اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ

الاهتمام ببيت الرب.

بعد أن تذوَّق الكل، الملك ورؤساء الشعب والكهنة واللاويون والشعب، هذا الاحتفال الذي سُرَّت به السماء في مسكن قدس الله، انطلق الكل إلى مدن يهوذا. وضعوا في قلوبهم ألا يعودوا إلى العبادة الوثنية. فتح أبواب بيت الرب وتطهير الهيكل والاحتفال بالفصح مع شركة كثيرين من المملكة الشمالية في الاحتفال دفع إلى رغبة في مزيد من الالتصاق بالله.

تُعتبَر حياة حزقيا الملك التقي صورة حيَّة ومنهجًا عمليًا لحياة الخادم من جوانب كثيرة. لم يكن هذا التقي يحتمل ما فعله والده الذي أفسد البلد والقصر الملكي وهيكل الرب. وفي نفس الوقت لم يبدأ بالسلبيات وهدم الأصنام وكل متعلقاتها، بل أسرِعَ بتقديس الهيكل والبدء في عبادة الله الحيّ، فالتهب قلب الشعب بتحطيم الأصنام. إنه لم يتهاون مع العبادة الوثنية، لكنه آمن أن من يختبر عذوبة العبادة الحقيقية لا يعود يطيق الرجاسات. بهذا صار الكل معًا، خاصة الشعب، بكامل حرية إرادته ينتزع الشرور. هكذا يليق بنا أن نصنع الخير ونقتلع الشر خلال نعمة الله الفائقة.

1. هدم بقايا الوثنية في المملكتين 1.

2. الاهتمام بتنظيم فرق الكهنة 2.

3. الاهتمام بإعالة الكهنة وعائلاتهم 3 - 21.

أ. تقديم هبة من الملك لدعم الخدمة 3.

ب. حثّ الشعب على زيادة حصة الكهنة 4.

ج. سخاء الشعب 5 - 10.

د. تعيين مُفَوَّضين لتوزيع ما يُجمَع 11 - 19.

هـ. التهاب قلب الملك للعمل 20 - 21.

العدد 1

1. هدم بقايا الوثنية في المملكتين

لم يكن ممكنًا تحطيم العبادة الوثنية قبل أن يُفتَح الهيكل ويَتَطَهَّر ويُعَاد تأسيس العبادة الحقيقية [1 - 4]. لا نستطيع إبادة الشر، ما لم نبدأ بالتمسُّك العملي بالحق الإنجيلي.

هذا ولا ننسى أن الشعب "قاموا، وأزالوا المذابح التي في أورشليم، وأزالوا كل مذابح التبخير وطرحوها إلى وادي قدرون" (30: 14) قبل الاحتفال بالفصح، فليس من شركة بين الحق والباطل، والاحتفال بالفصح حيث سكن الله في الجماعة مع بقاء عناصر غريبة عن الله.

وَلَمَّا كَمِلَ هَذَا خَرَجَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا،.

وَكَسَّرُوا الأَنْصَابَ، وَقَطَعُوا السَّوَارِيَ، وَهَدَمُوا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمَذَابِحَ،.

مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَمِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى أَفْنُوهَا،.

ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ إِلَى مُدُنِهِمْ. [1].

سبق أن طُهِّرَت مدينة أورشليم (2 أي 30: 14)، والآن لزم تطهير الأرض. أصدر حزقيا مرسومًا لقيام حركة شعبية جماعية، تتجه نحو المرتفعات، حيث يُقَام عليها الكثير من المذابح الوثنية، خاصة عبادة البعل، لتطهيرها. قام الشعب في يهوذا وبنيامين في الجنوب بهذه الحركة، كما تمَّ تطهير أفرايم ومنسَّى، يساعدهم في ذلك ضعف مملكة الشمال.

جاء تحطيم الوثنية ليس فقط بأمر حزقيا، بل تجاوب الشعب مع أمانة حزقيا الملك.

صورة مُبهِجة أن يجتمع بعض الباقين في مملكة إسرائيل التي دَمَّرها الأشوريون مع يهوذا. يَلتَفُّون حول الهيكل، ويَتَعَبَّدون معًا، مُشتهين العودة إلى الحياة المُقَدَّسة التي كانت لكل إسرائيل قبل الانقسام، في أيام داود النبي وسليمان الحكيم.

واضح أنه من ثمرة هذا التصرُّف الحكيم التقوي للملك حزقيا أن الراجعين إلى مدنهم في يهوذا قاموا بنزع كل ما يَتَعَلَّق بالعبادة الوثنية.

بانتهاء الاحتفال، لم يشعر المُشترِكون فيه بأنهم قد انتهوا من واجبٍ كانوا ملتزمين به، بل التهبت قلوبهم بالأكثر للحياة مع الله. هذا ومن جانب آخر، يرى البعض أن القادمين من المملكة الشمالية وإن كانت قد فقدت استقلالها وخضعت للإمبراطورية الأشورية، غير أنها منطقة خصبة للغاية وغنية. هؤلاء جاءوا إلى أورشليم يُقَدِّمون هدايا للهيكل، وينفقون أثناء إقامتهم، مما أدى إلى نوع من الرواج في أورشليم ومدن يهوذا. بجانب بركة الرب للجميع لاجتماعهم معًا بروح الحب والوحدة.

