الأصحاح السابع – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح السابع

كنيسة واحدة.

كنيسة مجاهدة وكنيسة سماوية.

فى الختم الخامس رأينا صورة لمن هم فى السماء وفى الختم السادس رأينا صورة لمن هم على الأرض. وهنا نرى إستفاضة فى شرح الموقف، فعلى الأرض نرى كنيسة تجاهد والله يعدها للسماء، وفى السماء نرى كنيسة فى فرح، فرحة الذين غلبوا بدم الخروف (رؤ11: 12). ونرى تسبيحهم.

فالإصحاح السابع من سفر الرؤيا ينقسم إلى قسمين. الأول يشمل الآيات من (1 - 8) والثانى يشمل الآيات من (9 - 17). القسم الأول يتكلم عن الكنيسة المجاهدة على الأرض. والقسم الثانى يكلمنا عن الكنيسة السماوية، أى من كانوا على الأرض مجاهدين ثم إنتقلوا إلى السماء ليصبحوا الكنيسة المنتصرة. وأحسن تصوير من العهد القديم لهذا الإصحاح هو ما قيل فى (1مل7: 6) "والبيت (هيكل سليمان) فى بنائه بنى بحجارة صحيحة مقتلعة، ولم يسمع فى البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد" كان هذا عند بناء هيكل سليمان الذى هو رمز للكنيسة. والحجارة رمز للمؤمنين (1بط5: 2). لذلك كانوا يقطعون الحجارة وينحتونها فى الجبل ويأتون بها إلى مكان الهيكل لتوضع فى مكانها، ولكن بدون إستخدام أية آلة للنحت فى مكان الهيكل (1مل15: 5). والآنية كانوا يسبكونها بعيدا فى غور الأردن (2أى17: 4) والآنية أيضا تشير للمؤمنين (2تى21، 20: 2) ومعنى هذا أننا على الأرض هنا معرضون للتجارب والآلام والضيقات "فى العالم سيكون لكم ضيق" (يو33: 16).

ولكن هذه الألام هى المنحت وأدوات الحديد التى يتم بها إعدادنا لنكون حجارة حية فى الهيكل السمائى، وهذه الألام هى البوتقة التى يتم فيها إعداد الآنية بلا شوائب (1بط7، 6: 1) ولكن هذه الضيقات هى هنا على الأرض فقط، بعيدا عن السماء كما قيل أن نحت الأحجار كان فى الجبل وسبك الأوانى كان فى غور الأردن. هذه هى الكنيسة المجاهدة هنا على الأرض، تجاهد وسط الضيقات وهى واثقة أن كل الضيقات التى يسمح بها الله ليست للضرر بل للإعداد للسماء حيث لا ألام (رو28: 8) + (1كو22: 3).

الأعداد 1-3

الآيات (1 - 3): -

"1 وَبَعْدَ هذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ، مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ عَلَى الْبَحْرِ، وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا. 2 وَرَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَالِعًا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَعَهُ خَتْمُ اللهِ الْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ الأَرْبَعَةِ، الَّذِينَ أُعْطُوا أَنْ يَضُرُّوا الأَرْضَ وَالْبَحْرَ، 3قَائِلاً: «لاَ تَضُرُّوا الأَرْضَ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ».".

