المزمور الثاني والثلاثون – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثاني والثلاثون

هذا المزمور يحدثنا عن غفران الخطية. وقال بعضهم أنه وضع ليصلوا به يوم الكفارة والمزمور يحدثنا عن، أن كتم الخطية لا يفيد صاحبها وأن الاعتراف بها يعطي راحة. وفي هذا يتفق مع (أم13: 28) "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم". هنا نرى شرطين لغفران الخطية [1] التوبة (يتركها) [2] الاعتراف (يُقِّرْ بها).

ولكن نلاحظ في الآية الأولى طوبى للذي غُفِر اثمه وسترت (تغطت) خطيته. وهذه الآية استخدمها بولس الرسول في (رو6: 4 - 8) ليشرح كيف أن الله يبرر الفاجر الذي يؤمن وبإيمانه يحسب له الله براً بدون أعمال. وبولس هنا يحدثنا في هذا الإصحاح عن عمل المسيح بنعمته أي بعمله الخلاصي. فالتوبة والاعتراف ما كان لهما أن يغفرا أي خطية بدون دم المسيح الذي يكفِّر أي يستر ويغطي الخاطئ (رؤ14: 7). ونلاحظ أهمية الإقرار بالخطية في قصة سقوط أبوينا آدم وحواء، فبعد سقوطهم نجد الله يسألهم، وكان الله ينتظر منهم أن يعترفوا بالخطية ولكنهم لم يفعلوا بل برروا أنفسهم فلم ينجحوا ولهذا أصَّر يشوع أن يعترف له عاخان (19: 7) ويخبره علناً بخطيته ويعترف أمام الله. وكنيستنا تلتزم بهذا فتعلم أولادها أن [1] يؤمنوا بأن دم المسيح هو الذي يكفر عن خطايانا [2] نعترف بخطيتنا للكاهن (سر الاعتراف) [3] نقدم توبة = (قرار بأننا لن نعود للخطية).

بالنسبة لداود فقد سقط في خطية أوريا ولم يشعر بأنه أخطأ. ولكن هو لاحظ أنه بعد الخطية فقد سلامه، بل فقد ترانيمه ولم يعد يصلي، بل تألمت عظامه وتألم ألماً شديداً وكل ذلك حتى جاءَه ناثان، واعترف أمامه بخطيته وبدأ التحول والرجوع للحالة القديمة.

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. 2طُوبَى لِرَجُل لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ.".

التطويب هنا للإنسان الذي ينال غفران خطاياه (دم المسيح + توبة + إعتراف) استخدمت هنا عدة ألفاظ.

الإِثْمُ = تعنى تجاوز حد معين أو فعل أمر ممنوع وتشير للتمرد ضد رئيس شرعي أو ضد الضمير. عموما الكلمة تشير لأى خطأ موجه لله أو لإنسان.

الخَطِيَّة = لغوياً تعنى الخطأ في إصابة الهدف، فإذا كان هدف أى إنسان هو أن يحيا سعيدا، وفى النهاية تكون له حياة أبدية فى المجد، فيكون الخطأ الذى يتسبب فى ضياع الهدف هو ترك وصايا الله أو الإبتعاد عن سبل الله. وتحديدا يكون الخطأ هو أن أبحث عن ماذا أريد أنا وليس ماذا يريد الله. وهذا معنى قول بولس الرسول "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو3: 23).

المعصية = الانحراف عن مسار محدد، أو إعوجاج يحدث لشجرة بسبب ريح عاصف. هي كلمة تشير لحدوث شئ ضد النمو الطبيعي.

الغِشٌّ = تدل الكلمة على الزيف والخداع والمكر. والخطية تُسمَّى غش لأنها مخادعة وكاذبة. فالشيطان يخادع ويظهر للإنسان لذة الخطية ويخفى الألام الناشئة.

المغفِرة = الكلمة الأصلية تعني رفع، مثلما يُرْفَعْ حمل ثقيل عن كاهل إنسان ينوء تحته.

الستر = الستر لا يعني أن الله يتجاهل الخطية، بل دم المسيح كَفَّرَ عنا أى غطانا (فى اللغة العربية فلاح = كافر فهو يغطى البذور داخل التربة وكان هذا قبل الإسلام الذى حدَّد معنى آخر للكفر) ونحن بصليبه لبسنا بر المسيح، صار بره عوض خزي خطايانا (كما كان غطاء التابوت يغطي بدم ذبيحة الكفارة.) وكما قلنا في مزمور (1) أنه لم يوجد رجل كامل سوى المسيح وحده، ولكن إذ يسدد المسيح ثمن خطايانا نحسب نحن كاملين فيه (كو1: 28). لذلك لم يقل المرنم طوبى لرجل بلا خطية = فهذا لا يوجد، بل قال طُوبَى لِرَجُل لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً. "فالله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه وغير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة" (2كو14: 5 - 19). والخاطئ الذي يتمتع بغفران خطاياه والستر عليها يُحسب كبرئ لا يحمل في قلبه ولا فكره ولا فمه غش = وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ. وفي (رو6: 4 - 8) نرى بولس الرسول يستخدم الآيتين لشرح عمل النعمة، فالنعمة وعمل الله الداخلي هي التي تصلح إنحراف الإنسان الداخلي وليس أعمال الناموس. ونحن نحصل على كل هذه النعم بواسطة المعمودية التي بها نستر عرينا. ثم إن فقدنا هذه النعمة بخطايانا نستعيد ما فقدناه بالتوبة والاعتراف.

