الأصحاح الخامس – سفر المكابيين الثالث – القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الخامس

(1) فدعا الملك حرمون المهتمّ بفيله، فامتلأ غضبًا وغيظًا جعلاه لا يلين. (2) وأمره بأن يسقي كل فيَله، وكان عددها خمس مئة (77)، خمرة صافية لم تُمزج، وكميّة من اللبان. وحين تمتلئ وحشيّة من الشراب، يقودها من أجل تنفيذ حكم الإعدام باليهود. (3) وبعد أن أعطى (الملك) هذه الأوامر، عاد إلى ولائمه، فجمع كل أصدقائه و(قوّاد) الجيش الذين يعادون اليهود عداء خاصًا. (4) في ذلك الوقت، قام حرمون، مدرّب الفيلة، بما عُهد إليه أحسن قيام. (5) ومضى الذين ينفّذون أوامره في المساء، وربطوا أيدي الشعب المسكين التعيس، واتّخذوا كل الاحتياطات بحيث لا يصيبهم مكروه في الليل، بحيث تهلك الأمّة كلها دفعة واحدة. (6) ظنّ الوثنيون أن اليهود لا يقدرون على الحراك بعد أن حُصروا حصرًا في القيود. ولكنهم دعوا (7) الربّ الضابط الكل والقويّ بكل قوّة، والههم الرحيم وأباهم. طلبوه كلّهم بدموع وصراخ لا ينقطع، (8) لكي يقلب القصد الشرير الذي يحاك عليهم، وينجّيهم، بظهور عجيب، من الكارثة المزمعة أن تحلّ بهم. (9) فبلغت طلبتهم الحارّة إلى السماء. (10) جاء حرمون بفيله الشرسة، وملأها بكميّة كبيرة من الخمر، وأتخمها باللبان، وجاء في الصباح الباكر، إلى القصر، ليُعلم الملك بما فعل. (11) ولكن الذي ( = الله) أرسل النوم إلى خليقته الصالحة التي تنام قسمًا من الوقت، خلال الليل أو خلال النهار، يُفيض بركته كما يشاء. فأرسلها غزيرة على الملك. (12) أرسل إليه سحرًا حلوًا ونومًا عميقًا، فقاوم قصده الجائر، وخيّبه كل الخيبة في مرماه الذي لا يلين. (13) أما اليهود الذين نجوا من الموت في الساعة المحدّدة، فأنشدوا الله القدوس. وطلبوا إلى ذاك الذي يُسرع في رحمته، أن يُريهم عظمة يده القديرة تجاه الوثنيّ المتعجرف. (14) ولكن منتصف الساعة العاشرة حلَّ، حين لاحـظ الموظف المكلّف بالدعوات أن الضيوف اجتمعوا. فمضى إلى الملك وحرّكه. (15) كان في حيرة: أيوقظه أم لا؟ ولكن حين شعر أن ساعة الوليمة حلّت، أخذ الأمور على عاتقه. (16) استمع الملك إليه، ثم مال إلى كؤوسه، وأمر ضيوفه إلى الوليمة بأن يجلسوا قبالته. (17) ولما تمّ هذا، طلب منهم أن يفرحوا، وأن يقدّروا الشرف العظيم الذي أعطي لهم، وأن يحسبوا هذا القسم الأخير من الوليمة قمّة البهجة. (18) وبعد فترة من الجلوس إلى المائدة، أمر الملك حرمون، وهدّده بقساوة، وسأله لماذا سُمح لليهود بأن يظلّوا حتّى اليوم على قيد الحياة. (19) فشرح حرمون أنه صنع المستحيل خلال الليل، ووافقه أصدقاؤه على ذلك. (20) عندئذ غضب الملك غضبًا أين منه غضب فَلاريس وقال: على اليهود أن يشكروه لأنه أنعم عليهم بالنوم في هذا اليوم. وأضاف: ستهيَّأ الفيَلة بدون تأخّر للغد، كما كانت بالأمس، لإفناء اليهود الملعونين. (21) وحين قال الملك هذا، وافق الحاضرون، وابتهجوا، ومضى كل واحد إلى بيته. (22) ولكنهم لم يستفيدوا من الليل ليخلدوا إلى النوم، يل ليفكّروا بكلّ أنواع الهزء الذي سيناله الشعب المحكوم عليه. (23) وما إن صاح الديك في وقت الفجر، حتى هيّأ حرمون حيواناته وحثّها، فصارت صفًا عظيمًا من "العواميد (24) وتوافدت الجموع من المدينة لترى هذا المشهد المريع. وكانت تنتظر بفارغ صبر طلوع الصباح. (25) ولكن اليهود الذين قضوا آخر نفَس في التوسل الباكي وفي النواح، بسطوا أيديهم إلى السماء وطلبوا من الإله القدير، مرّة ثانية، أن يعجّل في مساعدتهم. (26) ما كانت انتشرت بعدُ أشعّة الشمس، وإذ كان الملك يستقبل أصدقاءه، تقدّم حرمون ودعاه لكي يخرج، وشرح له أن رغباته جاهزة للتنفيذ. (27) استقبله الملك، ولكنه تعجّب من دعوته له إلى الخروج في مثل هذا الوقت، بعد أن سحقه روح جعله ينسى كل شيء. وسأل: ما هو هذا الأمر الذي يجب أن يهيَّأ بمثل هذه العجلة؟ (28) ولكن هذا كان عملَ الله، سيّد كل شيء، الذي زرع في ذهنه نسيان كل ما سبق له وخطّطه. (29) غير أن حرمون وكل أصدقائه، تابعوا تهيئة الحيوانات. وقالوا:" كل شيء جاهز، أيها الملك، حسب أمرك المشدّد ". (30) ومع أنه كان يمتلئ غضبًا حين يسمع هذه الكلمات، فبعناية الله تجاه هذا الوضع، حلّ الغموض في عقله وتطلّع إلى حرمون بقساوة وقال له مهدّدًا: (31) لو كان أهلك أو أولادك هنا، لقدّمتُهم وليمة كبيرة لهؤلاء الحيوانات، بدلاً من اليهود الأبرياء الذين أظهروا ولاء مطلقًا لآبائي لم يظهره غيرهم. (32) فلولا العاطفة التي تصدر عن صداقة اعتدتُ عليها، ولولا خدمتك لي، لأخذت حياتك بدل حياتهم". (33) وإذ أحسَّ حرمون بتهديد خطير لم يتوقّعه، اضطرب وجهه وتبدّلت ملامحه (34). وتسلّل أصدقاء الملك، الواحد بعد الآخر، وأمرت الجموعُ المتوافدة بالذهاب إلى عملها. (35) وإذ سمع اليهود ما حصل مع الملك، امتدحوا الله المجيد وملك الملوك، بعد أن نالوا منه أيضًا عونًا جديدًا (36) وهيّأ الملك وليمة أخرى، كما الوليمة السابقة، وأمر أصدقاءه أن يتحوّلوا إلى الفرح. (37) ودعا حرمون وقال له مهدّدًا: "أيها التعيس، كم مرّة أعطيك أوامرَ في ذات المسألة؟ (38) هيّئ فيَلك من أجل الغد لاستئصال اليهود". (39) فاندهش وزيره، الذي كان معه إلى المائدة، من هذا التقلّب، وقال له معاتبًا: "(40) إلى متى تتّهمنا، أيها الملك، بأننا مجانين؟ هي المرة الثالثة تأمر فيها بإفناء اليهود. وحين يبدأ التنفيذ تبدّل رأيك وتتراجع عن قرارك. (41) لهذا، تحوّل الانتظارُ إلى جلبة في المدينة. فقد تجمهر الناس وهم يترقّبون، وقد استعدّوا للسلب والنهب". (42) فجنّ جنون الملك، الذي هو فلاريس من جميع الوجوه، ولم يعد قلبه يتذكّر أنه قرّر المحافظة على اليهود، فحلف حلفًا باطلاً أنه سيرسل اليهود إلى الجحيم بعد أن تدوسهم ركب الفيل وأرجلهم. (43) وأنه سيقوم بحملة على اليهودية، فيسوّي مدنها بالنار والسيف، ويدمِّر الهيكل الذي لا يُسمح للوثنيين بدخوله، ويمنع عنه الذبائح إلى الأبد، بعد أن كانت تقدّم فيه. (44) فتركه أصدقاؤه ووزيرُه بفرح، وكلّهم ثقة بأن هذا الافناء سيتمّ. فرتّبوا صفوفهم من أجل حماية المدينة، في أفضل نقطة ملائمة. (45) فدفع مدرّب الفيلة حيواناته إلى حالة من الجنون، فأتخمها بالخمر واللبان وجهّزها بأسلحة مريعة. (46) وفي الصباح الباكر، ساعة امتلأت المدينة بجمهور كبير من الشعب ذاهبين إلى الحلبة، دخل إلى القصر ودعا الملكَ إلى أن يتّخذ قراره. (47) فامتلأ قلب الملك غيظًا وغضبًا، فهجم مع الحيوانات وقد عزم أن يرى بعينين لا تعرفان الشفقة ألم اليهود وإفناءهم إفناء يُرثى له. (48) وحين رأى اليهود الفيلة خارجة إلى الباب، تتبعها القوات المسلحة. وحين رأوا الغبار تحرّكه أرجل الجماهير، وسمعوا صراخ الشعب وضجيجه، (49) ظنّوا أنهم دنوا من آخر ساعة في حياتهم، وأن وقت جهادهم الذي انتظروه قد جاء. فبدأوا يبكون ويولولون. وقبّل الواحد الآخر، وعانق القريبُ قريبه. عانق الآباء أبناءهم، والأمهات بناتهن. والأطفال على الثدي رضعوا آخر نقطة من حليبهم. (50) ومع ذلك، تذكّروا المناسبات السابقة التي فيها جاءهم العون من السماء، فارتموا كلهم دفعة واحدة إلى الأرض. أبعدوا الأولاد عن صدورهم، (51) وصرخوا بصوت عظيم جدًا إلى سيّد كل قدرة، لكي يُظهر لهم رحمتَه في هذه الساعة التي يقفون فيها على أبواب الموت.

صلاة اليعازر.

No items found

الأصحاح السادس - سفر المكابيين الثالث - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الرابع - سفر المكابيين الثالث - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر المكابيين الثالث الأصحاح 5
تفاسير سفر المكابيين الثالث الأصحاح 5