الأَصْحَاحُ الثَّانِى عَشَرَ – إنجيل متى – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل متى – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأَصْحَاحُ الثَّانِى عَشَرَ

تنقية القلب تصنع الرحمة وتهزم الشياطين.

(1) قطف السنابل يوم السبت (ع 1 - 8):

1 - فى ذلك الوقت، ذهب يسوع فى السبت بين الزروع، فجاع تلاميذه، وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون. 2 - فالفرّيسيّون، لما نظـروا، قالوا له: "هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله فى السبت." 3 - فقال لهم: "أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه. 4 - كيف دخل بيت الله، وأكل خبز التقدمة، الذى لم يحل أكله له ولا للذين معه، بل للكهنة فقط؟ 5 - أَوَْ ما قرأتم فى التوراة أن الكهنـة، فى السبت، فى الهيكل، يدنسـون السبت وهم أبريـاء؟ 6 - ولكن أقول لكم، إن ههنا أعظـم مـن الهيكل. 7 - فلـو علمتم ما هـو، إنى أريـد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء. 8 - فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضا.".

الأعداد 1-2

ع1 - 2:

"السبت": يـوم الرب عند اليهود، حيث أمـر الله بتخصيصه للعبادة، ولكن شيوخ اليهـود منعـوا فيه حتى الأعمال الضرورية. ومجد يوم الأحد فاق مجد يوم السبت، لأن فيه قام رب المجد، فيعتبر يوم الرب فى العهد الجديد.

"بين الزروع": أراد المسيح أن ينفرد بتلاميذه، فذهب بهم إلى الحقول.

"يقطفون سنابل": كان مسموحا للجائعـين أن يقطفـوا بعض السنابل ويفركونها بأيديهم، ويأكلونها لسد جوعهم. ويُفهَم من هذا فقر التلاميذ وحاجتهم للقوت الضرورى، إذ لم يكن عندهم طعام.

"ما لا يحل فعله": حرموا بعض الأعمال فى السبت، ومنها قطف السنابل. وهذا لم تنص عليه الشريعة، ولكنه من التفسيرات الزائدة الخاطئة التى أضافوها، وهى تتعارض مع احتياجات الإنسان الضرورية.

كان المسيح يمشى مع تلاميذه يوم السبت بين الزروع، مواصلا تعليمهم. وبعد فترة جاعوا، فقطفوا بعض السنابل ليأكلوا، وقد كان هذا مسموحا به فى الشريعة ولا يعتبر سرقة (تث 23: 25). ولكن الفرّيسيّين اعتبروه عملية حصاد للقمح، والعمل ممنوع فى يوم السبت، لذا اعترضوا على المسيح، لأنه لم يمنع تلاميذه من ذلك.

إن كان العمل ممنوعا يوم السبت ليتفرغوا لعبادة الله، لكن الأعمال الضرورية مثل الأكل لا تُمنَع، فكان هذا اتهاما باطلا من الفرّيسيّين، إذ اعتبروا سد التلاميذ لجوعهم هو عملية حصاد للقمح، وهذا يُظهر سوء نيتهم، وضيق تفسيرهم لمفهوم الراحة يوم السبت.

الأعداد 3-4

ع3 - 4:

"بيت الله": خيمة الاجتماع.

"خبز التقدمة": 12 رغيفا كانت توضع على مائدة فى القُدْسِ على اليمين، ولا يدخل القدس إلا الكهنة، فكان يأكله الكهنة فقط، رمزا للنعمة الخاصة بسر الكهنوت فى العهد الجديد.

ذكر المسيح للتلاميـذ ما فعلـه داود يـوم السبت، حين جاع هو والذين معه، إذ دخلوا وأكلوا من خبز التقدمة، الذى لا يحـل أكله إلا للكهنة، ولكن للضـرورة، وحتى لا يخوروا من الجوع، أكلوا منه.

وداود الملك مكرّم جدا، ومرجع لليهود ليتعلموا منه، فيظهر هنا فهم داود لروح الوصية، وليس حرفيتها، فهو لم يقصد كسر الوصية، ولكن الأمر يحتاج إلى فهم روح الوصية، أى المرونة فى التنفيذ.

هذا هو البرهان الأول على عدم خطأ التلاميذ فى قطف السنابل يوم السبت.

