الأصحاح الأول – تفسير رسالة تسالونيكي الأولى – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

  1. تدعى حالياً تسالونيك، وكانت عاصمة إحدى مقاطعات مكدونية باليونان.
  2. موقعها الجغرافى كان مميزاً، فهى على الطريق الإغريقى، وهو طريق عسكرى ضخم يربط روما بالشرق. وبكونها ميناء قد أعد كمحطة بحرية مجهزة بأحواض للسفن الرومانية. وكان يحكمها خمسة أو ستة من البوليسترخس (حكام المدينة) (أع 17: 6). وبسبب موقعها المميز إجتذبت الكثير من أثرياء الرومان ومن التجار اليهود (أع17: 4) وإشتهرت بالخلاعة لذلك تكلم الرسول عن الحياة الطاهرة (1تس4: 1 – 8).
  3. زار الرسول بولس تسالونيكى للمرة الأولى فى رحلته الثانية حوالى سنة 52م. وكان بصحبته سلوانس وتيموثاوس (أع 17: 1 – 10). وقد جاء إليها بعد طرده من فيلبى، وقد إتجه كعادته إلى اليهود يحاججهم فى مجمعهم وجذب بعض من اليهود واليونانيين والنساء.
  4. كتب الرسول هذه الرسالة نهاية سنة 52 م أو فى بداية سنة 53 م، أى بعد خدمته فى تسالونيكى بفترة قصيرة جداً، وكتبها من كورنثوس، ويقال أنها أول رسالة كتبها بولس الرسول.
  5. إذ نجحت خدمة بولس الرسول فى تسالونيكى هاج عليه اليهود (أع 17: 5 – 7) وكانت التهمة الموجهة له، أن هؤلاء "الذين فتنوا المسكونة" أى هم من المشاغبين الذين ينادون بملك آخر غير قيصر وكانت هذه التهمة هى من أخطر التهم وغالباً فإن ياسون الذى آمن على يدى بولس كفل بولس على أن يلتزم بأن يغادر المدينة فغادرها إلى بيرية. وكما هاج اليهود على المسيحيين هاج الأمم عليهم، وعانت الكنيسة الكثير من الضيق، وتوقع المؤمنون أن يعود لهم الرسول ليساندهم فأرسل لهم هذه الرسالة: -.
  6. لتثبيتهم على الإيمان ومدحهم على ثباتهم فى الإيمان، إذ أخبره تيموثاوس بصبرهم على الإضطهاد بل هم فى وسط هذا الإضطهاد يذيعون الإنجيل (1: 8).
  7. كان عدم حضوره بسبب التزامه أمام ياسون، لكن بعض المؤمنين شكك فى محبته وأبوته، فأرسل لهم ليعلن لهم أشواقه وأنه يود لو أتى إليهم معلناً صدق أبوته (2: 17 – 20) وراجع (أع17: 9).
  8. أراد أن يسحب قلب الكنيسة من الإرتباك فى الأحداث الأليمة التى كانت تعيش فيها إلى الفرح الروحى الداخلى من أجل عمل نعمة الله فيهم (1: 6).
  9. لكى يسندهم وسط آلامهم المُرَّة، تحدث عن القيامة من الأموات وقرب مجئ الرب الأخير فتستريح نفوسهم بتمتعهم بالأحضان الأبوية مشجعاً إياهم على الجهاد الروحى لينالوا الإكليل السماوى (13: 4).
  10. كان لهم سؤال عن موتاهم وشهدائهم، ومصيرهم حين يأتى المسيح وهل سيكون للموتى نصيب مثل الأحياء مع المسيح عند مجيئه. وواضح أنه كان ينقصهم تثبيت فى بعض النقاط الإيمانية (14: 4 - 17).
  11. مع كل هذا طلب منهم أن يعملوا ويشتغلوا بأيديهم فلا مجال للتراخى، وربما إعتمد البعض على أن المسيح آتٍ فلا داع للعمل. (4: 11).

أرسل لهم الرسول تلميذه تيموثاوس ليثبتهم على الإيمان إذ سمع بأخبار الضيقات التى يعانون منها، وعاد له تيموثاوس محملاً بأخبار مطمئنة عن إيمانهم فأرسل لهم هذه الرسالة وتجده هنا كأب فرحان بأولاده.

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ التَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

فِي اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = هذه تحقيق لقول السيد المسيح في (يو17: 21).

اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = هنا نرى أن مكانة الرب يسوع لا تقل عن الآب. ولا يذكر الرسول لقبه الرسولى كما فعل فى رسائل كثيرة والسبب:

  1. أنهم لا يشكون فى رسوليته مثل أهل غلاطية مثلاً الذين إهتم بتأكيدها لهم.
  2. هو فرح بسبب إيمانهم فيعلن محبته لهم لا سلطانه عليهم.
  3. هم فى ضيقة فيكتب لهم بروح الصداقة الأخوية لا بسلطان.

وبنفس المفهوم يقول بولس وسلوانس وتيموثاوس. فمع أنه وحده كاتب الرسالة إلا أنه يضع إسمى سلوانس وتيموثاوس المعروفين لدى أهل تسالونيكى ليعلن لهم محبة الجميع وتعاطف الجميع معهم. وسلوانس هو سيلا (أع18) فبولس يستخدم الإسم الرسمى، ولوقا فى الأعمال يستخدم اسم التدليل المشهور به وسط الناس. والرسول يلقب اللهِ أَبِينَا فالمؤمنون محتاجون فى ضيقتهم إلى التمتع بأبوة الله الحانية وإدراك إهتمامه بخلاصهم وإذ يكتب الرسول فى رسالته عن أبوته لهم أراد فى المقدمة أن يؤكد أبوة الله نفسه التى هى مصدر كل أبوة روحية وجسدية.

نِعْمَةٌ وَسَلاَمٌ = هم محتاجون لهذا السلام وسط ضيقاتهم وآلامهم.

العدد 2

آية (2): -

"2نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا.".

يشكر الله على نجاح كنيسة تسالونيكى، ويصلى ليثبتوا ويزداد إيمانهم.

العدد 3

آية (3): -

"3مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ انْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ، أَمَامَ اللهِ وَأَبِينَا.".

نرى ثلاثية بولس الرسول (الإيمان والرجاء والمحبة) (1كو 13: 13) + (1تس 5: 8) + (عب 6: 10 - 12) + (عب 10: 22 – 24). ونلاحظ أن الإيمان العامل والمحبة والرجاء الذين فى تسالونيكى جعل بولس يفرح بشعب تسالونيكى أكثر من كورنثوس بمواهبها وألسنتها. ونلاحظ هنا أن الرسول ينسب للإيمان العمل، وللمحبة التعب، وللرجاء الصبر. ومن يؤمن يحتمل الكثير من الأتعاب، وإيمان الإنسان يظهر خلال أعماله، فالإيمان ليس أمراً مجرداً. ومن لا يتعب لم يعرف المحبة، بل لم يعرف الله. ونلاحظ أن الإيمان الفعال العامل والمحبة الباذلة يولدان رجاءً صابراً. هنا الرسول يحول أنظار التسالونيكيين عن التفكير فى الأحداث الجارية إلي التأمل في عمل نعمة الله داخلهم خلال الإيمان والرجاء والمحبة فالله هو العامل فيهم في إيمانهم ومحبتهم ورجائهم. أَمَامَ اللهِ وَأَبِينَا = الله يري عملهم ومحبتهم ورجائهم وهو وحده الذي يحكم عليها.

صَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ = يسوع المسيح هو رجاؤنا. وبسبب هذا الرجاء نصبر على ألم الإضطهاد فلنا رجاء فى أن نراه فى مجده ونكون معه للأبد.

العدد 4

آية (4): -

"4عَالِمِينَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ اللهِ اخْتِيَارَكُمْ.".

بولس رأي في إيمانهم ومحبتهم ورجائهم أن هذا دليل علي أن الله إختارهم، والله يختار من بسابق معرفته يعرف أنه سيقبل دعوته (رو 8: 29) ومن ناحية أخري فالرسول خاف عليهم أن يسقطوا في الكبرياء بسبب أنهم إحتملوا في صبر، فيشرح لهم هنا أن الله هو الذي إختارهم، والله هو سر قوتهم، هو يرفع عيونهم نحو الذي أحبهم، وما زال يعمل فيهم حتى يدخل بهم إلي أمجاده، والله إختارهم، إذ هو سيكمل معهم (في 6: 1) ولكن هذا لمن يثبت في المسيح، فالمسيح قد اختار يهوذا ولكن يهوذا هلك.

العدد 5

آية (5): -

"5أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضًا، وَبِالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَال كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ.".