يرى علماء الآثار أن هذا التَقَدُّم أدى إلى امتداد مدينة أورشليم إلى الضعف، وربما ثلاثة أضعاف، فضمت تلاً آخر[345]. لقد صارت أورشليم ملجأ لكثير من اللاجئين من الشمال.

هذا الازدهار ساعد حزقيا على تحصين بعض المدن وتقوية الجيش.

حقًا لقد فعل الملك كل ما في إمكانه في هذا المضمار (2 مل 18: 4)، لكن الشعب في إمكانه اكتشاف الأماكن التي بها ما يخص الأوثان وغابت عن أعين جنود الملك. لذلك خرجوا بعد الاحتفال فورًا ليهدموها، لم يُؤجِّلوا يومًا واحدًا. هكذا يليق بالمؤمن إذ يختبر عذوبة الشركة مع الله، وتتهلل أعماقه به، وأن يقطع كل ارتباط بالخطية في الحال، ويتخلَّى عن كل ما يُغضِب الله.

لم يفعلوا هذا في مدن يهوذا وبنيامين فقط، بل وفي أفرايم ومنسَّى. يظن البعض أنه يقصد المدن التي كانت تحت ولاية حزقيا ملك يهوذا، لكن آخرين يرون أن ملك إسرائيل لم يمنعهم من ذلك، فترك الذين ذهبوا إلى أورشليم واشتركوا في الاحتفال بالفصح أن يفعلوا ذلك في ممتلكاتهم. قام كل من ساهم في الاحتفال بكسر كل ما لديه من أصنام، ولم يترك شيئًا ما من آثار الأوثان.

هكذا تَمَتَّع الإنسان بعذوبة الشركة مع الله تمتد إلى حياة الآخرين، ليس قسرًا، وإنما خلال الحب الأخوي الصادق.

لم يعودوا إلى منازلهم قبل أن يُتَمِّموا هذا العمل، بالرغم من غيابهم الطويل. لقد حدث هذا التغيير فجأةً وبقوةٍ (إش 2: 20؛ 31: 6 - 7). يليق بنا أن نقتدي بحزقيا الملك، فلا نترك أية آثار للآلهة الغريبة في قلوبنا. فما كُتِبَ عن الأوثان يَمِسُّ حياتنا كقول العلامة أوريجينوس في عظاته على سفر القضاة:

  • عبد (هذا الجيل) البعليم وتركوا الرب إله آبائهم "(قض 2: 11 - 12). حقًا فعل الشعب في القديم هذه الأشياء، ولكن لم تُكتَب هذه الأشياء لهم، إنما:" كُتِبَتْ لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور "(1 كو 10: 11). ليتنا نرى ما إذا قيلت هذه الأشياء عنا أم بالحري عنهم.

هل تريدون رؤية هذه الأمور مُفَسرَّة علينا - ليس بواسطتي - ولكن بواسطة الرسول؟ اسمعوا ما يقوله هو نفسه: "ماذا يقول الكتاب في إيليا كيف يتوسل إلى الله ضد إسرائيل قائلاً: يا رب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيتُ أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي". لكن في الحقيقة بماذا أجابه الوحي الإلهي؟ "أبقيت لنفسي سبعة آلاف رَجُلٍ لم يحنوا ركبة لبعل" (1 مل 19؛ رو 11: 2 - 4). وبهذه الطريقة أضاف الرسول: "فكذلك في الزمان الحاضر أيضًا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة" (رو 11: 5).

انظروا إذن كيف أنه حُسِبَ الذين عبدوا البعليم من بين جمع غير المؤمنين والذين لم يسجدوا من بين البقية المؤمِنة. يُظهر ذلك أن غير المؤمنين وغير الأتقياء الذين عاشوا في عصر المُخلِّص "عبدوا البعليم" والأصنام، أما المؤمنون ومنفذو أعمال الإيمان "لم يعبدوا البعل". لأنه لم يُذكَر في أي موضعٍ في التاريخ أو الإنجيل أو أي من الأسفار المقدسة أن إنسانًا في زمن المُخَلِّص سجد للأصنام، ولكن ذُكِرَ هذا خصيصًا عن الذين كانوا مُكَبَّلين ومُقيَّدين بخطاياهم الخاصة. من المؤكد إننا عندما نخطئ "ونُسبى إلى ناموس الخطية" (رو 7: 23)، فإننا نعبد البعل. لكننا نحن غير مدعوِّين لذلك، ولم نؤمن لكي نكون في وفاقٍ مع هذه الأمور حتى نخدم الخطية ثانيةً، ونسجد للشيطان، بل بالأحرى نجثو باسم يسوع لأنه: "تجثو باسم يسوع كل رُكْبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 10). وهكذا نحني ركبتيْنا لدى أبي ربنا يسوع المسيح، الذي منه تُسَمَّى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض (أف 3: 14 - 15).