الصورة السابقة نراها هنا فالآلام لابد أن تأتى، وهى هنا الرياح التى تهب على الأرض وعلى البحر وعلى الشجر، أى أن الألام هى على العالم كله، فالأمراض تصيب المؤمنين وغير المؤمنين وكذلك الزلازل، وهذه تصيب الناضجين روحيا وغير الناضجين. ولكن ما يصيب المؤمنين المختومين يكون لتنقيتهم "فكل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو28: 8). وهذه الألام التى يسمح بها الله للمختومين هى للتنقية وليست للضرر = لاَ تَضُرُّوا الأَرْضَ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الأَشْجَارَ حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ. والأرض والبحر والأشجار هى إشارة للمؤمنين فى حالاتهم المختلفة وقاماتهم الروحية المختلفة. فالأَرْضَ إشارة للإنسان عموما، فهو أرض قد تكون صالحة للزراعة أو غير صالحة (مثل الزارع) والْبَحْرَ هو الإنسان الذى لا يعيش بحسب الروح لكنه يحيا بحسب الجسد وبحسب العالم، وهذا يكون كالبحر، متقلب لا يرتوى بل يزداد عطشا بسبب الماء المالح (شهوات العالم التى لا تروى)، وهذا لا يعرف طعم السلام، والشْجَرَة تشير للمؤمن المثمر أى المملوء بالروح القدس، وهذا تكون له ثماره (غل23، 22: 5). والمؤمن شبه بشجرة على مجارى المياه (مز3: 1). ومجارى المياه إشارة للروح القدس. وكل مؤمن حصل على الروح القدس فى سر الميرون (الختم) أى تم ختمه كعلامة لملكية السيد المسيح له. فالختم عادة الذى يختم به العبيد يكتب عليه إسم المالك. وكل من يتبع المسيح وتم ختمه يكون له الروح القدس ولكن هناك من يضرم الروح بجهاده، وهناك من يطفىء الروح بإندفاعه وراء الخطية وتكاسله فى جهاده. ومن أضرم الروح، يعطيه الروح تعزيات وسط الضيقات، فتكون الضيقات = الرِيَاحِ = لإعداده للسماء، وليست لضرره. أما من أطفأ الروح، فسيكون بلا تعزيات وستضره الرياح تماما كالشجرة. فالشجرة المغروسة على مجارى المياه، يكون لها عصارة تسرى فى فروعها وأوراقها الخضراء، وتكون الرياح سببا فى زيادة خضرة أوراقها، أما المحرومة من المياه، فتكون أوراقها صفراء ذابلة إذا هبت عليها الرياح تسقطها (رؤ13: 6) ولنذكر أن إضرام الروح أو إطفاؤه هو مسئولية كل مؤمن، أى بحسب جهاده. لذلك نسمع أن الملائكة أُعْطُوا أَنْ يَضُرُّوا الأَرْضَ وَالْبَحْرَ = فالرياح ستهب على الأرض والبحر والأشجار ولكنها لن تضر الأشجار بل ستضر الأَرْضَ (غير الصالحة للزراعة أو التى تنبت شوكا (عب6: 7) وَالْبَحْر (العالم المتقلب). لكن الله حين أعطى، فهو أعطى الروح القدس لكل المؤمنين، بل لم تبدأ الرياح عملها الضار إلا بعد أن ختم الكل = لاَ تَضُرُّوا الأَرْضَ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الأَشْجَارَ حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ.

وما يعطينا الإطمئنان أن هذه الألام إذا أصابت المختومين المملوئين من الروح القدس فلن تضرهم، فالتعزيات التى يعطيها الروح للمتألم تعطيه أن يغلب التجربة ويستمر فرحه وسلامه، بل تكون التجربة سبب تنقية له.

أما فى السماء فلا توجد ضيقات ولا ألام، بل هناك لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شىء من الحر (آية 16). إذاً نفهم أن الجوع والعطش والحر هم المنحت والإزميل (التجارب) فى يد الله حتى يهيىء عبيده كأحجار حية فى هيكل السماء. ولاحظ قول إشعياء "لأنه هكذا قال لى الرب إنى أهدأ وأنظر فى مسكنى كالحر الصافى على البقل كغيم الندى فى حر الحصاد" (اش4: 18)، فالله للمؤمنين يكون حرا (تجارب) أو غيم الندى (تعزيات) حسب الحاجة، حتى يتم إعداد كل مؤمن للسماء، أما السماء فلا حر فيها ولا جوع.. فهناك الفرحة الحقيقية الكاملة الدائمة والمجد الأبدى. ونلاحظ أن الضيقات = الرِيَاحِ = هى فى يد الملائكة والذى يعطيهم الأوامر هو مَلاَكًا آخَرَ طَالِعًا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ = هو المسيح شمس البر (ملا2: 4). مَعَهُ خَتْمُ اللهِ الْحَيِّ = فهو الذى يرسل الروح القدس للكنيسة (يو26: 14) + (يو7: 6). والخَتْمُ هو المسح بالميرون الذى ختمنا أيضا وأعطى عربون الروح فى قلوبنا (1كو22: 1) + (أف30: 4)، وهذا يعطينا راحة أن أقدارنا، أى ما يصيبنا من ألام وضيقات أو أفراح، الكل فى يد الله فهو ضابط الكل، وهو الذى أحبنا حتى بذل الدم. ولا تصيبنا تجربة إلا بسماح منه وتكون لفائدتنا، وبقدر ما نحتمل (1كو13: 10). فالله سمح للشيطان أن يجرب أيوب ولكن فى حدود سمح بها الله. والله لا يتركنا وحدنا فى التجربة بل روحه (الختم) يعزينا. أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ = رقم 4 يشير للعالم كله. فالله ضابط الكل، والعالم كله فى يده. والتجارب تشمل العالم كله. لذلك نجد الملائكة فى آية (1) وهم ممسكين بالرياح فالمسيح لم يعط الإذن لهم بعد. والرِيَاحِ = يثيرها ابليس رئيس سلطان الهواء (أف2: 2) وبها يحرك امواج بَحْر هذا العالم = أتباعه فى الارض، ليهيجوا ضد الكنيسة.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَسَمِعْتُ عَدَدَ الْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، مَخْتُومِينَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ:".