العدد 5

ع5:

"التوراة": أسفار موسى الخمسة، والمقصود سفر العدد بالتحديد، حيث يذكر تقديم الذبائح يوم السبت.

"يدنسون السبت": أى يكسرون الراحة المفروضة فى هذا اليوم.

"وهم أبرياء": لأنهم يطيعون الناموس بتقديم الخدمات المطلوبة فى الشريعة.

أعـطى المسـيح برهانا ثانيا، وهو الأعمـال التى يقـوم بها الكهنة يوم السبت فى الهيكل، فهم لا يقصدون كسر السبت، بل هى أعمال الخدمة المتصلة بعبادة الله، أى تقديم الذبائح.

فالمقصود الامتناع عن الأعمال العادية، والمكاسب المادية، والتفرغ للعمل الروحى، والاكتفاء فقط باحتياجات الإنسان الضرورية.

العدد 6

ع6:

إن كان الانشغال بالهيكل يبيح أى عمل أو خدمة يحتاجها، فأمامنا المسيح، رب الهيكل، الذى هو أعظم منه، بل إن الهيكل اليهودى يرمز إليه، فهو الذى سيقدم نفسه ذبيحة على مذبح الصليب. ولذا، أكل التلاميذ بعض السـنابل ليسـدوا جوعهم، ويظلوا منشغلين بسماع تعاليمه وخدمته، وهذا أسمى غرض.

العدد 7

ع7:

"الأبرياء": التلاميذ الفقراء المحتاجين لسد جوعهم، فهم أبرياء من أى خطأ.

أظهـر المسـيح كلمـات الله فى هوشـع النبى (6: 6)، أنـه يريـد رحمـة لا ذبيحة، أى أن المقصود أن عمل الرحمة أهم من الالتزام الحرفى بالذبيحة، مع خلو القلب من المحبة، واتهام الآخرين وإدانتهم.

فكيف لم يشعروا بجوع التلاميذ، واحتياجهم الضرورى أن يأكلوا؟! إنها قسوة قلب من الفرّيسيّين، وهكذا ظهر بر التلاميذ وشر الفرّيسيّين.

العدد 8

ع8:

"رب السبت": أى واضـع قانون السبت، والذى له وحده أن يسمح بما يرى، ويضيف ما يلزم الاهتمام به، فأضاف تقديس يوم الأحد، وصار هو يوم الرب بقيامته فيه.

يؤكد المسيح أنه واضع الشريعة، التى منها تقديس يوم السبت، فهو بالطبع لا يريد كسر الوصية، ولكن ينبغى فهم روحها وتطبيقها تطبيقا حسنا. وهذا برهان ثالث للدفاع عن التلاميذ فى قطفهم السنابل، إذ أن معهم رب السبت القادر أن يسمح بما يراه.

لا تحـكم حسـب الظاهـر وتدين الآخرين، بل التمس العذر لهم، وكن رحيما بالخطاة كما يتراءف الله عليك ويرحمك.

(2) إبراء ذى اليد اليابسة (ع 9 - 13):

9 - ثم انصرف من هناك وجاء إلى مجمعهم. 10 - وإذا إنسان يده يابسة، فسألوه قائلين: "هل يحل الإبراء فى السبوت؟" لكى يشتكوا عليه. 11 - فقال لهم: "أى إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا فى السبت فى حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟ 12 - فالإنسان، كم هو أفضل من الخروف؟ إذًا، يحل فعل الخير فى السبوت." 13 - ثم قال للإنسان: "مد يدك." فمدها، فعادت صحيحة كالأخرى.

الأعداد 9-10

ع9 - 10:

"يشتكوا عليه": يقدموا شكوى فى مجالسهم المحلية، أنه مخالف.

بعد أن اجتاز فى الحقول، ذهب إلى أحد مجامع اليهود كعادته ليعلّم هناك، وكان جميع المرضى يتبعونه ليشفيهم؛ وقد أتى رجل يده مشلولة، يتمنى أن يشفيه المسيح.

لاحظ الفرّيسيّون أن الرجل سيطلب من المسيح الشفاء، فبادروا بسؤاله، ليس عن استفهام، بل بخبث: هل يحل الإبراء يوم السبت؟ معتبرين أن الشفاء هو أحد الأعمال العالمية، فهو عمل طبيب يعالج المرضى، وليس معجزة ورحمة يقدمها المسيح للمحتاجين؛ وهذا يُظهر سوء نيتهم وتفسيرهم الخاطئ.

