الأصحاح الحادى والثلاثون – سفر إرميا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر إرميا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الحادى والثلاثون

يستمر هذا الإصحاح فى رسالة العزاء لشعب الله المسبى فى بابل أو شعب الله فى كل مكان الذى ينتظر مجىء المسيح ليحرره من عبودية إبليس. ويؤكد هنا للمسبيين أنه فى الوقت المحدد سيعودون هم وأولادهم لأرضهم ويكونون أمة عظيمة سعيدة. وهذا التأكيد موجه للكنيسة التى سيأتى لها المسيح ويكوِّن منها جسداً لهُ فتزدهر وتنمو. فالمسيح فيه وحده تحقيق هذه الوعود بالكامل.

الأعداد 1-9

الأيات (1 - 9): -

"1«فِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَكُونُ إِلهًا لِكُلِّ عَشَائِرِ إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 2هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، الشَّعْبُ الْبَاقِي عَنِ السَّيْفِ، إِسْرَائِيلُ حِينَ سِرْتُ لأُرِيحَهُ». 3تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: « وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ. 4سَأَبْنِيكِ بَعْدُ، فَتُبْنَيْنَ يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. تَتَزَيَّنِينَ بَعْدُ بِدُفُوفِكِ، وَتَخْرُجِينَ فِي رَقْصِ اللاَّعِبِينَ. 5تَغْرِسِينَ بَعْدُ كُرُومًا فِي جِبَالِ السَّامِرَةِ. يَغْرِسُ الْغَارِسُونَ وَيَبْتَكِرُونَ. 6لأَنَّهُ يَكُونُ يَوْمٌ يُنَادِي فِيهِ النَّوَاطِيرُ فِي جِبَالِ أَفْرَايِمَ: قُومُوا فَنَصْعَدَ إِلَى صِهْيَوْنَ، إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا. 7لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: رَنِّمُوا لِيَعْقُوبَ فَرَحًا، وَاهْتِفُوا بِرَأْسِ الشُّعُوبِ. سَمِّعُوا، سَبِّحُوا، وَقُولُوا: خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ. 8هأَنَذَا آتِي بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ. بَيْنَهُمُ الأَعْمَى وَالأَعْرَجُ، الْحُبْلَى وَالْمَاخِضُ مَعًا. جَمْعٌ عَظِيمٌ يَرْجعُ إِلَى هُنَا. 9بِالْبُكَاءِ يَأْتُونَ، وَبِالتَّضَرُّعَاتِ أَقُودُهُمْ. أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيق مُسْتَقِيمَةٍ لاَ يَعْثُرُونَ فِيهَا. لأَنِّي صِرْتُ لإِسْرَائِيلَ أَبًا، وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي.".

فى (1) الله يعد شعبه إسرائيل، المملكة الشمالية والجنوبية معاً وأيضاً إسرائيل الروحى، إسرائيل الله (غلا16: 6) أى الكنيسة، أنه سيدخل معهم فى عهد من جديد بعد أن إنسكب غضبه على الأشرار (24، 23: 30) وبعد رجوع الشعب من بابل إنضم يهوذا مع إسرائيل فعلاً بعد أن عوقبت بابل. وبعد الصليب إجتمع ليس إسرائيل فقط مع يهوذا بل العالم كله. ونلاحظ أن إنضمام يهوذا لإسرائيل يشير لإنضمام العالم كله أى الأمم لليهود بعد المسيح = كل عشائر إسرائيل. وبعد أن كان الأمم مرفوضين يصيروا من شعب الله = وهم يكونوا لى شعبا. فإسرائيل بعد إنقسامها عن يهوذا وإنفصالها لم يعد الله فى وسطها فليس لهم هيكل ولا كهنوت لذلك جعلهم يربعام بن نباط أول ملك لهم بعد الإنفصال يعبدون عجلاً ذهبياً. إذن فهم يشيرون للعالم الوثنى الغارق فى عبادة الأوثان ولكنهم مازالوا شعب الله. وبعد المسيح سيجتمع شمل جسد المسيح ثانية (المسيح جعل الإثنين واحداً (أف14: 2).

