اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ – سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 13- تفسير سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ

ظنون حانون العموني الشريرة.

إذ كانت حياة داود حسب قلب الله، فأبرز سمة في حياته هي المحبة حتى لمقاوميه. برز هذا بقوة في تصرُّفاته مع شاول الملك الذي لم يكن يشغله سوى قتل داود. وقد رفض داود تمامًا أن يَمُدَّ يده على شاول مسيح الرب، حين كان بين يديه، ويمكن الخلاص منه ومن خططه الشريرة.

الآن يُقَدِّم لنا هذا السفر كيف أن حانون بن ناحاش ملك بني عمون لم يأخذ درسًا مما فعله داود مع مفيبوشث بن ناثان بن شاول الذي كان أعرج الرجلين. صنع معه معروفًا من أجل أبيه ناثان (2 صم 9). لم يُدرِك حانون شخصية داود التي تتَّسِم بالإخلاص لكل من عمل معه معروفًا.

أراد داود أن يُعَزِّي حانون في موت أبيه، لأن ناحاش صنع معروفًا معه. لكن رؤساء بني عمون أثاروا حانون بأن داود لم يُرسِلْ ليُعَزِّيه في أبيه، وإنما لكي يستكشف الأرض، ويتجسس الرسل عليه. في حماقة وسوء الظن تصرف حانون بطريقة أثارت غضب داود [1 - 5]. وكان من ثمرة سوء الظن، أنه فقد صداقة داود النبي وكل شعب إسرائيل. ومن جانب آخر دخل في معارك كلَّفته الكثير هو وحلفاءه، وفقد أرام كمتحالفٍ معه.

قبل أن يتصرَّف داود بدأ بنو عمون في الاستعداد للحرب. هذه ليست المرة الأولى التي فيها يُثَار داود بسبب تصرف إنسانٍ أحمق. أثاره نابال الذي استخفَّ بالذين أرسلهم إليه داود، غير أن أبيجايل زوجة نابال بحكمتها وتواضعها استطاعت أن تمتص غضب داود (1 صم 25).

إذ هزم داود حانون بن ناحاش، جاء إلى محنايم فاستقبله شوبي بن ناحاش في ربه بني عمون وبعض الرجال وقدَّموا له وللشعب الذي معه طعامًا ليأكلوا (2 صم 17: 27 - 29)، مما يكشف عن انتشار ما اتَّسم به داود من قوة في هذه المنطقة.

عوض سوء الظن يدعونا الرسول للمحبة التي لا تسيء الظن (1 كو 13: 5).

عبَّر المُرَتِّل عن حاله هذا، قائلاً: "بدل محبتي خاصموني، أما أنا فصلاة، وضعوا عليَّ شرًا بدل خيرٍ، وبغضًا بدل حُبِّي" (مز 109: 4 - 5).

1. تعزية داود في ناحاش ملك بني عمون 1 - 2.

2. مشورة رؤساء بني عمون 3 - 5.

3. حانون يستأجر جيشًا من سوريا 6 - 9.

4. هزيمة الحلفاء السوريين 10 - 18.

5. خضوع قادة هدد عزر لداود 19.

الأعداد 1-2

1. تعزية داود في ناحاش ملك بني عمون

وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ مَاتَ،.

فَمَلَكَ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [1].

بلغ بنو عمون أوْجَ قوّتهم في أيام القضاة، وكان داود أول قائد عسكري من بني إسرائيل يسحقهم، فلم تكن لديهم قوة ليثيروا متاعب لإسرائيل على مدى سنين طويلة.

حارب ناحاش إسرائيل في أيام شاول (1 صم 11). غالبًا ما قَدَّم خدمات لداود في أيام شاول لم تُسَجَّل. لهذا بعث داود إرسالية لتعزية ابنه حانون في موت أبيه، لكن للأسف عاملهم حانون بطريقة غير لائقة.

فَقَالَ دَاوُدُ: "أَصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ حَانُونَ بْنِ نَاحَاشَ،.

لأَنَّ أَبَاهُ صَنَعَ مَعِي مَعْرُوفًا. ".

فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً لِيُعَزِّيَهُ بِأَبِيهِ.

فَجَاءَ عَبِيدُ دَاوُدَ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ إِلَى حَانُونَ لِيُعَزُّوهُ. [2].