الأعداد 11-13

ع11 - 13:

أجاب المسيح على سؤالهم بسؤال آخر، وهو: إن كان لأحد خروف وسقط فى حفرة يوم السبت، ألا يسرع لإنقاذه ويخرجه من الحفرة حتى لا يموت؟ فهذا عمل غير مسموح به، ولكن يُستثنَى كعمل رحمة لإنقاذ الخروف، فكم بالأحرى يكون الإنسان المريض أهم من الخروف؟ وبالتالى، يحل الإبراء كعمل رحمة فى يوم السبت. ثم أمر المسيح، بسلطانه الإلهى، ذا اليد اليابسة أن يمدها، فأطاع الأخير بإيمان، فشُفِيَتْ فى الحال.

ويلاحظ أن المسيح أمر فقط ولم يلمسه، والرجل مد يده، ومد اليد غير ممنوع فى السبت. فهكذا أبرأه، ولم يخالف حتى تعاليمهم الضيقة الخاظئة، فلم يجدوا أية علة عليه.

كم هى عظيمة طاعة هذا المريض، فرغم أن يده مشلولة، آمن بكلام المسيح، وإذ حاول أن يمدها تحركت معه، فَشُفِىَ فى الحال.

ليتك تطيع وصايا الله مهما بدت صعبة، وتقبل تعاليم الكنيسة وإرشادات أب اعترافك، واثقا من قوة الله المسانِدة لك، فلا تجد مستحيلا أمامك، لأن الشيطان يوهمك بضعفك وعجزك عن التخلّص من الخطية واكتساب الفضائل، فلا تصدقه، وتأكد أن الطاعة تخرجك من سلطانه وتهبك كل البركات.

(3) وداعة المسيح (ع 14 - 21):

14 - فلما خرج الفرّيسيّون، تشاوروا عليه لكى يهلكوه. 15 - فعلم يسوع، وانصرف من هناك، وتبعته جموع كثيرة، فشفاهم جميعا. 16 - وأوصاهم أن لا يظهروه. 17 - لكى يتم ما قيل بإشعياء النبى القائل: 18 - هوذا فتاى الذى اخترته، حبيبى الذى سُرَّتْ به نفسى، أضع روحى عليه فيخبر الأمم بالحق. 19 - لا يخاصم، ولا يصيح، ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته. 20 - قصبة مرضوضة لا يَقْصِفْ، وفتيلة مُدخّنة لا يطفئ، حتى يُخرج الحق إلى النُّصرة. 21 - وعلى اسمه يكون رجاء الأمم. ".

الأعداد 14-16

ع14 - 16:

"لكى يهلكوه": هذه أول محاولة لقتله.

"جموع كثيرة": من اليهود والأمم، كما يظهر فى (ع21).

إذ ظهر شر الفرّيسيّين أمام بر المسيح ورحمته لتلاميذه وللمرضى، اغتاظوا جدا وحاولوا قتله، فلم يقاومهم مستخدما قوة لاهوته، بل هرب من وجههم، لانشغاله باستكمال التبشير وشفاء المحتاجين، وحتى يعلمنا عدم مقاومة الشر بالشر، بل الهروب منه، فأوصى الجموع أن يخفوه وسطهم، ليستمر فى تعليمه وعمل الخير لكل المحتاجين، ولأنه كان متضعا لا يطلب مجدا أرضيا.

العدد 17

ع17:

أظهر ذلك المسيح بشكل ضعيف، عكس ما توقعه اليهود من المسيا المنتظر أن يكون قويا، يقيم لهم مملكة ويحررهم من سلطان الرومان. وهذا طبعا تفسير خاطئ من اليهود لم يقصده الله، بل المهم أن يحررهم من الخطية، ويملك على قلوبهم، وليس الملك الأرضى الذى يزعمونه, ولذا، أورد القديس متى نبوءة إشعياء عن المسيح (42: 1 - 4) التى تُظهر وداعته، وعدم مقاومته الشر بالشر.

العدد 18

ع18:

"الذى اخترته": المسيح هو وحده المختار من الله والقادر على فداء البشرية، فلا يستطيع ملاك أو إنسان أن يقوم بهذا العمل.