وفى (2) سيصنع الله للناجين من بابل كما صنع للناجين من مصر وكما قصد بهم دائماً حين إختارهم كشعب فهو دائماً يفيض عليهم ببركاته. ولذلك يذكرهم بما صنعهُ مع أبائهم فى خروجهم من مصر حين كانوا شعب متبقى من السيف، سيف فرعون، الذى قتل أطفالهم أولاً، وهذا السيف هددهم حتى وصولهم إلى البحر الأحمر وهكذا قصد الشيطان قتل وهلاك كل أولاد آدم، أولاد الله. وكما نجا أبكار الشعب بدم الخروف، خروف الفصح هكذا الكنيسة خلصت بدم المسيح. ثم دخلوا البرية، برية سيناء حيث ظنوا أنهم منسيين مثل حالهم الآن فى بابل، فهم يظنون أن الله قد نسيهم تماماً بينما الله كان يعد لهم راحة فى أرض كنعان. وهكذا فى العهد القديم كان الله يُعِّد الخلاص بالمسيح والآن يُعِّد لنا أمجاد السماء حيث الراحة الأبدية. فهو لم ينسانا. وحين تضيق بنا الأمور يجب أن نثق أن الشمس خلف الغيمة وأن هناك كنعان بعد البرية، وهناك خلاص بعد إنقضاء فترة السبعين سنة ومجىء المسيح لخلاص وتحرير شعبه. وفى (3) تراءى لى الرب من بعيد = يقولها اليهود فى السبى أنهم نظروا خلاص الرب مع أبائهم فى مصر. ولكن كان هذا من بعيد أما الآن فلا نرى خلاصاً، نحن سمعنا عن خلاص الله لأبائنا فى مصر ولكن نحن الآن فى بابل بلا أمل. ويقولها من كان ينتظر مجىء المسيح ولكنه كان يظن أن مجيئه بعيداً، ويقولها كل متضايق... أنا أثق أن الله يمكن أن يعين البشر ولكنه بعيد. ولكن الله يرد.... محبة أبدية أحببتك فأصبر وإنتظر الرب لأنى رَحَمْتُكِ، ورحمتى أبدية لشعبى = أدمت لك الرحمة = ولن أنساكِ أبداً. حتى "إن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساكم" (إش15: 49). فالله يحبنا ويرحمنا، محبة ورحمة أبدية. حتى لو بدا لنا لبعض الوقت أن محبته ورحمته غير ظاهرة. ومن يحبه الرب هذا الحب يدخل معهُ فى عهد ويقربه منهُ ويبنيه (5، 4). ويشبهها هنا بعذراء (التوبة تحول الزانى لبتول) أعاد الله زينتها بعد أن فقدتها وأعاد لها أفراحها ودفوفها. فمن يشعر بمحبة الله هذه يسبحه طول العمر. ولكن من هو فى السبى لا يستطيع أن يسبح. لذلك كان لسان حالهم فى السبى "علقنا قيثاراتنا على الصفصاف (فنحن لا نستطيع أن) نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة" (مز137). وهكذا كل من هو فى سبى الخطية مستعبد من شهواته لا يستطيع أن يسبح بفرح ولكن حينما يحرره الله منها يسبحه. وهكذا سبحت مريم ورقصت حين سبح موسى مع كل الشعب بعد خروجهم من مصر أرض العبودية وهكذا سيسبح السمائيين بعد وصولهم للسماء (رؤ1: 14 - 3). ولاحظ أنه حين نخدم الله ونعيش لهُ تلازمنا أفراحه. وسوف تغرس كروماً (الخراب والحزن تحولا لثمار وأفراح) فى يهوذا والسامرة حيث أصبح هناك سلام بينهما (يهود وأمم)، فالسامرة هنا رمز للأمم الذين كانوا فى عداء مع اليهود. ولكن تلاميذ المسيح الذين خرجوا من اليهود ومن أورشليم ذهبوا وبشروا فى السامرة بعد أن بدأوا بأورشليم فهم غرسوا كروماً أى مؤمنين فى السامرة. يغرس الغارسون ويبتكرون = أى أن الغارسون سيفرحون بالباكورات أى بالمؤمنين الذين سيؤمنون بكرازتهم. وهذا نفس المعنى الذى فى (6) فالنواطير أى حراس الكرم. فهم بشروهم وكرزوا لهم وهم حراس إيمانهم ويدعونهم دائماً إلى الصعود إلى صهيون = إلى الكنيسة كنيسة الرب إلهنا. وهذا عمل خدام المسيح دائماً حراسة شعبه من العدو إبليس وجمع أولاد الله للكنيسة (7)، وحينما يجتمع الشعب فى الكنيسة عليه أن يصلى لله أن يخلص بقية شعبه. بل يخلص الجميع ويدعو غير التائبين للإيمان والتوبة. وفى (8) الله سيجمع الجميع حتى غير الصالح وغير القادر علي المشى = الأعرج ومن هو غير قادر على رؤية الطريق = الأعمى. فمن يقوده الله لن يصبح أعرج ولا أعمى، فالله سيصبح قوته، بل سيجمع أيضاً للكنيسة الحُبلى والماخض معاً = لاحظ أن الأعرج والأعمى والحبلى والماخض كل هؤلاء يبدو أن عودتهم من بابل عبر الطريق الصعب إلى أورشليم، يبدو انها مستحيلة، ولكن "هل يستحيل على الرب شىء" والحُبلى تشير لمن هو مثقل بالخطايا والشهوات (يع15: 1).

فمن يدعونا هو يقوينا ويزيل العقبات من الطريق. بل أن الله سيجمع شتاتهم، فهم كانوا قد تفرقوا فى كل أنحاء الأرض، مما يستدعى التفكير فى صعوبة جمعهم لأورشليم ثانية لكن حتى هذا الله سيدبِّرَه. ويجمعهم والمعنى الروحى فبعد الخطية تشتت الإنسان بعيداً عن الله. وها هو الوعد المعزى أن الله سيجمع الكل من كل مكان. وفى (9) وسط وعود الفرح نسمع أنهم بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم = فنحن كنيسة المسيح علينا أن لا نكف عن البكاء على خطايانا والتضرع إلى الله ليرحمنا ويغفر فنحن مازلنا فى حرب ضد إبليس طالما نحن فى العالم. وبالصلاة والتضرع يشتعل فينا الروح القدس = أسيرهم إلى أنهار ماء. وحين يقودنا الله، يقودنا فى طريق مستقيم فهو الطريق، حتى لا نعثر ولا نضل والسبب أن الله هو أب ونحن أبكاره. وهذا هو نفس سبب خروجهم من مصر، فقد أرسل الله موسى لفرعون قائلا إطلق "إسرائيل إبنى البكر" = أفرايم هو بكرى. ونحن فى المسيح نصير أبكاراً. وهنا وعد آخر بزيادة الكنيسة عددياً، حتى بالرغم من أن الظاهر يبدو قليل. جمع كثير يرجع إلى هنا.

