الأصحاح السادس – نذير الرب – سفر العدد – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر العدد – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح السادس

نذير الرب.

بعد كشف حقيقة بنوتنا لله وأن لكل واحد سمة خاصة (الراية)، وأن شعب الله هو شعب لهُ خدمة كهنوتية وهو شعب فى غربة مرتحل تجاه أورشليم السمائية، الله فى وسطه. وهذا الشعب قد عزل الخطية من وسطه. نأتى هنا لنرى أن علينا أن نكرس ذواتنا لله تماماً.

فكلمة نذير مأخوذة من الفعل العبرى "نذر" أى تكرس أو تخصص. ويعقوب أطلق لقب نذير على يوسف (تك 26: 49) لأن قلبه كان قد تخصص للرب ولم يقبل أن يخون الرب. ولاحظ أن من كرس قلبه للرب مثل يوسف تنهال عليه البركات مثله.

وهذا الإصحاح يأتى مباشرة بعد شريعة كشف الخاطئة، فنجد هنا من ينذر نفسه بإرادته لله. وكأن الخطية تسبب العار لمرتكبها، أما من يتقدس ويتكرس لله يباركه الله فيضىء وسط إخوته مثل يوسف. وراجع مراثى أرمياء (8، 7: 4) فترى صورة النذير الحقيقى وأنه "أنقى من الثلج..." ثم إذا أسلم ذاته للخطية فتصير صورته أشد ظلاماً من السواد.

وكما كان البرص رمز للخطية ونتائجها، والأبرص رمز للإنسان بعد السقوط. فالنذير هو رمز لآدم قبل السقوط. ولا يوجد نذير حقيقى فى هذا العالم سوى يسوع المسيح الذى قال "طعامى أن أصنع مشيئة الذى أرسلنى" وقال "من منكم يبكتنى على خطية".

ولاحظ أن آدم كان ممنوعاً من شجرة، والنذير ممنوع من الكروم أى شجرة أيضاً.

وكما كان النذير لهُ سمات معينة مثل الشعر الطويل هكذا المسيحى يجب أن تكون عليه سمات الرب يسوع.

وإنتذار الأشخاص للرب كان بثلاث طرق:

  1. أن يختار الرب شخصاً بذاته ليخدمه مثل شمشون، ويوحنا المعمدان.

(اختيروا وهم فى البطن).

  1. أن ينذر الأباء أولادهم للرب مثل أم صموئيل (1صم1: 10، 11).

ج - أن ينذر شخص نفسه للرب فترة من حياته وهذا هو موضوع هذا الإصحاح.

وكان النذير فى العهد القديم ينذر نفسه لفترة معينة أما المسيحى فهو مكرس لله كل الحياة.

وربما كانت شريعة النذير هى الأساس للحركات الرهبانية فى المسيحية وفيها يتخلى الراهب عن كل رباط دموى يربطه بالعالم أى (قرابة أسرية مثل الأب والأم والزوجة...) ويتخلى عن كل مباهج العالم.

العدد 1

أية (1): -

"1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:".

العدد 2

أية (2): -

"2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ،".

إذا إنفرز = هى دعوة إختيارية لمن يريد وكان النذير يقضى وقته فى دراسة الشريعة وممارسة العبادة وأعمال المحبة للآخرين.

الأعداد 3-4

الأيات (3 - 4): -

"3فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. 4كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ.".

