الأصحاح الرابع – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الرابع

فى الرسائل السبع التى وردت فى الإصحاحين الثانى والثالث رأينا تأسيس ملكوت الله على الأرض فى الكنيسة المجاهدة. وفى نهاية السفر نرى أورشليم السماوية أى ملكوت الله فى صورته النهائية. وهذا الملكوت السماوى سيكون لمن يغلب، وهذه الكلمة تكررت سبع مرات خلال الرسائل السبع. إذاً إمكانية الغلبة موجودة وعلينا أن نجاهد. وكان آخر وعد فى آخر رسالة وهى لاودكية أن من يغلب يجلس فى عرش المسيح. وهنا نجد المنظر يتغير وإذا باب مفتوح فى السماء ويرى يوحنا عرش الله. الله يُرِى يوحنا حبيبه عرشه وأن ما كلمه عنه فى رسالة لاودكية عن المجد والعرش هو حق. ونلاحظ فى رسالة لاودكية أن المسيح واقف على الباب يقرع وباب القلب مقفل أمامه، أما الله فيصور لنا باب السماء مفتوحا لكل من يأتى. ومن يفتح باب قلبه للمسيح يرى الباب مفتوحا فى السماء. وقارن فالله يفتح أمامى باب السماء حيث المجد والطهارة والقداسة وأنا أغلق أمامه باب قلبى المملوء نجاسة (أر9: 17).

وهذا الإصحاح والإصحاح التالى نجد فيهم منظر للسماء والله ضابط الكل هو الذى يتحكم فى كل شىء. فسفر الرؤيا نجد فيه يوحنا فى المنفى والكنيسة تعانى من إضطهاد دومتيانوس. بل سفر الرؤيا يحمل أخبار ألام كثيرة ستعانى منها الكنيسة. والله قبل أن يخبرنا بالألام نراه متحكما فى كل شىء، والمعنى أن الله يريد أن يقول أنا أحبكم فلا تخافوا مما سيحدث. كل شىء فى يدى، وها أنا أريكم المجد المُعَّد لمن يصبر.

الأعداد 1-3

الآيات (1 - 3): -

"1بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: «اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا». 2 وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. 3 وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ.".

بَعْدَ هذَا = أى أن يوحنا إنتقل إلى رؤيا جديدة فبعد ما سمع يوحنا صوتا من ورائه. إلتفت ليرى المسيح والآن يرتفع لدرجة روحية أعلى وأعلى ليرى عرش الله. وهذا التدرج حتى يحتمل يوحنا ما سيراه. وكان يوحنا ينمو فى الروح، أى يدخل لدرجات روحية أعلى ليرتقى فيرى ما لا يُرى بالجسد العادى. وهذا ما نفهمه من عبارة صِرْتُ فِي الرُّوحِ. وهذه درجة أعلى من درجة كنت فى الروح (رؤ10: 1) وبهذه الدرجة الأعلى رأى يوحنا عرش الله. هو لم ينتقل بالجسد بل بالروح التى تستطيع أن تصل لأى مكان، وحينما ترتقى تصعد حتى إلى السموات. ولذلك قال له اصْعَدْ إِلَى هُنَا هو صعود بالروح، فهى درجة روحية أعلى أعطاها له الله. وهذه الدرجات العليا تستلزم أن يكون الجسد شبه ميت فالجسد يشتهى ضد الروح وهو يجذب لأسفل. ويوحنا كان متألما منفيا فى جزيرة قاحلة يسكنها لصوص ومجرمين، فالجسد كان شبه ميت فإستطاع الروح القدس أن يجذب الروح لدرجات عالية. فيها يسمع يوحنا ويرى بالروح دون أن ينتقل جسمه من على الأرض. وهذه ليست الحواس الطبيعية (1كو9: 2 - 12) + (2كو1: 12 - 4) لذلك تكثر الكنيسة الأرثوذكسية من أصوامها وصلواتها لتعطى فرصة للروح لتصعد وتتمتع بالسماويات. فنحن لا نستطيع أن نتمتع بالسماويات مالم تكن هناك دفعة روحية يساعدنا عليها الصوم والصلاة. ولنلاحظ أن من لا يتذوق ملكوت الله والسمائيات على الأرض يصعب أن يكون له نصيب فى الملكوت السماوى فما نحصل عليه فى الأرض هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء. فمن لم يستطع أن يقول مع داود "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" لن يكون له نصيب فى عرش المسيح السماوى. ونلاحظ هنا شركة الصليب والمجد، فيوحنا المتألم المقفولة أمامه أبواب الأرض فتحت له أبواب السماء. وهكذا من يحبه الرب يسمح له بتجربة قاسية ويشترك معه فى صليبه ليعزيه ويفتح له أبواب السماء فيختبر تعزيات سماوية لا ينالها غير المُجَرَّب (رو8: 17).

