفاعهم في مؤامراتهم الشريرة لإهلاك الأبرياء هو إندفاع نحو هاويتهم وهلاكهم هم أنفسهم، أي أن الشرير سيمسك في نفس الشبكة التي ينصبها للبريء (هامان صُلب على الصليب الذي أعده لمردخاي البار). يأخذ نفس مقتنيه = الكسب الشرير يهلك نفس الذي إقتناه بطريق شرير (1تي9: 6، 10). وطريق فتح العينين هو كلمة الله التي تضئ الطريق فلا نبدأ في الإنحدار للهاوية. ولنرى التسلسل في الإنحدار الذي ينتهي بدمار الأشرار.

1 - صداقة الأشرار 2 - قبول غوايتهم (تملقهم) 3 - يكون وجودنا معهم (قرعتنا).

4 - شركة معهم (كيس) 5 - إغراء المال (قنية فاخرة) 6 - نكمن للدم (قتل).

الأعداد 20-33

الآيات (20 - 33): -

"20اَلْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي الْخَارِجِ. فِي الشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا. 21تَدْعُو فِي رُؤُوسِ الأَسْوَاقِ، فِي مَدَاخِلِ الأَبْوَابِ. فِي الْمَدِينَةِ تُبْدِي كَلاَمَهَا 22قَائِلَةً: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا الْجُهَّالُ تُحِبُّونَ الْجَهْلَ، وَالْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِالاسْتِهْزَاءِ، وَالْحَمْقَى يُبْغِضُونَ الْعِلْمَ؟ 23اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هأَنَذَا أُفِيضُ لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي. 24«لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، 25بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. 26فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. 27إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ، وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَالزَّوْبَعَةِ، إِذَا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ. 28حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلاَ أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلاَ يَجِدُونَنِي. 29لأَنَّهُمْ أَبْغَضُوا الْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ. 30لَمْ يَرْضَوْا مَشُورَتِي. رَذَلُوا كُلَّ تَوْبِيخِي. 31فَلِذلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. 32لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ، وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. 33أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ».".

في الآيات (10 - 19) أظهر سليمان خطورة من يستمع لغواية إبليس، وفي هذه الآيات يظهر خطورة من لا يسمع لنداء الله.

رؤوس الأسواق = أي أهم الأسواق حيث يزدحم الناس. مداخل الأبواب = حيث يجتمع شيوخ المدينة والقضاة. والمقصود أن صوت الله ينادي لكل واحد ويصل لكل إنسان، في كل مكان. والمسيح لم يتكلم سراً (يو20: 18) وهكذا علم تلاميذه (مت27: 10 + إش19: 45). وقارن مع الحكمة تنادي في الخارج. في الشوارع. وهنا نرى الحكمة شخصاً يتكلم وينادي ويدعو الناس ليبتعدوا عن طريق الجهل، تدعوهم وهم في التجارة والأسواق وبين طالبي العدل عند الأبواب، ونلاحظ أن الحكمة كشخص تكون المسيح أقنوم الحكمة. والله لا يترك وسيلة إلا ويستخدمها ليدعو كل إنسان.

ثم نجد هنا درجات الرافضين لنداء الحكمة ومواصفاتهم فهم:

  1. الجهال = البسطاء، عديمو المعرفة، والدعوة لهم هنا معناها إلى متى لا تطلبون المعرفة "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6: 4). وهؤلاء البسطاء يسهل إنقيادهم للشر.
  2. المستهزئون = وهؤلاء يسخرون من الحكمة. ونلاحظ هنا درجة أعمق في الشر من الجاهل فالجاهل حينما يتقدم خطوة جديدة في الشر يبدأ في الاستهزاء بالحكمة. ونلاحظ أن من يرفض الحكمة ويرفض أن يتعلمها، سريعاً ما يتحول إلى مستهزئ.
  3. الحمقي = نرى هنا المنحدر الذي ينحدر عليه الجاهل، فهو أولاً كان جاهلاً بلا معرفة ثم بدأ طريق الإنحدار وصار مستهزئاً، وإزدادت سرعة الإنحدار ووصل لدرجة أسوأ وهي الحمق، فهو ينحدر من سيئ إلى أسوأ. والأحمق هو من صار في عناد يرفض المعرفة. ومعنى الكلمة العبرية المستخدمة هنا عن الأحمق أنه شخص عديم الشعور بالنسبة للحق الأدبي، ويتصرف بغير اعتبار له.

وهذه الدرجات رأيناها مع الفريسيين فقد سمحوا للرب يسوع أولاً أن يقرأ لهم في المجمع ولكنهم رفضوا أن يتعلموا فصاروا جهال ثم بدأوا يستهزئون به ثم أخيراً صلبوه. (لو10: 4 + 2: 15 + 14: 16 + مت20: 27). وهنا نرى المسيح (أقنوم الحكمة) يخاطبهم لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي. وقوله مددت يدي كناية عن التوسل والتضرع. (وقارن مع إش12: 65 + 4: 66 + إر13: 7، 14).

هأنذا أفيض لكم من روحي. ولاحظ أن المتكلم.. هو المسيح الحكمة تنادي وقارن مع قول المسيح أنه يرسل لنا الروح القدس (يو7: 16 + يو26: 15 + يو38: 7، 39) ونلاحظ أنه بمعونة الروح القدس يتوب الإنسان ويكون للكلمة تأثير وقوة، فالروح القدس عمله التبكيت (يو8: 16). ولذلك يقول هنا إرجعوا عند توبيخي. وقوله هذا يشير للتوبة التي تنشأ عن تبكيت الروح القدس (زك3: 1). فالحكمة (المسيح) يدعو الخطاة للتوبة والروح القدس يبكت ويعين على التوبة.

أضحك.. أشمت = تعبيران مجازيان بلغة بشرية للتعبير عن موقف الله إزاء من إحتقر دعوته، وهذا بمعنى أن الله لن يستجيب له عند صراخه. وقوله كزوبعة.. كعاصفة = إشارة للهلاك السريع المباغت ولاحظ في آية (29) ارتباط العلم بمخافة الله. وفي (28) يدعونني فلا أستجيب الله يعطي زماناً للتوبة، فإذا أضاع الإنسان فرصة التوبة لا يستجيب له الله بل يؤدبه ويعاقبه (رؤ21: 2 - 23). وأيضاً رفض العذارى الجاهلات. وبنفس المفهوم فالغني في الجحيم كان يصرخ بلا إستجابة. لأن إرتداد الحمقى يقتلهم = أي تحولهم عن طريق الحكمة إلى طريق الجهالة والشر. وعكس هذا تماماً المستمع لي يسكن آمناً = لأنه بنى بيته على الصخر (مت24: 7، 25). فمن يزرع للجسد يحصد فساداً (غل7: 6، 8).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الاصحاح الثاني - سفر الأمثال - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر الأمثال الأصحاح 1
تفاسير سفر الأمثال الأصحاح 1