الأصحاح الخامس عشر – سفر التكوين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر التكوين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الخامس عشر

العدد 1

أية (1): -

"1بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى أَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا قَائِلاً: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدًّا».".

لا تخف: هو مهدد بحرب الآن مع كدرلعومر ورجاله كنوع من الإنتقام من هزيمته، وهو ساكن وسط أناس غرباء. وقد ترك أهله فى أور وأهله الذين فى حاران، وحتى لوط إبن أخيه ورجاله تركوه، وهو بدون أبناء يساعدونه. ولكن نجد أن الله الذى إختار له هذا المكان ليعيش فيه يقول له لماذا تخاف وأنا الذى أحميك = أنا ترس لك. وهذه عادة الله أنه إذا سمح لأحد أبنائه أن يوجد وحيدا تجد الله يشعره بوجوده حتى يطمئن، وهذا ما فعله الله حين غادر يعقوب بيت أبيه وأمه وسار وحيدا فى صحراء، إذ ظهرت له رؤيا السلم الواصل إلى السماء.

ترس = هو الدرع الذى يحمى الصدر فى أثناء القتال. والمعنى أن الله هو الذى يدافع عنه ويحميه.

أجرك كثير جداً: ما سبق كان عن حماية الله ولكن هذا ليس كل شئ بل هناك مكافأة من الله لأبرام. هو ترك أهله وترك الراحة والأمان فى أور وحاران. والله هنا يكافأه بما لا يستطيع البشر أن يعطوه، فيكون نسله كنجوم السماء ومن نسله يتبارك الأمم. فالنسل الموعود به ليس إسحق فقط بل المسيح الذى فيه يتباك كل الأمم.

ولاحظ قوله بعد هذه الأمور: كأن ما تمتع به إبرام من كلام الرب ووعوده له جاء نتيجة مواقفه الإيمانية، فهو ترك أور وترك حاران ونفذ كلام الله بإيمان ولأنه عرَّض نفسه للخطر من أجل إنقاذ لوط. وبالنسبة لنا فكلما جاهدنا في علاقتنا مع الله وأطعناه كلما إقترب الله منا.

العدد 2

أية (2): -

"2فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيمًا، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟ »".

حينما شعر أبرام بإقتراب الله إليه تحدث أبرام في جرأة ودالة مع الله وقال ماذا تعطيني وأنا ماض عقيماً: ماض في طريق الأرض كلها أي سأموت دون وريث يحمل اسمي = ومالك بيتي = أثبتت الأثار أن العبد كان يرث سيده إن لم يكن له أبناء. اليعازر الدمشقي: فربما صار له عبداً وهو في طريقه من حاران إلي كنعان مروراً بدمشق. معنى كلام أبرام هنا أننى قد كبرت فحتى لو كافأتنى يارب بمكافآت مادية فماذا أنتفع بها وأنا أيامى قد إقتربت وليس لى وريث فكل ما ستعطينى سيذهب إلى أليعازر.

العدد 3

أية (3): -

"3 وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضًا: «إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلاً، وَهُوَذَا ابْنُ بَيْتِي وَارِثٌ لِي».".

ابن بيتي: هذه تعني مالك بيتي أو عبدي ومن تواضعه ومحبته يسميه إبن أي بمنزلة إبن.

الأعداد 4-5

الأيات (4 - 5): -

"4فَإِذَا كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلاً: «لاَ يَرِثُكَ هذَا، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ». 5ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا». وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ».".

حياة إبراهيم سلسلة غير منقطعة من اللقاءات مع الله والتمتع بالوعود بسبب إيمانه الحي العملي وطاعته للرب في كل شئ. وعد النجوم: إذاً هذه الرؤيا كانت ليلاً وحين قال له نسلك كتراب الأرض (16: 13) كان هذا في نور النهار وهو يري التراب.

العدد 6

أية (6): -

"6فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا.".

فآمن بالرب فحسبه له براً: بحسب الطبيعة كان يبدو مستحيلاً تنفيذ هذا الوعد. وهنا نسمع لأول مرة كلمة "آمن" (عب20: 4 + رو3: 4 + غل 6: 3 + يع 23: 2 + رؤ 24، 23: 4) وصرنا نحن أولاد لإبراهيم بالإيمان. هو فتح لنا طريق البر خلال الإيمان.

