المزمور الثاني والأربعون – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ

حنين إلى الله.

لإمام المغنين - قصيدة لبني قورح.

"كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه.." (ع1).

مقدمة:

1. كاتبه:

أ - يرى البعض أنهم بنو قورح الذين لم يموتوا مع قورح في تذمره على الكهنوت (عد26: 11)، خاصة وأن بعضهم تعرض للنفى عند نهر الأردن، كما ذكر في (ع6). وكاتب هذا المزمور تعود أن يقود الصاعدين إلى الهيكل في الترنيم (ع4).

ب - داود هو كاتبه وبنو قورح هم الذين لحنوه، وهذا هو الرأى الأرجح، بدليل أن كاتب المزمور يتكلم بصيغة المفرد، ويذكر كلمة "نفسى" كما في.

. والأماكن المذكورة في (ع6) كان داود منفيًا فيها أثناء مطاردة شاول الملك له، ويظن أن داود كتب هذا المزمور عندما طرده أبشالوم من مملكته.

2. هذا المزمور يبين أشواق الإنسان إلى هيكل الله، والوجود مع الله، وتألمه لابتعاده عن العبادة الجماعية في الهيكل، إذ يشعر أن الله وحده هو القادر أن يروى عطش نفسه.

3. هذا المزمور مرتبط بالمزمور الذي يليه في موضوعه، لدرجة أن بعض الدارسين ظنوا أن المزموران قصيدة واحدة، خاصة وأن القسم الأول والقسم الثاني في هذا المزمور ينتهى كل منهما بنفس الآية، وهي نفسها أيضًا التي تنتهي بها مز43 (مز42: 5، مز43: 5) وبالتالي اعتبرت كقرار يتكرر في هذه القصيدة الواحدة، التي تعتبر مرثاة شخصية، تعبر عن آلام الماضى والحاضر والمستقبل التي يعانى منها الكاتب.

4. المزامير الثمانية من مز42 - مز49 هى من وضع، أو تلحين بنى قورح.

5. هذا المزمور قد يكون نبوة عن أحزان المسبيين في بابل، ويشتاقون للرجوع إلى أورشليم، كما أنها نبوة عن أشواق المؤمنين في العهد القديم إلى كنيسة المسيح في العهد الجديد، وتمثل كل المؤمنين المتغربين على الأرض، والمشتاقين إلى أورشليم السماوية، أي ملكوت السموات.

6. هذا المزمور هو المزمور الأول من القسم الثاني بحسب تقسيم اليهود والذي يبدأ بهذا المزمور وينتهى بالمزمور 72.

7. هذا المزمور غير موجود بالأجبية.

العدد 1

ع1:

كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ.

الأيل: تيس الماعز الجبلى ويشبه الغزال.

الأيل سريع الحركة ويهاجم الثعابين ويقتلها ويأكلها، فتجعل جوفه حارًا، ويحتاج إلى شرب مياه كثيرة، وإن لم يشرب يتعرض للهلاك، فالإيل يشتهى شرب الماء كثيرًا.

كما أن الإيل يتميز بالميل لشرب الماء، هكذا يشعر كاتب المزمور أن نفسه مشتاقة إلى الله، ولا تستطيع أن تحيا بدونه، بل ستهلك إن لم تجده.

العدد 2

ع2:

عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟

يشعر كاتب المزمور أنه مشتاق إلى الله، ولا يمكن أن يحيا الإنسان دون أن يشرب. فهو في عطش روحي إلى الله، ويصف الله بأنه حى تمييزًا له عن الآلهة الوثنية الميتة، فهي أصنام لا تتحرك، فالله مصدر الحياة.

اشتياق كاتب المزمور ليس أن يصلى إلى الله في أي مكان، بل يتراءى أمامه، أي في هيكله الذي في أورشليم؛ لأن الكاتب متغرب عن أورشليم. فهذا يبين أهمية الصلاة في الكنيسة؛ بالإضافة إلى الصلاة في كل مكان.

العدد 3

ع3:

صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزًا نَهَارًا وَلَيْلًا إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلهُكَ؟ ».

عيَّر الأعداء كاتب المزمور بأن إلهه قد تركه، إذ هو متغرب عن أورشليم، ومطرود ومنفى، فهو في ضيقة والله لم ينجده. فهم يشككونه في وجود إلهه، أو قوة إلهه في قدرته على إنقاذه.

