التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – الكتاب الثالث – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس

هذا الفصل هو جزء من كتاب: التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

[pt_view id=”aa2d703e20″ tag=”التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس” field=name]

 

الكتاب الثالث: الفصل الأول

(عن يوليانوس: تعليمه، نشأته، ارتقائه للعرش. إرتداده إلى الوثنية)

(3/1/1) مات قنسطانتيوس فى الثالث من نوفمير، عند حدود كيليكية، خلال قنصلية تورس وفلورنتيوس. فغادر يوليانوس الأجزاء الغربية للإمبراطورية فى حوالى الحادى عشر من شهر ديسمبر التالى فى نفس القنصلية، وجاء إلى القسطنطينية حيث أُعِلن امبراطورا([1]). ولما كانت الحاجة تستوجب علىَّ أن اتحدث عن سمات هذا الإمبراطور الذى كان متميزا بعلمه، فلا يتوقع أحد من المعجبين به أننى سأحاول استخدام اسلوب خطابى مبهر، كما لو كان من الضرورى تصوير كرامة الشخص، لأن هدفى الأساسى هو تأليف تاريخ للديانة المسيحية. لذلك من الملائم لفهم الموضوع على نحو جيد مع الاحتفاظ بهدفى الأصلى أن نقدم أسلوبا بسيطا غير متكلف ([2]). ورغم ذلك، من الملائم، أن نصف شخصيته ومولده وتعليمه والاسلوب الذى حاز به على السلطة. ولكى نفعل ذلك، سيحتاج الأمر إلى سرد تفاصيل بعض الأحداث.

(3/1/2) كان لقنسطنطين الذى أعطى اسمه لبيزنطيم، أخوان من نفس الأب ولكن من أمهات مختلفات، أحدهما يُدعى دالماتيوس، والآخر قنسطانتيوس. وكان للأول ابن حمل نفس اسمه، وللثانى ولدان، جالوس ويوليانوس. وعندما مات قنسطنطين الذى أسس القسطنطينية، قتل الجنود الأخ الأصغر دالماتيوس([3])، وصارت حياة ولديه اليتيميَن أيضا فى خطر. ولكن المرض الخطير الذى داهم جالوس حفظه من الانتقام لمقتل أبيه، بينما كان عمر يوليانوس الغض، إذ كان عمره فى ذلك الوقت ثمانى سنوات، قد حماه. وخمدت غيرة الإمبراطور منهما تدريجيا.

(3/1/3) والتحق جالوس بالمدارس فى افسس بإيونيا، حيث كان لهما ممتلكات معقولة فيها قد ورثاها. بينما سعى يوليانوس عندما كبر إلى الدراسة فى القسطنطينية. وكان يذهب إلى القصر حيث كانت المدارس هناك، بملابس عادية تحت إشراف الخصى ماردونيوس. وكان معلمه فى النحو نكوكلس Nicocles من لاسيدمونيا، وفى الفلسفة ايكوبوليوس الذى كان فى ذلك الوقت مسيحيا وعلمه الخطابة. إذ كان الإمبراطور قد وضع شرطا ألا يتعلم على يد الوثنيين لئلا يميل إلى الخرافات الوثنية، لأن يوليانوس كان مسيحيا فى البداية. وبدأت كفاءته فى الأدب تصبح مشهورة لدرجة أنه بدأ يُقال أنه قادر على حكم الإمبراطورية الرومانية.

(3/1/4) وانتشرت هذه الإشاعة بسرعة على نطاق واسع فأزعجت ذهن الإمبراطور لدرجة أنه أمر بنقله من المدينة العظمى إلى نيقوميديا، وحظر عليه فى نفس الوقت التردد على مدرسة ليبانيوس الفيلسوف السورى. إذ كان قد رُحِّل فى ذلك الوقت من القسطنطينية بناء على توصية من المعلمين، فإعتزل فى نيقوميديا حيث فتح هناك مدرسة. وهنا نفَّث ليبانيوس عن غضبه ضد المعلمين فى مقالة ألفها عن هذا الشأن. ومع ذلك، كان محظورا على يوليانوس الاتصال به، لأن ليبانيوس كان وثنى الديانة. ولكنه حصل سرا على دروسه التى لم يُعجب بها فقط بل كان يجتهد بدراستها مرارا بتركيز.

(3/1/5) ولما صار خبيرا جيدا بفن البلاغة، وصل إلى نيقوميديا مكسيموس الفيلسوف (ليس البيزنطى، والد اقليدس) ولكن الافسسى الذى اتهمه فيما بعد الإمبراطور فالنتنيانوس بأنه يمارس السحر فأمر بإعدامه. وقد حدث ذلك فى وقت لاحق، أما فى ذلك الوقت فكان الشىء الوحيد الذى جذبه لنيقوميديا هو شهرة يوليانوس. وقد تلقى([4]) منه بالإضافة إلى مبادىء الفلسفة، مفاهيمه الدينية الخاصة والرغبة فى امتلاك الإمبراطورية.

(3/1/6) وعندما بلغت هذه الأمور مسامع الإمبراطور، صار يوليانوس فريسة بين الأمل والخوف، فحرص جدا على عدم إثارة الشبهات ضده. ولذلك بدأ يتخذ مظهرا خارجيا لِما كان عليه فى الحقيقة ذات مرة. فكان حليقا جدا، وتظاهر بأنه يعيش حياة رهبانية، بينما كان يجتهد سرا فى دراساته الفلسفية. ففى الظاهر، يقرأ كتب المسيحية المقدسة، وعلاوة على ذلك تكرَّس كقارىء([5]) فى كنيسة نيقوميديا. وهكذا، بواسطة هذه الذرائع الخادعة، نجح فى إزالة استياء الإمبراطور. لقد فعل كل ذلك بدافع الخوف، بيد أنه لم يتخل بأى حال من الأحوال عن أمله، إذ كان يقول لأصدقائه أن الأوقات السعيدة ليست ببعيدة عندما يتملك السلطة الإمبراطورية.

(3/1/7) وفى ظل هذه الظروف عُيّن أخوه قيصرا. وفى طريقه إلى الشرق مرَّ بنيقوميديا لرؤية أخيه. ولكن ليس بعد ذلك بوقت طويل، قُتِل جالوس، وصار يوليانوس محل شبهة لدى الإمبراطور الذى أمر بوضعه تحت الحراسة. ومع ذلك، سرعان ما وجد وسيلة للهروب منهم، وهرب من مكان إلى مكان طلبا للأمان. وأخيرا عندما اكتشفت الإمبراطورة يوسيبيا محله أقنعت الإمبراطور بتركه بلا ضرر، وأن يُسمَح له بالذهاب إلى أثينا لمتابعة دراساته الفلسفية.

(3/1/8) وبإختصار دعاه الإمبراطور من هناك، وجعله قيصرا. وبالإضافة إلى ذلك زوجه أخته هيلين. ثم أرسله ضد البرابرة لأن البرابرة الذين استعان بهم الإمبراطور قنسطانتيوس ضد ماجننتيوس كقوات مساعدة، عندما وجدوا أنه قد استغنى عنهم، استشاطوا غضبا وبدأوا ينهبون المدن الرومانية. ولما كان[يوليانوس] مازال شابا أمره بعدم القيام بأى شىء بدون مشورة القادة العسكريين الآخرين. وإذ حصل هؤلاء الجنرالات على مثل هذه السلطة، تراخوا فى آداء واجباتهم، بينما عزز البرابرة بالتالى من قواتهم.

