الأصحاح الأول – تفسير الرسالة إلى أفسس – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

أفسس هى عاصمة المقاطعة الرومانية المسماة آسيا، وهى فى آسيا الصغرى (تركيا حاليا). وكانت أفسس ملتقى للطرق التجارية، وأشتهرت بهيكلها العظيم للإلهة أرطاميس، وهى إلهة تمثل أماً، لها فى صدرها كثير من الثُدِّى فهى مرضعة جميع البهائم والحيوانات. وتعتبر أرطاميس إلهة القمر عند اليونان وتقابل ديانا عند الرومان. وكان أهل أفسس متهافتين على الوثنية والسحر والخلاعة (أع19: 19).

كتبها بولس الرسول من سجن روما (السجن الأول سنة 62 – سنة 63م) حين أُذِنَ له أن يستأجر بيتا لمدة سنتين (أع30: 28). وهناك كتب رسائل الأسر الأول وهى: أفسس وفيلبى وكولوسى وفليمون. وبهذا تحوّل السجن الى كرازة إنتشرت عبر الأجيال ولآلاف السنين.

ورسالة أفسس تكلمنا عن مفهوم الكنيسة، وكيف أن كل منا لا يحيا كفرد منعزل بل كل منا هو عضو فى الجسد المقدس (جسد المسيح). وهى تختلف مثلاً عن الرسائل الأخرى كغلاطية وكورنثوس، فلا توجد فى أفسس أخطاء عقائدية أو أخطاء سلوكية يعالجها الرسول فى رسالته. لذلك لا توجد نبرة غضب كالتى نجدها فى رسائل (غل، 1كو، 2كو) ولكن الرسول وهو فى فرحه بهذه الكنيسة يبحث عن النمو الروحى لمن هم سالكون فى الطريق الصحيح. وهذا النمو فى نظر بولس الرسول هو نمو بلا حدود، فيطلب أن نمتلىء إلى كل ملء الله (3: 19). وليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم (3: 17). فالمسيحى الحقيقى يجب أن ينمو دائماً.

تأسيس كنيسة أفسس:

كان بأفسس كثير من اليهود لهم الجنسية الرومانية. وكرز لهم بولس الرسول فى زيارته لأفسس حوالى سنة 54م فى نهاية رحلته التبشيرية الثانية. وكرز بولس فى المجمع اليهودى وترك أكيلا وبرسكيلا يكملان عمله (أع18: 21). وفى غيبته جاء أبلوس من الأسكندرية، وكان من تلاميذ يوحنا المعمدان. وجاهر بما عرفه عن السيد المسيح فى المجمع. وقام أكيلا وبرسكيلا بتعليمه طريق الرب بأكثر تدقيق (أع24: 18 –26) ورجع بولس الرسول إلى أفسس حسب وعده فى خريف سنة 54م فى رحلته التبشيرية الثالثة حيث وجد بعض التلاميذ لم يقبلوا سوى معمودية يوحنا فبشرهم بالسيد المسيح وعمدهم، وإذ وضع يده عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون (أع19: 3 - 9).

وعظ بولس الرسول فى مجمع اليهود 3 أشهر ولما قاومه اليهود إعتزلهم (أع19: 8 - 12). وظل يُعلِّم فى مدرسة تيرانس سنتين لليهود ولليونانيين. فقبل كثير من اليهود والأمم الإيمان. ونتيجة الإيمان أحرق كثيرون من السحرة كتب السحر (أع19: 19). ولما إنهارت عبادة أرطاميس قام صنَّاع الفضة بثورة (أع19: 24 - 29).

وتأسست فى أفسس كنيسة عظيمة لها قسوسها (أع20) (تقع ميليتس جنوب أفسس). وبعد أن ترك بولس أفسس خدم فيها تلميذه تيموثاوس (1تى1: 3). وأرسل بولس هذه الرسالة الى أفسس بيد تلميذه تيخيكس (أف 6: 21 + 2تى 12: 4). وأفسس هى إحدى الكنائس السبع التى أرسل لها السيد المسيح رسائل فى سفر الرؤيا. وفى أفسس قضى القديس يوحنا اللاهوتى أواخر أيامه، وتنيح فى جزيرة بطمس وهى فى مقابل أفسس. وفى سنة 431م إنعقد فيها مجمع مسكونى. وصارت أفسس الآن قرية أفيس ولايوجد بها مسيحيون تنفيذاً لنبوة السيد المسيح أنه سيزحزح منارتها لأنها تركت محبتهاالأولى (رؤ2: 5).

السر:

يتحدث الرسول فى رسالة أفسس عن السر الذى أعلنه له المسيح شخصياً. ويقصد به خلاص الأمم مع اليهود (أف2: 14). ووحدة اليهود مع الأمم ستكون نموذجاً لما سيتم فى توحيد كل العالم فى المسيح، إذ تنتهى كل عداوة بين البشر، وكانت أصعب عداوة هى التى بين اليهود والأمم. عموماً فالله خلق العالم فى وحدة، فالله خلق آدم واحد، ومنه أُخِذت حواء، ومن كليهما أتى الأولاد، أى كل الخليقة هى جسد آدم. والمفروض أن تكون هناك وحدة بين البشر. ولكن الخطية سببت الانقسام وقام قايين وقتل أخيه. ولكن المسيح أتى ليعيد هذه الوحدة، (يو17: 21)، أتى المسيح ليجعل الكل واحد فى جسده، أى سيجعل كل اثنين متنافرين متخاصمين واحداً. بل أن المسيح قد وَحَّد السمائيين بالأرضيين (أف 10: 1). وصار هو رأساً لكليهما. لذلك نجد فى (رؤ9: 5) أن السمائيين صاروا يسبحون على الخلاص الذى تم للأرضيين، هم صاروا يتكلمون بالنيابة عنا، ويفرحون لنا، فلقد صرنا واحدا. وهذه الوحدة تمت الإشارة لها رمزياً فى حادثتين. الأولى إلتقى فيها المسيح بسفينتين، وكان صيد سمك وفير وكان هذا فى بداية خدمة السيد المسيح (لو1: 5ـ10) والثانية كانت فى نهاية أيام المسيح على الأرض بالجسد، وكانت بعد القيامة إذ التقى بسفينة واحدة (يو21: 3 - 11) والسمك رمز للمؤمنين، والسفينة رمز للكنيسة، التى كانت سفينتين قبل عمل السيد المسيح الفدائى، وصارت سفينة واحدة أى كنيسة واحدة بعد أن أتم المسيح عمله "جعل الإثنين واحدا" (أف14: 2).

ونلاحظ أن بولس الرسول يذكر أيضاً فى رسالة كولوسى كلمة السر الذى عرفه، لكنه فى كولوسى يقصد سر المسيح. ففى أفسس يكلمنا بولس عن الكنيسة جسد المسيح أنها عائلة واحدة، بل جسد واحد يجمعها الله من وسط العالم، من كل شعب ولسان وأمة، وسيستمر فى جمعها عبر السنين إلى أن تكمل، وهو يعدها لمصير أبدى مجيد. إذاً وفى أفسس يتكلم عن الكنيسة (أف 5: 22 - 32 + أف 1: 23) وأنها جسد المسيح الواحد. أماّ فى كولوسى فهو يتكلم عن من هو المسيح وأنه رأس هذه الكنيسة، وأنه مصدر كل بركات ونعم هذه الكنيسة، هو بلاهوته وسلطانه كان فيما قبل الخليقة، وهو أزلى، خلق الكل. وبعد فدائه صار مصدراً لكل خيرات الكنيسة إذ هو رأس الكنيسة (هذا هو السر فى كولوسي). وهناك تكامل فى المعنيين (راجع الآيات كو15: 1ـ20 مع أف1: 17 - 23) لترى أزلية المسيح وسلطانه على كل الخليقة. إذاً أفسس تتحدث عن الكنيسة جسد المسيح، وكولوسى تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة.

المسيح رأس الكنيسة

.

تعبير في المسيح = كل المؤمنين الثابتين في المسيح

.

الكنيسة جسد المسيح

.

كل المؤمنين الآن

.

هناك تشابه فى الكلمات والآيات بين رسالتى أفسس وكولوسى. والسبب أن الموضوعين متكاملين (الكنيسة جسد المسيح، والمسيح رأس الكنيسة). لذلك طلب بولس الرسول أن يتبادل شعبا كولوسى وأفسس الرسالتين لقراءتهما. خصوصاً أن تيخيكس كان حاملاً للرسالتين (أف 21: 6 + كو7: 4).

رسالة أفسس كانت مرسلة أصلا إلى أفسس وإلى لاودكية وإلى المدن المحيطة بهما. فهى رسالة دورية مرسلة لكنائس آسيا الصغرى. ولم تكن أفسس أكبر وأشهر كنيسة فى المنطقة، بل كانت لاودكية هى الأشهر مع أن أفسس كانت عاصمة أقليم أومقاطعة آسيا.

ولقد وردت الآية الأولى (أف1: 1) فى أقدم النسخ هكذا:

"بولس، رسول يسوع المسيح بمشيئة الله، إلى القديسين الذين فى... والمؤمنين فى المسيح يسوع" أى وُجِدَ مكان كلمة أفسس فارغاً. وذلك حتى يُكتب اسم المدينة المرسلة إليها فى المكان الفارغ ووُجدت رسائل مكتوب فيها فى المكان الفارغ اسم مدينة أفسس أى إن الرسالة كانت تنسخ ويكتب فى المكان الفارغ اسم المكان المرسلة إليه وما يؤكد صحة هذا الرأى أن الرسالة خلت تمامًا من وجود أى تحيات إلى أشخاص بالذات من الموجودين سواء فى أفسس أو لاودكية. لذلك حين يقول بولس الرسول فى (كو4: 16) "ومتى قُرِئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقُرأ أيضاً فى كنيسة اللاودكين والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضًا" فهو يقصد بالرسالة التي من لاودكية رسالته إلى أفسس (المعروفة بهذا الاسم حالياً). ونلاحظ جغرافياً أن أفسس ولاودكية مدينتان متقاربتان.

