سلسلة إكثوس – ج048 – دفاع عن قانون ايمان مجمع نيقية – بقلم اثناسيوس الرسولي – القمص أثناسيوس فهمي جورج

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سلسلة إكثوس – ج048 – دفاع عن قانون ايمان مجمع نيقية – بقلم اثناسيوس الرسولي – القمص أثناسيوس فهمي جورج.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

[pt_view id=”aa2d703e20″ tag=”سلسلة إكثوس – ج048 – دفاع عن قانون ايمان مجمع نيقية – بقلم اثناسيوس الرسولي – القمص أثناسيوس فهمي جورج” field=name]

الفصل الأوَّل

مُقدِّمة

اعتراض الآريوسيين على مجمع نيقية ؛ موقِف الآريوسيين المُتقلِب ؛ هم مثل اليهود ؛ استخدامهم للقُوَّة بدلاً من العقل .

1) لقد فعلت حسناً بأن أخبرتني بالمُناقشة التي حدثت بينك وبين مُؤيدي الآريوسية – الذين بينهم بعض من أصدقاء يوسابيوس – وبين كثير جداً من الإخوة الذين يتمسكون بعقيدة الكنيسة ، وأنا أمتدِح يقظتك وحِرصك على محبة المسيح التي كشفت وفضحت ببراعة فائِقة مروق هرطقتهم ، بينما أتعجب من الوقاحة التي جعلت الآريوسيين – بعد الكشف السابِق عن فساد وعبث حِجَجِهِمْ ، ليس هذا فحسب بل وبعد الإدانة العامة لضلالِهِمْ التام – لا يزالون يعترِضون مثل اليهود ” لماذا استخدم الآباء في نيقية تعبيرات لم ترِد في الكِتاب المُقدس مثل ” من جوهر “و” مُساوِ في الجوهر ” ؟ “ أنت كإنسان مُتعلِّم ، بالرغم من كلّ حِيَلِهِمْ ، قد أدنتهم بأنهم يتحدَّثون عبثاً ، وهم في ابتكار هذه الحِيَلْ إنما يتصرَّفون حسبما يُناسِب نزعتهم الشِّرِّيرة . فهم مُتغيِرون ومُتقلِبون في آرائِهِمْ مثل الحرباء في ألوانها ، وعندما يُفضحون يبدون مُرتبِكين ومُتحيرين ، وعندما يُسألون يتردَّدون ، عندئذٍ يفقِدون حيائهم ويلجأون إلى المُراوغة ، وعندما يُفضحون في هذه ، لا يهدأون حتّى يخترِعوا أموراً جديدة غير حقيقية ، وبحسب الكِتاب المُقدس ” يُفكِّرون في الباطِل “ ( مز 2 : 1 ) وفي كلّ الأمور التي يُمكن أن تتفِق مع فجورِهِم . إنَّ هذه المُحاولات ليست إلاَّ دليلاً على خلل عقولهم ، وهي نسخة – كما سبقت وقُلت – من العداوة اليهودية الخبيثة . لأنَّ اليهود أيضاً عندما يدينهم الحق ويعجزون عن مواجهته ، يستخدِمون الحِيَل مثل ” أيَّة آيةٍ تصنعُ لِنَرَى ونُؤمِنَ بِكَ . ماذا تعملُ “ ( يو 6 : 30 ) ، ورغم أنَّ آيات كثيرة قد أُعطِيت حتّى أنهم قالوا هم أنفسهم ” ماذا نصنع فإنَّ هذا الإنسان يعملُ آياتٍ كثيرةً “ ( يو 11 : 47 ) وحقاً الموتى أُقيموا ، العُرْج مشوا ، العُميان أبصروا من جديد ، البُرَّص تطهَّروا ، والماء صار خمراً والخمس خُبزات أشبعت خمسة آلاف ، وكلّهم بُهِتوا وسجدوا للرب ، مُعترفين أنَّ فيه تحقَّقت النُّبوات ، وأنه الله وابن الله ، كلّهم ما عدا الفريسيين الذين بالرغم من أنَّ الآيات أشرقت أبهى من الشمس إلاَّ أنهم استمروا يعترِضون كَجَهَلَة ” فإنَّكَ وأنتَ إنسان تجعلُ نفسكَ إلهاً “ ( يو 10 : 33 ) .

إنهم عديمي الحِسْ وعُميان حقاً في الفهم ! كان يجب عليهم – على العكس من ذلك – أن يقولوا ” لماذا وأنتَ إلهاً تجعل نفسك إنساناً “ . لأنَّ أعماله أثبتت أنه الله ، حتّى يعبدوا صلاح الآب ، وكذلك يمتدحوا تدبير الابن من أجلنا . على أيَّة حال ، لم يقولوا هذا ، كلاَّ ، ولا أرادوا أن يشهدوا لِمَا كان يفعله ، أو قد شهدوا فعلاً ، لأنهم لم يستطيعوا ألاَّ يشهدوا ، لكنهم غيَّروا مرَّة ثانية سبب اعتراضهم ” لماذا تشفي المفلوج ، لماذا تجعل المولود أعمى يُبصِر في يوم سبت ؟ “ لكن هذا أيضاً كان عُذراً ومُجرَّد دمدمة ، إذ في أيام أخرى أيضاً شفى الرب ” كلّ مرضٍ وكلّ ضعفٍ “ ( مت 4 : 23 ) إلاَّ أنهم اعترضوا مرَّة أخرى كعادتهم ، وإذ دعوه بعلزبول ، فضَّلوا شك الإلحاد على الرِجوع عن شَرِّهِمْ . ورغم أنه في مرَّات عديدة وبِطُرُق مُتنوِعة أظهر المُخلِّص لاهوته وكرز بالآب لِسائِر الناس ، إلاَّ أنهم مع ذلك ، كأنهم يرفسون مناخِس ، أنكروا باسلوب الحماقة ، وهذا فعلوه ، بِحسب المثل الإلهي ، حتّى عندما يجدون فُرصاً ، يفصِلون أنفسهم عن الحق .

2) وكما أنَّ يهود ذلك الوقت ، بسبب سلوكهم الشِّرِّير هذا وإنكارهم للرب ، قد حُرِموا بعدل من نواميسهم ومن الوعد الذي أُعطِيَ لآبائِهِمْ ، كذلك الآريوسيون المُهوَدون الآن ، هم – في تقديري – في أحوال شبيهة بظروف قِيافا والفريسيين المُعاصرين له ، فإذ يعرِفون أنَّ بِدعتهم غير معقولة على الإطلاق ، يخترِعون الأعذار قائلين ” لماذا كتب المجمع هذا وليس ذلك ؟ “ . بيد أنه يجب ألاَّ تتعجَّب إذا كانوا الآن يسلُكون هكذا ، إذ بعد وقت ليس بالطويل سيعودون إلى هجومِهِم ثم سيُهدِّدون ” الجُنْد والقائِد “ ( يو 18 : 12 ) ، حقاً في هؤلاء يكون لِبدعتهم دعم ومعونة . وإذ أنا واعِ بذلك ، لم أكُنْ لأُجيب على تساؤلاتِهِمْ ، لكن إذ قد طلبت صداقتك أن تعرِف ما حدث في المجمع ، لذلك قُمت على الفور دونما أي تأخير بسرد ما حدث أئنذاك ، مُوضِحاً بكلِمات قليلة ، كيف أنَّ الآريوسية خالية تماماً من أي روح تقية ، وكيف أنَّ عملهم الوحيد هو اختراع الحِيَلْ والأعذار .

الفصل الثَّاني

موقِفْ الآريوسيين تِجاه مجمع نيقية

إنهم جهلة وعديمي التقوى إذ يُحاوِلون أن يخالفوا مجمعاً مسكونياً ؛ ما حدث في نيقية ؛ يوسابيوس وقَّع عندئذٍ على ما يعترِضون عليه الآن ؛ عن إجماع المُعلِّمين الحقيقين وعملية التقليد ؛ تغيُّرات وتقلُّبات الآريوسيين .

ولتدرِس أنتَ أيها المحبوب ما إذا كان الأمر غير ذلك . إن كانوا – بعد أن بذَّر الشيطان قُلوبِهِمْ بهذا الضَّلال – يشعرون بِثِقة في اختراعاتِهِمْ الشِّرِّيرة ، فليدافعوا عن أنفسهم ضد براهين الهرطقة التي قد قُدِّمت ، وعندئذٍ سيحين الوقت ليجدوا خطأ – إن استطاعوا – في تعريف الإيمان الذي صيغَ ضدهم . إذ ليس هناك أحد ، بعد أن يُدان بالقتل أو الزِنا ، يكون حُراً بعد المُحاكمة في أن يُناقِش أو يُجادِل القاضي ، مُتسائِلاً لماذا تكلَّم بهذه الطريقة وليس بتلك ، لأنَّ ذلك لن يُبرِّئ الشخص المُدان بل بالأحرى يزيد من جُرمه من جهة الفظاظة والوقاحة . وبالمثل لِنَدع هؤلاء إمَّا أن يثبتوا أنَّ آرائِهِمْ تقية ( لأنهم في ذلك الوقت اتُهموا وأُدينوا وجاءت اعتراضاتِهِم بعد ذلك ، ومن العدل أن يأخذ هؤلاء الذين يُتهمون على عاتِقهم الدِفاع عن أنفسهم ) وإمَّا إذا كان لهم ضمير نَجِسْ ، وهم واعون بفجورِهِم ، فعندئذٍ يجب ألاَّ يعترِضوا على ما لا يفهمونه ، وإلاَّ جلبوا على أنفسهم تُهمة مُزدوجة ، أي الجهل والفجور . وليفحصوا بالأحرى الأمر بروح مَنْ يرغب في التعلُّم ، ويتعلَّموا ما لم يعرِفوه حتّى الآن ، ويُطهِّروا آذانِهِمْ عديمة التقوى بنبع الحق وعقائِد الدين .

3) إنَّ ما حدث لِيوسابيوس ورُفقائه في مجمع نيقية كان كما يلي :

عندما قاوموا بِعِناد في مروقهم وحاولوا أن يحاربوا ضد الله ، كانت التعبيرات التي استخدموها مليئة بالفجور ، إلاَّ أنَّ الأساقفة المُجتمعين ، والذين كانوا نحو ثلاثُمائة ، طلبوا منهم بِلُطف ومحبة أن يشرحوا ويدافعوا عن أنفسهم على أُسُس تقية ، وبِصعوبة بدأوا يتكلَّمون ، وعندئذٍ اختلف الواحد منهم عن الآخر ، وإذ أدركوا ساعتها الشِدَّة والضِيقة التي وقعت فيها بِدعتهم ، ظلُّوا خرسى ، وبِسكوتهم اعترفوا بالعار والخِزي الذي حل على هرطقتِهِم . وبُناء على ذلك ، فإنَّ الأساقفة ، بعد أن رفضوا التعبيرات التي كانوا قد اخترعوها ( أي الآريوسيين ) أعلنوا الإيمان الصحيح والكنسي ضدهم ، وإذ أقره الجميع ، أقره يوسابيوس وأتباعه بهذه الكلِمات عينها ، والتي عليها يعترِضون الآن ، أعني ” من جوهر “ و” مُساوِ في الجوهر “ وأنَّ ” ابن الله ليس خِلقة أو صنعة ولا هو ضِمن الأشياء المُبتدِئة ، بل أنَّ الكلِمة هو مولود من جوهر الآب “ .

والأمر الغريب حقاً هو أنَّ يوسابيوس أسقف قيصرية فلسطين ، الذي رفض في اليوم السابق ، ثم أقر بعد ذلك ( تعريف إيمان نيقية ) ، أرسل إلى كنيسته رِسالة يقول فيها أنَّ هذا هو إيمان الكنيسة وتقليد الآباء ، وجاهر برأيه علانيةً قائِلاً كانوا قبلاً مُخطئين وكانوا يُقاتِلون بتهور ضد الحق . فرغم أنه كان خجِلاً في ذلك الوقت أن يتمسَّك بهذه التعبيرات ، واعتذر عن نفسه للكنيسة بطريقته الخاصَّة ، إلاَّ أنه بالتأكيد كان يقصِد أن يُضمِّن كلّ هذا في رِسالته ، وذلك بعدم رفضه لـ ” مُساوِ في الجوهر “ و” من جوهر “ . وبهذه الطريقة صار في مأزق ، إذ بينما كان يُقدِّم الأعذار عن نفسه ، مضى قُدُماً لِيُهاجِم الآريوسيين في قولِهِمْ بأنَّ ” الابن لم يكُنْ موجوداً قبل ميلاده “ رافضين بذلك الاعتراف بوجوده قبل ميلاده في الجسد . وأكاكيوس واعِ ومُدرِك لذلك أيضاً ، رغم أنه هو أيضاً بسبب الخوف ، ربما يدَّعي غير ذلك بسبب الظروف الحادِثة ويُنكِر الحقيقة . ومن ثمَّ فقد أُلحِقت بهذه الرِسالة رِسالة يوسابيوس لكي تعرِف منها مدى الإزدراء الذي يُظهِره أعداء المسيح تِجاه مُعلِّميهم هم أنفسهم ، وبالأخص الذي يُظهِره أكاكيوس .

4) ألا يرتكِبون إذاً جريمة في تفكيرهم ذاته بأن يُقاوِموا مجمعاً عظيماً جداً ومسكونياً ؟ أليسوا في تعدِّي عندما يجرأون على أن يتحدُّوا تعريف الإيمان الجيِّد هذا ضد الآريوسية ، والذي أقرُّه – كما هو الحال – هؤلاء الذين في البِداية علَّموهم الفجور وعدم التقوى ؟ وإذا افترضنا ، حتّى بعد قبولهم ( لِتعريف الإيمان ) أنَّ يوسابيوس وأتباعه تغيَّروا ثانية وعادوا مثل الكِلاب إلى قِئ مروقهم ، ألا يكون المُقاوِمون الحاليون ما يزالوا مُستحقين لِمقت أكثر لأنهم يضحُّون هكذا بحُرية نِفوسِهِمْ إلى آخرين ، ويقبلون أن يتخذوا من هؤلاء الأشخاص قادة لِبِدعتهم ، هم الذينَ كما قال يعقوب ” ذَوِي رأيين مُتقلقِلِين في جميع طُرُقِهِمْ “ ( يع 1 : 8 ) ، ليس لهم رأي واحد ، يتغيَّرون على الدوام . والآن يُفضِّلون تعبيرات مُعيَّنة ، لكن سُرعان ما يُهينونها ، وفي المُقابِل يُفضِّلون ما كانوا يلومونه الآن تواً ؟ لكن هذا كما قال الرَّاعي ( هِرماس ) هو ” ابن الشيطان “ وسِمَة الباعة المُتجولين وليس المُعلِّمين اللاهوتيين ، أن يعترِفوا بنفس الأمر كلّ واحد مع الآخر ، وأن لا يختلِفوا لا عن بعضِهِمْ البعض ولا عن آبائِهِمْ . أمَّا هؤلاء الذينَ ليس لهم هذه السِمة فيجب ألاَّ يُدعوا مُعلِّمين لاهوتيين حقيقين بل أشرار . وهكذا فإنَّ اليونانيين ، إذ لا يشهدون لِنَفْس العقائِد بل يتشاجرون الواحد منهم مع الآخر ، ليس لِتعليمهم أيَّة صحة ، أمَّا مُعلني الحق القديسين والحقيقين فيتفِقون معاً ولا يختلِفون ، فبالرغم من أنهم عاشوا في أزمنة مُختلِفة ، إلاَّ أنهم جميعاً يتبعون نفس الطريق ، لكونِهِمْ أنبياء لإله واحد ويُبشِّرون بِنَفْس الكلِمة في هارمونية واتفاق .