لم يذكر الكتاب المقدس ما هو المعروف الذي قدَّمه ناحاش لداود، غير أن الاثنين دخلا في صداقة حميمة في فترة هروب داود من أمام شاول، وكانت هناك عداوة بين شاول وناحاش[264].

جاء في النقوش الأشورية أن ملك فلسطين باسم حانون، كان يدفع جزية للملك الأشوري تجلث فلاسر، وأنه دخل في حرب مع سرجون[265].

الأعداد 3-5

2. مشورة رؤساء بني عمون

فَقَالَ رُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ لِحَانُونَ:

"هَلْ يُكْرِمُ دَاوُدُ أَبَاكَ فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْكَ مُعَزِّينَ؟

أَلَيْسَ لأَجْلِ الْفَحْصِ وَالْقَلْبِ وَتَجَسُّسِ الأَرْضِ جَاءَ عَبِيدُهُ إِلَيْكَ؟ "[3].

عندما عاتب داود شاول لأنه كان يسمع لمُشيرِيه الأشرار الذين كانوا يثيرونه ضد داود ظلمًا، قال له داود: "كما يقول مثل الأشرار يخرج شرُّ" (1 صم 24: 13). هذا ما سقط فيه حانون الملك إذ أقام له مشيرين أشرارًا، فقدَّموا لهم مما لديهم وهو الشر. يليق بالقادة، ألا يُمِيلوا آذانهم إلى مشورات الأشرار. كان يليق بالملك ألا يسيء الظن، فمع الحكمة والحذر، يليق بنا ألا نتسرَّع في سوء الظن بالآخرين.

فَأَخَذَ حَانُونُ عَبِيدَ دَاوُدَ،.

وَحَلَقَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ عِنْدَ السَّوْءَةِ،.

ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. [4].

كان حلق اللحية، خاصة جزء منها، وشق الثياب من الوسط، لشخصٍ ما بغير إرادته يُعتبَر إهانة بالغة واستخفاف شديد وتحدِّي عند اليهود وعند الشرقيين بوجه عام.

هذه النظرة لازالت موجودة في مصر حتى يومنا هذا، خاصة في القرى.

فَذَهَبَ أُنَاسٌ وَأَخْبَرُوا دَاوُدَ عَنِ الرِّجَالِ.

فَأَرْسَلَ لِلِقَائِهِمْ، لأَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا.

وَقَالَ الْمَلِكُ: "أَقِيمُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا." [5].

يُقَدِّم لنا داود النبي مثلاً رائعًا للقادة الذين يهتمُّون بكرامة العاملين معهم ويقومون بالخدمة. أرسل للقائهم، لأنهم كانوا في خجل عاجزين عن اللقاء بأحدٍ. التقى بهم ليرفع من معنوياتهم، ويسندهم.

إن كان داود قد اهتم بالعاملين معه حتى لا يُصيبهم أذى، كم بالأكثر يهتم ربُّ داود بخُدَّامه الذين يعانون من متاعب وآلام. إن كانوا يَقْبَلون الصلب معه بكل مسرَّة، فإنه يهبهم قوة القيامة وبهجتها ومجدها.

الأعداد 6-9

3. حانون يستأجر جيشًا من سوريا

وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَنْتَنُوا عِنْدَ دَاوُدَ،.

أَرْسَلَ حَانُونُ وَبَنُو عَمُّونَ أَلْفَ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ،.

لِيَسْتَأْجِرُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ وَمِنْ أَرَامِ مَعْكَةَ وَمِنْ صُوبَةَ،.

مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَاناً. [6].

جاءت القصة الواردة في هذا الأصحاح الخاصة بالتحالف بين بني عمون والسريان، والنصرة عليهم وردت في (2 صم 10).

أساء حانون ملك عمون ومشيروه الظن بمقاصد داود، فجلب على نفسه كارثة ولبلده وللبلاد المجاورة له.

عوض اعتراف حانون بتسرُّعه وغباوته في التصرُّف كَرَّس مبلغًا ضخمًا (ألف وزنة من الفضة) لتغطية خطأه بالدخول في معركة فاشلة.