الأعداد 10-17

الأيات (10 - 17): -

"10« اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ أَيُّهَا الأُمَمُ، وَأَخْبِرُوا فِي الْجَزَائِرِ الْبَعِيدَةِ، وَقُولُوا: مُبَدِّدُ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُ وَيَحْرُسُهُ كَرَاعٍ قَطِيعَهُ. 11لأَنَّ الرَّبَّ فَدَى يَعْقُوبَ وَفَكَّهُ مِنْ يَدِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. 12فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ، وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْخَمْرِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى أَبْنَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا، وَلاَ يَعُودُونَ يَذُوبُونَ بَعْدُ. 13حِينَئِذٍ تَفْرَحُ الْعَذْرَاءُ بِالرَّقْصِ، وَالشُّبَّانُ وَالشُّيُوخُ مَعًا. وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ، وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ مِنْ حُزْنِهِمْ. 14 وَأُرْوِي نَفْسَ الْكَهَنَةِ مِنَ الدَّسَمِ، وَيَشْبَعُ شَعْبِي مِنْ جُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 15« هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ، بُكَاءٌ مُرٌّ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى عَنْ أَوْلاَدِهَا لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ. 16هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: امْنَعِي صَوْتَكِ عَنِ الْبُكَاءِ، وَعَيْنَيْكِ عَنِ الدُّمُوعِ، لأَنَّهُ يُوجَدُ جَزَاءٌ لِعَمَلِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ. 17 وَيُوجَدُ رَجَاءٌ لآخِرَتِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجعُ الأَبْنَاءُ إِلَى تُخُمِهِمْ.".

فى (10) الكارزين أو الرسل ومن جاء بعدهم عليهم أن يُسمعوا خبر الخلاص للأمم كلها وللجزائر أى أقصى الأرض. ولاحظ أن الله هو مبدِّد إسرائيل = فهو الذى شتتهم وأسلمهم للعدو بسبب خطاياهم "إذ أخضعت الخليقة للباطل..." (رو8: 20). ولكن شكراً لله فهذا ليس نهاية الموضوع. فالله يجمعه ويحرسه كراعٍ = حين يجمع الجميع فى جسده. وفى (11) نبوة ناطقة بالفداء الذى عملهُ المسيح. ومعنى الفداء فى المفهوم اليهودى أنه حين يرهن إنساناً إبنه أو يبيعه لسداد دين عليه، يأتى فادى، وهو إنسان قريب ويدفع الثمن ليفك الرهن ويحرر إبن المستعبد وهكذا فإبليس إستعبدنا لأننا كنا مديونين بما قبلناه من يده من شهوات وملذات، فجاء المسيح ودفع الثمن بدمه "عالمين أنكم إفتديتم لا بأشياء تفنى... بل بدم كريم" (1بط18: 1). ولأن إبليس أقوى من الإنسان فلم يكن ممكناً أن يفدى الإنسان إنساناً آخر ففداه الله، وفكنا من يد الذى هو أقوى منا (أى إبليس). وفى (12) ومن تحرر يرنم ويسبح ويجرون إلى جود الرب على الحنطة وعلى الخمر = الجسد والدم لنشبع ونرتوى روحياً. وعلى الزيت = الزيت يشير للروح القدس فنحن نجاهد لكى نمتلىء من الروح القدس. ومن يمتلىء ويفرح بالله سيعرف يقيناً أن هذا العالم هو نفاية (فى8: 3) وعليه أن يُقَدِّم نفسه ذبيحة حية (رو1: 12). والذبائح كانت تقدم من أبناء الغنم والبقر. وفى مزمور 29 "قدموا للرب أبناء الكباش" حسب الترجمة السبعينية "وقدموا للرب مجداً وعزاً" حسب الترجمة البيروتية. والمعنى أنه حينما نقدم أنفسنا ذبائح حية وحينما نقدم ذبائح التسبيح والشكر لله = "عجول شفاهنا" (هو2: 14) يكون هذا لمجد الله. فنحن نمجد الله برفض كل إغراءات العالم وخطاياه بل برفض الحياة إذا كانت ستعوقنا عن الشهادة لله (مثل الشهداء) = "من أجلك نمات كل النهار". والكارزين والخدام يجرون على أبناء الغنم والبقر = حتى يؤمنوا ويعرفوا فيقدموا أنفسهم ذبائح حية ويفرح بهم خدامهم (فى 17: 2) ومن يعرف كيف يقدِّم نفسه ذبيحة حية تصبح نفسه كجنة رياَ ولا يعودون يذوبون بعد. فالجسد وإن كان ضعيفاً ومقدم كذبيحة إلا أن النفس مبتهجة كجنة وتسبح فى مرتفع صهيون = أى فى الكنيسة السماية، فالله "أقامنا وأجلسنا معهُ فى السماويات". ومن تذوق هذه النعمة السماوية لا يمكن أن يذوب مرة أخرى فى السبى ولا يعود مرة أخرى للخطية. ويشبع الجميع كهنة وشعباً (14) والكل يفرح (13) ويسبح = أحول نوحهم إلى طرب = حزنكم يتحول إلى فرح (يو20: 16).

