الأصحاح السادس – تفسير الرسالة إلى أفسس – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

الأعداد 1-3

الآيات (1 - 3): -

"1أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ. 2«أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، 3«لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ».".

يستمر الرسول فى مخاطبته للبيت المسيحى. أَطِيعُوا فِي الرَّبِّ: إذاً الطاعة مستمدة من الروح المسيحية كما أطاع المسيح أباه حتى الموت. وكما أوصى الله فى الوصايا العشر. وهذه الوصية هى أول وصية بوعد. يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ: أى أن من يطيع يعيش تحت خيرية الله، متمتعً بخيراته. أَكْرِمْ = أى أحب واحترم وأطع وقدم المعونة. ومعنى أن بولس يشير لهذه الوصية، إذاً فنحن ملزمون بالناموس الأخلاقى، فما تم إلغاؤه هو الناموس الطقسى والفرائض. بل إن وصية إكرام الوالدين هى وصية بحسب الناموس الطبيعى، فالابن يكرم أباه وأمه اللذان سهرا لأجله. بل أن المسيح خضع لأبويه بالجسد (أمه وأبوه بالتبنى). والناموس كان يعاقب من يهين أباه وأمه (خر15: 21 - 17) + (لا9: 20) + (تث16: 27) + (أم17: 30) + (خر12: 20) + (تث16: 5 + 7: 22). وأهمية هذه الوصية أن من لا يستطيع أن يكرم أباه وأمه اللذان ربياه وسهرا عليه، فهو لن يستطيع أن يكرم الله الذى لم يره. فإكرام الوالدين هو نموذج لإكرام الله.

فِي الرَّبِّ: أى علينا أن نميز ما هو للرب فنطيعه وما ليس للرب فلا نطيعه. ففى (لو51: 2) نجد المسيح يعلن أنه يطيع أباه السماوى أكثر منهما.

وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ: فالرسول يكلم أولاداً صغار روحياً كما كان الآب السماوى يكلم أطفالاً صغار روحياً فى العهد القديم، وطول العمر يحببهم فى الوصية. والمسيح مع أنه أطاع الوصية إلاّ أنه صُلِبَ ومات وعمره 33 سنة فقط. ولكنه قام على مستوى أبدى. وهذا ما يحدث لنا لو أطعنا الوصية. فطول العمر على الأرض ليس هو المهم بل أن تكون لنا حياة أبدية.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.".

لاَ تُغِيظُوا: بالإهمال وعدم الاكتراث بالتربية أو بالتمييز بين الاولاد، والقسوة والظلم وإلقاء التهم جزافاً مع أن الولد قد يكون بريئاً منها. وهذا يدفع للتمرد والعدوانية والتخريب. بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ: أى بحسب وصايا الرب يسوع، فالمسيح هو قائد الفكر والتدبير. وبذلك يكون الولد خائفاً الرب، مطيعاً للرب أولاً. ولذلك فمن المهم أن يهتم الأباء بأن يصلى أبناءهم ويذهبون للكنيسة.

الأعداد 5-9

الآيات (5 - 9): -

"5أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ 6لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، 7خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ. 8عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا. 9 وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هذِهِ الأُمُورَ، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ.".

وفيها يوجه الرسول حديثه للعبيد بعد أن تكلم عن الأسرة ليضع العبيد فى وسط الأسرة. ونلاحظ أن الرسول لم يقف ثائراً على الأوضاع الاجتماعية السائدة، إنما مصلحاً لها بهدوء وفاعلية. وهو لم يطلب ثورة العبيد ضد السادة، إنما طالبهم بكسب رضا سادتهم، وعلى العبد أن يحب سيده وأن يخدمه بقلب مخلص من أجل الرب. وهذا يؤثر بشدة فى السادة، وبهذا يصير العبيد معلمين لسادتهم. ووعد العبد الذى يفعل ذلك بالخير الأبدى.

أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ: بحسب النظام القائم وقتئذ، ولكن عليهم أن يكونوا بحسب الروح فى طاعة للمسيح. فالسيد الحقيقى فوق الكل هو المسيح فلا نخافه. حَسَبَ الْجَسَدِ = فسيد الأرواح هو الله فقط.

فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ: يمكن للإنسان أن يخدم بخوف ورعدة ولكن بإرادة غير صالحة ويغش سيده خفية وهذا لا يوافق الرسول عليه. ولكن على العبد أن يكون أميناً ليرضى الرب. وكلمة بَسَاطَةِ تعنى أنه على العبد أن يكون له هدف واحد هو إرضاء الرب بأمانته وطاعته. وهذا الكلام موجه لكل عامل ولكل موظف وكل خادم، فعلى كل واحد أن يرضى الله بأمانته. والآن لا يوجد عبيد، لكن يوجد عمال وموظفين وفى الكنائس يوجد خدام، وعلى كل واحد أن يخدم فى عمله بأمانة ليرضى الله.

بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ: هنا حوَّل الرسول نظر العبد من خدمة سيده لخدمة المسيح، وإذا كان فى خدمته يخدم المسيح فهو لابد أن يخدم بخوف ورعدة معبراً عن محبته للمسيح، وهو سينال مكافأته من المسيح بحسب الآية 8. وقوله بخوف ورعدة قد تشير أيضاً لإظهار الاهتمام بتنفيذ الأوامر. عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا: ففى الأبدية نرى الكل وقد صاروا سواء وهذا درس للسادة، فالعبودية هى وضع مؤقت على الأرض. وإن طلب الرسول من الزوجة أن تخضع لرجلها وهى ليست أقل منه، فهو يفعل نفس الشىء مع العبيد. ولقد صار كثير من العبيد أساقفة وكهنة وكارزين بالحق. لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ: أى خدمة فى الظاهر فقط أمام أعين سيده وبهذا ينال رضى سيده وليس رضى الرب. كَمَا لِلرَّبِّ: خدمة صادرة من القلب، فالأمانة فى العمل هى أمانة للرب أولا. افْعَلُوا لَهُمْ هذِهِ الأُمُورَ: فى آية 9 يقدم الرسول نصيحة للسادة. وقوله افْعَلُوا لَهُمْ هذِهِ الأُمُورَ، أى أيها السادة افعلوا لعبيدكم نظير هذه الأمور التى ذكرتها للعبيد أن يفعلوها معكم. أى تصرفوا بنفس المبادئ، فعلى السيد أن يهتم بعبده ويخدمه ويسلك معه بروح المحبة والرحمة، وهنا نرى أن السيد عليه واجبات تجاه عبده. عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ: إذاً أنتم وهم عبيد لله، أى لسيد واحد وهو يعامل الكل بعدل بغض النظر عن القوانين البشرية التى جعلت هناك سادة وعبيد. ومعنى كلام الرسول أن على السيد أن يعامل عبده كمن يعامل المسيح، كما قال للعبد أن يخدم سيده كمن يخدم المسيح. وهذه الوصية فى زمان بولس الرسول كانت وصية خطيرة لأن السادة كانوا يعتبرون العبيد من دم آخر وليس لهم أى حقوق، ومتى شاءوا يقتلونهم. ففى نظر الرومان فى ذلك الزمان أن العبد كان يفضل قليلاً عن الحيوان، وإذا قتل سيد عبده لا يحاسبه أحد.

العدد 10

آية (10): -

"10أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.".

هناك حروب داخلية تحارب الإنسان فى فكره وضميره وعواطفه لمحاولة زعزعة إيمانه وصده عن المسيح. ولكن هل يتركنا الله فى هذه الحرب؟ قطعاً الله لا يترك كنيسته بل زودها بأسلحة كافية وهذا موضوع الآيات القادمة.

تَقَوُّوْا: جاءت الكلمة فى اليونانية مبنية للمجهول، فنحن لا يمكننا أن نتقوى من أنفسنا ولكن الله يعطى قوة لمن يسأل ويريد ويجاهد (أف20: 3). والقديس يوحنا فم الذهب فسر الكلمة قائلاً تقووا بالرجاء الذى فيكم، أى لا تخافوا بل إلقوا رجاءكم على الرب وبلا يأس وهو سيجعل كل شئ سهلاً. ونلاحظ أن القوة التى يعطيها الله لمن يجاهد برجاء ليست بالقوة الهينة بل هى بحسب شدة قوته. فالله قوى للذين يَدْعونه وقوته غير محدودة. والجهاد المطلوب نوعان لنثبت فى المسيح:

  1. إيجابى: كالصلاة والصوم ودراسة الكتاب.. أن أحاول أن أعمل أعمال بر.
  2. سلبى: هو قرار بالامتناع عن الخطية ورفضها. أن أقف كميت أمامها.

وبهذا الجهاد الإيجابى والسلبى يلتصق المؤمن بالله. والله مصدر لا نهائى للقوة.

العدد 11

آية (11): -

"11الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.".