"سُرَّتْ به نفسى": كما أعلن الآب ذلك من السماء عند معموديته فى الأردن، فهو موضوع سرور الآب لآنه يتمم خلاصنا.

"أضع روحى عليه": إعلان أن الروح القدس فى الابن، كما ظهر فى شكل حمامة عند معموديته، ولكنه متحد به منذ الأزل لأنه روحه، فهو إعلان لنا كبشر لنؤمن أنه هو الله.

"الأمم": إثبات واضح أن الخلاص مقدم للعالم كله.

يتحدث الآب عن الابن بأنه يضع روحه عليه، وهو فى نفس الوقت روح الابن الذى هو الروح القدس. وهكذا يعلن الثالوث القدّوس الذى يظهر فى تجسد المسيح المعلن الحق للبشرية بوداعة وحب، إذ يقول: فتاى وحبيبى.

إذا اتحدت بالمسيح وصرت عضوا فى جسده، أى الكنيسة، تكون حبيب الله ويُسَرُّ بك.

العدد 19

ع19:

من صفات المسيح الوديع ألا يقابل شر الناس بشر آخر، فلا يخاصم الأشرار، ولا يغضب بصياح يعثر الآخرين فى الشوارع، لأنه هادئ فى داخله بوداعة حقيقية.

العدد 20

ع20:

تظهر محبة المسيح فى الاهتمام بكل إنسان مهما بدا ضعيفا أو ميئوسا منه، مثل القصبة التى ضُربت وكادت أن تنكسر، أو الفتيلة التى اختفت منها النار ولم يعد إلا دخانا يتصاعد منها.

فهو يسند الإنسان الضعيف جدا حتى يتقوى ويمتلئ به، وينتصر على خطاياه وضعفاته، ويصير له مكان فى السماء.

إنه يسند القصبة ويشعل الفتيلة ويهتم بها، حتى يكمل عمله بإظهار الحق فى كل القلوب، فتنتصر على الخطية وتتحرر منها.

العدد 21

ع21:

بهذا الحب يعطى رجاء للعالم كله. فإن كان اليهود يرفضون الأمم لابتعادهم عن الله، فالمسيح يبشرهم ويطلب خلاصهم مهما كان ضعفهم، حتى يتركوا عبادة الأوثان ويرجعوا إليه.

إنه رجاء عظيم مقدم لك، مهما كانت خطاياك مسيطرة عليك، أو مشاكلك تبدو بلا حل، فالمسيح يحبك، وهو قادر أن يخلّصك من أتعابك. ثق به، وقم ابدأ من جديد معه.

(4) الغلبة على الشيطان (ع 22 - 30):

22 - حينئذ أُحضِر إليه مجنـون أعمى وأخـرس فشفاه، حتى إن الأعمى الأخـرس تكلم وأبصـر. 23 - فبهت كل الجموع وقالوا: "ألعل هذا هو ابن داود؟" 24 - أما الفرّيسيّون، فلما سمعوا قالوا: "هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين." 25 - فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم: "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت. 26 - فإن كان الشيطان يخرج الشيطان، فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته؟ 27 - وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين، فابناؤكم بمن يُخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم. 28 - ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله. 29 - أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوى وينهب أمتعته، إن لم يربط القوى أولا؟ وحينئذ ينهب بيته. 30 - من ليس معى فهو علىّ، ومن لا يجمع معى فهو يفرّق.".

العدد 22

ع22:

دخل الشيطان فى إنسـان، فأفقده عقله وبصره وكلامه. وقدمـوه للمسيح فشـفاه، أى أخرج منه الشيطان، فعاد عاقلا يبصر ويتكلم.

إن الخطية تفقدك تفكيرك السليم، فلا ترى الله ولا تتكلم بوصاياه. فأسرع للتوبة، حتى تستعيد إنسانيتك فى المسيح.

الأعداد 23-24

ع23 - 24:

"بهت": تعجب واندهش جدا.

"ابن داود": كما وعد الله أن يأتى المسيح من نسل داود.

"بعلزبول": (راجع تفسير ص 10: 24 - 25)، واتهام المسيح بعلاقته به نوع من التحقير له، وأن قوته من الشياطين وليست من الله.