وفى الأيات (15 - 17) يبدو أن الرامة كانت المكان الذى جمع فيه نبوزارادان المسبيين إستعداداً لنقلهم إلى بابل، ومن هناك ردَّ إرمياء حُراً فعاد إلى أورشليم. وكأن راحيل هنا تبكى على أولادها الذين ذهبوا للسبى ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين = بل هم فى السبى. وكان قبر راحيل بين الرامة وبيت لحم. وقد رأى متى البشير فى هذه الآية أنها تطبيق لقتل هيرودس لأطفال بيت لحم (مت18، 16: 2).

وقد تشير راحيل للكنيسة الأم فهى أم يوسف وبنيامين، ويوسف يشير لإبنه أفرايم رمز المملكة الكبرى إسرائيل، وبنيامين يشير للملكة الصغرى يهوذا فبنيامين بقى فى يهوذا. والكنيسة الأم تبكى على عبودية أولادها لإبليس. ولكن فى (17، 16) رجاء فى الخلاص ولا يجب أن تحزن الكنيسة بعد ذلك، فالمسيح حرر أولادها من السبى.

الأعداد 18-26

الأيات (18 - 26): -

"18« سَمْعًا سَمِعْتُ أَفْرَايِمَ يَنْتَحِبُ: أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ كَعِجْل غَيْرِ مَرُوضٍ. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ، لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهِي. 19لأَنِّي بَعْدَ رُجُوعِي نَدِمْتُ، وَبَعْدَ تَعَلُّمِي صَفَقْتُ عَلَى فَخْذِي. خَزِيتُ وَخَجِلْتُ لأَنِّي قَدْ حَمَلْتُ عَارَ صِبَايَ. 20هَلْ أَفْرَايِمُ ابْنٌ عَزِيزٌ لَدَيَّ، أَوْ وَلَدٌ مُسِرٌّ؟ لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ بِهِ أَذْكُرُهُ بَعْدُ ذِكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ. رَحْمَةً أَرْحَمُهُ، يَقُولُ الرَّبُّ. 21« اِنْصِبِي لِنَفْسِكِ صُوًى. اجْعَلِي لِنَفْسِكِ أَنْصَابًا. اجْعَلِي قَلْبَكِ نَحْوَ السِّكَّةِ، الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبْتِ فِيهَا. ارْجِعِي يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. ارْجِعِي إِلَى مُدُنِكِ هذِهِ. 22حَتَّى مَتَى تَطُوفِينَ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ الْمُرْتَدَّةُ؟ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا حَدِيثًا فِي الأَرْضِ. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُل. 23هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: سَيَقُولُونَ بَعْدُ هذِهِ الْكَلِمَةَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِهَا، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَهُمْ: يُبَارِكُكَ الرَّبُّ يَا مَسْكِنَ الْبِرِّ، يَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ. 24فَيَسْكُنُ فِيهِ يَهُوذَا وَكُلُّ مُدُنِهِ مَعًا، الْفَلاَّحُونَ وَالَّذِينَ يُسَرِّحُونَ الْقُطْعَانَ. 25لأَنِّي أَرْوَيْتُ النَّفْسَ الْمُعْيِيَةَ، وَمَلأْتُ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِبَةٍ. 26عَلَى ذلِكَ اسْتَيْقَظْتُ وَنَظَرْتُ وَلَذَّ لِي نَوْمِي.".