الفكر العام فى الرسالة.

الكنيسة جسد المسيح.

1ـ الكنيسة جسد المسيح كما أن الخليقة جسد آدم:

(أف1: 22، 23 + 2: 16 + 4: 12 + 5: 30) العالم كله هو جسد آدم. كلٌ منا عبارة عن جزء من آدم ولأن رأسنا آدم مات فنحن كلنا نموت. وبنفس المنطق فنحن فى المسيح خليقة جديدة (أف2: 10 + 2كو5: 17).

ولأن رأسنا حى، فالكنيسة حية ونحن ننتمى لجسد المسيح الحى بالمعمودية والتى بها نموت ونقوم ثابتين فى المسيح ونكون أعضاء فى جسد المسيح. وكرمز لهذا رأينا نوحاً كرأس لجسد جديد كانت له حياة إذ نجا من الطوفان بالفلك (رمز المعمودية) وصار رأساً جديدة للخليقة.

جسد حي لأن الرأس حي

.

2ـ كل منّا ينتمى لجسد المسيح بالمعمودية: (أف5: 26).

وهذا تنبأ عنه حزقيال (16: 1 - 9) "رأيتك مدوسة بدمك... فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءَكِ ومسحتك بالزيت" (هنا نرى المعمودية وزيت الميرون). وهنا نسمع فى (أف5: 26) "لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء". وبالمعمودية مات الإنسان العتيق ووُلد الإنسان الجديد، ومع إحتكاكنا بالعالم نُحيى الإنسان العتيق إذ نعود نمارس الخطية، لذلك كان هناك سر التوبة وهو الموت عن الخطية. وهنا نسمع "أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد... وتلبسوا الإنسان الجديد" (أف4: 22 - 24) فنظل ثابتين فى جسد المسيح إن عشنا حياة التوبة. وطبعاً يضاف لهذا التناول من جسد الرب ودمه لنثبت فيه.

3ـ الكنيسة عروس المسيح: (أف5: 23 –32).

أحبها وأسلم ذاته لأجلها لكى يقدسها وكما خرجت حواء من جنب آدم إذ وقع عليه نعاس، خرجت الكنيسة من جنب المسيح المطعون (دم للتقديس – وماء للمعمودية خرجا منه) إذ مات على الصليب. لذلك قيل هنا إن الكنيسة أعضاء جسمه من لحمه وعظامه (أف5: 30) كما قيل عن حواء. ولذلك نجد الرسول هنا يعقد مقارنة بين المسيح وكنيسته والرجل وزوجته.

4ـ تعبير "فى المسيح" + "كلنا أعضاء جسد المسيح": (أف1: 1، 3 + 4: 11).

ورد تعبير "فى المسيح" فى هذه الرسالة أكثر من 20 مرة. وهو تعبير خاص ببولس الرسول يشير لإتحادنا بالمسيح وثباتنا فيه (وهذا يتم بالمعمودية ثم بحياة التوبة والتناول). وكل منا حينما يثبت فى المسيح يصير عضواً فى جسد المسيح "لأننا أعضاء جسمه" (أف30: 5). وأعضاء الجسم لكل منها عمل يختلف عن الآخر. ولكن الكل يتكامل ليكون الجسم صحيحاً. وهذا ما نراه هنا "أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض..." (أف4: 11) والهدف "تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح" (أف12: 4) فالكل يخدم الكل، ويحدث التكامل.

5ـ لكل عضو عملة ووظيفتة: (أف2: 10 + 4: 11، 16).

والروح القدس هو الذى يوزع الأدوار ويعطى المواهب (1كو11: 12). وهو الذى يعمل فى الأسرار. وهدف الأسرار هو تكوين جسد المسيح. فبالمعمودية نولد فى الجسد، وبالميرون يحل الروح القدس علينا، وهو الذى يبكتنا ويعلمنا... وفى الإعتراف تمحى خطايانا، وبالتناول نثبت فى الجسد فتكون لنا الحياة. والكهنوت خادم كل الأسرار. وفى سر الزواج تتكون خلية متكاثرة لينمو جسد المسيح عددياً ثم يعطى الروح المواهب لكل عضو فينمو الجسد روحياً. وكل عضو له مواهب تختلف عن الآخر "ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضاً" (1بط4: 10).

6ـ الأعضاء تترابط فى محبة: (أف4: 15، 16).

فالجسد مشبه هنا بأعضاء ترتبط بعضها ببعض بمفاصل (هى المحبة التى يربط بها الروح القدس الأعضاء معاً) ونجد فى تشبيه المفاصل أن كل عضو حر فى حركته، لكنه مرتبط مع باقى الأعضاء بمفاصل. فيصبح جسداً واحداً. وهكذا الكنيسة جسد المسيح.

7ـ الجسد الذى نحصل عليه هو جسد جديد: (أف2: 10 + 2: 14ـ16 + 4: 22–24).

هنا نرى موت الإنسان العتيق، وأننا خُلقنا فى المسيح خلقة جديدة. ولكن لنا حرية الإرادة فى أن نعود للإنسان العتيق أو نحيا بالجديد. فالتوبة قرار حر بأن نموت عن الخطايا التى فى العالم، ونحيا للمسيح.

8 ـ قامة ملء المسيح: (أف4: 13).

هذا التعبير خاص برسالة أفسس التى تُكلمنا عن الكنيسة جسد المسيح. لذلك فهذا التعبير لا يخص الفرد بل هو خاص بالكنيسة جسد المسيح. ونحن المؤمنين نملأ هذا الجسد، فكل عضو منا هو عضو فى هذا الجسد. ولذلك يسمى الكنيسة إنسان كامل أى إنسان واحد، وليس أناس متعددين وكيف يحدث الامتلاء أى كيف تصل الكنيسة إلى قامة ملء المسيح؟

9ـ قامة ملء المسيح تحدث بالنمو: (أف4: 15) "ننمو فى كل شىء".

كل عضو ينمو. كطفل ينمو، نجد أن كل أعضائه تنمو. ولو توقف عضو أو أكثر عن النمو، لما كان هذا الجسد طبيعاً. سيكون عاجزاً. أما لو نما كل عضو بطريقة طبيعية لامتلأ الجسم، وقام بوظيفته. وعمل جسد المسيح على الأرض هو أن يمجد أبانا السماوى (مت5: 16) ويكون هذا بأن نُظهر صورة المسيح للناس.

أمثلة عملية:

  • الكنيسة هى جسد المسيح، يعطيها المسيح مواهب، لكل واحد موهبته أو وزناته، وهى تتكامل ليكون جسد المسيح كاملاً.
  • يشير لهذا ثوب يوسف الملون، ذو الألوان المتعددة، وكما هو معروف فيوسف يشير للمسيح الذى سلمه إخوتة وباعوه ثم ملك عليهم. والآب أعطى الكنيسة عروساً للمسيح كما أعطى يعقوب إبنه ثوباً ملوناً. فالألوان تشير لتعدد المواهب فى الكنيسة.
  • كان قوس قزح متعدد الألوان يشير للكنيسة:
  • كان علامة أن الله يريد الحياة لأولاده.
  • سقوط ضوء الشمس الأبيض (والمسيح شمس البر مل4: 2) على رزاز قطرات الماء الباقية فى الجو من المطر (والمطر يشير للروح القدس) (هو6: 1 - 3 + أش44: 3 - 4 + يو7: 37 - 39). وكما تحلل ذرات المطر الضوء الأبيض لألوان متعددة. هكذا يعطى الروح القدس المؤمنين مواهب متعددة ومختلفة تتكامل معاً، فيظهر المسيح.
  • تجربة علمية: يقسم قرص الى 4 أقسام ويقسم كل قسم إلى 7 أقسام ويلون كل جزء بأحد ألوان الطيف ويكرر هذا مع بقية الثلاثة أجزاء للدائرة، ويدار القرص بسرعة كبيرة جدًا فنجد أن اللون الأبيض هو اللون الذى يظهر. فكأن الألوان حين تتكامل يظهر اللون الأبيض ثانية.

ولو حدث أن كل عضو فى الكنيسة كان نموه الروحى طبيعياً وقام بدوره المكلف به (عمله المخلوق لأجله 10: 2) بحسب مواهبه ووزناته، لظهر المسيح فى هذه الكنيسة، ولتَمَجَّدْ الله. أماّ لو كانت الألوان على القرص غير متطابقة مع ألوان الطيف لظهر لون آخر غير اللون الأبيض عند دوران القرص أى لو لم يقم كل واحد بعمله بأمانة لما ظهر المسيح ولما تمجد الله.

مثال آخر: فى فرقة موسيقية، لو عزف كل عازف بطريقة صحيحة لظهرت قطعة موسيقية رائعة. ولو أخطأ أحد لصدر صوت نشاز من الفرقة.

مثال آخر: نحن نرى رائحة المسيح الزكية (2كو2: 15) فلو كان كل منا ثابتاً فى المسيح ويحيا فى قداسة، لإنتشرت رائحة المسيح الزكية فى كل مكان.

إذاً قامة ملء المسيح هى أن يقوم كل عضو بدوره، يثبت فى المسيح، يقوم بعمله الذى يمجد به الله حسب مواهبه، وينمو نمواً طبيعياً. هنا تفوح رائحة المسيح الزكية من هذا المكان، هنا يسمع الناس صوت المسيح، هنا يرى الناس المسيح، هنا نرى قامة ملء المسيح. جسد المسيح أى كنيسته إمتلأ بأعضاء نامية قادرة أن تظهر جسد المسيح فى شكله الحقيقى الذى يريده الله... والنتيجة مجد إسم الله.

