الفصل السادس العروس العاملة الأصحاح الثامن – سفر نشيد الأنشاد – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن

هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة التي أساسها تمتع الخادم بالمسيح. فمن شعر بحلاوة عشرة المسيح لا يستطيع أن يهدأ إن لم يعرفه كل واحد (رو9: 2، 3 + 2كو29: 11) ومن الناحية الأخرى يرى الآخرين النفس التي تمتعت بالمسيح ويشتَمُّون رائحة المسيح التي فيها فينجذبون للمسيح. ونجد العروس هنا بعد أن تأكدت الألفة بينها وبين عريسها أخذت تفاوضه في أمر أهلها، فأوصته بأختها الصغيرة (كنيسة الأمم غير المؤمنة وهنا نجد [1] العروس تشتاق بالأكثر لعريسها. [2] ولكنها من خلال حبها له أصبحت تفكر في الآخرين.

وبهذا صارت تشبه عريسها الذي أخلى ذاته لينزل إلينا ويفتش علينا.

العدد 1

آية (1): -

"1لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ فِي الْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ يُخْزُونَنِي.".

ليتك كأخٍ لي = إذ كان هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة، نجد أن الخادم عليه أولاً أن يتمتع بمسيحه عريس الكنيسة. وهذا النداء هو نداء كنيسة العهد القديم للرب يسوع ليتجسد. "ويكون بكراً بين إخوة كثيرين" (رو29: 8). وهو نفس النداء الذي ردده إشعياء بعد ذلك "ليتك تشق السموات وتنزل" (إش1: 64).

الراضع ثديي أمي = لقد خاطبها المسيح عدة مرات عبر السفر قائلا لها أختى (4: 9، 10 + 5: 1، 2) وهنا بدأت العروس تتساءل متى يتم هذا؟ بدأت العروس تشتاق أن يكون الرب المتجسد شقيقاً لها "بكرا بين إخوة كثيرين". وقد حدث هذا فعلاً وَوُلِد المسيح متجسداً وصار إنساناً كاملاً ورضع من العذراء مريم التي صارت أماً للكنيسة جسد المسيح. وأقبلك ولا يخزونني = فبعد التجسد وبعدما رأيناه من عمل المسيح العجيب دخلنا معه في علاقة حب. والبنت لا يصلح لها أن تقبل غريباً أمام الناس في الخارج. والآن بعد عمل المسيح صارت الكنيسة كارزة بهذا الحب أمام الجميع الذين في الخارج. فكنيسة العهد القديم كانت كنيسة منغلقة غير كارزة، أما كنيسة العهد الجديد فأعلنت حبها لمن تجسد لأجلها أمام الجميع بدون خزي. حب معلن أمام الجميع فى إستشهاد قوى وعجيب.

العدد 2

آية (2): -

"2 وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي، فَأَسْقِيكَ مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي.".

بيت أمها = أى الكنيسة فهى مولودة من بطن المعمودية. حقاً ما يفرح المسيح أن تكون علاقتنا معه بحسب ما نتعلمه من عقائد سليمة تعلمها لنا الكنيسة. حبها لعريسها لا ينفصل عن الكنيسة. النفس لا تعرف حبا للمسيح بالإنفصال عن الكنيسة أو خارج تعاليم وعقائد وأسرار الكنيسة. وكما قال الأباء من ليست الكنيسة أمه فالله ليس أباه.

فهناك تتعلم كيف تقابل حب المسيح بحبها. وهناك تنكشف لها أسراره السماوية. فحين ترد الحب بالحب، فكأنها تسقي المسيح من خمر حبها ليفرح. وحبها هذا ممزوج بعصير = سلاف رماني = أي إستعدادها لبذل حياتها حتى الدم مثله. وإذا كانت ثمارها رمان (13: 4) فما يفرح المسيح محبتها الباذلة أي تتشبه به. وهذا ما كان يعنيه الرب حين قال "من أراد أن يكون لى تلميذا فليحمل صليبه ويتبعنى" (لو14: 27) فمن يتتلمذ على حياة المسيح الذى بذل نفسه على الصليب، يتشبه به فى محبته الباذلة. فهذه هى مدرسة المسيح التى يطلب المسيح أن نكون تلاميذه فيها، مدرسة الصليب. وما هو الصليب فى نظر المسيح؟ حب باذل تجاه البشر حتى آخر قطرة دم.

الأعداد 3-4

الآيات (3، 4): -

"3شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. 4أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.".

لا تيقظن الحبيب = لماذا تذكر النفس هذا للمرة الثالثة؟ في الأولى (2: 7) نفس تتعرف على المسيح وما زالت مرتبطة بالعالم، ولكن لا تريد أن يقطع أحد لذتها التى شعرت بها فى علاقتها الجديدة مع عريسها. وفى الثانية (3: 5) نفس كانت قد إختارت المسيح ولكن محبتها أصابها الفتور وهذا يزعج حبيبها المهتم بخلاص نفسها ومع رجوعها لحبيبها عادت فرحتها، وفى الثالثة هنا هى نفس خادمة تتألم في الخدمة. شماله تحت رأسي = هنا هي متاعب الخدمة، فهي نزلت لتخدم فواجهتها مشاكل عديدة. ولكن وجدت النفس أن هناك تعزيات في علاقتها الخاصة مع حبيبها = يمينه تعانقنى. ومرة أخرى فهي لا تريد أن تزعج حبيبها بمشاكل الخدمة (بأن تيأس بسبب المشاكل) بل تنشغل بتسبيحها واثقة في تدخله في الوقت المناسب.