فى خروج 7: 3 "قال الرب إنى قد رأيت مذلة شعبى الذى فى مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم، إنى علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من يد المصريين". والله هنا سَمِعَ أفرايم ينتحب كما سمع شعبه فى مصر يصرخ (فاليهود عاشوا مشتتين مذلولين فى كل العالم ما يقرب من 2000 سنة بعد صلبهم للمسيح). وقلب الله يئن مع أنين أولاده. وهنا أشار الله لأفرايم بالذات ربما بسبب الحادثة المذكورة فى (1أى22، 21: 7) حيثُ قُتِلَ أولاد إفرايم فبكى وناح. حتى عزاه الله بأولاد آخرين وفى هذا إشارة لهلاك أولاد الله بالخطية. ولكن خطيتهم جعلتهم يُستعبدون فبكوا وأنُّوا وسمع الله لهم، وهنا الكلام بصيغة المفرد فبعد عمل المسيح أصبح الكل واحداً (يو20: 17 - 23). وهنا إفرايم يبكى على خطيته ويقول ويعترف أن الله أدبه، لأنه كان كعجل غير مروض لم يعتاد بعد على نير المسيح. هو إذن يذكر تمرده فى شبابه. هو تمردنا وعصياننا قبل المسيح أو قبل قرار التوبة. هو تذمر إسرائيل فى البرية، وهو تمرد أى إنسان قبل أن يتوب. ولكن الله يسمع صوت بكاء كل هؤلاء وينتظر أن نقول لهُ توبنى يا رب فأتوب. إذن هو يبدأ وما علينا سوى أن نستجيب. وفى (19) بعد رجوعى ندمت = بعد أن عَرف المسيح نَدم على الوقت الذى إنقضى فى الخطية وصفقت على فخذى = كما يخبط الإنسان على صدره إذ يدهش لصدور هذه الخطايا منهُ. وهو خجلَ من خطايا صباه. نحن بدون نعمة الله سنظل شاردين دائماً. حين نعود ونتلامس مع محبته وغفرانه، نحزن أننا أحزننا قلبه المحب يوماً "خطيتى أمامى فى كل حين" ولنلاحظ أنه عند العودة أى التوبة يشعر أفرايم بمراحم الله ويفهم حكمته الحقيقية فى التأديب (18). وإذ يشعر بثقل الخطايا يبدأ يصرخ إلى الله طالباً أن يعطيه توبة (19، 18). وما أن يطلب التوبة حتى يبدأ الله يكشف لهُ محبته (20) وهذا أيضا يشير لإيمان إسرائيل فى آخر الأيام. وفى آية (20) يظهر حنان الله نحو أفرايم فالله إقتناه كطفل ثم صار إبن ضال وفقد صورته الأولى حتى أن الله تساءل هل أفرايم إبن عزيز لدىَّ أو ولد مسِّر = هل هذه هى الصورة التى أردتها لهُ حتى أُسَّر بها، هل هذه هى صورتى التى خلقته عليها (لذلك بكى المسيح على قبر لعازر)، ولكن حين ناح إفرايم على نفسه تحسَّر الله عليه. ولكن الله لم ينسه لحظة واحدة = لأنى كلما تكلمت به أذكره ذكراً. هو دائماً فى فكره يذكره بالخير حتى لو تكلم ضده بالتهديد ولكن أحشاء الله تئن عليه وسيرحمه. ولنلاحظ أن الله حتى لو عاقب شعبه تظل مراحمه نحوهم ولا يطردهم من أمام عينيه ويظل يخطط لخيرهم فتأديبه ممتزج بمراحمه. وفى (21) الصوى = هى علامات يضعها المسافرون لتكون علامات لهم فى الطريق. وهذا لهُ معنيان فالأول: هم الآن ذاهبون للسبى، وعليهم أن يعرفوا لماذا ذهبوا فى هذا الطريق "أذكر من أين سقطت وتب" (رو5: 2) ماذا كان السبب وراء سبيهم حتى يمتنعوا عن ذلك الطريق بعد عودتهم. والثانى: لتكون هذه علامات لأولادهم فالذين ذهبوا للسبى لن يعودوا ثانية لكن أولادهم سيعودون بخبرات الأباء. إذن هى علامات وأنصاب للهداية فى الطريق من بابل لأورشليم (من سبى الخطية إلى حضن الكنيسة) وهذه فائدة الإرشاد الروحى. ونجد فى هذه الآية تشجيع لعودة المسبيين لأورشليم وعودة كل إنسان تائب ليترك طريقه الشرير. إرجعى يا عذراء إسرائيل = فبالتوبة صارت بتول ثانية كما يقول الأباء "التوبة تحوِّل الزانى لبتول" وهاهو الله يسميها عذراء ثانية وأعاد خطبتها لنفسه. وفى رجوعهم يشكرون الله الذى أعد هذا الخلاص بعد أن يروا علامات أبائهم والألام التى ساروا فيها فى طريق العبودية ثم الخلاص الذى أعدَّه لهم الله. وفى (22) حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدة = هذا عمل الخطية فهى تجعل الإنسان مرتد عن الله، وهذا المرتد لا يجد راحة فى أى مكان فهو دائماً يطوف يحاول أن يجد راحة، ولكن لن يجد راحة إلا فى حضن أبيه، لذلك يدعوه الله متساءلاً إلى متى لن تدرك هذه الحقيقة خصوصاً بعد أن خلق الله شيئاً حديثاً فى الأرض..... أنثى تحيط برجل = هذا حدث بعد التجسد حين كانت العذراء تحيط بالمسيح طفلاً فى رحمها ثم على يديها، ثم أحاطت الكنيسة به كعروسه، كجسده ويفيض عليها من بركاته هذا هو الشىء الجديد. وفى ذلك الشكل الجديد "هوذا الكل قد صار جديداً" يلمح الناس فينا شكلاً جديداً متميزاً، فرح وسلام دائم وعدم إهتمام بالعالميات. وفى (23) سوف يبارك الكنيسة كل من يراها فى هذه الحالة. لأنها صارت مسكناً للبر. ألم يحدث هذا فى صدر المسيحية فى مصر حينما كان الوثنى عندما يقابل وثنياً آخر مبتهجاً يقول لهُ "هل قابلت اليوم مسيحياً" وهذا ما قاله معلمنا القديس بطرس "كونوا مستعدين لمجاوبة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذى فيكم". والكنيسة مسكن للبر لأن "المسيح برنا" ساكن فى وسطنا وهى عالية مقدسة = جبل مقدس. وفى (24) يهوذا = هى الكنيسة فيهوذا كان فيها كرسى داود والكنيسة يسكن فيها المسيح فهى كنيسته. هو يملك على قلوب شعبه. والفلاحون هم الخدام والرعاة، والذين يُسرِّحون القطعان = الفلاح يرمى البذرة ويحرث الأرض والذين يسَرِّحون القطعان = هم الذين يرعون الشعب، فالشعب هو قطيع المسيح. وفى (25) المسيح يملأ كنيسته من روحه القدوس الذى يشبع ويشفى ويروى النفس المعيية. وبعد أن رأى النبى فى رؤياه صورة الكنيسة المبهجة هذه كان كأنه فى حلم وإستيقظ وكان نومهُ لذيذاً (26)، هو فرح النبى بالخلاص وملكوت الله. وهذا سر فرحنا الآن أننا ننتظر أفراح السماء ومجدها. إستيقظ = هذه نبوة عن قيامة المسيح الذى قام وفرح بالخلاص الذى عمله.