الخمر يشير للفرح العالمى، وهنا يمنع عن النذير أن يفرح بأفراح العالم فيمتنع عن الخمر وكل ما يمت لهُ بصلة حتى البذار = العجم. هو من أجل الرب يترك حتى ما هو محلل بمحض إرادته لا كشىء دنس بل لأنه مهتم بالطعام الآخر، قائلاً مع المسيح "طعامى أن أعمل مشيئة الذى أرسلنى وأتمم عمله". ولعل الله أراد أن لا يسكر النذير فينسى وصايا الله (أم 5: 31)، والمسيحى حين يتخلى عن مباهج العالم وملذاته فهو لأن عينه على السماء وأفراحها ( وهذا ما نفعله فى الصيام). ويقور بولس الرسول "لا تسكروا بالخمر الذى فيه الخلاعة بل إمتلأوا بالروح" (أف5: 18). وهذا يعنى أننا كمسيحيين لا نذهب لنبحث عن الفرح بوسائل العالم بل نحن نعرف طريق الفرح الحقيقى الذى يعطيه الروح، لذلك نجاهد لكى نمتلئ بالروح. بل نرى النذير يمتنع عن كل ما يمت للعنب بصلة، حتى قشره وبذوره، والمعنى الروحى لنا أن لا نبحث عن أي مصدر للفرح العالمى مهما كان طالبين مصدرا واحدا للفرح وهو الإمتلاء من الروح.

العدد 5

أية (5): -

"5كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ.".

ترك الشعر عيب للرجل (1كو14: 11) فيكون من يترك شعره مثلاً لمن يتخلى عن المجد العالمى والكرامة الزمنية، لينشغل بالكرامة والمجد السماوى (المسيح رفض الملك فى العالم) وعدم قص الشعر إشارة لإهمال زينة الجسد والإنفصال عن العالم.

الأعداد 6-8

الأيات (6 - 8): -

"6كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ لِلرَّبِّ لاَ يَأْتِي إِلَى جَسَدِ مَيْتٍ. 7أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأُخْتُهُ لاَ يَتَنَجَّسْ مِنْ أَجْلِهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، لأَنَّ انْتِذَارَ إِلهِهِ عَلَى رَأْسِهِ. 8إِنَّهُ كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ.".

الموت يساوى الخطية والمعنى أن لا يتلامس من كرس نفسه لله مع الخطية. وأيضاً مطلوب من النذير أن لا ينشغل بالعلاقات الجسدية فهو منشغل الآن بالله فقط، وهذا معنى كلام السيد المسيح "من أحب أباً أو أماً... أكثر منى فلا يستحقنى". ولاحظ أن الله لا يرفض العلاقات الدموية = الأسرية، بل يريدنا أن نرتفع بأفكارنا بأننا أعضاء فى العائلة السماوية، وأن الذى مات لنا هو فى السماء وأننا ذاهبون إليه. (لو60: 9 + مت 47: 12). هنا نرى أن الشركة الروحية تبتلع كل علاقة جسدية وترتفع بها.

لأن إنتذار إلهه على رأسه = كان الشعر غير الحليق علامة على أن هذا الشخص نذير للرب، والناس يرون الشعر المسترسل ويعلمون هذا. فإذا تلامس النذير مع ميت يكون هذا أمام الناس فيه إهانة لله، فهو فى مدة تكريسه قد تخصص بالكامل لله. وهذا لنا نحن المسيحيين لهُ معنى أن الناس ترى فينا أننا شعب المسيح فلا يجب أن يرانا الناس ونحن نخطىء بل "ليرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات" (مت5: 16). ولاحظ أن النذير مطلوب منه أكثر مما يطلب من الكاهن فى العهد القديم، فكان يُسمح للكاهن أن يشرب الخمر لكن بعيداً عن الخيمة. وفى لمس الميت تشابهت شريعة النذير مع رئيس الكهنة.

الأعداد 9-12

الأيات (9 - 12): -

"9 وَإِذَا مَاتَ مَيْتٌ عِنْدَهُ بَغْتَةً عَلَى فَجْأَةٍ فَنَجَّسَ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، يَحْلِقُ رَأْسَهُ يَوْمَ طُهْرِهِ. فِي الْيَوْمِ السَّابعِ يَحْلِقُهُ. 10 وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَأْتِي بِيَمَامَتَيْنِ أَوْ بِفَرْخَيْ حَمَامٍ إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 11فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً وَيُكَفِّرُ عَنْهُ مَا أَخْطَأَ بِسَبَبِ الْميْتِ، وَيُقَدِّسُ رَأْسَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 12فَمَتَى نَذَرَ لِلرَّبِّ أَيَّامَ انْتِذَارِهِ يَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ، وَأَمَّا الأَيَّامُ الأُولَى فَتَسْقُطُ لأَنَّهُ نَجَّسَ انْتِذَارَهُ.".