5) وهكذا ما علَّمه موسى هذا حَفَظُه إبراهيم ، وما حَفَظُه إبراهيم هذا أقرُّه نوح وأخنوخ ، مُميِزين الطاهِر من النَّجِسْ ، صائرين مقبولين لدى الله . لأنَّ هابيل أيضاً شهد بهذه الطريقة ، عارِفاً ما قد تعلَّمه من آدم الذي كان قد تعلَّمه من الرب الذي قال عندما أتى في مِلء الزمان لإبطال الخطية ” لستُ أكتُبُ إليكُمْ وصيةً جديدةً بل وصيةً قديمةً كانت عِندكم مِنَ البدء “ ( 1يو 2 : 7 ) . لذلك أيضاً فإنَّ الرَّسول المُبارِك بولس – الذي تعلَّمها منه – عندما يصِف الرُّتَبْ الكنسية ، منع الشمامسة  – وكم بالأحرى الأساقفة – من أن يكونوا ذوي لِسانين ( 1تي 3 : 8 ) . وفي توبيخه لأهل غلاطية ، أدلى بتصريح مُستفيض : ” إنْ بشَّرناكُمْ نحنُ أو ملاكٌ مِنَ السَّماءِ بغير ما بشَّرناكُمْ فليكُنْ أناثيما . كما سبقنا فقُلنا أقولُ الآنَ أيضاً إن كانَ أحدٌ يُبشِّرُكُمْ بغير ما قبلتُمْ فليكُنْ أناثيما “ ( غل 1 : 8 – 9 ) . وطالما أنَّ الرَّسول يتحدَّث هكذا ، فلتدع هؤلاء الناس إمَّا أن يحرِموا يوسابيوس وأتباعه ، لأنهم على الأقل مُتقلبين في آرائِهِمْ ويُجاهِرون بإيمان مُخالِف لِمَا قد أقروه ، وإمَّا إذا اعترفوا بأنَّ إقرارات يوسابيوس وأتباعه كانت صحيحة ، لا ينطِقون بأيَّة اعتراضات على مجمع عظيم كهذا . لكن إذا لم يفعلوا أيّاً من هذا ، سيكون من الواضِح تماماً أنهم هم أنفسهم أُلعوبة كلّ ريح وموج ، ويتأثَّرون بالآراء ، ليس آرائِهِمْ هم أنفسهم بل آراء الآخرين . وإذ هم كذلك ، لا يستحِقون أي اهتمام – الآن كما قبلاً – بما يزعمون ، بل بالأحرى دعهم يكُفُّوا عن انتقاد ما لا يفهمونه ، لئلاَّ – لكونِهِمْ لا يعرِفون أن يميِّزوا – يدعون بِبساطة الشر خيراً والخير شراً ، ويظُنون أنَّ المُرْ حُلو والحُلو مُرْ . وبلا شك هم يتمنون أن تسود العقائِد التي حُكِمْ عليها أنها خاطِئة وشُجِبَتْ ، وهم يبذِلون جهوداً كبيرة لِيُقاوموا ما قد عُرِف تعريفاً صحيحاً . وكذلك لا يجب أن يكون هناك أي سبب من جانِبنا لأي توضيح أكثر أو إجابة لأعذارِهِمْ ، ولا من جانِبهِمْ لأي مُقاومة أكثر ، بل يجب أن يكون هناك سبب لِقبول ما قد قبله وأقرُّه قادة هرطقتهم . إذ رغم أنَّ التغيُّر اللاحِق من جانِب يوسابيوس وأتباعه كان مُريباً وغير أخلاقي ، إلاَّ أنَّ قبولهم وإقرارِهِمْ ( للإيمان المُستقيم ) عندما أُتيحت لهم فُرصة – على الأقل – لِبعض الدِفاع القليل عن أنفسهم ، لهو دليل قاطِع على مروق عقيدتهم . فهم لم يكونوا لِيُوافِقوا قبلاً ما لم يكونوا قد أدانوا الهرطقة ، ولم يكونوا لِيُدينونها لو لم يكونوا مُحاطين بالمشقة والخِزي . ولذلك فإنَّ تغيُّرهم ثانية ورجوعهم إلى ما كانوا عليه لهو دليل على حماسهم المُشاكِس للفجور وعدم التقوى . لذا يجب على هؤلاء الناس – كما أسلفتُ – أن يلزموا الصمت ، لكن طالما أنهم بسبب افتقارِهِمْ الشديد للإتضاع ، يأملون أن يستطيعوا الدِفاع عن هذا المروق الشيطاني أفضل من الآخرين ، لذلك رغم أنني في رِسالتي السابقة إليك كتبتُ باستفاضة ضدَّهم ، فمع ذلك ، تعال ودعنا الآن أيضاً نفحصهم في تعبيراتِهِمْ كلٍّ على حدة ، كمثل سابِقِيهم ، لأنَّ الآن ستُظهِر هرطقتهم أنها خالية من الصحة بدرجة ليست أقل مِمّا كانت في الرِسالة السابقة بل سيتضِح أنها من الأرواح الشِّرِّيرة .

الفصل الثَّالِث

معنيان لِكلِمة ابن

1)   معنى التبني .

2)   معنى جوهري .

مُحاولات الآريوسيين لإيجاد معنى ثالِث بين هذين مثل : أنَّ ربنا وحده خُلِق بيد الله مُباشرةً ( نظرية استريوس ) أو أنَّ ربنا وحده يشترِك مع الآب . المعنى الثَّاني والصَّادِق ؛ الله يلِد كما يخلِق بالرغم من أنَّ خِلقته ووِلادته ليسا مثل هذين اللَّذين للإنسان ؛ وِلادته خارِج الزمن ؛ الوِلادة تتضمن فِعْل داخلي – وبالتالي أزلي – في الله ؛ تفسير أمثال 8 : 22 .

6) إنهم يقولون ما زعمه الآخرون وجرأوا على أن يتمسكوا به قبلهم :

” ليس دوماً آب ، ليس دوماً ابن ، لأنَّ الابن لم يكُنْ قبل ميلاده ، لكنه – مثل آخرين – جاءَ إلى الوجود من العدم ، وبالتالي الله لم يكُنْ دوماً آب للابن ، بل عندما جاء الابن للوجود وخُلِق ، عندئذٍ دُعِيَ الله أباه ، لأنَّ الكلِمة هو مخلوق وصنعه ، غريب ومُغايِر للآب في الجوهر . والابن ليس بالطبيعة كلِمة الآب الحقيقي ولا حِكمته الوحيد والحقيقي ، بل إذ هو مخلوق وواحِد من صنائِعه ، دُعِيَ خطأ كلِمة وحِكمة ، إذ قد خُلِقَ بالكلِمة التي في الله كما هو الحال مع سائِر الأشياء ، لِذلك فإنَّ الابن ليس إله حقيقي “ .

ربما يفهمون ما يقولون إنْ سألناهم أولاً : ما هو في الواقِع الابن ، وما معنى هذا الاسم ؟ في الحقيقة يُخبِرنا الكِتاب الإلهي عن معنى مُزدوج لهذه الكلِمة : واحِد يضعه موسى أمامنا في الناموس ” إذا سَمِعْتَ لِصوتِ الرب إلهك لِتَحفَظ جميع وصاياه التي أنا أُوصيكَ بها اليوم لِتَعمَل الحقَّ في عيني الرب إلهك . أنتُم أولادٌ للرب إلهكُم “ ( تث 13 : 18 ؛ 14 : 1 ) ، كما يقول يوحنَّا أيضاً في الإنجيل :  ” وأمَّا كُلُّ الَّذِينَ قبلوهُ فأعطاهُم سُلطاناً أن يصيروا أولادَ اللهِ “ ( يو 1 : 12 ) . أمَّا المعنى الآخر فهو ذلك الذي به إسحق ابن لإبراهيم ويعقوب لإسحق ، والبطارِكة لِيعقوب . فبأي من هذين يفهمون ابن الله حتّى يقولون مثل هذه الخُرافات السَّالِفة الذِكْر عاليه ؟ لأنني واثِق أنهم سينتهون إلى نفس الفُجُور مع يوسابيوس وأتباعه .

إذا كانوا يفهمون ابن الله بالمعنى الأوَّل ، والذي يخُص هؤلاء الذينَ نالوا الاسم بالنِعمة بسبب تحسُّن أخلاقي ، ونالوا سُلطاناً أن يصيروا أولاد الله ( لأنَّ ذلك ما قالهُ سابِقوهم ) ، إذاً يبدو أنه لن يختلِف عنّا في أي شيء ، كلاَّ ، ولن يكون وحيد الجِنْس لأنه أخذ لقب ” ابن “ مثل آخرين بسبب فضيلته . فإذا افترضنا ما يقولون أي أنه ، لأنَّ صِفاته كانت معروفة مُسبقاً ، لذلك نال نِعمة من البِداية ، أي الاسم ومجد الاسم ، من بِدايته الأولى عينها ، فمع ذلك لن يكون هناك أي فرق بينه وبين هؤلاء الذينَ نالوا الاسم ( ابن ) بعد أعمالِهِمْ ( أي بعد أن قاموا بأعمال صالِحة ) ، طالما أنَّ هذا هو الأساس الذي بُناء عليه له هو – كما الآخرين – صِفة الابن . لأنَّ آدم أيضاً ، رغم أنه نال نِعمة منذ البِداية ، وفور خِلقَتِهِ وُضِعْ في الجنَّة ، إلاَّ أنه لم يختلِف شيئاً عن أخنوخ الذي اخُتطِف إلى هناك بعد بعض الوقت من مِيلاده لكونه مرضِياً لله ، ولا عن الرَّسول الذي بالمِثل اختُطِف إلى الفِردوس بسبب أعماله ، ليس هذا فحسب بل ولا حتّى عن ذاك الذي كان قبلاً لِصاً ، والذي بسبب اعترافه نال الوعد بأنه سيكون على الفور في الفِردوس .

7) وعندما يُضغط عليهم هكذا ، ربما سيُقدِّمون إجابة كانت قد جلبت عليهم متاعِب مرَّات عديدة بالفِعْل ، ألا وهي : ” نحن نعتبِر أنَّ الابن له هذا الامتياز عن الآخرين ، ولذلك دُعِيَ وحيد الجِنْس ، لأنه الوحيد الذي أوجده الله وحده ، بينما كلّ الأشياء الأخرى خلقها الله بالابن “ . إنني أتعجب مُتسائِلاً عَمّنْ هو ذاكَ الذي اقترح عليهم مثل هذه الفِكرة العقيمة والغريبة أنَّ الآب وحده خلق بيده هو الابن فقط ، وأنَّ جميع الأشياء الأخرى قد أُوجِدت بالابن كأداة . إنَّ القول بأنَّ الله ، تجنُباً منه   للتعب ، سُرَّ بأن يخلِق الابن فقط بدلاً من أن يخلِق كلّ الأشياء على الفور ، لهو فِكْر مارِق عديم التقوى ، خاصَّة عند هؤلاء الذينَ يعرِفون كلِمات إشعياء ” إلهُ الدَّهرِ الرَّبُّ خالِقُ أطراف الأرض لا يَكِلُّ ولا يعيا . ليس عن فَهْمِهِ فحصٌ “ ( إش 40 : 28 ) بل أنه هو الذي يُعطي قُوَّة للجائِع وبِكلمته ينعش العامِل الكادِح . كذلك أيضاً من الفجور أن نفترِض أنه ترفَّع عن أن يخلِق بنفسه المخلوقات التي جاءت بعد الابن كما لو كان ذلك عملاً حقيراً ، إذ ليس هناك أي كبرياء في ذلك الإله الذي ينزل مع يعقوب إلى مصر ، ولأجل إبراهيم يُؤدِب أبيمالِك بخصوص سارَّة ، ويتكلَّم وجهاً لوجه مع موسى ، وهو نفسه إنسان ( أي موسى ) ، وينزِل على جبل سيناء ، وبِنعمته السِّرِّية يُقاتِل لأجل الشعب ضد عماليق . أنتم مُخطِئون حتّى في هذا الفِكْر لأنه ” هو صنعنا “ ( مز 100 : 3 ) . إنه هو الذي بكلِمته صنع سائِر الأشياء الصغيرة والعظيمة ، ويجِب ألاَّ نُقسِّم الخليقة ونقول أنَّ هذه صنعة الآب وتلك صنعة الابن ، بل هي ( جميعها ) صنعة إله واحِد يستخدم كلِمته كيدّ ، وفيه يعمل جميع الأشياء . وهذا ما يُعلِنه لنا الله نفسه عندما يقول ” وكُلُّ هذه صنعتها يدي “ ( إش 66 : 2 ) ، بينما علَّمنا بولس كما تعلَّم هو أنَّ ” لنا إلهٌ واحدِ الآبُ الذي منهُ جميع الأشياء ونحنُ لهُ . وربٌّ واحِدٌ يسوع المسيح الذي بِهِ جميعُ الأشياء ونحنُ بِهِ “ ( 1كو 8 : 6 ) . وهكذا هو – دائِماً كما هو الآن – يتحدَّث إلى الشمس فتُشرِق ، ويأمر السُّحُب فتُمطِر على موضِعٍ ما ، وحيثُما لا تُمطِر تجِف الأرض ، وهو يأمر الأرض أن تُخرِج ثِمارها ، وصوَّر إرميا في الرَّحِمْ  ( إر 1 : 5 ) . لكن إذا كان يفعل كلّ هذه الأشياء ، فبالتأكيد لم يترفَّع في البِداية عن أن يصنع كلّ هذه الأشياء بنفسه بالكلِمة ، لأنَّ هذه ليست إلاَّ أجزاء من الكلّ .

8) لكن دعنا نفترِض أنَّ المخلوقات الأخرى لم تحتمِل أن تُخلق باليد المُطلقة التي لغير المُبتدِئ ، ومن ثمَّ فإنَّ الابن فقط هو الذي أوجده الله وحده ، أمَّا الأشياء الأخرى فقد خلقها الابن كأداة ومُساعِد ، لأنَّ ذلك ما كتبه أستريوس Asterius the sacrificer ، ونَقَلَهُ عنه آريوس وأورثه لأصدقائه ، ومنذ ذلك الحين وهم يستخدِمون هذا النمط من الكلِمات ، وإذ هو قصبة مكسورة لا يُعتمد عليها ، وإذ هم جهلة هؤلاء الناس المُرتبِكون ، لِذلك كم هش وسريع الزوال ( هو تفكيرهم ) . لأنه إذا كان يستحيل على الأشياء المُبتدِئة أن تحتمِل يد الله ، وأنتُم تعتبِرون أنَّ الابن في عِدَاد هذه الأشياء ، كيف كان هو مُناسِباً لأن يحتمِل أن يُخلق هذه الخِلقة بيد الله وحده ؟ وإذا كان لابد من وجود وسيط حتّى تأتي الأشياء المُبتدِأة إلى الوجود ، وأنتم تعتبِرون أنَّ الابن مُبتدِئ ، إذاً لابد أنه قد كان هناك وسيط قبله لأجل خِلقتِهِ ، وهذا الوسيط نفسه أيضاً مخلوق وبالتالي هو أيضاً احتاج لِوَسيط آخر لأجل خِلقَتِهِ هو ، ورغم أننا يُمكن أن نخترِع وسيطاً آخر ، إلاَّ أننا يجِب أولاً أن نخترِع وسيطه ، وهكذا لن نصِل أبداً إلى أيَّة نِهاية . وهكذا طالما أنَّ هناك وسيطاً مطلوب دائِماً إذاً لن تُخلق الخليقة أبداً ، لأنه ليس من شيء مُبتدِئ – حسبما يقُولون – يستطيع أن يحتمِل اليد المُطلقة لغير المُبتدِئ . وإذا بدأتم تقولون – عندما تفهمون هذه المُغالاة – أنَّ الابن ، رغم أنه مخلوق ، أُعطِيَت له القُدرة على أن يُخلق بيد غير المُبتدِئ ، إذاً ينتُج عن ذلك أنَّ أشياء أخرى أيضاً ، رغم أنها مُبتدِأة ، لها القُدرة على أن تُخلق مُباشرةً بيد غير المُبتدِئ ، لأنَّ الابن أيضاً ليس أكثر من مُجرَّد مخلوق – في تقديركم – مثل باقي الخليقة . وبالتالي فإنَّ خلق الكلِمة هو كمالي وغير ضروري بِحسب فُجورِكُم وخيالِكُم العقيم ، إذ أنَّ الله وحده كافِ لأن يخلِق الأشياء خلق مُباشِر ، وكلّ الأشياء المُبتدِأة قادِرة على أن تتحمَّل يده المُطلقة .

وطالما أنَّ لهؤلاء الناس عديمي التقوى عقل ضئيل للغاية وسط جُنونِهِمْ ، دعنا نرى ما إذا كانت هذه السفسطة ليست حتّى أكثر جنوناً من الأُخريات . إنَّ آدم وحده خلقهُ الله بالكلِمة ، إذ لا يستطيع أحد أن يقول أنَّ آدم كان له امتياز عن الناس الآخرين ، أو أنه كان مُختلِفاً عن هؤلاء الذينَ جاءوا بعده ، مُفترِضاً أنه الوحيد الذي خلقهُ الله وحده ، ونحن كُلّنا ذُرِية آدم ، ونُخلق بحسب تسلسُل الجِنْس ، طالما أنه جُبِل من الأرض مثل الآخرين ، وفي البِداية لم يكُنْ موجوداً ثم صار موجوداً .