144000 = هو عدد المختومين ولا يؤخذ حرفيا، فنحن سنجد فى آية (9) أن الواقفين أمام العرش، عدد لم يستطع أحد أن يعده. لذلك نفهم أن 144000 هو رقم رمزى = (12) كنيسة العهد القديم أى الأسباط × (12) كنيسة العهد الجديد أى التلاميذ × 1000 رقم السمائيين.

12 = 3 (المؤمنين بالله المثلث الأقانيم وقاموا من موت الخطية) × 4 (كل العالم).

12×12 = هم المؤمنين فى العهد القديم والمؤمنين فى العهد الجديد. فالكل فى المسيح صار واحدا. المسيح جعل الإثنين واحدا (أف 14: 2).

1000 = الملائكة السمائيين فهم ألوف ألوف وربوات ربوات (رؤ 11: 5).

والربوة = 10000. فيصير رقم 1000 ومضاعفاته يشير للسماء، والكنيسة التى فداها المسيح سماوية (أف 6: 2).

12×12×1000 = 144000 = إشارة للكنيسة الواحدة الوحيدة التى جعلها المسيح واحدة بأن وحد الكل فيه، وجعلها سماوية. وذكر عدد معين 144000 يشير لأن العدد معروف بالواحد أما رقم 144000 فهو مجرد رمز له.

مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ = قطعا الكتاب لا يقصد إسرائيل بأسباطها كما عرفناهم فى العهد القديم، ولا إسرائيل الحالية: -.

  1. الأسباط لم يعد لها وجود، ولا أحد يعرف من أى سبط هو.
  2. إسرائيل لم تعد شعب الله المختار، فهم كانوا مختارين ليأتى المسيح منهم. وبعد أن أتى المسيح فلم يعودوا كذلك، بل المختارين هم من آمنوا بالمسيح.
  3. هم ليسوا بمختارين بعد أن رفضوا الإيمان بالمسيح وصلبوه.
  4. الله الآن لا يفرق بين مؤمنين من أصل يهودى وآخرين من أصل أممى.
  5. لو يقصد الأسباط بمفهومها اليهودى لذكر رأوبين أولا. ولكنه ذكر يهوذا أولا إشارة للمؤمنين بالمسيح الأسد الخارج من سبط يهوذا.
  6. سفر الرؤيا سفر رمزى. والأسماء يستحسن أن تفهم بهذا المعنى فلنأخذ الأسماء بمعانيها.

إذاً إِسْرَائِيلَ الآن هى الكنيسة التى أسماها بولس الرسول إسرائيل الله (غل 16: 6). وقوله مِنْ كُلِّ سِبْطٍ فلأنه سيذكر أسماء بعض الأسباط فى الآيات التالية. وأما أسماء الأسباط المذكورة فيستحسن أن نفهمها بمعانيها، فكل إسم يشير لصفة فى شعب الله أى كنيسة المسيح. ونلاحظ: -.

