المزمور الحادي والثلاثون – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الحادى والثلاثون

رنم داود هذا المزمور وهو في ضيقة، ربما أثناء هروبه من شاول. ويصلي كل مؤمن في ضيقته بكلمات ليطلب الحماية من الله من أعدائه المتشامخين.

الأعداد 1-8

الآيات (1 - 8): -

"1عَلَيْكَ يَا رَبُّ تَوَكَّلْتُ. لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى مَدَى الدَّهْرِ. بِعَدْلِكَ نَجِّنِي. 2أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ. سَرِيعًا أَنْقِذْنِي. كُنْ لِي صَخْرَةَ حِصْنٍ، بَيْتَ مَلْجَإٍ لِتَخْلِيصِي. 3لأَنَّ صَخْرَتِي وَمَعْقِلِي أَنْتَ. مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ تَهْدِينِي وَتَقُودُنِي. 4أَخْرِجْنِي مِنَ الشَّبَكَةِ الَّتِي خَبَّأُوهَا لِي، لأَنَّكَ أَنْتَ حِصْنِي. 5فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلهَ الْحَقِّ. 6أَبْغَضْتُ الَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً. أَمَّا أَنَا فَعَلَى الرَّبِّ تَوَكَّلْتُ. 7أَبْتَهِجُ وَأَفْرَحُ بِرَحْمَتِكَ، لأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى مَذَلَّتِي، وَعَرَفْتَ فِي الشَّدَائِدِ نَفْسِي، 8 وَلَمْ تَحْبِسْنِي فِي يَدِ الْعَدُوِّ، بَلْ أَقَمْتَ فِي الرُّحْبِ رِجْلِي.".

نجد المرنم وقد حاقت به المخاطر حتى الموت يلقي كل إتكاله على الله، فالله عادل يرى ظلم أعداؤه وسينجيه طالما وضع ثقته فيه. أَمِلْ أُذُنَكَ = ميل الأذن يشير للاستعداد لسماع حتى الهمسة، والله يسمع حتى تنهدات القلب الداخلية. وهنا المرنم يشعر بأن عدوه نصب له فخاً، ويطلب من الله الحماية. ويصل المرنم إلى أقصى درجات الاتكال = فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي = فهو لا يسلم أموره فقط في يدي الله لينجيه من ضيقة ألمَّتْ به، بل هو يستودع روحه في يدي الله. ولقد كانت هذه آخر كلمات الرب يسوع على الصليب وآخر كلمات إسطفانوس (أع59: 7). وحين تصل النفس إلى هذه الدرجة من التسليم تشعر بأقصى درجات الأمان لذلك رأى إسطفانوس السماء مفتوحة، بل صلي طالباً لمن يرجمونه غفران خطيتهم. وما السبب الذي به نشعر بكل هذه الثقة في محبة الله؟ الفداء = لقد فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ = فإن كان قد بذل ابنه لأجلنا فهو لن يبخل علينا بأي شئ (رو32: 8) ونلاحظ الاستجابة الإلهية لهذه النفس التي ألقت إتكالها على الله، فنرى نغمة الفرح في كلامه بعد ذلك أبتهج وأفرح.. بل ثقته في أن الله سيخلصه = وَلَمْ تَحْبِسْنِي فِي يَدِ الْعَدُوِّ ونجد بغضه للشر = أَبْغَضْتُ الَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً. ونلاحظ أيضاً شعوره بالحرية الحقيقية = أَقَمْتَ فِي الرُّحْبِ رِجْلِي. فالله حررنا من قيود إبليس لندخل إلى سعة الفردوس. لقد إختبر المرنم سعة طريق الرب وسعة قلب المؤمن، ولم تعد الألام تحطمه، ولم يعد قلبه يحمل سوى الحب لله وللجميع حتى أعداؤه.

الأعداد 9-18

الآيات (9 - 18): -

"9اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي فِي ضِيْق. خَسَفَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي. نَفْسِي وَبَطْنِي. 10لأَنَّ حَيَاتِي قَدْ فَنِيَتْ بِالْحُزْنِ، وَسِنِينِي بِالتَّنَهُّدِ. ضَعُفَتْ بِشَقَاوَتِي قُوَّتِي، وَبَلِيَتْ عِظَامِي. 11عِنْدَ كُلِّ أَعْدَائِي صِرْتُ عَارًا، وَعِنْدَ جِيرَانِي بِالْكُلِّيَّةِ، وَرُعْبًا لِمَعَارِفِي. الَّذِينَ رَأَوْنِي خَارِجًا هَرَبُوا عَنِّي. 12نُسِيتُ مِنَ الْقَلْبِ مِثْلَ الْمَيْتِ. صِرْتُ مِثْلَ إِنَاءٍ مُتْلَفٍ. 13لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. الْخَوْفُ مُسْتَدِيرٌ بِي بِمُؤَامَرَتِهِمْ مَعًا عَلَيَّ. تَفَكَّرُوا فِي أَخْذِ نَفْسِي.

14أَمَّا أَنَا فَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ يَا رَبُّ. قُلْتُ: «إِلهِي أَنْتَ». 15فِي يَدِكَ آجَالِي. نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَعْدَائِي وَمِنَ الَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي. 16أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ. خَلِّصْنِي بِرَحْمَتِكَ. 17يَا رَبُّ، لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى لأَنِّي دَعَوْتُكَ. لِيَخْزَ الأَشْرَارُ. لِيَسْكُتُوا فِي الْهَاوِيَةِ. 18لِتُبْكَمْ شِفَاهُ الْكَذِبِ، الْمُتَكَلِّمَةُ عَلَى الصِّدِّيقِ بِوَقَاحَةٍ، بِكِبْرِيَاءَ وَاسْتِهَانَةٍ. ".