9) لكن رغم أننا يجب أن نُعطي بعض الإمتياز للإنسان الأوَّل إذ كان مُستحِقاً لِيد الله ، إلاَّ أنه يجب أن يكون امتياز كرامة وليس طبيعة ، لأنه أتى من الأرض مثل باقي الناس ، واليد التي جبلت آدم في ذلك الزمان هي أيضاً الآن ودوماً تجبِل وتُعطي وجوداً كامِلاً لهؤلاء الذين يأتون بعده . والله نفسه يُعلِن هذا لإرميا كما قُلْت قبلاً ” قبلما صوَّرتُكَ في البطنِ عرفتُكَ “ ( إر 1 : 5 ) وهكذا يقول عن الكلّ ” كُلُّ هذه صَنَعَتْهَا يدي “ ( إش 66 : 2 ) ، وأيضاً بإشعياء ” هكذا يقُولُ الرَّبُّ فاديك وجابِلُكَ مِنَ البطنِ . أنا الرَّبُّ صانِعٌ كُلَّ شيءٍ ناشِرٌ السَّموات وحدي باسِطٌ الأرضَ “ ( إش 44 : 24 ) ، وداود إذ يعرِف هذا يقول في المزمور ” يَدَاكَ صَنَعَتَاني وأنشَأتاني “ ( مز 119 : 73 ) ، وذلك الذي يقول في إشعياء ” قال الرَّبُّ جابلي مِنَ البطنِ عبداً لهُ “ ( إش 49 : 5 ) يُشير إلى الأمر عينه . لِذلك فيما يخُص الطبيعة لا يختلِف ( آدم ) عنَّا في أي شيء رغم أنه يسبِقنا في الزمن ، طالما أننا جميعاً خُلِقنا بنفس اليد عينِها . إذا كانت هذه هي أفكارِكُمْ أيها الآريوسيون عن ابن الله ، أنه هكذا يوجد وجاء للوجود ، إذاً هو في تقديركم لا يختلِف في شيء من جهة الطبيعة عن الآخرين ، طالما أنه هو أيضاً لم يكُنْ موجوداً ثم جاء إلى الوجود ، واتحد به الاسم ( أي اسم ” الابن “ ) بالنِعمة عند خِلقَتِهِ لأجل فضيلتِهِ ، لأنه هو نفسه واحد من هؤلاء – حسبما تقُولون – الذينَ يقول عنهم الروح في المزامير ” نَطَقْ الكلِمة فصُنِعوا . أمَرْ فَخُلِقوا “ ( مز 148 : 5 سبعينية ) . إذا كان الأمر كذلك ، فَبِمَنْ أعطى الله الأمر لأجل خِلقة الابن ؟ لأنه لابد أن يكون هناك كلِمة به أعطى الله أمراً ، وفيه خُلِقَت الصَّنائِع ، لكِنَّكُمْ ليس لديكم آخر تُقدِّمونه سِوَى الكلِمة الذي تُنكِرونه ، إلاَّ إذا اخترعتُمْ ثانية فِكرة جديدة .

سيقولون ” نعم لدينا آخر “ ( وهذا قد سمعته أنا بالفِعْل من يوسابيوس وأتباعه ) ” ففي هذا الصدد نحن نعتبِر أنَّ ابن الله له امتياز عن الآخرين ، وهو يُدعى وحيد الجِنْس لأنه هو الوحيد الذي يشترِك مع الآب ، وكلّ الأشياء الأخرى تشترِك مع الابن “ . وهكذا يُرهِقون أنفسهم في تغيير وتنويع تعبِيراتِهِمْ كالألوان . على أيَّة حال ، هذا لن يُنقِذهم من أن يُفتضحوا كأُناس أرضيين يتكلَّمون بالباطِل ويتمرَّغون في أوهامِهِمْ وأفكارِهِمْ كما في وحل .

10) لأنه لو كان قد دُعِيَ ابن الله ونحن دُعينا أبناء الابن ، لكانت قِصَّتهم معقولة ظاهرياً ، لكن إذا كُنَّا نحن أيضاً قد دُعينا أبناء ذلك الإله الذي هو ابن له ( أي أبناء الله الآب ) إذاً نحن أيضاً نشترِك مع الآب الذي يقول ” رَبَّيتُ ( ولدت ) بنين ونشَّأتُهُمْ “ ( إش 1 : 2 ) لأننا لو لم نكُنْ نشترِك معه ، لم يكُنْ هو لِيقول” ولدت “ ، لكن إذا كان هو نفسه قد ولدنا ، إذاً ليس آخر غيره أبونا . وكما هو الحال قبلاً ، لا يهِمْ إذا كان للابن شيء أكثر وإذا كان قد خُلِقَ أولاً ، أو إذا كُنّا نحن شيء أقل وخُلِقنا بعده ، طالما أننا كُلّنا نشترِك ودُعِينا أبناء لِنَفْس الآب . لأنَّ الأكثر أو الأقل لا يُشير إلى طبيعة مُختلِفة بل يخُص كلّ واحِد بِحسب مُمارسة الفضيلة ، وواحِد يُقام على عشر مُدُنْ ، وآخر على خمس ، والبعض يُجلّسون على اثني عشر عرشاً يدينون أسباط إسرائيل ، وآخرون يسمعون الكلِمات ” تعالوا إليَّ يا مُباركي أبي “ و” نَعِماً أيها العبد الصَّالِح والأمين “ . فمع هذه الأفكار لا عجب أنهم يتخيلون أنَّ هذا الابن لم يكُنْ له الله دوماً أباً ، وأنَّ هذا الابن لم يكُنْ موجوداً دوماً ، بل جاء من العدم كمخلوق ، ولم يكُنْ موجوداً قبل خِلقَتِهِ ، لأنَّ هذا الابن مُختلِف عن ابن الله الحقيقي .

لكن الإصرار على مثل هذا التعليم لا يتفِق مع التقوى ، لأنَّ ذلك هو بالأحرى نغمة فِكْر الصُّدوقيين والسموسطائيين . يبقى أن نقول أنَّ ابن الله دُعِيَ هكذا بمعنى آخر ، أي بالمعنى الذي به كان إسحق ابناً لإبراهيم ، لأنَّ ما وُلِدَ طبيعياً من آخر ولا يُنسب له من خارِج ، هذا في طبيعة الأشياء هو ابن ، وهذا هو معنى الاسم ( ابن ) . إذاً هل ميلاد الابن هو ميلاد هوى بشري ؟ ( إذ ربما مثل سابِقِيهم سيكونون هم أيضاً مُتأهبين لِيعترِضوا في جهلِهِمْ ) . كلاَّ البتة . لأنَّ الله ليس مثل الإنسان ، ولا البشر مثل الله ، فالبشر خُلِقوا من المادَّة ، وتلك قابِلة للتأثُّر ، أمَّا الله فهو غير مادي وغير جسدي . ورغم أنَّ نفس التعبيرات تُستخدم في الحديث عن الله والإنسان في الأسفار الإلهية ، إلاَّ أنَّ ذا البصيرة الجَلِية ، مثلما يُوصي بولس – سوف يفحصها ويدرِسها ، وبذلك يُميِز ويُصِنفْ ما قد كُتِبْ بحسب طبيعة كلّ موضوع ويتجنب أي اختلاط في المعنى حتّى لا نفهم أمور الله بطريقة بشرية ، ولا بالمِثل ننسِب أمور الإنسان إلى الله ، لأنَّ ذلك معناه أن نخلِط الخمر بالماء ( إش 1 : 22 ) وأن نضع على المذبح ناراً غريبة مع النار الإلهية .

11) لأنَّ الله يخلِق ، والخلق يُنسب أيضاً للإنسان . الله له وجود ، وكذلك قيلَ عن الناس أنَّ لهم وجود ، إذ نالوا من الله هذه العطية أيضاً ، ومع ذلك هل يخلِق الله مثلما يخلِق الناس ؟ أو هل وجوده مثل وجود الإنسان ؟ حاشا . فنحن نفهم التعبيرات بمعنى خاص بالله وبمعنى آخر خاص بالإنسان . لأنَّ الله يخلِق بمعنى أنه يدعو غير الوجود لِيأتي إلى الوجود ، ولا يحتاج لِشيء غير ذلك ( أي أن يُريد ويأمُر ) ، أمَّا الناس فهم يصنَّعون بعض المواد الموجودة بالفِعْل . في البِداية يصلُّون وهكذا يناولون من الله الذي خلق كلّ شيء بِكلِمتِهِ هو ذكاء وحِكمة لِيصنعوا . وأيضاً الناس إذ هم غير قادرين على أن يكونوا موجودين بِذواتِهِمْ ، هم محدودون في كلّ مكان محدود ، ويُوجدون في كلِمة الله ، أمَّا الله فموجود بِذاته ، يُحيط بكلّ الأشياء ويحِدّها ولا يَحدُّه أحد . هو في الكلّ بِحسب صلاحه وقُوَّته هو ، لكن بدون الكلّ في طبيعته . وكما أنَّ الناس لا يخلِقون مثل الله ، وكما أنَّ وجودهم ليس مثل وجود الله ، كذلك فإنَّ ميلاد الناس شيء ، وميلاد الابن من الآب شيء آخر . لأنَّ أبناء الناس هم أجزاء من آبائِهِمْ ، لأنَّ طبيعة الأجساد عينِها ليست غير مُركّبة لكِنها في حالة من التغيير ، وتتكوَّن من أجزاء ، ويفقِد الناس جوهرهم في الوِلادة ومرَّة ثانية يكتسِبون جوهرهم بِتناوُل الطعام . وبُناء على هذا فإنَّ الرِجال في زمانِهِمْ يصيرون أباء لأبناء كثيرين ، أمَّا الله فإذ هو بِدون أجزاء ، هو أبو الابن بِدون تقسيم أو  هوى ، لأنه ليس هناك تدفُق من غير المادي ولا تغيُّر من الخارِج كما هو الحال بين الناس ، وإذ هو غير مُركّب في طبيعته ، هو أب لابن واحِد وحيد . ولذلك هو وحيد الجِنْس وهو وحده في حِضْن الآب ، وهو الوحيد الذي يعترِف به الآب أنه منه قائِلاً ” هذا هو ابني الحبيبُ الذي بِهِ سُرِرْتُ “ ( مت 3 : 17 ) وهو أيضاً كلِمة الآب ، الأمر الذي به يُمكن أن تُفهم طبيعة الآب التي لا تتأثَّر ولا تنقسِمْ ، لأنه ليس هناك حتّى أيَّة كلِمة بشرية تُولد بهوى أو تقسيم ، فكم أقل جداً يكون الحال مع كلِمة الله !! لِذلك أيضاً يجلِس ، كَكَلِمة ، عن يمين الآب ، إذ حيثُما يكون الآب هناك أيضاً يكون كلِمته ، أمَّا نحن ، مخلوقاته ، فنقِف في الدينونة أمامه ، وبينما هو يُعبَد ، لأنه ابن الآب المعبود ، نحن نعبُد ، مُعترفين أنه رب وإله ، لأننا مخلوقات ومُختلفين عنه .

12) طالما أنَّ الأمر هكذا ، فلتدع مَنْ يشاء منهم يفحص هذا الأمر ويدرِسه ، حتّى يخجِلهم المرء ويُخزيهم بالسؤال التالي : هل يصِح أن نقول أنَّ المولود من الله والخاص به قد جاء من العدم ؟ أو هل هو معقول ، في نفس الإطار ، أنَّ ما هو من الله قد نُسِبَ له حتّى يجرُؤ إنسان على أن يقول أنَّ الابن لم يكُنْ دوماً ؟ لأنَّ في ذلك أيضاً يفوق ميلاد الابن أفكار الإنسان ويتنزه عنها . فنحن نصير أباء لأبنائنا في الوقت المُعيَّنْ ، إذ أننا نحن أنفسنا لم نكُنْ موجودين في البِداية ثم جِئنا إلى الوجود ، أمَّا الله ، فإذ هو موجود دوماً ، هو دوماً آب للابن . وبِدايِة البشرية تتضِح لنا من الأمور الشبيهة . لكن حيث أنَّ ” ليس أحد يعرِفُ الابن إلاَّ الآبُ . ولا أحدٌ يعرِفُ الآبَ إلاَّ الابنُ ومَنْ أرادَ الابنُ أن يُعلِنَ لهُ ( مت 11 : 27 ) لِذلك فإنَّ الكُتَّاب القديسين الذينَ أعلن لهم الابن ذاته ، قد قدَّموا لنا صورة مُعيَّنة من الأشياء المنظورة قائِلين ” هو بهاءُ مجدِهِ ورسمُ جوهرِهِ “ ( عب 1 : 3 ) ، وأيضاً ” لأنَّ عِندك ينبُوع الحياة . بِنُورك نرى نُوراً “ ( مز 36 : 9 ) ، وعندما يُوبِخ الكلِمة إسرائيل يقول ” تركت ينبوع الحِكمة ( با 3 : 12 ) وهذا الينبوع هو الذي يقول ” تركُوني أنا ينبُوع المياه الحيَّة “ ( إر 2 : 13 ) . إنَّ التشبيه فقير حقاً ومُعتِمْ جداً إذا ما قُورِنْ بما نتوق إليه . لكن بالرغم من ذلك يُمكن أن نفهم منه شيئاً يفوق طبيعة الإنسان ، بدلاً من أن نعتبِر أنَّ ميلاد الابن هو مِثْل ميلادنا . مَنْ يستطيع أبداً أن يتصور أنَّ بهاء النور لم يكُنْ موجوداً دائِماً ، حتّى يجرُؤ أن يقول أنَّ الابن لم يكُنْ موجوداً دوماً ، أو أنَّ الابن لم يكُنْ موجوداً قبل ميلاده ؟ أو مَنْ ذا الذي يستطيع أن يفصِل البهاء عن الشمس ، أو أن يتخيَّل أنَّ النبع خالِ من الحياة ، حتّى يقول بِجنون أنَّ ” الابن من العدم “ بينما هو ( أي الابن ) يقول ” أنا هو …. والحياة “                     ( يو 14 : 6 ) أو أن يقول ” هو غريب عن جوهر الآب “ بينما هو يقول ” مَنْ رآني فقد رأى الآب “ ( يو 14 : 9 ) لأنَّ الكُتَّاب المُقدسين إذ يُريدوننا أن نفهم بهذه الطريقة ، قدَّموا هذه التشبيهات . وإنه لأمر غير لائِق وعديم التقوى تماماً ، أنه بالرغم من أنَّ الأسفار المُقدسة تتضمن مثل هذه التشبيهات ، نُكوِّن أفكاراً عن ربنا من آخرين ليسوا في الأسفار المُقدسة ولا لهم أي فِكْر تقي .

