الأصحاح السابع – تفسير إنجيل لوقا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل لوقا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح السابع

قائد مئة له إيمان عجيب.

الأعداد 1-10

الآيات (لو1: 7 - 10): -

"1 وَلَمَّا أَكْمَلَ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ. 2 وَكَانَ عَبْدٌ لِقَائِدِ مِئَةٍ، مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ عَزِيزًا عِنْدَهُ. 3فَلَمَّا سَمِعَ عَنْ يَسُوعَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخَ الْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ. 4فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى يَسُوعَ طَلَبُوا إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ مُسْتَحِق أَنْ يُفْعَلَ لَهُ هذَا، 5لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتَنَا، وَهُوَ بَنَى لَنَا الْمَجْمَعَ». 6فَذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ. وَإِذْ كَانَ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنِ الْبَيْتِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدُ الْمِئَةِ أَصْدِقَاءَ يَقُولُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لاَ تَتْعَبْ. لأَنِّي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي. 7لِذلِكَ لَمْ أَحْسِبْ نَفْسِي أَهْلاً أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ. لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. 8لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ مُرَتَّبٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ، لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. وَأَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ائْتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِي: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ». 9 وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، وَالْتَفَتَ إِلَى الْجَمْعِ الَّذِي يَتْبَعُهُ وَقَالَ: «أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا! ». 10 وَرَجَعَ الْمُرْسَلُونَ إِلَى الْبَيْتِ، فَوَجَدُوا الْعَبْدَ الْمَرِيضَ قَدْ صَحَّ.".

الآيات (مت 5: 8 - 13): -.

"5 وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ 6 وَيَقُولُ: «يَا سَيِّدُ، غُلاَمِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ مَفْلُوجًا مُتَعَذِّبًا جِدًّا». 7فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ». 8فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. 9لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ائتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ». 10فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا! 11 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، 12 وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ». 13ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ: «اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ». فَبَرَأَ غُلاَمُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.".

ملحوظة: من العجب أن كل قادة المئات الذين تقابلنا معهم في الإنجيل كانوا صالحين (مثال آخر: كرنيليوس) وربما لأن رقم 100 يرمز لقطيع المسيح الصغير الذى لو ضل منهم واحد يفتش عليه حتى يعيده. والمسيح هو قائد هذا القطيع الـ 100 ورأسه.

هنا نحن أمام رجل أممى أى وثنى، وضابط، ولكن إهتمامه بعبد عنده يظهر تقواه، فالرومان يعاملون العبيد على أنهم أقرب للحيوانات وهذا يطلب شفاء عبده. ولكن واضح أنه تأثر بالعبادة اليهودية وعرف الله ثم سمع عن المسيح وأحبه. هذا إنسان تغير قلبه إذ تلامس مع الله. بل هو فى محبته بنى مجمعاً لليهود وفى قصة القديس لوقا نجد أن هذا القائد فى تواضع وجد نفسه غير مستحقاً أن يذهب للمسيح فطلب من اليهود ان يكلموا لهُ المسيح، أماّ القديس متى فقد أورد القصة على لسان القائد نفسه فالشيوخ اليهود هم مندوبون عنه. ولاحظوا تواضع هذا القائد إذ هو لا يعلم عن المسيح سوى أنه معلم يهودي وليس هو يهوه ومع هذا يقول له "لست مستحقاً.." فهو يعلم أن اليهود لا يدخلون بيوت الوثنيين لئلا يتنجسوا.

هذه القصة رمزياً تشير للأمم المعذبين من سلطان الشيطان والخطية عليهم وصراخهم للمسيح. أنا آتى وأشفيه فيه إعلان أن السيد المسيح أتى ليشفى الأمم كما يشفى اليهود، وأن المسيح لا يستنكف من دخول بيوت الخطاة ولا الأمم فهو يقدس ولا يتنجس، بل هو يدخل ليشفى ويحطم الوثنية ويعطى الشفاء الروحى للنفوس. ولقد ظهرت عظمة هذا الأممى فى إيمانه، أن المسيح بكلمة منه، له سلطان على أن يشفى.

تحت سقفى = فاليهود لا يدخلون تحت سقف الأمم أى بيوتهم.

كثيرين سيأتون من المشارق..: هذا إعلان عن دخول الأمم للإيمان ويتكئون = هذه صورة الجلوس فى الولائم (مت 10: 22 - 11) (عشاء العرس) أما بنو الملكوت = هم اليهود الذين رفضوا المسيح فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هم حسبوا كأبناء الملكوت لأن لأجلهم أعد الملكوت. المسيح يجمع المؤمنين في جسد واحد هو رأسه. وهو ينير له. والظلمة الخارجية هى خارج مكان الوليمة الذى ينيره المسيح بنفسه (رؤ 5: 22) أي خارج جسد المسيح. ولنلاحظ أن من عاش فى ظلمة داخلية يستحق أن يُلقى فى الظلمة الخارجية، كإعلان عما هو فيه وأنه خاضع للشيطان سلطان الظلمة. البكاء وصرير الأسنان = هذا يشير لقيامة الجسد ليشترك مع النفس فى الجزاء. يتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب = من هنا أخذنا ما نقوله في أوشية الراقدين "نيح نفس عبدك في أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب.

آية (10): -.

تعجب = نسمع مرتان أن الرب يسوع تعجب 1) من إيمان هذا القائد الأممي. 2) من عدم إيمان اليهود بنى جنسه فى الناصرة (مر 6: 6).

المسيح هنا تعجب لأن اليهود لهم كل هذا الكم من الكتب المقدسة والهيكل و.... ولم يخرج منهم هذا الحب لله، لم يخرج مثل هذا النموذج الرائع، الذى وهو بلا كل هذه البركات، بل هو قائد روماني وثني له وحشية في طباعه لكنه من خلال معاملته مع اليهود تأثر هكذا وصار رقيق الطباع. أما اليهود أنفسهم فحالهم ردئ.

وهناك تفسير للفروق بين قصة متى ولوقا يكمل ما سبق: -.