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ، 4لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ عَلَيَّ نَهَارًا وَلَيْلاً. تَحَوَّلَتْ رُطُوبَتِي إِلَى يُبُوسَةِ الْقَيْظِ. سِلاَهْ.".

نرى فيهما عقوبة كتم الخطية وعدم الاعتراف. ربما ظن داود أن الزمن كفيل بعلاج خطيته وأن الصمت والكتمان في الخارج فيهما علاج للموقف ولكنه لاحظ أن كيانه الداخلي إهتز، وعظامه بدأت تشيخ وتبلى. فكلما طالت المدة بدون إعتراف كلما زادت حالة الإنسان سوءاً. والأسوأ أن داود عوضاً عن أن يسلك في الطريق الصحيح ويعترف بخطيته نجده يشتكي سوء حاله الذي وصل إليه = مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ. فهو كان مع كل نفس له يشتكي مرارة حالته التي وصل إليها. وكانت حالته الردية التي وصل لها هي نتيجة طبيعية لتأديب الله له = لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ عَلَيَّ النَهَار وَاللَيْل = ليدفعه الله أن يشعر بخطيته ويعترف بها. والله بتأديبه لأولاده يجعل الخطية تتمرر في أفواههم، بالتبكيت ثم بالتأديب.

العدد 5

آية (5): -

"5أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي» وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي. سِلاَهْ.".

الإعتراف بداية طريق الإصلاح. والإنسحاق أمام الله وإدانة النفس هي طريق العودة.

العدد 6

آية (6): -

"6لِهذَا يُصَلِّي لَكَ كُلُّ تَقِيٍّ فِي وَقْتٍ يَجِدُكَ فِيهِ. عِنْدَ غَمَارَةِ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ إِيَّاهُ لاَ تُصِيبُ.".

مع العودة لله بالتوبة يعود التائب لحياة الصلاة ليعطيه الله خلاصاً وسط ضيقاته والضيقات مشبهة هنا بطوفان = عِنْدَ غَمَارَةِ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ إِيَّاهُ (المصلي التائب) لاَ تُصِيبُ.

العدد 7

آية (7): -

"7أَنْتَ سِتْرٌ لِي. مِنَ الضِّيقِ تَحْفَظُنِي. بِتَرَنُّمِ النَّجَاةِ تَكْتَنِفُنِي. سِلاَهْ.".

هنا نرى الله الغافر الذي يستر على الخاطئ، فنحتمي فيه فلا يدركنا طوفان الدينونة.

أنت ستر لى = هذا ما عمله المسيح بدمه الذى غطانا = سترٌ علينا = كفارة. فما عاد الآب يرى خطايانا بل يرى دم إبنه فيحسبنا كاملين وبلا لوم (كو1: 28 + أف1: 4) ولهذا طلب السيد المسيح منّا قائلا "إثبتوا فىَّ" (يو15: 4) فهذا هو طريق الستر أى نستتر فيه.

الأعداد 8-11

الآيات (8 - 11): -

"8«أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ. 9لاَ تَكُونُوا كَفَرَسٍ أَوْ بَغْل بِلاَ فَهْمٍ. بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ يُكَمُّ لِئَلاَّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ». 10كَثِيرَةٌ هِيَ نَكَبَاتُ الشِّرِّيرِ، أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَى الرَّبِّ فَالرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ. 11افْرَحُوا بِالرَّبِّ وَابْتَهِجُوا يَا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ، وَاهْتِفُوا يَا جَمِيعَ الْمُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ.".

نرى الله كمرشد ومعلم لأولاده في الطريق الملوكي. وهو يعطي أولاده حكمة وفهماً فلا يكونوا كفرس.. بلا فهم. ولو كانت النفس متمردة جامحة يضع الله في أفواهها لجاماً يقيدها به ليضبطها = بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ = هذه اللجم للزينة لأنها تقود النفس للتوبة. هذه اللجم تشير لتأديب الله وبعض التجارب التي يسمح بها، كما عوقب شمشون بالعمى لتستنير بصيرته الداخلية. يُكَمُّ لِئَلاَّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ = الله بتأديباته كأنه يضع لجاماً في أفواهنا فلا نجمح وراء شهواتنا فيدنو إلينا غضبه فكَثِيرَةٌ هِيَ نَكَبَاتُ الشِّرِّير.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الثالث والثلاثون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور الحادي والثلاثون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 32
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 32