10ـ الكنيسة سماوية.

رأس الكنيسة فى السماء (20: 1) وأبونا سماوى ونحن مسكن لله (22: 2). بل وأن الكنيسة تحيا فى السماويات (2: 6) فما يحدث للرأس يحدث للجسد. لكن ما نأخذه الآن هو عربون (14: 1). وحروب الشيطان ضد الكنيسة هى لأجل أن يبعدها عن هذه السماويات (12: 6) لكن الله أعطانا أسلحة نحارب بها إبليس ونطرده عنا 10: 6 - 18. لذلك تحيا الكنيسة فرحة مسبحة على ما نالته (1: 6، 12، 14).

11ـ المسيح صار رأساً للسمائيين والأرضيين: (أف10: 1 + 14: 2).

المسيح يجمع من هو ثابت فيه من الملائكة والبشر، ويجعل الكل جسده (فهناك ملائكة سقطوا وهؤلاء صاروا شياطين، وهناك بشر رفضوا المسيح). وبجسده هذا (أي البشر الذين قبلوه) سيقدم الخضوع للآب عن حب للآب. علامة حب هؤلاء (جسد المسيح) سيكون خضوعهم والمسيح رأس لهم (1كو28: 15) وعلامة حب الآب لهم أنه سيفيض من خيره عليهم. ويكون المسيح نور هذا الجسد، لذلك لا يحتاجون لشمس تنير لهم (رؤ22: 5) أما من تمرد على الله ورفض المسيح (شياطين أو بشر) فسيكون مصيرهم الظلمة الخارجية أى خارج الجسد حيث لا نور (مت 30: 25) بل سيكون نصيبهم بحيرة متقدة بالنار (رؤ10: 20، 15).

جسد المسيح من السمائيين والأرضيين سيخضعون عن حب، أما المتمردون فسيضعهم الله تحت قدميه (مز 110: 1) سيخضعون قهراً.

12ـ الروح القدس فى الرسالة:

كان تجسد المسيح هو بذرة الكنيسة، هو أخذ جسداً من الإنسان، فكان جسده إنساناً كاملاً ولكن بدون خطية، فهو جسدنا بمعنى أنه إتحد بالإنسان إتحاداً كاملاً، وبهذا الجسد صُلب (1بط2: 24) ومات فأنهى العقوبة التى علينا، وهكذا تصالحنا مع الله وصرنا مقدسين فى المسيح وأبناء الله بجسد المسيح. ثم قام بجسدنا وصعد به للسماويات فالمسيح ليس منفصلاً عن الكنيسة، كل ما عمله كان لحساب الكنيسة، التى صارت جسده وهو رأسها. وكان صعود المسيح للسماء كباكورة لصعود الكنيسة جسده للسماء. ونحن بالمعمودية نموت معه ونقوم معه ونتحد به، ثم بالتناول نتحد بجسده. وما يفصلنا عنه هو الخطية ولكن شكراً لله فهناك سر التوبة والإعتراف والإفخارستيا وبهم نرجع للثبات فيه ولذلك أرسل الله الروح القدس للكنيسة فهو الذى يعمل فى الأسرار ليثبتنا فى جسد المسيح. وإن كان المسيح قد إتحد بنا بجسده، إذاً ففى جسد المسيح، يتلاقى المسيح بالإنسان فى إتحاد، وهذا معنى عمانوئيل "الله معنا" "أنتم فىَّ وأنا فيكم" (يو14: 20 + غل 2: 20) والمسيح يجمع الكنيسة كإنسان واحد له قامة المسيح، بل أن المسيح وحَّد السمائيين مع الأرضيين (أف 1: 10) لذلك نصلى فى القداس الغريغورى "الذى ثبت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) فى البشر". وبهذا نفهم أن القداس توجد فيه صفوف الملائكة مع صفوف البشر، الكل قائمون أمام الله. وبالروح القدس ينكشف لنا هذا السر، بل إنكشف هذا السر للسمائيين أنفسهم (10: 3، 11) والروح القدس هو الذى يعمل على تأسيس هذا الجسد السرى للمسيح أى الكنيسة. ونرى الروح القدس فى الرسالة أنه: -.

  1. هو ختم: (1: 13) سرى غير منظور، والختم يختم به العبيد أو قطيع الماشية علامة التبعية والملكية. ونحن صرنا ملكاً لله ومن قطيعه. والختم لايكرر والروح حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار دون أن يتغير شىء فى مظهرهم الخارجى أمام الناس. لكن الروح له مفاعيل واضحة (يو3: 8).
  2. هو عربون ميراثنا: (1: 14) ما نحصل عليه الآن جزء من كل ما سنحصل عليه فى السماء وكل ما يعطيه الروح القدس لنا الآن من تعزية وفرح... ما هو إلاّ عربون.
  3. لمدح مجده: (1: 12) عمل الروح أن يعطينا أن نشعر بمجد الله وعظمته ومقدار محبته لنا وعمله لنا فنشكره ونسبحه. ومدح مجد الله صفة ملازمة لنوال البنوة والنعمة. لايمكن أن يكون هناك مسيحى قد تذوق عمل الله ولا يمدح مجده وعمله. فإذا كف الإنسان عن التسبيح تنحصر الروح وتكتئب. فلقد صارت هناك شركة بين الروح وبين الله الذى هو مصدرها، فهى خُلقت لتسبح مجده وتحمده (مز3: 22) والخليقة الجديدة تنمو وتزدهر بقدر تسبحتها. وبقدر تسبحتها تقترب لله أكثر وتتقوى وتتجدد.
  4. يعطينا الحكمة والمعرفة: (16: 1 - 18 + 14: 3 - 19).
  5. والروح يعلمنا كل شئ: إذاً يعطينا أن نعرف أسرار عمل المسيح ومحبته لنا. والروح يشرح لنا بعض المعانى الغامضة علينا والتى هى أكبر من قدراتنا الفكرية والعقلية وتحتاج إلى تأييد الروح القدس مثل "كل ملء الله"، "يحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا".
  6. والروح القدس يملأ الكنيسة: بعد قيامة المسيح وصعوده وجلوسه عن يمين الآب، فاض الروح بملئه من المسيح الرأس الممجد فى السماء على الكنيسة التى هى جسده ليصير ملء الله فى الكنيسة التى هى جسد المسيح (23: 1). وهذا شرحه بولس الرسول فى (10: 4 - 16)، أن المسيح نزل للجحيم ثم صعد لكى يملأ كنيسته من الروح القدس ومواهبه فأعطى للبعض أن يكونوا رسلاً والبعض... صارت الكنيسة هى المحل أو الهيكل الذى فيه يسكن الروح القدس إبتداءً من يوم الخمسين وبلا إنقطاع إلى أن يكتمل جسد المسيح بإكتمال عمل الروح القدس فى العالم ليجمع كل شىء فى المسيح ويكمل إعداد العروس لتزف للعريس السماوى يسوع المسيح فى مجيئه الثانى المجيد (رؤ7: 19 + 17: 22).
  7. الروح القدس يحزن: وينطفىء إذا قاومه الإنسان وإختار طريق الخطية والعالم. ويفرح ويملأ الإنسان لو تجاوب مع صوته وقدم توبة وعاش شاكراً مسبحاً (أف30: 4 + 18: 5 - 21 + اتس19: 5).
  8. الروح يجمع أعضاء الجسد فى محبة (أف16: 4): لذلك لا يُعرف المؤمن خارج الكنيسة ومنعزلاً عن إخوته، خارجاً عن الجسد. الإنسان الجديد يُعرف أنه إنسان جديد كعضو فى الكنيسة جسد المسيح، له دوره فى بنيان جسد المسيح. وإلا لماذا أعطاه الله المواهب التى منحها له ليخدم بقية أعضاء الكنيسة (1بط4: 10).
  9. من يمتلىء من الروح القدس سيحقق الهدف المخلوق لأجله (أف10: 2) وينمو نمواً مستمراً، ولو كل عضو إمتلأ ستتحقق قامة ملء المسيح. أماّ من يحزن الروح فهو لن ينمو. بل أن سبب الشقاق والتناحر والأحزاب أن الكل ليس ممتلئاً بعد من الروح القدس، وإلاّ فأين المفاصل أى رباطات المحبة؟
  10. لقد صارت الكنيسة سماء ثانية ففيها يسكن الله (1كو16: 3، 17 + أف19: 2 - 22) والروح القدس هو عنصر البناء السرى. والرَبْطْ الذى يربط ويشد أزر البناء كله. والكنيسة بذلك تصير جسماً (جسداً) روحانياً غير منظور وفيه يسكن الله (1بط3: 2 - 5). وقطعاً فالروح يربط الكنيسة بالمحبة فهو روح المحبة (رو5: 5) والكنيسة هى جسد الرب لا يعيش فيها المؤمن منفصلاً عن المسيح ولا عن إخوته (15: 4، 16). هنا نرى المحبة تجمع أعضاء الجسد.

13 ـ الجسد الجديد: (أف14: 2 - 16 وقارن مع 2كو17: 5).