رأس إنتذاره = أى شعر رأسه فى أيام إنتذاره.

والآن كيف يتطهر النذير لو تلامس مع ميت مات فجأة وتلامس معهُ دون أن يقصد. فمع أن ما حدث لا ذنب لهُ فيه ولكن إلى هذا الحد يريد الله أن يشرح كراهيته للخطية وحبه للطهارة والنقاوة. وفى هذه الحالة على النذير أن يحلق رأسه وفى اليوم الثامن يقدم ذبائح. وحيث أن الذبائح تشير للمسيح فلا تطهير سوى بدم المسيح. وحلق الرأس والبدء من جديد مع الذبيحة، هذا ما حدث مع المسيح حينما مات وقام وقمنا معهُ فكان لنا بداية جديدة. لأنه لو قلنا أن النذير يشبه آدم قبل السقوط، فالتلامس مع ميت يشبه السقوط. ففى البداية الجديدة مع الذبيحة وفى اليوم الثامن (يوم القيامة) نرى صورة لما حدث مع المسيح وكنيسته. ولاحظ أن الخطية تجعلنا نخسر الكثير فقد خسر النذير مدة إنتذاره الأولى ليبدأ من جديد. وعلى النذير أن يقدم ذبيحة إثم بعد أن يقرر أن يبدأ ثانية فهو قد أخطأ فى حق الرب (آية12). يتضح هنا الصرامة فى القداسة.

فإذا كان التلامس مع ميت = التلامس مع الخطية،.

فتقديم الذبائح يعنى = لا غفران للخطية سوى بدم المسيح. وهذا معنى هذا الطقس.

الأعداد 13-23

الأيات (13 - 24): -

"13« وَهذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ: يَوْمَ تَكْمُلُ أَيَّامُ انْتِذَارِهِ يُؤْتَى بِهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 14فَيُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ لِلرَّبِّ خَرُوفًا وَاحِدًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا مُحْرَقَةً، وَنَعْجَةً وَاحِدَةً حَوْلِيَّةً صَحِيحَةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا صَحِيحًا ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ، 15 وَسَلَّ فَطِيرٍ مِنْ دَقِيق أَقْرَاصًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ مَعَ تَقْدِمَتِهَا وَسَكَائِبِهَا. 16فَيُقَدِّمُهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَعْمَلُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِ وَمُحْرَقَتَهُ. 17 وَالْكَبْشُ يَعْمَلُهُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مَعَ سَلِّ الْفَطِيرِ، وَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ تَقْدِمَتَهُ وَسَكِيبَهُ. 18 وَيَحْلِقُ النَّذِيرُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، وَيَأْخُذُ شَعْرَ رَأْسِ انْتِذَارِهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى النَّارِ الَّتِي تَحْتَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. 19 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ السَّاعِدَ مَسْلُوقًا مِنَ الْكَبْشِ، وَقُرْصَ فَطِيرٍ وَاحِدًا مِنَ السَّلِّ، وَرُقَاقَةَ فَطِيرٍ وَاحِدَةً، وَيَجْعَلُهَا فِي يَدَيِ النَّذِيرِ بَعْدَ حَلْقِهِ شَعْرَ انْتِذَارِهِ، 20 وَيُرَدِّدُهَا الْكَاهِنُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. إِنَّهُ قُدْسٌ لِلْكَاهِنِ مَعَ صَدْرِ التَّرْدِيدِ وَسَاقِ الرَّفِيعَةِ. وَبَعْدَ ذلِكَ يَشْرَبُ النَّذِيرُ خَمْرًا. 21هذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ الَّذِي يَنْذُرُ، قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ عَنِ انْتِذَارِهِ فَضْلاً عَمَّا تَنَالُ يَدُهُ. حَسَبَ نَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ كَذلِكَ يَعْمَلُ حَسَبَ شَرِيعَةِ انْتِذَارِهِ».