(3/1/9) وأدرك يوليانوس، أن ذلك سيسمح بالتالى للقادة بالترف، لذا بدأ يبث فى الجنود روح الشجاعة، وعرض مكافآت معينة لكل من يقتل بربريا، مما أضعف بشكل فعال من قوة العدو. وفى نفس الوقت، تعهد شؤون الجيش بنفسه.

وتفيد التقارير أنه بينما كان يهم بدخول مدينة ما، سقط فوق رأسه تاج المدينة الذى كان معلقا بين عمودين، وكان مضبوطا عليه تماما. فصاح جميع الحاضرين بصيحات الإعجاب معتبرين ذلك إشارة إلى أنه سيكون يوما ما امبراطورا.

(3/1/10) ويؤكد البعض أن قنسطانتيوس قد أرسله ضد البرابرة على أمل أن يموت هناك فى اشتباكه معهم. ولا أعرف ما إذا كان الذين يقولون هذا، يقولون الصدق أم لا. ولكن من المؤكد أنه من غير المحتمل أن يفكر، بعدما ارتبط بدرجة وثيقة معه، فى هلاكه بعد ذلك ضدا لمصلحته الخاصة([6]). وليحكم كلٌ على هذه المسألة حسب تقديره الخاص.

(3/1/11) ونتيجة لشكوى يوليانوس، للإمبراطور من ثبوط همة القادة العسكريين، أرسل له آخرين لمساعدته. وشن الحملة على البرابرة بجهودهم. فأرسلوا سفارة إليه يقولون أنهم قد فعلوا ذلك بموجب خطابات من الإمبراطور يأمرهم بالهجوم على الأراضى الرومانية. ولكنه سجنهم، وهاجم قوات العدو، وقضى عليهم تماما، وأسر ملكهم وأرسله حيا إلى قنسطانتيوس.

(3/1/12) وفور إحرازه لهذا النصر الباهر، صار امبراطورا من الجنود. ولما كان ليس هناك تاج امبراطورى فى متناول اليد، أخذ أحد الحراس القلادة التى كان يرتديها حول عنقه وربطها حول رأس يوليانوس. وهكذا صار يوليانوس امبراطورا. ولكن ما إذا كان قد سلك كفيلسوف أم لا بالتبعية، فهذا متروك للقارىء أن يحدده، لأنه لم يتصل بقنسطانتيوس عن طريق سفراء، ولا أبدى له أدنى تقدير اعترافا بمعروفه السابق له، بل عين حكاما آخرين على المقاطعات، وفعل كل شىء حسبما أراد، وسعى إلى التنازع مع قنسطانتيوس بإذاعته فى كل مدينة للرسائل التى حررها للبرابرة على نحو أثار حفيظة سكان تلك المناطق، وصار من السهل الثورة ضد قنسطانتيوس نفسه([7]).

(3/1/13) وبعد ذلك، لم يعد يرتدى قناع المسيحية بعد، بل فتح المعابد الوثنية، وقدم الذبائح للأوثان، ونعت نفسه “بونتيفكس مكسيموس”([8]) وصرَّح [للوثنيين] بالإحتفال بأعيادهم الخرافية. وبهذا الأسلوب خطط لحرب أهلية ضد قنسطانتيوس، لتشمل حسب فكره سائر أرجاء الإمبراطورية، لأن هدف هذا الفيلسوف لم يكن ممكنا أن يتحقق بدون سفك دماء غزيرة. ولكن الله بسلطان مشورته حدَّ من حِدة هذه المتناقضات بدون الوصول إلى هذه الحالة، وذلك بإزالة واحد منهما. لأنه عندما وصل يوليانوس إلى تيراقيا، وصلته الأخبار أن قنسطانتيوس قد مات. وبهذا حُفِظت الإمبراطورية الرومانية فى ذلك الوقت من القتال المرير الذى هددها.

(3/1/14) ومن ثم دخل يوليانوس القسطنطينية علانية، وسعى إلى كسب رضاء الجماهير، فإتخذ الاجراءات التالية. إذ عرف أن قنسطانتيوس قد صار ممقوتا لأولئك الذين يتمسكون بعقيدة “هومووسيون” وذلك بطرده لهم من الكنائس([9])، وحظر اساقفتهم. وكان واعيا أيضا بأن الوثنيين كانوا مضغوطين بشدة بسبب الحظر الذى يمنعهم من تقديم الذبائح لآلهتهم، وكانوا تواقين جدا بفتح معابدهم، ومنحهم الحرية لممارسة طقوسهم الوثنية. وفى الحقيقة كان حساسا جدا، فعلى الرغم من أن هاتين الفئتين  تضمران الحقد نحو سلفه إلا أن الشعب على وجه العموم كان ساخطا للغاية بسبب ظلم الخصيان، وبصفة خاصة من جراء جشع يوسيبيوس رئيس ضباط المخدع الإمبراطورى. وفى ظل هذه الظروف عامل جميع الأطراف بدهاء. فالبعض برياء، والآخرين بتكليفهم بإلتزامات معينة إذ كان مغرما بالخيرية. ولكنه أظهر للجميع اهتماما بالوثنية والوثنيين.

(3/1/15) وفى البداية، لكى يُدمغ ذكرى قنسطانتيوس بإظهاره بمظهر القسوة تجاه رعاياه، أعاد الاساقفة المنفيين، ورد لهم ممتلكاتهم المصادرة. وثانيا، أمر بفتح المعابد الوثنية بدون إبطاء. ثم أمر أن أولئك الأفراد الذين أُضيروا من السلوك الجائر للخصيان يمكنهم استرداد ما سُلِب منهم من ممتلكات. وأمر بإعدام يوسيبيوس رئيس ضباط المخدع الإمبراطورى عقابا له ليس فقط بسبب الأضرار التى ألحقها بالآخرين، ولكن لأنه كان متأكدا من أنه بواسطة دسائسه قُتِل شقيقه جالوس.

(3/1/16) ولقد كرَّم قنسطانتيوس بالدفن الإمبراطورى، ولكنه طرد الخصيان والحلاقين والطهاة من القصر. الخصيان بزعم أنه لن يتزوج ثانية بعد وفاة زوجته، ولذا لا لزوم لهم. والطهاة لأنه عزم على الاكتفاء بمائدة بسيطة. والحلاقين لأن واحدا يكفى لأشخاص كثيرين. هؤلاء صرفهم للأسباب المذكورة. كذلك خفَّض من غالبية السكرتاريين السابقين، وعيَّن لهؤلاء الذين أبقاهم راتبا ملائما لوظيفتهم. كذلك أعاد تأسيس وسائل النقل والسفر العامة([10])، وألغى استخدام البغال والثيران والحمير فى هذا الغرض وسمح فقط بإستخدام الجياد([11]).