والسماوات ثلاث:

  1. سماء الطيور.
  2. سماء الكواكب.
  3. الفردوس.

وهناك سماء السموات التى فيها عرش الله، وتعبير سماء السموات هو مثل ملك الملوك أى أعظم الملوك ورب الأرباب ونشيد الأناشيد أى أعذب نشيد. وبهذا تعنى سماء السموات، أعلى وأسمى وأمجد مكان، فكلمة سماء مشتقة من يسمو. وهذه هى التى رآها يوحنا. أما بولس صاحب المعرفة اللاهوتية والفلسفة الروحانية فإختطف للسماء الثالثة.

ويوحنا صاحب القلب المملوء حبا فرأى سماء السموات. وإذا كان يوحنا قد إستطاع أن يرى كل هذا وهو ما زال فى الجسد، فما الذى سيراه حينما يفارق الجسد. ولكن ما رآه يوحنا وصفه على قدر فهمه، وبقدر ما تستطيعه لغتنا البشرية العاجزة. فالأوصاف التى إستخدمها كان يقول مثل كذا وكذا، فلا يوجد مثيل لما فى السموات على الأرض. يوحنا كان كطفل سمع محاضرة فى العلوم الرياضية من عالم كبير فى الرياضيات وحاول أن يكرر ما سمعه، فهو حينئذ سيتكلم على قدر طاقته مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ = وما يقوله الله لابد وسيحدث. وفى تشبيه لطيف للقمص تادرس يعقوب "أنك لو أخذت طفلا إلى المطار ورأى الطائرات سيعود ويقول رأيت بطاً كبيرا.

وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ = حينما تأتى هذه الرؤيا هنا بعد الرسائل وقبل الأخبار المرعبة عن الحروب وإضطهاد الكنيسة. فالمعنى أن كل الأمور يتحكم فيها الله. هو مسيطر على كل المصائر، وبيده كل سلطان فى السماء وعلى الأرض.

ولكن من بهاء جلال الجالس على العرش لم يعرف يوحنا كيف يصفه فدعاه جَالِسٌ فالشرح فوق طاقة إستيعاب يوحنا وتعجز اللغة البشرية أن تعبر عنه، وهذه الصورة لله جالسا على عرشه هى التى نضعها فى شرقية الهيكل ونسميها البانطوكراطور أى ضابط الكل. والعرش له أربع أرجل. كل رجل ترسم بشكل أحد الحيوانات الأربعة (آية 7) والله يظهر جالسا رمزا لإستقرار ملكه، فعرشه لا يهتز كملوك الأرض لقوته وقدرته وحكمته ولا تغيير فى قراراته فهو ضابط الكل يتحكم فى كل أمر وهو لا يخطئ فلا يندم.

شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ = حجر كثير الشفافية، هو يرمز لمجد الله وبهاء قداسته، وبساطة محبته للبشر. هو لا يحمل فى قلبه سوى المحبة بلا حقد ولا ضغينة. فالبساطة تشير لعكس ما يشير إليه التعقيد أو التركيب. فمشاعر الله كلها محبة، ومحبة فقط فالله محبة، هذه هى طبيعته، طبيعة بسيطة لا يوجد فيها أى شائبة كراهية.

الْعَقِيقِ = لونه أحمر، لون الدم إشارة لفدائه، فإن كان الله فى بساطته، كله محبة لنا، فهذه المحبة وصلت لسفك دم إبنه. "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به" (يو16: 3).

قَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ = هو علامة ميثاق بين الله والإنسان، فالله لا يريد هلاك الإنسان وموته كما وعد نوح. ووجود هذه العلامة هنا وحَوْلَ الْعَرْشِ = إشارة تعطينا إطمئنان أن الله يذكر هذا الوعد ولا يريد هلاكنا. فالله لا ينسى وعده لنوح ولا لأبنائه. وتعدد ألوان قوس قزح يشير لتعدد بركات ومواهب الروح القدس للكنيسة.

شِبْهُ الزُّمُرُّدِ = الزمرد لونه أخضر وهو لون الحياة. ولاحظ الرمز فى سفر الرؤيا، فقوس قزح متعدد الألوان فكيف يكون لونه أخضر. المعنى أن الله لا يريد لنا الموت والهلاك بل يريد لنا الحياة (يو16: 3) فالله حى ويريد أن تكون لنا حياة. ونحن نصلى فى أوشية الراقدين "عُلْهُم فى موضع خضرة على ماء الراحة" إشارة لحياة أبدية للراقدين ولا حياة بدون خضرة أو ماء.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ.".