13) لِذلك دعهم يُخبِروننا من أي مُعلِّم أو من تقليد جاءوا بهذه المفاهيم عن المُخلِّص ؟ سوف يقولون ” لقد قرأنا في سِفْر الأمثال : الربُّ قناني أوَّل طريقِهِ مِنْ قَبْلِ أعمالِهِ ( أم 8 : 22 ) “ . لقد اعتاد هذا يوسابيوس وأتباعه أن يُؤكِدوا على هذه الآية ، وقد كتبتُ أنتَ إليَّ تُخبرني أنَّ الأُناس الحاليون أيضاً ، رغم أنهم هُزِموا وأُفحِموا بكثرة الحِجَجْ ، إلاَّ أنهم لا يزالون ينشرون هذا النص في كلّ مكان قائِلين أنَّ الابن واحِد من المخلوقات ، مُعتبِرين إيَّاه ضِمن الأشياء المُبتدِئة . لكن يبدو لي أنهم يفهمون هذه الآية أيضاً فهماً خاطِئاً ، إذ لها معنى تقي ومُستقيم جداً ، والذي لو كانوا قد فهموه لِمّا جدَّفوا على رب المجد  ذلك أنه عندما يُقارِنون ما قد ذُكِر عاليه مع هذا النص ، سيجدون فرقاً ضخماً بينهُما . إذ ما هو ذلك الذي لا يستوعبه الإنسان الصحيح الفهم في أنَّ ما هو مخلوق ومصنوع هو خارِج عن الخالِق ، أمَّا الابن – كما أوضحت المُناقشة السالِفة – فيوجد ، ليس خارِجياً ، بل من الآب الذي ولدهُ ؟ لأنَّ الإنسان أيضاً يبني بيتاً وكذلك يلِد ابناً ، وليس من أحد يعكِس هذه الأشياء ويقول أنَّ البيت أو السفينة قد ولدهُما الباني ، لكنه هو ( الباني ) الذي صنع الابن . ولا يقول أحد أنَّ البيت هو صورة بانية ، وأنَّ الابن لا يُشبِه ذلك الذي ولدهُ ، بل بالأحرى سوف يعترِف أنَّ الابن هو صورة الآب ، أمَّا البيت فهو عمل فني ، إلاَّ إذا كان عقله مُضطرِب ، ومُحتدِم غضباً . ومن الجلي أنَّ الأسفارالإلهية ، التي تعرف أفضل من أي أحد طبيعة الأشياء تقول بموسى عن المخلوقات ” في البدءِ خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأرضَ ( تك 1 : 1 ) ، أمَّا عن الابن فلا تقدِّم ( أي كاتِب ) آخر بل الآب نفسه قائِلاً ” مِنْ رَحِم الفجر لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ “ ( مز 110 : 3 ) ، وأيضاً ” أنتَ ابني . أنا اليوم ولدتُكَ “ ( مز 2 : 7 ) . والرب يقول عن نفسه في سِفْر الأمثال ” قبل التِلاَلِ أبدِئتُ “ ( أم 8 : 25 ) ، وعن الأشياء المُبتدِأة والمخلوقة يتحدَّث يوحنَّا قائِلاً ” كُلُّ شيءٍ بِهِ كَانَ “ ( يو 1 : 3 ) ، أمَّا عندما يكرِز بالرب فيقول ” الابنُ الوحيدُ الذي هو في حِضْنِ الآبِ هو خَبَّرَ ( يو 1 : 18 ) . لِذلك إذا كان الابن ليس مخلوق وإذا كان المخلوق ليس ابن ، لأنَّ هناك فرقاً ضخماً بينهُما ، فإنَّ الابن والمخلوق لا يُمكن أن يكونا واحِداً ، إلاَّ إذا كان من المُمكِنْ أن يعتبِر جوهره من الله وفي نفس الوقت خارِج عن الله .

14) ” إذاً هل ليس لهذا النص أي معنى ؟ “ لأنهم بهذا الكلام يُطنطِنون حولنا مثل سرب من البعوض  كلاَّ بالتأكيد ، هذا النص ليس بلا معنى ، بل له معنى مُخالِف تماماً ( لِمَا يفهمون ) لأنه من الصحيح أن نقول أنَّ الابن خُلِق أيضاً ، لكن هذا حدث عندما تأنَّس لأنَّ الخلق يخُص الإنسان . ويُمكن لأي إنسان أن يجد هذا المعنى وارِداً على نحو وافٍ في الوحي الإلهي ، إن كان بدلاً من أن يعتبِر دِراسته أمراً ثانوياً ، يفحص الزمان والأشخاص والهدف ، وهكذا يدرِس ويتأمَّل فيما يقرأه . فمن جهة الزمان والمُناسبة المذكور فيها ، سيجِد بالتأكيد أنَّ الرب بينما هو موجود دوماً ، أخيراً في مِلْء الزمان تأنَّسْ ، وبينما هو ابن الله ، صار ابناً للإنسان أيضاً . وأمَّا فيما يخُص الهدف ، سيفهم أنَّ ( الرب ) إذ كان يُريد أن يُبطِلْ موتنا ، اتخذ لِنفسِهِ جسداً من العذراء مريم ، لكي بتقديم هذا إلى الآب ذبيحة عن الجميع ، يُخلِّصنا جميعاً ، نحن الذينَ خوفاً من الموت كُنّا كلّ حياتنا تحت العبودية ( عب 2 : 15 ) . وأمَّا عن الشخصية ، فهي بالتأكيد شخصية المُخلِّص ، لكن قيلت عنه عندما اتخذ لِنفسِهِ جسداً وقال ” الربُّ قناني أوَّل طريقِهِ مِنْ قَبْلِ أعمالِهِ ( أم 8 : 22 ) . فكما يخُص ابن الله بِلِياقة أن يكون أزلي وفي حِضْن الآب ، كذلك عند تأنُّسِهِ لاقت به الكلِمات ” الربُّ قناني ( خلقني ) “ إذ عندئذٍ تُقال عنه مثلما يُقال عنه أيضاً أنه جاع ، وعطش ، وسأل أين يرقُد لِعازر ، وتألَّم وقام ثانية . وكما أننا عندما نسمع أنه رب وإله ونور حقيقي نفهم أنه من الآب ، كذلك عند سماعنا ” الربُّ قناني “ و” عبد “ و” تألَّم “ لن ننسِب ذلك بِصواب إلى اللاهوت ، لأنَّ ذلك لا يخُصُّه ، بل يجب أن نفسره بذلك الجسد الذي حمله لأجلِنا ، لأنَّ كلّ هذه الأشياء لائِقة به ( أي بِجسدِهِ ) ، وهذا الجسد لم يكُنْ جسد أحد آخر غير الكلِمة . وإذا أردنا أن نعرِف الهدف الذي يتحقق من وراء هذا ، سنجد أنه كما يلي : إنَّ الكلِمة تجسَّد لكي يُقدِّم هذا الجسد عن الجميع ، ونحن عندما نشترِك في روحه ، يُمكن أن نتقدَّس ، وهي عطية لم نكُنْ لِننالها بأي طريقة أخرى إلاَّ بأن يكتسي هو بِجسدنا المخلوق . لِذلك نحن نأخُذ اسمنا ” أُناس الله “ ” أُناس في المسيح “ لكن كما أننا بِنوالنا الروح القدس لا نفقِد جوهرنا الخاص بنا ، كذلك الرب عندما تأنَّسْ لأجلِنا وحَمَلْ جسداً ، ظلَّ إله كما هو ، لأنَّ حِجاب الجسد لم ينتقِص منه ، بل بالأحرى هو ألَّهَهُ وجعلهُ غير مائِت .

 الفصل الرَّابِعْ

بُرهان على المعنى الجامِع لِكلِمة ” ابن “

قُوَّة ، كَلِمة أو عقل ، وحِكمة ، أسماء الابن تتضمن الأزلية ، وكذلك لقب ” الينبوع “ الخاص بالآب . الآريوسيون يرُدُّون قائِلين أنَّ هذه الأسماء لم تكُنْ تخُص الابن قبلاً ، بل هي أسماء أُعطِيت له ، وأنَّ الله له كلِمات وقُوَى عديدة … إلخ . لِماذا ليس هناك إلاَّ ابن وكلِمة واحِد … إلخ . كلّ ألقاب الابن تُوجد فيه معاً في وقتٍ واحِد .

15) إنَّ هذا كافِ تماماً لِفضح خزي البِدعة الآريوسية ، لأنه – حسبما أعطى الرب – من كلِماتِهِمْ نفسها يرتد الفُجور وعدم التقوى إليهم ثانية . لكن تعال الآن ودعنا من جانِبنا نُسايِر المُخطِئ ونطلُب منهم إجابة ، لأنَّ الوقت الآن مُناسِب ، عندما خذلتهم حِجَّتهم نفسها ، لأن نسألهم على أساس حِجَجَنا نحن ، فربما ذلك يُربِك ويُخزي الضَّال ويكشِف لهم من أين سقطوا . لقد تعلَّمنا من الأسفار الإلهية أنَّ ابن الله ، كما ذُكِرْ عاليه ، هو كلِمة وحِكمة الآب نفسه ، لأنَّ الرَّسول يقول ” المسيح قُوَّة اللهِ وحِكمةِ اللهِ “ ( 1كو 1 : 24 ) ، ويوحنَّا بعد أن يقول ” والكلِمة صَارَ جسداً “ يُضيف على الفور ” ورأينا مجدهُ مجداً كما لِوحيدٍ من الآب مملُوء نِعمةً وحقاً “ ( يو 1 : 14 ) ، ولِذلك فإذ الكلِمة هو الابن الوحيد الجِنْس ، في هذا الكلِمة والحِكمة خُلقت السماء والأرض وكلّ ما فيهُما . وعن هذه الحِكمة التي تنبُع من   الله ، تعلَّمنا من باروخ ، عندما اتهم إسرائيل بأنه قد ترك ينبوع الحِكمة . إذاً إن كانوا يُنكِرون الكِتاب المُقدس ، يكونون في الحال غُرباء عن الاسم ( مسيحيين ) ويليق بهم أن يدعوهم الجميع مُلحدين وأعداء المسيح ، لأنهم جلبوا على أنفُسهم هذه الأسماء . أمَّا إذا كانوا يتفِقون معنا في أنَّ أقوال الكِتاب المُقدس هذه هي مُوحى بها إلهياً ، دعهم يجرؤون على أن يقولوا علانية ما يُفكِرون فيه سِراً أي أنَّ الله كان في وقتٍ ما بِدون كلِمة وبِدون حِكمة . ودعهم في جُنونِهِمْ يقولون كان هناك وقت لم يكُنْ ( الابن ) موجوداً فيه “ و” قبل ميلاده ، لم يكُنْ المسيح موجوداً “ ، وأيضاً دعهم يُعلِنون أنَّ الينبوع لم يلِد حِكمة من ذاته ، بل حصل عليها من خارِجه ، حتّى يجرؤون أن يقولوا أنَّ ” الابن جاءَ من العدم “ . ومن ثمَّ ينتُج عن ذلك أنه ليس هناك ينبوع بل بركةٍ ما ، كأنها تتلقى المياه من خارِج وتغتصِب الاسم ” ينبوع “ .

16) كم مملوء هذا الفِكْر بالمروق ، وأنا أعتقِد أنه ليس من أحد يشُك في مَنْ هوذا الذي له أبداً مثل هذا الفهم الضئيل . لكن طالما أنهم يُدمدِمون شيئاً عن الكلِمة والحِكمة قائِلين أنهما مُجرَّد اسمين للابن ، إذاً يجب أن نسألهم : إذا كان هذين مُجرَّد اسمين للابن ، إذاً لابد أن يكون هو نفسه شيئاً آخر بِجانبهُما . وإذا كان هو أعظم من الأسماء ، إذاً لا يصِح أن يُشير الأقل إلى الأعظم . أمَّا إذا كان أقل من   الأسماء ، فلابد أنَّ فيه مبدأ هذه التسمية الأكثر شرفاً وكرامة ، وهذا يعني تحسُّنه وترقِّيه ، وهو فُجور ومروق يفوق كلّ ما كان قبله . لأنَّ ذلك الذي في الآب ، والآب فيه أيضاً ، هو الذي يقول ” أنا والآبُ واحِدٌ “ ( يو 10 : 30 ) ومَنْ رأه فقد رأى الآب ، والقول بأنه قد رُفِعْ ومُجِد من قبل أي شيء خارجي ، إنما هو جنون مُطبق .

وعندما يُهزمون هكذا ، ومثل يوسابيوس وأتباعه في هذه المآزِق والضيقات الشديدة ، يُقدِّمون هذه الذَّريعة الباقية ، والتي اخترعها آريوس أيضاً في الأغاني وفي كِتابه ” ثاليا ( الوليمة ) Thalia “ كصعوبة جديدة ( أمامنا ) : ” الله ينطِق بِكلِمات كثيرة ، فأيٍ منها إذاً يجب أن ندعوه ابن وكلِمة ووحيد الآب ؟ “ . إنهم عديمي التمييز وأي شيء إلاَّ أن يكونوا مسيحيين !! إذ أولاً عندما يستخدِمون مثل هذه اللُغة في الحديث عن الله ، يتصورونه على أنه تقريباً إنسان ، يتحدَّث ويُغيِّر كلِماته الأولى بِكلِماته الثَّانية ، كما لو لم تكُنْ كلِمة واحدة من الله كافية لِخلق سائِر الأشياء بِحسب إرادة الآب وكافية لِعنايته واهتمامه الإلهي بالكلّ . فالقول بأنه ينطِق بِكلِمات كثيرة إنما يعني ضعف هذه الكلِمات جميعها ، إذ أنَّ كلّ كلِمة منها تحتاج لِمُساعدة الأخرى ، أمَّا كون الله له كلِمة واحدة ، والذي هو عقيدة صحيحة ، فيُظهِر قُوَّة الله وكذلك كمال الكلِمة الذي منه ، والفهم التقي لِهؤلاء الذينَ يُؤمِنون بِذلك .

17) ليتهم يقبلون أن يعترِفوا بالحق من قولِهِمْ هم أنفسهم !! لأنهم إذا سلَّموا بأنَّ الله يُصدِر كلِمات ، سيعلمون بوضوح أنه الآب ، وعندما يقولون ذلك ، دعهم يُفكِرون ويتأملون في أنهم عندما ينفرون من أن ينسِبوا كلِمة واحدة إلى الله ، يتخيلون أنه أب لِكثيرين ، ورغم أنهم يرفُضون أن يقولوا أنه ليس هناك كلِمة لله على الإطلاق ، إلاَّ أنهم لا يعترِفون أنه ابن الله ، الأمر الذي هو جهل بالحق وعدم خِبرة في الأسفار المُقدسة . لأنه إذا كان الله أباً لأي كلِمة ، لِماذا لا يكون ذاكَ المولود ابناً ؟ وأيضاً مَنْ ذا الذي يجب أن يكون ابن الله إلاَّ كلِمته ؟ لأنه ليس هناك كلِمات كثيرة وإلاَّ كان كلٍّ منهم غير كامِل . لكن الكلِمة واحِد حتّى يكون هو وحده كامِلاً . ولأنَّ الله واحِد ، لِذلك يجب أن تكون صورته أيضاً واحِدة والتي هي الابن . لأنَّ ابن الله – كما يُمكن أن نتعلَّم من الأسفار الإلهية نفسها – هو عينه كلِمة الله ، والحِكمة ، والصورة ، والسيِّد ، والقُوَّة ، لأنَّ ابن الله هو واحِد ، وهذه الألقاب إنما هي صِفات مُميِزة للميلاد من الآب . لأنَّكَ عندما تقول ” الابن “ فأنتَ بِذلك تُشير إلى ما هو من الآب بالطبيعة . وإذا فكرت في الكلِمة ، فأنتَ تُفكِر فيما هو منه ، وما هو غير مُنفصِل عنه ، وعندما تتحدَّث عن الحِكمة ، فأنتَ أيضاً تعني بِنفس القدر ما هو ليس من خارِجه بل منه وفيه ، وإذا ذكرت اسم ” القُوَّة “  و” اليد “ ، فأنتَ أيضاً تتحدَّث عمَّا هو خاص بالجوهر ، وعندما تتحدَّث عن الصورة ، فإنما أنتَ تُشير إلى الابن . إذ هل هناك شيء آخر يُشبِه الله إلاَّ المولود منه ؟ بلا شك هذه الأشياء ، والتي وُجِدت بِالكلِمة ، هي ” مُؤسسة في الحِكمة “ وكلّ ما هو ” مُؤسس في الحِكمة “ ، هو جميعه مصنوع باليد ووُجِد بالابن . ولدينا دليل على ذلك ، ليس من مصادر خارجية ، بل من الكِتاب المُقدس ، لأنَّ الله نفسه يقول بإشعياء النبي ” يدي أسَّست الأرض ويميني نشرت السَّموات “ ( إش 48 : 13 ) ، وأيضاً ” بِظِلِّ يدي سَتَرْتُكَ لِغرسِ السَّمواتِ وتأسيس الأرضِ “ ( إش 51 : 16 ) ، وإذ تعلَّم داود هذا ، وكان يعرِف أنَّ يد الرب ليست إلاَّ حِكمته ، يقول في المزمور ” كُلَّها بِحِكمةٍ صَنَعْتَ . مَلآنةٌ الأرضُ مِنْ غِناكَ “ ( مز 104 : 24 ) ، وسُليمان أيضاً نال نفس المعرِفة من الله ويقول ” الرَّبُّ بِالحِكمةِ أسَّسَ الأرضَ “ ( أم 3 : 19 ) . ويوحنَّا ، إذ كان يعرِف أنَّ الكلِمة هو اليد والحِكمة ، علَّم هكذا  ” في البدءِ كَانَ الكَلِمةُ والكَلِمةُ كَانَ عند اللهِ وكَانَ الكَلِمةُ الله . هذا كَانَ في البدءِ عند اللهِ . كُلُّ شيءٍ بِهِ كَانَ وبِغيرِهِ لم يكُنْ شيءٌ مِمَّا كَانَ “ ( يو 1 : 1 – 3 ) ، والرَّسول إذ رأى أنَّ اليد والحِكمة ليسا إلاَّ الابن يقول ” اللهُ بعد ما كلَّم الآباء بِالأنبياء قديماً بأنواعٍ وطُرُقٍ كثيرةٍ كلَّمنا في هذه الأيامِ الأخيرة في ابنهِ الذي جعلهُ وارِثاً لِكُلِّ شيءٍ الذي بِهِ أيضاً عَمِلَ العالمين “ ( عب 1 : 1 – 2 ) ، وأيضاً يقول ” لكن لنا إلهٌ واحِدٌ الآبُ الذي مِنْهُ جميعُ الأشياء ونحنُ لهُ . وربٌّ واحِدٌ يسوعُ المسيحُ الذي بِهِ جميعُ الأشياءِ ونحنُ بِهِ “ ( 1كو 8 : 6 ) . ولأنه كان يعرِف أيضاً أنَّ الكلِمة والحِكمة والابن نفسه هو صورة الآب ، لِذلك يقول في الرِسالة إلى أهل كولوسي ” شاكرين الآب الذي أهَّلنا لِشَرِكَة مِيراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سُلطان الظُّلمةِ ونقلنا إلى ملكوت ابن محبَّتِهِ الذي لنا فيهِ الفِداء بِدَمِهِ غُفرانُ الخطايا . الذي هو صُورةُ اللهِ غير المنظور بِكْرُ كُلِّ خليقةٍ . فإنَّهُ فيهِ خُلِقَ الكُلُّ ما في السمواتِ وما على الأرضِ ما يُرَى وما لا يُرَى سواءٌ كَانَ عُرُوشاً أمْ سِياداتٍ أمْ رِياساتٍ أمْ سَلاَطِين . الكُلُّ بِهِ ولَهُ قد خُلِقَ . الذي هو قبل كُلِّ شيءٍ وفيهِ يقومُ الكُلُّ “ ( كو 1 : 12 – 17 ) . فإذ كلّ الأشياء قد خُلِقت بِالكلِمة ، لِذلك ، لأنه هو الصورة ، هي كلّها قد خُلِقت أيضاً فيه . وهكذا كلّ مَنْ يُوجِه أفكاره نحو الرب ، سيتجنب الوقوع على صخرة الإثم ، بل بالأحرى سيمضي قُدُماً إلى البهاء في ضوء الحق . لأنَّ هذه هي عقيدة الحق بالرغم من أنَّ هؤلاء المُشاكسين ينفجِرون غيظاً ، إذ لا هم أتقياء تِجاه الله ، ولا هم يخجلون عند إفحامِهم ودحضهم .