ولكن ماذا أستفيد عندما أحني ركبتي جسدي في الصلاة لله، بينما أحني رُكبَتَي قلبي للشيطان؟

فإني إن لم أقف صامدًا أمام مكايد الشيطان، أحني ركبتي للشيطان (أف 6: 11).

إذا لم أقف صامدًا أمام الغضب، أحني ركبتي للغضب أيضًا.

وهكذا بالمثل، إن لم أقف صامدًا لأُقاوِم الشهوة، أحني ركبتي قلبي لها.

في كل هذه الحالات التي تضاد الله، أبدو كأولئك "الذين عبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي قادهم خارج أرض مصر" (قض 2: 11 - 12؛ خر12: 42)، ما لم أقف بثباتٍ وشجاعةٍ.

ليتنا إذن لا نفكر أننا إذ لا نعبد الأصنام لا تتعلَّق هذه الأشياء بأي أحد منا. ما يعبده الإنسان ويُحِبُّه ويُعجَب به أكثر من سائر الأشياء هو إلهه.

باختصار هذا ما يطلبه الله من الإنسان قبل كل الأشياء وفوق كل الأشياء في وصيته: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 5)، رغبة منه أن يملك على كل عواطف القلب البشرية مُقَدَّمًا، وأن يعرف أن ما يحبه الإنسان من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته هو إلهه[346].

العلامة أوريجينوس.

العدد 2

2. الاهتمام بتنظيم فرق الكهنة

وَأَقَامَ حَزَقِيَّا فِرَقَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ خِدْمَتِهِ:

الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ لِلْمُحْرَقَاتِ، وَذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ لِلْخِدْمَةِ وَالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ،.

فِي أَبْوَابِ مَحَلاَّتِ الرَّبِّ. [2].

أقام حزقيا الملك فِرَق الكهنة واللاويين حسب ترتيب داود الملك، هذه التي كانت قد أوقفت لفترة طويلة. لم يضع حزقيا نظامًا جديدًا من فكره الخاص، بل التزم بالترتيبات التي وضعها داود بوحي من روح الله القدوس.

اهتم آباء الكنيسة الأولى أن يضعوا النظام الكهنوتي للقيام بالعبادة والرعاية والكرازة حسب ما ورد في الكتاب المقدس ومارسه الرسل. قَدَّمَ لنا القديس بولس صورة روحية عن الترتيبات الكنسية بخصوص الكهنة والشروط اللازمة بالنسبة لهم، ومسئولياتهم خاصة الروحية وعلاقتهم ببعضهم البعض، وعلاقتهم بالشعب وأيضًا حقوقهم[347].

"أبواب محلات الرب": يترجم البعض كلمة "محلات" بخيام. يُقصَد بالمَحلَّة الموضع الذي يجتمع فيه الله مع شعبه، ففي البرية كانت المَحَلَّة يُقصَد بها التفاف الأسباط حول خيمة الاجتماع، وبعد بناء الهيكل، فصارت تعني الهيكل ويضم الدار الخارجية واجتماع الشعب معًا حول الهيكل[348].

ما قام به حزقيا الملك بخصوص ترتيب بيت الرب يكشف لنا عن ما يلزمنا القيام به في هيكل الرب الذي تحدث عنه الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟!" (1 كو 3: 17).

1. نزع الآلهة الغريبة من القلب، وذلك بعمل الروح القدس.

2. العمل بترتيبٍ ونظامٍ، وكما أقام حزقيا الكهنة واللاويين حسب أقسامهم، ولكل واحدٍ له دوره، هكذا يليق بالمؤمن بروح القيادة المقدسة المتواضعة أن يستخدم كل المواهب والأحاسيس والطاقات التي فيه لحساب مجد الله.

3. تقديم مُحرَقات الحب على المذبح المُقَام داخل النفس.

4. تقديم ذبائح السلامة والشكر لله على عطاياه.

5. ممارسة التسبيح والتمتُّع بخبرة الفرح السماوي.

6. الاعتزاز بالحضرة الإلهية، حيث يتحوَّل الإنسان الداخلي إلى مسكن للرب، له أبواب مُقَدَّسة.

3. الاهتمام بإعالة الكهنة وعائلاتهم

العدد 3

أ. تقديم هبة من الملك لدعم الخدمة

وَأَعْطَى الْمَلِكُ حِصَّةً مِنْ مَالِهِ لِلْمُحْرَقَاتِ مُحْرَقَاتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ،.

وَالْمُحْرَقَاتِ لِلسُّبُوتِ وَالأَشْهُرِ وَالْمَوَاسِمِ،.

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. [3].

خَصَّص الملك نصيبًا من دخل مملكته للإنفاق على خدمة الهيكل والعبادة، حتى لا يُثَقَّل على الشعب، قدمه الملك بسرورٍ.

يمكن القول بأن داود هو الذي وضع عمليًّا التزام الملك بالإنفاق من حسابه الخاص على المُحرَقات الصباحية والمسائية وبعض الذبائح الأخرى.