(3/1/17) وهذه التخفيضات العديدة لاقت قبولا من القلة فقط ولكنها قوبلت بإستهجان شديد من قِبل جميع الآخرين بإعتبارها تحط من كرامة الإمبراطورية، وتجردها من الروعة والبهاء التى كان لها تأثير قوى على أذهان العامة([12]). وليس ذلك فحسب، بل اعتاد قضاء الليل فى تأليف الخطب التى سيلقيها بعد ذلك فى مجلس السينات([13]). وفى الواقع، كان الإمبراطور الأول والوحيد منذ عهد يوليوس قيصر الذى كان يلقى الخطب فى الاجتماعات للبارزين فى التحصيل الأدبى. ويُقال أنه شمل برعايته أولئك الذين يحترفون الفلسفة بصفة خاصة.

(3/1/18) ومن ثم ظهر الكثيرون من الأدعياء قى هذا النوع من العِلم وارتدوا البلليوم([14]) palliums وصاروا واضحين بزيهم أكثر من سعة اطلاعهم. هؤلاء المحتالون الذين تبنوا المفاهيم الدينية لأميرهم قد أساءوا جميعا إلى المسيحيين، وكان على رأسهم يوليانوس نفسه الذى دفعه غروره المفرط إلى السخرية من سائر أسلافه فى كتاب ألفه بعنوان “القياصرة”. كما ألف مقالات  ضد المسيحيين([15])، مدفوعا بنفس روح العجرفة.

(3/1/19) إن طرد الطهاة والحلاقين، صحيح أنه أسلوب يخص الفلاسفة، ولكنه لا يخص الأباطرة. ولكن السخرية من الآخرين لا تكون من فيلسوف ولا من امبراطور. لأن شخصية مثل هذه ينبغى أن تسمو فوق مشاعر الغيرة والإزدراء. من الممكن أن يكون الإمبراطور فيلسوفا فيما يتعلق بالاعتدال وضبط النفس، ولكن إن حاول الفيلسوف محاكاة الإمبراطور فإنه يحيد عن مبادئه الخاصة.

وبهذا نكون قد تحدثنا بإيجاز عن الإمبراطور يوليانوس وطريقة تفكيره، وتعليمه، والأسلوب الذى حاز به على السلطة الإمبراطورية.

الكتاب الثالث: الفصل الثانى

(الشقاق فى الأسكندرية. وكيف قُتِل جورج)

(3/2/1) من الملائم الآن أن نذكر ما حدث للكنائس فى عهد هذا [الإمبراطور]. ففى الأسكندرية ثارت فوضى كبيرة نتيجة للظرف التالى.

كان هناك فى تلك المدينة مكان مهجور منذ زمن طويل، ومملوء بالقاذورات. وكان الوثنيون يحتفلون فيه قديما بسرائرهم وتقديم ضحايا بشرية لميثرا([16]) Mithra فيه. وإذ كان ذلك شاغرا وبلا فائدة منحه قنسطانتيوس لكنيسة الأسكندرية، فأراد جورج أن يُشيّد فيه كنيسة فأمر بتنظيف المكان.

(3/2/2) وفى أثناء التنظيف أُكتُشِف “آديتوم”([17]) an adytum عميق جدا، كشف عن طبيعة الطقوس الوثنية، حيث وُجِد فيه جماجم أشخاص عديدين من سائر الأعمار، قيل أنهم قد نُحِروا بغرض العبادة عن طريق فحص الأحشاء عندما يقوم الوثنيون بممارسة فنونهم السحرية التى يخدعون بها نفوس البشر.

(3/2/3) وعندما اكتشف المسيحيون هذه الأمور الشنيعة فى آديتوم الميثاريوم Mithreum، اندفعوا بحماس لعرضها على الملأ جهارا. ولذلك حملوا الجماجم فى سائر ارجاء المدينة، فى موكب انتصارى ليعاينها الشعب.

(3/2/4) فلما شاهد الوثنيون فى الأسكندرية ذلك، لم يستطيعوا احتمال إهانة هذا العمل، فإستشاطوا غضبا لدرجة أنهم هاجموا المسيحيين بأى سلاح كان فى متناول اليد. وفى ثورتهم أهلكوا عددا منهم بطرق متعددة. فبعضهم قتلوهم بالسيف، وآخرون بالأحجار والهراوات، والبعض خنقوهم بالحبال، وآخرون صلبوهم عن قصد تشبها بصليب المسيح. ومعظمهم قد جُرِحوا مثلما يحدث بصفة عامة فى مثل هذه الحالات، ولم ينجو لا الأقرباء، ولا الأصدقاء، بل تلوثت أيادى الأصدقاء والإخوة والوالدين والأبناء، كل بدماء الآخرين.

(3/2/5) ولذلك كف المسيحيون عن تنظيف الميثاريوم، وفى نفس الوقت جرَّ الوثنيون جورج خارج الكنيسة، وربطوه بجمل، وعندما مزقوه إربا أحرقوه مع الجمل.

الكتاب الثالث: الفصل الثالث

(الإمبراطور يغضب لمقتل جورج، ولكنه فقط يوبخ الأسكندريين بخطاب)

(3/2/1) واستشاط الإمبراطور غضبا لمقتل جورج، فكتب خطابا إلى مواطنى الأسكندرية يوبخهم على عنفهم بلهجة قوية.

(3/2/2) وقد أُشيع أن الذين مقتوا جورج بسبب أثناسيوس هم الذين ارتكبوا هذا الجرم ضد جورج. أما من جانبى فلا أظن أن ذلك حقيقى. إن مثل هذا الشعور العدائى ضد أفراد معينين، بكل تأكيد، يتطابق غالبا مع المشاعر الشعبية، كما أن خطاب الإمبراطور يلقى باللوم، كما هو ثابت على الجمهور دون أى أحدٍ من المسيحيين.

(3/2/3) لقد كان جورج فى ذلك الوقت وقبل ذلك الوقت بزمن طويل ممقوتا من سائر الفئات، على نحو يكفى لإندلاع الغضب العارم للجماهير ضده، لدرجة أن الإمبراطور حمَّل الشعب بالجريمة، كما نرى فى خطابه التالى:

(خطاب يوليانوس إلى مواطنى الأسكندرية )