وهذه الآيات نبوة واضحة عن عودة اليهود الذين رفضوا المسيح وصلبوه وظلوا مشتتين وضالين عن طريق الخلاص وكانت ألامهم تأديبا لهم (آية18). والله يسأل وإلى متى هذا الضلال (آية22) وأمامكم الكنيسة عروس المسيح يهوه إلهكم الحقيقى، وهى تحيط بها كعريس، وهو وسطها (آية22). ولكن هناك عودة لليهود وسيندموا على ما فعلوه وعلى عنادهم طوال هذا الزمن (آية19)، والله يشتاق لرجوعهم وليرحمهم (آية20) ويدعوهم للعودة (آية21). واليهود يعودون (آية23) وهذا ما جعل النبى يفرح (آية26).

الأعداد 27-34

الأيات (27 - 34): -

"27« هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا بِزَرْعِ إِنْسَانٍ وَزَرْعِ حَيَوَانٍ. 28 وَيَكُونُ كَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلاقْتِلاَعِ وَالْهَدْمِ وَالْقَرْضِ وَالإِهْلاَكِ وَالأَذَى، كَذلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 29فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ. 30بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ. 31«هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. 32لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 33بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 34 وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ.".

فرح النبى بالرؤيا السابقة وهنا الله يكشف لهُ المزيد عن الأيام السعيدة القادمة. وفى (27) غرس الله آدم فى الجنة زرعاً جيداً ولكنه سقط وفسد ولكن ها هو الله يزرعهُ جديداً. "ندفن مع المسيح ونقوم معهُ خليقة جديدة" (رو6) بزرع إنسان (زرع إنسان يشير لتجديد النفس وزرع حيوان يشير لتجديد الجسد) هذا تم بتجسد المسيح فى أحشاء العذراء آخذاً جسدنا. وزرع حيوان = بعد أن أخذ المسيح ما هو لنا أى جسدنا أعطانا الذى لهُ. وحينما يكتشف أى شخص أية درجة رفعه لها المسيح يحتقر هذا العالم ويربط نفسه بنير المسيح، كحيوان مربوط بالنير ويقدم نفسه ذبيحة حية (أبناء الغنم والبقر إر12: 31) ويتبع المسيح كغنم تتبع راعيها، الراعى الصالح. وكشاة سيقت للذبح. أى نتبع المسيح فى تسليم كامل. وفى (28) كما ضربَ الربَّ وأدَّبَ وطَرد وقَلعَ قبل المسيح، كما طرد آدم من الجنة ها هو يردنا للسماويات ويعيدنا للبنوة، وكان هذا هو نفس ما قاله الرب لإرمياء فى بداية إختياره (إر1: 10)، فهذه الآية هى محور السفر، إذ حينما فسدت الخليقة الأولى بسبب الخطية كان الحل أن يهدم الله هذه الخليقة الأولى ويقيم خليقة جديدة فى المسيح. وفى (29) لأننا نحن أجزاء من آدم فحينما هلك آدم هلكنا معهُ وكان السؤال الدائم وما ذنبى! هل أخطأت أنا؟ ولكن الآن بعد الفداء والمعمودية تمحى خطية آدم فلا يعود أحد يموت بسبب الأباء. بل كل واحد يموت بخطية نفسه راجع (حز2: 18) (30) بعد المسيح لا داعى أن يلوم أحداً آدم. والأيات (31 - 34) نقلها بولس الرسول فى رسالته للعبرانيين (عب7: 8 - 13). ومن هذه الأيات عَرَف المسيحيون تسمية العهد الجديد (31). وفى (32) سمات العهد القديم أن الله أمسكَ بيدهم ليخرجهم من أرض مصر = بأيات ومعجزات وشق بحر ومَنْ ينزل من السماء. هنا الله يكشف نفسه لهذا الشعب بالعيان فهم لم تكن قامتهم الروحية تسمح بالإيمان بشىء غير مرئى فكان لابد لهذه الأيات. ومع هذا بحثوا عن إله مرئى ليعبدوه وصنعوا العجل الذهبى = نقضوا عهدى فرفضتهم. وفى (33) سمات العهد الجديد، عهد الإيمان الذى قال عنهُ السيد المسيح "طوبى لمن آمن ولم يرى" وفيه يتعامل الله مع الإنسان داخل القلب، يعرفونه بقلبهم وهو يفتح عيون قلوبهم ليروه ويروا أعماله ويفتح أذانهم فيسمعوا صوتهُ ويميزوه "من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" وخراف المسيح تعرف صوته فتتبعه (يو4: 10) لأنهم كلهم سيعرفوننى وهذا عمل الروح القدس (34) "الذى يعلمنا كل شىء ويذكرنا بكل ما قاله المسيح لنا" وهو الذى يفحص أعماق الله ويكشف لنا محبته (1كو2) وهو الذى يشهد لنا ببنوتنا لله. ونحن حصلنا على عطايا الروح القدس بعد أن صفح الله عن إثمنا ولم يعُدْ يذكر خطايانا (آية34). وهذا حدث بالفداء والصعود إلى السماء بجسده "خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى". راجع التعليق على إصحاح 17 (فالوصايا تكتب على القلب حينما يسكب الروح القدس محبة الله فى قلوبنا (رو5: 5) فننفذ الوصايا عن حب يو23، 21: 14).