22 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 23«كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلاً: هكَذَا تُبَارِكُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ لَهُمْ: 24يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ. ".

عندما تكتمل أيام النذر التى نذرها النذير (قال التلمود أن أقل مدة هى ثلاثون يوماً) كان عليه أن يلتزم بطقس معين نراه فى هذه الآيات.

وإذا كان المسيحى هو نذير لله كل العمر فيكون أن مدة إنتهاء أيام النذر هى إشارة لموته. أى أن المسيحى الممسوح بالميرون هو مكرس لله العمر كله.

  1. يقدم النذير ذبائح فكأن كل جهادنا على الأرض لا يقبل إلا فى ذبيحة المسيح.
  2. هو يقدم ذبائح (رمز لتقديم المسيح نفسه ذبيحة) ويقدم فطير رمز لحياة المسيح التى كانت بلا خطية فالمسيح أعطانا حياته.
  3. يحلق رأس إنتذاره = أى شعر رأسه الذى كان مسترسلاً أيام إنتذاره. ويحرق شعره فى نار ذبيحة السلامة. * فإن كان إرخاء الشعر عيب وعار فها هو يحلقه رمزاً لعودة كرامته لا على أساس زمنى عالمى بل كرامة شركة الأمجاد الأبدية فالشعر يُحرق الآن وتأكله النار الإلهية على المذبح. * والشعر يحرق مع ذبيحة السلامة. فذبيحة السلامة تشير لشركة الكنيسة كلها كهنة وشعب مع الله (ويمثله هنا نار المذبح) والمعنى هو شركة هذا النذير مع الله فترة إنتذاره. * وكان شعر النذير قد تم حلقه فى بداية فترة إنتذاره، فصار الشعر الجديد هو علامة لنذره، وبتقديمه على المذبح، يكون بهذا كأنه يقول لله لقد قدمت حياتى لك يا رب خلال فترة نذرى. * وهناك معنى آخر يراه النذير فى العهد القديم أنه هو كنذير يريد لو قدم نفسه ذبيحة، وحيث أنه لن يقدر فها هو يقدم شعره على المذبح. والنذر عموماً نوع من تقديم الإنسان نفسه ذبيحة. * وتقديم الشعر على المذبح إشارة لقبول الله لهذه الذبيحة فالنار هى نار إلهية مقدسة. وتقديمها مع ذبيحة السلامة يشير أن كل ما نقدمه لا يقبل سوى بالذبيحة والترديد أمام الرب علامة لعرض النذير عمله وتكريسه وتقدماته أمام الرب (الكل منك وإليك) ثم يأخذ الكاهن نصيبه علامة قبول النذير لنذره، بإشتراك الكاهن مع النذير (فالكاهن هنا أيضا وكيل لله وأكله من الذبيحة هو علامة لقبول الله لنذره). * وفى (1كو15: 11) نجد أن بولس الرسول يرى أن المرأة التى ترخى شعر رأسها فهذا مجد لها. فإذا فهمنا أن المرأة تشير للنفس البشرية التى عريسها المسيح، فكون النذير يرخى شعره علامة تكريسه لله، فتكريسه لله هو مجد له. هو عار أمام الناس للرجل ولكن هو كعروس للمسيح فهذا مجد له = وأليس هذا هو تعريف الصليب تماما، فالصليب هو عار أمام الناس لكنه مجد أمام الله. والعار هنا هو شركة صليب مع المسيح حامل صليب العار، وهذا معنى حرق الشعر على المذبح مع ذبيحة السلامة أى هى شركة الصليب بين المسيح والكنيسة وكل من يقبل أن ينذر نفسه لله. ( * هذه العلامة كانت لتشير لكل معانى إرخاء الشعر).
  1. يشرب خمراً رمزاً للتمتع بالفرح وهذا يشبه قول سفر الرؤيا "هناك يمسح الله كل دمعة من عيونهم" هناك فى السماء الفرح الحقيقى حيث ننسى كل أحزان وألام العالم ويشبه قول السيد المسيح "إنى من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربهُ معكم جديداً فى ملكوت أبى" (مت 29: 26). فالمسيح بموته ثم قيامته ثم صعوده للسماء إنتهت أيام إنتذاره على الأرض. وبعد إنتهاء مدة إنتذارنا نحن أيضاً، سيشرب المسيح مع شعبه كأس الفرح الحقيقى.
  2. يقدم النذير تقدمات أخرى إختيارية قدر إمكانياته. فذبيحة المسيح ألهبت قلوب شعبه بمحبته فهم يريدون أن يقدموا لهُ كل شىء. وهناك معنى آخر فالشريعة هنا تلزم النذير أن يقدم حتى لا يشعر أنه بنذره أصبح مديناً لله بل يظل مديوناً له.