  1. إختفاء إسم أفرايم فهو سبب إنشقاق إسرائيل إلى مملكتين، فإفرايم إنشق على كرسى داود. وداود رمز للمسيح، ولا إنشقاق فى السماء، بل ستكون الكنيسة فى السماء كنيسة واحدة وحيدة.
  2. إختفاء إسم دان: لسببين:
  1. معنى إسمه = الله يدين، ولا دينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع.
  2. قال بعض الآباء أن الوحش سيأتى من هذا السبط، وهو الذى سيضل الشعوب.
  1. عوضا عن دان وضع إسم يوسف. ووضع إسم يوسف بدلاً من دان فلا دينونة لمن هم فى المسيح، ويوسف صار له نصيب البكر فهو أخذ نصيبين (لأفرايم ومنسى إبنيه). ونحن فى المسيح صرنا أبكارا خلصنا بدم خروف فصحنا المسيح (عب12: 23 + خر12). نرث الله، نرث مع المسيح (رو8: 17)، ولكن ليس فى الأرض بل فى السماء (رؤ3: 21).

الأعداد 5-8

الآيات (5 - 8): -

"5مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. 6مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. 7مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. 8مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ.".

12000 = 12 (شعب الله) × 1000 (الذين يحيون حياة سماوية الآن وبعد ذلك تكون أبديتهم فى السماء).

فى الآيات السابقة رأينا أن المختوم هو القادر على الصمود أمام التجارب التى ستأتى عليه بسبب هبوب الرياح، وهذا سيصمد لأن له تعزيات الروح القدس، أى هو قد إحتفظ بالختم ولم يطفئ الروح. فما هى شروط ذلك؟ هذا ما نراه فى أسماء الأسباط. فأسماء الأسباط نرى فيها شروط تعزيات الروح على الأرض وأيضا نصيب الغالبين فى السماء.

يَهُوذَا = يحمد: - أى تحيا الكنيسة شاكرة مسبحة الله على عطاياه. ونلاحظ أن إسم يهوذا يتصدر القائمة، فمن هذا السبط جاء المسيح رأس الكنيسة. ولن يمتلئ بالروح إلاّ من هو ثابت فى المسيح، ولن يدخل السماء إلا كل من آمن به وظل ثابتا فيه.

رَأُوبِينَ = أى إبن الرؤيا: - من يحيا حياة التوبة ونقاوة القلب يعاين الله (مت5: 8)، ومثل هذا يفرح بالله، ويحيا مسبحاً فيمتلئ أكثر بالروح، فالتسبيح يقود للإمتلاء بالروح (أف5: 18 – 21). أما فى السماء سيكون له من نقاوة القلب ما يمكنه من رؤية الله عيانا، "أما الآن فنحن نسلك بالإيمان لا بالعيان" (2كو5: 7) = نحن فى السماء سنرى الله وجها لوجه (1كو12: 13) + (1يو2: 3).

جَادَ = أى متشدد: - فالجهاد هو طريق الإمتلاء من الروح، فالله يعطى الروح لمن يسألونه (لو11: 13) أى يصلون ويسبحون وهذا ما نسميه الجهاد الإيجابى، وأيضا يمنعون أنفسهم من الخطايا التى تحزن الروح القدس وبالتالى فهم يطفئونه، وهذا ما نسميه الجهاد السلبى. فأولاد الله عاشوا فى جهاد متشددين بنعمته. أما فى السماء يكونون متشددين بالأكثر به وقد زال عنهم كل إستهتار فليس لهم أجساد ترابية شهوانية.

أَشِيرَ = أى سعيد: - وهذه سمة السماء، أفراح أبدية أما على الأرض فلنا عربون الفرح.

نَفْتَالِي = أى متسع: - فقلوب أولاد الله، وبالأكثر السمائيين متسعة بالمحبة لكل واحد.

مَنَسَّى = أى ينسى: - على الأرض من يحيا فى السماويات ينسى الأرض بملذاتها الحسية، وأيضا بسبب تعزيات الروح ينسى ألامها جزئيا، أما فى السماء سننسى كل الآلام التى رأيناها على الأرض تماما = يمسح الله كل دمعة من العيون (آية17).

شَمْعُونَ = أى يسمع: - وهذه سمة أولاد الله أنهم يعرفون صوته ويسمعونه ويتبعونه (يو10: 4). أما فى السماء سنسمع صوت الله واضحا بسبب نقاوة قلوبنا.