الأعداد 35-40

الأيات (35 - 40): -

"35« هكَذَا قَالَ الرَّبُّ الْجَاعِلُ الشَّمْسَ لِلإِضَاءَةِ نَهَارًا، وَفَرَائِضَ الْقَمَرِ وَالنُّجُومِ لِلإِضَاءَةِ لَيْلاً، الزَّاجِرُ الْبَحْرَ حِينَ تَعِجُّ أَمْوَاجُهُ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ: 36إِنْ كَانَتْ هذِهِ الْفَرَائِضُ تَزُولُ مِنْ أَمَامِي، يَقُولُ الرَّبُّ، فَإِنَّ نَسْلَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا يَكُفُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي كُلَّ الأَيَّامِ. 37هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ تُقَاسُ مِنْ فَوْقُ وَتُفْحَصُ أَسَاسَاتُ الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، فَإِنِّي أَنَا أَيْضًا أَرْفُضُ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ مَا عَمِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 38«هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَتُبْنَى الْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ، 39 وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ الْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَى أَكَمَةِ جَارِبَ، وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ، 40 وَيَكُونُ كُلُّ وَادِي الْجُثَثِ وَالرَّمَادِ، وَكُلُّ الْحُقُولِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ الْخَيْلِ شَرْقًا، قُدْسًا لِلرَّبِّ. لاَ تُقْلَعُ وَلاَ تُهْدَمُ إِلَى الأَبَدِ».".

ربما يتساءل إنسان كيف يمكن تحقيق كل هذه الوعود. كيف يمكن أن يقيمنا الله ونحن أموات بالخطايا بل أنهُ هو الذى أصدر حكم الموت؟ حقاً كان حال الإنسان قبل الفداء ميئوساً منهُ. ولكن هنا فى (35)، (37) الله يكشف عن قدراته فى خلق السموات والأرض وكيف يضبطها فهل يستحيل على الرب شىء، هل يستحيل على الرب أن يعيد إسرائيل بل كل نسل آدم ليكونوا أمة أمامه، بعد أن رُفِضوا = من أن يكونوا أمة أمامه. حقاً لم يكن إنسان يتصور أن محبة الله تجعله يخلى ذاته أخذاً صورة عبد حتى يفدى أبناء البشر. حقاً يا رب لا يستحيل عليك شىء ومحبتك لنا لا يقف شىء فى سبيلها. وفى (38) تبنى المدينة = المدينة هى أورشليم = هى الكنيسة، هى جسد المسيح. من برج حننئيل إلى باب الزاوية = حننئيل أى حنان ومراحم الله وهى عالية كبرج. والزاوية تشير للمسيح حجر الزاوية الذى ربط العهدين، أى ربط كنيسة العهد القديم بكنيسة العهد الجديد وربط ووحد السمائيين بالأرضيين واليهود بالأمم. فإتساع الكنيسة بإتساع مراحم الله وهى مبنية على مجىء المسيح وتجسده وكونه حجراً للزاوية. وفى (39) يخرج بعد خيط القياس = الله يعرف أولاده واحداً واحداً "الذين أعطيتنى لم يهلك منهم أحد إلا إبن الهلاك" أكمة جارب ويستدير إلى جوعة = أكمة جارب بالقرب من أورشليم جهة الغرب وجارب معناها برص، مرض البرص أو الجرب وجوعة معناها خفض وهو مكان بالقرب من أورشليم فى الجنوب الغربى. والمعنى أن خيط القياس سيجمع كل الذين تلوثوا بالخطية (البرص) وإنحطت درجتهم، فبعد أن خلقهم الله سماويين إنحطوا وأصبحوا أرضيين لكن المسيح جاء لهذا "هو جاء ليشفى الأبرص وإرتفع ليرفعنا معهُ". هو قبل كل المرذولين وأعطاهم حياة سماوية. وفى (40) صورة حية لما حدث وعمله المسيح الذى حَوَّل الإنسان الذى مات بالخطية، ولعنت الأرض بسببه، وأصبحت وادى للجثث. ووادى قدرون إلى زاوية باب الخيل = وادى قدرون هو وادى يهوشافاط ومعنى يهوشافاط الله يقضى وكلمة قدرون عبرية ربما كان معناها أسود. والمعنى أن عمل المسيح هو أن أعطى حياة للجثث وقضاؤه بالموت على آدم تحمله هو نفسه. لذلك فى (يو1: 18) خرج يسوع مع تلاميذه إلى عبر وادى قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه، وهناك سلمه يهوذا ليقضى عليه بالموت. وبذلك تحول الإنسان قُدساً للرب بعمل دم المسيح الذى يُقدِّس. وهذا العمل حفظ الكنيسة للأبد لا تهدَم ولا تقلع. باب الخيل = المؤمنين هم الفرس الأبيض الذى يقوده المسيح (رؤ2: 6). زاوية باب = المسيح هو حجر الزاوية وهو الباب الذى يدخل منه المؤمنين الذين كانوا أمواتاً فصاروا خيلا يقودها المسيح فى معركة ضد حروب إبليس، والمسيح "خرج غالبا ولكى يغلب" (رؤ6: 2).