“حتى إذا لم يكن لديكم احترام لألكسندر مؤسس مدينتكم. ولا ماهو أكثر من ذلك لسيرابيس الإله المقدس العظيم. فكيف لا تحسبون أى حساب ليس فقط لدعاوى الإنسانية العامة والنظام الاجتماعى، ولكن أيضا لِما هو واجب لنا، نحن الذين عينتنا الآلهة كافة وخاصة سيرابيس امبراطورا للعالم، ولذلك صار من اللازم عليكم الامتناع عن الأخطاء العامة. ولكن ربما مشاعر الغضب والسخط التى استولت على أذهانكم قد أضلتكم ودفعتكم إلى هذه الأعمال الشنيعة. ومع ذلك، كما يبدو، عندما خمدت هذه المشاعر ارتكبتم جرائم أفظع من تلك التى ارتكبتموها فى لحظة ثورتكم. وما كان لكم ولا لعامة الشعب أن ترتكبوا مثل هذه الاعمال نحو من كرهتموهم بلا خزى. فقولوا وا حياة سيرابيس لأى سبب كان سخطكم على جورج؟. إنكم ستُجِيبون لأنه أثار قنسطانتيوس طيب الذكر ضدكم، وأنه أدخل جيشا إلى مدينتكم المقدسة، وسلب حاكم مصر([18]) بسببه المعابد المقدسة من تماثيلها ونذورها وغيرها من المواد الأخرى المخصصة التى كانت فيها. وأنكم لم تحتملوا مشاهدة منظر هذا التدنيس الكريه، ولكنكم حاولتم الدفاع عن الآلهة وعن التدنيس، أو بالأحرى عرقلة النهب للمعابد بالمخالفة للعدالة والقانون والتقوى، وتجاسرتم على ارسال عصابات مسلحة ضدهم. لقد فعل ذلك جورج عن خوف أكثر من قنسطانتيوس. ولكنه كان من الممكن أن يحافظ على سلامته الشخصية، لو لم يكن مذنبا بهذا السلوك المستبد، ولو كان قد ثابر على الاعتدال السابق. وإذ قد ثرتم لكل هذه الاسباب على جورج كمقاوم للآلهة، لوثتم مدينتكم المقدسة بينما كان ينبغى عليكم أن تقاضوه أمام القضاء. لأنكم لو كنتم قد فعلتم ذلك لما صرتم قتله، ولا ارتكبتم أية أعمال غير قانونية وكانت العدالة قد أخذت مجراها، وصرتم مبررين من هذا التطرف الممقوت، بينما نال هو القصاص المستحق لجرائم كفره. وهكذا، بإختصار كان سيتم ردع سفاهة أولئك الذين حاولوا الحط من الآلهة دون مراعاة لعظمة المدينة وازدهار سكانها، بل قاموا بأعمال بربرية ضد مؤسسيها، كما لو كان ذلك من سلطتهم.

قارنوا لذلك رسالتى الحالية بتلك التى أرسلتها لكم منذ بعض الوقت سابقا. كيف كنت أحييكم آنذاك بدرجة كبيرة، ولكننى الآن لا استطيع أمام الآلهة الخالدة أن أمدحكم بنفس القدر السابق، بسبب سوء سلوككم المقيت. الناس الذين يمزقون إنسانا إلى قطع مثل كلاب ولا يخجلون من هذا الاجراء اللاإنسانى، ولا يرغبون فى تطهير أياديهم من الدنس لكى ما يبسطوها فى حضرة الآلهة غير ملوثة بالدماء. لا أشك أنكم ستقولون أن جورج كان يستحق بعدل هذه العقوبة، ونحن ربما نسلّم بأنه مستحق لعذاب أكثر. ولكن هل يتعين عليكم أن تقوموا على مسؤليتكم بهذه الإجراءات، حتى لو مُنِح ذلك لكم. ربما ستضيفون أن عليكم الانتقام من تعدياته حتى أذعن بأى حال من الأحوال، إذ لكم القانون الذى به يقوم كل شخص منكم بتنفيذه، وتكسروا احترامكم جهرا وسرا. إذا ما تجاوز كل فرد اللوائح الحميمة والسليمة التى أٌسٍّست اساسا لرفاهية الجماعة، أو لا يعفى هذا الآخرين من الطاعة لها. إنه من حظكم أيها الأسكندريون أن هذا قد أُرتُكب فى عهدنا نحن الذين بسبب تقديرنا للآلهة، وبسبب أن جدنا([19]) وخالنا([20]) الذى نحمل اسمه والذى حكم مصر وليبيا، ما زلنا نحافظ على العواطف الأخوية([21]).  وبالتأكيد تلك السلطة التى لم تهتم بالاحترام، وتلك الحكومة التى تملك دستورا قويا وناجعا، لا يمكن أن تتواطىء مع مثل هذا الفجور من رعاياها، بدون إزالة اسباب هذا النكد الخطير بتطبيق وسائل العلاج الكافية. ومع ذلك سنتقيد بالنسبة لحالتكم وللأسباب السابق ذكرها، بتطبيق وسائل علاج أخف عليكم مكتفين بالإرشاد والاحتجاج، وسنقدم أى نوع من العلاج المقتنعين به بسهولة أكبر حيث أنكم من نسل يونانى حسبما أعرف، وأنكم ما زلتم تحتفظون فى ذاكرتكم بآثار مجد وشخصية أسلافكم. فلينُشَر ذلك لمواطنينا بالأسكندرية”.

هكذا كانت رسالة يوليانوس([22]).

الكتاب الثالث: الفصل الرابع

(عودة أثناسيوس، واسترداده لكرسيه )

(3/4/1) وليس بعد ذلك بوقت طويل، أن عاد أثناسيوس من منفاه وأُستُقبِل بفرح عظيم من شعب الأسكندرية، وطردوا فى ذلك الوقت الاريوسيين من الكنائس واستردوا لأثناسيوس اشرافه عليها.

(3/4/2) فإجتمع الاريوسيون فى نفس الوقت فى مبانى منخفضة ومبهمة ورسموا لوكيوس محل جورج. وهكذا كانت حالة الامور فى الأسكندرية فى ذلك الوقت.

الكتاب الثالث: الفصل الخامس

(عن لوسيفر ويوسيبيوس )

(3/5/1) وفى حوالى نفس الفترة، أُستُدعِىَّ بأمر امبراطورى لوسيفر اسقف كارلا Carala، وهى مدينة فى ساردينيا. ويوسيبيوس اسقف فيرسللى([23])Vercellæ وهى مدينة فى ليوجوريا بإيطاليا كما قلتُ سابقا([24]). ولذلك تشاور هذان الاسقفان معا بشأن أكثر الوسائل فعالية لمنع أى تهاون أو نقض، فى المستقبل، للتلمذة الكنسية والقوانين([25]).

الكتاب الثالث: الفصل السادس

(لوسيفر يتوجه إلى انطاكية)

(3/6/1) لذلك تقرر سفر لوسيفر إلى انطاكية بسوريا، ويوسيبيوس إلى الأسكندرية لكى يعقد، بالإشتراك مع أثناسيوس، مجمعا لتأكيد عقائد الكنيسة. وأرسل لوسيفر شماسا مندوبا عنه تعهد بالتصديق بواسطته على ما يسنه المجمع.

(3/6/2) وذهب هو بنفسه إلى انطاكية حيث وجد الكنيسة هناك فى فوضى كبيرة والشعب غير متفق مع بعضه بعضا لأنه ليس فقط قسمت الأريوسية التى ادخلها اوزيوس الكنيسة، ولكن أيضا كما قلنا سابقا([26])، انفصل أيضا الميليتيون الذين أخذوا اسمهم من معلمهم عن أولئك الذين يتمسكون مثلهم بنفس العقائد. ولذلك رسم لوسيفر لهم بولينوس اسقفا، ثم رحل.