ملحوظة: - ذكرت عبارة شماله تحت رأسى ويمينه تعانقنى مرتين فقط: -.

الأولى: - (2: 7) فى بداية علاقة النفس بالمسيح، إذ نجد أن عدو الخير يحاول أن يرهبها بالألام لترتد، ولكن حبيبها لا يتركها بل يحيطها بتعزياته.

الثانية: - (هذه الآية) حدث هذا معها ثانية فى بداية خدمتها ليثنيها عن الخدمة، وهنا أيضا وجدت تعزيات حبيبها المسيح، ليشددها فتستمر فى خدمتها.

ولم نسمع فى (3: 5) هذه العبارة. فيبدو أن هجمات عدو الخير على النفس قَلَّت بعض الشئ إذ يأس من إرتدادها، وأيضا قَلَّت التعزيات. وهذا ما قاله بولس الرسول.

"لأنه كما تكثر ألام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضا" (2كو1: 5). ونلاحظ أن التعزيات الإلهية تكثر جدا فى بداية الطريق، فالإيمان ما زال غضاً لم يشتد عوده، والنفس محتاجة للتدعيم بالتعزيات لكى تثبت. وأما النفس الخادمة فهى تعانى من مشاكل لا حصر لها من خطايا المخدومين وإرتدادهم... إلخ. ولكن هناك تعزيات تفرح قلب الخادم بتوبة آخرين ونمو إيمانهم، وتكون التعزيات بقدر الألام.

هذا الإصحاح هو قمة الحب الذى فيه تتلذذ النفس بالألام لأجل عريسها وأيضاً بتعزياته.

العدد 5

آية (5): -

"5مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ.".

من هذه الطالعة = سبق الله وقالها فى (6: 3) ولكن هنا يقولها العالم الذى رأى فيها جمال عريسها. وتعجب العالم من زهدها فى ملذات العالم. ومن كرازتها وشهادتها لمسيحها حتى الموت ولكن كل هذا لأنها مستندة على حبيبها.

تحت شجرة التفاح شوقتك = التفاح قلنا عنه أنه يشير لجسد المسيح الذي أعطاه لنا مأكلاً (ص2) ولذلك شبهت العروس عريسها بالتفاح وسط شجر الوعر (3: 2). فما هي شجرة التفاح؟ هذه هي الكنيسة بأعضائها الذي صار كل واحد منهم عضواً في جسد المسيح، فإذا كان المسيح مشبه بالتفاح فنحن أيضا صرنا نشبهه، صرنا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30: 5). وكل نفس تدخل للكنيسة سواء بالمعمودية أو بالتوبة بعد ذلك (لأن التوبة معمودية ثانية) تُشَوِّق المسيح لها. هو اتخذ له جسداً لأنه كان يشتاق لعروسه، وهو يبذل جسده لكل نفس تائبة تتغذى عليه فهو يُعْطَى لغفران الخطايا. فالنفس تشوق المسيح بتوبتها وبطهارتها وولادتها الجديدة.

وبسبب التجسد أمكن للكنيسة أن تصبح أماً ولود تلد أولاداً لله. فالمسيح ولد جسدياً لنولد نحن روحياً. الكنيسة مازالت تقدم كل يوم لله أولاداً، وللمسيح عرائس يخطبهن كعذارى مكرسين أنفسهم له. هنا التى تتكلم هى كنيسة العهد الجديد التي مازالت تقول مع بولس الرسول "خطبتكم لرجل واحد" (2كو2: 11). والكنيسة بالمسيح الذى فيها صارت أما ولود. وهى تشوق المسيح بخدمتها التى تجذب نفوسا للمسيح، تدعوهم للإيمان فتخطبهم للمسيح. وتعمدهم فيصيروا أولادا لله. وتدعوهم للتوبة وتغذيهم بجسد المسيح فيثبتوا فيه.

ولكن كان لا بد من التجسد والفداء.

هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ... فلماذا التكرار؟

الخطبة تحتاج لمهر يدفعه العريس. والعريس المسيح دفع دمه مهرا لعروسه.

الفداء تم على مرحلتين: -.

  1. التجسد وهذا تم بالميلاد من العذراء القديسة مريم.
  2. الصليب وهذا تم بيد الأمة اليهودية التى وُلِدَ منها المخلص.

هناك خطبت لك أمك = هناك أي تحت شجرة التفاح. فلم يكن هناك خطبة بين العريس وعروسه إلا على أساس التجسد. ولننظر المهر المدفوع للعروس (11: 3)، فالمهر كان دمه الذي سال بهذا الإكليل والجلدات، وغيره من الطعنات التي طعن بها. بل أن دمه بدأ يسيل من وقت صلاته فى بستان جثسيمانى إذ كان عرقه دما غطى جسده. هنا الأم هي الشعب اليهودي الذي خرج منه المسيح ثم صلبه، وهي أي الأم بهذا خطبت له كنيسة جديدة لتصير عروسه.

هناك خطبت لك والدتك = والدتك مترجمة "التي حملت بك" أو حملتك. وهى هنا العذراء مريم التى حملت بالمسيح. والروح القدس هيأ جسد المسيح من بطن العذراء ليخطب عروسه الكنيسة ويصبح معها جسدا واحدا ونكون نحن أعضاء جسده.

خطبت لك أمك = الأمة اليهودية التى خرج منها المسيح وأمه العذراء ورسله.

خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ = العذراء مريم التى هيأ الروح القدس فى بطنها جسد المسيح.

خطبت لك = علاقتنا بالمسيح تتم على 3 مراحل: -.

  1. الخطبة = هى دعوة الكنيسة لنا للإيمان.
  2. العرس = بعد العماد يبدأ الإتحاد بالمسيح.
  3. الإتحاد الكامل يكون فى السماء بعد أن نتخلص من جسد الخطية ونلبس الجسد الممجد فتصير الكنيسة إمرأة المسيح (رؤ7: 19).

العدد 6

آية (6): -

"6اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ.".

هذه النفس وصلت هنا لأعلى درجات الحب مع المسيح عريسها، وإنفتحت عيناها وأدركت الثمن المهول الذى دفعه عريسها لمحبته لها، فتساءلت.. ماذا أقدم له لأفرح قلبه؟ ما يفرح قلبه هو جذب نفوس كل الناس، فهو لهذا مات وقام فهو يريد أن الجميع يخلصون. إذاً فلأعمل فى حقل الخدمة، لخدمة من أحبهم ومات لأجلهم. وهنا كان تساؤلها الثانى، وما هى الصورة التى سأقدمها للناس؟ هل هى صورتى أو فلسفتى؟ لا فهذا لن يجذب أحد. لن يجذب أحد إلا صورة المسيح. فصرخت للمسيح قائلة إجعلنى كخاتم على قلبك، والخاتم هو الشمع الأحمر وكانوا يرفعون درجة حرارته حتى يذوب ويضعون عليه الخاتم فتنطبع الصورة على الشمع. إذاً يا رب ضعنى على قلبك وبحرارة محبتك النارية التى فى قلبك لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ إجعلنى أذوب فتنطبع فىَّ صورتك، وهذه هى التى سأحملها أمام الناس. وبأى قوة أخدمك وأنا ليس لى قوة؟ إذاً إجعلنى كخاتم على ساعدك وبقوة وحرارة الغيرة التى فى قلبك إطبع فىَّ قوتك أخدم بها وأنا حاملة لصورتك. القوة الخفية فى الخدمة هى قوة المسيح وتظهر فى الخادم، وهذه صورة الخدمة المثالية.

نجد في هذه الآية أقوى عبارات تُصوِّر حب العروس لعريسها. إجعلني كخاتم على قلبك = الخاتم يحمله الشخص إما على صدره مُدَلَّى من رقبته، أو هناك من يحب شخص فيضع صورته على صدره أو على ساعده في سوار. والأقرب للتصور، فهناك طريقة قديمة ومازالت مستخدمة، بإذابة الشمع ثم وضع الختم على الشمع المذاب فيتشكل بشكل الختم. وهذه العروس شعرت بمحبة عريسها النارية = لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ، فأحبته وجعلها حبها القوى أن تشتعل وتذوب فى حب عريسها فتتحد به. والشمع المذاب يتشكل بحسب صورة الختم. ونحن مختومين بختم الروح القدس ليتصور فينا المسيح ونأخذ صورته (أف30: 4 + 2كو21: 1، 22 + غل19: 4 + كو3: 10).

وأين تريد أن يضعها حبيبها؟ على قلبه. هي تريد أن تملأ قلب حبيبها كله، فلا يستطيع أحد أن يقترب إليها ويمحو إسمها من أمام وجه الله. والختم عن طريق الشمع الذائب تختم به الأوراق الهامة حتى يظل محتواها سرياً، وهي تريد أن تكون علاقتها بحبيبها سرية لا يعرفها أحد، هو يملأ كل قلبها، وهي تملأ كل قلبه، ولا أحد يعرف هذه العلاقة. والختم أيضا يوضع على الأوراق لإثبات صحة الورقة، وبهذه الأوراق تصرف النقود، وكان لكل إنسان فى القديم خاتم منقوش عليه صورة خاصة به، ويعلقه دائما معه. ولذلك حين عاد الإبن الضال قال أبوه "إجعلوا خاتما فى يديه"، ليكون له سلطان أن يصرف من أموال أبيه ونعم أبيه (المواهب) مرة أخرى.

كخاتم على ساعدك = قال الله "نقشتكم على كفي" لإظهار رعايته. ولكن هذه العروس التي اشتعلت حباً تريد أن تكون في قلبه مركز عواطفه وتأخذ صورته، وليس هذا فقط بل على ساعده مركز العمل لتعمل معه، لا بل بقوته. وإذا فهمنا أن الساعد يشير للمسيح "إستيقظي إستيقظي إلبسى قوة يا ذراع الرب" (إش9: 51) نفهم أن النفس تريد إتحاداً كاملاً مع المسيح المتجسد. وهذه الدالة في طلبها نابعة من المحبة القوية كالموت = كان أقوى شئ قبل المسيح هو الموت، فإتخذ كمثال كأقوى شئ، فكل جبار مهما زادت عظمته وجبروته هُزِمَ أمام الموت. (بعد المسيح تَغَيَّر هذا فقيل "أين شوكتك يا موت"). والعروس هنا تود أن تقول أن حبها قوياً جداً كأقوى شئ أي الموت، بل حتى الموت لا يستطيع أن يوقف حبها له (رو38: 8، 39). والموت قوي جداً في التدمير، أما الحب فقوي جداً في الإنقاذ والخلاص، ولا شئ يوقف أو يبطل هذا الحب. والغيرة قاسية كالهاوية = النفس التي تحب لو شعرت أن حبيبها سيتركها تفضل أن تلقى في الهاوية أو القبر عن أن يتركها. ومن أشعل هذا اللهيب هو الرب = لهيبها لهيب نار لظى الرب وهكذا حل الروح القدس على شكل ألسنة نار وسكب محبة الله في قلوبنا (رو5: 5). ونرى هذه المحبة النارية أيضا فى قلب الخادم المملوء بالروح النارى تجاه أولاده "من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو11: 29). هذه الآية هى مثال للخدمة المثالية، أن يحب الخادم المسيح، ويحمل صورته ومحبته للناس، فيرى الناس فيه صورة المسيح، ويعمل بقوته مستندا عليه فيكون آلة بر فى يد المسيح (رو6).