العدد 7

أية (7): -

"7 وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا».".

الله لم يخرجه من أور ليتركه في الصحراء بل أعد له كنعان ليرثها.

العدد 8

أية (8): -

"8فَقَالَ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، بِمَاذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا؟ »".

بماذا أعلم أني أرثها: هو سؤال لا يحمل الشك فالله قد أعلن إيمانه من قبل (آية 6) وهو لم يقل كيف أعرف؟ كما لو كان لم يؤمن بعد أنه يرث. وإنما قال بماذا أعلم كأنه يطلب علامة ليعرف الطريق الذي به يتحقق ما قد آمن أن يناله أو أن يكون معنى السؤال هو كيف سيحدث هذا. وهذا ما صنعته العذراء مريم فهي سألت عن الوسيلة التي بها تلد وهي لا تعرف رجلاً لذلك أجابها الملاك "الروح القدس يحل عليك" ولأن سؤال إبراهيم كان عن ميراث كنعان، وكنعان تشير إلي كنعان السماوية جاءت إجابة الله تحمل جوانب ذبيحة المسيح وعهده الجديد الذي به يكون لأولاد إبراهيم بالإيمان الدخول لكنعان السماوية. وسؤال إبرام لله هنا يظهر الدالة بينه وبين الله. وقد جاءت العلامة تكشف لنا سر الكنيسة الخارجة من صلب أبرام. فالله وعده بنسل كنجوم السماء، والآن يكشف له عن هذا النسل الذي يصير كنيسة مقدسة للرب تضم أهل الختان (اليهود) والأمم. وهنا نفهم الآيات التى سبقت بمفهوم جديد:

لاَ يَرِثُكَ هذَا، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ (الآيات 4، 5).

لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا (الآية 7).

وقارن مع "فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصى الأرض ملكا لك" (مز2: 8) + ".. لتعلموا.. ما هو غنى مجد ميراثه فى القديسين" (أف1: 18). إذاً المؤمنين هم ميراث المسيح.

الميراث هو ميراث كنعان الأرضية وسيرثها إسحق نسل أبرام بالجسد وهكذا فهم أبرام كلام الله. ولكن المعنى الأبعد أن المسيح الخارج من أحشاء أبرام هو الذى يرث المؤمنين به من كل العالم يهوداً وأمم الذين لهم نفس إيمان أبرام (إبراهيم). وهذا الميراث من المؤمنين بالمسيح سيكونوا معه فى كنعان السماوية.

وسؤال أبرام هنا بماذا أعلم أنى أرثها كان يعنى بالنسبة لأبرام ما هى الطريقة التى سأرث بها وأنا ضعيف وحدى أمام كل هذه الشعوب؟ والله لم يرد عليه مباشرة، ولكن بأن أعطاه وعدا بطريقة ذلك الزمان وهى شق حيوان والمشى بين جزئى الحيوان. وهذا يعنى يكفيك يا أبرام أننى وعدت ودخلت معك فى عهد.

ولكن بالمعنى الرمزى صار سؤال أبرام يعنى كيف سيتم ذلك؟ أى كيف يا رب سترث هذا العالم المتمرد عليك من عابدى الوثن... إلخ؟ ويكون معنى الإجابة... بالذبيحة التى ستقدم على الصليب.

وبعد ذلك بسنين نجد الله يشرح ذبيحة المسيح عن طريق تقديم الإبن المحبوب لإبراهيم أى إسحق ذبيحة ولكنه يعود حيا، فالخلاص لا يكون بذبائح حيوانية بل بذبيحة المسيح الكفارية، وكانت الذبائح الحيوانية فى العهد القديم رمزا. وهكذا صار إصحاح (تك15) وما حدث فيه إنما هو رمز لإصحاح (تك 22) من تقديم إسحق ذبيحة.

وبعد تقديم الذبيحة كان معنى كلام الله لأبرام، أنك لن ترث الآن مباشرة، بل بعد أن يذهب نسلك ليقضى فترة فى العبودية.

الأعداد 9-10

الأيات (9 - 10): -

"9فَقَالَ لَهُ: «خُذْ لِي عِجْلَةً ثُلاَثِيَّةً، وَعَنْزَةً ثُلاَثِيَّةً، وَكَبْشًا ثُلاَثِيًّا، وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً». 10فَأَخَذَ هذِهِ كُلَّهَا وَشَقَّهَا مِنَ الْوَسَطِ، وَجَعَلَ شِقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ صَاحِبِهِ. وَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشُقَّهُ.".

