الأصحاح الثالث – تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1كَذلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ، 2مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ الطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ.".

لما جاءت المسيحية تنادى بالحب، ظن بعض النساء أن فى هذا فرصة لأن يتحررن من سلطة أزواجهن. ولاحظ أن الشريعة الرومانية كانت تبيح للرجل أن يتسلط على زوجته كجارية. لذلك يوضح الرسول هنا أن المسيحية تدعو الزوجة للخضوع لزوجها. فالطاعة تدفع الرجل لحب زوجته المطيعة وحب الرجل يدفع المرأة لطاعة زوجها بالأكثر وهكذا يحل السلام بالأسرة. وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ = فالمسيحيات كن يتزوجن رجال وثنيين والرسول يقول أن سيرة المرأة المسيحية قد تجذب زوجها غير المؤمن فنحن لسنا كلنا قادرين أن نعظ باللسان ولكننا كلنا قادرين أن نعظ بسيرتنا. وهذا الكلام موجه لنساء متزوجات من رجال سواء كانوا وثنيين أو مسيحيين لكن أزواجهن عنفاء معهن. ولكن مع هذا يطلب الرسول أن يخضعن لرجالهن العنفاء. مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ الطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ = الخوف هنا هو خوف الله، فلتكن سيرتنا طاهرة خوفا من الله وليس من إنسان.

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3 وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، 4بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ.".

من المؤكد أن الزينة غير ممنوعة، ولكن الممنوع هو لفت الأنظار أو الإهتمام بذلك، فعلى كل واحد أن يهتم بما يرضى الله لا الناس.

فهناك من صارت الزينة لهن صنما يعبدونه، والله أعطى لنا وزنة هى المال، والبعض يضيعون المال فى أشياء ترضى غرورهم وتستجلب مديح الناس، وتسبب المرارة والحسد عند الغير. ويطلب الرسول أن يهتموا بالزينة الداخلية كالوداعة والقداسة والهدوء والمحبة والطاعة والطهر هذه ترضى الله وتكون مصدر جذب للأزواج غير المؤمنين.

وَلِبْسِ الثِّيَابِ = الغالية والخليعة والملفتة.

إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ = أى إهتموا بأن تكون زينتكن هى قداسة داخلكن، القداسة الباطنية التى تستلزم الروح الوديع الهادىء. ومن له هذا يحيا فى سلام بلا إرتباك، وبروحه الوديعة يحتمل بصبر كل الضيقات فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ = عديمة الفساد هى النفس غير القابلة للموت والتحلل مثل الجسد. أى لا تهتموا بزينة الجسد الذى هو بطبعه فانٍ بل إهتموا بزينة العديمة الفساد = زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ = وهذا قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ = أجرة من يهتم بزينة الروح أى بقداستها، كبير هنا على الأرض وفى السماء.

الأعداد 5-6

الآيات (5 - 6): -

"5فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، 6كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا». الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ.".

هنا نفهم أن الزينة لم يمنعها الرسول منعا مطلقا، لكن هى مسموح بها على أن تكن فى حدود اللياقة وليس المغالاة، وفى حدود طاعة الزوج والخضوع له = خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ وأن تكون لإرضاء زوجها وليس لإرضاء الغرباء. ويضرب الرسول مثلا بسارة ويذكر مميزاتها:

  1. مُتَوَكِّلاَتُ = متكلة على الله، لا تبالى سوى برضائه.
  2. خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ حتى أنها كانت تقول له سَيِّدَهَا.
  3. صَانِعَاتٍ خَيْرًا.
  4. وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ من أحد من البشر أو حتى الشياطين، بل فى حب المسيح والناس.

إذاً تمثلن بسارة فتكونوا بناتا لها. ولتكن لديكن رغبة فى كل عمل حسن.

العدد 7

آية (7): -

"7كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ.".

بعد أن وجه نصائحه للنساء، ها هو يوجه نصائحه للأزواج.

بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ = يترجمها البعض "حاولوا أن تفهموا المرأة الجنس الأضعف". والفطنة هى التصرف السليم المبنى على فهم سليم.

الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ = هنا يشبه الرسول النساء بإناء هش ضعيف، يحتاج للترفق، وتشبيهه بالإناء لأنه يحمل داخله الأطفال. ويطلب الرسول من الرجل أن يعطى كرامة لزوجته فهى سترث معه فى ملكوت السموات.

لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ = إن أقل خطية أو عناد أو سوء تفاهم أو عدم مودة، أو غلظة فى التعامل كفيل بأن يعيق الصلوات، هذه كلها ثعالب صغيرة تفسد الكروم، كروم الشركة مع الله، كما أن الذين لا يعرفون روح التسامح لن يختبروا غفران الله عن تعدياتهم. والرسول هنا يشير لما ذكره ملاخى (13: 2).

العدد 8

آية (8): -

"8 وَالنِّهَايَةُ، كُونُوا جَمِيعًا مُتَّحِدِي الرَّأْيِ بِحِسٍّ وَاحِدٍ، ذَوِي مَحَبَّةٍ أَخَوِيَّةٍ، مُشْفِقِينَ، لُطَفَاءَ،".

كُونُوا جَمِيعًا مُتَّحِدِي الرَّأْيِ = هدف الرسول لا أن يكون الزوجين فقط متحدى الرأى بل كل الكنيسة. بِحِسٍّ وَاحِدٍ = مشاركين بعضكم الأفراح والآلام، وهذه يترجمها اليسوعيون "مشفقين بعضكم على بعض". (رو 15: 12) + (فى 27: 1) + (فى 2: 2) + (يو 21: 17).

لُطَفَاءَ = ففى الأصل اليونانى تعنى أنها ناشئة عن الإتضاع أمام الله.

العدد 9

آية (9): -

"9غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرّ بِشَرّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِالْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً.".

حينما نسير فى طريق الرب يهيج إبليس علينا ويثير رجاله الذين يتبعونه فيشتموننا ويدبرون ضدنا الشرور. وكلام الرسول يعنى أن شتائمهم لن تضركم ولن تمنع البركة عنكم، لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً، خصوصا لو كان ما يخرج من فمكم لهم هو كلمات البركة (مت44: 5) + (رو21: 12). مباركين = كلمة عبرية تعنى أن نتكلم عن الناس حسنا، ويقول الكتاب باركوا ولا تلعنوا (رو12: 14). ويقول الرب باركوا لاعنيكم. ونحن نبارك الرب أى نسبحه ونشكره، أما الله حين يبارك أحد فهو لا يكتفى بكلمات حلوة عنه بل يهبه خيرات روحية ومادية = ترثوا بركة.

الأعداد 10-11

الآيات (10 - 11): -

"10لأَنَّ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِالْمَكْرِ، 11لِيُعْرِضْ عَنِ الشَّرِّ وَيَصْنَعِ الْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ السَّلاَمَ وَيَجِدَّ فِي أَثَرِهِ.".

يُحِبَّ الْحَيَاةَ = أى يجاهد حتى لا يفقد الحياة الأبدية. وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً = هنا على الأرض. فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ = المذمة والشتيمة والنميمة والكذب ونشر الشائعات ومسك السيرة وكلام المكر.

لِيُعْرِضْ عَنِ الشَّرِّ = يعطى ظهره للشر (الإتجاهات الشريرة والكلمات الشريرة والأفعال الشريرة). هذا من الجانب السلبى، أما من الجانب الإيجابى = ليَصْنَعِ الْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ السَّلاَمَ = يجتهد أن يحيا فى سلام مع الناس. والرسول هنا إقتبس كلمات المزمور (11: 34 - 16)، (قارن أيضا مع آية 12).

العدد 12

آية (12): -

"12لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ عَلَى الأَبْرَارِ، وَأُذْنَيْهِ إِلَى طَلِبَتِهِمْ، وَلكِنَّ وَجْهَ الرَّبِّ ضِدُّ فَاعِلِي الشَّرِّ».".

عَيْنَيِ الرَّبِّ عَلَى الأَبْرَارِ = أى يحافظ عليهم ويعتنى بكل أمورهم وَأُذْنَيْهِ إِلَى طَلِبَتِهِمْ = يسمع ويستجيب لهم.

العدد 13

آية (13): -

"13فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِالْخَيْرِ؟".

لا يستطيع إنسان أن يؤذينا، ولا شيطان. ولكن الله يسمح ببعض الآلام لكى ينقينا، فهى للمنفعة وللبركة. ولكن الإنسان يؤذى نفسه بصنعه الشر.

العدد 14

آية (14): -

"14 وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا،".

إِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ = فهذا ليس لضرركم بل لمنفعتكم، هذا الكلام يوجهه الرسول لأناس متألمين مضطهدين ليفهموا أن هناك أكاليل معدة لهم = فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ = هذا صدى لتعاليم المسيح "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد" (لو4: 12) + (مت28: 10) و "لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يو27: 14). ونحن لن نخاف إنسان إن كان لنا خوف مقدس من الله. ونحن نطرد خوفنا من الناس بالخوف من الله. لذلك يكمل فى آية 15 بل قدسوا الرب الإله.