أن قائد المئة أرسل أولاً للسيد المسيح بعض اليهود إذ حسب نفسه غير مستحق أن يذهب للمسيح، ولما شعر بقبوله له ذهب بنفسه. وركز متى على كلام السيد مع قائد المئة مباشرة وركز لوقا على كلمات السيد لليهود وربما هذا بسبب أن متى يكتب لليهود فهو يريد إثارة حماستهم وغيرتهم إذ يجدوا أن الأمم لهم علاقة بالمسيح بل قد سبقوهم (رو 19: 10، رو 14: 11). ولوقا إذ يكتب للأمم يوضح لهم فضل اليهود فى خلاص الأمم، فالمسيح أتى منهم، وهاهم يتوسطون لشفاء الأمم، وهذا ليقبل الأمم اليهود بمحبة.

لأنى أنا أيضاً تحت سلطان. لى جند = هو كقائد مئة يخضع لرئيس له ربما يكون قائد ألف وينفذ أوامره. وهو له جند أيضاً ينفذون أوامره. وهو هنا يتصور أن المسيح خاضع لسلطان الله وله سلطان على الأمراض والشياطين وخلافه. وبهذا التصور لم يخطر على بال هذا القائد أن المسيح هو الله نفسه. بل ما فهمه هذا القائد أن المسيح قد أعطاه الله سلطان وهو قادر أن يستخدم هذا السلطان بكلمة ويشفي الغلام.

فلما سمع عن يسوع = هذا هو واجب كل منا أن نخبر عن يسوع إن لم يكن بالكلام فبالأفعال.

الخلاف فى رواية متى لقصة الشفاء ورواية لوقا للقصة: - متى يجعل الحديث مباشرة بين قائد المئة الوثنى وبين الرب يسوع، بينما لوقا يجعل هذا الحوار من خلال اليهود الذين يشهدون لقائد المئة أنه مستحق لأنه بنى لهم المجمع. وخلاف آخر فمتى يذكر إعجاب المسيح بإيمان قائد المئة وأنه سيكون للأمم نصيبا فى الملكوت بينما يطرح بنو الملكوت (اليهود الرافضين للمسيح) خارجا. وقد حذف لوقا هذا الكلام. فإذا فهمنا أن متى يكتب لليهود بينما لوقا يكتب للأمم، فيبدو واضحا أن كلاهما يقوم بمحاولة مصالحة الأخ الأكبر (اليهود) مع الأخ الأصغر الذى كان ضالا وعاد (الأمم خلال إيمانهم بالمسيح). فيظهر متى أن الأمم لهم نفس نصيب اليهود، وأنه سيكون لكلا اليهود والأمم الذين يؤمنون مكانا فى حضن إبراهيم وإسحق ويعقوب. بينما لوقا يظهر تعاطف اليهود مع الأمم. وأيضا يُظهر أن باليهود صار شفاء الأمم.

ملحوظة: - هذه الخلافات بين الإنجيليين لا نعتبرها دليلا على خطأ فى الإنجيل الموحى به من الروح القدس، فكما رأينا فهناك حكمة وراء هذا الخلاف. وما لابد أن نفهمه أن الإنجيليين ليسوا مؤرخين. بل هم أصحاب فكر يريدونه أن يصل للقارئ وهم مقودين بالروح القدس. بل ومن المهم أننا إذا وجدنا خلافا بين روايتين فعلينا دراسة هذا الخلاف لنستنتج الفكرة من وراءه، والتى يريدنا الروح القدس أن نفهمها.

ولم يكن سؤال القائد "هل يقدر يسوع أن يشفى الغلام" بل كان سؤاله "هل يقبل يسوع أن يشفى الغلام". هنا نفهم أنه وضع يسوع على قمة شعب اليهود ومعلميهم وشيوخهم، فرأى نفسه غير مستحقا أن يكلم المسيح مباشرة. فكلم شيوخ اليهود أن يكلموا هم المسيح بالنيابة عنه إذ حسب نفسه غير مستحق أن يكلم المسيح شخصيا فهو وثنى. تواضع هذا القائد جعله فى قائمة من قال عنهم الرب يسوع "المساكين بالروح" فإستحق التطويب.

يتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السموات = لاحظ أن المسيح هنا يتكلم باللغة التى يفهمها اليهود فى ذلك الوقت. فكان هناك إيمان عام أنه يوم يفدى المسيا إسرائيل، سيُدعى اليهود إلى عيد عظيم ووليمة عظيمة مع الأباء البطاركة ومع أبطال الإيمان من اليهود، وهى فكرة مأخوذة من أقوال الأنبياء كما فى (إش25: 6). وفى كل سبت وليمة ضخمة لتكريم اليهود، يقدم فيها لحوم من كل أنواع الحيوانات مثل لوياثان وبهيموث المذكورين فى سفر أيوب وطيور ضخمة وأوز ضخم مخصص لعيد يوم السبت العظيم. أما الخمر التى ستقدم لهم فهى معتقة من بدء الخليقة. وطبعا لا مكان للأمم فى هذا اليوم مع اليهود. أما كلام المسيح هنا فكان أن الأمم سيشتركوا مع اليهود فى هذا اليوم.

الظلمة الخارجية، البكاء وصرير الأسنان = هناك جهنم ودخانها أبدى، هذا أيضا تصوير يهودى للمكان المعد للأمم ولكن الرب غَيَّرَ المفهوم اليهودى وجعله لغير المؤمنين عموما. وقال اليهود أنه فى يوم المسيا سيخرج المسيا اليهود الخطاة الذين كانوا هناك وهذا بركة الختان، فهم مختونين. وقال اليهود عن الأمم أنهم بنو جهنم حيث البكاء وصرير الأسنان. وهذا البكاء دليل الأسف، أما صرير الأسنان دليل الغضب (مز112: 10). بينما أن اليهود هم بنو الملكوت (مت8: 12) هم أولاد الملك، أولاد السماء، أولاد الدهر الآتى، مكانهم فى الأعالى (فقالوا أنهم أولاد العلية، والعلية توجد أعلى المنزل) وفى يوم المسيا سينشدون نشيد الحرية (خر15). وهذا راجع لأن الأمم رفضوا الناموس بينما قبله اليهود.