العدد 7

آية (7): -

"7مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا.".

نار المحبة المقدسة هذه تحرق كل خطية داخلها. ومياه = بحر هذا العالم لا تطفئها. وكل ثروة هي ترفضها إن كانت بديلاً عن المحبة. هكذا رفض المسيح كل أمجاد العالم، وهكذا كل نفس أحبت المسيح تحتقر كل ثروات العالم لأنها تحبه ولا تعوضها ثروات العالم عن محبته. ودعوة المسيح لكل نفس "يا ابني اعطني قلبك" فهو لا يريد المال ولا أي شئ إن لم يسبق الحب كل شئ. فلو أعطت الزوجة لزوجها كل شئ حتى جسدها لكن بدون محبة لما فرح الزوج. والرجل الذي يتزوج بامرأة لأجل مالها يُحْتَقَرْ. المسيح يطلب الحب المتبادل.

العدد 8

آية (8): -

"8لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟".

لنا أخت صغيرة = قد يكون هذا قول كنيسة العهد القديم إذ إنشغلت بالأمم الوثنيين غير المؤمنين (أى أخذت تفكر فى طريقة خلاص نفوسهم وهم ليس لديهم شريعة ولا أنبياء). وقد يكون هذا قول كل نفس أحبت المسيح وتذوقت حلاوة الحب إذ انشغلت بكل من لم يعرف المسيح بعد ولم يتذوق النعمة وليس له ثمر روحي بعد. ليس لها ثديان = ليس للأمم الوثنية ناموس ولا توراة، ليس لهم عهد جديد أو عهد قديم، ليس لهم كلمة الله ولا رؤيا إلهية وهكذا كل نفس لم تتذوق لذة الكتاب المقدس. فماذا نصنع لأختنا في يوم تخطب = أي إذا جاء رسول للمسيح ليخطبها له، كيف ستتعرف عليه؟ فالأخت الكبرى تسند وتصلي للأخت الصغرى التي لم تكتشف الحق الإنجيلي بعد ولم تتعرف على المسيح عريسها. ولعل هذه الآية كانت فى فكر مرقس الرسول حينما أتى إلى مصر بعبادتها الوثنية وفلسفتها الوثنية، ما هو المدخل الذى يدخل به لهؤلاء الناس ليكلمهم عن المسيح ويخطبهم عروسا له، وكانت هذه الآية فى فكر بولس الرسول حينما وقف أمام فلاسفة الأريوس باغوس فى أثينا. ولكن الروح القدس يعطى فى تلك الساعة ما نتكلم به. وبولس الرسول يقول لأهل كورنثوس "خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" وكان يشير لدعوتهم للإيمان بكرازته.

العدد 9

آية (9): -

"9إِنْ تَكُنْ سُورًا فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَابًا فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ.".

هذه إجابة العريس المطمئنة، ومعنى ما قيل هنا... لو بدأت النفس تستجيب لعمل الله، وظهرت أي بادرة استجابة واقتنعت النفس بالجهاد لإنسكبت نعمة الله بشكل لا يمكن تصوره وساندها الله بعمل إيجابي.

وغير المؤمنين نوعان: -.

  1. من يقاوم عمل الله كسور يحيط نفسه به رافضا صوت دعوة الله له، ومثل هذا نبني عليه برج فضة لنهزمه بكلمة الله.

2. ومن هو مندمج في العالم يترك عقله مفتوحا لكل فكر خاطئ أو شهوة خاطئة كباب مفتوح يسمح لأى شئ أن يدخل منه، وهذا نحصره بقوة المسيح التي تطرد إبليس عنه، نحصره بألواح أرز لحمايته.

وأما عن المؤمنين هناك درجات: -.

إن تكن سوراً = إن بدأت كلمة الله تحصرها وبدأت تستجيب للوصايا وتنفصل عن خطايا العالم. نبني عليها برج فضة = الفضة تشير لكلمة الله = يبدأ الروح القدس يعلِّم ويذكر هذه النفس ليأخذها للعمق، ومن يدخل للعمق يأتى بصيد كثير (لو5: 4)، أي ستتحول هذه النفس لكارزة بشهادتها بكلمة الله في العلن. وإن تكن باباً = بعد الخطوة الأولى صارت باباً يدخل منه المؤمنون لحب المسيح أو غير المؤمنين للإيمان، لقد شاهد الآخرين فيها تحولاً فسألوها عن سبب الرجاء الذي فيها وصارت معبراً يعبر الآخرون بواسطتها للمسيح.

فنحصرها بألواح أرز = بعدما صارت باباً سيهاجمها العدو ويحاربها ولكن الله سيسيج حولها بألواح أرز.