العدد 15

آية (15): -

"15بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ،".

إقتبس الرسول هذا القول من (إش 13، 12: 8) = قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ الله قدوس أى عالى سماوى نقى عادل يجازى المخطئ، لا يخطئ كله محبة وله كل المجد، فما معنى أن نقدسه؟ يكون ذلك بمخافته ومهابته أكثر من البشر. وما معنى فى قلوبكم؟ = أى تكون هذه المخافة وهذا الإحترام من داخل القلب وليس فقط أمام الناس بل حتى فى الخفاء، وبالثقة فى مواعيده وتصديق حكمته، وعدم الإعتراض على أحكامه، والتسليم له والإيمان بقوته وبعدالته فى تأديباته، وإحتمال الألم بصبر وتمجيده وسط التجارب وبتنفيذ وصاياه فى خوف من إغضابه، ومن يخاف الله دون البشر يكون بهذا مقدسا للرب فى قلبه. وهذا خير كرازة وشهادة عملية للرب = مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا = مستعدين بحياتكم الطاهرة التى فيها تقدسون الرب فى قلوبكم. والسلام الظاهر فى حياتكم وسط ضيقات العالم. لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ = فكان الوثنيون يسألون المسيحين كيف تؤمنون بمصلوب وأى رجاء لكم فيه. والرسول يقول لهم كونوا مستعدين بحياتكم المقدسة لمجاوبتهم، فإن كانت حياتكم غير مقدسة فالوعظ لن يجدى شيئا. عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ = عن الحياة الأبدية التى يؤمن بها المسيحيون ويترجونها. بِوَدَاعَةٍ = فالرد عليهم لا يكون بعصبية، ومن يرد بوداعة فهو واثق فى إلهه. إذاً الرد يكون بحياتنا المقدسة أولا ثم يكون كلامنا معهم بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ = الخوف المقدس من أن نغضب الله. الخوف يكون من أن نخسر نفس أحد فيغضب الله لو لم نرد عليهم بوداعة. بخوفنا المقدس من الله وبسيرتنا الطاهرة يَشْتَّم الآخرين رائحة المسيح الزكية التى فينا.

العدد 16

آية (16): -

"16 وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ.".

فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ = كانت المسيحية توصم بأنها ضد الإمبراطورية ولها سلوك مقاوم للسلام. وبقدر ما إزداد إضطهاد المسيحيين كانوا يجتذبون المضطهدين أنفسهم خلال إحتمالهم الإضطهاد بفرح وشكر وتسبيح فكان الوثنيون يؤمنون. يُخْزَوْنَ = يفتضح كذبهم حينما يرى الناس قداستكم ومحبتكم.

العدد 17

آية (17): -

"17لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا.".

هى دعوة لكى تكون سيرتهم طاهرة، حتى إذا جاءت آلام الإضطهاد لا تكون بسبب ذنوب إرتكبوها، ولكن لأجل إسم المسيح، وبهذا يتبعوا طريق المسيح المتألم، وهذا ما يعطى عزاء وصبرا وفرحا، أى شركة الصليب مع المسيح. أما الألم لأجل خطية إرتكبناها فلا يكون شركة صليب، فالمسيح لم يكن له خطية، شركة صليب المسيح هى لمن يحتمل ألم الإضطهاد وهو لم يرتكب ذنبا كما حدث مع المسيح. أما من يتألم لذنب جناه فليكن مثل اللص اليمين أى ليعترف بخطيته ويعلم أنه يعاقب لذنبه، ويحتمل تأديب الله ويطلب رحمة الله بلا إعتراض على ما يحدث له، والله يستجيب له.

العدد 18

آية (18): -

"18فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ،".

تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً = لن يجوز عليه الألم ثانية. مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ = كإنسان. وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ = أى بقوته الإلهية وقصد الرسول أن نتشبه بالمسيح فى إحتمال الألم حتى وإن كنا أبرار فهو تألم وهو بار. بل لنا مثال آخر فى المسيح فهو بعد أن تألم تمجد فى السماء، وهو تألم مرة واحدة أى ألامه كانت على الأرض فقط وإنتهت، وهذا ما يدفع بالمؤمنين لإحتمال الألم، أنهم يؤمنون بأن لهم مجدا معدا فى السماء، وستنتهى ألامهم بنهاية وجودهم على الأرض، بل كلما زاد الألم يزداد المجد (2 كو 17: 4) + (رو 18، 17: 8).