لما نظر اليهود قوة المعجزة، قالوا إنه المسيا المنتظر ابن داود. أما الفرّيسيّون، فلأجل كبريائهم ومحبتهم للمراكز العالمية، وجدوا المسيح مزاحما لهم، إذ أصبح قائدا روحيا لليهود، وبهذا يفقدون مكانتهم، فأسرعوا يقاومون المعجزة باتهام المسيح، أنه، باتفاق خاص بينه وبين رئيس الشياطين بعلزبول، قد جعل هذا الشيطان يخرج، ويعود الإنسان صحيحا، أى اتهموا المسيح بالسحر، والتعامل مع الشياطين، ليبعدوا الناس عن تبعيته والانبهار بسلطانه الإلهى.

الأعداد 25-26

ع25 - 26:

"علم يسوع أفكارهم": هذا يُظهر لاهوته وعلمه بالغيب، وما فى داخل الناس دون أن يسمعهم.

قدم المسيح للفرّيسيّين حجة منطقية على بطلان اتهامهم، حتى لا يتشكك اليهود، بل يثبتوا فى إيمانهم به وتبعيته، وهى أن الانقسام إذا حدث فى أية مملكة تخرب، إذ يقاوم كل حزب الآخر. فإذا حدث ذلك فى مملكة الشيطان، فإنه يعنى أن رئيس الشياطين يعتق تابعيه من البشر، وهذا ضد خطته، لأنه يريد الإساءة للبشر وإبعادهم عن الله. فلا يمكن أن يعمل الشيطان ضد نفسه، وإلا تخرب مملكته، وهذا غير منطقى. وبالتالى، فإخراج هذا الشيطان هو بقوة الله، وليس باتفاق مع رئيس الشياطين.

العدد 27

ع27:

ثم قدم حجة منطقية ثانية، وهى تلاميذه، أى أبناء الأمة اليهودية الذين أخرجوا الشياطين. والمعروف عند اليهود بساطة التلاميذ، وعدم خبرتهم فى التعامل مع الشياطين والسحر والعرافة. إذن، إخراج التلاميذ للشياطين، يحكم على اتهام الفرّيسيّين أنه باطل، كما أن اليهود لا يعترضون على من منهم يخرج الشياطين، مثل أبناء سَكَاوَا السبعة (أع 19: 14)، وإن كان هذا مجرد ادعاء وليست قدرة حقيقية. فلماذا يعترضون على المسيح ويتهمونه بالسحر، إلا لأنهم يحسدونه، ويحاولون التشكيك فى قدرته الإلهية؟

العدد 28

ع28:

لقد خرج الشيطان بقوة روح الله، وليس بالسحر، وهذا معناه أنه هو المسيا المنتظر.

"قد أقبل عليكم ملكوت الله": أى أتـى المسـيح ليملك عـلى القلـوب، فلماذا تقاومونه بأفكاركم الشريرة؟

العدد 29

ع29:

وقدم المسيح دليلا ثالثا على إخراجه الشيطان بسلطان لاهوته، وهو أنه لا يمكن الاستيلاء على ممتلكات شخص قوى إلا إذا استطعنا أن نقيده أولا. وبالتالى، لا يمكن إخراج شيطان من إنسان، إلا إذا كان لنا سلطان على الشياطين أن نقيدهم، فنأمرهم بالخروج. أى أن المسيح أقوى من الشياطين، وبالتالى يستطيع أن يأمرهم بالخروج من البشر.

العدد 30

ع30:

حيث أن الشيطان ليس صالحا ولا تابعا للمسيح، ولا يجمع البشر للإيمان به، فهذا دليل على أنه عدو للمسيح، يحاول تفريق الناس وإبعادهم عنه، ويدخل فى الناس ليضلهم ويفقدهم عقلهم وبصيرتهم. والمسيح، بسلطان لاهوته، يبعد أعداءه الشياطين عن البشر الضعفاء، فقد أتى ليخلّص البشرية من سلطان إبليس الذى يتحكم فيهم بسبب ضعفهم وخطاياهم. وباتهام الفرّيسيّين له، يحاولون تفريق الناس وإبعادهم عنه، وبهذا يكونوا تابعين للشياطين وأعداء المسيح.

ويقدم بهذا الحجة المنطقية الرابعة على أنه ضد الشياطين وليس معهم، ليوبخ الفرّيسيّين حتى يتوبوا عن عداوتهم له، لأنهم، بشرّهم، يصيرون تابعين للشياطين الذين يحاولون إبعاد البشر عن الله.