ألواح الأرز = الأرز فى علوه يشير للسماويات فهو ينبت على الجبال العالية، وفى رائحته الجميلة يشير لرائحة المسيح الزكية التى تجذب الآخرين. ويشير علو الأرز إلى الأفكار السماوية التى فيها حماية من تفاهة المغريات العالمية. وكما رأينا فى (5: 15) أن العريس مشبه بالأرز. فإن فتحت النفس بابها لملذات العالم ومغرياته يضع المسيح نفسه كباب من الأرز ليحمى خرافه من الهروب من الحظيرة، فهو باب الخراف (يو10). حقا هو باب الخراف لكنه لا يمنع الخراف من الخروج بالقوة، فالله خلقنا أحرارا. فإن هاجمت أولاد الله الأفكار المادية يذكرهم بالوعود السماوية والأمجاد المعدة لهم.

العدد 10

آية (10): -

"10أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً.".

الكنيسة هنا ترد على عريسها قائلة أنا أعلم أن هذا في إستطاعتك فقد أعطيتني أن أكون سور أحمي أولادي داخلي. وثدياي كبرجين = الكتاب المقدس بعهديه ترضع بهما أولادها لتحميهما. والكنيسة التي تطعم أولادها وتحميهم كسور تكون كواجدة سلامة = هي تحيا في سلام وتنشر السلام وسط من حولها. هى وجدت السلام لوجود عريسها ملك السلام فيها وصارت مصدرا للسلام لمن يأتى إليها.

العدد 11

آية (11): -

"11كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ الْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفًا مِنَ الْفِضَّةِ.".

كان لسليمان كرم في بعل هامون = بعل هامون = زوج شعب كثير. ولذلك تترجم الآية "كان كرم لسليمان كرب جمهور". فالمسيح صار عريس ورب كنيسته. وهو أعطى الكرم لخدام = نواطير = هو لم يبعه لهم بل سلمهم كرمه ليحرسوه، ويقدموا له الثمار في أوقاتها. ولكنه مازال كرمه. وعلى الخدام أن يقدموا له ألفاً من الفضة = 1000 يشير للسماويات. إذاً الثمر الذي يطلبه الله من خدامه أن يقدموا له ثماراً لعملهم، والثمار التى تفرح قلب الله وتشبعه هى النفوس التى آمنت وتابت وصارت نفوساً سماوية (إش53: 11 + يو4: 34 + مت21: 18، 19). ونلاحظ فى مت21: 18 أن المسيح كان جائعا ليس للتين بل لإيمان اليهود، شجرة التين فى مت21: 19.

العدد 12

آية (12): -

"12كَرْمِي الَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي. الأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ الثَّمَرِ.".

كرمي الذي لي هو أمامي = هو مازال صاحب الكرم وعينه مازالت عليه. ونصيب الرب النفوس السماوية. ونصيب الخدام 200 = 100 + 100 (كل من ترك أباً أو.. يأخذ 100ضعف) فهذا نصيب كل من يتعب للرب ويترك من أجله، و200 (لخدام العهد القديم وخدام العهد الجديد).

راجع تفسير (يو10، 9: 21) فالتلاميذ قال لهم المسيح سأجعلكم صيادى ناس أى خدام تجذبون النفوس لى (مت19: 4). فلما قام المسيح وما عادوا يرونه إلاّ قليلاً عادوا لمهنتهم أى صيد السمك كمصدر رزق لهم. ولكن المسيح قال لهم.... لا بل أنا الذى سأطعمكم، ولكن الناس الذين تصطادونهم بكرازتكم هم لى، فالمسيح أخذ منهم الـ (153 سمكة رمز المؤمنين الألف فى آية 11) وأعطاهم ما يأكلونه ويتعشون به (السمك والخبز وهنا هى المئتان).

العدد 13

آية (13): -

"13أَيَّتُهَا الْجَالِسَةُ فِي الْجَنَّاتِ، الأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي.".

حب العروس لم يعد خفياً ولا مكتوماً. والأصحاب السمائيين صاروا يفرحون بصوت تسبحتها والأرضيين يفرحون بصوت كرازتها. فهو يفرح بصوتها والأصحاب يفرحون أيضاً.

العدد 14

آية (14): -

"14اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَالظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ الأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ الأَطْيَابِ.".

جبال الأطياب = تشير للمكان السماوي الذي فيه المسيح الآن يشفع في عروسه وينتظرها وهي مشتاقة ليوم اللقاء. وفى السماء ما عاد هناك جبال مشعبة ولا جبال نمور وأسود، فلا تجارب ولا ألام ولا ضيقات ولا حروب من إبليس النجس فأورشليم السماوية لا يدخلها شئ دنس (رؤ21: 27)، بل فرح لا ينطق به ومجيد = أطياب.

إهرب = جاءت فى الإنجليزية make haste بمعنى إهرب سريعا أو أسرع يا حبيبى وتعال فى مجيئك الثانى لتأخذنى معك وكن كالظبى أو كغفر الأيائل = أسرع وتعال دائسا على كل محاربات العدو ضد كنيستك، فأنت حاد البصر كالظبى ترى ما يفعله عدو الخير فى كنيستك. وهذا نفس ما رددته النفوس التى تحت المذبح فى (رؤ6: 10). وهذه النهاية تشبه "آمين تعال أيها الرب يسوع".

نظرة شاملة على الإصحاح الثامن.