هنا نسمع عن طغمة سمائية عالية المستوى جدا هم الأربعة والعشرون قسيسا ومترجمة فى طبعة بيروت شيوخا. وأصل الكلمة إبرسفيتيروس ومنها إبريسفيا أى شفاعة، فهم لهم عمل كهنوتى إذ يقدمون أمام العرش صلوات القديسين. ولكن لأن البروتستانت يرفضون فكرة الشفاعة والكهنوت ترجموها شيوخا. بينما فى أماكن أخرى مثل (أع17: 20) يترجمونها قسوس، فالقسيس عند الطوائف البروتستانتية هو معلم، فإذا جاءت الكلمة فى مجال التعليم تترجم قسيس وإذا جاءت بمعنى الصلاة يترجمونها شيخ. وهذا راجع لرفضهم فكرة العمل الكهنوتى. ففى (يع14: 20) يترجمون الكلمة شيوخ فهى تتحدث عن مسحة المرضى التى يقوم بها الكهنة. عموما أصل الكلمة (إبرسفيتيروس) فى اليونانية كان يعنى شيوخ. لكن لما قامت الكنيسة وسامت قسوسا للخدمة الكهنوتية وجدت أن أنسب كلمة فى اليونانية هى إبرسفيتيروس فإستعملتها للقساوسة، وصارت هذه الكلمة بمعنى الكهنة القساوسة لمدة 12 قرنا من الزمان حتى أعادها البروتستانت بمعنى شيوخ. على أن هذا خطأ فهناك كلمات كثيرة تغير معناها بعد المسيحية مثل كلمة إكليسيا وكانت تعنى فى اليونانية جماعة ولكنها بعد المسيحية صارت تعنى كنيسة. فهل يقبل البروتستانت أن تسمى كنائسهم جماعة كذا أو جماعة كذا بحسب القاموس اليونانى. وكلمة أسقف فى أصلها تعنى ناظر ثم صارت درجة الأسقف.

عموما كان لا يصح أن يتم ترجمة نفس الكلمة مرة بمعنى شيوخ ومرة بمعنى قسوس.

وملحوظة أخرى طريفة على هذه الترجمة، فربما يصح تسمية شيوخ وهى بالإنجليزية Elders والمعنى الكبار سناً هنا فى كنائسنا على الأرض، ولكن لهذه الطغمة السمائية فالسؤال هنا عن الأربعة والعشرون.. هم أكبر سنا مِنْ مَنْ وهل هناك طغمات سمائية أصغر سناً. واضح أن الترجمة ليست فى مكانها.

وهؤلاء الأربعة والعشرون قسيسا مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ = وهذه قد تعنى الطهارة والبر، ولكن فى نفس الوقت تشير لملابس الكهنة فعملهم كهنوتى ولهم جامات أى مجامر يقدمون فيها بخوراً هو صلوات القديسين (رؤ8: 5).

وهذا يعنى قيامهم بدور شفاعى، فهم يقدمون صلواتنا ويرفعونها لله والمعنى أن صلواتنا بها الكثير من الأخطاء ولا يجب أن تقدم لله، هكذا فنحن نقول ما لا يجب أن نقوله، وقد نقف بلا خشوع. بينما الله يطلب أن نقف فى خشوع وإحترام كاملين، لذلك ظهرت ظواهر طبيعية مخيفة قبل أن يظهر الله للشعب فى سيناء مع موسى وقبل أن يكلم إيليا لتضعهم هذه الظواهر فى موقف خشوع.

"لقد فهمت عمل الأربعة والعشرون قسيسا من حوادث وقعت معى فقد كان كثيرين من الناس يعطونى طلباتهم مكتوبة فى ورق مطوى لأضعها على المذبح أثناء القداس. وذات مرة فتحت ورقة منهم وقرأتها فوجدت فيها طلبات غير مقبولة مثل" يا رب إنتقم لى من فلان "فرجعت لمن أعطاها لى وقلت له لماذا تجعلنى أخطىء بوضع هذه الطلبة أمام الله ومن يومها صرت أراجع كل ورقة تعطى لى قبل وضعها على المذبح".

وعلو منزلة الـ 24 قسيسا تتضح من أن لهم عُرُوشِ وأكَالِيلُ. فهم طغمة سمائية ملائكية كهنوتية عملها الشفاعة. وهم يرمزون لشعب العهد القديم (12 سبط) وشعب العهد الجديد (12تلميذ) أو يرمزون للعمل الكهنوتى فى العهدين.

ويبدو أن لهم درجة ملوكية فهم لهم عروش وأكاليل. وهم لهم ذوكصولوجية خاصة فى الكنيسة وتعيد لهم الكنيسة سنويا.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ.".

بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ = هذا ما حدث فى سيناء قبل أن يظهر الله للشعب، وهذا ما حدث مع إيليا قبل أن يكلمه الله، حتى يكونوا فى خشوع حين يتكلم الله فهذه البروق والرعود إشارة، أو أنها تثير الرهبة، وترمز لهيبة الله وقوته وعظمته التى ترعب البشر (عب21: 12). وهى تشير أيضا لدينونة الله العادلة. أما الله مع خاصته الذين هم أصلا فى خشوع سيكون الله معهم كالنسيم الهادىء كما تكلم مع إيليا.