افحص كلامك وتصرفاتك: هل لها فائدة فى جذب الآخرين لله، أم تعثرهم وتبعدهم عنه، لتعرف هل أنت تابع للمسيح أم للشيطان؟

(5) الكلام الشرير (ع 31 - 37):

31 - "لذلك أقول لكم، كل خطية وتجديف يغفر للناس، وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. 32 - ومن قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له، لا فى هذا العالم ولا فى الآتى. 33 - اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدا، أو اجعلوا الشجرة رديّة وثمرها رديّا، لأن مِن الثمر تُعرف الشجرة. 34 - يا أولاد الأفاعى، كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار؟ فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم. 35 - الإنسان الصالح، من الكنز الصالح فى القلب يُخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرج الشرور. 36 - ولكن أقول لكم، إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس، سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين. 37 - لأنك بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان.".

الأعداد 31-32

ع31 - 32:

أظهر المسيح خطورة اتهام الفرّيسيّين له، وهو أنه يخرج الشياطين باتفاق مع الشيطان، وليس بالروح القدس.

فإصـرارهم على رفض عمل الروح القدس، وعدم الإيمـان بالمسيح، لن يُغفَر لهم إلى الأبد، أى يأخذهم للعذاب الأبدى. فهو ينبههم للتوبة، وعدم التمادى فى أفكارهم الشريرة.

فمن أخطأ بكلمة على المسيح الابن وتاب، يُغفَر له، أما من يجدف على الروح القدس، ويرفض عمله فى حياته، بالإصرار على عدم التوبة، فمصيره الهلاك الأبدى.

الأعداد 33-35

ع33 - 35:

يوبخ المسيح رياء الفرّيسيّين، الذين يتظاهرون بالتديّن، وقلوبهم ممتلئة شرا وكبرياء، فيقول لهم أن الشجرة الجيدة تعطى ثمرا جيدا، وهكذا الرديّة تعطى ثمرا رديّا، ويطالبهم بالابتعاد عن الرياء، فيوافق كلامهم وأعمالهم مشاعر قلوبهم، وتتنقى أفكارهم، أى يصير الداخل نقيا وكذلك الخارج، وإن كان هناك شر فى القلب، يظهر فى الكلام أو الأعمال، فيساعدهم ذلك على التوبة ورفض الخطية.

فأعمال المسيح المملوءة خيرا ورحمة هى أعمال جيدة تثبت برّه وصلاحه، أما الفرّيسيّون، فكلامهم الشرير عن المسيح وكبريائهم، يثبت أنهم أشرار؛ فثمارهم الرديّة تعلن شر قلوبهم.

ويوبخهم أن رياءهم هذا يشبه الثعابين فى تحايلها ونعومتها الخارجية، ولكنها ممتلئة سما ووحشية وافتراسا للآخرين.

وبهذا يدعوهم لتنقية قلوبهم مما اكتنزوه داخلها من شرور، تظهر فى كلامهم واتهاماتهم.

الأعداد 36-37

ع36 - 37:

"كلمة بطالة": أى غير نافعة، والمقصود هنا بالأكثر، الكلام الشرير الذى نسىء به للآخرين.

يُظهر المسيح خطـورة الكلام الباطـل، أى الشـرير أو غـير النافع، حيث أننا سنحاسَب عليه فى يـوم الدينونة، فـلا نستهين ونتكلم كلاما غـير نافـع أو ضـار لغيرنـا. فكلامنـا الصالح يبررنا فى يوم الدينونة، وعلى العكس، كلامنا الشرير الذى يُظهر أن قلوبنا شريرة، سيؤدى بنا إلى الهلاك.

دقق فى كلامك اليوم: هل هو نافع لك أو للآخرين، أم يضرك أو يضرهم، أو هو بلا فائدة؟ واطلب معونة الله، فيعطيك حكمة بروحه القدّوس.