وواضح الصدمة التى حدثت لليهود حينما سمعوا كلام المسيح والذى كان ضد أفكارهم، وأن الأمم الوثنيين الذين يؤمنون لهم نفس حقوق اليهود الذين يؤمنون. وأن اليهود بنو الملكوت الذين لن يؤمنوا سيكون مصيرهم الظلمة الخارجية.

(إقامة إبن أرملة نايين).

الأعداد 11-17

الآيات (لو11: 7 - 17): -

"11 وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدِينَةٍ تُدْعَى نَايِينَ، وَذَهَبَ مَعَهُ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. 12فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ، ابْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. 13فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا، وَقَالَ لَهَا: «لاَ تَبْكِي». 14ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ! ». 15فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. 16فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ». 17 وَخَرَجَ هذَا الْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ.".

رأينا الرب يسوع فى الآيات السابقة (لو7: 1 - 10) وهو يحول قائد المئة الوثنى النجس إلى مؤمن طاهر، وفى هذه المعجزة يحول الموت وهو نجاسة إلى حياة. كان الرب فى كفرناحوم وذهب مع تلاميذه إلى نايين التى تبعد 25 ميلا عن كفرناحوم ليصل عند مساء اليوم، وهو الموعد الذي يدفنون فيه موتاهم. وهناك تقابل موكب رئيس الحياة مع موكب جنازة حزين. وكانت مواكب الجنازات تسير وراء نعش الميت كنوع من إحترام الميت، إذ كانوا يعتقدون أن روح الميت تظل تحوم حول الميت فترة من الزمان. ومن لا يستطيع السير وراء الميت كان عليه أن يقف إحتراما عند مرور الجنازة. وبجانب الحزن المفهوم لدى كل الشعوب على الموتى، نجد اليهود لهم طقوسهم المؤلمة. فيسير وراء النعش ندابات يستأجرونهن للعويل وترديد بعض العبارات عن الميت مثل يا أسد ويا بطل [وهذا إلى حد بعيد نراه فى مصر]. وحتى الربيين والفاهمين ما كان لديهم كلمات معزية فهم أنفسهم بلا رجاء، أين سيذهبون بعد الموت. بل لديهم أفكار مخيفة طفولية عن الموت. ولنتصور من كانت أفكارهم هكذا كيف سيعزون الأم الحزينة فى خطبهم التى يقولونها عادة فى هذه المناسبات. وكان يصاحب الموكب الحزين قارعى طبول ومزمرين. وكانت الأم الثكلى أو الأرملة لا تأكل لحما ولا تشرب خمرا فترة طويلة مكتفية بأكل زهيد.

ويقابل الرب يسوع رئيس الحياة هذا الموكب، يتقابل الحياة مع الموت والحزن، ليغير الحزن إلى فرح. فهو لهذا أتى وتجسد. ولمس نعش الميت ينجس، وكان الربيين يحذرون من العواقب الوخيمة وتحذيرات مرعبة بلا نهاية لمن ينجس نفسه ويتلامس مع نعش ميت غير الذين يحملونه طبعا. ولكن القدوس الطاهر لمس النعش وأقام الميت، فهو لا يتنجس.

لا تبكي = قبل أن يلمس الرب النعش لمس قلب الأم قائلاً لها لا تبكي. ولا تبكي هذه لو قالها أي إنسان لأم فقدت وحيدها فهي لن تعزيها، أمّا لو سمعتها من المسيح نفسه لدخل العزاء إلى قلبها. فالله يعطى مع كلامه قوة ومع وصاياه قدرة على التنفيذ. والناس معزون متعبون (أى16: 2) غير قادرين على تعزية أحد. لكن الله وحده هو الذي يحول النار التي في القلب إلى برودة.

هذه المعجزة تختلف عن إقامة إبنة يايرس وإقامة لعازر، فهنا نجد أن المسيح هو الذي يبادر بصنع المعجزة دون أن يسأله أحد ليعلن أنه أتى ليعطي حياة للبشر، فهو ليس قادر على أن يقيم من الموت الجسدي فقط، بل هو قادر أن يقيمنا من موت الخطية (يو25: 5). ومن يقوم من موت الخطية تكون له حياة أبدية. هذه المعجزة تشير تماماً لما عمله المسيح، فهو أتى ليعطي للبشرية حياة دون أن يسأله أحد. فمن كان يتصور من البشر أن هناك حل لمشكلة الموت.

إيليا وإليشع وغيرهم ممن أقاموا أموات، أقاموهم بالصلاة لله أما المسيح فكان يعطي أمراً دون أن يصلي.

الأرملة تشير للبشرية التي صارت كأرملة بفقدها نعمة الله ولذة العشرة مع الله. أما الشاب الميت فيشير لكل نفس وقد أفقدتها الخطية حياتها فصارت ميتة.

هناك أموات كثيرين ماتوا أيام السيد المسيح ولم يقمهم، فالسيد لا يهتم بأن يقيم الأجساد لتموت ثانية، بل هو يريد أن يعلن أنه يريد قيامتنا من موت الخطية لحياة أبدية، وإقامته لهذا الشاب خير دليل على إمكانية حدوث هذه القيامة الأبدية. وقول السيد هنا للأرملة لا تبكى يعطى فكرة عن إرادة الله أن يسود الفرح البشر، فالله لا يريد لنا أن نحزن. ولذلك أيضا بكى على قبر لعازر بسبب الألام التى لحقت بالبشر.

الثلاث معجزات التي أقام فيها السيد أموات، تشير لثلاث درجات الخطية (راجع معجزة إقامة إبنة يايرس في كتاب إنجيل متى).

لمس السيد للنعش يظهر أن جسد المسيح المتحد بلاهوته قادر أن يعطي حياة لمن يتلامس معه، فهو له سلطان على محو الموت والفساد "من يأكلني يحيا بي" (يو57: 6). وبنفس المفهوم حين تفل المسيح ولمس لسان الأصم فهو كان ينقل له حياة، وحين تفل ليلمس عين الأعمى (مر33: 7 + مر23: 8 + يو6: 9). من هنا نفهم أن جسد المسيح كان له تأثير في خلاص الإنسان، وهذا لإتحاده باللاهوت. ونرى تطبيقاً لهذا قول السيد المسيح عن سر الإفخارستيا "من يأكلني يحيا بي" ففي جسده حياة وشفاء.