 الفصل الخامِسْ

دِفاع عن تعبيرات المجمع” مِنْ جوهر “ و” مُساوِ في الجوهر “

إعترض بأنَّ التعبيرات ليست كِتابية . يجب علينا أن ننظُر إلى المعنى وليس إلى الكلِمات فقط . مُراوغة الآريوسيين وتهرُّبهم من تعبير ” من الله “ الوارِد في الكِتاب المُقدس . تهرُّبهم وتجنُّبهم لِكُلّ التفسيرات التي اختارها المجمع والمقصود بها دحض الصيغة الآريوسية . إعتراض بأنَّ هذه التعبيرات تحمِل معنى مادِّي .

18) لقد فُحِص يوسابيوس وأتباعه في الفترة السابقة باستفاضة كبيرة ، وقد أدانوا أنفسهم – كما أسلفت – عندما وافقوا ( على تعريف إيمان مجمع نيقية ) ، وبعد تغيير الذهن هذا ، استمروا في هدوء وتراجُع ، إلاَّ أنَّ الحزب الحالي ، في غرور الفُجُور الجديد ، وبِذِهن مُشوش عن الحق ، يُهاجِم المجمع بِعُنف تام ويتهمه . دعهم يُخبِروننا : من أي نوع من الأساقفة تعلَّموا ، أو مَنْ هو القديس الذي علَّمهم ، حتّى أنهم جمعوا معاً العِبارات ” من العدم “ و” لم يكُنْ موجوداً قبل ميلاده “ و” لم يكُنْ موجوداً “ و” مُتغيِر “ و” الوجود السَّابِق “ و” عند مشيئة “ والتي هي ( أي العِبارات ) اختراعاتِهِم في الاستهزاء بالرب . لأنَّ المُبارك بولس في رِسالته إلى العبرانيين يقول ” بِالإيمان نفهمُ أنَّ العالمينَ أُتقِنَت بِكلِمةِ الله حتّى لم يتكوَّن ما يُرَى مِمَّا هو ظاهِر “ ( عب 11 : 3 ) . لكن ليس هناك أي شيء مُشترك بين الكلِمة والعالمين ، لأنه هو الكائِن قبل العالمين والذي بِهِ أيضاً وُجِدت العالمين . وفي كِتاب الرَّاعي ( هِرماس ) ( لأنهم يتذرَّعون بهذا الكِتاب أيضاً رغم أنه ليس ضِمْن قانون الأسفار الإلهية ) مكتوب ” أوِّل كلّ شيء آمِنْ أنَّ الله واحِد ، الذي خلق كلّ الأشياء ورتَّبها ، وأتى بجميع الأشياء من العدم إلى الوجود “ . لكن هذا أيضاً لا يخُص الابن لأنه ( أي كِتاب الرَّاعي ) يتحدَّث عن سائِر الأشياء التي خُلِقت بِهِ ، والتي هو مُتميِز عنها ، إذ من المُستحيل أن نعتبِر خالِق الكُلّ ضِمْن الأشياء التي خلقها هو نفسه ، إلاَّ إذا كان هناك إنسان خارِج عن طوره جداً حتّى يقول أنَّ المِعماري أيضاً هو مثل المباني التي يُشيِّدها .

لِماذا إذاً ، بعدما اخترعوا من جانبهم عِبارات غير كِتابية لأغراض الفُجُور وعدم التقوى ، يتهمون هؤلاء الذين هم أتقياء في استخدامهم لها ؟ لأنَّ الفُجُور والمروق ممنوع تماماً ، بالرغم من مُحاولة إخفائه وراء تعبيرات بارِعة وسفسطة مقبولة ظاهرياً . أمَّا التقوى ، فالجميع يُقِر أنها قانونية ، حتّى لو قُدِّمت بتعبيرات غريبة بشرط فقط أن تُستخدم هذه بِرؤية تقية وبِرغبة في جعلها تعبيراً عن أفكار تقية . إنَّ التعبيرات السَّالِفة الذِكْر التي يستخدِمها أعداء المسيح قد أثبتت أنها – سابِقاً والآن – ملآنة بعدم التقوى والفُجُور . بينما تعريف المجمع ، في مُقابِلها ، إذا فُحِص بِدِقة ، سيُثبِت أنه تقديم كامِل للحق ، وخاصَّة إذا أعطينا اهتماماً دقيقاً بالمُناسبة التي تسبَّبت في استخدام هذه التعبيرات ، وهذه المُناسبة كانت معقولة وكانت كما يلي :

19) إذ كان المجمع يُريد أن يدحض تعبيرات المروق التي للآريوسيين ، وأن يستخدِم بدلاً منها الكلِمات المُعترف بها والتي للأسفار الإلهية ، أي أنَّ الابن ليس من العدم بل ” من الله “ وأنه هو ” كلِمة “ و” حِكمة “ وليس خِلقة أو صنعة ، بل هو ابن حقيقي للآب ، وإذ كان يوسابيوس وأتباعه ، مُنقادين بِبِدعتهم العنيدة ، يفهمون عِبارة ” من الله “ كأنها تخُصنا نحن ، كما لو كان كلِمة الله لا يختلِف عنَّا في أي شيء في هذا المنحى ، وذلك لأنه مكتوب هناك ” إلهٌ واحِدٌ الذي مِنْهُ جميعُ  الأشياء “ ( 1كو 8 : 6 ) ، وأيضاً ” الأشياءُ العتيقةُ قد مضت . هُوذا الكُلُّ قد صَارَ جديداً . ولكنَّ الكُلَّ مِنَ اللهِ “ ( 2كو 5 : 17 – 18 ) ، لِذلك لأنَّ الآباء كانوا يفهمون خِداعهم ومُراوغتهم ومكر فُجُورِهِمْ ، كانوا مُرغمين على أن يُعبِّروا بتمييز ووضوح أكثر عن معنى الكلِمات ” من الله “ . وبالتالي كتبوا ” من جوهر الله “ ، لكي لا تُعتبر عبارة ” من الله “ كأنها مُشتركة ومُتساوية في الابن وفي الأشياء المخلوقة ، بل يُعترف بأنَّ كلّ الأشياء الأخرى هي مخلوقات وأنَّ الكلِمة وحده هو من الآب . إذ بالرغم من أنه قد قيل أنَّ جميع الأشياء من الله ، إلاَّ أنَّ هذا ليس بالمعنى الذي به الابن من الآب . إذ فيما يخُص المخلوقات ، قيلت عنهم عِبارة ” من الله “ في هذا الصدد بِمعنى أنهم لم يُوجدوا عشوائياً أو تِلقائياً ، ولا جاءوا إلى الوجود بالصُدفة ، كما يقول هؤلاء الفلاسِفة الذين يُرجِعون المخلوقات إلى إتحاد الذرَّات وإلى العناصِر التي لها تراكيب مُتماثِلة ، ولا حسبما يتحدَّث بعض الهراطِقة عن خالِق مُتميِز ، ولا كما يقول آخرون أيضاً بأن خلق سائِر الأشياء هو من بعض الملائِكة ، بل بِمعنى أنه ( بينما الله كائِن وموجود ) بِهِ جُلِبت كلّ الأشياء إلى الوجود – والتي لم تكُنْ موجودة قبلاً – بِكلِمتِهِ . أمَّا بالنسبة للكلِمة ، فإذ هو ليس مخلوق ، لِذلك هو الوحيد الذي يُسمِّي – وهو فعلاً كذلك – ” من الآب “ ، ومن الهام بهذا المعنى أن نقول أنَّ الابن هو ” من جوهر الآب “ إذ لا ينطبِق هذا على أي شيء مخلوق . وحقاً عندما يقول بولس ” مِنْهُ جميعُ الأشياء “ يُضيف على الفور ” وربٌّ واحِدٌ يسوع المسيح الذي بِهِ جميعُ الأشياء ونحنُ بِهِ “ ( 1كو 8 : 6 ) لكي يُظهِر لِجميع الناس أنَّ الابن مُختلِف عن جميع الأشياء التي وُجِدت من الله ( لأنَّ الأشياء التي وُجِدت من الله وُجِدت بابنه ) ، ولكي يُظهِر أنه استخدِم الكلِمات السَّالِفة في الإشارة إلى العالم كمخلوق من قِبَل الله ، وليس كما لو كانت جميع الأشياء من الآب بِنفس الطريقة التي بها الابن منه . إذ لا الأشياء الأخرى مثل الابن ، ولا الكلِمة واحِد ضِمْن آخرين ، لأنه رب وخالِق الكلّ . وبُناء على هذا ، أعلن المجمع المُقدس بِوضوح أنه من جوهر الآب حتّى نُؤمِنْ أنَّ الكلِمة مُختلِف عن طبيعة الأشياء المخلوقة لأنه هو وحده حقاً من الله ، وأنه لا يجب أن تُترك أيَّة ذريعة مُتاحة لعديم التقوى . هذا إذاً كان السبب في كِتابِة المجمع لِعبارِة ” من جوهر “ .

20) أيضاً عندما قال الأساقفة أنَّ الكلِمة لابد أن يُوصف بأنه القُوَّة والصورة الحقيقية للآب ، وأنه في جميع الأمور مُماثِل للآب ، وأنه غير مُتغيِر ، وأنه موجود دائِماً ، وأنه فيه ( أي في الآب ) بِدون انقسام ( لأنَّ الابن لم يكُنْ قط غير موجود ، بل كان موجوداً دائِماً ، كائِناً أزلياً مع الآب كمِثْل شُعاع النور ) ، عندما قال الأساقِفة ذلك ، احتمل يوسابيوس وأتباعه فعلاً – لأنهم لم يجرُؤا على أن يخالفوا – أن تخزيهم الحِجَجْ التي قُدِّمت ضِدَّهم ، لكن بالرغم من ذلك ، ضُبِطوا وهم يهمسون لِبعضهم البعض ويغمِزون بِعيونِهِم أنَّ ( التعبيرات ) ” شِبْه “ و” دائِماً “ و” قُوَّة “     و” فيه “ هي – كما كانت قبلاً – مُشتركة بيننا وبين الابن ، وأنه ليس أمراً صعباً أن يُوافِقوا عليها . فبالنسبة لِتعبير ” شِبْه “ يقولون أنه كُتِب عنَّا ” الرَّجُل ….. صُورة اللهِ ومجدِهُ “ ( 1كو 11 : 7 ) ، وعن التعبير ” دائِماً “ يقولون ” لأننا نحنُ الأحياء … دائِماً “ ( 2كو 4 : 11 ) ، وعن التعبير ” فيه “ يقولون ” بِهِ نحيا ونتحرَّك ونُوجدُ “ ( أع 17 : 28 ) ، وعن التعبير ” غير مُتغيِر “ يقولون أنه مكتوب ” مَنْ سيفصِلنا عن محبَّة المسيح “ ( رو 8 : 35 ) ، وعن ” القُوَّة “ يقولون أنَّ الجراد الغوغاء والطَّيَّار يُسمَّى ” جيش “ و” جيش عظيم “( يؤ 2 : 25 ) ، وأنه قيل في أحيان كثيرة عن الناس ، وعلى سبيل المِثال ” جميع أجناد ( قُوَّات ) الرَّبِّ خرجتَ مِنْ أرضِ مِصْرَ “ ( خر 12 : 41 ) ، وهناك أمثلة أخرى ، سماوية ، لأنَّ الكِتاب المُقدس يقول ” ربُّ الجُنُود ( القُوَّات ) معنا . ملجأُنا إلهُ يعقوب “ ( مز 46 : 7 ) . وبالفِعْل قال أستريوس Asterius ، المُلقب بالسوفُسطائي ، شيء مثل ذلك كِتابة بعد أن تعلَّمه منهم ، وقبله آريوس الذي تعلَّمه أيضاً ، كما ذكرنا . إلاَّ أنَّ الأساقِفة ، لأنهم ميَّزوا في ذلك أيضاً خِداعهم ، ولأنه مكتوب ” الغِشُّ في قلب الَّذِينَ يُفكِّرون في الشَّرِّ “ ( أم 12 : 20 ) لِذلك اضطروا ثانية من جانبهم أن يجمعوا معنى الأسفار الإلهية ، وأن يقولوا ثانية ويكتِبوا ثانية ، بِوضوح وتحديد أكثر ، ما كانوا قد قالوه قبلاً ، أي أنَّ الابن هو ” مُساوِ في الجوهر “ للآب ، مُوضحين أنَّ الابن هو من الآب ، وليس مُجرَّد شِبْه بل هو مثل الآب تماماً ، مُظهرين أنَّ شِبْه الابن وعدم تغيُّره يختلِف عن شَبَهْنا نحن لله والذي نناله من الفضيلة على أساس حِفْظ الوصايا . لأنَّ الأجساد التي يُشبِه كلٍّ منها الآخر يُمكن أن تنفصِل وأن تبعِد عن بعضها البعض ، مثل الأبناء البشريين بالنسبة لوالديهم ( كما هو مكتوب عن آدم وشيث ، الذي وُلِد منه ، أنه كان على شَبَهه كصورته تك 5 : 3 ) . لكن لأنَّ ميلاد الابن ليس بِحسب طبيعة الناس ، وهو ليس فقط مثل الآب ، بل وأيضاً غير مُنفصِل عن جوهره ، وهو والآب واحِد ، كما قال هو نفسه ، ولأنَّ الكلِمة هو دوماً في الآب والآب في الكلِمة ، كما الشُّعاع بالنِسبة للضوء ( لأنَّ التعبير نفسه يُوضِح ذلك ) ، لِذلك فإنَّ المجمع إذ وعى وفَهَمْ ذلك ، كتب بطريقة مُناسبة تعبير ” مُساوِ في الجوهر “ لكي يهزِموا ضلال الهراطِقة ، ولكي يُظهِروا أنَّ الكلِمة مُختلِف عن الأشياء المخلوقة . لأنهم بعد أن كتبوا هذا ، أضافوا على الفور ” أمَّا هؤلاء الذين يقولون أنَّ ابن الله هو من العدم ، أو مخلوق ، أو مُتغيِر ، أو صنعة ، أو من جوهر آخر ، فهؤلاء تحرِمهم الكنيسة المُقدسة الجامِعة “ . وبِقولِهِمْ هذا أعلنوا بِوضوح وتحديد أنَّ التعبيرات ” من جوهر “و” مُساوِ في الجوهر “ تدحض شِعارات الفُجُور مثل ” مخلوق “ و” صنعة و” مُبتدِئ “ و” مُتغيِّر و لم يكُنْ موجوداً قبل ميلاده “ . ومَنْ يتمسَّك بِهذه الشِعارات ، يُخالِف المجمع ، أمَّا مَنْ لا يتفِق مع آريوس ، فلابد أنه يتمسَّك بِقرارات المجمع ويعنيها مُعتبِراً أنها تدُل بطريقة مُناسبة على عِلاقة الشُّعاع بالنور ، ومن ثمَّ ينال صورة توضيحية للحق .