الحيوانات المشقوقة هي طريقة الميثاق والدخول في عهد عند القبائل القديمة، فيقوم المتعاهدان بشق حيوان ويسيران وسطه كعلامة عهد وميثاق، وبمعني ليشقني الله هكذا لو خالفت العهد. وهنا شق أبرام الحيوانات إلي نصفين ووضع كل شق منهم تجاه الآخر أما الطيور فلم يشقها بل وضع كل طائر تجاه الآخر (الحمامة واليمامة) [لاحظ أن العهد بين الله والإنسان (العهد الجديد) كان بذبيحة المسيح] فهذه الرؤيا كشفت: -.

(1) سر المسيح المصلوب.

(2) سر الكنيسة الخارجة من صلب أبرام.

وهذه الحيوانات لها تفسيرات متعددة: -.

  1. هذه الذبائح تشير لذبيحة الصليب (وراجع تفسير سفر اللاويين) فنوع واحد من الذبائح ما كان يكفى لشرح ذبيحة الصليب. فهناك ذبائح المحرقة وذبائح الخطية وذبائح الإثم. ويمكننا القول أن العجل يمثل ذبيحة المحرقة والمعزة تمثل ذبيحة الخطية والكبش يمثل ذبيحة الإثم. والطيور تمثل الكنيسة التى تحمل الصليب مع مسيحها، فاليمامة تمثل الكنيسة المنعزلة عن شرور العالم ولكنها كنيسة مسبحة، والحمامة تمثل الكنيسة المملوءة بالروح القدس الذى يعزيها وسط ألامها. أما رقم 3 = ثلاثية = الموجود مع الحيوانات المذبوحة = فيشير لأن المسيح حقا مات على الصليب ولكنه قام فى اليوم الثالث وأقام معه كنيسته. وقارن هذا مع ما رآه القديس يوحنا اللاهوتى عن شكل المسيح فى رؤياه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). ويقول بولس الرسول "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب أى جسده" (عب10: 19، 20) فالمسيح هو الذبيحة الحية.
  2. تشير الذبائح للمؤمنين الذين يسلك بعضهم روحياً والبعض جسدياً وسن الحيوانات 3 سنوات إشارة لإيمان المؤمنين بسر الثالوث القدوس ولقيامتهم مع المسيح. والجسديون يشير لهم الحيوانات، والروحيون يشير لهم الطيور. وشق الحيوانات يشير لأن الجسديون دائما منقسمون أما الروحيون فلا ينقسموا، فهم لهم قلب واحد وروح واحد ومحبة واحدة. واليمام يمثل الطهارة والحمام يمثل البساطة. الجسديون المنقسمون علي أنفسهم مثقلون بقيود الرذيلة الثقيلة، أما الروحيون فمرتفعون إلي الأعالي بأجنحة الفضيلة المتنوعة كما بجناحين.
  3. البهائم والطيور المستخدمة هي من الطيور والحيوانات الطاهرة كما جاءت بعد ذلك في الشرائع اللاوية وهي المسموح بتقديم ذبائح منها وإذا فهمنا أن الذبائح كلها تشير للمسيح يمكن فهم أن تعدد الذبائح يشير لتعدد أوجه ذبيحة المسيح فالعجلة تشير لأنه أتي كعبد طائع صابر والمسيح أطاع حتي الموت بكل خضوع، بل أعطانا جسده طعاماً (الإبن الضال ذبح له العجل المسمن). والعنزة تشير للخاطئ (الجداء علي اليسار مت 33: 25)، والمسيح صار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. والكبش كان يستخدم في ذبيحة الإثم. أما الطيور (اليمامة والحمامة) فيشيروا لأنه سماوي جاء من فوق ليفدي البشر. واليمامة تشير للمحبة والحزن ولم يكن ما يفوق محبة المسيح ولا أحزانه "نفسى حزينة حتي الموت" وهي تشير للطهارة أيضاً والحمامة تشير للبساطة والطهارة والوداعة.

والأراء الثلاثة يشيروا إلي الرد علي سؤال أبرام "كيف يرث" والرد بالمسيح المصلوب والكنيسة المتألمة كطريق للمجد.