الكتاب الثالث: الفصل السابع

(مجمع الأسكندرية وعقيدة الثالوث. إعلان “هومووسيوس”)

(3/7/1) وبمجرد أن وصل يوسيبيوس إلى الأسكندرية عقد بالإشتراك مع أثناسيوس مجمعا فى الحال. واجتمع الاساقفة فى هذه المناسبة من مدن عديدة، وتناولوا موضوعات عدة فى غاية الأهمية. فأكدوا على ألوهية الروح القدس([27]) وأنه مساوى فى الجوهر فى الثالوث. وأعلنوا كذلك أن الكلمة إذ صار إنسانا لم يتخذ فقط جسدا بل ونفسا أيضا طبقا لآراء الكنسيين الأوائل، لأنهم لم يُدخِلوا أية عقيدة من عندهم إلى الكنيسة، لكنهم حصروا أنفسهم بتسجيل النقاط المقدسة التى حافظ عليها التقليد الكنسى منذ البداية، وعلمها المسيحيون الحكماء وبرهنوا عليها.

(3/7/2) تلك البراهين التى حافظ عليها الآباء القدامى بثبات فى كل كتاباتهم الجدلية، حسبما أكد لنا ايرينيئوس([28]) وكلمندس وابوليناريوس من هيرابوليس وسيرابيون الذى رأس كنيسة انطاكية، فى كتاباتهم العديدة على أن المسيح فى تجسده قد أخذ نفسا، وأن ذلك كان محل قبول على نطاق عام.

(3/7/3) وعلاوة على ذلك، اعترف المجمع الذى عُقِد بشأن بريلوس Beryllus اسقف فيلادلفيا فى العربية، بنفس العقيدة فى خطابهم إلى نفس المدبر([29]). وعلاوة على ذلك يؤكد اورجينوس، فى أكثر من موضع فى كتاباته الغزيرة، على أن الكلمة المتجسد قد أخذ نفسا بشرية. ولكنه يشرح هذا السر على وجه الخصوص فى مجلده التاسع “تعليقات على سفر التكوين”، حيث أظهر أن آدم وحواء كانا مثالين للمسيح والكنيسة. ويُعتبَر القديسان بامفيليوس ويوسيبيوس سميه من بعده شاهدىّ ثقة فى هذا الموضوع. فقد كان كلا الشاهدين ملتصقيَن بأورجين ومن المعجبين به، والمدافعين عنه فى أى اتهام ضده. وقد أثبتا أنه لم يكن فقط أول من يُعلن هذا الإعلان، ولكنه أيضا كان فى إعلانه لذلك مجرد شارح ومفسِّر للتقليد السرائرى للكنيسة.

(3/7/3) كذلك فحص المجتمعون فى الأسكندرية بتدقيق شديد المسألة الخاصة بالجوهر([30]) والوجود والأقنومية. لأن هوسيوس اسقف قرطبة بأسبانيا الذى سبق أن أرسله الإمبراطور قنسطنطين، كما أشرنا آنفا، لتهدئة الإثارة التى سببها اريوس قد أثار الجدل حول هذه المصطلحات للقضاء على هرطقة سابيليوس الليبى. ومع ذلك، فى مجمع نيقية الذى سرعان ما عُقِد بعد ذلك لم تناقش هذه المسألة. ولكن، نظرا للنزاع الذى دار بشأنها لاحقا، فقد نوقشت هذه المصطلحات بدرجة أكبر فى الأسكندرية حيث تحدد هناك أن تعبيرات مثل “أوسيا”ousia  و”هيبوستاسيس”([31])  hypostasisلا ينبغى أن تُستَخدم فى الإشارة إلى الله، إذ احتجوا أن كلمة “اوسيا” لم تستخدم فى أى مكان من الأسفار المقدسة، وأن الرسول قد أساء تطبيق[ كذا!!] مصطلح “هيبوستاسيس” فى قوله “هو شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه، يَحفَظُ كُلَّ شيَءٍ بِقُوَّةِ كَلِمَتِه”([32]) بسبب الضرورة التى لا يمكن تحاشيها الناجمة عن كلمة “طبيعة” فى العقيدة. ومع ذلك قرروا، فى دحضهم لبدعة سابيليوس، أن هذه المصطلحات كانت مقبولة بإعتبارها اللغة الافتراضية الأكثر ملائمة، لئلا نفترض أن شيئا واحدا يُشار إليه بثلاثة أسماء، بينما ينبغى علينا أن نؤمن أن كلا من هذه الأسماء فى الثالوث يُشير إلى اقنوم قائم بذاته فى الله. هذه كانت قرارات هذا المجمع.

(3/7/4) فإذا أردنا أن نعبر عن حكمنا الخاص بشأن الجوهر والأقنوم، فإنه يبدو لنا أن الفلاسفة اليونان قد اعطوا تعاريفا متعددة للأوسيا ولكنهم لم يعطوا أدنى اهتمام للهيبوستاسيس. ففى الحقيقة يعلن ايرينيئوس النحوى فى ابجديته “آتيكستوس”  Atticistesأنه مصطلح بربرى([33])، إذ أنه لم يوجد فى أىٍ من الكتابات القديمة سوى بالصدفة، بمعنى مختلف تماما عن ذلك المستخدم اليوم([34]). وهكذا يستخدمها سوفيكليس فى تراجيديته المعنونة “فيونكس” بمعنى “الغدر”([35]) ولكنها عند ميناندر “صلصة” كما لو كان يدعوه “رواسب” “هيبوستاسيس” فى قاع برميل نبيذ. ولكن، على الرغم من أن الكتّاب القدامى قد لاحظوا هذه الكلمة، إلا أن الحديثين قد استخدموها مرار بدلا من “أوسيا”. وهذه الكلمة كما لاحظنا سابقا قد تم تعريفها بتعريفات متعددة([36])، ولكن بأى معنى من هذه المعانى الممكنة يمكننا أن نعرّف به الله غير المدرك. هنا يحذرنا ايفاجريوس([37]) فى كتابه “موناخيكوس” Monachicus من استخدام اللغة بغير تروى، والمجازفة عند الإشارة إلى الله، ويحظر علينا تعريف الألوهية رغم أنها بسيطة تماما فى طبيعتها، ويقول “لأن التعريف يخص فقط الأشياء المركبة”. ويُضيف نفس المؤلف، أكثر من ذلك أن “كل شىء إما جنس وإما نوع، وإما شىء مختلف وإما عرض وإما حدث وإما “وحيد فى ذاته”([38])  proprium وإما مركب من هذه الأشياء. ولكن لا شىء من هذا يوجد فى الثالوث القدوس. إذن فلنعبد فى صمت ذاك الذى لا يُعبَّر عنه”([39]). هذا هو منطق ايفاجريوس، والذى سنتكلم عنه لاحقا([40]).

وفى الواقع لقد استطردنا هنا ولكن من أجل توضيح هذا الموضوع محل النظر([41]).

الكتاب الثالث: الفصل الثامن

(اقتباس من أثناسيوس فى “دفاع عن الهروب”)

وفى هذه المناسبة قرأ أثناسيوس للحاضرين “دفاعا” كان قد ألفه منذ زمن قبل ذلك، لتبرير هروبه. ومن الممكن إدراج بعض فقرات منه هنا تاركين العمل كله الذى هو أكبر من أن يُنسخ، للبحث عنه والإطلاع عليه من قِبل المجتهدين.