السِلاَحَ: هو جهاد مستمر للبقاء بجانب الله متمسكين به مصلين له ثابتين فى المسيح. والمسيح الذى فينا هو الذى يغلب. نحن لا قِبَلَ لنا بمحاربة إبليس، ما علينا سوى الثبات فى المسيح الذى خرج غالباً (بصليبه) ومازال يغلب (فينا) (رؤ2: 6). وهذا السلاح هو سلاح كامل: أى لا مكان للضعف مع هذا السلاح، هو سلاح قادر أن يغطينى بالكامل ولا يترك مكاناً ضعيفاً. فقوة المسيح الذى أمسك فيه لا نهائية، لا يستطيع العالم ولا رئيسه إبليس أن يواجهها. ومن يجاهد ويحاول أن يفعل، هذا سيجد قوة المسيح الجبارة تسانده، وحينئذ عليه بتواضع أن ينسب القوة لله وليس لنفسه، ومن يواظب على الصلاة لا يدنو منه إبليس (راجع قصة الشهيدة يوستينة).

تَثْبُتُوا: تكسبوا موقفكم تجاه مكايد إبليس أى خداعه = فهو يُكْسِبْ الخطية ثوب اللذة والسعادة، ويخفى عن عينيه الألام والأحزان التى سيحيا فيها بعد الخطية. ومن يصدقه يجد نفسه فى مصيدة إبليس، والخطية أو اللذة كانت الطعم الذى أوقعه داخل المصيدة. ومن دخل المصيدة لن يجد سوى الهم. وإن كان الخاطئ يتلذذ بالخطية فالشيطان يتلذذ بعذاب الإنسان. ومن مكايد إبليس وخداعاته أنه يصور نفسه بأنه لا يقهر ويدس اليأس فى نفس الخاطئ ويصور لهُ أن الله لن يغفر، ويشكك الناس فى كلام الله ووعوده.

العدد 12

آية (12): -

"12فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.".

مُصَارَعَتَنَا: هى مصارعة فكرية وليست جسدية، لذلك قال الأباء عن الشيطان أنه قوة فكرية. أما عن الأفكار التى يلقيها فى عقولنا فهى تشكيك فى الله وفى كل شىء، وهى أفكار شهوانية وهى أفكار حسد وغيرة وكراهية وهى عدم محبة للآخر. وهذه حرب مع عدو قوى، يستخدم الوسيلة التى يراها مناسبة ليسقط كل واحد.

الرُّؤَسَاءِ والسَّلاَطِينِ: هم أصلاً درجات من الملائكة ولكن سقط بعضاً منهم فصاروا شياطين. والمسيح قال عن الشيطان رئيس هذا العالم (يو30: 14) + (يو11: 16). رئيس العالم بمعنى أنه يستخدم إغراءات الخطايا التى فى العالم ليخدع أولاد الله "أعطيك كل هذه.. لكن اسجد".

وُلاَةِ الْعَالَمِ: هم الشياطين الذين يحكمون العالم عن طريق إيحاءات الخطية وأسلحتهم المال واللذات والكرامة. وهدفهم إسقاطنا فى الخطية واستعبادنا. ولنرى قوة الشيطان راجع (دا12: 10 - 14). ولكن فلنثق أن كل أسلحته خداع ومظاهر زائلة، راجع تفسير (إر46: 17) فيقول عن الشيطان أنه هالك وفى الإنجليزية هو ليس أكثر من صوت مزعج.

عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ: ما يوجد فى هذا العالم من ألام وشرور. وهذا الوصف قاله المسيح أولاً (لو22: 52، 53). فالعالم كان قبل المسيح ظلمة. فالظلمة كناية عن عمل الشيطان، أماّ المسيح فنقلنا من الظلمة إلى النور (كو13: 1). لذلك فأولاد الله ليسوا فى ظلمة بل فى نور.

فِي السَّمَاوِيَّاتِ: المسيح جعل كنيسته تعيش فى السماء (أف6: 2). فهو "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9). والسماء هنا ليست مكاناً بل حالة ووجود فقط. فالكنيسة التى تحيا السماويات معرضة لحروب إبليس ليجذبها من السماويات، وهذا من حسد إبليس. والسيد قال "ملكوت الله داخلكم" (لو21: 17). فإذا كان ملكوت الله داخلنا، فالفرح والسلام والمحبة داخلنا لأن المسيح يملك على القلب، وهذه هى السماويات التى نحياها.

العدد 13

آية (13): -

"13مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا.".

الله لم يتركنا بمفردنا ضد إبليس، بل أعطانا أسلحة نواجهه بها. وسلاح الله الكامل هو قوة الله الموهوبة لنا لكي نغلب بها. الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ: هى الحياة الحاضرة (غل4: 1). ويسميها العالم الحاضر الشرير وذلك بسبب الشر الذى يرتكب فيه، ويسميه اليوم نظراً لقصر الحياة. ويسميه الشرير بسبب حروب الشيطان الشرير المستمرة لنا. ولاحظ أنه فى الأبدية لا حروب ضدنا.

وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا: الأسلحة تحتاج للتدريب لنستعملها بمهارة إذاً المطلوب.

  1. التدريب المستمر على استخدام الأسلحة.
  2. استعمال هذه الأسلحة باستمرار سواء إنتصرنا أو إنهزمنا.

فلو حدث وانتصرنا على الشيطان فى إحدى الجولات، فليس معنى هذا أن الحرب إنتهت، بل هو سيعود ثانية، إماّ بنفس الحيلة أو بغيرها. وهكذا قيل عن حرب إبليس مع السيد المسيح فبعد أن انتصر المسيح عليه قيل عن إبليس أنه "فارقه إلى حين" (لو 13: 4). ولو حدث وخسرتم جولة، أى سقطتم فلا يأس، بل قوموا وعاودوا استخدام الأسلحة بلا يأس. فاليأس لغة يشجع عليها إبليس، وهذا كذب، فالله مستعد لقبول التوبة. ليس معنى سقوطنا أنها النهاية، لا بل علينا أن نثبت. ولنسمع قول النبى "لا تشمتى بى يا عدوتى إذا سقطت أقوم" (مى8: 7). إذاً معنى قول الرسول أنه سواء انتصرتم أو سقطتم إثبتوا واستمروا فى المعركة، وهذه المعركة لن تنتهى إلاّ بنهاية الحياة على الأرض. إذاً فلنثبت ممسكين بأسلحتنا ولنستخدمها حتى النهاية حتى لا نهلك.

العدد 14

آية (14): -

"14فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ.".

فَاثْبُتُوا = داود سقط إذ ألقى أسلحته أى كف عن صلواته ومزاميره.

مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ = هذا ما يفعله الجندى الرومانى، إذ كان يشد حقويه بمنطقة جلدية تعطى للظهر شيئاً من الصلابة، وهكذا كان يفعل العامل أو حامل الأثقال أو المسافر كاستعداد للسفر (خر11: 12). وهكذا قال السيد "منطقوا أحقاءكم" (لو35: 12). فنحن مسافرين للسماء. إذاً المنطقة تلبس فى حالتين:

  1. الاستعداد للسفر. فنحن فى أرض غربة، نستعد للسفر إلى السماء، لأبديتنا.
  2. الاستعداد لعمل شاق، ونحن فى حرب مستمرة ضد إبليس، فهو لا يكف عن الحرب.

بِالْحَقِّ: حين نمنطق حقوينا بالحق، يكون المعنى أن الحق هو الذى يحكم كل حركاتنا. به نتمسك ونحبه، ولا يستطيع أحد أن يثنينا عن عزمنا ورجائنا. والحق ضد الباطل، والباطل هو هذا العالم بكل ما فيه (جا2: 1 + 11: 2) فمن يتمنطق بالباطل هو من يجرى وراء الشهوات والمال، وإذا عرف إبليس نقطة ضعف أحد يهاجمه منها. أماّ من يتمسك ويتمنطق بالحق لن يعرف إبليس له مدخلاً. ومن فهم أن العالم باطل، لن يتعلق بشىء. أماّ من يتمسك بالحق، فهو يتمسك بالمسيح (يو6: 14) فيكون المسيح هو مصدر عفتنا ونقاوتنا وقوتنا، والتمسك بالمسيح هو السلاح ضد إبليس. لذلك يقول الرب "اثبتوا فيَّ..." فالحق هو معرفة المسيح ومعرفة وصاياه والتمسك بتعاليمه وتنفيذها، والحق هو الكتاب المقدس وهو السماء. والتمسك بالمسيح يجعلنا نرفض الغش والكذب. الحق منبعث من طبيعة الله ويعطى قوة لمن يتمسك به بأمانة وإخلاص. فلنتمسك به كمسافرين ومحاربين.

مُمَنْطِقِينَ = أي هذا هو الوضع الدائم الذى ينبغى ان نكون عليه، فنحن لا نعلم فى أى ساعة نغادر هذا العالم. فقوله ممنطقين تعنى عدم خلع المنطقة، أى الإستعداد الدائم.

ممنطقين أحقاءكم بالحق = حياة الإستعداد الدائم والتمسك بكلام الله وهو الحق.

لاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ: من يلتزم بحياة البر ويجاهد لكى يحيا فى فضيلة، ويجاهد لكى يسلك باستقامة روحياً وأخلاقياً يكون المسيح هو درعاً لهُ يحميه من سهام العدو الملتهبة ناراً والموجهة لكل أولاد الله (مز4: 120). والله يعطينا إذا تمسكنا بالبر قوة لنرفض كل خطية يعرضها علينا إبليس. ولاحظ أن الدرع يحيط بالصدر أى القلب فيحميه من خداعات إبليس وأسلحته كالشهوات. أماّ من يريد أن يسلك فى الخطأ فلن يحميه المسيح.