العدد 11

أية (11): -

"11فَنَزَلَتِ الْجَوَارِحُ عَلَى الْجُثَثِ، وَكَانَ أَبْرَامُ يَزْجُرُهَا.".

الطيور الجارحة تمثل أرواح الهواء النجسة التي تطلب ما لنفسها خلال إنشقاقات الجسديين. وإبرام يشير للنفس الروحية اليقظة التي لا تستطيع أن تمنع الطيور الجارحة من أن تحوم حولها، لكنه يقدر أن يمنعها من أن تستقر عنده أو تخطف شيئاً من عندياته. وهذا ما أكده أباء الكنيسة أن المؤمن الحي لا يقدر ان يمنع حرب الخطايا من مهاجمته لكنها إذ تجد إنساناً يقظاً لا تقدر أن تدخل إليه أو تتسلل إلي فكره أو قلبه. وإبرام هنا طلب علامة. فطلب منه الله شق الذبائح وإنتظر إبرام علامة فلم تظهر بل هاجمت الجوارح الذبائح (الذبائح تشير للمؤمن كذبيحة روحية حية) فصار أبرام يبعدها النهار كله، وهذا يشير للحرب التى يشنها الشيطان رئيس سلطان الهواء ضد الكنيسة كل الأيام، وهذا يشير أيضا إلى أنه يجب علينا أن نسهر علي ذبائحنا الروحية وننتظر إعلانات الله وعلينا أن ننتظرها بصبر وهي بالتأكيد ستأتي. ولكن علينا أن ننتظر في يقظة تحقيق وعود الله. وقد تشير هذه الجوارح للشعوب المناوئة لإسرائيل مثل بابل وأشور وغيرها. ولنلاحظ أنه لابد من حروب عدو الخير ضد شعب الله ولا أحد يكلل إن لم يجاهد قانونياً (أف 12: 6). ويظل المؤمن فى جهاده وتقديم نفسه ذبيحة حية العمر كله، وسيظل أيضا فى حرب فكرية من الشيطان وعليه أن يقاومها بإسم المسيح طوال اليوم.

العدد 12

أية (12): -

"12 وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ، وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ.".

أوقع الله علي إبرام سباتاً مثل الذي أوقعه علي آدم، فالله أغلق أبواب الجسد ليعطي الروح فرصة لتتأمل الأشياء الروحية.

وإذا رعبة مظلمة عظيمة واقعة عليه: وهذه تشير إلي: -.

  1. لقد رأي ثمر الخطية في حياة الإنسان، كيف تستعبده وتفسده. وسمع عن أن نسله سيكون مستعبداً 400 سنة. هي صورة مؤلمة للنفس التي تسقط تحت الخطية فتصير في عبودية فرعون الطاغي ومذلته. وتشير للضيق العظيم في نهاية الأزمنة بسبب الخطية مت 21: 24.
  2. ما حدث مع إبرام هنا يشير إلي عمل السيد المسيح الخلاصي فقبيل غروب الشمس، في ملء الزمان، وقع علي الرب سبات، إذ أسلم الروح علي الصليب، معلناً مرارة الخطية التي أحدرتنا إلي الجحيم ونزلت بنا إلي العبودية زماناً.
  3. الرعب ناشئ عن إحتجاب وجه الرب بسبب الخطية وهذا ما ستختبره ذرية أبرام إلي حين. وهذا كرمز لما حدث للجنس البشرى إذ أخضعت الخليقة للبطل.. ولكن على رجاء "(رو8: 20).

العدد 13

أية (13): -

"13فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ.".

فيذلونهم 400 سنة.

يذكر سفر الخروج في (4: 12) أن إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر كانت 430 سنة وغالباً فإن مصر تشير للغربة والعبودية. وبالمفهوم الرمزي تصبح مدة الـ 430 سنة هي منذ دعوة الله لإبرام بالخروج من أور حتي خروج الشعب من أرض مصر. وتكون مدة 400 سنة هي من بدء إضطهاد إسمعيل لإسحق حتي خروج الشعب من أرض مصر لذلك قال هنا فيذلونهم مع تحديد المدة بـ 400 سنة. أما بقاء الشعب في مصر فكانت مدته حوالي 210 سنة وتحسب المدد كالتالي: -.