فأعضاء الكنيسة جسد المسيح قد جازوا الموت والقيامة مع المسيح بالمعمودية وقبلوا الروح القدس. والإنسان الذى قام فى المعمودية هو إنسان جديد وعضو فى جسد المسيح. لذلك تتغذى الكنيسة دائماً على جسد المسيح فتتحد به وهو يدبرها فهو رأسها. يقودها فى بر وقداسة (أف22: 4 - 24). وهذا الإنسان الجديد مخلوق بحسب الله أى على شبه الله. على شكله أو صورته، فى المحبة والقداسة. فالله قدوس والله محبة. ولأن الله قدوس فهو يعطى للإنسان الجديد أن يشتهى السماويات ولا يفرح بالأرضيات ولأنه محبة فهو يعطى للإنسان الجديد أن يحب الله ويحب كل إنسان حتى عدوه. إذاً الكنيسة فى المعمودية تلد بقوة الله إنسانا ًجديداً على صورة الله فى البر وقداسة الحق، إنساناً يكون لابساً المسيح (رو14: 13 + أف24: 4).

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.".

بِمَشِيئَةِ اللهِ: فى رسائل أخرى مثل كورنثوس تعنى أن الله إختاره لكى يكون رسولاً فعليهم طاعته، وفى هذا رد على من يشكك فى رسوليته (وهذا كان منتشراً فى كورنثوس). أماّ هنا مع كنيسة مثل أفسس بلا مشاكل ولاهرطقات فهى تحمل معنى التواضع، أى الله أراد أن يعطينى هذا أن أحقق غايته الإلهية فى تكوين كنيسة من اليهود والأمم، أنا غير المستحق. وقارن مع (أف8: 3 + 1كو9: 15).

إِلَى الْقِدِّيسِينَ: أى الذين أُفرزوا وصاروا مقدسين فى نظر الناس لأنهم خاصين بالله. وبولس يطلق لقب قديسين على كل من تعمدوا وحل عليهم الروح القدس. وهى صفة فيها إمتياز ومسئولية. والقديسين ينظرون للمسيح القدوس الجالس عن يمين الآب، وهم يطلبون السماويات حيث المسيح جالس، محتقرين الأرضيات، وكلما كرس الإنسان نفسه للسمائيات تزداد درجة قداسته (كو3: 1 – 5). وهو يدعو الأمم بهذه الصفة فقد صار الكل قديسين بالمعمودية والميرون، التى بهما نالوا إمكانيات الحياة المقدسة. وتعنى قديسين أنه صار عليهم ختم ملكية الله آية13. هم صاروا ملكاً لله.

الْمُؤْمِنِينَ: ما يميز شعب أفسس شدة إيمانهم (15: 1).

فِي الْمَسِيحِ: أى ثابتين فى المسيح ثبات الغصن فى الكرمة، متحدين به، يستمدون منه حياتهم ويعيشون به وثباتهم هذا بدأ فى المعمودية ويستمر بحياة التوبة والتناول.

العدد 2

آية (2): -

"2نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

الرسول يساوى ويوحد بين الآب والإبن، فمنهما يصدر النعمة والسلام. والنعمة هى كل ما يعمله الروح القدس فينا. والسلام هو الحالة الروحية الناجمة عن ذلك.

العدد 3

آية (3): -

"3مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ.".

مُبَارَكٌ: تعنى الشكر لله وأنه مستحق أن نمجده ونعظمه. وهذه الكلمة فى العهد الجديد صارت مخصصة لله لتمجيده فقط، ولايوصف بها إنسان. بكل الحب يبارك بولس الآب على عطاياه ومقاصده التى كانت منذ الأزل، ويصلى شاكراً الله فهو أبو ربنا يسوع المسيح، وكأنه يشكر الآب على محبته، إذ أرسل لنا إبنه، وأرسل لنا الروح القدس (البركات الروحية مصدرها الروح القدس). وقوله مبارك الله تعنى مديحه كإله البركات ومعطيها. الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ: كلمة بركة هى كلمة عبرية تعنى أن نتكلم حسنا عن أحد. وحينما نبارك نحن الله فهذا يعنى أن نسبحه فلا نملك غير هذا لنقدمه لله. وحين يباركنا الله فهو يعطينا من خيراته المادية والروحية. فمنه وحده البركة وإليه تعود بالمدح والشكر. فبولس يباركه أى يمجده لأنه أعطانا كل بركة. والإنسان يتبارك حينما يعطى البركة لله، كما عاد الأبرص الذى شفاه المسيح بالشكر، فنال ما هو أعظم من شفاء الجسد ألا وهو الخلاص، وهذا ما حرم منه باقى العشرة. ونحن حين نبارك الله لا نزيده بل نعترف بما هو له. وقوله بِكُلِّ بَرَكَةٍ: أى لا توجد بركات قد حجزها الله عنا، ما نعرفه وما لانعرفه. بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ: أى منسكبة من الروح القدس، وهذا سبب غنى المسيحية. ونحن ننال عطايا الآب خلال إتحادنا بالإبن وذلك بفعل الروح القدس. ونحن ننال بفيض ماهو للإبن عندما نثبت فيه أى فى المسيح، والروح القدس هو الذى يثبتنا فى المسيح. فالآب يريد أن يعطينا بركات، والإبن نثبت فيه فنصير أبناءً. والروح يثبتنا فى المسيح. والروح القدس الذى ينسكب فينا يملأنا بركات روحية. والروح القدس هو أكبر عطية سماوية إنسكبت علينا من السموات، وهو يعطينا معونة لتكون سيرتنا سماوية. ولأننا نشتهى وننتظر البركات السماوية نصلى "كما فى السماء كذلك على الأرض". وقوله بركة روحية فهذا تمييز عن البركات المادية التى كانت لإسرائيل القديم فى العهد القديم والتى إنحصرت فى بركات الأرض وميراث الأرض "تأكلون خير الأرض" (إش19: 1) + "أرض تفيض لبناً وعسلاً" (خر8: 3). لكن هذه البركات والأفراح المادية تنتهى بنهاية المؤثر الخارجى، أو بالموت. أما البركة الروحية فهى فى جعل حياتنا مقدسة ومملوءة سلاماً وفرحا ًومحبة وتعزية، ننتظر تحقيق وعوده المقدسة، إن مجده عتيد أن يستعلن فينا، أنه لى وأنا له. هذه الأفراح الروحية لاتنتهى بالموت ولا بالمؤثرات الخارجية فمنبعها هو الروح القدس الساكن فينا. وليس معنى أن الله يعطى خيرات روحية أنه يحرمنا من البركات المادية، فالله مصدر لكليهما (الروحية والمادية).

فِي السَّمَاوِيَّاتِ: ما أخذناه نحن فى المسيح كان عطايا سماوية، نأخذ العربون الآن، والباقى فى السماوات ولكن هذا لمن غلب وكانت له حياة سماوية على الأرض (فى20: 3).

فِي الْمَسِيحِ: كل بركة نأخذها هى ليست خارجاً عن المسيح، لايمكن تذوق هذه البركات خارجاً عن المسيح. والله لايشمخ عليه (غل7: 6). فلا يمكن أن نأخذ هذه البركات ونحن فى طريق الخطية، فهذا يفصلنا عن المسيح، وتضيع منا البركات المادية والروحية. وفى هذه الآية الرسول يبارك الآب والإبن والروح القدس.

العدد 4

آية (4): -

"4كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ.

كَمَا: الله باركنا وهذا نراه فيما يأتى أنه، اخْتَارَنَا فِيهِ: الله رتب فى تدبيره الأزلى أن ترتبط البشرية بابنه الذى سيتجسد فى وقت معين محدد، يحمل جسدها وتثبت فيه، تموت معه، وتقوم معه، وترتفع معه للسماويات وتبقى فى خلود لإتحادها بالإبن (وهذا طبعاً لمن يختار المسيح ويؤمن به ويستمر ثابتاً فيه بحياة التوبة).

اخْتَارَنَا: نحن الذين آمنا. وقوله إختارنا إشارة لأنه لا فضل لنا، وليس لفضل فينا (1كو27: 1ـ29). وقطعاً فالله إختار من بسابق علمه عرف أنه سيقبل الإيمان بالمسيح ولن يكون من خاصة العالم (رو29: 8) فالله يختار أزلياً من يعلم بسابق علمه بتجاوبه معه. الإنسان كلاعب ألقيت له كرة فهو له الحق أن يمسكها أو يتركها، ولكن يجب أن ترمى إليه الكرة أولاً، فيد الله تقدم لنا الإيمان بالمسيح، ونحن أحرار فى أن نمسك به أو نرفضه. اخْتَارَنَا فِيهِ: على أساس الإيمان بالمسيح. قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ: إذاً فالله لم يغير قصده حينما أخطأ الإنسان، بل كان كل شىء مُعد حتى قبل خلق الإنسان. فالله قبل أن يخلق الإنسان صمم له حياته الأبدية عن طريق الفداء.

لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ: قديسين هى صفة إيجابية، وبلا لوم هى صفة سلبية وهكذا كانت صفات الذبائح التى تقدم، فيلزم أن تكون بلا عيب، وهكذا يجب أن نقدم أنفسنا ذبائح حية بلا خطية فيقدسنا المسيح، ونحمل سماته فى القداسة ويكمل ضعفاتنا فنظهر أمام الله بلا عيب وبلا لوم. لكن الله لا يقدس من لا يريد أن يتقدس، لكن من يقدم نفسه ذبيحة حية يتحد بالمسيح الذبيح المصلوب فيحمل سماته ويسير فى طريقه.

بِلاَ لَوْمٍ: كيف والمسيح وحده هو الذى بلا لوم أى بلا خطية، أجاب المسيح "اثبتوا فىَّ وأنا فيكم" وهذا بالإيمان والمعمودية وأن نجاهد فى حياتنا أن نظل ثابتين فى المسيح، بأن لا نخطىء، وإذا أخطأنا نقدم توبة سريعة. ومن هو ثابت فى المسيح، الله لا يراه فى خطاياه، بل يرى المسيح الذى هو ثابت فيه، والذى هو وحده بلا لوم.