كانت هناك تقدمات بسيطة يقدمها الأغنياء والفقراء بالتساوي، حتى لا يظن أحد أنه أفضل من غيره أو أقل من غيره، فيُصَاب بالكبرياء أو بحالة إحباط. بهذا يدرك الجميع أنه ليس عند الله محاباة، إنما يتساوى كل البشر في عينيه.

وتوجد تقدمات أخرى يُقَدِّمها المؤمنون حسب إمكانياتهم، ليدركوا أن ما لديهم إنما هو عطية من الله؛ فيُقَدِّم الغني الكثير للإنفاق على خدام الهيكل ولمساندة الفقراء والمحتاجين.

"كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ": ما يشغل قلب حزقيا هو الوصية الإلهية والشريعة، فكان في حياته العملية مطيعًا لله، وهذا هو سرُّ نجاحه.

العدد 4

ب. حثّ الشعب على زيادة حصة الكهنة

وَقَالَ لِلشَّعْبِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنْ يُعْطُوا حِصَّةَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ،.

لِيَتَمَسَّكُوا بِشَرِيعَةِ الرَّبِّ. [4].

أصدر الملك أمرًا لسكان أورشليم أولاً بالعطاء، ليكونوا مثالاً للآخرين. ثم امتدَّ الأمر بعد ذلك إلى مدن يهوذا، لكي يعطوا حصة للكهنة واللاويين حسب ما ورد في الناموس. فقد أُهملت هذه الوصية مما أدى إلى إهمال الخدمة. باختصار بثّ سخاء الملك هذا الروح في الشعب. هذا وعذوبة الاحتفال بالفصح جعلتهم أسخياء لتعضيد خدمة الهيكل.

ما يشغل قلب حزقيا ليس هو التنظيم في ذاته، ولا تقديم حصة للكهنة حتى يتفرَّغوا للعمل الروحي ولا يرتبكوا بالالتزامات المادية، وإنما "ليتمسّكوا بشريعة الرب". أدرك الملك أن التمسُّك بكلمة الله ووصاياه وشريعته هو الموضوع الرئيسي في حياة المؤمنين، حتى يتمتعوا بالشركة معه.

يرى القديس مار يعقوب السروجي أن وصايا الله هي الحليّ التي تَتَزَيَّن بها الكنيسة العروس، فتحمل بروح الله القدوس أيقونة عريسها السماوي.

  • سرُّك الإلهي كنز مختبئ بين السطور، فهبني يا ابن الله العقل الراجح لاستخراجه.

ما حوته الأسفار المقدسة من وَحْيك جواهر نفيسة، فاجعلني أهلاً أن أجمعها.

كلمة الحياة جوهرة لمن أُحَبِّها، هلم أيها السامع وعَلِّقها في أذنك، وتجمَّل بها.

إنها أثمن من الياقوت والذهب.

فالحليّ الزمنية زائلة وتافهة، أما كلمة الحياة، فهي زينة للنفس الخالدة.

الحلية تُزيِّن إنسانًا واحدًا، أما الكلمات المقدسة فتُزيِّن ربوات من المستمعين البشر.

إنها تهب النور للنفوس المظلمة...

بها يصبح الفقير أغنى من الملوك، مثل نهارٍ مشمسٍ[349].

  • فليقرأ وينتفع كل من يريد أن يربح نفسه، بالكنوز المطمورة لأجله في القراءات[350].
  • أسفار (الكتاب المقدس) محيط، تجد فيه الدُرَّة الخفية.

فعلى المُفَسِّر أن يغطس في الماء ليستخرجها.

يغطس العقل في الأسفار، ويستخرج الدُرَّة، ويُريها للتجار.

ويغطس الذهن في التوراة، فيمسك الدُرَّة الإلهية.

ويُقَدِّمها اللسان للسامعين، فيقول: عَلِّقوا بأذهانكم ابنة النور كزينة لكم.

  • كل الكلمات الموجودة في الكتب مملوءة نورًا، رَبِّي بها أستنير لأًصف خبرك بعجبٍ.

الأسرار مطمورة في القراءات كالكنوز، يا ابن الله ساعد العقل حتى يصعدها.

أيها الغني العظيم الموجود في كتب اللاهوت، ربنا، أَهِّلني لأغرف وآخذ من كنوزها.

كلمة الحياة هي لؤلؤة لمن يُحِبُّها، اقترب أيها السامع، وعلِّقها في أذنك، وتزيَّن بها.

لو تُشترى اللؤلؤة بوزنة ذهب، فإنها تزين أذنًا واحدة فقط لو عُلِّقَت فيها.

كلمة الحياة هي أفضل من اللؤلؤة، لأنها تكفي لتتزيَّن بها ربوات الآذان.

الكلمة تزين بجمالها السامي والطبيعي آذان كل جمعِ بني البشر.

انظرْ الآن: كيف أن اللؤلؤة ناقصة، وكيف أن كلمة الحياة عظيمة لمن يقتنيها.

الكلمة نور، ولو أشرقتْ في نفوس مُظلِمة، استنارت بها كالنهار.

الكلمة غنى، ولو حلَّتْ عند الفقير، تجعله ملكًا يبدأ يصرف على أقرانه.

بالكلمة فقط الإنسان أعظم من الحيوانات، وبها اغتنى آدم واقتنى الخالق.

