الأصحاح الثاني – تفسير رسالة تسالونيكي الأولى – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني

الرسول يؤكد محبته وأبوته وأنه يشعر بضيقتهم ويشتاق للحضور إليهم وأن محبته وكلماته لم تكن جوفاء للتملق وإنما هو ينطلق من أتعاب إلي أتعاب جديدة من أجل المجاهرة بكلمة الإنجيل وهو لم يكن يتملقهم فهو لم يكن يأخذ منهم شيئاً.

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً، 2بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلاً وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي، جَاهَرْنَا فِي إِلهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ اللهِ، فِي جِهَادٍ كَثِير.".

لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً = THAT WAS NOT IN VAIN فحضوري إليكم لم يكن بلا جدوي بل كان عملي متأصلاً وثابتاً وناجحاً وثماره ممتدة وتنمو وهذا قد ظهر فى إيمانكم.

وأنه أينما ذهب واجهته مصاعب شديدة، لذلك يذكرهم بما حدث له في فيلبي (أع 16: 24)، وأنه ترك فيلبى ولكنه لم يترك الكرازة والجهاد، فهم كانوا يعانون من أجل إيمانهم، فهو رسولهم ومعلمهم قد عاني ويعاني مثلهم ولكن ألامهم ليست بلا جدوى، كما أن ألامه أتت بثمر إيمانهم. هو هنا يؤكد أن إحتمال الآلام والظلم هو علامة رئيسية علي صدق الرسالة وفاعلية الكرازة.

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ، 4بَلْ كَمَا اسْتُحْسِنَّا مِنَ اللهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى الإِنْجِيلِ، هكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي النَّاسَ بَلِ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا.".

الآلام ليست دليلاً علي خطأ ما في الكرازة بل هي دليل علي صدقها. وصدق رسالته ينبعث عن إعلانه الحق لَيْسَ عَنْ ضَلاَل = أى بغير ضلال وليس كالفلاسفة الغنوسيين الذين يمزجون فلسفتهم مع المسيحية فيشوهونها وهو ليس مثل المتهودين.

وَلاَ عَنْ دَنَسٍ = مثل كهنة الأوثان اللذين اختلطت دياناتهم بالدنس.

وَلاَ بِمَكْرٍ = فهو لا يريد سوى خلاصهم، ولا يريد منهم شيئاً.

وهذه الشروط التي وضعها بولس الرسول "الحق والقداسة والحب" شرط أن تكون الرسالة هي رسالة حق، وهو بهذا يرضي الله الذي أرسله للكرازة.

إستحسنا من الله... نرضى الله = الله إستحسن أى إئتمننا على نشر الإنجيل، فنحن بعملنا لا نسعى أن نرضى إنسان، بل الله الذى كلفنا بهذه الخدمة.

الأعداد 5-6

الآيات (5 - 6): -

"5فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّق كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللهُ شَاهِدٌ. 6 وَلاَ طَلَبْنَا مَجْدًا مِنَ النَّاسِ، لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ الْمَسِيحِ.".

مع أن المسيح قال أن الفاعل مستحق أجرته فأنا تركت ما كان من حقي لأجل مجد المسيح ولأجلكم. فمن يطلب في أنانية مجداً من الناس لا يقدر أن يطلب مجد الله (يو5: 44). أمران يفسدان الخادم وهما طلب مجد الذات والطمع، وهما متمركزان حول الأنا، أما الخادم الحقيقي فهو يطلب ما لله وما لمجد الله. هو يطلب نفوس الناس وليس فلوس الناس.

الأعداد 7-8

الآيات (7 - 8): -

"7بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا، 8هكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ، كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ اللهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا.".

يشبه نفسه بأم مرضعة تهتم برضيعها ولا تطلب منه شيئاً، هي غير طامعة في أمواله أو أي مجد منه، وهذا فرق مع الرسل الكذبة. هنا الخادم يتشبه بالمسيح الذي حل وسطنا لا يطلب شيئاً بل هو أخلي ذاته حتي يخلص نفوسنا. تُرَبِّي = جاءت الكلمة بمعني الطير الذي يحتضن صغاره فيعطيهم دفئاً قيل هذا عن الروح القدس الذي يرف على المياه فتخرج حياة (تك1: 2) خلال هذا الحب الأبوي من بولس يشعرون بحب الله. إنجيلنا لكم ليس وعظاً ولا فلسفة بل هو حب إلهي تلمسونه في محبتي لكم.

الأعداد 9-12

الآيات (9 - 12): -

"9فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا، إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ اللهِ، وَنَحْنُ عَامِلُونَ لَيْلاً وَنَهَارًا كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ. 10أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَاللهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرّ وَبِلاَ لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. 11كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، 12 وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ للهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ.".