ملحوظات.

  1. كان يمكن لشخص أن يكون نذيراً بالنيابة عن آخرين كأن يتحمل نفقات نذره ومن هنا نفهم كيف إشترك بولس مع آخرين فى نذر أنفسهم (أع 23: 21 - 26).
  2. كما وضع الله شريعة النذير فى العهد القديم وطلب من إبراهيم أن يترك أهله وبلده ليعتزل الشر. هكذا فى العهد القديم يقول معلمنا يوحنا "لا تحبوا العالم ولا الأشياء...." (1يو2: 15).
  3. نرى فى الشعر أيضاً رمز للقوة (شمشون) ففى وقت النذر يكون الإنسان قوياً بالله.

وجميل أن ينتهى هذا الإصحاح بالبركة فكما قلنا، يوسف لأنه كان نذير كان بركة. وكل من كرس نفسه لله يجد بركة.

العدد 24

أية (24): -

"24يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ.".

يباركك = بركات روحية ومادية وفى كل ما تمتد إليه يده. والبركة هى كل ما هو خير وجيد وصالح. ونحن كمسيحيين نفهم الآن أن البركة الأهم هى البركة الروحية.

يحرسك = من أعداء الجسد والروح ومن أى خطر يرعاك الله (مز 5: 121 - 8).

العدد 25

أية (25): -

"25يُضِيءُ الرَّبُّ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَرْحَمُكَ.".

يضىء الرب بوجهه عليك = أى يشرق بنوره عليك فيملأك من الفهم وينير بصيرتك ويهديك.

ويرحمك = ينظر إلى ضعفك وإحتياجك له وتجد نعمة فى عينيه ويعاملك بالرحمة.

العدد 26

أية (26): -

"26يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجْهَهُ عَلَيْكَ وَيَمْنَحُكَ سَلاَمًا.".

يرفع الرب وجهه عليك = أى ينظر إليك نظرة خاصة وينظر إليك طول السنة بل كل العمر.

ويمنحك سلاماً = سلام روحى ونفسى ومادى وجسدى. سلام مع الله والناس والنفس.

ملاحظات على هذه البركة الكهنوتية.