السماء والأرض توجدان منذ البداية بالكلمة، والله بكلمته أقام كل الاتقانات[351].

القدِّيس مار يعقوب السروجي.

الأعداد 5-10

ج. سخاء الشعب

وَلَمَّا شَاعَ الأَمْرُ كَثَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَوَائِلِ الْحِنْطَةِ وَالْمِسْطَارِ وَالزَّيْتِ.

وَالْعَسَلِ وَمِنْ كُلِّ غَلَّةِ الْحَقْلِ،.

وَأَتُوا بِعُشْرِ الْجَمِيعِ بِكَثْرَةٍ. [5].

تحققت وحدة الشعب في هذا العيد الأساسي للفصح، والذي أُجريت ممارساته بعملٍ مشتركٍ ضد كل ما يهين الرب.

قام الشعب بتقديم بكور منتجات الحقول والعشور بسخاء ليس لسد أعواز الخدام والكهنة، وإنما بالأكثر لتقديم ذبائح حب لله نفسه.

لقد قَدَّموا أكثر مما يتطلبه الناموس. فالشريعة لم تطلب تقديم العسل للرب (لا 3: 11)، لكن شعر الشعب أنه يمكن تقديم البكور أو العشور من حصيلته للكهنة.

يرى يوسيفوس أن العسل لا يُقصَد به عسل النحل الذي لم يكن يخضع لتقديم العشور منه، إنما هو من نتاج البلح[352].

  • عندما يقترب إنسان من الموت ليت صديق ذلك الشخص الذي يموت يُعِد له الأكفان ويحث الراحل أن يترك شيئًا للمحتاجين. ليرسله بهذه الثياب إلى القبر، تاركًا المسيح وارثًا له[353].
  • من يعطي قليلاً من القليل الذي لديه أفضل مِمَّن يعطي الكثير من الكثير، إذ يكون كالأرملة، فالصدقة لا تُقَدَّر بمال العطاء، بل بإرادة المعطي وقوّته. لأن الله يلتفت للقصد وعليه يجزل العطاء...

القدّيس يوحنا الذهبي الفم.

هذا وأن الإهمال في العطاء يصيب الخدمة والعبادة كما يظهر في نح 13: 10 - 14.

وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا،.

أَتُوا هُمْ أَيْضًا بِعُشْرِ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَعُشْرِ الأَقْدَاسِ الْمُقَدَّسَةِ لِلرَّبِّ إِلَهِهِمْ،.

وَجَعَلُوهَا كَوْمَةً كَوْمَةً (صُبرًا صُبرًا). [6].

فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ابْتَدَأُوا بِتَأْسِيسِ الْكُوَمِ (الصُبرً) وَفِي الشَّهْرِ السَّابِعِ أَكْمَلُوا. [7].

في الشهر الثالث تُقَدَّم البكور، إذ تكون المحاصيل بدأ جمعها، وفي الشهر السابع تُقَدَّم عشور المحاصيل التي جُمعت بالكامل.

وَجَاءَ حَزَقِيَّا وَالرُّؤَسَاءُ وَرَأُوا الْكُوَمَ (الصُبرً)،.

فَبَارَكُوا الرَّبَّ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. [8].

شَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ: هذا وما حَلَّ بمملكة الشمال من أشور سبَّب نوعًا من الارتباك، ولم يعد يمكن فصل الأسباط عن بعضها البعض. ولهذا ما كان يشغل قلب حزقيا هو ضم الكل تحت اسم إسرائيل، لأن هوية الأسباط والتنافس بينهم كادت أن تنتهي. ومع هذا حرص حزقيا على وجود مُمَثِّلين لكل الأسباط، واحد عن كل سبط مع التأكيد على الوحدة معًا.

اختار السيد المسيح اثنى عشر تلميذًا، ليؤكد أن العهد الجديد امتداد للعهد القديم، بل أورشليم العليا نفسها أساساتها اثنا عشر حجرًا كريمًا (رؤ 21: 14).

وَسَأَلَ حَزَقِيَّا الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ عَنِ الْكُوَم (الصُبرً) [9].

سأل الملك حزقيا عن كوم الغلال والمحاصيل التي جُمِعَت في بيت الرب في أكوام، وغاية السؤال الآتي:

1. التأكد من أن الكهنة واللاويين الذين يخدمون نالوا نصيبهم.

2. التأكد من أن ما تكدس في أكوام يُمَثِّل الفائض حقيقة، وقد نال كل من الكهنة واللاويين ما يشبع احتياجاته، ولم يُظلَم أحد.

فَأَجَابَ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ الرَّأْسُ لِبَيْتِ صَادُوقَ:

مُنْذُ ابْتَدَأَ بِجَلْبِ التَّقْدِمَةِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ أَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ عَنَّا بِكَثْرَةٍ،.

لأَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ شَعْبَهُ وَالَّذِي فَضَلَ هُوَ هَذِهِ الْكَثْرَةُ. [10].

إن كان عزريا هنا هو الكاهن الذي قاوم عُزِّيا (2 أي 26: 17 - 20)، فيكون قد مارس وظيفته على الأقل لمدة 33 سنة.