البُرُوقٌ = البروق تسبق المطر. والمطر يشير للبركات الإلهية. لذلك فالبُرُوقٌ تشير لوعود الله للأبرار، والبرق يلمع فى السماء ويراه الكل، هكذا وعود الله للكل.

الرُعُودٌ = تشير لإنذارات الله لمن لا يريد التوبة، فهناك من لا يتأثر بالوعود لكنه يخشى من الإنذارات فيتوب.

الأَصْوَاتٌ = هى أحكام وقرارات إلهية تعلن سلطان الله على السماء والأرض. إذاً الله أعطى وعود (برق) مثل "من يغلب يجلس معى فى عرشى". وأعطى إنذارات (رعود) مثل "فتب وإلا فإنى آتى وأزحزح منارتك". ومن يستفيد ويتوب تصدر له أحكام وقرارات بالبركة ومن لا يستفيد تصدر ضده قرارات بالعقوبة. وكل ما يصدر عن العرش هى قرارات ووعود وإنذارات لا تتغير.

سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ = رمز لعمل الروح القدس الكامل فى الكنيسة، فرقم 7 هو رقم الكمال. فالروح القدس يقدم كل ما هو لازم لخلاص الإنسان منذ ولادته الولادة الثانية، وتثبيته فى المسيح وإستمرارية ثباته عن طريق التبكيت والتعليم والإقناع والتوبيخ والنصح والإرشاد وهو يعطى قوة تعين الإنسان ويقود الكنيسة (سمى سفر أعمال الرسل سفر أعمال الروح القدس) وهو الذى يعطى الثمار والمواهب ورآه على هيئة مَصَابِيحِ نَارٍ = لأن الروح القدس حلَّ على التلاميذ على هيئة ألسنة نارية. وإلهنا نار آكلة (عب29: 12).

أَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ = أى أمام عينى الله، والمعنى أن خلاص الكنيسة والحفاظ عليها (وهو عمل الروح القدس الآن) وإعدادها لتكون عروس الخروف هو محل إهتمام الله بالدرجة الأولى (راجع شرح رؤ4: 1). ولاحظ أن المصابيح كانت عبارة عن ألسنة لهب، فتائل مغموسة فى زيت ومشتعلة، وتمثل الفتائل المؤمنين (الكنيسة يمثلها هنا فى سفر الرؤيا 7 مناير هى 7 كنائس أى كل الكنائس). والمؤمنين مملوئين من الروح (الزيت) فيكونوا نورا للعالم. وهكذا كانت المنارة فى خيمة الإجتماع، والله عينه على هذه الكنيسة عروسته.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ. وَفِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ:".

َقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ = العالم مشبه بالبحر لملوحته ومن يشرب منه يعطش. (لذاته وتنعماته) بالإضافة لإضطرابه وأمواجه التى ترفع يوما وتخفض يوما. ومن يعيش فى البحر يغرق ويموت إشارة لمن يحيا للعالم فقط تاركا الله. لكن هنا نجده يشبه الكنيسة ببحر من زجاج شبه البلور.

  1. إشارة للمعمودية التى نولد منها. وكان فى الهيكل بحر يغتسل فيه الكهنة قبل دخولهم للهيكل. فالبحر فى المفهوم اليهودى يشير لمكان الإغتسال فى الهيكل ولاحظ أن الله أمامه البحر والسبعة المصابيح، فالطريق للعرش يمر خلال البحر والروح. فلن يعاين ولن يقدر أن يدخل ملكوت الله من لا يولد من الماء والروح الولادة الثانية وبها يصبح إبنا لله (يو 5: 3) والبحر زجاج فلا معمودية فى السماء. ولكن نفهم أن البحر الزجاجى هو إشارة لكل أولاد الله بالمعمودية وأنهم أمام عينيه دائما.
  2. الْبَلُّورِ شفاف رمز للنقاء فالكنيسة كما أن فيها سر المعمودية، فيها سر توبة وإعتراف به تغفر الخطايا، ويسمى سر التوبة معمودية ثانية. وكان البحر فى الهيكل يُستخدم بطريقتين.
  1. يستحم الكاهن فيه بالكامل فى بداية خدمته عندما يصل سنه إلى 30 سنة.
  2. يغتسل فيه الكاهن (يديه ورجليه فقط) كل مرة يدخل الهيكل. الأولى تشير للمعمودية والثانية تشير للتوبة وكلاهما يشير للنقاوة التى يشير لها البلور. وهاتين المرتين لإستعمال البحر فى الهيكل هما ما أشار لهما السيد المسيح فى حديثه مع بطرس حين رفض غسل قدميه.
  1. شِبْهُ الْبَلُّورِ فهو يعكس أمجاد الله. وأمجاد الله تتلألأ على القديسين، وتنعكس من عليهم.
  2. هو بلا أمواج فلا إضطراب فى السماء.

