الفصل الخامس تدريب الإنسان على التعاون – سياحة القلب – القمص أشعياء ميخائيل

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سياحة القلب – القمص أشعياء ميخائيل.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الفصل الخامس تدريب الإنسان على التعاون

«لأعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبهاً بموته. لعلى أبلغ إلى قيامة الأموات. ليس إنى قد نلت أو صرت كاملاً ولكنى أسعى لعلى أدرك الذى لأجله أدركنى أيضاص المسيح يسوع. أيها الاخوه أنا لست أحسب نفسى أنى قد أدركت. ولكنى أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما قدام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا فى المسيح يسوع. فليفتكر هذا جميع الكاملين منا».

فى 3: 10 - 15.

أولاً: الحرب الروحيه:

1 - المعركة الروحيه:

قال أحد الأباء[22]:

الذى لم يحصل على الاسلحه الروحيه فإنه لن يستطيع أن يقف فى يوم المعركة «البسوا سلاح الله الكامل لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس» أفس 6: 11. أما من يفقد تلك الاسلحه فإنه لن يستطيع أن يحيا فى سلام وحريه. لأن الحرب التى فى داخل أنفسنا ليست مثل الحرب والاسلحه التى خارجها ولكنها أقسى منها جداً. وكما يستخدم البشر الاسلحه ضد بعضهم بعضاً وهم يحيطون أنفسهم بالقوه ويحرسون ذواتهم هكذا أيضاً الحرب الروحيه. ولكن هناك فرق بين الحرب الروحيه والحرب العالميه لأن الحرب الروحيه هى دائمه وبلا توقف وجنود المسيح يجب أن يتسلحوا دائماً بأسلحتهم ليلاً ونهاراً وكل لحظه حتى وقت الاكل والشرب «فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فأفعلوا كل شئ لمجد الله» 1كو 10: 31 إن عدونا لا نشعر به ونحن نواجهه وهو دائماً يحاربنا حتى لو أننا لا نراه. وهو دائماً يتطلع الينا حتى إذا ما وجد بعضاً من أعضائنا غير محميه فإنه يغتابها بأسلحته ويقتلنا. ومن يريد حماية نفسه لا يجب أن يستريح ومن يريد أن يخلص لا يجب أن يهرب. ولما كانت التجارب ضروريه فيجب أن نواجهها إما بالنصره والحياه أو بالهزيمه والموت.

قال أحد الأباء[23]:

إن الذين يريدون أن يسيروا فى الحياة الروحيه لابد أن يدخلوا الحرب الروحيه القاسيه فى كل لحظه خلال أفكارهم. وهذه هى الحرب الروحيه أن كل نفوسنا يجب أن تحمل كل لحظه العين النقيه التى تستطيع أن تلاحظ وترى الافكار التى تدخل إلى قلوبنا من الشيطان لكى تطردها. ويجب أن يشتعل القلب دائماً بالايمان والحب حتى لا يجد الشيطان أى مدخل الينا فيهزمنا بالخطيه ويصبح من الصعب نزعها حتى بالدموع. فلا تسمح لقلبك أن يفتر خصوصاً وقت الصلاة. وتجنب كل حين خطورة عدم اللامبالاه، لأننا كثيراً ما نصلى بشفاهنا ويكون القلب منحرفاً وغير مؤمن أو ضعيفاً فى الايمان. وهكذا كثيراً ما يتظاهر البشر أنهم قريبون من الله بشفاههم ولكن قلوبهم تكون بعيده عن الله. وخلال صلواتنا فإن الشيطان يبذل كل جهده أن يبرد قلوبنا ويملأها بالخداع فى كل أمر. لأنه حيث لا يوجد جهاد لا توجد فضيله. وحيث لا توجد تجارب من أجل الايمان والحب فلا يمكن أن يوجد الايمان أو الحب. لأن إيماننا وثقتنا وحبنا يتبرهن ويظهر فى المقاومات والصعوبات والأحزان الخارجيه والداخليه والظروف والأعواز.