“انظروا [مدى] شناعة أعمال هؤلاء الكفرة وجسارتهم. فإنهم بدلا من أن يستحوا من مكائدهم الخرقاء ضدنا، راحوا مع ذلك يعنفوننا على هروبنا من أياديهم القاتلة. وهم فى الحقيقة مغتاظين جدا من أنهم لم يقدروا على إنهاء حياتنا.

بإختصار، إنهم يتغاضون عن حقيقة أنه فيما هم يعيروننا بالجبن إنما يُجرِّمون فى الحقيقة أنفسهم. لأنه إذا كان من المشين أن تهرب، فإنه من العار بالأكثر أن تطارِد. لأن الأول يسعى إلى الهرب من جريمة قتل، أما الثانى فيجتهد فى إرتكابها. والكتاب المقدس ذاته يشير علينا بالهرب([42]). وأولئك الذين يضطهدون إلى الموت فى محاولتهم للتعدى على الناموس إنما يجبروننا على الفرار. لذلك عليهم بالأحرى أن يخجلوا من اضطهادهم عن أن يوبخونا فى سعينا للفرار منه. فليكفوا هم عن التآمر، ومن ثم يكف أولئك الذين يفرون هم أيضا عن الفرار.

ومع ذلك، حقدهم وغِلهم لا حدود له، فهم يستخدمون كل فن لإصطيادنا وهم يعون جيدا أن الفرار من الإضطهاد هو أقوى إدانة على أنهم مضطهِدون، لأن أى شخص لا يهرب من الوديع والخيّر وإنما يهرب من الشخص ذى السلوك البربرى والقاسى. ومن هنا كان يهرب “كل صاحب ضيق، ومَن عليه دين”([43]) من شاول إلى داوود. بينما هؤلاء الذين يرغبون فى القتل يتخفون حتى لا يكون هناك دليل يدينهم على شرهم. ولكن فى هذا أيضا يخدع هؤلاء الرجال السيئون أنفسهم بشدة. لأنه كلما سعوا فى إخفاء أعمالهم الشريرة، كلما ظهر بأكثر جلاء اجتهادهم فى القتل والنفى. فإن هم نفذوا إغتيالا، فإن الدماء المسفوكة تصرخ ضدهم بصوتٍ عالٍ. وعندما يرتكبون أحكام نفى، فإنهم ينصبون فى كل مكان أثرا لظلمهم وعدم عدالتهم. وبكل تأكيد ما لم يكن فكرهم سقيما لكانوا قد أدركوا المعضلة التى وقعوا فى شباكها. ولكن إذ هم قد فقدوا الحكم السليم، فإن غباؤهم مكشوف. وفيما هم كذلك، لا يرون شرورهم. ولكن إن هم وبخوا أولئك الذين ينجحون فى إخفاء نفوسهم من مكر أعدائهم سافكى الدماء، ويسبون مثل هذا الفرار من المضطهِدين، فماذا سيقولون عن إنسحاب يعقوب من أمام غضب أخيه عيسو([44]). وعن هروب موسى([45]) إلى أرض مديان خوفا من فرعون؟. وأى إعتذار سيقدمه هؤلاء عن هرب داوود([46]) من أمام شاول، عندما أرسل رسلا من داره لإحضاره، وعن إختبائه فى كهف بعد إجتهاده فى إنقاذ نفسه من مقاصد أبيمالك([47]) الخائن بالتظاهر بالجنون؟. وماذا سيقول هؤلاء الطائشون أيا كانت إجابتهم عندما يتذكرون النبى ايليا([48]) الذى أقام بالدعاء إلى الله ميتا، وهو يختفى من رعب آخاب ويهرب من دناءة ايزابيل؟. وفى وقت آخر، عندما أراد بنو الأنبياء قتله، انسحب وإختبأ فى كهف عوبيديا([49]).

وإن كانوا غير ملمين بهذه الأمثلة لأنها قديمة، فليتذكروا ما هو مسجل فى الأناجيل من أن التلاميذ([50]) قد إختبأوا خوفا من اليهود. وبولس عندما طورد من حاكم[دمشق] أُنزِل فى سلة من السور وهرب بذلك من يدى مطارديه([51]). وإذ يروى الكتاب المقدس هذه الأمثلة عن القديسين، فأى أعذار سيختلقونها لتهورهم. إن هم اتهمونا بالجبن فهم ينطقون بدون وعى منهم بإدانة أنفسهم، إذ أنهم ينعتون هؤلاء القديسين بأنهم قد تصرفوا ضدا لمشيئة الله؟. ويُظهِرون جهلهم بالكتاب المقدس، لأنه أمر فى الناموس بتأسيس “مدن ملجأ”([52]) ليتوفر بواسطتها حماية لأولئك الذين يطاردهم الموت، لينجو فيها. وأيضا فى تمام الأزمنة عندما أتى بنفسه إلى الأرض، كلمة الآب الذى تكلم عنه موسى، صرّح بهذا “وعندما يضطهدونكم فى مدينة، فإهربوا إلى أخرى”([53]) وبعد ذلك بقليل “وعندما ترون رجسة الخراب التى تحدث عنها دانيال النبى، قائمة فى الموضع المقدس، (فليفهم القارىء) فليهرب الذين فى اليهودية إلى الجبال، والذين على السطح لا ينزلون لأخذ أى شىء من البيت، ولا الذى فى الحقل يرجع لأخذ ملابسه([54]).

وإذ وعى القديسون بمثل هذه الأمثلة صاروا مدربين على التصرف، إذ لماذا أمر الرب قبل مجيئه بالجسد، بواسطة خدامه بهذه القاعدة العامة التى تقود الإنسان إلى حمايته، وأن يمارس كل ما أشار به الله. وفى هذا الصدد عندما تجسد الله الكلمة نفسه من أجلنا، إختبأ عندما كان مطارَداً([55]). وعندما أُضطهِد إختبأ أيضا ليتجنب الدسيسة ضده. لأنه بهذا، وبالجوع والعطش ومعاناة الآلام أظهر أنه إنسان بالحقيقة. لأنه منذ البداية بمجرد أن وُلِد أعطى توجيهاته ليوسف بواسطة ملاك ” قم وخذ الصبى وأمه، واهرب إلى ارض مصر، لأن هيرودس يطلب نفس الصبى”([56]). وبعد موت هيرودس، انسحب إلى الناصرة خوفا من إبنه اخيلاس. ذاك الذى أعطى دليلا على ألوهيته بشفاء اليد اليابسة، عندما تشاور عليه الفريسيون ليهلكوه([57]) اعتزل وهو عالم بشرّهم. وعندما أقام إليعازر من الموت، وكانوا ما زالوا أكثر عزما على هلاكه، [قيل لنا] “لم يعد المسيح يسير علانية بين اليهود”([58]) ولكنه اعتزل فى منطقة على حدود الصحراء. وأيضا عندما قال المخلص “قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن”([59]) فأخذ اليهود حجارة ليرجموه، فاختفى عنهم واجتاز فى وسطهم خارجا من الهيكل، وذهب بعيدا، وهكذا هرِب. فإذ يرون هذه الأمور، أو يفهمونها([60]) (لأنهم لن يروا). آلا يكونوا مستوجبين الحرق بالنار طبقا لِما هو مكتوب لتصرفهم هذا علانية ضد كل ما فعله وعلَّمه الرب؟. وأخيرا، عندما أُستُشهِد يوحنا [المعمدان] ودفنه تلاميذه، رحل يسوع عندما سمع بما عُمِل، من هناك فى مركب إلى موضع قفر([61]). والآن، لقد فعل الرب كل هذا ليعلمنا.