بولس كان يعمل بيديه حتى لا يثقل على أحد (1كو9: 13 – 15) بلا شك كان الرسول يقبل بعض العطايا (في 4: 16) لكن كان لا يطلب، بل يرفض ما أمكنه حتي لا تتعثر الخدمة، فالإنجيل في عينيه فوق كل إعتبار. بِطَهَارَةٍ = حياته الداخلية المقدسة في علاقته بالله. بِر = حياته بعدل مع الآخرين. بِلاَ لَوْمٍ = تعني حياته الروحية كما تظهر أمام الناس فلا يلومه أحد والثلاثة بلا إنفصال. فلا تقسيم في الحياة الروحية إلي حياة مع الله وحياة مع الآخرين فالحياة هي حياة واحدة متكاملة من كل الجوانب. ولكن قصد الرسول أن ينبه أهل تسالونيكي أن حياته الجديدة في المسيح تتضح في تعامله مع الله ومعهم، ويكون هو قدوة لهم بحياته.

الأعداد 13-16

الآيات (13 - 16): -

"13مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. 14فَإِنِّكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ اللهِ الَّتِي هِيَ فِي الْيَهُودِيَّةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ الآلاَمَ عَيْنَهَا، كَمَا هُمْ أَيْضًا مِنَ الْيَهُودِ، 15الَّذِينَ قَتَلُوا الرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَاضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ ِللهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ. 16يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا، حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ الْغَضَبُ إِلَى النِّهَايَةِ.".

حياة الألم جزء لا يتجزأ من كلمة البشارة أو إنجيل المسيح فمع الفرح الداخلي هناك آلام في الخارج. وهذه علامة فالألم الواقع علي كنيسة تسالونيكي واقع علي الكنيسة في أورشليم. وكما حرك الشيطان اليهود في أورشليم فصلبوا المسيح وإضطهدوا كنيسته، حركهم أيضاً في تسالونيكي فإضطهدوا كنيسة تسالونيكى. ولقد أعطي الله اليهود بعد جريمتهم البشعة في صلب المسيح 40 سنة حتي يؤمنوا فيخلصوا، لكنهم رفضوا وثاروا ضد المسيح فملأوا كأس الغضب. وعلي العكس فإن الآلام التي تعاني منها كنيسة المسيح في كل مكان هي شركة حب وشركة صليب وشركة ألم مع المسيح المتألم، وبهذه الشركة يتزكي المؤمنون، وبهذا الشر الذي يفعله اليهود يستعدون لشرب كأس العقاب الزمني والأبدي. أَضْدَادٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ = فهم يحتقرون جميع الناس فكرههم جميع الناس. يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ = فهم لا يطيقون فكرة خلاص الأمم. حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ = يملأوا كأس خطاياهم في ترجمة أخري. حينما يمتلئ الكأس ينصب غضب الله وهذا ما حدث سنة 70م حينما أحرقت أورشليم. وتعتبر هذه نبوة لبولس كتبها قبل خراب أورشليم بحوالي 18 سنة، فعندما إمتلأت الكأس إحترقت أورشليم. غَيْرُ مُرْضِينَ ِللهِ = هم يتظاهرون بأنهم يرضوا الله والحقيقة غير ذلك، لذلك هم غير مرضيين عند الله.

قَدْ أَدْرَكَهُمُ الْغَضَبُ إِلَى النِّهَايَةِ = فهم مشتتين حتي الآن، وهذه نبوءة ثانية لبولس الرسول وقد تحققت.

الأعداد 17-20

الآيات (17 - 20): -

"17 وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَإِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ زَمَانَ سَاعَةٍ، بِالْوَجْهِ لاَ بِالْقَلْبِ، اجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ، بِاشْتِهَاءٍ كَثِيرٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ. 18لِذلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ ­ أَنَا بُولُسَ ­ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ. وَإِنَّمَا عَاقَنَا الشَّيْطَانُ. 19لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟ 20لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا.".

هنا يكشف الرسول عن مشاعر الشوق الحقيقي التي تملأ قلبه نحوهم. فهو يحبهم ويشتاق إليهم. هي مشاعر إنسانية تقدست في المسيح يسوع.

رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا = إنه يراهم في يوم مجئ الرب أولاداً مقدسين يقدمهم كثمرة تعبه للمخلص، وكل تعب يعانيه من أجلهم وكل ألم يقاسيه إنما يزيد بهاء مجده الأبدي، ووسط كل آلامه حاول أن يذهب لهم لكن الشيطان عاقه، ربما عن طريق مؤامرات اليهود وإلتزامه لياسون أن يظل بعيداً (أع1: 17 - 9) فكلمة شَّيْطَانُ تعني مقاوم.

ملحوظة: - الشيطان لا يمكن له أن يعطل خدمة الله. فإن كان الشيطان قد عَوَّق بولس الرسول عن الذهاب لتسالونيكى، فهذا ليس راجعا لضعف الله، إنما بسماح من الله، فالله وجد أن الرسول له عمل فى مكان آخر.

No items found

الأصحاح الثالث - تفسير رسالة تسالونيكي الأولى - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الأول - تفسير رسالة تسالونيكي الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير تسالونيكي الأولى الأصحاح 2
تفاسير تسالونيكي الأولى الأصحاح 2