  1. المدة من دعوة الله لإبرام وهو في ما بين النهرين في أور إلي خروجه من حاران كانت 5 - 15 سنة ولنقل أنها 5 سنين.
  2. المدة من ترك حاران ودخوله كنعان إلي ولادة اسحق 25 سنة لأنه ترك حاران وعمره 75 سنة وولد إسحق وعمره 100 سنة (24: 12 + 25: 21).
  3. من ولادة اسحق إلي ولادة يعقوب 60 سنة (26: 25).
  4. من ولادة يعقوب حتي دخوله إلي أرض مصر مع بنيه 130 سنة (1: 47) وبذلك تكون مدة التغرب في كنعان: 5 + 25 + 60 + 130 = 220 سنة.

وتصبح مدة الإقامة في مصر: 430 – 220 = 210 سنة.

وحينما قال أن مدة تغربهم في مصر 400 سنة فهي إطلاق الجزء علي الكل بإعتبار أن فترة إقامتهم في مصر كانت الجزء الأعظم أهمية في تاريخ تغربهم أو نقل أن فترة وجودهم في مصر هي التي تمثل عبوديتهم. وفترة وجود إبراهيم واسحق ويعقوب في كنعان هي فترة تغرب ولم يكن قد أتي بعد فترة الميراث أى كانوا ما زالوا لم يمتلكوا الأرض بعد، وكانوا في هذه الفترة رحل في خيام (عب 9: 11). وبهذا المفهوم قالت الترجمة السبعينية ان فترة إقامتهم في مصر وكنعان كانت 430 سنة. فالسبعينية أضافت كنعان علي مصر كحاشية توضيحية. وهكذا فهمها بولس الرسول "وإنما أقول هذا أن الناموس الذي صار بعد 430 سنة لا ينسخ عهداً قد سبق فتمكن من الله نحو المسيح حتي يبطل الموعد" (غل3: 17). فهو إعتبر أن الـ 430 سنة بدأت بوعد الله لإبرام حتي خروج الشعب من مصر وحصولهم علي الناموس. ولنلاحظ قول الله نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم: (كنعان ومصر) ويستعبدون لهم هذه تمت في مصر. والله لم يكشف إسم مصر لسببين:

  1. في أن الغربة شاملة مصر وكنعان في أيام إبراهيم وإسحق ويعقوب.
  2. حتي لا يرفض يعقوب ونسله النزول إلي مصر.

العدد 14

أية (14): -

"14ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا، وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ.".

هناك خطة سمح بها الله للخلاص فنحن إستعبدنا ووقعنا تحت الألام والضيق نتيجة للخطية. وغربة الشعب (400 سنة) إشارة لغربتنا في هذا العالم. وهكذا كنا قبل المسيح في عبودية. وكما إضطهد إسمعيل إسحق وإضطهد المصريين شعب الله بل كانوا يقتلون أولادهم (هذا إشارة لأعمال إبليس الذي كان قتالاً للناس منذ البدء) هكذا الكنيسة لابد وأن تقع في ضيق يصل إلي ذروته في نهاية العالم مروراً بعصور إستشهاد. والله سمح بل رتب أنه من خلال الألام نتطهر ونتنقي ونستعد للأمجاد، بل كان أن الله قد أخضع الخليقة للبطل (رو8: 20) للتأديب وراجع تفسير الآية (1كو5: 5). ومن يتألم معه يتمجد معه (رو 17: 8) + (لو 26: 24).

الأمة التي يستعبدون لها أنا أدينها: هذا ما حدث خلال الضربات العشر ضد فرعون ورجاله ثم بشق البحر وغرق جنوده. وهذا رمز لدينونة إبليس في بحيرة النار (رؤ 20: 19).

بعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة: الشعب خرج من مصر محملاً بعطايا كثيرة. والرب يسوع الراقد علي الصليب إذ ينزل إلي الجحيم يحملنا علي كتفيه ويخرج بنا كما بأملاك جزيلة. حاملاً غناه، وواهباً إيانا غني الروح، حتي متي جاء غروب العالم وإنقضاء الدهر يعلن خلاص أجسادنا. وبحسب وعده نكون معه فى عرشه إلى الأبد (رؤ3: 21) وتتغير صورتنا الوضيعة إلى صورة جسد مجده (فى3: 21).