لم يهتز إيمان كاتب المزمور، بل استمر في صلواته نهارًا وليلًا، وكانت صلواته من قلبه، فامتزجت بدموعه التي تعبر عن أشواقه لله، وحزنه من أجل الضيقة التي يعانى منها. فامتزجت الأشواق والأحزان بشكل عجيب معًا، بل وامتزجت مع إيمانه أيضًا، فاستمرت صلواته. وهذه الصلوات لم ينشغل عنها بالكلام مع الناس، أو أعمال الحياة التي تتم في النهار، ولم تتوقف أيضًا بالنوم أثناء الليل. بل إن أشواق قلبه استمرت، وغطت كل شيء في النهار والليل. ومن فرط شعوره بأهمية الصلاة والدموع صارت ضرورية لحياته مثل الخبز، فلا يستطيع أن يستغى عنها. وقال "خبزى" وليس مائى، فمن يأكل خبزًا وهو عطشان يزداد عطشه، كذلك كلما استمرت صلواته ودموعه، يزداد اشتياقه نحو الله.

العدد 4

ع4:

هذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ: لأَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ مَعَ الْجُمَّاعِ، أَتَدَرَّجُ مَعَهُمْ إِلَى بَيْتِ اللهِ بِصَوْتِ تَرَنُّمٍ وَحَمْدٍ، جُمْهُورٌ مُعَيِّدٌ.

أسكب نفسي على: اتأمل وأتعمق في نفسي وأصلى بحرارة ودموع.

أتدرج: أصعد درج الجبال المؤدية إلى الهيكل.

الجماع: جماعة العابدين.

عندما عيره أعداؤه زادوا أحزانه الحاضرة، فتذكر الأيام الماضية التي تمتع فيها بالوجود في هيكل الله. ولم يتذكرها بإحساس الحرمان واليأس، بل برجاء أنه سيعود ويتمتع بها. فإن كانت هناك أحزان في الحاضر، ولكن تمتعه الماضى حرك فيه أشواق المستقبل للتمتع بالعبادة في هيكل الله.

عندما تذكر الأفراح الماضية سكب نفسه على نفسه، فلم يغتظ من أعدائه الذين طردوه، بل تحول إلى التأمل والصلاة بعمق في داخله، ففرح ببركات الله الماضية، واشتاق إليها، فصارت صلواته مشبعة لنفسه.

تذكر الكاتب عندما كان يصعد الجبل مع جماعة المؤمنين للعبادة في هيكل الله، فكان يقودهم في ترانيم جميلة لعلها مزامير المصاعد (مز120 - 134).

العدد 5

ع5:

لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ارْتَجِي اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ.

يعاتب داود، أو كاتب المزمور نفسه لأنها انحنت، أو انكسرت وضعفت أمام تعيير الأعداء، الذين قالوا لها "أين إلهك". بل من كثرة الضيق صارت تئن وتتوجع، وهذا لا يتفق مع الإيمان والرجاء في الله، فلابد أن تحتمل النفس الضيقة برضا وثبات في الإيمان، فالمشكلة في نفسه بسبب ضعف إيمانها، فلو كانت ثابتة في الإيمان، لما ضعفت أمام تعييرات الأعداء.

ينادى نفسه أن تترجى الله، ويكشف داود عن الجانب الحلو في داخله الذي يتصارع مع الأنين، فيقول إنى مازلت أحمد الله وأشكره على كل ما يسمح به لى، حتى لو كان ضيقًا. وأنا أرى وجه الله، فأرى خلاصى الذي لابد وأن يتم، وتنتهي هذه الضيقة، بل انشغالى بخلاصى الروحي يرفعنى فوق أتعاب الضيقة فأنساها.

† جيد أن تراجع نفسك كل يوم لتكتشف ضعفاتك، وتسترجع إيمانك، ومبادئك الروحية؛ لتعود إلى الله بالتوبة، وتنهض نفسك، لتحيا مع الله، وتتمتع بعشرته.

العدد 6

ع6:

يَا إِلهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ الأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ، مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ.

جبال حرمون: جبال تمتد من الشمال نحو الجنوب وبها منابع نهر الأردن، وتسمى الجبال "سريون" (تث3: 9؛ مز29: 6) أو "سنير" (تث3: 9) أو "سيئون" (تث4: 48). وهي جبال عالية ارتفاعها تسعة آلاف ومئتين قدمًا فوق سطح البحر، ولها ثلاثة قمم. وهذه الجبال تقع شمال فلسطين، حيث يسكن سبط دان، وكانت قديمًا ملك عوج ملك باشان.

جبل مصعر: أحد قمم جبال حرمون.

إذ وجد داود نفسه ما زالت منحنية في داخله، عالجها بالتجائها إلى الله، فذكر الله في غربته التي كانت عند منابع نهر الأردن، وجبال حرمون، وجبل مصعر. وبذكره الله بدأ يستعيد قوة إيمانه، وينتعش الرجاء في داخله. ولأنه كان في ضيق كان متضعًا عندما صلى إلى الله، فنال نعمة إلهية، ومساندة روحية.