الآيات (1 - 8) رأينا فيها مراحم الرب السابقة. وفي هذه الأيات نجده يصرخ إلى الله لينعم عليه بالرحمة، فهو في ضيق، وطالما نحن في العالم سيكون لنا ضيق من حروب داخلية وحروب خارجية، ومن يستسلم للحزن والضيق يصيبه الضرر في بصيرته = خَسَفَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي، وفي نفسه وجسده. ولا أمل في الاصلاح بدون تدخل الخالق نفسه. ولاحظ في آية (10) ميل الإنسان المتألم أن يتصور أن عمره كله كان أحزان، لم يكن هناك يوم حلو وهذا الاندفاع في الغم يزيد المرارة داخل النفس، ولكن ميزة داود والتي يجب أن نتعلمها منه أنه يحول هذه المشاعر إلى صلاة فيتعزى، وعندما يتعزى يسبح، فنجد تضرعاته ممزوجة بتسابيحه. وفي (11) نراه مرفوضاً بل عاراً (هو رمز للمسيح إش3: 53) إذ حسبه معارفه مرفوضاً من الله بسبب خطاياه. ولقد تخلى عنه أصدقاؤه رعباً من شاول، وحتى لا ينتقم منهم شاول لأنهم أعانوه حاسباً إياهم خونة (ألم يترك المسيح كل من كانوا حوله حتى تلاميذه) نُسِيتُ مِنَ الْقَلْبِ مِثْلَ الْمَيْتِ = هو في عزلته صار كميت. صِرْتُ مِثْلَ إِنَاءٍ مُتْلَفٍ = (إش14: 52 كان منظره كذا مفسداً..) + (إش2: 53 لا صورة له ولا جمال..) وفي (13) نجد صراحةً مؤامرة الأعداء ليقتلوه وإثارة الإشاعات الرديئة ضده (ألم يحدث هذا مع المسيح تماماً) ثم نجد صراخه لله. مهما إشتدت العزلة ومؤامرات الأعداء المحيقة فنحن نجد في الله المعونة والعزاء، مهما إشتد ظلام الألام وينعكس هذا على النفس بأحزان مرة، فالله يضئ بوجهه علينا فنتعزى = أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ. وهي صرخة العهد القديم ليأتي المسيح.

الأعداد 19-22

الآيات (19 - 22): -

"19مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ! 20تَسْتُرُهُمْ بِسِتْرِ وَجْهِكَ مِنْ مَكَايِدِ النَّاسِ. تُخْفِيهِمْ فِي مَظَلَّةٍ مِنْ مُخَاصَمَةِ الأَلْسُنِ. 21مُبَارَكٌ الرَّبُّ، لأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ عَجَبًا رَحْمَتَهُ لِي فِي مَدِينَةٍ مُحَصَّنَةٍ. 22 وَأَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي: «إِنِّي قَدِ انْقَطَعْتُ مِنْ قُدَّامِ عَيْنَيْكَ». وَلكِنَّكَ سَمِعْتَ صَوْتَ تَضَرُّعِي إِذْ صَرَخْتُ إِلَيْكَ.".

نسمع هنا نغمة التسبيح والشكر. وما جعل داود ينتقل من الألم والصراخ إلى التعزية، هو صوت الروح القدس الذى يعطى الثقة في مراحم الله وهذا ما يقودنا للتمتع بالتعزيات والمراحم الإلهية فنرتفع فوق الألم وينفجر القلب شكراً وتسبيحاً إذ شعر بالاستجابة الإلهية حتى وإن كنا ما زلنا تحت الألام. ويساعدنا في هذا أن نتذكر مراحم الرب في الماضي معنا. وحينما نشعر بأننا نرى المسيح وندخل إلى عذوبة الحوار معه لن نلتفت إلى الألام بل نلتفت له ونرى جوده وعذوبته = مَا أَعْظَمَ جُودَكَ. تُخْفِيهِمْ بِسِتْرِ وَجْهِكَ = الله بنفسه يخفي عبيده ويحميهم. تُخْفِيهِمْ فِي مَظَلَّةٍ = المظلة هي خيمة = إشارة للكنيسة فهي موجودة الآن على الأرض وسترحل للسماء.

الأعداد 23-24

الآيات (23 - 24): -

"23أَحِبُّوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَتْقِيَائِهِ. الرَّبُّ حَافِظُ الأَمَانَةِ، وَمُجَازٍ بِكثْرَةٍ الْعَامِلَ بِالْكِبْرِيَاءِ. 24لِتَتَشَدَّدْ وَلْتَتَشَجَّعْ قُلُوبُكُمْ، يَا جَمِيعَ الْمُنْتَظِرِينَ الرَّبَّ.".

هنا دعوة لكل إنسان مؤمن أن يتمتع بالخبرات التي تمتع بها هو. لْتَتَشَجَّعْ قُلُوبُكُمْ، يَا جَمِيعَ ْمُنْتَظِرِي الرَّبَّ = الشجاعة تأتي من إنتظار الرب بثقة في أنه يوفي بوعوده وسيتدخل في الوقت المناسب، فهو قد سمع الصلاة وسيستجيب.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الثاني والثلاثون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور الثلاثون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 31
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 31