"الرب بارك شعبه": يبدو أن الملك قد دهش من فيض المحصولات التي جُمِعَت في أكوام من البكور والعشور بصورة فائقة، لذا طمأنه عزريا الكاهن أن هذه الأكوام التي جُمِعَت ليست عن طريق غبن (تجاهل حقوق) الكهنة واللاويين للشعب، إنما هو ثمرة بركة الرب التي حَلَّت على الشعب بسبب رجوعهم إليه.

لم ينسب الكاهن كثرة حصيلة الهيكل لتعب الكهنة ومجهوداتهم مع الشعب وحسن معاملاتهم، ولا نسب ذلك لغيرة الملك أنه دفع الشعب للعطاء، إنما بحق نسبه لبركة الرب الذي بارك الشعب، خاصة حين ساد الحب بين الكهنة وأيضًا بين الشعب وبين كل الفئات، وإخلاص الجميع من كل القلب.

ليتنا نطلب على الدوام مَسَرَّة الله ورضاه وبركته أن تحلَّ على كل الكنيسة. لقد بارك الرب أول أسرة في البشرية (تك 1: 28)، وبارك اليوم السابع (تك 2: 3)، ويبارك كل من له نصيب في القيامة الأولى، أي يتمتع بقيامة المسيح في حياته اليومية وهو بعد على الأرض، مشتاقًا إلى القيامة العامة. هذه البركة الإلهية هي التي تعمل في حياة المؤمن الشخصية والأسرية والاجتماعية الخ. في هذا الدهر، مع التمتُّع بالأمجاد الأبدية في الدهر الآتي.

  • أيها الرجال، أَحبُّوا نساءكم (أف 5: 25). فقد كنتم غرباء عن بعضكم البعض، ولكن جُمِعتم بشركة الزواج. لتكن هذه الرابطة الطبيعيَّة، هذا النير الذي وضع عليكم بفعل البركة الزوجيَّة، صلة وصل تجمع فيما بينكم رغم المسافات[354].
  • بالروح القدس استعادة سكنانا في الفردوس،.

وصعودنا إلى ملكوت السماوات،.

وعودتنا إلى البنوَّة الإلهيَّة،.

ودالتنا لتسمية الله "أبانا"،.

واشتراكنا في نعمة المسيح،.

وتسميتنا أبناء النور، وحقِّنا في المجد الأبدي،.

وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي[355].

القديس باسيليوس الكبير.

  • ليت نفوسنا تبارك الرب، وليباركنا الرب.

فعندما يباركنا الرب ننمو نحن، وعندما نبارك الرب ننمو نحن أيضًا، وفى كليهما نستفيد نحن (لا الله).

أولاً لتكن فينا بركة الرب، وعندئذ نباركه نحن، فهذا هو المطر (أي بركته لنا) وهي ذاتها الثمرة (أي نباركه بالبركة التي باركنا بها). إن المطر يرتد كثمرٍ لله صاحب الأرض الذي أمطر علينا وأفلحنا.

ليتنا نَتَغَنَّى بهذه الكلمات، بعبادة مُثمِرَة، وكلمات غير جوفاء، وبقلبٍ حقيقيٍ. فإنه من الواضح أن الله الآب قد دُعِي كرامًا (يو 1: 15)، والرسول يقول: "أنتم فلاحة الله، بناء الله" (1 كو 9: 3). كان يقوم بفلاحة حقله. فالله الآب كَرَّام له حقل، يقوم بفلاحته وينتظر منه ثمرًا.

ويقول الرب يسوع نفسه إنه "غرس كرمًا... وسَلَّمه إلى كرامين"، هؤلاء مُلزَمون بتقديم الثمار في أوانها.

القديس أغسطينوس.

الأعداد 11-19

د. تعيين مُفوَّضين لتوزيع ما يُجمَع

وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِإِعْدَادِ مَخَادِعَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ فَأَعَدُّوا. [11].

يُقصَد بالمخادع هنا مخازن يودع فيها ما يفيض من الغلات وغيرها، مما قُدِّمَ للهيكل كبكورٍ وعشورٍ.

وَأَتُوا بِالتَّقْدِمَةِ وَالْعُشْرِ وَالأَقْدَاسِ بِأَمَانَةٍ.

وَكَانَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ كُونَنْيَا اللاَّوِيُّ وَشَمْعِي أَخُوهُ الثَّانِي [12].

كان شمعي مساعدًا لأخيه كوننيا.

وَيَحِيئِيلُ وَعَزَزْيَا وَنَحَثُ وَعَسَائِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَيُوزَابَادُ وَإِيلِيئِيلُ وَيَسْمَخْيَا،.

وَمَحَثُ وَبَنَايَا وُكَلاَءَ تَحْتَ يَدِ كُونَنْيَا وَشَمْعِي أَخِيهِ،.

حَسَبَ تَعْيِينِ حَزَقِيَّا الْمَلِكِ وَعَزَرْيَا رَئِيسِ بَيْتِ الله. [13].