بولس هنا يؤكد لهم إختيار الله ومحبته لهم إذ أرسل لهم بولس مزوداً بـ:

  1. الْقُوَّةِ: - قوة الإنجيل وما فيها من سر حياة إجتذبتهم للخلاص فبولس كان مزوداً متسلحا بالإنجيل القادر أن يغير الإنسان ويأسره فى الحب الإلهى.
  2. الرُّوحِ الْقُدُسِ: - الروح كان يعمل فى بولس ليتكلم ويعمل فيهم ليفهموا ويؤمنوا. فالروح القدس وحده هو القادر أن يشرح محبة الله لنا فنحبه رو5: 5.
  3. بِيَقِينٍ شَدِيدٍ: - كان لبولس رجاء قوى ويقين شديد أن الله يريد خلاصهم، فإحتمل كل ضيقات اليهود واليونانيين.

كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَال كُنَّا بَيْنَكُمْ = من هو متسلح بما ذكره الرسول، يكون جباراً وبولس يود أن يقول، الفضل ليس لى بل لله الذي أحبكم واختاركم = مِنْ أَجْلِكُمْ = أي أن الله أعطاني كل هذا لأجلكم.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِي ضِيق كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.".

بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ = فالروح الذى عمل فى بولس عمل فيهم فصاروا متمثلين ببولس بل وبالرب. وأعطاهم الروح فرحاً وعزاء فقبلوا الكلمة وسط الضيقات الكثيرة التى وقعت عليهم = فِي ضِيق كَثِيرٍ. فكما أن المسيح تألم لخلاصنا تألم بولس في كرازته، فهم في صبرهم علي الضيقات والاضطهاد تشبهوا بالمسيح وببولس، والذي يعطي الفرح وسط الضيق هو الروح القدس، كما فعل الله مع الثلاثة فتية في أتون النار ولنفهم أن النصرة في المسيحية هي الفرح وسط الضيق فالألم دخل إلى العالم بالخطية، والله أبقي الألم بعد أن أتم الفداء لنَكْمُل به، لكنه أعطانا أن نفرح وسط الألم. بل إستغل الله الألم في قطع رباطات خطايانا كما إحترقت رباطات الثلاثة فتية في أتون النار دون أن يصابوا هم بأذى.

العدد 7

آية (7): -

"7حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ.".

مَكِدُونِيَّةَ وَ أَخَائِيَةَ تمثلان معظم اليونان الحديثة وكانتا مقاطعتان مزدوجتان وأبرز كنائس مكدونية هي فيلبي وأبرز كنائس أخائية كورنثوس. ولكن تسالونيكي تفوقت علي الكل وتسالونيكى في مكدونية.

العدد 8

آية (8): -

"8لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضًا قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِاللهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئًا.".

كانت تسالونيكي مركزاً تجارياً هاماً، وذلك ساعدهم علي أن يذيعوا للعالم الكرازة. كانوا كالطيب الذي ينتشر، كانوا مملوءين قوة. = حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئًا = قوتهم صارت معروفة وفى غير حاجة لبرهان فالكل كان يشهد عنهم ويقتدى بهم.

العدد 9

آية (9): -

"9لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا، أَيُّ دُخُول كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ.".

لأَنَّهُمْ هُمْ = الذين جاءوا إليكم في تسالونيكي ورأوكم وسمعوكم ثم ذهبوا وقابلهم الرسول في مكدونية وأخائية هؤلاء كانوا يخبرون عن إيمانكم، بل كانوا في كلامهم يخبرون عني ويطوبوني = يُخْبِرُونَ عَنَّا إذ أنا الذي ولدتكم في المسيح حينما بشرتكم بالإنجيل.

العدد 10

آية (10): -

"10 وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي.".

هذه مثل نهاية قانون الإيمان "وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى" فنجد أن أهل تسالونيكى برجاء ينتظرون مجئ المسيح الثانى ليعطيهم هذا المجد الذى آمنوا به.

والإيمان بيسوع والثبات فيه هو الطريق الوحيد الذي ينقذنا من غضب الله الذي سيأتي في يوم الدينونة علي كل الأشرار وغير المؤمنين. فالمسيح فى مجيئه الثانى سيكون للدينونة، فإما ينقل المؤمنون الأبرار للمجد أو يدين الأشرار وغير المؤمنين.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير رسالة تسالونيكي الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير تسالونيكي الأولى الأصحاح 1
تفاسير تسالونيكي الأولى الأصحاح 1