كان مع السيد المسيح كثيرون رأوا هذه المعجزة. والسيد قصد هذا لتثبيت إيمانهم.

يوحنا يرسل إثنين من تلاميذه للمسيح.

الأعداد 18-23

الآيات (لو18: 7 - 23): -

"18فَأَخْبَرَ يُوحَنَّا تَلاَمِيذُهُ بِهذَا كُلِّهِ. 19فَدَعَا يُوحَنَّا اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى يَسُوعَ قَائِلاً: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ » 20فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ الرَّجُلاَنِ قَالاَ: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ قَائِلاً: أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ » 21 وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ شَفَى كَثِيرِينَ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَدْوَاءٍ وَأَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ، وَوَهَبَ الْبَصَرَ لِعُمْيَانٍ كَثِيرِينَ. 22فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُماَ: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ. 23 وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».".

الآيات (مت 1: 11 - 6): -.

"1 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ أَمْرَهُ لِتَلاَمِيذِهِ الاثْنَيْ عَشَرَ، انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ لِيُعَلِّمَ وَيَكْرِزَ فِي مُدُنِهِمْ. 2أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي السِّجْنِ بِأَعْمَالِ الْمَسِيحِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، 3 وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ » 4فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: 5اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. 6 وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».".

فلما سمع فى السجن = راجع (مت 3: 14 - 12).

ويوحنا المعمدان أدرك أنه سوف يستشهد، فأرسل تلاميذه للسيد المسيح ليلمسوا بأنفسهم من هو المسيح، هو أراد تحويل تلاميذه حتى لا يقاوموا المسيح فيما بعد بل يتتلمذوا له. وسؤال يوحنا أنت هو الآتى (أى المسيح المنتظر) أم ننتظر آخر. كان هذا السؤال ليس عن شك فى المسيح، فمن عرف المسيح وهوفى بطن أمه (لو 44: 1) ورأى حمامة تحل عليه يوم عماده (يو 29: 1 - 34). فمن شهد للمسيح كل هذه الشهادات أيعود ويشك فيه! قطعاً لا. ولكن كان السؤال لأجل أن يؤمن تلاميذه بالمسيح ويتبعوه فهذا هو دوره كسابق للمسيح. خصوصاً أن الغيرة كانت قد بدأت فى قلوب تلاميذ المعمدان من نجاح خدمة المسيح (يو 26: 3). خصوصاً أنه واضح من (يو 35: 1 - 37) أن المعمدان كان يشهد لتلاميذه عن المسيح ليتبعوه كما تبعه هنا يوحنا وأندراوس. وهناك من قال أن يوحنا أرسل يسأل المسيح هذا السؤال لأنه مسجون وحالته النفسية سيئة، فإن كان المسيح هو الآتى فلماذا لا يخرجه من السجن!!. ألم يقرأ من قال هذا الكلام العجيب ما قاله يوحنا المعمدان عن المسيح (يو 3: 27 – 36) هل من يقول هذا الكلام عن المسيح ما زال لايعرف من هو؟! لقد أطلق المعمدان على المسيح لقب "حمل الله" (يو1: 29) والمعنى انه سيقدم ذبيحة. فهل يُقَدَّم المسيح ذبيحة ويُخْرِج المعمدان من السجن!!

وحين سأل تلاميذ المعمدان السيد المسيح أجابهم بأن العمى يبصرون والصم يسمعون … وكأنه يقول لهم لقد تحققت النبوات فىَّ (إش 5: 35 + 1: 61). والسيد حذر التلميذان من أن يستمر شكهم فيه بعد أن سمعوا ما سمعوه ورأوا ما رأوه = طوبى لمن لا يعثر فىّ وربما كان قصد السيد المسيح لا تشكا فىَّ بالذات إذا رأيتمونى معلقاً على عود الصليب، أو معرضاً لإهانات اليهود. ويعثر فىَّ تعنى عدم الإيمان بى.

المساكين = ليس فقط الفقراء والضعاف بل المساكين بالروح أى المتضعين.

يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء.

الأعداد 24-28

الآيات (لو24: 7 - 28): -

"24فَلَمَّا مَضَى رَسُولاَ يُوحَنَّا، ابْتَدَأَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ 25بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. 26بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ! 27هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ! 28لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ نَبِيٌّ أَعْظَمَ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ».".

الآيات (مت 7: 11 - 11): -.

"7 وَبَيْنَمَا ذَهَبَ هذَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ 8لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ النَّاعِمَةَ هُمْ فِي بُيُوتِ الْمُلُوكِ. 9لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. 10فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. 11اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ.".

حتى لا يظن أحد أن يوحنا المعمدان يشك فى المسيح، فلقد شهد له هنا السيد المسيح. وكانت شهادة المسيح عن المعمدان بعد أن مضى تلاميذه حتى لا يكون كلام المسيح عنه تملقاً له أو لهما. عموماً كان قول المسيح أنه ليس بقصبة تحركها الريح = يعنى أن يوحنا لن يتأثر بالمديح كما أنه لا يتأثر بالذم. فلقد تعرض يوحنا لكثير من المديح من الناس ولكثير من الألم من هيرودس ولكنه لم يتزعزع لا من هذا ولا من ذاك. وأيضاً لأنه ليس قصبة تحركها الريح فهو لم يستجب لحروب الأرواح النجسة ولا لأى تعليم غريب، بل ظل على طهارته شاهداً للحق لا يتزعزع عنه، يحيا حياة خشنة، ويرتدى لباساً خشناً، إذ كان رداؤه من شعر الإبل. والقصبة فارغة أما يوحنا فمملوء من الروح لذلك لم يهتز من أفكار العالم الشريرة. لكن من هو فارغ كالقصبة يهتز لأي شئ أو أي فكر غريب.