2 - الاعتزال:

من أقوال يوحنا الدرجى فى الوحده ما يلى [(+)]:

1 - إعتزال الجسد هو المعرفه وثمرة التعود والشعور. وإعتزال النفس هو معرفة الانسان لأفكاره وهو العقل الحصين.

2 - صديق العزله هو الشجاعه والقوه الثابته للأفكار التى تحفظ السهر على باب القلب وتطرد وتقاوم كل الأفكار الشريره التى تأتى:

والذى يحيا فى عزلة القلب سوف يفهم أموراً كثيره أما الذى مازال طفلاً فإنه يصير جاهلاً وغير واعٍ بها.

3 - بدايه العزله هى طرح كل انزعاج خارج النفس ونهابة العزلة هو عدم الخوف من أى انزعاج وأن يبقى الانسان لا يحسّ بها، بل حتى لو خرج خارج عزلته بدون أن ينطق بكلمه فهو شفوق ومقدس ونبع للمحبه وهو لا يبدأ بالحديث ولا يتحرك بالغضب.

4 - إن قلاية المتوحد هى سجن لجسده. ولكن يشرق فيه شعاع المعرفه.

5 - إن الاعتزال مناسب فى الوقت المناسب إذا كان هناك مرشد. لان حياة الرهبنه الملائكيه تحتاج إلى الوحده والعزله وأنا أعنى الوحده الجسديه والنفسيه والروحيه.

6 - الذى إختبر حياة الوحدة فإنه دخل إلى عمق الأسرار لأن أذن المتوحد تسمع من الله كلمات عجيبه وكما يقول سفر أيوب «ثم الىّ تسللت كلمة فقبلت أذنى منها ركزاً. فى الهواجس من رؤى الليل عند وقوع سبات على الناس. أصابنى رعب ورعده فرجفت كل عظامى. فمرت روح على وجهى. إقشعر شعر جسدى. وقفت ولكنى لم أعرف منظرها شبه قدام عينىّ سمعت صوتاً منخفضاً... » أى 4: 12 - 18.

3 - الفضيله:

تخيل الفضيله كما تتخيل الجسد. وتأمل فيها كما تتأمل النفس. والأثنان. [الجسد والنفس] كلاهما يكونان الرجل الكامل الذى صار واحداً بالروح لكلا جزئين اللذين هما الجسد والنفس.

وكما أنه يصعب على النفس أن تعلن وجودها بصوره جسديه هكذا يستحيل أيضاً على النفس أن تصل إلى التأمل بدون العمل النشيط فى الفضيله.

مار اسحق السريانى.

قال أحد الأباء[25]:

الذى تقدم فى الفضيله وإمتلأ بالمعرفه فإنه يرى الأشياء كما وجدت فى طبيعتها. وهو يقول ويفعل كل شئ بفهم ولا ينحرف عن ذلك. لأننا نصير فضلاء أو خطاه وفقاً لاستخدام الاشياء بحكمه أم بغباء.

إن بعض الفضائل خاص بالجسد والآخر خاص بالنفس. أما الفضائل الخاصة بالجسد فهى الصوم والسهر والنوم على الأرض العاريه والخدمه والعمل اليدوى حتى لا يصير الانسان عبثاً على الآخرين وحتى يستطيع أن يعطى صدقه. أما فضائل النفس فهى المحبه والشهامه والوداعه وضبط النفس والصلاه. وإذا لم تقدر أن تمارس الفضائل الجسديه بسبب المرض أو ضعف الحاله الجسديه فإن الرب الذى يعرف السبب سوف يغفر لنا ذلك بلطفه ولكن إذا لم نمارس فضائل النفس. فإنه لا يوجد لدينا عذر فى ذلك لأنه لا يوجد اى عائق لذلك.

إن ربنا يسوع المسيح هو مصدر كل الفضائل. لأن البشر الذين لهم شركة مع الله هم الذين يحرزون الفضائل لأن الله نفسه هو أساس كل الفضائل.