العدد 7

ع7:

غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ.

غمر: مياه عميقة تغطى كل من يدخل إليها.

ميازيبك: شلالاتك.

لججك: أمواجك.

طمت: غطت.

كان داود في غربته عند منابع نهر الأردن، ورأى المياه الغامرة تتوالى وهي تنزل من على جبال حرمون، حيث يذوب الثلج، وتنساب المياه بقوة، بل كان يسمع صوت الشلالات القوى، ورأى الأمواج تتلاطم، وتغطى كل شيء في طريقها. فتأمل فيها ورأى أنه في ضيقته هذه كأن نفسه وسط نهر الأردن، وهذه المياه والتيارات والأمواج تأتى عليه، فشعر أنها تعبر عما يعانيه في ضيقته.

من الجميل أن يشعر داود أن كل ما يحدث معه بتدبير إلهى، فقبله من يد الله في خضوع، وفى نفس الوقت كان له رجاء ثابت أن الله سيرفع عنه كل ما يعانيه أثناء ضيقته.

العدد 8

ع8:

بِالنَّهَارِ يُوصِي الرَّبُّ رَحْمَتَهُ، وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاَةٌ لإِلهِ حَيَاتِي.

يشعر داود أنه يتمتع طوال النهار برحمة الله، التي يوصى ملائكته أن يفيضوا بها على البشر، وخاصة أولاده؛ لذا يشكر الله على رحمته، أما في الليل حين ينام الناس، وتهدأ الحياة، يتفرغ داود لتسبيح الله الذي تعلق قلبه به، حتى شعر أن الله حياته، فيظل طوال الليل يسبح الله، كما قال الآباء "الليل مفروز للصلاة". فداود يصلى لله نهارًا وليلًا؛ لأنه حياته، فهو في النهار ينتظر رحمته، وفى الليل يسبحه على هذه المراحم.

الليل يرمز للحياة التي نحياها على الأرض؛ إذ هي ظلمة إذا قيست بالأبدية، حيث لا نرى الله، إلا كما في مرآة كما قال بولس الرسول (2 كو3: 18). وفى هذا الليل يسبح داود طوال حياته. أما النهار الذي يرمز للأبدية، فينال فيها داود مراحم الله، الذي يوصى ملائكته أن يمتعوا حياته بها.

النهار يرمز أيضًا للحياة في نور الله، فيعضد الله أولاده بمراحمه في جهادهم ليكملوه، وهذه المراحم مستمرة طوال النهار. أما الليل فيرمز لحروب إبليس الذي يريد أن يسقطنا في الخطية، والتي أثنائها لا نرى الله، كما في وقت النهار، ولكننا لا نوقف تسبيحنا لله؛ لأنه حياتنا الذي لا نستطيع أن نحيا بدونه.

العدد 9

ع9:

أَقُولُ للهِ صَخْرَتِي: «لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَذْهَبُ حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟ ».

إن داود المتمتع بعشرة الله في النهار والليل، يثق أن الله صخرته، وسنده القوى القادر أن ينقذه، ولكنه يعانى في الضيقة من آلام، يعبر عنها بقوله لماذا نسيتنى ولماذا أحزن من تعييرات عدوى. هو ليس يائسًا، أو متشككًا في مساندة الله له، لكنه يعبر عن آلامه الشديدة، كما عبر المسيح على الصليب عن عمق آلامه بقوله "إلهى إلهي لماذا تركتنى" (مت27: 46).

الأعداد 10-11

ع10 - 11:

:

بِسَحْق فِي عِظَامِي عَيَّرَنِي مُضَايِقِيَّ، بِقَوْلِهِمْ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلهُكَ؟ ». لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلهِي.

تعييرات أعداء داود كانت شديدة جدًا أثناء ضيقته، وشككوه بأن الله تركه؛ لأنه شرير، حتى أن روحه انسحقت في داخله، وعبر عن ذلك بقوله أن عظامه قد انسحقت؛ لأن العظام هي الجزء القوى الذي يعطى للجسد تماسكًا وصلابة، خاصة وأن الأعداء استمروا يعيرونه، فظل السحق مستمرًا في العظام. ولكنه مازال رجاؤه قويًا في الله؛ لأنه نادى نفسه المنحنية، والمنكسرة داخله ألا تئن، بل تترجى الله، كما سبق وشرحنا الآية في (ع5).

† لا تجعل الضيقات تعطلك عن الله، بل استمر في صلواتك وتسبيحك له، واثقًا من محبته لك، وقربه منك، وأنه سيتدخل في الوقت المناسب بقوة عظيمة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الثالث والأربعون - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

المزمور الحادي والأربعون - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 42
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 42