تعليق على الأصحاح.

هذا الإصحاح ينتمى للعهد الجديد. ومنهُ إشْتُقَّ إسم العهد الجديد وأُطلق على الإنجيل والفرق بين العهد القديم والعهد الجديد.

  1. فى العهد القديم يقول "إفعل هذه فتحيا" إذن من سقط فى واحدة سقط فى الكل وبذلك يكون الكل مدان محكوم عليه بالموت. وهنا تنفيذ الوصايا التى فى الناموس هو مسئولية كل فرد الشخصية. تعتمد على قدرته فى المحافظة على العهد ولذلك فشل الإنسان وثبت عجزه من جيل إلى جيل. أما فى العهد الجديد "بدونى لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً" فالخلاص هبة من الله. والروح القدس يعين ضعفاتنا. وهو عهد أبدى بين الله وبيننا.
  2. عمل الله فى العهد الجديد داخل قلب الإنسان. فبدلاً من كتابة العهد القديم على ألواح حجرية خارجاً عن الإنسان كتبها على قلبه ونحفظ وصاياه بالمحبة "من يحبنى يحفظ وصاياى" لذلك ففى العهد الجديد يطيع الإنسان لرغبة شخصية فى الطاعة عن محبة لله وليس قسراً أو كواجب. فعلامة محبة الله لنا هي عطاياه وعلامة محبتنا لله طاعتنا له.

هى ليست شريعة منقوشة بل خبرات شخصية يختبرها الإنسان بنفسه فيصير إيمانه حقيقياً ودور أى خادم ليس أن يعطى هذه الخبرة للمخدوم فهذا عمل الروح القدس، بل أن يقوده للإقتناع بضرورة هذه العلاقة الشخصية والخبرة الشخصية. وإذاً فمعنى كلمة "لا يعلمون بعد كل واحد صاحبه (34) لا تلغى دور المعلم والخادم. والروح القدس الذى يعمل فى الخادم ويعطيه إمكانية أن يكون معلما (أف11: 4) يعمل فى المخدوم ليستمع ويقتنع.

عمل الروح القدس فى العهد الجديد.

فى سفر الخروج قال الله لموسى "إصعد إلى الجبل وكن هناك. فأعطيك لوحى الحجارة والشريعة التى كتبتها لتعليمهم" (خر24: 12). وفى (خر31: 18) نسمع أن "الله أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه فى جبل سيناء لوحى الشهادة لوحى حجر مكتوبين بإصبع الله". وإصبع الله هو الروح القدس، قارن (مت12: 28 مع لو11: 20). ولقد كتب الروح القدس الوصايا فى العهد القديم على لوحى حجر ليشرح أنه بالخطية تحجرت قلوب البشر. ولكن نسمع فى (حز11: 19، 20) "وأجعل فى داخلكم روحا جديدا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم لكى يسلكوا فى فرائضى......".

فكيف يعمل الروح القدس هذا التحول من قلب حجر إلى قلب لحم؟

بالرجوع لقول القديس بولس الرسول "لأن محبة الله قد إنسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5)، نفهم أن هذا هو ما يعمله الروح القدس أنه يسكب محبة الله فى قلوبنا. ومن يحب المسيح يحفظ وصاياه كما قال الرب (يو14: 21، 23).

ولكن كيف يجعلنا الروح القدس أن نحب المسيح؟

عمل الروح القدس فى القلب عمل داخلى، هو يكشف للإنسان عمن هو المسيح، محبته ووداعته وعذوبة عشرته فنحبه "ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى. لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو16: 14، 15). حينما نعرف المسيح معرفة حقيقية بالروح القدس الذى يفتح أعيننا، لن نحبه فقط بل نود لو متنا لأجله كما قال بولس الرسول فى سيمفونية المحبة "من سيفصلنا عن محبة المسيح. أشدة أم ضيق أم إضطهاد......" (رو8: 35 – 39).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني والثلاثون - سفر إرميا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثلاثون - سفر إرميا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر إرميا الأصحاح 31
تفاسير سفر إرميا الأصحاح 31