نحن نبدأ بالفضائل الخارجيه الخاصة بالنسك وممارساته ثم نبدأ فى الفضائل الأخرى التى ترتبط بعضها ببعض. مثل الصلاة التى تعتمد على المحبه والمحبه تعتمد على الفرح والفرح يعتمد على الوداعه والوداعه تعتمد على التواضع والتواضع يعتمد على الخدمه والخدمه على الرجاء والرجاء على الايمان والايمان على الطاعه والطاعه تعتمد على البساطه. وهكذا الرذائل التى هى عكس هذا فإنها مرتبطه بعضها ببعض مثل الكراهيه التى هى مرتبطه بالغضب والغضب بالافتخار والافتخار بالمجد الباطل والمجد الباطل بعدم الايمان وعدم الايمان بقساوة القلب. وهكذا فإن الرذائل متداخله مع بعضها.

القديس مكاريوس.

إن الفضائل تريد أن نريدها فقط لأنها موجوده فينا وتنبع من داخلنا. والفضائل توجد حينما تحتفظ النفس بحالتها التى خلقت عليها. وهى تحتفظ بحالتها الطبيعيه حين تبقى على حالتها التى وجدت عليها وحينئذ ترجع إلى حالة الكمال والاستقامة والجمال. لأن النفس تصير مستقيمه حينما يكون العقل فى حالته الطبيعيه التى خلق عليها. ولكن حين تنحرف النفس عن حالتها الطبيعيه فهذه هى التى تدعى الرذيله.

القديس أثناسيوس الرسولى.

4 - الصوم:

إن المخلص بدأ عمل خلاصنا بالصوم. وهكذا فإن كل الذين يتبعون خطوات المخلص يبنون على هذا الأساس بداية إحتمالهم. لأن الصوم هو السلاح الذى أسسه الله. من ذا الذى يهرب من اللوم إذا ما أهمل الصوم؟ إذا كان واضع الناموس قد صام فكيف يعتذر عن الصوم أولئك الواجب عليهم أن يصوموا؟ وهذا هو السبب الذى لأجله لا ينتصر جنس البشر. وبسبب الصوم لا يستطيع الشيطان أن يهزمنا لأنه عن طريق سلاح الصوم قد نزع من الشيطان كل قوة خارجيه. وحالما يرى الشيطان أى أحد منا يمتلك هذا السلاح فانه يخاف من الهزيمه ويتعذب منا لانه يتذكر ويفكر فى هزيمته التى حدثت فى البريه من المخلص وعندئذ تتحطم قوته. وصومنا يبدد الشيطان بقوة الرب يسوع المسيح الذى صام فبدده. إن الانسان الذى يتسلح بالصوم هو دائماً ملتهب بالحماس. والذى يثبت فى الصوم فإنه يحفظ عقله ثابتاً ومستعداً أن يقاتل ويقاوم كل الشهوات الخاطئه.

مار اسحق السريانى.

إن عقل من يصوم يصلى برذانة. أما عقل من لا يضبط جسده فهو مملوء بالنجاسه.

مار اسحق السريانى.

إن من يدلل بطنه ويظن أنه يستطيع أن يهزم شيطان الزنا يشبه من يحاول أن يطفئ النار بالبترول.

مار اسحق السريانى.

إعلم أن الشيطان دائماً يختبئ فى البطن ولا يدع الانسان يرضى ولو أكل كل خيرات مصر وشرب نيلها. ولكن بعد أن يأكل الانسان الطعام فإن الروح النجس يذهب عنه ويرسل له روح الزنا ليمسكه ويقيده لأنه حينما تمتلئ البطن لا يستطيع الانسان أن يقاوم شيطان الزنا الذى يقيد أرجلنا وأيدينا وعن طريق النوم يفعل معنا كل ما يسره وينجس الجسد والنفس بنجاساته وأحلامه وخيالاته.

مار اسحق السريانى.