قُدَّامَهُ: فالله يفرح بأولاده وهم بلا عيب قدامه، بل هو الذى صالحنا لنفسه كالعريس الذى يفرح بعروسه المزينة، والكنيسة زينتها هى قداستها.

فِي الْمَحَبَّةِ: لا يمكن قبول التقديس إلاّ على أساس المحبة، المحبة هى علامة إلتصاقنا به واتحادنا معه وتشبهنا به، الله محبة ولا يمكن أن نثبت فى المسيح إلا بالمحبة، فالمحبة طبيعته ولا يمكن أن تتحد المحبة بالكراهية (راجع تفسير يو15: 9). فلذلك يجب أن نحب الله والإخوة (أف17: 3، 18). والمحبة هى أولاً محبة الله لنا ثم محبتنا له، لأنه أحبنا أولاً. محبة الله لنا ظهرت فى صليبه ومحبتنا له تظهر فى طاعة الوصية. الله لن يرانا قديسين وبلا لوم إلا لو كنا ثابتين فى المسيح أى إذا رأى فينا محبة، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا. أما الإنسان الخالى من المحبة فهو غير ممتلىء من الروح، فلا يكون ثابتاً فى المسيح وبالتالى لا يمكن أن يكون بلا لوم. (فأول ثمار الروح المحبة، وحيث لا محبة لا إمتلاء من الروح. وإذا لم يكن إمتلاء من الروح فلا ثبات فى المسيح، فالروح هو الذى يثبتنا فيه).

العدد 5

آية (5): -

"5إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ.".

هنا نفهم أن الله إختارنا وقدسنا لنستعيد بنوتنا له التى فقدها آدم بخطيته ونحن نحصل على البنوة بالمعمودية التى فيها:

  1. موت مع المسيح فتغفر خطايانا.
  2. قيامة مع المسيح متحدين معه، فنصير أبناء لأنه هو الابن.

فَعَيَّنَنَا: عَيَّنَ من علم بسابق علمه أنه سيتجاوب معه، وهذا تم أزلياً حتى قبل خلقة آدم وسقوطه. ففكرة الفداء فكرة أزلية فى تدبير الله (رو29: 8).

حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ: المسرة هنا راجعة لله الذى يُسَّرْ بعودتنا له كأبناء، وهى أيضاً عائدة علينا، فنحن نفرح بعودتنا للأحضان الإلهية كأبناء. عموماً كل مشيئات الله فيها مسرة له ولأولاده، فهو لا يشاء سوى ما فيه الخير (رو28: 8). والله يفرح بأولاده (أش18: 65، 19).

العدد 6

آية (6): -

"6لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ.".

لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ: عمل الفداء ظهر فيه نعمة الله وعظمة قوته التى بها إنتشلنا من ظلام اليأس. وأمام عمل الله ماذا يقدم الإنسان لله إلا الشكر والتسبيح. ولاحظ أن الله لا يحتاج لتمجيدنا وتسبيحنا له، بل حينما نمجد نزداد تقوى وتنفتح أعيننا على ما عمله الله لنا، والمجد الذى أعده لنا كأبناء. حينما نكتشف محبة الله وفرحته برجوعنا له كأبناء، ألا نعلن فرحتنا بهذا الإله المحب. ولكن لن يستطيع أحد أن يسبحَّ ما لم تنفتح عيناه على محبة الله (استنارة) وهذه الاستنارة تأتى بالروح القدس بعد المعمودية. وما يغلقها هو الخطية، فالمستعبد للخطية لا يمكنه أن يسبح "على أنهار بابل (فى العبودية).. سألنا الذين سبونا أقوال التسبيح.. كيف نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة.. هناك فى أرض العبودية علقوا قيثاراتهم (كفوا عن التسبيح)" (مز1: 137 - 4) ولا حل سوى التوبة والرجوع من أرض العبودية أى ترك الخطية. ونرى من (لو1) أن كل من إمتلأ بالروح يسبح، إذاً علامة الإمتلاء بالروح هى التسبيح. ومن يريد أن يمتلئ بالروح فليسبح (أف5: 18 – 21). ونأتى للنقطة الثالثة بعد المعمودية والتوبة ألاّ وهى التغصب على التسبيح وهذا ما نسميه جهاد. وأمام الجهاد تنسكب النعمة فأتلذذ بالتسبيح. وكلما زاد تمجيدنا وتسبيحنا لله كلما عرفنا مجد الله ومجد نعمته أكثر فأكثر، إذ ستنفتح أعيننا أكثر وأكثر، كلما سبحنا إمتلأنا من الروح القدس، وكلما إمتلأنا تنفتح أعيننا ونعرف الله أكثر فيزداد تسبيحنا إذ نعرف عظمته ومجده وهكذا... إن تمجيد الله وتسبيحه هو أمر حتمى على المؤمن حتى يفرح بالله. بل إن نعمة الله صارت هدفاً للمديح والتسبيح والتمجيد من السمائيين، فالسمائيون أيضاً يسبحون الله على عظيم عمله مع الإنسان (رؤ8: 5 - 14).

الَّتِي أَنْعَمَ: غفران الخطايا والتبنى والمصالحة وميراث ملكوت الله.

فِي الْمَحْبُوبِ: ويسميه الرسول فى (كو13: 1) "ابن محبته".

الله طبيعته المحبة = الله محبة فهو يشع محبة ويفيض محبة. وهذه المحبة تنسكب من الآب فى الابن المحبوب بالروح القدس = روح المحبة. فالمحبة بين الآب والابن هى طبيعة الله. وهى تعبير عن الإتحاد. والابن المحبوب قال عنه الآب "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت" (مت17: 3 + 5: 17).

الآب

ولما تجسد الابن دخل المؤمنون (البشر).

فى مجال محبة الآب بالبنوة التى.

حصلوا عليها فى المعمودية، فصرنا فيه.

محبوبين من الله الآب.

(اتس4: 1 + 2تس13: 2). فمحبة.

الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس.

(رو5: 5) وقول الكتاب عن الابن.

المحبوب فيه إثبات للثالوث. فالآب (الأقنوم الأول) يُحِّب الإبن (الأقنوم الثانى). وهذه المحبة تنبع من الآب وتنسكب فى الإبن بالروح القدس (الأقنوم الثالث). الثلاثة أقانيم هم إله واحد، ولكننا نرى هنا تمايز بينهم.

العدد 7

آية (7): -

"7الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ.".

هذه امتداد للآية السابقة والمسيح افتدانا من غضب الله وعقابه (رو18: 1). وكلمة فدية تعنى يحرر مقابل فدية، أى ثمن يُدفع لتحرير مخطوف. غِنَى نِعْمَتِهِ: الله قادر أن يدفع الثمن بحسب غناه، والثمن الذى دُفع ليس مالاً، بل بحسب غناه. فى محبته دفع الثمن دم المسيح. ولذلك يسمى الفادى. وبهذا ألغى الموت الروحى كنتيجة للخطية وعتقنا من عبودية الخطية وأعطانا حياة، بل من غنى نعمته أعطانا مجداً فى السماء، وأجساداً ممجدة على شكل جسد مجده (في3: 21).

العدد 8

آية (8): -

"8الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ.".

الَّتِي أَجْزَلَهَا: أى عطاء مجانى بفيض. والله أعطى هذا العطاء بكل حكمة وفطنة، الحِكْمَةٍ: حكمة الله فى تخطيطه ليعطينا المجد. الفِطْنَةٍ: هي كيف نفذ الله خطته. الفطنة هي الأعمال التى تُعمل. والله يعطينا أيضاً حكمة وفطنة. حكمة بها ندرك النعمة التى أعطاها لنا، فبدون هذه الحكمة لظلت النعمة التى أخذناها مستورة عنا. وبالحكمة ندرك حكمة الله أى دقة مقاصده ونفرز الحق بسهولة، والفطنة هى الوعى المتفتح لإدراك ما يريده الله منا، وكيف نتصرف فى ضوء ما فهمناه. الحكمة خاصة لإدراك المبادىء، والفطنة لإدراك الأعمال، وبها ندرك ما هى الأعمال المطلوب أن نعملها حتى لا نخسر ما أعده الله لنا. ويقول سفر الأمثال "إن الفطنة هى بنت الحكمة". ومعنى الآية أن الله أفاض علينا من نعمته (آية7) ومعها كل حكمة (آية8) لنفهم ما أخذناه.

من له حكمة يدرك أسرار محبة الله للبشر، ومن له فطنة يفهم أنه بعد كل هذا الحب كيف يحرمنا الله من أى شئ، وبالتالى لن نتصادم مع الله على أى شئ خسرناه فى هذا العالم، وهذا ما عبَّر عنه بولس الرسول فى (رو8: 32).

العدد 9

آية (9): -

"9إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ.".

إِذْ عَرَّفَنَا: إذ أعطانا الحكمة والفطنة بهما نعرف مقاصد الله، وما يجب أن نفعله، ونفهم أعمال الله من ناحيتنا. فالله يرفع أبناءه للسماويات ويهبهم سر معرفته كهبة إلهية وكإعلان سماوى. يعلن ذاته للنفس البشرية فتتعرف على أسراره ومدى حبته للبشر.

سِرِّ مَشِيئَتِهِ: الفداء كان أمراً مخفياً منذ الأزل وصار مستعلناً على الصليب.

العدد 10

آية (10): -

"10لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ.".

لِتَدْبِير: الله يدبر أمور العالم وأمور كنيسته كما يرتب إنسان أمور بيته. وبالنسبة للكنيسة فالله يستخدم أناساً يختارهم لترتيبها (1بط10: 4) + (تى5: 1 - 7).