مُحْيىً فِي الرُّوحِ = لم تذق روحه الموت لأنه لم يخطىء قط، ولاهوته لم يفارق لا جسده فى القبر، ولا روحه التى هبطت إلى الجحيم ثم صعدت إلى الفردوس.

الأعداد 19-21

الآيات (19 - 21): -

"19الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، 20إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. 21الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،".

هنا نرى عقيدتين هامتين.

  1. لزوم المعمودية للخلاص: - فالفلك رمز للمعمودية التى تخلصنا روحيا كما خَلُص نوح وبنيه وهم داخل الفلك.
  2. النزول إلى الجحيم: - واضح أن الأرواح جميعا سواء البارة أو الشريرة كانت تهبط كلها إلى الجحيم قبل صلب المسيح. ولما صلب المسيح ومات إنفصلت نفسه الإنسانية عن جسده، لكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده ولا عن نفسه. ولما حاول الشيطان أن يتعامل مع هذه النفس الإنسانية كغيرها من الأنفس ويهبط بها إلى الجحيم ليقبض عليها اكتشف أن هذه النفس متحدة باللاهوت، فكان أن المسيح هو الذى قيد الشيطان بسلسلة رؤ 3: 20 ونزل الرب إلى الجحيم وأطلق سباياه ودخل بهم للفردوس كما وعد اللص اليمين. وهذا ما علَّم به الرسول بولس أن المسيح نزل إلى أقسام الأرض السفلى أف 9: 4. وتعبير أقسام الأرض السفلى تعبير عبرى يستخدمه اليهود للتعبير عن مساكن الموتى. كَرَزَ لِلأَرْوَاحِ = كرز أى بشر بشارة مفرحة. للأرواح = 1 * أرواح نوح وبنيه إذ هى أيضا كانت فى الجحيم = السِّجْنِ. 2 * وكرز المسيح أيضا للأنفس التى وجدت أيام نوح (عن طريق نوح بكلامه وإنذاره لهم بل وببنائه للفلك)، وكانوا لا يصدقونه إذ كان ينذرهم بالطوفان = إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ = ولكنهم لما رأوا إنهمار المياه تاب بعضهم وطلبوا الرحمة. 3 * وكرز المسيح أى بشَّر كل أنفس الصديقين الذين ماتوا على رجاء وكانت حياتهم مرضية أمام الرب منذ آدم حتى مجىء المسيح، أى كل أبرار العهد القديم والذين كانوا فى الجحيم حتى أخرجهم المسيح، وهذه كانت كرازة المسيح لهم أن الفردوس قد فُتِح لهم.

ولكن لماذا ركز الرسول على الأنفس التى عَصَتْ أَيَّامِ نُوحٍ ولم يذكر أن المسيح قد بشر الآخرين؟ = لقد بشر المسيح كل من فى الجحيم بأن فترة سجنهم قد إنتهت وأخذهم ومعهم اللص اليمين (اللص اليمين لم يدخل الجحيم أصلا فهو مات بعد أن فتح المسيح الفردوس) ودخل بهم إلى الفردوس. لكنه هنا يعقد مقارنة فى فكره بين العالم أيام نوح والعالم أيامه:

  1. فكلاهما ملىء بالشرور.
  2. كلاهما لا يصدق البشارة.
  3. كلاهما لا يصدق أن العالم له نهاية وبعده دينونة، وهذا ما نبه له الرسول نفسه "عالمين هذا اولا انه سياتي في اخر الايام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات انفسهم. وقائلين اين هو موعد مجيئه لانه من حين رقد الاباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة" (2بط3: 3، 4).
  4. كما سخر العالم أيام نوح هكذا يسخر العالم الآن من الإيمان بالمسيح، مع أن الإيمان بالمسيح هو الذى سينقذهم كما أنقذ الفلك نوح وبنيه. فالمشابهة هنا هى فى الآلام التى تقع على المؤمنين من جهة اليهود وسخريتهم منهم، وهذا إمتداد لموضوع آلام المؤمنين التى يتكلم عنها.
  5. كما تجددت الخليقة أيام نوح هكذا يكون لنا ولادة ثانية الآن بالمعمودية. فآلام المسيح لم تعطل عمله بل هى أكملته وأخرج الأرواح من الجحيم، ونحن نشَبِّه نوح فى فلكه بمعموديتنا، وبها ننتقل إلى حالة السعادة الأولى، فبها متنا مع المسيح وقمنا معه لنشترك فى حياته. وبألامنا فى هذا العالم نكمل. نحيا صالبين الأهواء مع الشهوات، بل نعيش داخل الكنيسة ورمزها فلك نوح لننجو من الغضب الآتى. وعلينا أن لا نهتم بسخرية العالم حولنا فهذا لن يعطلنا عن خلاص نفوسنا. الرسول هنا فى هذه الفقرة يقارن آلام المسيح وصلبه ولزوم صلبنا معه وموتنا معه فى المعمودية وقبول الآلام والإضطهاد كنوع من قبول الصليب والموت مع المسيح. وكما إنتهت آلام المسيح بمجده هكذا ستنتهى آلامنا بالمجد والخلاص والحياة.
  6. علينا أن نستمر فى الكرازة لإخوتنا فى العالم الآن بروح المسيح الذى فينا حتى لا يهلكوا كما كرز نوح للعالم كله.
  7. كان نوح وهو يجهد نفسه فى بناء الفلك ثم بعد أن دخل الفلك، فى نظر الناس كميت حكم على نفسه بالموت داخل فلك إذ لم يصدقوا أن هناك طوفان. وكان نوح المؤمن يرى هلاك من رفض دخول الفلك، هكذا يرانا العالم ونحن نحرم أنفسنا من لذة العالم مجاهدين، يروننا وكأننا نحيا كأموات، ونراهم فى خطيتهم كأموات.

الَّذِي فِيهِ = هذه راجعة للآية السابقة (18) وفيها أن المسيح كان محيى فى الروح. والمعنى أن المسيح بهذا الروح الحى ذهب ليكرز، وكان الروح حى لإتحاد اللاهوت به. فمن هذا الانسان الذى له سلطان أن يفتح الجحيم ويخرج الابرار إلا من روحه متحدة مع لاهوته أى إبن الله المسيح.

الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ = وهذا ما قاله بولس الرسول "خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس" (تى 5: 3) والتشبيه هنا أن المعمد يغطس فى المياه، والمياه تحيط به من كل جانب، والفلك كان الماء محيط به من كل جانب، وكما يخرج المعمد حيا، خرج نوح وبنيه أحياء.

لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ = فماء المعمودية ليس ماء عاديا يغتسل فيه المعمد جسديا بل هو ولادة إنسان جديد بخليقة جديدة. المعمودية لها قوة أن تقدس الضمير فيتخلى عن الأعمال الميتة ويحيا فى القداسة بتجديد الروح القدس. الرسول هنا بعد أن تكلم عن المعمودية يشرح فاعليتها ولأننا بالمعمودية نصير خليقة جديدة يقول الرسول يخلصنا نحن الآن. فالمعمودية خلاص أو قل هى بداية الخلاص أو إمكانية الخلاص، فالمعمودية لا تمنع حرية الإنسان من الإرتداد، ولكن إن حافظ الإنسان على موته وصلبه مع المسيح، أى صلب شهواته، سيحتفظ بخليقته الجديدة التى حصل عليها بالمعمودية ويخلص. المعمودية هى موت وقيامة مع المسيح، فالدفن فى الماء به يكون الماء كقبر لنا والخروج من الماء هو قيامة. وعمل الروح فى سر المعمودية هو أنه يجعلنا نموت مع المسيح المصلوب، ومن يموت فقد تم فيه تنفيذ حكم الناموس بموت الخاطئ، وتسقط قضية خطيته = تغفر. ويجعلنا نحيا مع المسيح القائم من الاموات ابن الله الحى، متحدين به فنصير ابناء لله. ولهذا إعتمد السيح من يوحنا المعمدان ليؤسس سر المعمودية وذلك بنزوله للماء وخروجه منه، وبهذا فكل من ينزل للماء فى المعمودية ويخرج، يكون هذا موتا وقيامة مع المسيح. ولذلك حل الروح القدس يومها على جسد المسيح (الذى هو كنيسته). ويفيض الروح القدس فى الكنيسة أى فينا جميعا قوة الإحياء، وهذا ما يعنيه أننا نولد من الماء والروح.

العدد 22

آية (22): -

"22الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ.".

المسيح بعد موته تمجد عن يمين الآب وهذا فيه إعلان عن نصرة البشرية فى شخصه.

No items found

الأصحاح الرابع - تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثاني - تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير بطرس الرسول الأولى الأصحاح 3
تفاسير بطرس الرسول الأولى الأصحاح 3