إن الصوم هو قهر الطبيعه. وهو قطع كل شئ ينبع من شهوة الطعام. هو إمتناع الشهوة وقلع الأفكار الشريره والتحرر من الاحلام. وهو مصدر الصلاة الطاهره. وهو نور النفس وحراسة العقل والتخلص من العمى وباب تأنيب الضمير والصراخ المتواضع والانسحاق المبهج وهدوء اللسان وسبب الصمت وحراسة الطاعة والنوم المشرق وصحة الجسد وسبب عدم الشهوات ومحو الخطايا وباب الفردوس وبهجته.

مار اسحق السريانى.

قال أحد الأباء[26]:

إن الصوم يطرح الأرواح الشريره والخطايا المستتره التى تختبئ فى النفس كما تطرد الشمس الضباب. أن الصوم يؤهلنا لرؤية الأمور الروحيه حيث يوجد المسيح الشمس الذى لا يغرب قط بل يشرق دائماً بلا توقف. إن الصوم يساعد على السهر والتأمل ويلين قساوة القلب. وحيثما يوجد التغلب على شهوة الاكل فإن تأنيب الضمير ينشأ. ولذلك أتوسل اليكم أيها الأخوة أن يجاهد كل منا لكى يحدث هذا معنا. وحيثما يوجد هذا الصوم فإننا سوف نتطهر من بحر الشهوات ونعبر من التجارب التى يثيرها العدو القاسى وعندئذ نتغلب على الشهوات.

ثانياً – الخطايا الثمانيه الرئيسيه:

قال أحد الأباء[27] أنه توجد ثمانية خطايا رئيسيه للنفس ينبع منها العديد من التجارب وهى:

1 - الشراهه

5 - الحزن

2 - الزنا

6 - الضجر

3 - الحسد

7 - المجد الباطل

4 - الغضب

8 - الكبرياء

† توجد ثمانية أفكار رئيسيه تنبع منها كل الأفكار الأخرى وهى:

1 - شراهة الأكل

5 - الغضب

2 - الزنا

6 - اليأس

3 - محبة المال

7 - المجد الباطل

4 - التذمر

8 - الكبرياء

وسواء هذه الأفكار تزعج النفس أم لا وسواء تثير فينا الشهوات أم لا فإن الأمر متوقف علينا.

القديس أوغريس.

إن الحرب مع الشهوات هى حرب ضروريه مع العقل. ونحن ننتصر فيها على كل ما يتعلق بالشهوات ونجاهد لكى نطردها. ولكن هناك أيضاً جهاد آخر مع الأفعال التى نصنعها عن عمد لكى ننتصر على الشهوت وعلى سبيل المثال لكى ننتصر على شهوة محبة المال يجب ان نتصدق بالمال بحريتنا. ولكى نحارب الكبرياء يجب أن نختار الأعمال الحقيره. ولكى نهزم شهوة التسليه يجب أن نبقى فى منازلنا.

فهناك طريقتان لطرد الشهوات. الطريقه الأولى هى أن ندفع الشهوات من داخلنا حتى لا نعطى مكاناً لشهوات أخرى أما الطريقه الثانيه فهى ان نجاهد بالافعال الحسنه لكى نطرد الشهوات الشريره. وهكذا فإن الطريقتين تقدران أن تهزما أى نوع من الشهوات التى تهاجمنا.

القديس ثيوفان الناسك.

1 - الضجر:

إن الضجر متعلق بالاكتئاب وهو خاص بالرهبان المتوحدين ويحارب الذين يحيون فى البريه ويزعج الرهبان خاصة فى منتصف النهار. وهو مثل الحمى يأتى فى وقت منتظم ويتعب النفس المريضه. وبعض الآباء أعلنوا أن الضجر هو شيطان الظهيره الذى تحدث عنه المزمور التسعين. والضجر يحارب العقل غير السعيد. والضجر يدعو الراهب أن يغير مكانه ويجعله متضايقاً ويتذمر من أخيه ومن أى عمل آخر ويجعل الانسان فاتراً وهامداً.