وأفضل من نبى = فلا يوجد نبى تنبأ آخر عن مجيئه. الوحيد الذى جاءت عنه نبوات من أنبياء العهد القديم (غير المسيح طبعاً) هو يوحنا المعمدان (ملا 1: 3 + أش 3: 40). وتنبأ ملاك بولادته (لو 13: 1) وإمتلأ بالروح من بطن أمه (لو 15: 1 + لو 44: 1). وكل الأنبياء تنبأوا عن المسيح، أما يوحنا فأعد له الطريق مباشرة. كل الأنبياء إشتهوا أن يروا المسيح ولم يروه، أما يوحنا فرآه.

لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان = هو الأعظم لأنه إستحق أن يعمد المسيح. وهو شهد للحق حتى الموت. وحينما أتى له تلاميذه ليثيروه ضد نجاح عمل المسيح وذيوع شهرته بينما أن المعمدان هو الذى عمده، قال قولاً عظيماً "ينبغى أن هذا يزيد وإنى أنا أنقص" (يو 30: 3). وكل الأنبياء تنبأوا عن المسيح ولم يروه، أماّ يوحنا فرآه وعمّده وشهد له، وهو وحده أدرك سر الثلاثة الأقانيم يوم المعمودية. وأضف لهذا ما قيل فى تفسير أنه أفضل من نبى، وأنه عاش ناسكاً زاهداً مثل إيليا. وكما لم يهاب إيليا آخاب وإيزابل، لم يهاب يوحنا المعمدان هيرودس وهيروديا.

هأنذا أرسل أمام وجهك = هى نبوة ملاخى عن المعمدان (ملا 1: 3) ولكن لاحظ قول ملاخى "فيهيىء الطريق أمامى" = والمتكلم هنا هو يهوه وقول متى يهيىء طريقك قدامك = وهذه عن السيد المسيح. فبمقارنة الآيتين نسنتج بسهولة أن المسيح يسوع هو يهوه نفسه.

ولكن الأصغر فى ملكوت السموات أعظم من يوحنا المعمدان = ملكوت السموات يبدأ هنا على الأرض بالمعمودية ندخله وبالتوبة نثبت فيه، فهو موت مع المسيح وقيامة معهُ. وبالمعمودية نصير أولاداً لله، وليس أولاداً للرجال أو للنساء (يو 12: 1 - 13). أماّ يوحنا مثله مثل كل البشر ولدته إمرأة. لذلك قال المسيح عنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا.. أما الأصغر فى ملكوت السموات أعظم منه = يعنى أن المولود من الله بالمعمودية، ويحيا حياة التوبة، فى إتضاع = الأصغر = (فالاصغر تشير للإتضاع) هو أعظم من المعمدان. فيوحنا كان له كل بر الناموس، ولكن أولاد الله بالمعمودية خصوصاً المتضعين، قد تبرروا بدم المسيح وهم ثابتين فى المسيح، هؤلاء أعظم من أى شخص كان له بر الناموس. والمسيح هنا لا ينقص من مكانة الأنبياء، وإنما أراد أن يظهر ما فى الحياة الإنجيلية من سمو أعظم بكثير من سمو الحياة الناموسية. فخلال الناموس مهما جاهد الإنسان يبقى من مواليد النساء، أما عطية الله فى العهد الجديد فترفعنا فوق اللحم والدم لننال البنوة لله. وهناك رأى للقديس يوحنا فم الذهب أن الأصغر فى ملكوت السموات هو المسيح نفسه لأنه أصغر من المعمدان سناً.

ما سبق كان عن يوحنا المعمدان وهو على الأرض. ولكن بعد أن فتح السيد المسيح الفردوس للبشر، ودخل أباء وأبرار العهد القديم ودخل معهم أبرار العهد الجديد كان هناك كلاماً آخر، فالكنيسة المقدسة تضع ترتيب السمائيين هكذا مريم العذراء أولاً ثم الملائكة ثم يوحنا المعمدان ثم الشهداء ثم القديسين والأبرار. أى أن يوحنا المعمدان تضعه الكنيسة على رأس كل المؤمنين فى السماء من البشر ما عدا القديسة العذراء مريم التى حملت الله إلهنا فى بطنها. وهذا يشبه قول المسيح "أبي اعظم منى" فهو يقوله وهو فى صورته الجسدية، أما الآن وهو عن يمين الآب فهو له نفس مجد الآب.

اليهود يرفضوا المسيح كما رفضوا المعمدان.

الأعداد 29-35

الآيات (لو29: 7 - 35): -

"29 وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ سَمِعُوا وَالْعَشَّارُونَ بَرَّرُوا اللهَ مُعْتَمِدِينَ بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. 30 وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ وَالنَّامُوسِيُّونَ فَرَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، غَيْرَ مُعْتَمِدِينَ مِنْهُ. 31ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ: «فَبِمَنْ أُشَبِّهُ أُنَاسَ هذَا الْجِيلِ؟ وَمَاذَا يُشْبِهُونَ؟ 32يُشْبِهُونَ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي السُّوقِ يُنَادُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا. نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَبْكُوا. 33لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ لاَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَلاَ يَشْرَبُ خَمْرًا، فَتَقُولُونَ: بِهِ شَيْطَانٌ. 34جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَتَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. 35 وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ جَمِيعِ بَنِيهَا».".

الآيات (مت 16: 11 - 19): -.

"16« وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هذَا الْجِيلَ؟ يُشْبِهُ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي الأَسْوَاقِ يُنَادُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ 17 وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطِمُوا! 18لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ شَيْطَانٌ. 19جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا».".

فى لوقا 29: 7 - 30 نجد موقفين لمن سمع دعوة يوحنا المعمدان.

الشعب البسيط برروا الله.. معتمدين = أى معترفين أن الله بار ولا يخطئ، إنما هم المخطئين المحتاجين لتوبة ومعمودية. والذى يبرر الله فى كل جيل يعترف بفضل الله عليه وأن كل أعماله وعطاياه هى كريمة وأن كل شر يقع عليه هو يستحقه لأجل خطاياه، وأن الله لم يخطئ فى أحكامه. مثل هؤلاء ينسبون كل خير لله وينسبون كل شر لأنفسهم لذلك فهذه الفئة الأولى شعروا بخطاياهم وببر الله وكانت علامة توبتهم هى معموديتهم. وهم برروا الله أيضاً إذ قبلوا ملاكه الذى أرسله، وقبلوا كلامه ودعوته (ملاكه أى يوحنا المعمدان).