(6) ضروِرة التوبة (ع 38 - 45):

38 - حينئذ أجـاب قـوم من الكتبـة والفرّيسيّين قائـلين: "يا معلم، نريـد أن نرى منك آية." 39 - فأجـاب وقـال لهم: "جيـل شـرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبى. 40 - لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. 41 - رجال نِينَوَى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا. 42 - ملكة التيمن ستقوم فى الدين مع هذا الجيل وتدينه، لأنها أتت من أقاصى الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهوذا أعظم من سليمان ههنا. 43 - إذا خـرج الروح النجس من الإنسـان، يجتاز فى أماكن ليس فيها ماء، يطلب راحة ولا يجد. 44 - ثم يقول أرجع إلى بيتى الذى خرجت منه، فيأتى ويجده فارغا مكنوسا مزينا. 45 - ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أخر أشر منه، فتدخل وتسكن هناك، فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله؛ هكذا يكون أيضا لهذا الجيل الشرير.".

العدد 38

ع38:

"يا معلم": قالها الكتبة والفرّيسيّون، إما تهكما أو تملقا للمسيح، حتى يعمل لهم معجزة جديدة.

رغم كثرة معجزات المسيح، لكن ما زال الكتبة والفرّيسيّون غير مؤمنين، فطلبوا منه معجزة ليؤمنوا به، وهذا معناه أنهم غارقون فى الشكوك التى تعطل الإيمان.

الأعداد 39-40

ع39 - 40:

"جيل": يقصد الأمة اليهودية التى معظمها بعيد عن الله بشرورهم، رغم مظهرهم أنهم شعبه.

"فاسق": الأمـة اليهوديـة هى عروس الله، وابتعادها عنه هو زنا روحى، فالفسق هو نوع من الزنا.

"ثلاثة أيام": الجزء من اليوم عند اليهود يُحسَب يوما، ففى موت المسيح جزء من يوم الجمعة، والسبت كله، وجزء من يوم الأحد.

"ثلاث ليالى": المقصـود الظلمـة التى حدثـت عنـد موتـه على الصليب وليلة السـبت وليلة الأحد.

"قلب الأرض": قبر المسيح.

وبخ المسيح شرور قلوبهم وتماديهم فى الكبرياء والشكوك، وقال لهم أنهم ليسوا محتاجين أن يروا معجزة جديدة من معجزاته، بل محتاجين للتوبة، مثل معجزة توبة يونان النبى، الذى تاب قى بطن الحوت بعد أن ظل فيه ثلاثة أيام، ومات عن العالم، فرجع إلى الله، وحينئذ لفظه الحوت، وعاد حيا. كما سيموت المسيح عن خطايا العالم كله، ولكن بقوة لاهوته، سيقوم من الأموات. فهم محتاجـون أن يموتـوا عن خطاياهم بالتوبة، ليؤمنـوا به ويقوموا من شرهم، ويبدأوا الحياة الجديدة معه.

العدد 41

ع41:

"نِينَوَى": عاصمة الإمبراطورية الأشورية، وهى مدينة على نهر دجلة بالعراق، قرب مدينة الموصل الحالية، وكانت عظيمة جدا ومحيطها 48 ميلا، وارتفاع أسوارها 28 مترا، وقد خربت فى القرن السادس قبل الميلاد.

عندما نادى يونان بين أهل نِينَوَى بقوة، بعد أن تاب، كان كلامه مؤثرا فيهم فتابوا. والآن، أمام اليهود كلام أقوى من كلام يونان، ومعجزات عظيمة، ولكنهم يرفضون الإيمان. لذلك، فتوبة أهل نِينَوَى ستدين عدم إيمان الرافضين للمسيح فى يوم الدينونة العظيم.

العدد 42

ع42:

"أقاصى الأرض": أى من بعد حوالى 1000 ميل عن أورشليم.

إن كانت ملكة التيمن وسبأ، أى اليمن، قد أتت من مكان بعيد، عندما سمعت عن حكمة سليمان، وآمنت بقوة روح الله فيه، فإيمانها يدين أيضا اليهود الرافضين للمسيح بكلامه وحكمته الكاملة الظاهرة أمامهم.

الأعداد 43-44

ع43 - 44:

"ليس فيها ماء": الشيطان يميل للسكن فى القفار، حيث لا يوجد ماء.

"يطلب راحة": أى يطلب عمل شر، لأن راحته هى فى إبعاد الناس عن الله.