والضجر يجعل الراهب لا يرغب فى المكوث فى القلايه ولا أن يستمر فى القراءه. ولكن يجب أن نحزن وننوح لكى نبقى فى نفس المكان. والضجر يجعلنا لا نحرز أى تقدم ويصيرنا بلا ثمر، ويتركنا فارغين من كل فائدة روحية وبلا رجاء وفارغين. والضجر يدعو الراهب أن يخرج من قلايته أو من ديره لكى يفيد الآخرين. ولكن يجب أن يبقى فى قلاته حيث لا يمكن أن يشفى بدون تعب وجهاد. وبإختصار لا توجد أى صحة لنا إلا فى المكوث فى مكاننا ولا ننتقل منه إلى أى مكان آخر حتى لو هلكنا داخله.

إن الرسول بولس مثل طبيب روحانى يشفينا من مرض الضجر بأن يوصينا أن نحرص أن نكون هادئين ونعمل بأيدينا.

القديس يوحنا كاسيان.

2 - المجد الباطل:

المجد الباطل هو تغيير الطبيعه، وانحراف السلوك، وتبديد العمل، وضياع الحلاوه، وانحراف الكنوز، وهو عدم الايمان، وتحطيم السفينه فى الميناء، ومقدمه للكبرياء. ومثل النحله فى الجرن هى صغيره جداً ولكنها تنتظر الثمار حين تجمع حتى تسرقها وتأكلها، هكذا المجد الباطل الذى ينتظر غنى الفضائل حتى يبددها.

يوحنا الدرجى.

مثل الشمس التى تشرق على الكل هكذا المجد الباطل الذى يظلل على كل الانشطة. فالمجد الباطل يحاربنا حين نصوم وحين نأكلن وحين نلبس ملابس قيمة وحين نلبس ملابس حقيره، وحين نتكلم وحين نصمت فإن المجد الباطل يحاربنا وينخسنا.

يوحنا الدرجى.

إن الذين لهم حياة روحيه متقدمه هم الذين يحتملون الضيقات بفرح وإحتمال ولكن القديسين فقط هم الذين يحتملون المديح بدون أى ضرر.

يوحنا الدرجى.

إنه عمل عظيم أن تنزع من النفس تأثير مديح البشر ولكن مقاومة مديح الشياطين هو عمل أعظم.

يوحنا الدرجى.

إن المجد الباطل هو الذى يجعل الانسان المتعالى يفتخر. أما المحتقرون فإنهم يستنكرونه.

يوحنا الدرجى.

حكى لى أحد الأباء المنسحقين ما يلى:

حينما كنت أجلس فى الاجتماع جاءنى شيطان المجد الباطل وشيطان الافتخار وجلسا بجوارى كل منها على جانب. وتحدث معى شيطان المجد الباطل وناقشنى لأقص بعض الرؤى التى رأيتها فى البريه ولكن حالما صرخت فى وجهه قائلاً «ليرتد إلى الوراء وليخز المسرورون بأذيتى» مر 40: 14 وعندئذ همس شيطان الافتخار قائلاً لى: حسناً فعلت حسناً فعلت، لقد صرت عظيماً بهزيمتك لأمى المخزيه، وعندئذ أكملت الآيه «ليرجع من أجل خزيهم القائلون هه هه» مز 70: 3. ولما سألت هذا الأب كيف يكون المجد الباطل أم الافتخار؟ قال لى: إن الأفتخار يرفع الانسان وحين ترتفع النفس فإن الكبرياء يمسكها ويرفعها إلى السماء ثم يلقيها إلى أسفل حيث الجحيم.

يوحنا الدرجى.

هناك بعض الناس يعيشون فى العالم ويقضون حياتهم فى السهر والصوم ويمارسون النسك ولكن نسكهم هذا هو نسك خادع لأنهم زرعوا فضائل كثيره ولكنها كانت تروى بالمجد الباطل والمديح وحين ذهب هؤلاء الناس إلى البريه تبددت كل ثمارهم ويبست فى الحال لأن مياه الحب لم توجد فى ممارساتهم.