إذاً بحر الزجاج يرمز للكنيسة المولودة من المعمودية، وبها ماتت وقامت مع المسيح وصارت نورا للعالم تعكس نور إلهها شمس البر.

وهى قدام العرش أى أنها أيضا محل إهتمام الله وقدام عينيه. الله مهتم بكنيسته وبقيادة وإعداد الروح القدس لها. وبعد أن نسمع عن كل هذا الإهتمام بنا وأن القرارات الخاصة بنا خارجة من عرش من يحبنا.. فلماذا الخوف مما رأينا ونرى أن الطريق للعرش الذى بحسب وعد المسيح لنا مكان فيه، هو كالآتى:

  1. يجب أن يكون أولاد الله معمدين تائبين أنقياء.
  2. ماتوا عن العالم وقاموا مع المسيح. هم نور للعالم يعكسون نور المسيح.
  3. قاموا فى جدة الحياة ولا يقاوموا عمل الروح القدس.
  4. يستجيبوا لأصوات وإنذارات الله.
  5. مستفيدين من عمل الكهنوت الأرضى وشفاعة السمائيين.

الأعداد 7-8

الآيات (6 - 8): -

"6 وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ. وَفِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ: 7 وَالْحَيَوَانُ الأَوَّلُ شِبْهُ أَسَدٍ، وَالْحَيَوَانُ الثَّانِي شِبْهُ عِجْل، وَالْحَيَوَانُ الثَّالِثُ لَهُ وَجْهٌ مِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ، وَالْحَيَوَانُ الرَّابِعُ شِبْهُ نَسْرٍ طَائِرٍ. 8 وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا، وَمِنْ دَاخِل مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا، وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلاً قَائِلَةً: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي».".

المركبة الكاروبيمية (الأربعة الحيوانات).

هناك بعض كتاب الصحف يحلو لهم أن يصفوا ما رآه حزقيال النبى فى رؤية المركبة الكاروبيمية حاملة عرش الله بأنها مركبة فضاء. فما هى قصة هذه المركبة وما هى قصة الأربعة الحيوانات الذين يستحسن تسميتهم الأربعة المخلوقات الحية (غير المتجسدين) نلاحظ أنه يقول شبه كذا، فكل ما يراه هو أشباه الحقائق لأنه يستحيل علينا إدراك ورؤية السماويات على حقيقتها، ونحن فى الجسد الترابى. وهذه الأربعة المخلوقات الحية هى الكاروبيم كما يتضح من (حز1: 10). فنفس الرؤيا التى رآها يوحنا هنا هى نفسها التى رآها حزقيال من قبل (حز4: 1 - 11) والكاروبيم هم طغمة من طغمات الملائكة، وكما يحدث فى اللغة الهيروغليفية إذ كانوا يستخدمون الأشكال للتعبير عن معانى الأشياء نرى هنا الوحى يستخدم اشباه حيوانات نعرفها للتعبير عن بعض المعانى لعمل هؤلاء الملائكة.

هم يمثلون عرش الله. فالله يقال عنه الجالس فوق الشاروبيم، ففى (مزمور10: 18) نسمع أن الله ركب على كاروب وطار. وهم مملوءون أعينا وهذا إشارة لمعرفتهم الفائقة، فهم يعرفون الله. ومن هنا نفهم أن الله ركب على كاروبيم أو جلس عليه بمعنى أنه يرتاح أو أنه يجد راحته فى هؤلاء الملائكة الذين يعرفونه بالحق.

ونسمع هنا أن الكاروبيم موجودون فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ = هذا يذكرنا بمشهد أب جالس فى فرح وأولاده حوله.

عموما كل من يعرف الله حقيقة يستريح الله فيه، بل إن معرفة الله هى الحياة الحقيقية (يو3: 17). "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى".

ماذا قال الأباء عن هذه الأربعة المخلوقات الحية: -.