الفريسيون والناموسيون = هؤلاء مشكلتهم أنهم يشعرون ببرهم الذاتى، مثل هؤلاء لا يشعرون بإحتياجهم لله. كبرياؤهم يعميهم فلا يروا ولا يسمعوا فلا يفهموا ولا يدركوا. فرفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم. هؤلاء لا يشعرون بخطاياهم إذ هم عميان، وبالتالى لا يشعرون بإحتياجهم للتوبة لذلك رفضوا معمودية يوحنا، بل قالوا عنه كلاماً سيئاً علَّقَ عليه السيد المسيح فى الأيات التالية. والمتكبر فى كل جيل يرفض الإعتراف بخطيته، إذ هو في نظر نفسه بار دائماً ولا يقبل أن يقول له أحد كلمة حق، أو يظهر له أحد خطأه، ولا يفكر فى التوبة، وبالتالى لا يبرر الله إذا أراد الله أن يؤدبه، وسيرفض مشورة الله من جهته، ويرفض تأديب الله (عب 8: 12). لذلك فمثل هؤلاء لا يميزون رجال الله مثل المعمدان ولن يعرفوا الله ولا مسيحه. هؤلاء رفضوا المعمدان إذ كان يحيا فى زهد ورفضوا المسيح إذ عاش ببساطة. والحقيقة أنهم سيرفضون كل من يأتى مرسلاً من الله، فهم رافضين لله. ومعنى المثل الذى قاله المسيح: -.

كانت هذه لعبة يقوم بها الأطفال الصغار. وهم ينقسمون إلى فريقين فريق يمثل دور الفرح أى حفلة عُرس. فيقوم الفريق الأخر بالرقص والزمر. ثم يقوم فريق بتمثيل دور جنازة فيبدأ الفريق الآخر يحزن ويولول. ولكننا هنا أمام أولاد متمردين فالفريق الذى يمثل دور الفرح يقابل بصمت، أى لا تتجاوب حركاتهم مع نغمات وحركات الفريق الذى يقابلهم. والمسيح بهذا يشير للفريسيين، الذى أرسل الله لهم يوحنا المعمدان زاهداً ليجذبهم بالتوبيخ والحزن للتوبة فقالوا فيه شيطان ورفضوا التوبة، جاءهم المسيح فى ود ومحبة شافياً أمراضهم عارضاً عليهم المحبة والصداقة الإلهية، فرفضوه أيضاً وقالوا عنه أكول وشريب خمر. فحينما تفسد بصيرة الإنسان الداخلية يستطيع أن يجد لنفسه كل المبررات لرفض العمل الإلهى، فلا يحتمل حب الله وحنانه ولا يتقبل تأديباته، لا تجتذبه الكلمات الإلهية الرقيقة كما لا تردعه التهديدات.

الحكمة تبررت من جميع بنيها = الله لم يترك نفسه بلا شاهد، لأنه يعلم الذين له. فإذا كان الفريسيون قد رفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم، فإن للحكمة أبناءها. والله له أولاده الذين يبررونه (مثل الذين إعتمدوا من يوحنا) فإذا كان أعداء الحكمة يسفهونها فإن أبناءها يبررونها، ومثل هؤلاء هم الذين برروا الله معتمدين من يوحنا. والحكمة هنا هى التدبير الإلهى الذى دبر إرسال يوحنا المعمدان ثم تجسد المسيح لأجل خلاص البشرية. هذه الحكمة ظهرت بارة لا غبار عليها فى نظر بنيها أى جماعة شعب الله الذين رحبوا بيوحنا والمسيح وتابوا. الحكمة هي تصرفات وأقوال الله وكل عمل يعمله في كل زمان أو مكان.

وحتى الآن فأولاد الله فى كل جيل يبررون الله فى كل تصرفاته، بلا تذمر يقبلون ما يحكم به، ناسبين أى ضرر أو شر لخطاياهم والعكس فالأبرار فى أعين أنفسهم يرفضون دائماً أحكام الله قائلين "لماذا يا رب تفعل كذا وكذا.." وهذا بسبب كبريائهم ولنلاحظ أن الله كثيراً ما يسمح ببعض التأديبات كجزء من خطة الخلاص لكن هناك من يرفضها. أما أبناء الله حقيقة فهم يقبلون أحكامه ويبررونه فيها. والمتكبرون دائماً يرفضون أحكام الله، أما المنسحقين فيبررون الله فيما يفعله. المتكبرون يبررون أنفسهم ناسبين الخطأ لله. أما المتواضع حقيقة فهو الذي يفهم وضعه بالنسبة لله، أن الله كلي الحكمة وأنه لا شئ بجانبه. المتكبرون قطعاً إذا كانوا قد نسبوا الخطأ لله فهم سيرفضون من يرسلهم الله.

(المرأة الخاطئة).

الأعداد 36-50

الآيات (لو36: 7 - 50): -

"36 وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. 37 وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ 38 وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. 39فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلاً: «لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». 40فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «يَاسِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ: «قُلْ، يَامُعَلِّمُ». 41«كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. 42 وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟ » 43فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ: «أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». 44ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: «أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. 45قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. 46بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. 47مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً». 48ثُمَّ قَالَ لَهَا: «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ». 49فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: «مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟ ». 50فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ».".

الآية السابقة مباشرة الحكمة تبررت من جميع بنيها، نجد تطبيقها المباشر في هذه القصة، فها هي المرأة الخاطئة ولكنها كانت حكيمة، فهي أتت للمسيح معترفة بخطاياها في إنكسار نفس، دون إعتراض أو كبرياء أو عجرفة، فحصلت على الخلاص. أما الفريسى صاحب الوليمة ينسب الخطأ للمسيح.

هناك من يخلط بين هذه القصة وبين ساكبة الطيب في (مت6: 26 - 13). ولكن هناك فروق.