بدأ السفر بقصة حُب بدأها الله تجاه النفس البشرية، ويشرح فى الإصحاح الثانى إلى أى مدى يصل هذا الحُب أى للتجسد، ولكن مُشكلة آدم الذى سقط ونسله لن تنتهى بالتجسد، فنحن مازلنا فى الجسد فى العالم على الجبال المُشعَّبه، وفعلا نجد النفس تسقُط ويُدركها الله فتعود لجمالها المُستمَّد من جمال عريسها بل تصير مُثمرة وخادمة لها ثمر كثير، لكن تعود وتنتفخ فتسقط (ص5) ويعود عريسها لينتشلها وتعود لمحبتها له، وتستعيد صورتها وتحيا فى السماويات مُتهللة مُرنِّمة مُسبِّحة مع السمائيين (رقص صفين) ورقص هنا تُشير للتعبير عن الفرح والتسبيح بسبب حياتها السماوية (ص6) وفى (ص7) نرى فرحة العريس بها وبأنها صارت كنيسة واحدة، ويجمع الحُب بين أفراد الكنيسة المُجاهدة والكنيسة المُنتصرة (الجوائز والروافد)، وهذه الوحدة هى هدف المسيح (يو20: 17 - 23) وعبَّر عنها هنا بقوله ما أجمل دوائر فخذيك = أى ترابُط أعضائها بالمحبة (راجع نش17: 1). فالكنيستين صارا بيتاً واحداً.

ثم نصل هُنا لقمَّة العلاقة، إذ تنفتح عينا العروس على محبة الله وتشتهى يوم التجسد لترى المسيح الذى هو رسم جوهر الآب وبهاء مجده (عب3: 1)، وترى فيه أى فى المسيح صورة أوضح مما عرفته حتى الآن أى قبل التجسد، فيزداد حُبَّها لله ولعمل محبة عريسها وتُريد أن تُعلن عن محبتها أمام الجميع = أقبلك ولا يخزوننى، تُفرِّحه بمحبتها = أسقيك من الخمر، وبوحدتها مع كنيسته أدخل بك بيت أُمى بل تتلذذ بالآلام "شماله تحت رأسى" (نش3: 8) التى يسمح بها لصالحها إذ أدركت أن ما يسمح به هو لخيرها ولزيادة لمعان إكليلها ولكى تنتصر فى حروب الجبال المُشعَّبه، بل تفرح بتعزياته خلال هذه الآلام "وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي" (نش8: 3)، وهذا معنى قول بولس الرسول "وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ" (فى29: 1)، بل أن قول الرسول فى هذا الألم أنه هِبَة، هو قول لا يفهمه سوى من أحب فعلاً، إذ يشتهى أن يتألم لأجل من يُحِبَّه، بل هو قمة الحُبْ الحقيقى يظهر فيما قالته العروس بعد ذلك، إذ نجدها تشتهى أن تُقدِّم ذاتها بكليتها لعريسها إعلاناً عن محبتها، ولكن كيف؟، لا شئ يُفرِّح عريسها ويُشْبِعَهُ سوى خلاص نفوس البشر، فمحبته للبشر عجيبة ولا نهائية، وهى فى محبتها شابهته فإهتمت بمن لا يعرفونه وتريد أن تعلن لهم مسيحها فيؤمنوا، ويفرح عريسها بإيمانهم، إذاً فلتخدم عريسها فى هذا وتجذب له الذين لا يعرفونه الأخت الصغيرة، ولكن كيف تنجح هذه الخدمة؟:

  1. أن أذوب فيك فأُعلِن محبتك للناس فيحبونك أنت.
  2. وأذوب فى قوتك فتكون خدمتى بقوتك وليس بقوتى.

وهذا معنى اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ = أذوب فى محبتك النارية فآخذ صورتك فتصير محبتك هى المُعلنة (مثل ما حدث مع الشهداء)، وكَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ = أذوب وأعمل بقوتك.

وهنا نفهم معنى الغيرة قاسية كالهاوية بطريقة أخرى، فهى حين ذابت فى محبة الله صارت تغير على البشر، كما قال بولس الرسول "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟" (2كو29: 11). وما يُساعدها على نجاح خدمتها السلام الذى يملأها فصارت عينيها "كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ" (نش4: 7) وهى تعرف قوة عمل عريسها من خبرتها هى نفسها معه. فهى فى محبتها إنفتحت عيناها فأدركت أن كل ما هى فيه هو عمله هو وحمايته هو لها (نش10: 8). وينتهى السفر بإعلان شهوة النفس للقاء عريسها عياناً فى الأبدية.

هذا السفر يُلخِّصه بولس الرسول فى مبدأين:

  1. لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا (2كو14: 5).
  2. مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ (رو35: 8).

وهذا ما سبق إشعياء وتنبأ عنه قائلاً "غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ، لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ" (إش2: 27 - 5).

ويضيف إشعياء إذ فَهِم حُبْ المسيح وشهوته للصلب لأجل عروسه "لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ" (إش1: 64).

حُبْ العريس وشهوته للتجسد والصلب ليَمْسِك بعروسه ويُخلِّصها عبَّر عنها بولس الرسول قائلاً "لأَنَّهُ حَقّا ًلَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ" (عب16: 2).

وحُب العروس مُتَمثِّل فى الإهتمام بالآخرين إتضح من نهاية الأصحاح السابع بتقديم ذاتها بالكامل لعريسها "أَنَا لِحَبِيبِي وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ" (نش10: 7)، والتعبير العملى عن هذا الحُبْ ظهر فوراً فى نفس الآية إذ قالت "تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ" (نش11: 7)، فهى لا تستطيع الخدمة بدونه = "لِنَنْظُرَ هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟" (نش12: 7)، والكرم هو الكنيسة.

كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ = الروح القدس أشعل محبة المسيح فيها فصارت محبة تذوب فى حب عريسها، وهذا ما طبَّقه تماماً أباؤنا الشهداء فأعلنوا محبة المسيح من خلال محبتهم هُمْ التى ظهرت فى إحتمالهم للألام حتى الموت، فآمن الكثيرون وإنتشرت المسيحية، "لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ" (نش6: 8).

فالموت عدو قوى لم يقف أمامه أحد، لكن المحبة ظهر أنها أقوى بل هى تدفع للموت فى سبيل من تُحِّبْ لكى تُنقِذه وهذا ما فعله المسيح لعروسه، وهكذا فعل الشهداء إذ ماتوا وإنتصروا على الموت بمحبتهم لعريسهم وصارت لهم حياة أبدية.

ترابط سفر نشيد الأناشيد

ترابط السفر.

الإصحاح الأول: - قصة حب.

الله يحب كنيسته. والكنيسة تحب الله بل الكنيسة مترابطة بالحب وهى كنيسة واحدة (سماوية + أرضية). الروح القدس يبكت ويعين فيعطينا ثبات فى العريس والعريس الإبن يحملنا لحضن أبيه.

والعريس يسكن فى كنيسته.

وكيف حدث هذا؟ هى قصة التجسد وهى قصة حب.

الإصحاح الثانى: - التجسد وبركاته.

المسيح يعطينا جسده مأكلاً حقاً... وهو يحمى كنيسته ويكملها. وهى تعرفه فتحبه ولا تريد أن يزعجه أحد (بخطية أو عدم إيمان). والمعنى أنها لا تريد أن شيئا يقطع هذا الفرح الذى تشعر به. وهو يساعدها على أن تحيا فى السماويات = الجبال. ولكن لأنها مازالت على الأرض فهذه الجبال مشعبة (شراك وأحجار وأشواك...). والنفس فى إنتظار رجوع عريسها ترجوه أن يكون لها كالظبى وغفر الأيائل ليرى هو هذه الشراك ويدوس على الحيات (الشياطين) ويملأها من الروح الذى يثبتها فى عريسها.

الإصحاح الثالث: - سقوط وقيام.

لأن النفس مازالت على الجبال المشعبة سقطت فى بعض الشراك:

  1. التكاسل (السرير) وكفت عن الجهاد.
  2. عادت لمحبة العالم بفلسفاته وملذاته (الأسواق) التى تباع فيها أى بضاعة فاسدة.

فما عادت تجد عريسها وتفرح به فى علاقة محبة.

ولكن لأن العريس هو كالظبى وغفر الأيائل أدركها بخدامه (عيونه) فعادت كالأول طالعة من البرية على الجبال ومجاهدة كالجبابرة.

الإصحاح الرابع.

العريس معجب بعروسه خصوصاً بعد نجاحها فى عدم الإستمرار فى السقوط على الجبال المشعبة إذ عادت له، ونجده يتغنى بجمالها وفى محبة يحولها لبستان مثمر يفرح بثماره. ويحذرها من المخاطر فى أثناء طلوعها (صعودها) على الجبال المشعبة.

الإصحاح الخامس.

العروس معجبة بعريسها وتتغنى بجماله وتصفه بعد أن مرت بتجربة فتور (فهى على الجبال المشعبة) والتوبة فتحت عيناها عليه فوصفته. والعريس سبق وقال الصديق يسقط فى اليوم سبع مرات ويقوم.

الإصحاح السادس.

بعد الرجوع العروس تستعيد نفس صورتها التى فرح بها عريسها، خصوصاً جهادها (ستون ملكة) وعودتها لحالة الوحدة (واحدة هى حمامتى) جوائز وسرو (نش17: 1). وهى متجهه نحو السماء. نصفها وصل للسماء (الجوائز) والنصف مازال يجاهد طالعاً على الجبال المشعبة وبنفس المفهوم فهما صفين هنا.

الإصحاح السابع.

العريس يتغنى بهذه الوحدة، الكنيسة المرتبطة بالمحبة (المفاصل) = دوائر فخديك. ولأنها واحدة فهى تهتم بباقى أعضاء الجسد.

الإصحاح الثامن.

"أتحبنى... إرع خرافى" (يو21) فعلامة المحبة رعاية قطيع المسيح. هنا نرى العروس فى محبتها لعريسها تنسى نفسها باحثة عن قطيع المسيح.

حقاً هذا السفر هو قصة حب.

الكنيسة عروس المسيح في سفر النشيد

الكنيسة عروس المسيح فى سفر النشيد.

هى كنيسة واحدة وحيدة = (9: 6).

كنيسة منتصرة وكنيسة مجاهدة = هى كنيسة واحدة نصفها فى السماء (جوائز) ونصفها فى الأرض (روافد) (17: 1). وكليهما يسبحان فى فرح مثل رقص صفين (13: 6)، والكنيستين فى وحدة، لذلك يقول دوائر فخذيك (1: 7) والدوائر هى المفاصل التى تجمع جزء الجسم العلوى الذى يشير للكنيسة المنتصرة وجزء الجسم السفلى الذى يشير للمجاهدة. عريسها فتى كالأرز (5: 15) على الجبال العالية. قدمه على الأرض ورأسه فى السماء. كنيسته ممتدة من الأرض حتى السماء تحيا فى السماويات. التى على الأرض ستون ملكة تجاهد بقوة، والتى فى السماء ثمانون سرية فى حب وفرح لا ينتهى مع العريس السماوى (6: 8).