1 - كلمة كاروبيم جمع كلمة كاروب، وكاروب تعنى ملء المعرفة، وتم تصوير هذا هنا بقوله مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ. أما نحن فمعرفتنا الآن محدودة ولكن فى السماء ستزداد معرفتنا إذ سنراه وجها لوجه. أما الكاروبيم فهم مملوئين أعينا لأنهم يعرفون الله. ونحن نعرف الله عن طريق الأناجيل. لذلك قال الآباء أنهم يشيرون للأناجيل الأربعة. فالذى يشبه الإِنْسَانٍ يشير لإنجيل متى الذى بدأ إنجيله بنسب المسيح وكان أكثر من كتب عن المسيح إبن الإنسان. والذى على شبه أَسَدٍ يشير لإنجيل مرقس الذى نسمع فيه عن المسيح القوى القادر كما يقدمه مرقس للرومان الذين يعشقون القوة، وقد بدأ مرقس إنجيله بالصوت الصارخ فى البرية وأنهاه بأن المعجزات التى صنعها المسيح، أعطى لمن يؤمن به أن يفعل مثلها (مر17: 16) فليس المسيح وحده هو القوى، بل من يتبعه أيضا. والذى يشبه العِجْل يشير لإنجيل لوقا الذى بدأ بكهنوت زكريا وقدم المسيح الكاهن الذى يخلص العالم بدم ذبيحته. والذى يشبه النَسْرٍ يشير لإنجيل يوحنا الذى أثبت أن المسيح هو إبن الله. ومن خلال الأربعة أناجيل نتعرف على المسيح فنعرفه هنا جزئيا أما فى السماء فنعرفه كما يعرفنا (1كو12: 13). ومن يعرفه يصير له حياة أبدية. ومن يعرفه يسكن المسيح فيه ويرتاح وبهذا نتحول لمركبة كاروبيمية تحمل الله... ألسنا هيكل الله والروح القدس يسكن فينا. ومن يصنع إرادة الله يسكن فيه الآب والإبن ويصنعون عنده منزلا (يو23: 14).

2 - قالوا إن الأربعة المخلوقات الحية تشير لعمل المسيح الفدائى فمن هو على وَجْهِ إِنْسَانٍ يشير لتجسد المسيح، ومن له وَجْهِ العِجْل يشير للصليب، ومن له وَجْهِ الأَسَدٍ يشير للقيامة. ومن له وَجْهِ النَسْرٍ يشير للصعود. إذاً بعمل المسيح الفدائى نصير أهلا ليسكن المسيح فينا ويرتاح فينا نقوم معه ونصعد معه.

3 - يشير الأَسَد للقوى العضلية الجسمانية فى الإنسان، ويشير وَجْهِ الإِنْسَانٍ للقوى العقلانية الذهنية، ويشير وَجْهِ العِجْل للقوى الشهوانية. ويشير وَجْهِ النَسْرٍ للقوى الروحية. ولن يرتاح الله فى إنسان ما لم تتقدس كل قواه أى تتكرس له، فبقواه العقلية يدرك ما يريده الله. وبقواه العضلية يخدم الله. وبقواه الشهوانية يقدم كل طاقاته لحب الله فيفرح بالله. وبطاقته الروحية يتصل بالله، فالروح القدس يتصل بالروح. وإذا وصل الإنسان لهذه الدرجة يقول مع بولس الرسول "الله الذى أعبده بروحى" (رو9: 1) ولن تتصل الروح بالله إلا لو قدسنا باقى الطاقات لحساب الله. ومن يفعل ذلك يتحول لمركبة كاروبيمية. فالجسد يشتهى ضد الروح والروح يشتهى ضد الجسد، وإذا قمنا بقمع الجسد وإستعبدناه نعطى فرصة للروح أن تتصل بالله ولهذا إزدادت أيام الصوم فى كنيستنا.

4 - صورهم الله فى هذه الصورة لندرك أن لهم طاقات تفوق طاقات الإنسان فمن صورة الأَسَدٍ نرى قوة جبارة تفوق قوة الإنسان. ومن صورة العِجْل نرى أنهم يعملون بلا كلل. ومن صورة النَسْرٍ نرى أن لهم رؤية ثاقبة لا يستطيعها الإنسان، وكل هذا مجموع فيمن له وَجْهِ الإِنْسَانٍ أى الحنو والشفقة والعقل. وهذا يحدث لنا إذا سكن الله فينا فتصير لنا إمكانيات غير عادية. لذلك قال بولس الرسول "أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى".

وربما بهذه الصور يعكسون لنا صفات الله فبالأَسَدٍ نرى قوة الله غير المحدودة فهو الأسد الخارج من سبط يهوذا وهو الأسد فى إفتراس الأشرار (هو 14: 5).

بوَجْهِ العِجْل نرى أن الله لا يكف عن العمل بلا كلل "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو17: 5). ونرى فيه أيضا طول أناة الله وصبره. ووَجْهِ النَسْرٍ يشير لسمو وعلو الله. ونرى أيضا فى وَجْهِ الإِنْسَانٍ حنان الله ولطفه وشفقته.