اهتم الملك بإعداد مخادع في بعض ساحات الهيكل لتخزين التقدمات بطريقة مُحْكَمة، كما عَيَّن أمناء صندوق أو أمناء خزينة لكي يمنعوا السرقات ويزيلوا أي فساد أو تبديد، وهذا يُشَجِّع الشعب على العطاء بسخاءٍ وباستمرارٍ.

وَقُورِي بْنُ يَمْنَةَ اللاَّوِيُّ الْبَوَّابُ نَحْوَ الشَّرْقِ.

كَانَ عَلَى الْمُتَبَرَّعِ بِهِ لله لإِعْطَاءِ تَقْدِمَةِ الرَّبِّ وَأَقْدَاسِ الأَقْدَاسِ. [14].

تم تعيين موظفين من أناس أمناء وحكماء لتوزيع تقدمة الرب والأقداس بين الكهنة، والتأكد من سدِّ احتياجات الكهنة وعائلاتهم.

أقام حزقيا قوري بن يمنه ومعه ستة أشخاص للاهتمام بالأمور المادية للهيكل، أي سبعة أشخاص يعملون معًا في خدمة التدبير المالي. وأيضًا بعد حلول الروح القدس في العُليّة، اختار التلاميذ سبعة شمامسة للعمل الاجتماعي، وتدبير أمور المحتاجين، حتى يتفرَّغ التلاميذ لخدمة الكرازة والكلمة (أع 6: 1 - 5).

الرقمان لهما مدلولات روحية[356]:

الرقم الأول 12 يشير إلى ملكوت الله على الأرض. رقم 4 يشير إلى الإنسان المخلوق من الأرض (أركان الأرض الأربع أو الجهات الأربع)، ورقم 3 يشير إلى الثالوث القدوس، فرقم 12 يشير إلى اتحاد الإنسان مع الله (3×4).

أما رقم 7 فهو محصلة جمع 3 و4 يشير إلى الكمال، حيث أن الإنسان أعظم الكائنات الأرضية، وهو مخلوق من التراب (4)، والنفس صورة الله الثالوث القدوس (3).

هذا والزمن يتكون من الشهور (12 شهر)، ومن الأسابيع (7).

يرى البعض أن رقم 12 يشير إلى الجانب اللاهوتي حيث أساسات أورشليم العليا تتكون من اثني عشر حجرًا كريمًا. ورقم 7 يشير إلى الجانب العملي (أيام الأسبوع). وكأنه يليق في العبادة أن يكون لنا الفكر الروحي السماوي السليم، والسلوك الروحي العملي في المسيح يسوع.

وَتَحْتَ يَدِهِ:

عَدْنُ وَبِنْيَامِينُ وَيَشُوعُ وَشَمَعْيَا وَأَمَرْيَا وَشَكَنْيَا فِي مُدُنِ الْكَهَنَةِ بِأَمَانَةٍ،.

لِيُعْطُوا لإِخْوَتِهِمْ حَسَبَ الْفِرَقِ الْكَبِيرِ كَالصَّغِير [15].

جاءت كلمة بنيامين في ترجمة الفولجاتا والسريانية والسبعينية مينيامين Miniamin.

فَضْلاً عَنِ انْتِسَابِ ذُكُورِهِمْ مِنِ ابْنِ ثَلاَثِ سِنِينَ فَمَا فَوْقُ،.

مِنْ كُلِّ دَاخِلٍ بَيْتَ الرَّبِّ أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ،.

حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ فِي حِرَاسَاتِهِمْ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ [16].

وَانْتِسَابِ الْكَهَنَةِ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ وَاللاَّوِيِّينَ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ،.

حَسَبَ حَرَاسَاتِهِمْ وَأَقْسَامِهِمْ [17].

وَانْتِسَابِ جَمِيعِ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي كُلِّ الْجَمَاعَةِ،.

لأَنَّهُمْ بِأَمَانَتِهِمْ تَقَدَّسُوا تَقَدُّسًا. [18].

وَمِنْ بَنِي هَارُونَ الْكَهَنَةِ فِي حُقُولِ مَرَاعِي مُدُنِهِمْ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ،.

الرِّجَالُ الْمُعَيَّنَةُ أَسْمَاؤُهُمْ لإِعْطَاءِ حِصَصٍ لِكُلِّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ،.

وَلِكُلِّ مَنِ انْتَسَبَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ. [19].

الأعداد 20-21

هـ. التهاب قلب الملك للعمل

هَكَذَا عَمِلَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ يَهُوذَا،.

وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ وَحَقٌّ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِهِ. [20].

كشف سلوك حزقيا عن حقيقة شخصيته، فهو صالح يمارس الصلاح؛ ومستقيم يسلك باستقامة، وعادل يسلك حسب الحق الذي أُعلِنَ له.

وَكُلُّ عَمَلٍ ابْتَدَأَ بِهِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ الله وَفِي الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَطْلُبَ إِلَهَهُ،.

إِنَّمَا عَمِلَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَأَفْلَحَ. [21].