وهى قد جعلها عريسها كنيسة ملوك وكهنة (رؤ6: 1) لكن المُلك هو مُلك روحى (1بط9: 2)، لذلك يقول عنها سفر النشيد هن ستون ملكة (8: 6) + (9: 6).

ولكن من الذى يحصل على لقب ملك؟ هو المجاهد الجبار (ستون جباراً) (7: 3). فلا ملك دون أن نجاهد قانونياً (فلا أحد يكلل إن لم يجاهد قانونياً) (2تى5: 2). ومن يجاهد ويصير ملكاً يكون له مركبات قوم شريف (12: 6). والكنيسة التى تجاهد تحرص على ميراثها السماوى (ترصة) ويكون لها نفس جمال الكنيسة المنتصرة (أورشليم السماوية) (4: 6).

هى كنيسة سماوية.

قطعاً الكنيسة المنتصرة هى سماوية ولكن أيضاً الكنيسة المجاهدة هى سماوية فرأسها سماوى (11: 5)، وهو فى وسطها إذ ملكته وهو فى مجلسه فى كنيسته (1: 12) وعطاياه لكنيسته سماوية (14: 5).

والجبال فى علوها وثباتها تشير لمن يحيا فى السماويات. لذلك فالكنيسة يشار لها هنا بأنها على جبال عالية جلعاد ويرعاها عريسها فيها (1: 4) فجلعاد مراعيه خصبة. وإحتمالها للألم بثبات يجعلها فى نظر عريسها تحمل صفة السمائيين الذين حملوا الصليب وراء عريسهم فصاروا سماويين كما صعد عريسهم للسماء بعد صلبه جبل المر (6: 4) وصلواتها تجعلها سماوية (6: 4) جبل اللبان فالصلاة هى صلة مع عريسها السماوى. وما يرفعها لقمم هذه الجبال الإيمان = رأس أمانة والتكريس لعريسها = رأس حرمون والقداسة = رأس شنير (8: 4). والتكريس هو تكريس القلب بالكامل للعريس، وهذا يعطيها إسم عذراء كالعذراى الحكيمات (3: 1).

وما يجعلها سماوية وجود عريسها فيها (12: 1) وهذا معنى أنه معنا كل الأيام (مت20: 28) وهو موجود وسط أى إثنين أو ثلاثة يجتمعون بإسمه. ومادام العريس موجود فالمكان الذى هو فيه يصير سماء.

بل أن الحروب ضد الكنيسة هى حروب فى السماويات (أف12: 6) = عدو الخير يحاول جذب المؤمنين خارج السماويات التى صاروا يعيشون فيها، بأن يعرض عليهم ملذات الأرض من شهوات وخطايا، ولذلك أطلق عليه رب المجد لقب رئيس هذا العالم. ويشير لهذا هنا بأنها جبال النمور (8: 4) ويقول أنها جبال مشعبة (17: 2). أما الكنيسة فى السماء فهى جبال الأطياب حيث لا خطية ولا حروب ولا خدور أسود (8: 4).

وبالتوبة تعود الكنيسة المجاهدة وتصير سماوية. قارن (1: 4 - 3) وهذا كان حالها قبل السقوط، مع (5: 6 - 7) وهذا كان بعد التوبة. فنجد أنها بالتوبة عادت إلى جبال جلعاد العالية وبالتوبة تصير طالعة من البرية (6: 3).

والكنيسة المجاهدة عليها أن تتمثل بالمنتصرة، وهذا ما قاله بولس الرسول (عب7: 13) وقارن مع (8: 1) أخرجى على أثار الغنم. وكل من يأتى للمسيح يصير له الطابع السماوى (12: 8) الألف لك يا سليمان فرقم 1000 يشير للسماويات.

والكنيسة تأخذ شكل عريسها.

له شكل السوسن ولها أيضاً (1: 2) + (2: 6) هو خمائل الطيب (13: 5) وهى أيضاً (2: 6) وهذا عمل الروح القدس الذى يعطينا صورة المسيح (غل19: 4). بل يصير لنا إسمه شولميث وهو سليمان (13: 6) + (12: 8). ومن يغلب ويحصل على صورة المسيح ينزل المسيح لينقله من الكنيسة المجاهدة = جنته ويعطيه مكانه فى السماء = يجمع السوسن.. بل طهرها عريسها وجعلها مثله كالشمس (6: 10) وهو شمس البر. والكنيسة مشبهة بشجرة التفاح (8: 5) والعريس هو التفاح، فنحن أعضاء جسد المسيح نشبهه. وهى حين تشبهت بعريسها نجدها تهتم بكل نفس كما يهتم عريسها بكل نفس.

حقاً فعريسنا أقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات (أف6: 2) وجعلنا نصلى أبانا الذى فى السماوات وجعل سيرتنا (أى جنسيتنا) فى السماوات (فى20: 3). وهذا كان لأنه "طأطأ السموات ونزل" بتجسده (مز18: 9). فأعطى لكنيسته إمكانية أن تحيا فى السماويات.

No items found

الأصحاح السابع - سفر نشيد الأنشاد - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر نشيد الأنشاد الأصحاح 8
تفاسير سفر نشيد الأنشاد الأصحاح 8