يوحنا الدرجى.

ثالثاً – فلسفة الأفكار:

1 - التجارب:

مثل الفتاه التى يغازلها الرجال فتجرى إلى والديها وتمسك ثيابهما وتصرخ اليهما طالبة المعونه هكذا أيضاً النفس كلما تضايقها الشياطين وتخيفها بالتجارب فإنها تسرع لكى تلتصق بالله وتتوسل اليه فى صلاة بلا توقف. وكلما تتتابع التجارب واحده بعد الأخرى فإنها تضاعف تضرعاتها. ولكن حين تستريح من التجارب فإنها تدخل فى الأفكار الشريره.

مار اسحق السريانى.

حينما تكون الحرب صغيره وغير ناضجه حطمها قبل أن تتسع وتصير لها فروع كثيره منتشره. لا تهمل نفسك حين ترى الاخطاء الصغيره قد دخلت اليك حتى لا يسيطر عليك الشيطان ويجرك كعبد وسجين. وهكذا فإن الذى يجاهد ضد الشهوات فى بدايتها فإنه للحال سوف يسيطر عليها.

يوحنا الدرجى.

قال أحد الأباء[28]:

لا تنتقل من الدير الذى تقيم فيه حين تحل عليك التجارب، ولكن إحتمل حرب الأفكار بشجاعة وخصوصاً أفكار الحزن واليأس لأنك سوف تصل إلى ثبات رجائك فى الله. ولكن إذا تركت ديرك فإنك سوف تصير مثل التائه الجبان غير الثابت.

إن التجارب تقودنا إلى المواهب التى أخذتها نفوسنا والتى لا يعرفها أى أحد إلا الله فقط، ولا حتى أنفسنا تعرفها، ولكن نفوسنا تعرفها فقط خلال التجارب. وعندئذ لن نجهل طبيعتنا التى وجدت عليها، وحين نعرف أنفسنا فإننا نصير حذرين وعندئذ سوف نشكر الله على البركات الممنوحه لنا والتى كشفتها التجارب.

وهكذا فإن التجارب تأتى الينا وتحدث الهدف الذى يكشف حقيقة أنفسنا وتكشف الأشياء التى فى قلوبنا.

العلامة أوريجانوس.

2 - الأفكار:

إن كان موسى أمر ألا يقترب احد من العليقه المشعله حتى يخلع حذاءه من قدميه، فكيف لا تحرر نفسك من كل فكر شهوانى حتى تبرهن رغبتك فى رؤية الواحد الذى هو فوق كل فكر ووصيه.

القديس أوغريس.

توجد ثمانية أفكار رئيسيه ومنها تنبع كل الأفكار الشريره الأخرى:

1 - النهم

5 - الغضب

2 - الزنا

6 - اليأس

3 - محبة المال

7 - المجد الباطل

4 - عدم الرضا

8 - الأفتخار

وهذه الأفكار حين تشبع فينا الشهوات والانفعالات فإن الأمر متوقف على إرادتنا نحن.

القديس أوغريس.

قال أحد الأباء[29]:

يجب أن نكون واعين للأفكار التى يزرعها الشيطان فينا حتى نقطعها فى الوقت الذى تهب فيه ويجب ألا نتلذذ بالأفكار التى يزرعها فينا الشيطان. وحين يكتسب العقل مهاره فى طرد الأفكار فإنه سوف يصل إلى طريق النصره فى هذه الحرب الفكريه حتى يميز بين الأفكار الصالحه والشريره وأن ينزع الثعالب الصغيره المفسده للكروم (نش 2: 15). تلك الأفكار التى تدخل بدهاء ولكننا نحاربها بمساعدة المسيح ونطردها خارجاً.