عوض أن يكون داود هو الذي يريد الحرب فإن ملك العمونيين الجديد هو الذي أراد هذا، ولذلك فقد استأجر جيشًا من سوريا لمساعدته ضد داود، ونحن نرى هنا:

1. كيف أن قلوب الأشرار قد قست لأجل هلاكهم، فبنو عمون لما رأوا أنهم قد أنتنوا عند داود [1]. فبدًلا من أن يسعوا في السلام وتصحيح ما صنعوه، ويضعوا أنفسهم ويسعوا إلى إرضاء داود على الضرر الذي ارتكبوه، هاهم ليس فقط قد أنتنوا عند داود بل أيضًا أبغضوا عدل الله الذي هو "ملك الأمم" الذي يدافع عن حق المظلوم ويحفظ قوانين الأمم المنتهكة، بل أنهم أعدوا للحرب وأتوا على أنفسهم بالدمار على يدي داود، الشيء الذي لم يكن قد أضمره لهم.

2. كيف أن جأش الرجال الشجعان قد ازداد في الضيقات، فلما رأى يوآب أن مقدمة الحرب كانت نحوه من قدام ومن وراء [10] فعوض أن يفكر في التقهقر فقد ضاعف تصميمه، ومع أنه لم يستطع مضاعفة جيشه إلاَّ أنه قسّمه، ولم يتكلم فقط بل فعل كإنسان شهم له حضور بديهة عظيمة، ولما رأى نفسه محاطًا اتفق مع أخيه على مساعدة كل منهما الآخر [12]، وحث نفسه وجنوده أن يفعلوا بقوة كلاً في موقعه بهدف المجد لله والخير لوطنهم، وليس لشرفهم ومنفعتهم الشخصية وتركوا الأمر لله: "وما يحسن في عيني الرب يفعل" [13].

3. كيف أن أعظم فنون الحرب التي تصوب ضد العدل والإنصاف لا تُجدِي شيئًا، فإن بني عمون عملوا ما في وسعهم لتعزيز موقفهم، فقد أحضروا قوة جبارة في حقل الحرب، واستخدموها على قَدْرِ استطاعتهم بمكر، ومع ذلك فلأنهم على غير حق ومدافعين عن الباطل، فكل هذا لم ينفع وقُهِروا أشهر قهر، فالحق دائمًا يغلب وينتصر أخيرًا.

فَاسْتَأْجَرُوا لأَنْفُسِهِمِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ أَلْفَ مَرْكَبَةٍ،.

وَمَلِكَ مَعْكَةَ وَشَعْبَهُ.

فَجَاءُوا وَنَزَلُوا مُقَابَِلَ مَيْدَبَا.

وَاجْتَمَعَ بَنُو عَمُّونَ مِنْ مُدُنِهِمْ، وَأَتُوا لِلْحَرْبِ. [7].

استأجر بنو عمون 32000 مركبة وأيضًا فرسانًا أصحاب خبرة في الحرب باستخدام المركبات، وأيضًا بعض المشاة لم يذكرهم النص.

وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ الْجَبَابِرَةِ. [8].

أرسل داود يوآب وأخوه أبشاي مع كل القوات العسكرية على قوات بني عمون المتحالفة مع السريان، فانتصروا عليهم.

فَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ،.

وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ جَاءُوا كَانُوا وَحْدَهُمْ فِي الْحَقْلِ. [9].

انطلق جيش بني عمون واصطفُّوا عند باب المدينة، أي خارج الأسوار مقابل ميدبا على حدود مدينة أرنون.

انزعج الجيش الإسرائيلي بواسطة العمونيين الذين كانوا في المقدمة، وخلفهم المرتزقة السريان المأجورين. صمَّم يوآب أن يقاوم المرتزقة، وطلب من أخيه أبشاي أن يهاجم العمونيين.

إذ انهزم المرتزقة خارت شجاعة العمونيين، واضطروا إلى الهروب[266].

الأعداد 10-18

4. هزيمة الحلفاء السوريين

تكشف هزيمة آرام أن أعظم فنون الحرب التي تُصَوَّب ضد العدل والإنصاف لا تُجدِي شيئًا.

وَلَمَّا رَأَى يُوآبُ أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْحَرْبِ كَانَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ،.