ويمكننا القول أن فترة الـــ 400 سنة وهى تساوى 4 × 100 ورقم 4 هو رقم العمومية ورقم 100 يشير لقطيع المسيح، وبهذا تكون فترة الذل والعبودية وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ (الآية 13) هى فترة الخضوع للبطل لأجل التأديب لكل قطيع المسيح، وهذا التأديب لازم جدا بسبب الخطية الأصلية التى ورثناها وهى التمرد على وصايا الله. والذى يحبه الرب يؤدبه (عب12: 4 - 11). فالله يتركنا للتأديب ليضمن لنا ميراثا سماويا. ولأن رقم 400 هنا هو للإشارة إلى زمن فيكون المعنى أننا هنا على الأرض نحن فى زمن التأديب والإعداد.

العدد 15

أية (15): -

"15 وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ.".

هذه تشير إلي خلود النفس حيث تجتمع نفس إبرام مع نفوس أبائه. لأن جسد إبراهيم دفن في كنعان في مغارة المكفيلة بينما دفن أبائه في أراض ما بين النهرين. والمعنى أنه يا إبراهيم قبل يوم الرب العظيم الذى يتمجد فيه أبناء الله بالأملاك الجزيلة أى الفرح والمجد الأبدى (ميراث السماء)، هناك فترة راحة للنفوس فى الفردوس ترتاح فيها مع أبائك.

العدد 16

أية (16): -

"16 وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً».".

في الجيل الرابع: ربما المقصود 4×100: 400 سنة فيكون الجيل 100 سنة. ولكن هذه الآية تحدد غالباً الأجيال التي عاشت في مصر وكانت ثلاثة أجيال وقد خرج من مصر الجيل الرابع فقد دخل لاوي (الجيل الأول) وخرج موسي (الجيل الرابع (.

لأن ذنب الأموريين ليس إلي الآن كاملاً: الأموريين هم أشهر شعوب الكنعانيين ومن أشرهم. والله يتركهم هذه المدة دون عقاب: -.

أ) لعل طول أناته تقتادهم إلي التوبة.

ب) حتي تكون خطاياهم شاهدة عليهم.

ج) الله يطيل أناته ويعطى فرص كثيرة للتوبة ولكن لزمن يحدده هو، وبعده تأتى الضربات (رؤ2: 21، 22) "وأعطيتها زمانا لكى تتوب عن زناها ولم تتب. ها أنا ألقيها...".

وكون أن الله يسمح بأن اليهود يضربوهم فهذا بسبب ذنوبهم وكان ذلك حينما إمتلأ كأسهم. ولاحظ أن سدوم وعمورة كانوا أكثر شراً فلم يمهلهم الله، وكان كأسهم قد إمتلأ أسرع وصاروا ناضجين للخراب وذنبهم كاملاً فأحرقهم الله. والله يستخدم شعب ليؤدب شعباً آخر، وقد إستخدم الله مثلاً الشعوب المجاورة لإسرائيل لتأديب إسرائيل.

العدد 17

أية (17): -

"17ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَارَتِ الْعَتَمَةُ، وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ.".

تنور دخان ومصباح نار يجوز بين القطع: تنور الدخان يشير للغموض الذي كان يكتنف أحداث الخلاص في العهد القديم، ولإبراهيم يشير لأنه ليس من السهل أن يفهم معنى الرؤيا أو الأحداث التى أعلنها الله له هنا، ويشير للدخان المتصاعد من ذبيحة المحرقة فالمسيح المخلص قدم نفسه ذبيحة محرقة عنا، ويشير لألام الشعب في عبوديتهم في مصر ولألام الكنيسة فكما تألم المسيح ستتألم كنيسته، وللآن فكثيرين لا يفهمون لماذا يتألمون، بينما أن هذا الألم هو لخلاص نفوسهم وهذا أيضا معنى الدخان. ومصباح النار يعلن حضور الله ولقيادته لشعبه فهو كان لهم كعمود نار يقودهم في برية هذا العالم (كما قاد إسرائيل في برية سيناء) والآن يقودنا بكلمته المقدسة وبروحه القدوس الذي حل علي تلاميذه كألسنة نار. وهو ظهر لموسي في العليقة كنار "والله لنا في حمايته كسور من نار ومجداً في وسطنا (زك 5: 2 + زك 6: 12) إذن فهذا المصباح يشير للخلاص الإلهي وسط الضيقات وكما تتألم الكنيسة معه هكذا تتمجد معه. ونشرق كمصباح منير بعد نهاية هذا العالم وسط ظلمة ودخان الدينونة (أش 1: 62).