إذن يريد ويسأل بجدية سيأخذ.. اسألوا تعطوا. والمسيح ما زال يسأل أتريد أن تبرأ.

لاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ = هذه عن الحياة العملية وقرار بالسلوك بالبر.

العدد 15

آية (15): -

"15 وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ.".

حاذين أرجلكم = من يحذو رجله (يلبس حذاء) باستعداد إنجيل السلام أى يكون مستعداً أن يتحرك بحسب مشيئة الله المعلنة فى إنجيله، وهو إِنْجِيلِ السَّلاَمِ، أى هو الاستعداد القلبى أن نسلك بالسلام مع كل الناس، فرسالة الإنجيل هى نزع روح الخصام والكراهية. ونلاحظ أن إبليس يستمتع بإثارة النزاعات ويتلذذ برؤية الدم والخصام فعلينا أن لا نعطيه فرصة لذلك. المطلوب إذاً أن نحيا متمسكين بكلمة الله مستعدين بحياة السلام التى نحياها وبحياة الحب لكل أحد. وعلاقة الحذاء بكل هذا، إن العالم مملوء بأشواك الكراهية... وبدون حذاء تدمى أرجلنا أشواك الكراهية، أى من يحيا فى كراهية للآخرين يفقد السلام فى حياته. وثمر البر يزرع فى السلام (يع 3: 18) = ثمار الروح لن تظهر إلا فى قلب يحيا فى سلام.

وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ = هذه عن السلوك بالسلام والحب مع الجميع.

العدد 16

آية (16): -

"16حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ.".

فَوْقَ الْكُلِّ: هذه تشير للأهمية المطلقة للإيمان. والتُرْسَ: هو لحماية الجسم من السهام المصوبة ضده. هو يحمى الرأس أى الأفكار ويحمى اليدين أى الأعمال ويحمى الرجلين أى الاتجاهات. الترس يمسكه المحارب بيده اليسرى هو بطول الجسم لحمايته. ولنلاحظ أننا معرضون لحروب تشكيك فى الله وفى محبته وفى زوال العالم وفى أنه باطل. فعلينا أن نقف بإيمان فى صلاتنا ونعلن ثقتنا فى محبة الله وأبوته لنا ونعلنها بقوة. وهذا الإعلان الذى بإيمان يجعل إبليس يهرب فى خزى (راجع 1يو4: 5).

خطوات إبليس ليبعد إنساناً عن الكنيسة تبدأ بإثارة المشاكل حوله، ثم تشكيكه فى محبة الله لهُ قائلاً... إذا كان الله يحبك فلماذا سمح لك بهذه الآلام. وتأتى بعد ذلك الخطوة التالية.. إذا كان الله قاسياً عليك هكذا ولا يحبك فلماذا تذهب إلى الكنيسة.. فلتترك الكنيسة.. وحينئذ ينفرد إبليس بهذه النفس الضالة. ولكن علينا إذا بدأت هذه الحرب وهذا التشكيك أن نقف لنصلى فى ثقة، أننا يارب أولادك واثقين فى محبتك وما تسمح به هو للخير حتى إذا لم نكن فاهمين، ونحن نحبك.. إبعد هذا العدو عنا يارب. وسنسمع صوت الروح القدس داخلنا فنردد "يا آبا الآب" (غل4: 6). ونلاحظ أن الإيمان ينمو بالشكر (كو2: 7) ولذلك يسمح الله لنا ببعض التجارب ولو شكرنا نرى يد الله فيزداد إيماننا. وأيضا بمعرفة الله أكثر يزداد الإيمان وهذه تستلزم زيادة مدة الصلوات والتسابيح ودرس الكتاب والروح القدس يعلمنا ويذكرنا ويخبرنا عن المسيح وعن محبة الله.

سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ: هى سهام إثارة الشكوك فى الله ومحبته وأيضا إثارة الشهوات والأحقاد واليأس، كأنها نار داخلية، وهى أيضا كلمات مدح غاش أو كلمات إحباط لنتراجع كما قالوا عن السور الذى يبنيه نحميا أنه لو صعد عليه ثعلب يقع السور.

حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ = هذا عن الثقة فى الله وعدم تصديق الحية.

العدد 17

آية (17): -

"17 وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ.".