5 - قالوا إن الذى يشبه الإِنْسَانٍ عمله أن يشفع فى البشر. والذى يشبه الأَسَدٍ يشفع فى الحيوانات التى تحيا فى البرية. والذى يشبه العِجْل يشفع فى حيوانات الحقل، هذه التى يهتم بها الإنسان ويرعاها لفائدته. ولكن حيوانات البرية كالأَسَدٍ لن يهتم بها أحد ليرعاها ولكن نرى الله هنا يرعاها فهو خالقها. والذى يشبه النَسْرٍ يشفع فى الطيور. ولكن لا يوجد من يشفع فى الزواحف فمنهم الحية، ولا يوجد من يشفع فى البحريات لأن البحر يشير للعالم المتقلب. ومن يحمل منا الله فى داخله ويرتاح الله فيه يصير مركبة كاروبيمية وتكون له شفاعة فى العالم الذى يحيا فيه، فقد قيل عن الأنبا بولا أنه بصلاته كان الله يفيض النيل على أرض مصر. ونلاحظ أن الأرض لعنت بسبب خطية الإنسان ودخل لها الفيضانات أو عكسها حين تشح المياه ويموت الناس والحيوانات. والعكس بسبب إنسان بار يرضى الله عن الأرض. وربما أن الطبع الوحشى للحيوانات كان نتيجة لعنة الأرض أيضا. والعكس فبسبب إنسان بار تفقد الحيوانات وحشيتها كما حدث مع ثعبان الأنبا برسوم العريان، ومع أسود دانيال.

6 - الكاروبيم لهم ستة أجنحة. بجناحين يغطون أجسامهم (حز11: 1). وكما جاء بالقداس يغطون أرجلهم فى حياء من الله. وبجناحين يغطون وجوههم إذ لا يستطيعون النظر فى الله كلى المجد. وبجناحين يطيرون أى مستعدين لتنفيذ أوامر الله فوراً. والكاهن إذ يتشبه بالملائكة فى القداس واقفا أمام جسد المسيح ودمه يضع فى بعض الأحيان لفافة أمام وجهه كما يفعل الكاروبيم إذ يغطون وجوههم، ويضع لفافتين على يديه متشبها بهم.

7 - نرى الكاروبيم فى سفر الرؤيا مسبحين الله فى فرح لأجل خلاص البشر، ولكننا وجدنا الله يقيم كاروبيم على الجنة حتى لا يدخل الإنسان ويأكل من شجرة الحياة فيحيا إلى الأبد. فهل كان هذا لقلة محبتهم لنا؟ بالعكس فنحن هنا نجدهم مملوئين محبة للإنسان (رؤ9: 5) فهم هنا يسبحون الله على فدائه لنا بل يتكلمون بلساننا. إذاً هم ليسوا ضد الإنسان. وإنما كان وقوفهم أمام الجنة سببه منع الإنسان من الأكل من شجرة الحياة حتى لا يحيا للأبد وهو فى خطيته، والخطية قد شوهت كيانه. أى حتى لا يحيا الإنسان للأبد بهذه الصورة المشوهة. وكان لابد للإنسان أن ينتظر حتى يقوم المسيح بعمله الفدائى لفداء الأجساد فيحصل الإنسان على جسد ممجد يشبه جسد المسيح إبن الله فى مجده وبهذا الجسد نحيا للأبد. وبهذا المفهوم وجدنا كاروبين فوق تابوت العهد على الغطاء المُغَطَّى بدم الكفارة. فهم كانوا شهودا على رحمة الله ومحبته الغافرة.

8 - تسبحتهم "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ" وهذا ما رآه وسمعه إشعياء أيضا (أش 6) وهى تسبحة ثلاثية يردد فيها كلمة قدوس ثلاث مرات فهى 1) مقدمة للإله مثلث الأقانيم 2) فى العبرية تكرار الكلمة ثلاث مرات تعنى القداسة التى ليس بعدها قداسة. ونلاحظ فى تسبحاتهم أنهم لا يطلبون شيئا، بل هم يسبحون ويشكرون الله على عطاياه، فرحين بالله على قدرته ومحبته ومجده. وهكذا سنكون فى السماء لا نطلب شيئا فلن نكون محتاجين إلى شىء، بل نسبح الله على مجده الذى لا يوصف والذى وهبنا أن نستمتع به معه. وتسبحة الكاروبيم تنطق بمحبتهم للبشر. (رؤ12: 5) فنجدهم يسبحون الله الذى خلقنا وفدانا. وعموما نرى فى سفر الرؤيا تسابيح كثيرة إعلانا عن أن حياة السماء هى حياة تسبيح. فلنتعلم من الآن حياة التسبيح لنستعد للسماء ونكون مثلهم. وهذا يبدأ بالتغصب أولا.

تدريب:

حاول أن تجعل يوما من أيام الأسبوع تقدم فيه تسبحة لله فقط دون أن تسأل فيه أى سؤال، أو يكون لك تسبحة يومية بجانب صلاتك.

نَهَارًا وَلَيْلاً = هذا قول مجازى بمعنى كل الوقت، فلن يكون هناك ليل فى السماء، فالله سيكون نورا دائما فى السماء (رؤ 5: 22).

الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ = ضابط الكل الإله القدير الذى لا يستحيل عليه شىء (تك 14: 18).

الأعداد 9-11

الآيات (9 - 11): -

"9 وَحِينَمَا تُعْطِي الْحَيَوَانَاتُ مَجْدًا وَكَرَامَةً وَشُكْرًا لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، 10يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ قَائِلِينَ: 11«أَنْتَ مُسْتَحِق أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ».".

هنا نرى الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ قسيسا الذين لهم عروش وتيجان، نجدهم يَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ = تيجانهم أمام الله سْاجُدُينَ إظهارا لخضوعهم وأن كل ما نالوه هو من الله. فلنتعلم منهم السجود بخشوع والميطانيات، وإحتقار كل أمجاد العالم أمام مجد الله المعد لنا. بل أن سجودهم يعلمنا أن طريق الإقتراب لله هو الإنسحاق أمامه وطرح كل مجد لنا أمامه. فلولا أن الأربعة والعشرون قسيسا وجدوا أن سجودهم أمام الله وطرح أكاليلهم أمامه فى إنسحاق قد أعطاهم فرحا أكبر ما كانوا قد فعلوا هذا. وطرح الأكاليل يعنى أن الفضل كله لله وهذا ما علمه لنا الأباء أن من يمارس الميطانيات، سريعا ما تأتى له بالفرح. وهذا يتفق مع تعليم السيد المسيح بالجلوس فى المتكآت الأخيرة (أى الشعور بعدم الإستحقاق والإنسحاق أمامه) ليأتى صاحب الفرح ويجلس هذا المتواضع فى المتكآت الأولى بكرامة (أى الفرح الذى يحصل عليه المنسحق) فخلع الأكاليل والسجود هو الجلوس فى المتكأ الأخير. والإنسحاق هو طريق الفرح الحقيقى.

إذاً المركبة الكاروبيمية ليست مركبة فضاء بل نحن أمام صورة سمائية فيها ملائكة خدام لله وفيها قسوس يشفعون فى الخليقة، ولكن كل هذا تم تصويره بلغة يفهمها البشر فلغة السماء لا مثيل لها على الأرض. إلا أن من عاش فى جو كنيستنا الأرثوذكسية لن يجد السماء غريبة عليه فنحن كمن يعيش السماء على قدر ما نفهم على الأرض.

الكنيسة هى صورة السماء:

  1. الرسول رأى عرش الله والله جالس عليه، والكنيسة بها مذبح عليه جسد الرب ودمه المتحدين بلاهوته.
  2. الرسول رأى أمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة والروح القدس يعمل فى الكنيسة خلال أسرارها وثماره فى المؤمنين ومواهبه، هو يملأ الكنيسة وأفرادها ويقودها.
  3. الرسول رأى بحر زجاجى فى السماء. والكنيسة بها معمودية.
  4. الرسول رأى 24 قسيسا فى السماء. والكنيسة بها كهنة قساوسة.
  5. كان القساوسة السمائيين يلبسون ثيابا بيض وهكذا الكهنة فى الكنيسة.
  6. كان القساوسة السمائيين يرفعون بخورا امام العرش. وهكذا الكهنة فى الكنيسة.
  7. يحمل العرش 4 حيوانات رمزا للإنجيل الذى يقرأ فى الكنيسة دائما.
  8. الشموع المضاءة تمثل الملائكة. وفى بعض أجزاء القداس يخفى الكاهن وجهه بمنديل كما يفعل الكاروبيم. وأحيانا يحمل لفائف على يديه كأنها أجنحتهم.
  9. الرسول سمع تسابيح كثيرة فى السماء. والكنيسة مملوءة تسابيح فى عشية وباكر والقداس.

حقا إن من يعيش فى جو الكنيسة على الأرض لن تكون السماء غريبة عليه.

وأسلوب الله هو هو نفسه لا يتغير فهذه كانت نفس الصورة فى هيكل العهد القديم. فالله ليس عنده تغيير أو ظل دوران (يع 17: 1).

  1. عرش الله يقابله قدس الأقداس وتابوت العهد.
  2. سبعة مصابيح نار متقدة يقابلها المنارة ذات الأفرع السبعة.
  3. البحر الزجاجى يقابله بحر النحاس.
  4. الـ 24 قسيسا يقابلهم الكهنة.
  5. الثياب البيضاء للكهنة هى هى.
  6. البخور كان موجودا على مذبح البخور.
  7. الكاروبيم يمثلهم كاروبين على تابوت العهد.
  8. الهيكل مملوء تسابيح وصلوات ومزامير.

مقارنة بين الرؤيا السماوية والكنيسة وهيكل العهد القديم.

حقا يسوع المسيح هو هو أمساُ واليوم وإلى الأبد (عب 8: 13).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثالث - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 4
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 4