قال أحد الأباء[30]:

كما أنه يستحيل أن تجتمع النار والماء معاً، هكذا هو مستحيل على الخطيه أن تدخل القلب ما لم تقرع على الباب أولاً خلال الخيالات الشريره. التى يزرعها عدو الخير.

فالشيطان يأتى أولاً بإقتراحاته ثم يأتى الارتباط بين أفكارنا وأفكار الشيطان ثم يأتى ثالثاً الاندماج حينما تتصالح أفكارنا مع أفكار الشيطان لتفعل ما يريده ثم يأتى رابعاً العقل المنظور الذى هو الخطيه. ولكن لو أن العقل أصبح ثابتاً فى الخشوع ومنتبهاً إلى ذاته وبمقاومته للفكر الشرير ودعوته للرب يسوع ليطرد الأفكار الشريره فى هجومها فلن تحدث تلك الخطوات المتتابعه، لأن الشيطان هو فكر بلا جسد لا يستطيع أن يقود النفس بعيداً إلا بالفكر والتخيل ولذلك يقود داود النبى «باكراً أبيد جميع أشرار الأرض لأقطع من مدينة الرب كل فاعلى الأثم» مز 101: 8 ويقول العظيم فى الأنبياء «لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً» خر 23: 32.

إن التذكار الحلو الذى لاسم الرب يسوع المسيح الممتزج بالانسحاق يستطيع دائماً أن يسحق خيالات الأفكار وكل الاقتراحات الشريره المتنوعه والكلمات والاحلام والخيالات المظلمه وباختصار كل مدمرات الشيطان التى يحاول بها أن يدمر نفوسنا. أما حين ننادى يسوع فإنه يحرق كل هذا. لأننا لن نجد أى خلاص إلا فى يسوع المسيح. وهكذا فإن المخلص نفسه يؤكد ذلك بقوله «لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً» يو 15: 5. دعنا نحرس قلوبنا كل ساعة وكل لحظة من الأفكار التى تظلم مرآة النفس بحيث لا يبقى سوى صورة يسوع المسيح ربنا المشرقه الذى هو حكمة الآب وقوته. دعنا نطلب باستمرار ملكوت السموات فى القلب وبالتأكيد سوف نجد البذره فى أنفسنا ونجد أيضاً الجوهره والنبع وكل شئ صالح. وهذا هو سبب قول الرب يسوع السميح إن «ملكوت الله فى داخلكم» لو 17: 21 ومعنى ذلك هو أن الله يسكن فى القلب. إن اليقظة هى التى تطهر الضمير حتى يشرق. وحين يتطهر الضمير فإنه يطرد كل ظلمة منا. ومثل النور الذى يشرق فيبدد كل ظلام هكذا اليقظه الدائمه هى التى تطرد الظلمه. والضمير أيضاً يكشف لنا ما نكون قد نسيناه من قبل أو ما يكون مازال مختبئاً دون إدراك.

وفى نفس الوقت فإن اليقظة تعلمنا الجهاد غير المنظور مع الأعداء الذين يثيرون العقل بحرب الأفكارن وتعلمنا أيضاً كيف نلقى أسهمنا ضد العدو وكيف نملأ عقولنا بالأفكار الجيده وكيف نمنع أسهم العدو من أن تجرح العقل بأن نجعلها تبعد عنا حين نطلب أن نحتمى فى المسيح، وعندئذ نحصل على حماية النور لرغباتنا المنيره فى مكان الظلمه المهلكه. والذى قد إختبر هذا النور فإنه يفهم ما أتحدث عنه.

القديس قيلوثاوس الذى من سينا.