خُذُوا: يد الله امتدت بالخلاص يوم الصليب، فعلينا أن نمد أيدينا لنمسك بهذا الخلاص وننشغل به ونضع رجاؤنا فيه، وفى التمتع بالميراث السماوى. ولكن هناك من ليس عنده وقت أو إهتمام ليأخذ من الله. وكيف نمسك بالخلاص؟ هذا يكون بالرجاء.. قل فى قلبك هذا الكلام وردده "الله يحبنى وقد أعد لى مكاناً فى السماء". ومن ينشغل بخلاصه سيضحى بأى ملذات خاطئة، فعينه تثبتت على المكان الذى أعده له المسيح. وهذا الانشغال بالخلاص يكون لنا خوذة تحمى رؤوسنا (أى عقولنا) من أفكار اليأس وكل فكر خاطئ يغوى على الإنشغال بالخطية مرة أخرى (1تس8: 5). هناك مثل شائع "اليد البطالة نجسة" أى الذى لا عمل لديه لينشغل به ستمتد يده للأعمال الخاطئة. وبنفس الأسلوب فمن لا يجد شيئا يفكر فيه سينشغل فكره بالأفكار النجسة. فمن يشغل فكره بالخلاص الذى حصل عليه فى المسيح والمكان الذى أعده المسيح، وإنشغل عقله بالتفكير فى كلمة الله اليوم كله، لن يجد الشيطان له مدخلا لهذا العقل المشغول. وهذا معنى أن الحيوان الذى يجتر هو حيوان طاهر وراجع (لا11).

وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ = إنشغال الفكر بالسماء المُعَدَّة لنا يحمينا من فكر الخطية.

سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ = كلمة الله تصرع إبليس. وسيف الروح هو كلمة الله فى يد الروح القدس الذى يُذَكَّرنا بها. نُطقها يجعل الشيطان فى مواجهة قوة الله، فكلمة الله تحمل قوة الله، كلمة الله لها قوة القطع، بين ما هو حق وما هو كذب وفاسد، بين ما هو لله وما هو ضد الله. "كلمة الله هى سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح" (عب4: 12) فالشيطان مخادع فهو يضللنا ويوحى ببعض الأفكار الخاطئة على أنها من الله ولكنها من شهوات النفس، ومواجهة هذه الأفكار بكلمة الله توضح الفرق بين ما هو من الله حقيقة وبين ما هو من شهوات النفس، لذلك لا يحتملها الشيطان. والمسيح قاوم إبليس على الجبل مستخدماً كلمة الله.

سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ = كلمة الله سلاح يخزى حيل الشيطان فى التضليل.

العدد 18

آية (18): -

"18مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ.".

أبقى الرسول الصلاة للنهاية فبدونها لا نحصل على أى سلاح من الأسلحة السابقة، وقد أبقاها للنهاية لتظل فى الذاكرة. الأسلحة السابقة هى عطايا إلهية لا ننعم بها بدون صلاة. ومن يصلى ويقرأ كتابه المقدس أى يكون على صلة بالرب يحميه المسيح. والصلاة قادرة على استدعاء معونة عاجلة من السماء (دا10: 11، 12) فهى سلاح فعال. يقول الرب "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت17: 21) فلماذا؟

  1. الصلاة = أقوى سلاح ضد الشيطان هو أن أمسك بيد الله، فالله هو القادر أن يوجه سهام قاتلة للشيطان، فالمسيح معه "قوس به سهام وخرج غالبا ولكى يغلب" (رؤ6: 2)، ليس إنسان يستطيع أن يواجه الشيطان، فقط هو الله الذى يستطيع هذا. هذه مثل طفل ضعيف فى يد أبيه القوى، فالأب سيضرب بقوة من يحاول التعدى على طفله الضعيف. الصلاة هى أقوى سلاح لنا.
  2. الصوم = سلاح الشيطان ضدنا هو ملذات العالم، فمن يتخلى عن ملذات العالم يحرم الشيطان من سلاحه. ويصير من يتخذ قرارا بالإمتناع عن كل ملذات العالم يحارب عدوا مجردا من سلاحه. فإذا كان الصائم يصلى، يكون مسلحا ضد عدو مجرد من الأسلحة.

بِكُلِّ صَلاَةٍ: هذه مثل قولنا بكل إخلاص وبكل محبة، والمعنى أن تكون الصلاة بكل قوة وبكل غيرة وبكل عمق وحرارة. لتكن صراخ من القلب وقت التجربة = أى يكون الصراخ من قلب يريد فعلا طرد الفكر الشيطانى ولا يريد أن يتلذذ بالفكر فيطلب برخاوة. أما فى الأوقات العادية فلتكن الصلاة فى محبة عميقة ودائمة وتكون مقدمة لله بلا طلب، وعناصرها الشكر والتسبيح والتمجيد لله على أعماله ومحبته. وصلواتنا فلتكن كل حين وبلا إنقطاع (1تس5: 17). فنحن فى حرب مستمرة مع الشيطان فكيف نلقى السلاح من أيدينا، ولنقل مع نحميا "يد تحمل السيف (الصلاة) ويد تبنى (عملنا العادى طوال اليوم). ولنكن كما كان موسى يصلى ويشوع يحارب عماليق.