اخْتَارَ مِنْ جَمِيعِ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ، وَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ أَرَامَ. [10].

إن كان في أيام شاول لم يقف أمام جليات الجبَّار سوى الصبي داود البطل، الآن في عصر داود وُجِدَ أبطال كثيرون يقفون أمام الجبابرة من الدول المُعادِية.

وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ لِيَدِ أَبْشَايَ أَخِيهِ،.

فَاصْطَفُّوا لِلِقَاءِ بَنِي عَمُّونَ. [11].

وَقَالَ: "إِنْ قَوِيَ أَرَامُ عَلَيَّ تَكُونُ لِي نَجْدَةً،.

وَإِنْ قَوِيَ بَنُو عَمُّونَ عَلَيْكَ أَنْجَدْتُكَ. [12].

تَجَلَّدْ، وَلْنَتَشَدَّدْ لأَجْلِ شَعْبِنَا، وَلأَجْلِ مُدُنِ إِلَهِنَا،.

وَمَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ يَفْعَلُ ". [13].

سرُّ نجاح يوآب وأخيه أبشاي أنهما مع دراستهما للموقف بكل جدِّية وتدبير الأمر، كانا واثقين في الله أن يفعل ما هو لصالح الشعب: "ما يحسن في عينيّ الرب يفعل" [13].

من جانب آخر، فإن يوآب كان يسند أخاه، مُطالِبًا إيَّاه: "تجلّد، ولتتشدد لأجل شعبنا، ولأجل مدن إلهنا".

والعجيب إذ يعتزَّا بالشعب ناسبينه إليهما "شعبنا"، في نفس الوقت ينسبان المدن لله "مدن إلهنا". فمن جانب يريدان تأكيد حُبَّهما للشعب، ومن جانب آخر فإن الله هو الحارس للشعب والراعي له.

وَتَقَدَّمَ يُوآبُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ نَحْوَ أَرَامَ لِلْمُحَارَبَةِ،.

فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. [14].

إذ كشف حديث يوآب لأخيه أبشاي عن حُبِّهما للشعب وثقتهما في الرب، انهار العدو من أمامهما. ليس شيء يُحَطِّم قوة عدو الخير مثل الحب لله والإخوة. لذا لاق بالمؤمن، كاهنًا كان أو من الشعب أن يتحلَّى أو يتسلَّح بالحُبِّ، فلا تقوى قوات الظلمة عليه. بالحُبِّ الحقيقي لا نخشى شهوات الجسد ولا شهوة محبة العالم، ولا إبليس وكل قواته.

هذا الحب لله وللإخوة لا ينفصلان.

  • من يثبت عقله على محبة الله يستخف بكل المنظورات حتى جسده يتغرَّب عنه.
  • من يرى أثرًا للكراهية في قلبه نحو أي إنسان، خلال أي خطأ كان، يجعل نفسه غريبًا تمامًا عن محبة الله، فإن محبة الله لا يمكن بأية طريقة أن تلتصق ببغضه الإنسان.
  • طوبى للإنسان الذي يَتَعَلَّم أن يُحِبَّ كل البشر بالتساوي.
  • إذا كنت تبغض بعض الناس، والبعض لا تبغضهم ولا تحبهم، والبعض تحبهم قليلاً، والبعض تحبهم كثيرًا، يلزمك أن تعرف من هذا التنوع في الحب أنك بعيد كل البعد عن الحُبِّ الكامل، الذي من أعمدته المساواة في الحب.
  • من يحب الله بالتأكيد يحب قريبه أيضًا. مثل هذا الشخص لا يقدر أن يتمسَّك بالمال، بل بالحري مثل الله يعطيه لكل محتاج.
  • عندما يبدأ الفكر في المضي قدمًا في حب الله، يبدأ شيطان التجديف في محاربته، فيقترح عليه أفكارًا غريبة شيطانية؛ يحدث هذا لأنه يحقد على صديق الله الجديد. وعندما يفكر الشخص في هذه الأفكار عن الله يشعر بخجلٍ وخزي، ونتيجة لهذا لا يقدر أن يقترب من الله ويصلي. لكن بقدرة الله ننال الغلبة عليه، فتنتصر على طرقة الخبيثة، ونتشدَّد، ونصير أكثر إخلاصًا في مَحَبتنا ليسوع. "سيفه يدخل في قلبه وقسيه تنكسر" (مز 37: 15).