21) لِذلك إذا كانوا – مثل الآخرين – يُقدِّمون عُذراً بأنَّ هذه التعبيرات غريبة ، دعهم يُفكِرون في المعنى الذي بِهِ كتب المجمع ذلك ، ويحرِمون ما قد حرمه المجمع ، وعندئذٍ دعهم – إن استطاعوا – يجدون أي خطأ في هذه التعبيرات . لكني أعلم جيداً أنهم إذا كانوا يقبلون المعنى الذي يقصِده المجمع ، فسوف يقبلون تماماً المُصطلحات التي يُقدِّم بها هذا المعنى ، في حين أنه إذا كان هو المعنى الذي يُريدون أن يعترِضوا عليه ، فلابد أن يعتبِر الجميع أنه عبث وتفاهة منهم أن يناقشوا صِياغِة الكلِمات ، عندما لا يسعون إلاَّ إلى وسائِل لِلفُجُور وعدم التقوى . إنَّ هذا هو سبب هذه التعبيرات ، لكن إذا كانوا لا يزالون يعترِضون قائِلين أنَّ مثل هذه التعبيرات غير كِتابية ، فإنَّ هذا الاعتراض نفسه هو سبب لإلقائِهِمْ خارِجاً لأنهم يتحدَّثون عبثاً ومُضطربين في أذهانِهِمْ . ودعهم يلومون أنفسهم في هذا الأمر ، لأنهم هم الذين وضعوا المِثال ، مُبتدئين حرباً ضد الله بِكلِمات ليس من الكِتاب المُقدس . على أيَّة حال ، إذا كان هناك أي إنسان مُهتم بالموضوع ، دعه يعلم أنه حتّى إذا لم تكُنْ هذه التعبيرات موجودة بِكلِمات كثيرة جداً في الكِتاب المُقدس ، فمع ذلك – كما قُلنا قبلاً – هي تتضمن وتحوي معنى الأسفار المُقدسة ، وإذ تُعبِّر عنه ، تُقدِّمه إلى هؤلاء الذين لهم مسامِع سليمة غير فاسِدة للعقيدة التقية . والآن هذه الحقيقة هي لك لكي تُفكِر فيها ولِهؤلاء الذينَ تلقوا تعليماً خاطِئاً لِيصغوا إليها . لقد ثبت عاليه – ولابد أن نُؤمِنْ بِهِ كأمر حقيقي – أنَّ الكلِمة هو من الله ، وأنه هو ابنه الوحيد والطبيعي . إذ من أين يعتقِد المرء أنَّ الابن كائِنْ ، الذي هو حِكمة وكلِمة وفيه كلّ الأشياء قد وُجِدت ، إلاَّ من الله نفسه ؟ والأسفار الإلهية تُعلِّمنا هذا ، لأنَّ الآب يقول بِداود ” فَاضَ قلبي بِكلامٍ صالِحٍ “ ) ( مز 45 : 1 ) ، و” مِنْ رَحِم الفجرِ لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ “ ( مز 110 : 3 ) ، والابن يُعلِن لليهود عن نفسه قائِلاً ” لو كان اللهُ أباكُمْ لكُنتُمْ تُحبُّونني لأني خرجتُ مِنْ قِبَل اللهِ “ ( يو 8 : 42 ) ، وأيضاً  ” ليس أنَّ أحداً رأى الآبَ إلاَّ الذي مِنَ اللهِ . هذا قد رأى الآبَ “ ( يو 6 : 46 ) ، وأكثر من ذلك أنَّ قوله ” أنا والآب واحِد “ ( يو 10 : 30 ) ، و” أنا في الآبِ والآبَ فيَّ “ ( يو 14 : 10 ) ، إنما هو مُساوِ لِلقول ” أنا من الآب وغير مُنفصِل عنه “ ، ويوحنَّا في قوله ” الابن الوحيدُ الذي هو في حِضْنِ الآبِ هو خَبَّر ( يو 1 : 18 ) ، تحدَّث عمَّا كان قد تعلَّمه من المُخلِّص . وبالإضافة إلى ذلك ، ما الذي تُشير إليه عبارة ” في حِضْن “ إلاَّ ميلاد الابن الحقيقي من الآب ؟

22) إذا اعتبر أي إنسان أنَّ الله مُركَّب كأنه جوهر له عرض ، أو أنَّ له أي غُلاف خارجي ، وأنه يُمكن تحديده ، أو أنَّ هناك أي شيء فيه يُكمِّل جوهره ، بِمعنى أننا عندما نقول ” الله “ أو ” الآب “ لا نُشير إلى جوهر غير منظور وغير مُدرك ، بل إلى صِفة من صِفاته ، إذاً دعهم يعترِضون على بيان المجمع بأنَّ الابن هو من جوهر الله ، لكن دعهم يفهمون أنهم في قولِهِمْ ذلك ينطِقون بِتجديفين : لأنهم يجعلون الله جِسداني ، ويقولون خطأ أنَّ الرب ليس ابناً للآب نفسه ، بل صِفة من صِفاته ، لكن إذا كان الله بسيطاً ، كما هو بالفِعْل ، ينتُج عن ذلك أنه عند قولِنا  ” الله “ وتسميته ” الآب “ ، لا نُسمِّي صِفة من صِفاته بل جوهره نفسه .

فإذ رغم أنه يستحيل أن نفهم ماهية جوهر الله ، إلاَّ أننا إذا فهمنا فقط أنَّ الله موجود ، وإذا أشارت الأسفار المُقدسة إليه عن طريق هذه الألقاب ، فإننا بقصد الإشارة إليه وليس غيره ، ندعوه الله وآب ورب . عندئذٍ عندما يقول ” أهيه الذي أهيه “ ، و” أنا الرب الإله “ ( خر 3 : 14 – 15 ) ، أو عندما يقول الكِتاب المُقدس ” الله “ لا نفهم شيئاً آخر بِذلك إلاَّ الإشارة إلى جوهره غير المُدرك ذاته ، وأنَّ ذلك الذي الحديث عنه هو كائِنْ .

لِذلك يجب ألاَّ يجفل أحد عندما يسمع أنَّ ابن الله هو من جوهر الآب ، بل فليقبل بالأحرى شرح الآباء الذين بلغة أكثر تحديداً ، لكن مُساوية ، كتبوا بدلاً من تعبير ” من الله “ تعبير ” من جوهر “ .

لأنهم اعتبروه أمراً واحداً أن يقولوا أنَّ الكلِمة هو ” من الله “ و” من جوهر الله “ لأنَّ كلِمة ” الله “ ، كما قُلت بالفِعل ، لا تُشير إلاَّ إلى جوهر ذاكَ الكائِنْ . إذاً إذا لم يكُنْ الكلِمة – بِهذا المعنى – من الله ، كمثل أي ابن ، حقيقي وطبيعي ، من أي أب ، لكن فقط مثل المخلوقات لأنها مصنوعة ، ولأنَّ ” كلّ الأشياء من الله “ إذاً هو ليس من جوهر الآب ، ولا الابن أيضاً ابن بِحسب الجوهر ، بل نتيجة للفضيلة ، مثلنا نحن الذينَ نُدعى أبناء بالنِعمة . لكن كان إن هو فقط من الله كابن حقيقي ، وهو كذلك بالفِعل ، إذاً يُمكن أن يُدعى الابن بِحق ” من جوهر الله “ .

23) أيضاً مِثال النور وشُعاعه يُقدِّم هذا المعنى . لأنَّ القديسين لم يقولوا أنَّ الكلِمة مُرتبِط بالله كمِثل نار اشتعلت من حرارة الشمس ، والتي عادة ما تُطفئ ثانية ، لأنَّ ذلك عمل خارجي ومخلوق خاص بصانِعِهِ . لكنهم جميعاً ( أي القديسين ) يكرِزون بِهِ كشُعاع ، وبِذلك يُشيرون إلى كونِهِ من الجوهر ، وإلى كونِهِ حقيقي وغير مُنقسِم ، وإلى وِحدته مع الآب . وهذا أيضاً يضمن عدم تغيُّره الحقيقي وعدم تبدُّله ، إذ كيف يُمكن أن تكون هذه صِفاته إلاَّ إذا كان ابن حقيقي من جوهر الآب ؟ لأنَّ هذا أيضاً يجب أن يُفهم على أنه يُؤكِد تماثُله مع أبيه هو . وإذ لشرحنا بُعدُ تقوى جداً ، يجِب ألاَّ يجفل أعداء المسيح بِسبب ” مُساوِ في الجوهر “ لأنَّ هذا التعبير له معنى صحيح وأسباب جيدة . الحق أنه إذا قُلنا أنَّ الكلِمة هو من جوهر الله ( إذ بعدما قيل يجب أن يكون هذا تعبيراً يقبلونه ) ، فما الذي يعينه هذا إلاَّ حقيقة وأزلية الجوهر الذي هو مولود منه ؟ لأنه ليس مُختلِفاً في النوع لِئلاَّ يتحِد مع جوهر الله كشيء غريب ومُختلِف عنه . ولا هو يُشبِهه على المُستوى الخارِجي فقط لِئلاَّ يبدو في بعض المناحي ، أو فيها كلّها ، مُختلِف في الجوهر ، مثلما يلمع النحاس الأصفر مثل الذهب ، والفِضة مثل القصدير . لأنَّ هذه غريبة ومن طبيعة أخرى ، فتختلِف عن بعضها البعض في الطبيعة والخصائِص ، فلا النحاس الأصفر مُوافِق للذهب ، ولا الحمامة مولودة من اليمامة ، لكن رغم أنهم يُعتبروا مُتماثلين ، إلاَّ أنهم يختلِفون في الجوهر . إذاً لو كان الأمر هكذا ، لكان مخلوقاً مثلنا نحن وليس مُساوِ في الجوهر . أمَّا إذا كان الابن هو كلِمة وحِكمة وصورة الآب وشُعاعه ، إذاً لابد أن يكون – بِصواب تام – مساوياً في الجوهر . لأنه ما لم يثبُت أنه ليس من الله ، بل أداة مُختلِفة في الطبيعة ومُختلِفة في الجوهر ، فبالتأكيد كان المجمع صحيحاً في عقيدته ومُصيباً في قراره .

24) كذلك يجب أن يُستقصي أي استنتاج جِسداني عن هذا الموضوع ، وإذ نتنزه عن أي تخيُّل للمعنى ، دعنا ، بِفهم نقي وبالعقل وحده ، نفهم العِلاقة الحقيقية بين الآب والابن ، والعِلاقة الحقيقية بين الكلِمة والآب ، والشبه غير المُتغيِر بين الشُّعاع والنور . لأنه كما تعني الكلِمات ” ابن “ و” مولود من “ – وقصد بها أن تعني – ليس أي معنى بشري ، بل معنى لائِق بالله ، بِنفس الطريقة عندما نسمع تعبير ” مُساوِ في الجوهر “ يجِب ألاَّ نفهم أي معانِ بشرية ، وألاَّ نتخيَّل تقسيمات أو تجزيئات في اللاهوت ، بل ونحن مُوجِهين أفكارنا نحو الأمور غير المادية ، دعنا نحفظ وِحدة الطبيعة وهَوِيِة النور غير مُنقسمين ، لأنَّ ذلك يخُص أي ابن فيما يتعلَّق بالآب ، وفي هذا يظهر أنَّ الله هو آب حقيقي للكلِمة . هنا أيضاً تشبيه النور وشُعاعه وثيق الصِلة بالموضوع . فَمَنْ ذا الذي يجرُؤ أن يقول أنَّ الشُّعاع مُختلِف وغريب عن الشمس ؟ بل مَنْ ذا الذي عندما يُفكِر في الشُّعاع وعِلاقته بالشمس وهَوِيِة النور ، لا يقول بِثِقة ” حقاً النور والشُّعاع هما واحِد ، والواحِد منهُما مُستعلن في الآخر ، والشُّعاع هو في الشمس حتّى أنَّ مَنْ يرى هذا يرى ذاكَ أيضاً “ ؟ ، لكن مثل هذه الوِحدة والخاصية الطبيعية ماذا يجِب أن يسمِّيها هؤلاء الذينَ يُؤمِنون ولهم رُؤية صائِبة إلاَّ مولود مُساوِ في الجوهر ؟ وابن الله ، ماذا يجِب أن نعتبِره ، بطريقة مُناسبة ولائِقة ، إلاَّ كلِمة وحِكمة وقُوَّة ؟ وإنها لخطية أن نقول أنَّ هذا الكلِمة والحِكمة والقُوَّة هو غريب عن الآب ، وجُرْم أن نتخيَّل أنه ليس مع الله السرمدي . إذ بهذا الابن صنع الآب جميع الأشياء ، ومدّ عِنايته الإلهية لِتشمل سائِر الأشياء ، وبِهِ يُمارِس محبته للإنسان ، وهكذا هو والآب واحِدٌ ، كما قد قيل ، إلاَّ إذا قام هؤلاء الضَّالون بِمُحاولة جديدة وقالوا أنَّ جوهر الكلِمة ليس مثل النور الذي فيه  ( أي في الكلِمة ) من الآب ، كما لو كان النور الذي في الابن واحِدٌ مع الآب ، بينما الابن نفسه غريب في الجوهر لكونِهِ مخلوق . إلاَّ أنَّ هذا بِبساطة هو إيمان قيافا والسموسطائيين والذين حرمتهم الكنيسة ، لكن هؤلاء الآن مُتنكِرون ، وبِهذا سقطوا من الحق وأُعلِنَ أنهم هراطِقة . لأنه إذا كان يشترِك ( أي الابن ) تماماً في النور الذي من الآب ، لِماذا لا يكون هو بالأحرى ذلك النور الذي يشترِك فيه ، حتّى لا يكون هناك أي وسيط بينه وبين الآب ؟ وإلاَّ لا يعود بعد واضِحاً أنَّ جميع الأشياء قد خُلِقت بالابن ، بل خلقها ذاكَ ( أي الوسيط أو النور ) الذي يشترِك هو ( أي الابن ) فيه . وإذا كان هو كلِمة وحِكمة الآب الذي فيه يُستعلن الآب ويُعرف ، والذي يخلِق العالم ، والذي بِدونه لا يفعل الآب شيئاً ، فمن الجلي أنه هو الذي من الآب : لأنَّ جميع الأشياء المُبتدِأة تشترِك فيه ، كما تشترِك في الروح القدس . وإذ هو كذلك ، لا يُمكن أن يكون من العدم ، ولا أن يكون مخلوقاً على الإطلاق ، بل بالأحرى ابن حقيقي من الآب كما الشُّعاع من النور .