ولكن، آلا يتضع هؤلاء الرجال الذين تحدثتُ عنهم ويكبحوا تهورهم إزاء البشر، ولا يتجاسرون ويُذنبون بجنون، بإتهام مخلصنا نفسه بالجبن وخاصة بعدما نطقوا بالفعل بتجاديف ضده. ولكن حتى إن فعلوا ذلك فلن يُعذروا لأن جهلهم بالإنجيل معروفا للجميع. إن علينا الاعتزال والهرب فى مثل هذه الظروف بإعتبارها معقولة وسارية التى نبهنا إليها الإنجيليون مسبقا على غرار سلوك مخلصنا نفسه. والتى نستدل منها على أن القديسين قد تأثروا بالصواب بهذا المبدأ ذاته، إذ أن كل ما قد سُجِّل عنه كإنسان إنما هو محل تطبيق من الجنس البشرى كله، لأنه أخذ لنفسه طبيعتنا، وأظهر فى ذاته عواطف ومشاعر ضعفنا، والتى أشار إليها يوحنا هكذا “وعندئذ فكروا فى أَن يُمسِكوه، ولكِن لم يُلقِ أَحَدٌ يَداً عليه، لأَنَّ ساعتَه لم تكُن قد جاءَت بعد” ([62]). وعلاوة على ذلك، قبل أن تأت هذه الساعة، قال هو نفسه لأمه “ساعتى لم تأت بعد”([63])، ولأولئك الذين ظهروا إخوة له “لم يحن بعد وقتى”. وعندما أتى الوقت قال للتلاميذه “ناموا الآن واستريحوا، لأن ساعتى قريبة. وإبن الإنسان سيسلم ليد الأثمة”([64]). وهكذا لم يسمح لنفسه أن يسلَّم قبل أن يأتى الوقت، ولا عندما أتى الوقتُ اختبأ بل سلَّم نفسه طواعية لأولئك الذين تآمروا ضده .. وهكذا أيضا، الشهداء والمباركين قد حرسوا أنفسهم فى أزمنة الإضطهاد عندما اُضطُهِدوا بالفرار وظلوا مختئبين، ولكن عندما أُكتُشِفوا استشهدوا”.

هكذا كان منطق أثناسيوس فى دفاعه عن هروبه([65]).

الكتاب الثالث: الفصل التاسع

(يوسيبيوس اسقف فيرسللى يتوجه إلى انطاكية عقب “مجمع الأسكندرية”. إخفاقه فى تحقيق المصالحة بين الأطراف المتناحرة هناك. لوسيفر وأتباعه.)

(3/9/1) وما أن انفض مجمع الأسكندرية، حتى انطلق يوسيبيوس اسقف فيرسللى من الأسكندرية إلى انطاكية. وهناك وجد أن بولينس قد رُسِم بواسطة لوسيفر. وكان الناس غير راضين فيما بينهم، إذ أن أنصار مليتيوس كانوا يعقدون اجتماعاتهم منفردين، فحزن للغاية من عدم الإنسجام بشأن إنتخابه، و لم يستحسن، من جهته، ما حدث. ومع ذلك دفعه إحترامه للوسيفر إلى الصمت إزاء ذلك، وعند رحيله وضع فى نفسه تسوية الأمر بمجمع من الاساقفة. لقد سعى بكل ما يملك إلى إعادة الوحدة بين المتنازعين، ولكنه لم ينجح. وفى نفس الوقت عاد مليتيوس من المنفى، وعندما وجد أنصاره يعقدون اجتماعاتهم بمعزل عن الآخرين، ترأسَهم.

(3/9/2) ولكن اوزيوس رأس الهرطقة الأريوسية كان قد استولى على الكنائس، واحتفظ بولينس([66]) بكنيسة صغيرة داخل المدينة ولم يطرده اوزيوس منها بسبب احترامه الشخصى له. أما مليتيوس وأنصاره فكانوا يعقدون اجتماعاتهم خارج بوابات المدينة. وفى ظل هذه الظروف، غادر يوسيبيوس انطاكية فى ذلك الوقت.

(3/9/3) وعندما علِم لوسيفر أن رسامته لبولينس لم تحظ بموافقة يوسيبيوس اعتبر ذلك إهانة له وغضب جدا، ولم ينفصل عن الشركة معه فقط، لكنه بدأ أيضا بروح نزاعية فى إدانة ما قد تحدد فى المجمع. وحدث هذا الأمر فى فترة فوضى خطيرة جعلت كثيرين غرباء عن الكنيسة إذ إلتصق كثيرون بلوسيفر ونشأت بذلك شيعة حملت إسم “لوسيفيريين”([67]). ورغم ذلك، لم يستطع لوسيفر أن يعبّر تماما عن غضبه، إذ كان قد تعهد بواسطة شماسه على التصديق على كل ما يتقرر فى المجمع. ومن ثم ناصر مفاهيم الكنيسة، وعاد إلى كرسيه فى ساردينيا. ولكن أولئك الذين ناصروه فى البداية، استمروا منفصلين عن الكنيسة.

(3/9/4) ومن جهة أخرى، سافر يوسيبيوس خلال المقاطعات الشرقية واسترد، كطبيب صالح، أولئك الضعفاء فى الإيمان معلِّما ومثبتا إياهم فى المبادىء الكنسية. ثم عبَر بعد ذلك إلى ايلليركوم، ومن هناك إلى ايطاليا حيث مارس نفس المنهج.

الكتاب الثالث: الفصل العاشر

(عن هيلارى اسقف بواتيه. وعن المقدونيين)

(3/10/1) وهناك، كان ينتظره هيلارى اسقف بواتيه(مدينة بأكوتانيا سيكوندا) إذ كان قد ثبَّت سابقا اساقفة ايطاليا والغال فى عقائد الإيمان الأرثوذكسي، لأنه عاد أولا من المنفى إلى هذه الأقطار. لذلك تآلف هذان النبيلان فى نشاطهما فى الدفاع عن الإيمان. وكان هيلارى بليغا جدا، فحافظ بقوة عظيمة على عقيدة “هومووسيون” فى الكتب التى كتبها باللاتينية والتى قدَّم فيها تأييدا كافيا[ للعقيدة] ودحض جميع اعتراضات الاريوسيين على نحو مفحم. وقد حدث ذلك عقب استدعاء المنفيين بوقت قصير.