وبالتالي نستنتج أنهما قصتان مختلفتان تماماً ولاحظ أن إسم سمعان كان منتشراً وفي متى26 سكبت مريم القديسة أخت لعازر التي إختارت النصيب الصالح الطيب حباً في يسوع. وفي (لو7) تسكب هذه المرأة الطيب طلباً للغفران وإعترافاً بخطاياها. وهي إمرأة سيرتها سيئة في المدينة. ويمكننا القول من سياق القصة وأنها أتت ومعها زجاجة طيب، أنه ربما حدث لقاء سابق مع المسيح مع هذه المرأة لمست فيه غفرانه، وكان هذا تعبيرا عن محبتها وشكرها على الغفران الذى حصلت عليه، أو هى أتت بالطيب ملتمسة الغفران.

كانت أبواب اليهود مفتوحة بداعي الكرم، وخصوصاً في مناسبة كهذه. لذلك دخلت هذه المرأة. هي كانت قد سمعت أن المسيح يقبل الخطاة ويغفر لهم فأتت وكلها أمل في الغفران وبدء حياة جديدة بلا إثم. ووقفت هذه المرأة وراء السيد وسكبت الطيب على رجليه ولما لم يمنعها أو يرفض ما عملته، وربما نظر لها نظرة قبول، وهي تعرف عدم استحقاقها بكت عند قدميه فبلت قدميه وهو متكئ، ولما سقطت دموعها على قدميه خجلت فمسحتهما بشعرها (ولاحظ أن شعر المرأة مجدها 1كو15: 11) فهي بهذا تضع كل مجدها وكرامتها تحت قدمي المسيح. (ملحوظة: هم كانوا يخلعون النعال إذا إتكأوا للطعام).

وماء لرجلي لم تعطي = كان من عادة اليهود أن المضيف ليظهر إحترامه لضيفه، وتقديره له، أن يغسل قدميه ويمسح رأسه بالدهن الطيب الرائحة (زيت مضاف له روائح طيبة). فسمعان تكلف مالاً كثيراً في الوليمة ولكنه لم يعط لضيفه من مشاعره، ربما خوفاً من بقية الفريسيين لئلا ينتقدوه وربما شعر أنه يكفي أن يقيم وليمة للمسيح المرفوض من الجميع. هو بهذا شعر أنه صاحب فضل على المسيح، والمسيح يكفيه هذا. ومن يشعر بهذا سريعاً ما يُدين المسيح، وهذا ما حدث "لو كان هذا نبياً، لعلم من هذه..".. (من يداين المسيح سريعاً ما يدينه). وهذا ما يحدث معنا فنحن إذا شعرنا أننا أصحاب فضل على الله حينما نصلي ونصوم، فسريعاً ما ندينه إذا حدثت لنا أي تجربة قائلين.. لماذا يا رب تفعل ذلك.. كأن الله قد أخطأ. لذلك ينبه المسيح "لا تعرف شمالك ما تعمله يمينك" فاليمين هو عمل البر من صلاة وصوم.. الخ. والشمال هو الافتخار بهذا والشعور بأننا أصحاب فضل. وتعليم رب المجد "إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون"، فمن يشعر أنه عبد بطال غير مستحق لشئ، إذا جاءته تجربة يقول. هذا بسبب خطيتي، لكنه لا ينسب خطأ لله وكأنه يدين الله.

لقد إقتحمت هذه المرأة مجلس السيد المسيح ولكنه قبلها، إذ قد أتت بتوبة صادقة. وهو يقبل كل من يأتي بتوبة صادقة غافراً له. لقد صارت هذه المرأة نموذجاً لكثيرين، تعلموا منها وأتوا للسيد المسيح فغفر لهم.

هذه المرأة تعطي درساً لكل منَّا وهو.. أن الطريق الشرعي المقبول لكي نقترب من المسيح ونكون مقبولين.. هو أن نأتي معترفين بخطايانا معترفين بعدم إستحقاقنا (راجع قصة الفريسي والعشار). بل أن المسيح في إشتياق لمثل هذه النفوس التائبة المعترفة الباكية، التي تشعر بإحتياجها إليه كرب غافر. ومهما كانت خطايانا فرحمة الله أعظم. فهذه المرأة بحسب الناموس تستحق الرجم لكن مراحم الله خلصتها.

هذا الفريسي دعا المسيح إلى بيته، لا إلى قلبه، ولكن المرأة الخاطئة إقتحمت البيت بدالة المحبة. الفريسي يمثل النفس التي تتخفى وراء المظاهر الخارجية دون الأعماق، أما المرأة فتمثل النفس الجادة في خلاصها فتهتم باللقاء الخفي مع العريس السماوي. وربما كان هذا الفريسي يريد أن يرى آية من آيات الرب التي سمع عنها أو هو رأي أن مستقبل هذا المعلم مشرق وأراد أن يستفيد منه، عموماً فإرتباطنا بالمسيح بسبب أغراض ومطامع مادية يضيع منّا الخلاص. أمّا لو أتينا له كخطاة مثل هذه المرأة سننال الخلاص.

طريقة الجلوس أثناء الطعام: كانوا يجلسون حول موائد ذات أرجل قصيرة، وكانوا يجلسون على أرائك أي مقاعد أرضية مستندين على المائدة، وأرجلهم إلى خلف، وخالعين نعالهم، لذلك أتت تلك المرأة من خلف السيد وسكبت الطيب عند قدميه، وطالما مسحت قدميه بشعرها، فيفهم أنها كانت في وضع أقرب للسجود.

قول الكتاب "وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة" هذا القول يشير لأن سمعتها كانت سيئة ومنتشرة في كل المدينة. ولكن واضح أنها تابت، ودموعها خير شاهد لذلك، ودموعها، دموع التوبة عند المسيح هي أثمن من أي قارورة طيب.