وَطِلْبَةٍ: هى صلاة خاصة بتغطية إحتياجات الإنسان أو الآخرين، هى طلبة لله لأجل كل محتاج، ولكل من فى ضيقة (روحية أو جسدية). ويندرج تحت بند الطلبة الصلوات التى نرفعها لغفران خطايانا.

لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ: العدو يُحارب الأفراد ويحارب الكنيسة ككل. لذلك يجب على الكنيسة أن تحارب فى صلواتها كجسد واحد، ويهتم كل فرد بالآخرين فكلنا أعضاء جسد المسيح الواحد، نحن لسنا فى معزل عن إخوتنا، بل إن الصلاة هى وسيلة إتصال بين المؤمنين، هى وسيلة غير منظورة، فالروح القدس يوصل بينهم، بين من يُصلِى ومن يُصلَّى لأجله، فتحل قوة المسيح على الجميع.

كُلَّ وَقْتٍ: أى صلاة دائمة بلا انقطاع (1تس17: 5) + (لو1: 18)، وهذه علينا أن ندرب أنفسنا عليها (تدريب: ردد صلاة يسوع ألاف المرات فى اليوم وهى ياربى يسوع المسيح إرحمنى أنا الخاطئ) وهذه لمن يثابر عليها يستطيع أن يمارس عمله بينما يبقى القلب متصلاً بالله مسبحاً إياه.

فِي الرُّوحِ = هى أن الروح القدس يمدنا بما نقوله فهو يشفع فينا بأنات لا ينطق بها (رو26: 8). ومن يصلى بالروح يجد لذة ولا يشعر بالملل (تدريب: - قف وسط صلاتك مرّات وتأمل بهدوء حتى يعطيك الروح القدس ما تقوله.. أى لا تظل متكلماً فى صلاتك طول الوقت، وهكذا فى قراءتك للكتاب المقدس، قف وتأمل، فتعطى للروح القدس أن يتكلم فى داخلك). والروح يعطى إشتياق شديد لله للحديث معه ولسماعه، وهنا لا يشعر الإنسان بالوقت ولا بالتعب، بل تأتى لمن يصلى بالروح قوة خفية تمده بالكلام والأفكار وهذه ترتد على الإنسان بالنمو والعمق والفهم والخبرة. وراجع تفسير (هو14: 2).

وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ: نسهر فى جهادنا كما سهر الرب يصلى (لو12: 6) ليضع النموذج الكامل لنا (يو12: 13 - 14). ولو بدأ الإنسان يصلى سيصاب بالملل، فلو صمم أن لا يكف عن الصلاة ويخترق حاجز الملل، تدخل الصلاة فى طبيعة جديدة ويأخذ الإنسان خبرات روحية للنمو ويصلى بلا ملل.

مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ = أقوى سلاح فى يدنا، فنحن به نمسك بيد الله، والله يحارب عنا.

العدد 19

آية (19): -

"19 وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ.".

هنا بولس يريد أن يشرك شعب أفسس فى الاهتمام بالكرازة والصلاة لأجلها، ويطلب أن يعطيه الله بصلواتهم كلاماً مؤثراً فيمن يسمع فيؤمن. ولذلك تصلى الكنيسة عن البطريرك والأساقفة والكهنة وكل الخدام والشمامسة، والبطريرك يصلى لأجل الشعب هكذا، فالكنيسة تحيا بالصلوات المشتركة، فيطلب كل واحد عن بناء الآخرين. لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ: أى لأكشف سر الإنجيل. وفى هذا مخاطرة كبيرة بحياته ولذلك فهو محتاج لمؤازرة الروح القدس. سِرِّ الإِنْجِيلِ: الأمم شركاء الميراث والجسد الواحد والإنجيل.

العدد 20

آية (20): -

"20الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ.

أَتَكَلَّمَ. ".

الَّذِي لأَجْلِهِ: أى لأجل الإنجيل، هو مربوط بسلاسل، ورغم ذلك يود أن يكرز وهو مربوط. وكان المسجون مثل بولس تُرْبَطْ يده اليمنى فى يد حارس (اليسرى) ولكن كان له أن يستأجر بيتاً على أن يظل مربوطاً فى يد الحارس. بولس لا يشتهى أن يتحرر من السلسلة، بل أن يجاهر بالإنجيل، وهذا ما عمله بولس الرسول فعلا فى روما إذ وصلت كلمة الكرازة إلى قصر قيصر وهو فى السلاسل.