  1. تعجب اليهود من ذكر إسم الرب فى هذه البركة ثلاث مرات وإعتبروه سر إلهى يفوق العقول، وهذا نفهمه نحن كمسيحيين فهو إشارة لسر الثالوث القدوس. كقول السيرافيم فى (إش6 قدوس قدوس قدوس + رؤ 8: 4).
  2. البركة الأولى: خاصة بالآب وهى البركة والحماية والحراسة فهو يحرس تابعيه فهو القادر على كل شىء. والبركة الثانية: خاصة بالإبن النور الحقيقى الذى يضىء والذى أرسله الآب كنور للعالم وبصليبه كانت المراحم الإلهية فكلمات النور والرحمة فى البركة الثانية تختص بالإبن. وعبارة يضئ بوجهه تشير لظهور المسيح بالجسد الذى رأينا فيه صورة الله "الذى رآنى فقد رأى الآب + هو بهاء مجد الآب ورسم جوهره + هو صورة الله غير المنظور" (يو14: 9 + عب1: 3 + كو1: 15) والمسيح تجسد ليرحمنا بصليبه، ونوره أضاء علينا. والبركة الثالثة: خاصة بالروح القدس وعمله، فمن ثماره السلام، والسلام الذى يفوق كل عقل (غل 22: 5 + فى 7: 4)، ورفع الرب وجهه علينا تشير لرضا الله علينا بعد الصلح الذى عمله المسيح بدم صليبه. والنتيجة إرسال الروح القدس ليسكن فينا وهو يأخذ من الأشياء التى للمسيح ويعلنها لنا.
  3. الطلبة الثانية فى الثلاث بركات هى نتيجة للأولى: - يباركك الرب ويحرسك = فالحراسة هى نتيجة أنه يبارك. يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك = هو رحمنا بعد أن أشرق نور المسيح أى بعد أن تجسد. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما = السلام هو ثمرة من ثمار الروح القدس.
  4. المسيح قبل صعوده بارك التلاميذ. وبركة الكاهن هى نموذج لعمل المسيح على الأرض فبركة الكاهن تكون بإستخدام إسم الرب.
  5. بناء على هذه البركة الثالوثية نفهم لماذا أمر المسيح التلاميذ حين يعمدون أن يعمدوا بإسم الآب والإبن والروح القدس. (راجع 2كو14: 13). فالبركة دائما هى بركة ثالوثية.
  6. هكذا تصنع الكنيسة فدائماً: يصلى الكاهن "السلام لجميعكم" ويرد الشعب "ولروحك".
  7. الكاهن لا يبارك من نفسه بل هو يستمدها من الله واهب البركة.

هذه البركة الثالوثية نرى فيها نوع من التدرج فالبركة الأولى أن يحرس الرب ويحمى ويمنع الأذى هى مرحلة أولية، والبركة الثانية نجد فيها تعبير أعمق يدل على بدء تكوين علاقة شخصية مع الله، وأن الله يضىء الذهن ويرشد ويقود الإنسان ولكن هذا حدث لجميع المسيحيين، ثم نأتى للبركة الثالثة فأن يرفع الرب وجهه لإنسان ويبين رضاه ويثبت سلامه لهُ (هذا معنى الكلمة الأصلى) هنا نصل لكمال عمل الله مع الإنسان ونرى فيه مدى خصوصية العلاقة. بل أن كلمة سلام العبرية هي شالوم لا تعنى مجرد إنقطاع العداء بل تدل على التمام والكمال والسلامة.

العدد 27

أية (27): -

"27فَيَجْعَلُونَ اسْمِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أُبَارِكُهُمْ».".

حقا الكاهن كان يتلو البركة بفمه، ولكن الله هو الذى يبارك. الله يريد أن يعطى بركة لشعبه، ولكن الشعب هم بشر لا يدركون شيئا سوى ما يدركونه عن طريق حواسهم، فالله يستخدم الكاهن كوكيل له، يتكلم فيسمع الشعب ويفرح، ويمضى الشعب واثقا أن البركة ستأتى.

والكاهن القبطى يفعل نفس الشئ حين يصلى فى القداس قائلا "السلام لجميعكم" حينئذ يحل السلام على المصلين، وهذا نفهمه مما قاله الرب لتلاميذه "وحين تدخلون البيت سلموا عليه. فإن كان البيت مستحقا فليأتى سلامكم عليه. ولكن إن لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم إليكم" (مت10: 12، 13). إذاً فهناك بركة تحل على المصلين عند قول الكاهن "سلام لكم" بدليل قول الرب لتلاميذه، أنه إن كان من يسمع لا يستحق ترجع البركة إليهم، فهناك شئ يرجع وهو البركة. ولكن الكاهن أيضا محتاج لهذه البركة وهو يأخذها أيضا حينما يجيب الشعب بقولهم "ولروحك أيضا".

فيجعلون إسمى = الإسم فى العبرية يعبر عن قدرات وإمكانيات وشخصية الشخص، فقول الوحى إسمى فهذا يشير للبركات التى يمكن لله أن يفيض بها على شعبه وهى لا نهائية.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح السابع – قرابين الشعب - سفر العدد - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الخامس – تقديس المحلة - سفر العدد - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر العدد الأصحاح 6
تفاسير سفر العدد الأصحاح 6