مِلْءِ الأَزْمِنَةِ: تعنى أن الأحداث نضجت والظروف صارت مستعدة والعالم مستعداً ليأتى المسيح وينفذ خطته. وحينما يأتى الوقت المحدد من الله والمسمى هنا ملء الأزمنة، يبلغ عمل الله كماله على مستوى الفعل المنظور وتتضح خطة الله أمامنا. وكانت خطة الله الخاصة بنهاية الأزمنة، وهدف الله النهائى أن يجمع كل شىء ما فى السماء وما على الأرض تحت رأس واحد هو المسيح = فِي ذَاكَ: أى فى المسيح وقارن مع (كو19: 1، 20). فنرى أن المسيح سوف يجمع كل أجزاء الخليقة فى وحدة، بعدما خلفته الخطية من انقسام وشقاق وتفتت، وسيصنع صلحاً بعد أن أثمرت الخطية عداوة. بل سيصنع صلحاً ووحدة بين السمائيين والأرضيين. وسيعيد الصلح بين الله والإنسان حينما تكون الخليقة بنفس فكر الله، وذلك سيكون عن طريق الوحدة بين المسيح والإنسان (1كو28: 15). المسيح سيجمع البشر الذين قبلوه وثبتوا فيه والملائكة القديسين ويكون رأسا لكليهما.

العدد 11

آية (11): -

"11الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ.".

أَيْضًا: هى إضافة للآية10 أى نلنا بالإضافة لما قلناه نصيباً سمائياً. نَصِيبًا: اليهود أخذوا أرض الميعاد أيام يشوع بالقرعة، لكن كان عليهم أن يحاربوا ويجاهدوا ليحصلوا عليها. والله بفداء المسيح أعطانا نصيباً سمائياً لكن علينا أن نجاهد لنحصل عليه. الَّذِي فِيهِ: أى فى المسيح وهى عائدة على "في ذاك" آية 10.

نِلْنَا: وفى آية 12 يقول "نحن الذين" ويقصد بهذا الذين سبقوا وكان الرب نصيبا لهم وهم كانوا نصيباً للرب وبولس كان واحداً من اليهود (تث20: 4) وعاد بولس فى آية 13 ليقول "الذى فيه أيضاً أنتم" فالمسيح أتى ليجمع الكل معاً يهوداً وأمم وملائكة.

حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ: حسب خطة الله الأزلية سبق الله واختار اليهود أولاً ليكونوا خاصته، ثم أتى ليجمع الكل معا. وقصد الله أن يعيد الكل للبنوة والمجد.

مُعَيَّنِينَ سَابِقًا: سبق الله وعيَّن الشعب اليهودى كشعب خاص له. ولكن اتضح بعد المسيح أن قصد الله هو أن يجمع الكل.

رَأْيِ مَشِيئَتِهِ: الرأى هو ما ينشأ عن المداولة مع النفس والتصميم عن طريقة تنفيذ المشيئة. فمشيئة الله أن يجمع الكل فى المسيح. وكان الرأى أن يكون ذلك بالفداء. هنا نلمح تصميم الله رأياً ومشيئة بصورة مطلقة. ونلاحظ أن الأنبياء سبق وتنبأوا فى العهد القديم عن فداء المسيح، مما يثبت أزلية خطة الله.

العدد 12

آية (12): -

"12لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ.".

معنى آية 11، 12 أن الله اختار اليهود = نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ، لينطلقوا بالاعتراف والشكر والتسسبيح لمجد الله = لمدح مجده، وليكونوا نوراً للعالم، فيمجد الله بقية الأمم الوثنية لأنه هكذا بارك الله شعبه، ليُعرف الله فى العالم كله. والله خلق العالم لمجد إسمه (إش43: 7) = أى ليُظهر مجده فيهم أى محبته وعطاءه وخيراته، وينعكس مجد الله عليهم، ويرى العالم مجد الله فيهم فيعرف العالم الله ويؤمنوا به ويمجدوه.

العدد 13

آية (13): -

"13الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ.".

أَنْتُمْ: هنا يستعرض الرسول عمل الله مع الأمم بعد أن أعلن عن عمل الله مع اليهود. والرسول فى الرسالة لأفسس يستعرض عمل الله مع الأمم على 3 مراحل يبدأ كل منها بقوله "أنتم" (13: 1 + 1: 2 + 11: 2).

الَّذِي فِيهِ: فى المسيح صار نصيب الأمم مثل نصيب اليهود الذين سبقوهم.

إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ: فالختم هو حلول الروح القدس، فالختم هو علامة يضعها صاحب القطيع على قطيعه لإثبات ملكيته، أو يضعها السيد على عبده لإثبات ملكيته للعبد. فهو إعطاء المالك بَصْمَتَهُ. وكان الوثنيون يَسِمُون أنفسهم بعلامة فى جسدهم تحمل إسم الإله الذى ينتمون إليه. وكان الختان هو ختم العهد القديم، علامة أن المختون صار من شعب الله. هذا الختم غير منظور للبشر الآن، لكنه منظور لله وللملائكة والسمائيين. والروح القدس يحل على المُعمَّد فى سر الميرون فيصير من شعب الله. ويسمى موعد الآب (أع2: 33، 38، 39). فالمسيح وعد به وأسماه هكذا (لو49: 24). "ها أنا ارسل إليكم موعد أبى" فالله وعد به فى العهد القديم بواسطة أنبيائه (يؤ2: 28، 29) + (إش1: 44 - 4). بل إن السيد المسيح قال "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو7: 16). فلماذا هو موعد الآب، ولماذا خير لنا أن ينطلق المسيح ليرسله؟

  1. الروح يعمل فى الأسرار التى تُكَوِّن جسد المسيح. فهو يلدنا فى المعمودية وهو يثبتنا فى المسيح الإبن (2كو1: 21، 22). وهو يشهد لأرواحنا أننا أبناء الله (رو16: 8). فالمسيح بصعوده تمجدت الطبيعة البشرية فى شخص المسيح وصار ممكناً أن يُرسل لنا الروح القدس.
  2. لو بقى المسيح بالجسد بحسب ما رآه تلاميذه، لعرفناه جسدياً ولم نعرفه كإله ولتعثرنا فيه. (كما حدث مع مريم المجدلية). ولو كان بصورة مجده لهلكنا. أما الروح القدس الآن فهو يعرفنا بالمسيح وبإمكانياتة كإله ويعطينا رؤية حقيقية للمسيح (يو14: 16).
  3. هو يبكت على خطية.. ويعطى المعونة (يو8: 16 + رو26: 8).
  4. هو يعيد تشكيل صورتنا لنكون على شكل المسيح (غل19: 4) ويجدد خليقتنا (تى3: 5) فنكون خليقة جديدة (2كو17: 5). وهذه الخليقة بها نخلص (غل15: 6).
  5. الروح القدس مشبّه بالماء، ونحن من تراب الأرض، فيعطينا أن يكون لنا ثمار (غل22: 5، 23). وهو الذى يعطى المواهب (1كو12 + أف11: 4) وبدون الروح القدس نصبح أرضاً بور لا نصلح لشىء، بلا ثمار ولا مواهب.
  6. هو يعلمنا ويذكِّرنا بكل كلام السيد المسيح، وهو المعزى فى ضيقاتنا.
  7. يربط الكنيسة فى محبة، ويكون كل عضو فيها، عضو حى.

إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ: التى كرزت بها أنا بولس لكم فى أفسس وآمنتم بها.

إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ: بشارة الرسول هى إنجيل فهى بشارة مفرحة بالخلاص.

العدد 14

آية (14): -

"14الَّذِي هُوَ عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ.".

هذه الآية تجمع اليهود والأمم، عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا: العربون هو إعطاء جزء من الكل. فبالروح القدس نلنا بعض الخيرات الأبدية. ولكن فى الحياة الأبدية سننال المجد السماوى. الله يعطينا الروح القدس يعزينا ويطمئننا ويفرحنا ويذيقنا مسبقاً نصيبنا المعد لنا فوق، ويعرفنا بنوع الحياة التى دعينا إليها، لذلك ما نحصل عليه هنا هو عَيِّنَةSAMPLE من الذى سنحصل عليه فوق. فما يعطيه لنا الآن الروح القدس.. فرح / سلام / محبة / تعزية / سلطان على الخطية / بنوة / تذوق للمجد.. بل الإمتلاء من الروح القدس... كل هذا ما هو إلا عينة. أما فى السماء فسنحصل على الكل لذلك يقول الكتاب "لأن الخروف... يقتادهم إلى ينابيع ماء حية..." (رؤ17: 7). وهذا هو الملء الكامل من الروح لذلك فمن يتذوق الآن أفراح السماء فمن المؤكد أن يحصل على الكل فى السماء ومن هو محروم من أفراح السماء هنا لإنشغاله بالأرضيات سيُحرم من الكل فوق أيضاً. فلنجاهد لنتذوق السمائيات هنا ونحن على الأرض. ولكن حتى فى السماء سنمتلىء يوماً عن يوم. شبَّه أحدهم العربون بأنه خاتم الخُطبة كتأكيد للعروس على الزواج. إعطاء الروح القدس وعطايا الروح القدس الآن هى عربون الميراث الأبدى. وأسماه الرسول باكورة الروح (رو8: 23، 24). ومن له الباكورة يشتهى السماويات، ومن هو كالعذراى الجاهلات أفرغ آنيته من الروح القدس فهو يتشبث بالأرضيات ويفزع من ذكر الإنتقال.

لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى: من ضمن ما أخذناه هنا كعينة أو كعربون، التبنى. فالفداء لم يكتمل لنا كل بركاته (المسيح قام بالعمل كاملاً، أى عمله الفدائى، ولكن بالنسبة لنا فنحن لم نحصل بعد على كل بركات الفداء بالكامل)، فالبنوة الآن غير كاملة، أما الفداء الكامل فهو حين نلبس الجسد المُمجد الذى به لا نخطئ، فأبناء الله الكاملين لا يستطيعوا أن يخطئوا (1يو9: 3). نحن الآن صار لنا سلطان على الخطية (رو14: 6). لكننا بسبب ضعف الجسد مازلنا نخطئ. وحين نحصل على الجسد الذى لا يخطئ فى السماء سنكون أبناء الله بالكامل. وقوله هنا لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى: عبَّر عنه سابقاً بقوله التبنى فداء الأجساد (رو23: 8)، أي تتميم بركات الفداء بالكامل للإنسان. فالْمُقْتَنَى: هو الإنسان الذي اشتراه الله بدمه. وبركات الفداء تكتمل بتحرير الإنسان من الموت والفساد وحصوله على الجسد المُمجد. والروح القدس الذي فينا يُعِدَّنا للتغيير الأخير الذي فيه فداء أجسادنا. وهذا الفداء الأخير سيؤدي لمدح مجد الله؛ لِمَدْحِ مَجْدِهِ: إذ يسبح المفديون بكل قلوبهم وألسنتهم ويمدحون مجده العظيم على غنى نعمته الفائق الذي أعطاها لنا في المسيح، أى الله أعطى لنا نعمته فى المسيح.

الأعداد 15-16

الآيات (15 - 16): -

"15لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، 16لاَ أَزَالُ شَاكِرًا لأَجْلِكُمْ، ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي.".

كانت عطاياهم لفقراء الكنيسة كبيرة وفى حب. وإقتران المحبة بالإيمان هذا علامة على أن إيمانهم إيمان حى. فالمحبة أولاً ثم العطايا. والرسول يشكر الله على أن فيهم هذا الحب. ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي: هذه هى الكنيسة التى فيها كل واحد مشغول بالآخر، وهذا ما يفرح قلب الله، لأن المحبة تشبه محبة الله الذى كان فى مجده مشغولاً بخلاص الإنسان الذى يموت ويهلك. فالله يحب الكل وعلينا أن نتشبه بالله ونصلى لأجل الكل. بل أن بولس يطلب الصلاة لأجل الملوك وبينهم نيرون مضهد المسيحية (1تى2: 2).

الأعداد 17-18

الآيات (17 - 18): -

"17كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، 18مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ.".

صلاة يطلب فيها الرسول المعرفة والاستعلان لأهل أفسس لإدراك دقائق أسرار الفداء الذى تم، وهذه لا ندركها بعقولنا فقط. إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: المسيح بسبب تجسده دخل البشرية كمخلوق، فالله هو إلهه بسبب وضع الجسد. ولهذا قال المسيح "أبى وأبيكم إلهى وإلهكم" (يو17: 20). وقوله هنا "إلهكم" يفرحنا، فبعد أن كنا مطرودين بسبب الخطية صار لنا بالفداء قبولاً عند الله وعدنا للحظيرة الإلهية. حقاً الله هو إله كل الخليقة، ولكن قوله "إلهكم" تشير هنا لرضا الله علينا بعد الفداء. ولكن لماذا يستخدم بولس الرسول هذا التعبير هنا أى "إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ"؟ لاحظ أنه يطلب لهم أن الله يعطيهم روح الحكمة أى يطلب لهم حلول الروح القدس أو الإمتلاء منه أو عمله فيهم بقوة. والروح القدس ما كان سينسكب على البشر لولا تجسد المسيح، وانسكابه على جسده أولاً وصار الروح القدس ينسكب علينا بشروط:

  1. أن لا نقاومه ونسمع له.
  2. أن نهتم بهذا ونطلب لأجله بلجاجة.

أَبُو الْمَجْدِ: هذه مثل رب المجد (1كو8: 2) وإله المجد (أع2: 7) وتعنى إله كل مجد وأصل كل مجد. والمجد هو النور والبهاء الإلهى بل هو الله نفسه أصل كل مجد.

رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ: عمل الله يقصر دونه أعظم العقول ويحار أمامه الفهم، لذلك نحتاج أن نطلب من الله ليعطينا فهماً حين نطلب، فأمور الله لا يعرفها إلا روح الله (1كو9: 2 - 11). والله روح ولا يُعرف إلاّ بالروح. والله وهبنا روحه القدوس.

رُوحَ الْحِكْمَةِ: حينما يعمل الروح فى الفكر يعطيه انفتاحاً وفهماً. وحينما يعمل فى الروح الإنسانية يعطيها إتضاعا وتسامى عن الأرضيات وإدراك السماويات والإشتياق إليها، وحينما يعمل فى القلب يعطيه حباً لله وللجميع فالقلب مركز المشاعر، وحينما يعمل فى الجسد يعطيه طهارة وعفة. والمقصود هنا أنه حين يعمل فى الفكر والعقل الإنسانى يعطيه فهماً للأمور الإلهية وفهماً لمشيئة الله وخطط الله. بالإجمال فالروح القدس يعطى للإنسان أن يكون كخليقة جديدة ويعطيه سلوكاً بالقداسة. وراجع الآيات (3: 3 - 11) فما قاله الرسول فيها ناشىء من روح الحكمة الذى أعطاه له الله. ولذلك نصلى حتى يكون لنا مثلما كان له. ولكن مهما عرفنا الآن فنحن نعرف قليلاً جداً (1كو12: 13) ومعرفة الله تزيد النعمة والسلام، (2بط2: 1) بل المعرفة هى الحياة الأبدية (يو3: 17). وحينما يعمل روح الحكمة فيهم "تُسْتَنِيرَ عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ" = أى تكون لهم فى وعيهم القدرة على النظر إلى الأمور التى يستعلنها الروح، فالروح يعلن حقائق جديدة أو تطبيقات تناسب حياتنا للآيات التى نسمعها = الإِعْلاَنِ. ونحن بعيوننا الجسدية نرى الأرضيات الملموسة، ولا نرى الأمور الروحية. ولكن هناك عيون داخلية نرى بها أمور الله غير المستعلنة مثل الخلاص وأموره، نرى الله بالإيمان ونتمسك به. ولقد أرسل البابا أثناسيوس للقديس ديديموس الضرير مدير الإكليركية رسالة قال له فيها "طوباك يا ديديموس فلقد فقدت عينان ترى بهما التراب ولكن لك عينان ترى بهما الله".

مُسْتَنِيرَةً: لا رؤية بلا نور، وكل ما يخص الله فهو فى النور فالله نور. وبنور الله ندرك الحقائق الإلهية. والعين المستنيرة قد أنارها الله، وذلك لمن يحفظ وصاياه، ويحب الله ويحب قريبه أى يسلك فى النور. والمعمودية تُسمى سر الاستنارة (عب4: 6) إذ خلالها تنفتح بصيرتنا الداخلية بنور الروح القدس. وخلال إيماننا العامل بالمحبة وجهادنا بنعمتة الغنية المجانية تتجدد أذهاننا يوماً فيوم لندخل لأعماق جديدة.

لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ: لنعلم حين يفتح الروح أعين قلوبنا الهدف من دعوتنا. ويعلن لنا الرجاء الذى نتطلع إليه وننتظره، أن نكون مع المسيح فى مجده عند مجيئه. وعمل الروح القدس أن يجعل هذا الرجاء حياً وليس مجرد معلومات نعرفها بالعقل دون أن تكون حقيقية فى قلوبنا. غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ: سبق فى آية 14 أن كلمنا عن ميراثنا، فكل القديسين سيشتركون فى غنى مجد المسيح وميراثه ويكون مصيرنا مرتبط بالمسيح أبدياً. ولكن هنا نسمع أننا سنصير ميراثه، فالقديسين هم ميراث المسيح (1مل51: 8، 53) + (مز70: 78، 71) + (أش25: 19) + (يؤ2: 3) فإن كان شعب إسرائيل قيل عنهم ميراث الله، فكم وكم قديسى العهد الجديد. وما جعل لهذا الميراث غنى وقيمة هو المسيح الذى فينا. وقيل هذا عن الأمم أنهم ميراث الرب (مز8: 2). وكوننا ميراث المسيح فهذا يوضح أن لنا قيمة عظيمة عنده. فالناس يتصارعون على الميراث إن كان ثميناً، والمسيح تجسد ومات وصارع الشيطان على الصليب ليأخذنا منه، ونصير ميراثه، وكونه يصارع لأجلنا إذن نحن نستحق فى نظره هذا، ونحن لنا قيمة عظيمة عنده. بل هو مازال يصارع ليأخذ ما يستطيع أن يأخذه من يد إبليس، لذلك قيل عنه "خرج غالباً ولكى يغلب" (رؤ2: 6). وكوننا غالبين عنده ولنا هذه القيمة أن نكون ميراثه، فهذا ما يفرحنا حقيقة.

الأعداد 19-20

الآيات (19 - 20): -

"19 وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ 20الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.".

عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ: بعد أن تكلم عن رجاء الدعوة قد يقول أحد.. وهل يمكن أن تحدث لى هذه المعجزة؟ ‍‍‍‍‍ ويؤكد بولس الرسول أن الله قدير وأن قدرته غير المحدودة هى متجهة إلينا نحن المؤمنين لتعمل لأجلنا وتعمل فينا عمله القوى القدير الذى بدأ بالصليب ويكمله فينا لأجل خلاصنا، فالمسيح ما كان محتاجاً أصلاً أن يتجسد ويموت ويقوم، إنما كل ما عمله كان لأجلنا. وما مقياس قدرة الله الفائقة من نحونا؟ الإجابة: على حسب عمل شدة قوته التى عملها فى إقامة المسيح بمجد عظيم. فقوته الجبارة هذه التى أقامت المسيح ستعمل فينا. وبنفس القدرة يقيمنا:

أولاً: من موت الخطية. ثانيا: من الأموات.