الأعداد 21-22

الآيات (21 - 22): -

"21 وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَحْوَالِي، مَاذَا أَفْعَلُ، يُعَرِّفُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ وَالْخَادِمُ الأَمِينُ فِي الرَّبِّ، 22الَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهذَا بِعَيْنِهِ، لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا، وَلِكَيْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ.".

أَنْتُمْ أَيْضًا: بولس لم يضيع وقت الرسالة فى الكلام عن نفسه فهذا تركه لتيخيكس، بل تكلم عن ما يخصهم ويخص خلاص أنفسهم فى كل الرسالة. وقوله أَحْوَالِي = أى ما يخصنى، يقوله لكم تيخيكس الذى لم يتركنى حتى فى سجنى بل يود لو يتبعنى حتى الموت. ولقد وردت هذه الصيغة نفسها فى رسالة كولوسى لذلك نفهم أن بولس كتبهما معاً وأعطاهما لتيخيكس ليوصلهما (كو7: 4 - 18) وتيخيكس سيشرح لهم نجاح وامتداد كرازة بولس حتى إلى بيت قيصر.

العدد 23

آية (23): -

"23سَلاَمٌ عَلَى الإِخْوَةِ، وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ مِنَ اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

سَلاَمٌ عَلَى الإِخْوَةِ: لأنها رسالة دورية ستمر على كل الناس فى مقاطعة وادى ليكوس، جعل السلام فيها بصيغة الغائب. وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ: الإيمان والمحبة مرتبطان، فالمحبة هى ثمر الإيمان الحى، الإيمان العامل بالمحبة (غل 6: 5) (فمن يؤمن بالحياة الأبدية كيف يتصارع على شىء تافه، بل هو سيحيا بالمحبة).

مِنَ اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: هنا نرى التساوى بين الآب والمسيح فكلاهما مصدر للسلام على قدم المساواة.

العدد 24

آية (24): -

"24اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. آمِينَ.".

كتبت الى اهل افسس من رومية على يد تيخيكس.

بدأ الرسالة بالنعمة وها هو يختمها بالنعمة. مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ: فلا نعمة بدون محبة.

فِي عَدَمِ فَسَادٍ = هذه قد تعنى: -.

  1. البركة والنعمة التى يطلبها لهم الرسول يطلبها لتدوم معهم للأبد كالميراث المعد لنا.
  2. أى فى طهارة أو من أجل الأمور غير الفاسدة، أى ليس من أجل الغنى والمجد العالمى والكنوز التى تفسد بل خلال الفضيلة.
  3. قد تكون راجعة للمحبة، فمن يحب المسيح لن يفسد أو أن هذه المحبة باقية للأبد، محبة لا تضعف ولا تفسد، محبة ثابتة لا تتزعزع، ليست مجرد عاطفة إنسانية عابرة بل محبة قوية بكل الكيان تظهر بالطاعة لوصايا المسيح. ولقد فهمنا فعلا من (1يو3: 14) أن المحبة علامة الحياة الأبدية أى بلا فساد.
  4. هناك من أرجع عدم الفساد إلى المجد الذى فيه يسوع المسيح وبهذا يصير معنى الآية هكذا "الذين يحبون المسيح الذى هو فى مجد أبدى بلا فساد" وإلى هذا المجد غير الفاسد، الكنيسة مدعوة فهى جسده.

عموما من يحب المسيح فهو متحد وثابت فى المسيح (راجع تفسير يو15: 9). ومن آمن وإعتمد وسكن فيه الروح القدس فهو ثابت فى المسيح وصار عضواً فى جسد المسيح (1كو6: 15)، والروح القدس يعمل على أن يثبته فى المسيح، هذا لمن لا يقاوم تبكيت الروح القدس ويسمع لصوته، ولا يرتد لنجاسة العالم ويوقظ الإنسان العتيق الذى فيه، فمن يرتد لنجاسة العالم يُفسِد جسده الذى هو هيكل الله وهو جسد المسيح، فيفسده الله (1كو3: 17). والعكس فمن لا يقاوم صوت الروح القدس يظل ثابتا فى المسيح ويحيا فى محبة وطهارة غير فاسدة، فهذا يكون مدعوا لمجد أبدى وتكون له حياة أبدية هى حياة المسيح المتحد به. ومن هو متحد بالمسيح وله حياة أبدية، حتى وإن مات فسيحيا (يو11: 25) ولن يبقى فى فساد.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير الرسالة إلى أفسس - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى أفسس الأصحاح 6
تفاسير الرسالة إلى أفسس الأصحاح 6