الفصل السَّادِس

مَرَاجِعْ تُؤيِدْ المجمع ثيؤغنسطُس ، دِيونيسيوس السكندري ،ديونيسيوس الروماني ، أوريجانوس

25) هذا إذاً هو المعنى الذي به استخدم هؤلاء الذين اجتمعوا في نيقية هذه التعبيرات . لكن ، بعد ذلك ، لكي نُثبِت أنهم لم يخترِعوا من أنفسهم ( لأنَّ هذا أحد أعذارِهِمْ ) ، بل قالوا ما قد تسلَّموه من سابِقيهم ، نمضي قُدُماً لكي نُثبِت ذلك يضاً ، ولكي ندحض حتّى عُذرهم هذا . فلتعلموا إذاً أيها الآريوسيون أعداء المسيح أنَّ ثيؤغنسطُس ، وهو إنسان عالِمْ ، لم يرفُض عِبارِة ” مُساوِ في الجوهر “ لأنَّ في الكِتاب الثَّاني من مُؤلِفه ” Hypotyposes “ يكتُبْ عن الابن هكذا :

” إنَّ جوهر الابن ليس مُكتسباً من الخارِج ، ولا هو جاءَ من العدم ، بل ينبُع من جوهر الآب ، كمِثل الشُّعاع من الضوء ، وكمِثل البُخار من الماء ، إذ لا الشُّعاع ولا البُخار هو الماء نفسه أو الشمس نفسها ، ولا هو غريب عنها ، بل هو فيض من جوهر الآب الذي ليس فيه أي تقسيم . إذ كما أنَّ الشمس تظل كما هي ولا تضعُف بِسبب الأشعة التي تسكُبها ، كذلك فإنَّ جوهر الآب لا يتغيَّر بالرغم من أنه له الابن كصورة له “ . فبعد أن فحص ثيؤغنسطُس الأمر قبلاً ، يمضي قُدُماً لِيُقدِّم آرائهُ في كلِماته السابِقة .

بعد ذلك ديونيسيوس الذي كان أسقفاً للأسكندرية ، فعندما كتب ضد سابليوس وشرح باستفاضة تدبير المُخلِّص بِحسب الجسد ، ومن ثمَّ أثبت ضد السابليين أنَّ الابن هو الذي تجسَّد كما قال يوحنَّا وليس الآب ، كان هناك شك في أنه يقول أنَّ الابن مخلوق ومُبتدِئ ، وأنه ليس مُساوِ للآب في الجوهر ، فكتب عن هذا الأمر إلى ديونيسيوس سميُّه أسقف روما لِيحتج في دِفاعه بأنَّ ذلك كان افتراء عليه . وأكَّد  له أنه لم يدعو الابن مخلوقاً ، بل اعترف أنه مُساوِ في الجوهر . وجرت كلِماته هكذا :

” وقد كتبت في رِسالة أخرى دحض للتُهمة الزائِفة التي اتهموني بها ألا وهي أنني أُنكِر أنَّ المسيح مُساوِ لله في الجوهر . إذ رغم أني أقول أنني لم أجِد هذا المُصطلح في أي موضِع في الأسفار المُقدسة ، إلاَّ أنَّ مُلاحظاتي التي تلي ، والتي لم ينتبِهوا إليها ، ليس مُخالِفة لِهذا الإيمان . لأن اتخذت من الميلاد البشري مِثالاً لكونِهِ من طبيعة واحِدة بِوضوح تام ، ولاحظت أنَّ الآباء يختلِفون بالتأكيد عن أبنائِهِمْ فقط في كونِهِمْ ليسوا نفس الأشخاص ، وإلاَّ ما كان هناك آباء أو أبناء . وكما أسلفتُ ، لا أستطيع تقديم رِسالتي ( هذه ) بِسبب الظروف الحالية ، وإلاَّ كُنت أرسلتُ لك الكلِمات التي استخدمتها عينها أو حتّى نُسخة منها ، الأمر الذي سوف أفعله لو أُتيحت ليَّ الفُرصة . لكني واثِق مِمّا أتذكَّر ، أنني أوردت أمثِلة من الأشياء ذات الطبيعة الواحِدة . فعلى سبيل المِثال ، أي نبات ينبُت من بِذرة أو من جِذر ، يختلِف عن ذلك الذي ينبُت منه ومع ذلك يكون مُساوِ له تماماً في الطبيعة . وأي نهر يجري من نبع يكتسِب اسماً جديداً ، إذ لا النهر يُدعى نبعاً ولا النبع يُدعى نهراً ، رغم أنَّ كِلاهُما موجود ، والنهر هو الماء الذي يخرُج من النبع “ .

وعن كون كلِمة الله ليس صنعة أو خِلقة ، بل ابن حقيقي لِجوهر الآب وغير مُنقسِم ، كما كتب المجمع العظيم ، فهذا يُمكننا أن نراه في كلِمات ديونيسيوس أسقف روما الذي – بينما كان يكتُب ضد السابليين – هاجم بِعُنف هؤلاء الذينَ جرؤا أن يقولوا هذا :

بعد ذلك يُمكن أن أتناول هؤلاء الذين يقسِمون ويقطعون إلى أجزاء ويُدمِرون أقدس عقيدة في كنيسة الله ، ألا وهي وِحدانِية الأصل الإلهي ، جاعلين إيَّاه كما لو كان هناك ثلاثة قُوَى وجواهِر مُنقسِمة ، وثلاثة إلوهيات ( ثلاثة لاهوت godhead ) وقد أُخبِرتُ أنَّ بعض من بينكم أنتم المُعلِّمين للكلِمة الإلهية ، يقودون الطريق في هذا المُعتقد ، وهم ضد آراء سابليوس تماماً ، لأنه يقول بِتجديف أنَّ الابن هو الآب ، والآب هو الابن ، أمَّا هم فيعلمون إلى حدٍ ما بِوجود ثلاثة آلهة ، مُقسِمِين الواحِد القدوس Sacred Monad إلى ثلاثة جواهِر غريبة عن بعضها البعض ومُنفصِلة تماماً . إذ لابد أن يكون الكلِمة الإلهي مُتحِد مع إله الكون ، ولابد أن يستقِر الروح القدس ويسكُنْ في الله . وهكذا في واحِد كما في قمة ، أعني إله الكون ، لابد أن يتحِد الثَّالوث الإلهي ويكون معاً . لأنها عقيدة مرقيون الوقِح أن يُمزِق ويُقسِّم الأصل الإلهي Monarchy إلى ثلاثة أصول ، وهو تعليم الشيطان وليس تعليم تلاميذ المسيح الحقيقين ومُحبي تعاليم المُخلِّص . لأنهم يعرِفون جيداً أنَّ الأسفار الإلهية تُبشِّر بالثَّالوث . بينما لا العهد القديم ولا العهد الجديد يُبشِر بِثلاثة آلهة . وبِالمِثل ينبغي أن يُوبِخ المرء هؤلاء الذين يعتقِدون أنَّ الابن مخلوق ، ويعتبِرون أنَّ الرب قد جاء إلى الوجود كواحِد من الأشياء التي أتت إلى الوجود ، رغم أنَّ الوحي الإلهي يشهد لِميلاد لائِق بِهِ ومُناسِب ، لكن لا يشهد لأي خلق أو صُنْع له . إذاً هو تجديف ، ليس عادي ، بل أقصى تجديف ، أن يُقال أنَّ الرب هو إلى حدٍ ما مخلوق . لأنه إذا كان قد صار ابناً بينما هو لم يكُنْ قبل ذلك ، لكن كان موجوداً دوماً ، وإذا كان في الآب كما يقول هو نفسه ، وإذا كان المسيح كلِمة وحِكمة وقُوَّة ( وهو أمر يذكُره الكِتاب المُقدس كما تعرِفون ) ، وهذه الصِفات هي قُوَى الله ، إذاً إذا كان الابن قد أتى إلى الوجود ، فقد كان هناك وقت لم تكُنْ فيه هذه الصِفات موجودة ، وبالتالي كان هناك وقت كان فيه الله بِدون هذه الصِفات ، وهو تفكير مُنافِ تماماً للعقل . ولِماذا استطردُ في الحديث عن هذه النِقاط لكم أنتم المملوئين بالروح والواعين جيداً بِهذه السخافات التي تنتُج عن القول بأنَّ الابن مخلوق ؟ فإذ كان أصحاب هذه الآراء – حسبما أعتقِد – غير مُلمين بالحقائِق ، ضلُّوا تماماً عن الحق في شرحِهِمْ – بِعكس معنى الكِتاب المُقدس الإلهي والنبوي في النص – للكلِمات ” الرَّبُّ قناني أوَّل طريقِهِ مِنْ قِبَل أعمالِهِ مُنْذُ القِدَم “ ( أم 8 : 22 ) . لأنَّ معنى ” قناني “ كما تعرِفون ، ليس واحِد ، لأننا لابد أن نفهم ” قناني “ في هذا الموضِع بِمعنى أنَّ الأعمال ” مخلوقة بالابن نفسه “ . و” قناني “ هنا ينبغي ألاَّ تُفهم بِمعنى ” صُنْع “ لأنَّ الإقتناء يختلِف عن الصُّنْع ، ” أليْسَ هو أباكَ ومُقتنيِكَ . هو عَمِلَكَ وأنشأكَ “ ( تث 32 : 6 ) هذا ما يقوله موسى في تِسبِحته العظيمة في سِفْر التثنية . ويُمكن أن يقول لهم المرء : أيها الطائِشون ، هل هو مصنوع ، وهو ” بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ ؛ المولود من رَحِم الفجر “ ( كو 1 : 15 + مز 110 : 3 ) والذي قال ، كحِكمة ” مِنْ قَبْلِ أنْ تقرَّرت الجِبال قبل التِّلالِ أبدِئتُ “ ؟ وفي مواضِع عديدة في الوحي الإلهي يُقال عن الابن أنه قد وُلِدْ ، ولكن لا يُذكر في أي موضِع أنه جاءَ إلى الوجود ، الأمر الذي يدين بِوضوح هؤلاء ذَوِي الفهم الخاطِئ عن ميلاد الرب ، والذين يجرأون أن يسمُّوا ميلاد الإلهي والفائِق للوصف صُنعاً . إذاً يجِب ألاَّ نقسِم الأصل الواحِد الإلهي العجيب إلى ثلاثة  إلوهيات ، وأيضاً ألاَّ ننتقِص من كرامة الرب وعَظَمَته الفائِقة باستخدام اسم ” صنعة “ ، لكن لابد أن نُؤمِنْ بالله الآب ضابِط الكلّ ، وبِالمسيح يسوع ابنه ، وبِالروح القدس ، ونُؤمِنْ أنَّ الكلِمة مُتحِد مع إله الكون . لأنه يقول ” أنا والآب واحِد “ ( يو 10 : 30 ) و” أنا في الآب والآب فيَّ “ ( يو 14 : 10 ) . إذ هكذا سوف يُحفظ كلٍّ من الثَّالوث الإلهي والكِرازة المُقدسة بالأصل الإلهي .

27) وفيما يخُص الوجود الأزلي للكلِمة مع الآب ، وأنه ليس من جوهر آخر بل هو من جوهر الآب ، كما قال الأساقِفة في المجمع ، يُمكن أن يُسمع أيضاً من أوريجانوس المُحِبْ للعمل ، لأنَّ ما كتبه كأنه يتساءل ، هذا لا تدع أحداً يتخِذ منه تعبيراً عن آرائِهِ الخاصَّة ، بل تعبير عن أطراف يتجادلون في البحث والتقصِّي ، بل ما أعلنه هو تحديداً . هذا هو رأى الإنسان المُحِبْ للعمل . فبعد مقالته التمهيدية ضد الهراطِقة يُقدِّم على الفور إيمانه الشخصي هكذا :

إذا كان هناك أيَّة صورة للإله غير المنظور ، ستكون صورة غير منظورة ، بل وسوف أجرؤ أن أضيف أنها ، لِكونِها شِبه الآب ، لم تكُنْ قط غير موجودة . إذ متى كان ذلك الإله الذي بِحسب يوحنَّا يُسمَّى نوراً ( لأنَّ الله ” نور “ ) بِدون شُعاع أو بهاء لِمجده ، حتّى يجرؤ إنسان أن يتحدَّث عن أصل وجود الابن كما لو لم يكُنْ موجوداً قبلاً ؟ لكن متى كانت صورة جوهر الآب الفائِق لِلوصف والذي بلا اسم والغير منطوق بِهِ ، أي ذلك التعبير والكلِمة والذي يعرِف الآب ، غير موجودة ؟ ولِيفهم جيداً من يجرؤ أن يقول ” كان هناك وقت لم يكُنْ فيه الابن موجوداً “ أنه يقول ” كان هناك وقت لم يكُنْ فيه الحِكمة موجوداً “ و” الكلِمة لم يكُنْ موجوداً “ و” الحياة لم تكُنْ موجودة “ .

وأيضاً يقول في موضِع آخر :

” لكنه ليس أمراً بسيطاً ولا بِدون خطر أننا ، بِسبب ضعف فِهمِنا ، نُجرِّد الله ، من الكلِمة الوحيد الجِنْس الموجود أزلياً معه ، ومن الحِكمة الذي سُرَّ هو بِهِ ، وإلاَّ كان من الضروري أن نتصوره على أنه ليس مملوء دوماً بالمسرَّة “ .

ها نحن نُثبِت أنَّ هذا الفِكْر قد سُلِّم من أب إلى أب . أمَّا أنتم أيها اليهود الجُدُد وتلاميذ قِيافا ، كم عدد الآباء الذينَ يُمكن أن تنسِبوهم لِتعبيراتِكُمْ ؟ ليس حتّى واحِد ذو فهم وحِكمة ، لأنَّ الجميع يمقتونكم ، إلاَّ الشيطان وحده ، فليس أحد غيره أبوكم في هذا الإرتداد ، الذي في البِداية بَذَرَ فيكم بِذار هذا المروق ، والذي يقنِعكم الآن أيضاً أن تفتِروا على المجمع المسكوني ، لأنه ( أي المجمع ) كتب – ليس             عقائِدكم – بل تلكَ العقائِد التي سلَّمها إلينا من البِداية هؤلاء الذينَ كانوا شهود عيان وخُدَّام للكلِمة . لأنَّ الإيمان الذي اعترف بِهِ المجمع كِتابةً هو إيمان الكنيسة الجامِعة ، ولكي يُؤكِد الآباء ذلك عبَّروا عن أنفسهم هكذا وهم يدينون البِدعة الآريوسية . وهذا سبب رئيسي وراء إفترائِهِمْ على المجمع وثلبهم له . إذ ليست التعبيرات هي التي تزعجهم بل كون هذه التعبيرات تُثبِت أنهم هَرَاطِقة ووقِحين أكثر من الهرطقات الأخرى .

 الفصل السَّابِع

عن المُصطلح الآريوسي غير مُبتدِئ UNORIGINATE “

موافقتهُم على هذا المُصطلح فيما بعد ، لِماذا ؟ ثلاثة معانِ له ؛ معنى رابِع ؛ ” غير مُبتدِئ “ تُشير إلى الله في مُقابِل مخلوقاته وليس في مُقابِل ابنه ، ” الآب “ هو اللقب الكِتابي . خِتام .