هذا الأمر لا يخص مدينة مُعَيَّنة أو مجموعة مدن، إنما عمل حزقيا هذا في كل يهوذا، لا لإرضاء الكهنة، وإنما ما يشغله في كل تصرُّفاته أن يعمل ما هو صالح أمام الرب إلهه. يعمل بكل نشاطٍ من كل قلبه وبِنيَّةٍ صادقةٍ لخدمة بيت الرب لمجد الله. لهذا نجح في أعماله، واستراح الكل لتصرُّفاته.

من وحي 2 أي 31.

لأسكن في بيتك، وأَتَزَيَّن بوصاياك!

  • تُرَى، هل كان يشغل قلب حزقيا وفكره شيء غير بيتك؟

كَرَّس طاقاته مع طاقات الكهنة واللاويين لتطهيره من الأوثان.

ألهب قلوب رؤساء إسرائيل والشعب بالغيرة على بيتك.

قام بتنظيم العبادة والعاملين في بيتك بكل دقةٍ.

اهتم بتدبير احتياجات العاملين فيه.

قَدَّم الكثير من حصّته للإنفاق على البيت.

  • هَبْ لي مع حزقيا أن أهتم ببيتك القائم في قلبي.

لتسكن في داخلي وتقدسه،.

وأسكن أنا في أحضانك وأتقدس بك!

لتكن أنت الإله الوحيد الذي يحتل القلب كله!

لن أسمح لإله آخر يتسلل إلى قلبي.

لن أعشق المال، ولا أتلذذ بالشهوات، ولا أطلب كرامة زمنية.

لتُحَطِّم كل وثنٍ تَرَبَّع في قلبي.

ليتك تتجلَّى في داخلي، فتعكس بهاءك عليَّ!

تشرق يا شمس البرِّ فيَّ،.

فلا تجد الخطية لها مكانًا فيَّ!

  • لتُعْلِن عن حضورك فيَّ، يا رئيس الكهنة السماوي.

يعمل عقلي مع قلبي وعواطفي تحت قيادتك.

تُصلَب معك، فتُقَدِّم مُحرَقات حب على الدوام.

وتُقَدِّم ذبائح السلامة والشكر والتسبيح لك!

نعمتك العجيبة تمارس حراسة دائمة على مسكنك فيَّ!

  • بماذا أساهم لبناء هيكلك فيَّ؟

إنه عمل روحك القدوس الناري!

أُقَدِّم مع الأرملة فلسي الحب الأفضل من كنوز العالم!

أُقَدِّم عمري كله وطاقاتي لخدمتك!

أتمسك بشريعتك المقدسة ووصاياك.

تتزيَّن نفسي بوصاياك،.

فتصير نفسي عروسًا لك!

  • من يبني في داخلي مخازن أحتفظ فيها بكنوز بيتك.

في الخفاء أدخل إلى أعماقي،.

وأغتصب كنوز أسرارك الإلهية.

عطاياك لي تهبني غِنَى وشبعًا وفرحًا دائمًا.

  • سكناك يبارك كل ما في داخلي.

تمتلئ نفسي بالبركات والصالحات،.

بل بنعمتك تجعلني بركة!

كلما التقيت بأحدٍ، أشتهي خلاصه ومجده فيك.

  • بسكناك ينفتح قلبي لكل بشرٍ.

يمتد حُبِّي، فيرجع حتى إلى أيام آدم وحواء،.

ويمتد إلى قدام، ليُحِب الأجيال القادمة.

أشتهي أن يتزيَّن كل بني البشر بحليّ الروح القدس.

ويعتز الكل بوصاياك ككنوز لا تُقَدَّر بثمنٍ.

ويشتهي السمائيون رؤيتهم، لأنهم أيقونة لك.

ويترقَّب الكل يوم مجيئك،.

ليلتقوا معك على السحاب،.

وينضمُّوا إلى خورُس السمائيين.

  • لك المجد يا من تطلب أن تسكن فيَّ،.

وتفتح أحضانك، لأسكن مع إخوتي فيها!


[345] Cf. Patrick Henry Reardon: Chronicles of History and Worship, 2 Chronicles 31.

[346] عظات العلامة أوريجينوس على سفر القضاة: العظة الثانية، 3. ترجمة الشماس بيشوي بشرى فايز.

[347] راجع الحب الرعوي، 2006.

[348] Barnes' Notes.

[349] ترجمة مار ملاطيوس برنابا: مختارات من قصائد مار يعقوب سروج الملفان، قصيدة "أنت حبر إلى الأبد على مثال ملكي صادق".

[350] الميمر 160 على شمشون (راجع نص دكتور سوني).A Homily on Samson by Mar Jacob, Bishop of Serugh, Translated from Syriac by the Holy Transfiguration Monastery.

[351] الميمر 41 على قول داود عن ربنا: أنت حبر (كاهن) إلى الأبد بشبه ملكي صاداق (مز 110: 4) (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سوني).

[352] Barnes' Notes.

[353] Homilies on Hebrews, hom. 27: 9.

[354] Hexaemeron 7: 5.

[355] De Spir, Sanc. 15: 35.

[356] Cf. Patrick Henry Reardon: Chronicles of History and Worship, 2 Chronicles 31.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالثَّلاَثُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الثَّلاَثُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 31
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 31