إذ دخل شيطان فى إنسان، وبقوة الله خرج منه، يجول باحثا عن شخص آخر يسكن فيه. وإذ لا يجد له حياة لأجل صلاح الناس، يعود ليرى صديقه القديم الذى سكن فيه مدة، فيجد قلبه فارغا من كل صلاح، مكنوسا من كل بر، بل مهيّأً ومزينا بالشر الذى يعيش فيه. فرغم تخلّصه من الشيطان، لم يتب عن خطاياه، ويحيا مع الله فى الصلاح.

العدد 45

ع45:

عندما يجد هذا الإنسان مهيّأً لسكناه أكثر من ذى قبل، يأخذ معه سبعة أرواح (شياطين) ويسكنون فيه، ليقودوه فى شرور أكثر، فيزداد بؤسه، وتكون نهايته الهلاك.

هكذا أيضا اليهود، أثناء السبى ارتبطوا بعبادة الأوثان، وبعد عودتهم تركوها، ولكنهم لم يرتبطوا بالله قلبيا، وظلت قلوبهم فارغة. وعندما أتى إليهم المسيح وبشّرهم رفضوه، وزادوا على خطاياهم خطايا الرياء والكبرياء، فهم بهذا يهيئون أنفسهم لعمل الشياطين فيهم أكثر من ذى قبل، فيصير هلاكهم أصعب وعذابهم أشد.

عندما يخلّصك الله من خطية، أو يبعد حربها عنك وتستريح قليلا منها، أسرع للارتباط بالكنيسة والأسرار المقدسة، وداوم على الصلاة والقراءة، حتى يمتلئ قلبك بمحبة الله، وتصير محصنا ضد أى حرب جديدة من الشيطان.

(7) أقرباء المسيح (ع 46 - 50):

46 - وفيمـا هـو يكلم الجمـوع، إذا أمه وإخوته قد وقفـوا خارجـا، طالبين أن يكلموه. 47 - فقال له واحـد: "هوذا أمك وإخوتك واقفـون خارجا، طالبين أن يكلموك." 48 - فأجاب، وقال للقائل له: "من هى أمى ومن هم إخوتى؟" 49 - ثم مد يده نحو تلاميذه وقال: "ها أمى وإخوتى. 50 - لأن من يصنع مشيئة أبى الذى فى السماوات، هو أخى وأختى وأمى.".

الأعداد 46-47

ع46 - 47:

فيما كان المسيح يعلم وسط الجموع، جاءت أمه العذراء مريم وأولاد أختها مريم زوجة كِلُوبَا، أى أولاد خالة المسيح.

وفى العرف اليهودى، يُعتبَر أولاد الخالة إخوة. وقد جاءوا يبحثون عنه، ليتمتعوا بالجلوس معه والتحدث إليه. ومن كثرة الزحام حوله، لم يستطيعوا الدخول، فأخبروه أن خارج البيت أمه وإخوته يطلبونه.

العدد 48

ع48:

انتهز المسيح هذه الفرصة ليعلّم الجموع معنى الأمومة والأخوة الروحية، ولم ينكر أهمية الأمومة والأخوة الجسدية، ولكن أراد أن يوجه نظر الجموع إلى معنى جديد، وهو أن يكون للإنسان أمهات وإخوة كثيرون بالروح.

الأعداد 49-50

ع49 - 50:

أظهر المسيح أن الأمومة والأخوة الروحية له، هى فيمن يحفظ وصاياه ويفعل مشيئته؛ والمثال لذلك تلاميذه التابعون له.

فالأمومة تعنى البذل والتضحية، والأخوة تعنى الشركة والترابط. فمن يفعل مشيئة الله، لابد أن يتنازل عن رغباته الشخصية، ويسعى للارتباط بالله وبالعالم كله فى محبته، فتصير له الأمومة والأخوة الروحية لله، ولإخوته فى الكنيسة وكل العالم.

إن تقدير المسيح لك، ودعوته إياك أخا لشرف عظيم، يعطيك دالة فى الصلاة، وثقة فى معونته مهما سقطت فى الخطية، لتتوب وترجع إليه.

ومن ناحية أخرى، تحفظ نفسك طاهرا لأنك أخ للمسيح روحيا، وكذلك تشعر أن كل المؤمنين معك فى الكنيسة إخوة لك، فتحبهم وتكرمهم بكل اهتمام.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

تفاسير إنجيل متى - الأَصْحَاحُ الثَّانِى عَشَرَ
تفاسير إنجيل متى - الأَصْحَاحُ الثَّانِى عَشَرَ