الأب مكسيموس المعترف[267].

  • يا لعظمة الحب! أقوي من النار ذاتها، يصعد إلى السماء عينها، لا يوجد من يعوقه[268].
  • بولس مواطن السماء، عمود الكنيسة، ملاك أرضي، كائن سماوي. مثل حديد مُحَمَّي بالنار صار كله متوهجًا هكذا التهب بولس بالحُبِّ فصار الحب نفسه[269].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُ قَدْ هَرَبَ أَرَامُ،.

هَرَبُوا هُمْ أَيْضًا مِنْ أَمَامِ أَبْشَايَ أَخِيهِ، وَدَخَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَجَاءَ يُوآبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [15].

حين انتصر يوآب تَشَجَّع أخوه أبشاي وانتصر هو أيضًا. هكذا إن كانت خطايانا تُعثِر إخوتنا فنكون علة سقوطهم، فإن نُصرَتَنا بالرب تسند إخوتنا ليتشدَّدوا ويلتصقوا بالرب وينتصروا معنا!

مع كل نصرة تتمتع بها، تسند أخاك لينتصر هو أيضًا بالله إلهه.

وَلَمَّا رَأَى أَرَامُ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ أَرْسَلُوا رُسُلاً،.

وَأَبْرَزُوا أَرَامَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ،.

وَأَمَامَهُمْ شُوبَكُ رَئِيسُ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ. [16].

أرسل السريان إلى أقربائهم خلف النهر وخطَّطوا للانتقام من إسرائيل. وإذ أدرك داود الخطر بسرعة جمع قواته وأخذ موقف الدفاع. سقط تشامخ السريان، وصاروا عبيدًا لداود.

وَلَمَّا أُخْبِرَ دَاوُدُ جَمَعَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ،.

وَجَاءَ إِلَيْهِمْ وَاصْطَفَّ ضِدَّهُمْ.

اصْطَفَّ دَاوُدُ لِلِقَاءِ أَرَامَ فِي الْحَرْبِ فَحَارَبُوهُ. [17].

يبدو في هذا الأصحاح أن داود كان حاد الطبع، لكنه حاول أن يعيش في سلام. ونلاحظ هنا:

1. من سجيَّة الناس الأتقياء أن يكونوا حَسَنِي الجيرة، وبالأخص يكونون شاكرين، فداود أراد أن يصنع معروفًا مع حانون كجارٍ له، ولأنه تذكَّر معروف أبيه معه، فأولئك الذين يحصلون على معروف يجب أن يردوه حسب قدرتهم عندما تسنح الفرصة، وأولئك الذين يحصلون من الآباء يجب أن يردوا للأبناء بعد انتقالهم.

2. إنه "كما يقول مثل القدماء:" من الأشرار يخرج شر "(1 صم 24: 13)" لأن اللئيم يتكلم باللؤم، والماكر آلاته رديئة، ليهلك بأقوال الكذب المتكلمين بالحق "(إش 32: 6 - 7). فهؤلاء الوضعاء الذين يخترعون الشر بأنفسهم، يميلون إلى الغيرة وظن السوء في الآخرين بدون سبب. فخُدَّام حانون أشاروا عليه بأن رسل داود جاءوا ليتجسسوا الأرض، كأنما إنسان عظيم كداود كان محتاجًا أن يصنع شيئًا وضيعًا مثل هذا، فإنه إن كان عنده نية سيئة ضد العمونيين، فكان في إمكانه أن يفعلها بالقوة ولا يلجأ إلى طريقة خسيسة، على أن حانون خضع لرأي عبيده وضدًا لقوانين الأمم عامل رسل داود بطريقة خبيثة.

كان بنو عمون أعداءً لإسرائيل، ولكن داود لم يُرِدْ أن يصنع حربًا، فقد كان مُدافِعًا كما هو الحال معه في معظم حياته، فرجل الله يجد نفسه دائمًا مدافعًا، نحن يجب علينا أن نلبس سلاح الله الكامل. ماذا يعني هذا؟ هل لكي نتقدَّم للحرب؟ لا بل لنكون واقفين باستعداد وهذا هو المُهِم.