وقد جرت العادة في المعاهدات التي من هذا النوع أن يجوز الطرفان وسط الذبائح ولكن نجد أن إبرام لم يُدْع للإجتياز بين القطع فلا تعهد من قبله بل المصباح وحده يجوز بين القطع إعلاناً أن الله هو الذي يتعهد أن يتم عمله كاملاً بواسطة صليب إبنه. وإبنه الذي قدم ذبيحة (الحيوانات المشقوقة) وهو السماوي (اليمامة والحمامة) وهو نور العالم (مصباح نار) وكانت ألامه رهيبة كذبيحة محرقة (الدخان). وما كان علي إبرام ومن صار من أولاده المؤمنين سوي أن يزجر الطيور الجارحة وأن يجاهد في رفض الأفكار الشريرة. ولنلاحظ أن الروح القدس النارى الذي حصلنا عليه يعطينا معونة وإستنارة. وإذا قال الله لنا أن هناك ألام فلنذكر أنه بحسب وعده علينا أن نصبر، فسنخرج من العالم بأملاك جزيلة. هذا معنى أن يجوز المصباح وسط القطع. فلنشكر الله على هذا الوعد وهذا الحب، الذى به يُعِدَّنا الله للميراث السماوى.

العدد 18

أية (18): -

"18فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ.".

من نهر مصر إلي النهر الكبير نهر الفرات: تم هذا فعلاً أيام سليمان الذي امتدت مملكته من حدود مصر إلي الأراضي الواقعة عند الفرات ولكن حينما حنث في وعده وتزوج أجنبيات وبخر لأوثانهن شق الله مملكته. وعن نهر مصر يقال أنه كان هناك فرع للنيل يمر قرب السويس وحتي شرق العريش وكان يقصد بسهل العريش وادي النيل. ونري في هذه الأية صورة للإيمان القوي في نهاية الأيام في هذه المنطقة إيمان شعب المسيح في مصر وفي أشور بل وفي وسط إسرائيل نفسها حينما يؤمن الشعب اليهودي بالمسيح مخلصاً (إش 23: 19 - 25)، بل هم سيكون لهم دور هو بركة للعالم، فهم سيعلنوا للعالم حقيقة ضد المسيح الذى سيضل العالم (رجاء الرجوع لتفسير إشعياء 19).

العدد 19

أية (19): -

"19الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ".

الميثاق بين الله وإبرام كان يحمل جانبين متكاملين.

  1. تمتع أولاد إبراهيم بالأرض = تمتع شعب المسيح بميراث السماء.
  2. طرد الأمم الوثنية من الأرض = دينونة إبليس وطرده لشروره.

وقد تم تحديد الشعوب بعشر شعوب.

  1. رقم 10 يشير للوصايا وهذه الشعوب أدمنت كسر الوصايا العشر.
  2. قال بعض الأباء أنها تشير للخطايا العظيمة [النهم والزنا ومحبة المال والغضب والغم والفتور الروحي وحب الظهور والكبرياء وعبادة الأوثان والتجديف]. وهذه هي خطايا الشعوب التي طردها الله أمامهم.
  3. حينما يحدد الله الشعوب التي يطردونها عند دخولهم للأرض فالله يحدد لهم الأرض التي يأخذونها فلا يحاربون شعوباً اخري.
  4. الأرض التي حددها الله محصورة بين نهرين خصيبين هما النيل والفرات، بمعني أن عطايا الله كلها خيرات والنهر يشير للخير ولعطايا الروح القدس، لذلك نجد في أورشليم السماوية نهراً رؤ 1: 22 وكان في الجنة نهراً (تك 10: 2).

الأعداد 20-21

الأيات (20 - 21): -

"20 وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21 وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».".

الرجاء مراجعة تفسير هذه الآيات الأخيرة فى نهاية الإصحاح 11.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح السادس عشر - سفر التكوين - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الرابع عشر - سفر التكوين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر التكوين الأصحاح 15
تفاسير سفر التكوين الأصحاح 15