احرس عقلك بالأنتباه المركز الدائم. وحين تلاحظ أى فكر شرير فللحال قاومه وإسرع لدعوة الرب يسوع المسيح لينتقم لك. وفيما أنت تستمر فى دعوته فإن صوت الرب يسوع الحلو سيقول لك: أنا معك لكى أحميك. ولكن إذا حدث أثناء صلاتك أن الأعداء أخضعوا عقلك فيجب عليك أن تنتبه ثانية إلى عقلك. وهنا تأتى أمواج الأفكار أكثر من قبل وتسرع ضدك واحد تلو الآخر حتى تكاد النفس ان تبتلع وتهلك. ولكن لأن يسوع هو الله الذى بدد الأمواج وأخضع الريح حين طلب منه تلاميذه فهو أيضاً يبدد كل الأفكار ولكن عليك أن تمجد ذاك الذى خلصك وعندئذ سوف تستغرق فى التأمل فيما بعد الموت.

القديس فيلوثاؤس السينائى.

رابعاً: طهارة القلب:

إن حدود الطهارة الكامله هى أن نكون متساوين فى الانفعال تجاه الاجساد الحيه مثل الميته والعاقله مثل غير العاقله.

يوحنا الدرجى.

ليس الطاهر هو من حفظ جسده من النجاسه بل الذى أخضع كل أعضاءه للنفس.

يوحنا الدرجى.

إن هدفنا هو ملكوت السموات وهو الهدف الثابت الذى لا يتغير قط. وبدون طهارة القلب لا يمكن أن نصل لهذا الهدف. ويجب أن نحتفظ بهذا الهدف دائماً فى عقلنا. وقد يحدث أحياناً لفترة قصيرة أن ينحرف قلبنا عن الطريق المستقيم ولكن يجب أن نرجعه ثانيه وأن نقود حياتنا بالتقوى المناسبه لهذا الهدف.

ويجب أن نفعل كل شئ من أجل هذا الهدف المباشر، فنحن نترك أوطاننا وعائلاتنا وممتلكاتنا وكل شئ عالمى لكى ننال طهارة القلب. ونحن نحتقر الغنى المادى من أجل محبة إخوتنا لئلا نقاتل بالغضب ونسقط من الحب. وإذا ما تحركنا بالغضب ضد أخينا. حتى لو كان من أجل أمور بسيطه فإننا نسقط من هدفنا ويكون خروجنا من العالم غير ذى أهميه. ولقد حذرنا بولس الرسول من ذلك حين قال « وإن سلمت جسدى حتى احترق ولكن ليس لى محبه فلا أنتفع شيئاً» 1كو 13: 3.

ونحن نعلم أن الكمال لا يتوقف على مجرد ترك العالم ولكنه يأتى بعد إدراك الحب كما يقول الرسول بولس. «المحبه تتأنى وترفق. المحبه لا تحسد. المحبه لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء» 1كو 13: 4 - 5 وكل هذه الأمور السابقة التى تحدث عنها بولس الرسول هى التى تؤسس طهارة القلب. ونحن نفعل كل شئ من أجل هذه ونحتقر كل ممتلكاتنا ونحتمل الأسهار والاصوام بفرح والقراءة الروحيه والتسبيح.

إن الأصوام والأسهار وقراءة الكتاب المقدس ليست هى الهدف والكمال ولكننا نصر إلى الكمال عن طريق تلك الممارسات. لأنه لن يفيدنا إفتخارنا بأصوامنا وأسهارنا وقراءتنا فى الكتاب المقدس إذا لم نصل إلى محبة الله ومحبة القريب، لأن كل من أدرك حب الله فى قلبه فإن عقله يكون دائماً مع الله.

القديس يوحنا كاسيان.

متى يمكننا أن نقول أننا قد أدركنا الطهاره؟ حين نرى أن كل الناس صالحون ولا ننظر إلى أى أحد أنه نجس أو غير طاهر عندئذ نصل إلى طهارة القلب.

مار اسحق السريانى.


[22] - الأب سمعان اللاهوتى.

[23] - الأب يوحنا من كرونستات.

[(+)] – خاصة بالرهبان.

[25] - الأب مكسيموس المعترف.

[26] - الأب سمعان اللاهوتى.

[27] - الأب نيللوس.

[28] - الأب مكسيموس المعترف.

[29] - الأب هسكيوس.

[30] - الأب هسكيوس Hesychius.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

جدول المحتويات