28) هذا في الواقِع كان السبب ، عندما فُضِحت الطبيعة الخاطِئة لِتعبيراتِهِمْ في ذلك الحين ومن ثمَّ صاروا عُرضة للإتهام بالفُجُور ، وراء أنهم مضوا قُدُماً لِيستعيروا من اليونانيين مُصطلح ” غير مُبتدِئ “ حتّى – تحت سِتار ذلك التعبير – يستطيعون أن يعتبِروا كلِمة الله ضِمن الأشياء المُبتدِئة والمخلوقات ، وهو الذي بِهِ خُلِقت هذه الأشياء عينها . إنهم مملوئين صفاقة في فُجورِهِمْ ، وعنيدون جداً في تجديفاتِهِمْ ضد الرب . لو كانت هذه الصفاقة نتيجة لجهلهم بالمُصطلح ، كان يجِب عليهم أن يتعلَّموا من هؤلاء الذين أعطوه لهم ، والذين لم يتردَّدوا قط في أن يقولوا أنه حتّى العقل ، الذي يأخذونه من الله ، والنَّفْس التي تنبثِق من العقل ، رغم أنَّ أصليهِما معروفان ، هما ( أي العقل والنَّفْس ) غير مُبتدئين ، إذ يفهمون أنهم بِقولِهِمْ هذا لا ينتقِصون من شأن الأصل الأوَّل الذي منه يأتي الآخرون . وإن كان الأمر هكذا ، دعهم هم أنفسهم يقولون نفس هذا الكلام ، وإلاَّ فلا يتحدَّثون على الإطلاق عمَّا لا يعرِفونه . أمَّا إذا كانوا يظنون أنَّ لهم معرِفة ودِراية بالموضوع ، فلابد إذاً أن يُسألوا ، لأنَّ ( هذا ) التعبير ليس من الكِتاب الإلهي ، لكنهم يُثيرون الجِدال والنِزاع – كما في مواضِع أخرى – حول النظريات غير الكِتابية

بالضبط كما سردتُ السبب والمعنى الذي بِهِ المجمع والآباء قبله عرَّفوا ونشروا ” من جوهر “ و” مُساوِ في الجوهر “ بِحسب ما يقوله الكِتاب المُقدس عن المُخلِّص ، بِالمِثل دعهم الآن – لو استطاعوا – أن يُجيبوا من جانبهم عمّا قادهم إلى هذا التعبير غير الكِتابي . وبأي معنى يدعون الله ” غير مُبتدأ “ ؟ لقد أُخبِرتُ حقاً أنَّ للاسم معانٍ مُختلِفة ، فالفلاسِفة يقولون أنه يعني أولاً ” ما لم يأتِ بعد إلى الوجود لكن ربما يأتي “ ثم ” ما لا يوجد ولا يُمكن أن يأتي إلى الوجود “ وثالِثاً ” ما يوجد بالفِعل ، لكنه لم يكُنْ مُبتدأ ولا له أصل لِلوجود ، بل هو أزلي وغير فاني “ . ربما سيُريدون أن يتجاوزوا المعنيين الأوَّلين بِسبب السَّخافة التي تنتُج عنهُما ، إذ بِحسب المعنى الأوَّل ، الأشياء التي قد أتت فِعلاً إلى الوجود ، والأشياء التي من المُتوقع أن تأتي إلى الوجود هي غير مُبتدأة . والمعنى الثَّاني أكثر سَخَفاً ومنافة للعقل ، إذاً بالتالي سوف يمضون قُدُماً إلى المعنى الثَّالِث ويستخدمون المُصطلح بِحسبه ، بالرغم من أنه هنا في هذا المعنى أيضاً سيكون فُجُورِهِمْ عظيماً تماماً بِالمِثل ، فإذا كانوا يقصودون بِكلِمة ” غير مُبتدِئ “ ماليس له أصل لِوجوده ، ولا هو مُبتدِئ أو مخلوق ، بل أزلي ، ويقولون أنَّ كلِمة الله هو غير هذا ، فَمَنْ ذا الذي لا يفهم مكر وخِداع أعداء الله هؤلاء ؟ مَنْ ذا الذي لن يرجِم مثل هؤلاء المجانين ؟ )

فإذ يخجلون أن يُقدِّموا ثانية التعبيرات الأولى التي اخترعوها والتي أُدينت ، اتخذ هؤلاء البائِسون طريقة جديدة لِيُقدِّموا بها معنى هذه التعبيرات ، وذلك عن طريق ما يُسمونه ” غير مُبتدِئ “ . لأنه لو كان الابن من الأشياء المُبتدِئة ، سينتُج عن ذلك أنه هو أيضاً جاءَ إلى الوجود من العدم ، وإذا كان له أصل ( بِداية ) لِوجوده ، فإنَّ هذا يعني أنه لم يكُنْ موجوداً قبل ميلاده ، وإذا لم يكُنْ أزلياً ، إذاً كان هناك وقت لم يكُنْ هو موجود فيه .

29) إذا كانت هذه آراؤهم ، يجِب أن يُعلِنوا هرطقتهم بِتعبيراتِهِمْ هم ، وألاَّ يخفول ضلالِهِمْ تحت عباءِة تعبير ” غير مُبتدِئ “ . لكن بدلاً من ذلك ، هؤلاء ذَوِي الأذهان الشِّرِّيرة يفعلون سائِر الأشياء بِمكر أبوهم الشيطان ، إذ كما يُحاول أن يخدع مُتنكِراً في صورة آخرين ، كذلك هم بدأوا في استخدام مُصطلح ” غير مُبتدِئ “ حتّى يدَّعوا أنهم يتحدَّثون بِتقوى عن الله ، إلاَّ أنهم يغذُّون تجديفاً خفياً ضد الرب وتحت سِتار يستطيعون أن يعلِّموه لآخرين . على أيَّة حال ، ما الذي يبقى لهم عند افتضاح هذه السفسطة والجَدَلْ العقيم ؟ ” لقد وجدنا آخر “ هكذا يقول فاعِلوا الشر ، وعندئذٍ يمضون قُدُماً لِيُضيفوا إلى ما قد قالوه سابقاً ، أنَّ ” غير مُبتدِئ “ يعني ما ليس له سبب لِلوجود ( فاعِل لِوجوده ) ، بل هو موجود بِذاته . إنهم جاحِدون حقاً وأصِماء عن الكِتاب المُقدس !! يفعلون كلّ شيء ويقولون كلّ شيء ، ليس لكي يكرِموا الآب بل لكي يهينوا الآب ، غير عالمين أنَّ مَنْ يهين الابن يهين الآب ، لأنه أولاً ، حتّى بالرغم من أنهم يُشيرون إلى الله بهذه الطريقة ، إلاَّ أنه لم يُثبِت أنَّ الكلِمة من ضمن الأشياء المُبتدِئة ، إذ أيضاً لِكونِهِ مولود من جوهر الآب ، هو بِالتالي معه أزلياً ، لأنَّ الاسم ” مولود “ لا ينتقِص من طبيعة الكلِمة ، ولا ” غير مُبتدِئ “ يأخذ معناه من المُقابلة مع الابن ، بل من المُقابلة مع الأشياء التي جاءت لِلوجود بالابن ، إذ كما أنَّ مَنْ يُخاطِب مِعمارِياً ويدعوه باني مبنى أو مدينة ، لا يُلمِّح باستخدامه لِهذا اللقب إلى الابن المولود منه ، بل بِسبب الفن والعِلْم اللَّذينِ يُظهِرهُما في عمله يدعوه صانِعاً ، مُشيراً بذلك إلى أنه ليس مثل الأشياء التي صنعها ، وبينما هو يعرِف طبيعة الباني ، يعرِف أيضاً أنَّ ذلك المولود منه هو آخر غير الأشياء التي صنعها ، وفيما يخُص ابنه يدعوه أباً ، لكن فيما يخُص صنائِعه ، يدعوه خالِقاً وصانِعاً ، وبِالمِثل ، مَنْ يقول بِذلك المعنى أنَّ الله غير مُبتدِئ إنما يُسميه هكذا من جهة صنائِعه ، مُشيراً فقط إلى أنه ليس مُبتدِئ ، بل أنه خالِق الأشياء المُبتدِئة ، ومع ذلك ، هو واعِ ومُدرِك – بالإضافة إلى ذلك – أنَّ الكلِمة هو مُختلِف عن الأشياء المُبتدِئة وهو وحده المولود الحقيقي للآب ، الذي بِهِ جاءت سائِر الأشياء إلى الوجود وتُوجد .

30) بِالمِثْل عندما تحدَّث الأنبياء عن الله كضابِط للكلّ ، لم يدعونه هكذا كما لو كان الكلِمة مُتضمِناً في ذلك ” الكلّ “ ( لأنهم عرفوا أنَّ الابن هو غير الأشياء المُبتدِئة ، وضابِط عليها هو نفسه بِحسب شَبَهه للآب ) ، بل لأنه ضابِط جميع الأشياء التي خلقها بالابن ، وأعطى الابن السُّلطان على سائِر الأشياء ، وإذ أعطاه ( السُّلطان ) ، هو نفسه أيضاً رب سائِر الأشياء بِالكلِمة ، أيضاً عندما دعوا الله  ” رب القُوَّات “ لم يقولوا ذلك كما لو كان الكلِمة واحِداً من هذه القُوَّات ، لكن لأنه ، بينما هو آب لابن ، هو رب القُوَّات التي أتت لِلوجود للابن . لأنَّ الكلِمة أيضاً ، إذ هو في الآب ، هو ربهم جميعاً وضابِط على الكلّ ، لأنَّ كلّ ما هو للآب هو للابن . هذه هي إذاً قُوَّة ومضمون هذه الألقاب . وبِالمِثْل ، دع أي إنسان يدعو الله ” غير مُبتدِئ “ إن كان ذلك يسُرُّه ، لكن ليس كما لو كان الكلِمة ضِمن الأشياء المُبتدِئة ، إنما لأنَّ الله – كما أسلفتُ – ليس فقط غير مُبتدِئ ، لكنه بِكلِمته الحقيقي هو خالِق الأشياء المُبتدِئة . إذ رغم أنَّ الآب يُدعى هكذا ، إلاَّ أنَّ الكلِمة هو صورة الآب ، ومُساوِ له في الجوهر ، ولِكونِهِ صورته ، لابد أن يكون مُتميِزاً عن الأشياء المُبتدِئة وعن كلّ شيء ، لأنَّ له خاصية وشِبْه ذلك الذي هو صورة له . حتّى أنَّ مَنْ يدعو الآب غير مُبتدِئ وضابِط الكلّ ، يُدرِك في تعبير ” غير مُبتدِئ “ وفي تعبير  ” ضابِط الكلّ “ كلِمته وحِكمته الذي هو الابن . لكن هؤلاء القوم المُدهشين والمُتأهبين لِلفُجُور توصلوا إلى تعبير ” غير مُبتدِئ “ ليس كما لو كانوا يهتمون بِكرامة الله ، بل بِحِقْد تجاه المُخلِّص . إذ لو كانوا يهتمون بِالكرامة واللُغة المُوقرة ، لكان من الصواب والجيِّد أن يعترِفوا ويدعوا الله آب ، بدلاً من أن يُلقِبونه من جهة الأشياء التي جاءت إلى الوجود ، وكخالِق فقط ، حتّى يقولوا ضِمناً أنَّ الكلِمة مخلوق بِحسب مسرتهم ، أمَّا مَنْ يدعو الله ” آب “ يُشير فيه – بالإضافة إلى ذلك – إلى ابنه أيضاً ، ولا يُمكن ألاَّ يعرِف أنه طالما أنَّ هناك ابن ، فبِهذا الابن جميع الأشياء التي جاءت إلى الوجود قد خُلِقت .

31) لِذلك سيكون أدق جداً أن نُشير إلى الله من جهة ابنه ، وأن ندعوه آب ، أفضل من أن ندعوه ” غير مُبتدِئ “ من جهة صنائِعه فقط . لأنَّ التعبير الأخير ( أي غير مُبتدِئ ) يُشير إلى المخلوقات التي جاءت لِلوجود بِحسب مشيئة الله بِالكلِمة ، أمَّا اسم ” الآب “ فيُشير إلى الابن الحقيقي الذي من جوهره . وكما أنَّ الكلِمة يفوق الأشياء المُبتدِئة ، كذلك بِنفس المقدار وأكثر ، يفوق اسم الله ” آب “ تسميته ” غير مُبتدِئ “ . لأنَّ الأخير مُصطلح غير كِتابي وغريب وله معانِ مُتنوعة . أمَّا الأوَّل فبسيط وكِتابي وأدق ، وهو وحده يُشير إلى الابن . و” غير مُبتدِئ “ هي كلِمة من كلِمات اليونانيين الذين لا يعرِفون الابن ، أمَّا كلِمة ” الآب “ فقد أقرها وأجازها ربنا ، إذ عندما عرَّف نفسه وابن مَنْ هو قال ” أنا في الآب والآب فيَّ “ ( يو 14 : 10 ) و” مَنْ رآني فقد رأى الآب “ ( يو 14 : 9 )

و” أنا والآبُ واحِدٌ “ ( يو 10 : 30 ) بينما لم يرِد في أي موضِع أنه دعى الآب ” غير مُبتدِئ “ .

كذلك عندما يُعلِّمنا أن نُصلي لا يقول ” فصلُّوا أنتُم هكذا ، يا الله غير المُبتدِئ “ . بل ” فَصَلُّوا أنتُمْ هكذا  أبانا الذي في السَّموات  ( مت 6 : 9 ) ، وقد كانت مشيئته أن يحمِل قانون إيماننا هذا المعنى . لأنه قد أمرنا أن نعتمِد ، ليس باسم غير المُبتدِئ والمُبتدِئ ، وليس باسم غير المخلوق والمخلوق ، بل باسم الآب والابن والروح القدس ، إذ بِمِثْل هذا الطقس نصير نحنُ أيضاً أبناء فِعلاً ، وباستخدام اسم      ” الآب “ ، نعترِف بِهذه الطريقة بِالكلِمة الذي في الآب . لكن إذا كان هو يُريد أن ندعو أباه أبانا ، فيجِب علينا ألا نعتبِر أنفُسنا مُساويين للآب بِحسب الطبيعة بِسبب ذلك ، إذ  بِسبب الابن ندعو نحن الآب هكذا  فإذ حَمَلَ الكلِمة جسدنا وحلَّ بيننا ( فينا ) ، لِذلك – لأنَّ الكلِمة حلَّ بيننا ( فينا ) – يُدعى الله أبانا . لأنَّ روح الكلِمة الذي فينا يدعو أباه أباً لنا ، وهذا ما كان يعنيه الرَّسول عندما يقول ” أرسل اللهُ رُوح ابنِهِ إلى قُلُوبِكُمْ صَارِخاً يا أبا الآبُ “ ( غل 4 : 6 ) .

32) لكن ربما عندما يُدحضون فيما يخُص تعبير ” غير مُبتدِئ “ أيضاً ، يقولون بِحسب طبيعتهم الشِّرِّيرة : ” كان يجِب فيما يخُص ربنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح أيضاً أن نسرِد من الكِتاب المُقدس ما قد كُتِبَ عنه فيه ، وليس أن نبتكِر تعبيرات غير كِتابية “ . نعم كان يجب ذلك ، أقول أنا أيضاً ، لأنَّ علامات الحق تكون أدق عندما تُؤخذ من الكِتاب المُقدس منها عندما تُؤخذ من أي مصادِر أخرى ، لكن الميول الشِّرِّيرة وعدم التقوى المُتقلِب والماكِر اللَّذينِ لِيوسابيوس وأتباعه أرغما الأساقِفة – كما أسلفت – على أن يكتبوا بِتحديد وتمييز أكثر التعبيرات التي دحضت فُجُورِهِمْ . وقد ثبت أنَّ لِمَا كتبه المجمع معنى مُستقيم ، بينما ثبت أنَّ الآريوسيين فاسِدون في تعبيراتِهِمْ وأشرار في ميولِهِمْ . ورغم أنَّ تعبير ” غير مُبتدِئ “ له معناه الخاص الذي يُمكن أن يُستخدم استخداماً تقياً ، إلاَّ أنهم ، بِحسب فِكرتهم الخاصَّة وطِبقاً لإرادتهم ، يستخدمونه لِيُهينوا المُخلِّص ، وكلّ ذلك إنما هو لكي يستمروا بِمُشاكسة مثل الجبابِرة في صِراعِهِمْ مع الله . لكن كما أنهم لم ينجوا من الإدانة عندما قدَّموا التعبيرات الأولى ، كذلك أيضاً عندما أساءوا فَهَمْ تعبير ” غير مُبتدِئ “ الذي هو نفسه يسمح باستخدامه حسناً وبتقوى ، وقد اكتُشِفوا وفُضِحوا أمام الجميع وحُرِمت بِدعتهم في كلّ مكان .

هذا إذاً – حسبما استطعتُ – قد سردته شارِحاً ما قد تم قبلاً في المجمع . لكني أعلم أنَّ المُشاكسين من أعداء المسيح لن يكونوا مُستعدين للتغيير حتّى بعد سماع ذلك ، بل سوف يبحثون دوماً عن مزاعِم أخرى ، وعن أخرى أيضاً بعد هذه ، لأنَّ النبي يقول ” هل يُغيِّرُ الكُوشيُّ جِلدَهُ أو النَّمرُ رُقطهُ .فأنتُمْ أيضاً تقدِرُونَ أن تصنعُوا خيراً أيها المُتعلِّمُونَ الشَّرَّ “ ( إر 13 : 23 ) .

أمَّا أنتَ أيها المحبوب ، فعند استلامك هذه الرِّسالة ، إقرأها لِنفسك ، وإذا وافقت عليها إقرأها أيضاً للإخوة الذين يكونون حاضِرين ، حتّى أنهم أيضاً عندما يسمعونها يُمكن أن يرحبوا بغيرة المجمع على الحق وبِدقة معناه ، ويدينون معنى أعداء المسيح الآريوسيين ومزاعِمهم العقيمة التي ، لأجل بِدعتهم الشِّرِّيرة ، كانوا يجتهِدون لأن يبتدِعوها فيما بينهم .

لأنَّ لله والآب يليق المجد والكرامة والعِبادة ، مع ابنه وكلِمته الكائِن معه ، مع الروح كُلِّي القداسة ومُعطي الحياة ، الآن وإلى دهر الدُّهور الأبدية ، آمين .

 

 

 

 

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found