وبنفس القدرة سيصعدنا للسماوات. ولأن نفس القوة التى أقامت المسيح ستقيمنا استخدم نفس الألفاظ عن المسيح وعنا:

إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ (20: 1).

وأقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح يسوع (6: 2).

ونلاحظ هنا أن بولس يستخدم أوصافاً عديدة وقوية ليعبِّر بها عن إمكانيات الله التى يستخدمها وإستخدمها لأجل خلاصنا. استخدمها مع المسيح لكى يقيمه وسيجعل نفس هذه القوة تعمل لحساب الإنسان فيحيا إلى الأبد بعد أن يقوم من الأموات. عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ.. عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ.

عَنْ يَمِينِهِ: المعنى أن إنسانية المسيح تمجدت بمجد اللاهوت الفائق الوصف. واليمين فى المفهوم اليهودى يعنى القوة والمجد... وراجع شكل المسيح فى (رؤ10: 1 - 20).

العدد 21

آية (21): -

"21فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا.".

المسيح فوق كل رتب الملائكة التى نعرفها الآن والتى سنعرفها فى السماء (فى المستقبل) (فى9: 2 - 11) فهناك مخلوقات سماوية سمعنا عنها وهناك من لم نسمع بها.

العدد 22

آية (22): -

"22 وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ.

يقول الرسول فى (عب8: 2) "على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعاً له"، فهناك من يرفض الله ويتمرد على أحكامه، بل حتى نحن شعبه نخالف وصاياه فى بعض الأحيان. وقارن مع (مز5: 8، 6) فالخضوع النهائى سيكون فى اليوم الأخير (1كو24: 15 - 28) + (عب8: 2). راجع نقطة رقم (11) في المقدمة. وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ = فالمسيح هو رأس الجسد أى الكنيسة، هو رأس كل شئ، كل خليقة سماوية أو أرضية، فهو خالق الكل، به كان كل شئ (يو3: 1 + كو16: 1، 17). المسيح بموته وقيامته وبالمعمودية ولدنا ثانية ولادة جديدة فنشأت خليقة جديدة هى الكنيسة التى هى جسده، وبهذا صار المسيح رأس الخليقة الجديدة ومحتفظاً بسيادتة كرأس لكل خليقة أخرى، فهو قد خلق الكل، ما فى السماء وما على الأرض وهو كرأس لهذا الجسد (من السمائيين والكنيسة) سيقدم الخضوع للآب (1كو24: 15 - 28). هناك من سيخضع عن حب إذ اكتشف محبته، وهناك من سيخضع بالقهر وهؤلاء هم إبليس ومن تمرد معه من البشر.

العدد 23

آية (23): -

"23الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.".

"للكنيسة.". التى هى جسده ملء الذى يملأ الكل فى الكل: وبالإنجليزية Which is His body, the fullness of Him Who fills all In all فالكنيسة هى ملؤه، أى أن جسد المسيح يكتمل بالكنيسة، وبكل ما فى السموات وما فى الأرض (10: 1). فهو الرأس والكنيسة الجسد، ولا يوجد جسد بدون رأس ولا رأس بدون جسد. إذاً الكنيسة = جَسَدُهُ: هى مرتبطة بالمسيح رباطاً ذاتياً كيانياً حياً أبدياً. الكنيسة هى جسد المسيح، وهى ملء المسيح من ناحية ناسوته، المسيح يظهر فى كنيسته أو أن الكنيسة لو قامت بدورها بأمانة تُظهِر المسيح. فكأن الكنيسة يكمل بها عمل المسيح، أو كأن عمل المسيح الكامل يتحقق بواسطة الكنيسة. وكما يكمل الرأس بالجسد أو كما يكمل الجسد بالرأس، أو كما يحدث التكامل بين الرأس والجسد معاً، هكذا أيضاً الأمر بالنسبة للمسيح والكنيسة. والمسيح هو الرأس الذى يدبر والكنيسة هى الأعضاء التى تعمل، لذلك أعطى المسيح للكنيسة الروح القدس الذى يعطيها:

  1. أن تترابط بمحبة وفى وحدة كجسد واحد (16: 4).
  2. المواهب التى تحتاجها لبنيانها (رو5: 12، 6 + أف 11: 4).
  3. القوة لكى تؤدى عملها (16: 4 + رو 26: 8).

فالكنيسة هى المجال لإتمام عمل المسيح (أف11، 10: 4). ولأن الكنيسة جسد المسيح قال المسيح لشاول حينما إضطهد الكنيسة "لماذا تضطهدنى" (أع4: 9) وراجع أيضاً (مت30: 25ـ40).

الله خلق الإنسان وفاض عليه من بركاته فى جنة عدْنْ علامة على محبته، وكانت إرادة الله أن يعلن الإنسان عن محبته له بالطاعة. ولكن الإنسان بحريته تمرد وقام الأخ على أخيه وقتله. وإنفصل الإنسان عن الله فمات، بل إنقسم الإنسان على نفسه فضاعت الوحدة. وكان عمل المسيح أن يجمع فى جسده كل الكنيسة فى وحدة، وبهذه الكنيسة الواحدة يقدم الخضوع للآب. وتكون الكنيسة فى الأبدية فى أورشليم السمائية فى الصورة التى أرادها الله، كنيسة واحدة خاضعة لله فى محبة لله، والمسيح نور هذه الكنيسة فى أورشليم السمائية (1كو15: 28 + رؤ22: 5). وحتى يكمل هذا التدبير أعطى المسيح حياته للكنيسة فهى كنيسة حية، وزودها بالمواهب حتى تُكْمِل العمل الذى بدأه، هو الرأس والكنيسة جسده، هو يملأ الكل.

كل ملء اللاهوت

يحل في المسيح

جسد المسيح

الإنسان

المحدود

الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ:

المسيح يحل فيه كل ملء اللاهوت.

جسدياً (كو9: 2) أى فى جسده. ونظراً.

لإتحاد المؤمنين به جسدياً.

(فالمؤمن المعمَّد، والذى حَلَّ عليه الروح.

القدس فى سر الميرون والذى يتناول من جسد المسيح ودمه صار متحداً بجسد المسيح وثابتاً فيه).

صار المسيح الذى حلَّ فيه كل الملء (كو19: 1)، صار مصدراً لكل البركات والقوة والنعم والمجد والمواهب والسلطان الذى فى الكنيسة.

فكل نعمة آخذها، هى نتيجة إتحادى بالمسيح، لذلك يقول المسيح "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" فنحن إن لم نكن ثابتين فيه سنخسر كل هذه البركات. والمواهب الروحية التى يعطيها المسيح للكنيسة الآن هى لبنيان الكنيسة (جسده) وتدبيرها. والكنيسة وقد امتلأت به صارت تملأ الكل به وذلك من خلال الأسرار التى أعطى المسيح للكنيسة سلطاناً عليها (يو16، 14: 1). والمسيح صعد إلى السموات حقاً، ولكن الكنيسة هى جسده، وهو بقى على الأرض فى أشخاص المؤمنين أى جسده، ولأن جسد المسيح متحد بلاهوته فنحن حينما نشترك فى جسد المسيح فى الإفخارستيا فإننا نأخذ حياة الله بالجسد (يو57: 6). وإذ نتحد بهذا الجسد ونصبح أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30: 5) نحيا بالمسيح فينا (غل20: 2). فالمسيح هو مصدر حياتى وقوة حياتى، ولأنه هو القدوس فهو يقدس الفكر والمشاعر وينير الذهن ويملأ الحياة بحضوره المحيى فتكون الحياة سماوية حقاً.

والمسيح هو يملأ الكنيسة قوة ومواهب ونعمة. وبهذا تصبح شريكة لسيدها حتى تستطيع أن تتمم عمله المبارك فى هذا العالم. النعم والمواهب الإلهية الكائنة فى المسيح تصبح منتقلة للكنيسة حيث يكون ملء المسيح متصلاً ومتحولاً إليها حتى يقال عنها إنها ملؤه. والكنيسة تجاهد لهذا الوضع الأمثل، وهذا هو النمو الكامل حين تبلغ القامة الكاملة لملء المسيح، ليس على المستوى الفردى وإنما كجسد متحد معاً، على أساس تقبل كل مؤمن من المواهب والنعم التى تُكَمِّلَهُ هو فى ذاته، وتؤهله للتكامل مع الآخرين لبلوغ الكل المتحد لبناء الجسد ليبلغ إلى قامة ملء المسيح، أى تصير الكنيسة هى التعبير الكامل للمسيح (أف12، 10: 4). وكما ملأ المسيح بلاهوته جسده، الذى أخذه من العذراء هكذا وهو الكل يملأ كل فرد فى كنيسته، وكما إتحد بجسده هكذا يتحد بكنيسته ويملأها ملئاً كلياً، ولكنها لا تحده. يملأها بمواهبه التى لا تُحد، ويملأها بروحه الذى لا يُحد، ويملأها بوجوده الذى لا يُحد. وهكذا كما تمتلىء حجرة من نور الشمس، فالحجرة ستمتلئ ولكن الحجرة لا تُحِّد الشمس. وتصور الكنيسة عبارة عن منزل به ملايين الحجرات (المؤمنين)، والشمس تملأ هذه الحجرات بنورها وحرارتها، ولكن هذه الحجرات لا تحد الشمس. الإبن "مملوء نعمة وحقاً ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا" (يو14: 1 - 16) فالكنيسة تمتلىء نعمة حقاً.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير الرسالة إلى أفسس - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى أفسس الأصحاح 1
تفاسير الرسالة إلى أفسس الأصحاح 1