شك الفريسي في أن المسيح ليس بنبي لأن من يلمس زانية يتنجس، ولكن من يلمس المسيح يتقدس والسيد أظهر له أنه أعظم من نبي، فالنبي لا يعلم ما في القلوب، لكن السيد المسيح أجاب علناً على تساؤلات سمعان التي في قلبه. والسيد المسيح أظهر للفريسي أن هذه المرأة أعظم منه حباً. فالفريسي [1] لم يقم بواجبات المضيف من غسل الأرجل فكانوا يلبسون صنادل فتتسخ أرجلهم من التراب. [2] الدهن بالزيت لإنعاش الضيف. [3] التقبيل (أي إبداء مشاعر المحبة). (ملحوظة: الزيت يحتوي على عطور للإنعاش).

والمرأة [1] غسلت قدمي السيد ومسحتهما بشعرها [2] دهنت قدميه بالطيب [3] قبلت قدميه. وما سبب هذا العطاء؟ الحب الذي ملأ قلبها. وما سبب هذا الحب؟ شعورها بغفران السيد لها، ولاحظ أنها ما كانت ستشعر بحب السيد وغفرانه إلاّ لو كانت قد إنفتحت عيناها على خطاياها، بل وعلى محبته وغفرانه لها. والسؤال كيف أدركت هذا الحب؟ لا نعرف. فالله له طرقه الخاصة التي تختلف من إنسان لإنسان. وهو أعطى لها من محبته (ربما في هذا اليوم أو قبل هذا اليوم فصارت تسير وراءه) ما جعلها تفهم أنه غفر لها فأحبته. أما الفريسي المعجب بنفسه، فهو يرى أنه كامل بلا خطية وبالتالي فهو لا يحتاج لغفران، ولذلك فمحبته محدودة. ولاحظ أن محبة المرأة كانت أيضاً لإيمانها بأن المسيح غفر، وله سلطان أن يغفر = إيمانك قد خلصك.

إننا نحتاج لقضاء أوقات طويلة في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس فهذا يفتح أعيننا [1] لنعرف شخص المسيح [2] لنعرف نجاسة قلوبنا وكم غفر المسيح لنا، وكيف قبلنا ونحن هكذا. وإذا إنفتحت أعيننا ورأيناه وعرفنا ما فعله لأجلنا سيمتلئ القلب حباً له. ولكن هذا الفريسي كانت عينه مغلقة، فهو شعر أنه أعطى المسيح ولم يأخذ شيئاً من المسيح، فلم يحب المسيح.

لم يكن لهما ما يوفيان = هذا يعني عجز البشر عن إيفاء الله ما عليهم من دين الخطية، زادت خطاياه أم قلت.

إذهبي بسلام = هذه ليست مثل "مع السلامة" ولكن المسيح يهبها سلاماً عجيباً.

لأهمية هذا الجزء تصليه الكنيسة يومياً في صلاة نصف الليل، لأننا نرى فيه الطريق الصحيح للإقتراب من المسيح لننال الغفران والسلام وننعم بمحبته، ألا وهو الإنسحاق أمام الله طالبين الرحمة والغفران.

وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً = هل كانت خطايا هذا الفريسى قليلة حقا؟ لا بل هو الذى لا يرى خطاياه، وهكذا كل من كانت عينه مغلقة. وبالتالى هو لا يشعر بالغفران الذى قدمه له المسيح بدمه، وبالتالى لن يقدم الحب المطلوب إذ لا يشعر بقدر النعمة التى أعطيت له. أما المرأة الخاطئة فكان لها العين المفتوحة فرأت: - 1) بشاعة خطيتها 2) قدر الغفران الذى حصلت عليه...... والنتيجة – أحبت كثيرا. وهذا ما قيل وتكرر فى سفر حزقيال النبى أن الله سيؤدبهم على خطاياهم فيرجعون بالتوبة وحينئذ "تمقتون أنفسكم" (حز20: 43). فالتوبة الحقيقية تفتح العين وتدرك بشاعة الخطايا السابقة فيكره الإنسان نفسه، وفى نفس الوقت يقدم الشكر للمسيح على ما صنعه لكى تغفر خطيته.

كما بدأ المخلص فى بداية خدمته بتطهير الهيكل (يو2) هكذا أنهى خدمته قبل صلبه بأيام بتطهير الهيكل، وذلك ليعلن هدف مجيئه - تطهير هيكل الله (الكنيسة والإنسان). هكذا نجد قصتى ساكبات الطيب، وهذه هى الأولى فى بداية خدمته، وفيها نراه يقبل هذه الخاطئة ويعطيها غفران الخطية ووعد بالخلاص، وأنهى أيضا خدمته فى الأسبوع الأخير بمريم ساكبة الطيب إعلانا عن محبتها الكبيرة. فمن عرف المسيح وغفرانه ومحبته سيبادله الحب، وهذا ما يريده أن يعيد الصورة الفردوسية الأولى. ولكن لاحظ أن هذا الحب من مريم جاء بعد تلمذة طويلة ليسوع، إذ كان يسوع يذهب كثيرا لبيت لعازر. ولاحظ أنه إحتراما لمشاعر المرأة التى كانت خاطئة أخفى الإنجيل إسمها.

ولاحظ التناقض الكبير بين المرأة التى جاءت فرحة بقبول المعلم لها ولم يحتقرها كباقى معلمى اليهود بل غفر لها، وكانت تبكى وحينما نزلت دموعها وبللت قدميه خجلت وإنحنت لتمسح دموعها من على قدميه بشعرها. وبين الفريسى الذى دعاه وأدانه وفكر فيه أفكارا غير لائقة. وعند اليهود كانوا يعطون كرامة كبيرة للمعلمين لم يعطها هذا الفريسى للمسيح. لذلك نقول أنه لم يدعه إلى بيته لأنه كان مقتنعا به بل لأنه كانت هذه هى العادة أن يدعو الفريسيين المعلمين الكبار إلى مائدتهم. وربما حدثت هذه الحادثة فى نايين بعد إقامة إبن الأرملة فإزدادت شهرة المسيح لذلك دعاه هذا الفريسى. [لاحظ أن قصة المرأة أعقبت مباشرة قصة إقامة إبن أرملة نايين]. وبهذا نتأكد أن هذا الفريسى المزهو بنفسه هو من أراد أن يستفيد من شهرة المسيح، ولكنه فى داخله إستنكر وتضرر من قبول المسيح لهذه المرأة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثامن - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السادس - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 7
تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 7