3. يجب على الرؤساء أن يحموا خدامهم، وأن يهتموا ويعتنوا بأمورهم إذا أصابهم ضرر في خدمتهم، فداود فعل هكذا لرسله (ع 5) والسيد المسيح يفعل كذلك لخدامه.

وَهَرَبَ أَرَامُ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ،.

وَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرْكَبَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ،.

وَقَتَلَ شُوبَكَ رَئِيسَ الْجَيْشِ. [18].

إن الذين لا يكون الله معهم يستجمعون قواهم مرة أخرى دون أدنى فائدة، فالسوريون لم يكن لهم على أيّ حال اهتمام بالأمر، وكانوا يخدمون مع بني عمون كجنود مرتزقة، وعندما ضُرِبُوا فكَّروا في استرداد شرفهم ولذلك طلبوا مساعدة من السوريين الذين على الضفة الأخرى من الفرات، ولكن بلا فائدة فإنهم "هربوا أمام إسرائيل" [18]. لقد فقدوا سبعة آلاف رجل الذين قيل عنهم إنهم رجال سبعمائة مركبة (2 صم 10: 18).

العدد 19

5. خضوع قادة هدد عزر لداود

وَلَمَّا رَأَى عَبِيدُ هَدَدَ عَزَرَ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ،.

صَالَحُوا دَاوُدَ وَخَدَمُوهُ.

وَلَمْ يَشَأْ أَرَامُ أَنْ يُنْجِدُوا بَنِي عَمُّونَ بَعْدُ. [19].

عندما رأى السوريون أن إسرائيل هو المُنتَّصِر، كسروا تحالفهم مع بني عمون "ولم يشأ آرام أن ينجدوا بني عمون بعد" [19]، وأيضًا صنعوا صلحًا مع داود وصاروا له عبيدًا. ليت الذين وقفوا عبثًا ضد الله يرجعون لأنفسهم "ويكونون مراضين له سريعًا ماداموا في الطريق" (مت 5: 25) وليصيروا له عبيدًا لأنهم صيَّروا أنفسهم مُهملين إذا صاروا أعداء له.

من وحي 1 أي 19.

هَبْ لي أن أهرب من مشورة الأشرار.

  • من الأشرار يخرج شر،.

احمني منهم، فلا أَمِلْ أُذني إليهم،.

بل أميل أذني إلى وصيتك الواهبة الحياة.

عوض أن يتحالف مع داود، فتحِلّ عليه بركة الرب،.

حلَّ عليه شرُّ الأشرار، فدفع تكلفة هذا مقدارها!

فقد أمواله، ومركباته وكرامته.

  • أهان حانون ورجاله رسل داود، فاختبأوا خجلاً.

داود صاحب القلب المتَّسِع بتواضع اهتم.

بحُبِّه واهتمامه ورعايته رفع من نفسيتهم.

ولم يسمح لأحدٍ من شعبه أن يراهم،.

حتى لا يسخر أحد بهم.

  • يا رب داود الكُلِّي الحب والحنوّ واللطف.

تطلَّع إلى خُدَّامك وشعبك.

تسمح إلى حين أن تمتد يد الأشرار ضدّهم.

لكن لا تسمح لهذه اليد أن تستقر عليهم.

عوض السخرية تسكب بهاءك عليهم.

وعوض العار تُعْلِن مجدك فيهم.

  • تشدَّد يوآب وأخاه أبشاي للعمل لحساب الرب.

وَثَقَا في الله، فامتلأت حياتهما قوة وشجاعة ورجاءً.

وصار بالحق النصر حليفًا لهما.

  • امتزج حبهما العجيب لشعبهما، برعاية الله للشعب.

اعتزَّا بالشعب، فدعوه "شعبنا"!

حملا الشعب كما على أياديهما أمام الله،.

فأدركا حراسة الله لشعبه وحماية مدنهم!


[264] Cf. Jamieson, Fausset, and Brown Commentary, Electronic Database.

[265] Barnes' Notes, Electronic Database.

[266] Cf. Jamieson, Fausset, and Brown Commentary, Electronic Database.

[267] أربعمائة فصل عن المحبة.

[268] Homilies on 73: 1.

[269] Praises of St. Paul Hom. 1. PG 50: 453.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 19
تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 19