لاَوِي = أى إقتران: - أولاد الله يلتصقون به ولا يريدون الإلتصاق بشهوات العالم فهذا عداوة لله (يع4: 4). أما فى السماء تصير الكنيسة إمرأة الخروف فى إقتران كامل أى وحدة وثبات كامل وبلا إنفصال إلى الأبد (رؤ 7: 19).

يَسَّاكَر = أى الجزاء: - السماء هى جزاء لمن يغلب، وعلى الأرض هناك جزاء مئة ضعف لمن يترك شيئا وأيضا يرث الحياة الأبدية (مت19: 29).

زَبُولُونَ = أى مسكن. من يحفظ وصايا الله قال الرب عنه أنه "يأتى هو والآب ويصنعون عنده منزلا" (يو14: 23). وفى الأبدية تصير السماء مسكنا لأولاد الله حيث يسكن الله معهم (رؤ 3: 21).

يُوسُفَ = أى يزيد وينمو. المملوء من الروح هو فى حالة نمو دائما، وأيضا نحن فى السماء سننمو فى معرفة الله.

بِنْيَامِين = أى إبن اليمين. وهذا نصيب الخراف أن تكون عن اليمين (مت 33: 25) وهذا مكان عروس المسيح فى السماء عن يمينه، فالملكة جلست عن يمين الملك.

ونلاحظ أن كنيسة المسيح هى من مشرق الشمس إلى مغربها آية (9) لذلك نفهم أنه إذا كانت الكنيسة المُخَلَّصَة من كل الأمم والقبائل والشعوب، فأسماء الأسباط المذكورة سابقا لا تعنى إسرائيل بمفهوم العهد القديم، فالعالم كله دخل الإيمان وصار وارثا للمواعيد. بل كما فى آية (9) من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة.

وهؤلاء المختومين الذين جاهدوا وحافظوا على الختم، أى ظلوا مملوئين من الروح القدس هم من سنراهم فى الآيات المتبقية من الإصحاح، الجمع الذي لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم والشعوب.

العدد 9

أية (9): -

"9بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ".

إبتداء من هنا نرى صورة للكنيسة السماوية وأنها مفتوحة لكل العالم. وهم بِثِيَابٍ بِيضٍ = رمز النقاوة والبر فقد غفرت خطاياهم بكفارة دم المسيح. وهذا ما تم شرحه فى آية (14). ونحن نحصل على هذه الثياب البيض بالمعمودية ونحافظ عليها بيضاء بالتوبة والإعتراف. وقبل كل ذلك بالإيمان بالمسيح كمدخل للمسيحية. سَعَفُ النَّخْلِ = هو علامة معروفة عند اليهود تعنى الفرحة والإنتصار والتهليل. وكانوا يستخدمونه فى عيد المظال أبهج أعيادهم علامة على فرحتهم بوصولهم إلى وطنهم (أرض الميعاد) الذى أعطاه الله لهم (لا40: 23) وإستعملوه يوم دخول المسيح لأورشليم. فيصبح معنى وجود سعف النخل فى السماء:

  1. فرحة المخلصين بدخولهم أرض الميعاد السمائية. (المعنى من عيد المظال).
  2. فرحتهم بملك المسيح عليهم (المعنى من يوم دخول المسيح إلى أورشليم).

الأعداد 10-13

الآيات (10 - 13): -

"10 وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ». 11 وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ، وَالشُّيُوخِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ الْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا ِللهِ 12قَائِلِينَ: «آمِينَ! الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ! » 13 وَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ قَائِلاً لِي: «هؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟ »".

فرحة السمائيين تظهر فى تسابيحهم. وستكون هذه هى حياتنا فى السماء، أفراح وتسابيح لأجل الخلاص الذى تم ويشاركنا فى هذا الفرح الملائكة، ونحن نشارك الملائكة فى تسابيحهم. هم يفرحون لخلاصنا (رؤ10، 9: 5) ونحن نفرح ونسبح معهم.

العدد 14

آية (14): -

"14فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ".

أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَة = أى العالم الذى كانت تهب عليه رياح التجارب والآلام والضيقات. "ومن يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت13: 24). وينتقل من صفوف الكنيسة المجاهدة إلى صفوف الكنيسة المنتصرة، بعد أن إستخدم الله هذه الضيقات فى إعداده كحجارة حية فى الهيكل السمائى. ولكن هل الضيقات تنقى وتلبسنا ثيابا بيض؟ حاشا. وإلا لماذا كان دم المسيح. وهذا ما نراه فى بقية الآية.. فدم يسوع هو الذى يطهرنا من كل خطية (1يو7: 1). = غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ.

والآن إذا كان دم المسيح هو الذى يلبسنا الثياب البيض، فما لزوم الضيقة؟

لقد ولدنا وفى داخلنا محبة للعالم تجعلنا ننجذب للعالم تاركين الله. ولذلك قال معلمنا يعقوب إن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4). والله من محبته يسمح بهذه الضيقات لنزهد فى محبة العالم تاركين خطاياه بعد أن تأدبنا بالضيقات، كما قال القديس بطرس "إن من تألم فى الجسد كُفَّ عن الخطية" (1بط1: 4). وبولس أسلم الزانى للشيطان ليهلك الجسد فتخلص الروح فى يوم الرب (1كو 5: 5). وكان هذا اسلوب الله مع أيوب لينقيه ومع بولس ليحميه من الانتفاخ. ليس هذا فقط، فالمتألم يرتمى فى أحضان المسيح، فيطهره دم المسيح. ولاحظ أن من لفت إنتباه يوحنا لهؤلاء اللابسين ثيابا بيض كان أحد القسوس، إذ سأله عنهم ليثير إنتباهه فيسأله بدوره من هم ومن أين أتوا (13).

العدد 15

آية (15): -

"15مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ.".

نَهَارًا وَلَيْلاً = السماء ليس فيها ليل، لكن المعنى هو الخدمة بلا توقف وسر فرح السمائيين وجود الله وسطهم = يَحِلُّ فَوْقَهُمْ ويرعاهم = أى يظلل عليهم فى حنان "كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها" (مت37: 23). هو كان الراعى الصالح على الأرض وسيستمر فى رعايته لنا فى السماء. والكل صار خاضعا له فى حب بلا عصيان. ولكن قوله يحل فوقهم يذكرنا بالكاروبيم الذى يجلس الله عليه. هنا رأينا أن البشر فى السماء تحولوا إلى مركبة كاروبيمية فالله يستقر الآن على البشر أو فى البشر كما على الكاروبيم.

الأعداد 16-17

الآيات (16 - 17): -

"16لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ، وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ، 17لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ».".

يَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ حَيَّةٍ = أى الإمتلاء من الروح القدس فما نحصل عليه الآن هو العربون (2كو22: 1)، أما ما نحصل عليه فى السماء فهو الإمتلاء الكامل. وبالتالى الإمتلاء من كل ثمار الروح بتمامها فنحيا للأبد فى فرح عجيب ومحبة كاملة لم نتذوقها على الأرض، وكذلك سلام عجيب.

قال أحد القديسيين "لى إشتهاء أن أذهب إلى السماء، فإن كنت هنا يمكننى الفرح إلى هذه الدرجة فكم وكم يكون الفرح هناك" وما يعطلنا هنا عن تذوق هذا الفرح هو الخطية ونسيان الجهاد، فلنجاهد بصبر وتغصب ونترك الخطية فنبدأ فى تذوق الأفراح السماوية.

يَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ = المعنى المباشر أنه لا دموع فى السماء بل أفراح أبدية. ولكن هل هناك دموع هناك ليمسحها الله؟ قطعا لا دموع هناك، ولكن هذه تعنى أن من يذهب إلى هناك سيجعله الله ينسى تماما كل ألامه التى كان يعانى منها فى العالم، لا يعود يذكرها ولا تعود تسبب له ألم (يو21: 16). فنحن هنا على الأرض قد لا ننسى جرحا لمشاعرنا لسنين طويلة وربما العمر كله. ولكن الله سيجعلنا ننسى كل الجروح وكل أثار الآلام التى عانينا منها على الأرض.

ولنلاحظ أن من فى السماء لن يجوع ولن يعطش لأن الروح القدس يرويه من حياة الله وروح الله أى الينابيع الحية. راجع (رؤ1: 22) هناك لا شعور بالإحتياج بل شبع كامل وراحة كاملة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثامن - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السادس - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 7
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 7