(3/10/2) ولكن يجب ملاحظة أنه فى نفس الفترة، كان مقدونيوس واليسيوس ويوستاثيوس وصفرونيوس وكل أنصارهم ممن يتبنون نفس مقاصد مقدونيوس، كانوا يعقدون مجامعا متكررة فى أماكن متنوعة([68]). وإذ دعوا أولئك الذين فى سلوقية ممن يتبنون وجهات نظرهم، حرموا اساقفة الطرف الآخر أى الاكاكيين، ورفضوا قانون ارمينيم، وصدَّقوا على ذلك الصادر من سلوقية، وكان هذا كما دونتُ فى الكتاب السابق([69])، مثل ذلك الصادر فى انطاكية. وعندما سُئِلوا “لماذا ايها المدعوين مقدونيين تبقون على التناول مع الاكاكيين، كما لو كنتم متفقون معهم فى الرأى، إذا كنتم بالفعل مختلفون معهم؟”. أجابوا، بواسطة صفرونيوس اسقف مدينة بومبيوبوليس ببافلوجونيا هكذا “هؤلاء الذين فى الغرب مصابون بعدوى هومووسيون كمرض، واتيوس فى الشرق لوث نقاوة الإيمان بإدخاله عدم التماثل فى الجوهر. وكلتا العقيدتان غير شرعية، لأن الأولى تُدمِج بتهور الاقنوميَن المتميزيَن الآب والإبن فى واحد، وذلك بواسطة مصطلح هومووسيوس([70])، بينما اتيوس يفصل تماما علاقة الابن بالآب بتعبير آنوميون([71]) بما لا يماثل طبيعة أو جوهر. فلما كان الطرفان يمثلان تطرفا متضادا، لذلك بدا لنا الأمر الوسط أكثر اتساقا مع الحق والتقوى. ولذلك نؤكد أن الإبن “مثل” الآب فى الجوهر”.

(3/10/3) تلك كانت إجابة المقدونيين على لسان صفرونيوس على هذا السؤال، كما يؤكد لنا سابينوس فى مجموعته “اعمال المجامع”. ولكن اتيوس فى طعنه على ذلك كمؤلِف لعقيدة آنوميون، وليس اكاكيوس، يوضح أنهم يخفون الحقيقة بمكر لكى يظهرون أنهم بعيدين عن الاريوسية من ناحية، وعن الهوموسيين من ناحية أخرى، لأن كلامهم يحكم عليهم أنهم منفصلين عن الإثنين ولكن من باب حب الابتداع. وبهذه الملاحظة نختم إشارتنا إلى هؤلاء الأشخاص.

الكتاب الثالث: الفصل الحادى عشر

(ابتزاز يوليانوس للمسيحيين)

(3/11/ 1) على الرغم من الإمبراطور يوليانوس قد سلك فى بداية عهده بلطف مع الجميع، إلاَّ أنه بمرور الوقت لم يستمر فى إظهار هذه المساواة. لقد كان مستعدا فى الحقيقة للموافقة على مطالب المسيحيين عندما كان يريد مقت ذكرى قنسطانتيوس، ولكن عندما لم يعد هناك محل لهذا الدافع لم يعد يُخفِى مشاعر الكراهية نحو المسيحيين بصفة عامة.

(3/11/ 1) وبناء عليه سرعان ما أمر بإعادة بناء كنيسة النوفاتيين فى سيزيكوس التى هدمها اوزيوس بالكامل فارضا غرامة ثقيلة جدا على ايليسيوس اسقف تلك المدينة إن هو اخفق فى إتمام البناء على نفقته الخاصة خلال شهرين. وعلاوة على ذلك، تعاطف بكل سلطاته مع الخرافات الوثنية. ففتح المعابد الوثنية، كما دونا سابقا([72])، وقدَّم هو بنفسه الأضاحى لإلهة الحظ Fortune, بالكاتدرائية([73]) حيث كان تمثالها منصوبا هناك.

الكتاب الثالث: الفصل الثانى عشر

(عن ماريس اسقف خلقيدون. منع يوليانوس تعلم الأدب اليونانى)

(3/12/1) وفى نحو هذه الفترة، أُقتِيد ماريس اسقف خلقيدون من يده إلى حِضرة الإمبراطور حيث كان يعانى فى شيخوخته من مرض فى عينيه يسمى “كاتاراكت”. وهناك وبخ [الإمبراطور] بشدة على كفره وجحوده وإلحاده. فرد عليه يوليانوس بنعته بألقاب كريهة ودعاه بالأعمى قائلا له أيها العجوز الأعمى والغبى، هذا الجليلى إلهك لن يشفيك ابدا”، لأنه كان معتادا على تسمية المسيح بالجليلى([74])، والمسيحيين بالجليليين. فأجاب ماريس بأكثر جسارة “إننى أشكر الله الذى حرمنى من البصر، حتى لا أعاين وجه ذاك الذى سقط فى هذا الكفر الشنيع”. وترك الإمبراطور هذا يمر بدون تعقيب أكثر فى ذلك الوقت، ولكنه انتقم بعد ذلك.

(3/12/2) وإذ لاحظ أن الذين أُستُشهِدوا فى زمن دقلديانوس قد كرَّمهم المسيحيون بدرجة عظيمة، وعرف أن كثيرين منهم تواقين لأن يصيروا شهداء. لذلك عزِم على ممارسة انتقامه منهم بطريقة أخرى. فإمتنع لذلك عن القسوة المفرطة التى مورست فى أيام دقلديانوس، ولكنه لم يكف مع ذلك عن اضطهاد المسيحيين.(لأننى اعتبر أية وسيلة تُستخدم للإزعاج والتكدير هى اضطهاد). وكانت الخطة التى اتبعها هى ما يلى. سن قانونا([75]) أُستُبعِد بمقتضاه المسيحيون من تعلم الأدب [اليونانى] لئلا عندما يُشحِذون لسانهم يكونون أكثر استعدادا لمجادلة الوثنيين.([76])

الكتاب الثالث: الفصل الثالث عشر

(اعتداء الوثنيين على المسيحيين)

(3/13/1) وعلاوة على ذلك منع كل مَن لا يُقدّم أضاحى للأوثان من شَغل أى وظيفة فى البلاط، كما لو كان لا يضر المسيحيين، وحظر على المسيحيين شغل وظائف حكام مقاطعات قائلا لأن شريعتهم تمنعهم من استخدام السيف ضد المخالفين المستوجبين لعقوبة الإعدام”.([77]) وحث الكثيرين على تقديم الأضاحى، تارة بالتملق وتارة بالهبات. وعلى الفور، كما لو كان مُحمَّى بأتون، صار من الجلى للجميع من هم المسيحيون الحقيقيون، ومَن هؤلاء الذين هم كذلك بالإسم فقط.

(3/13/2) فأولئك الذين كانوا مسيحيين بكمال القلب كانوا أكثر استعدادا للإستقالة من وظائفهم([78])، وأن يختاروا المعاناة من أى شىء عن أن ينكروا المسيح. ومن هؤلاء كان جوفيانوس وفالنتنيان وفالنس الذين صار كل منهم امبرطورا فيما بعد. ولكن آخرين ممن لم يكن ايمانهم سليما، الذين فضلوا الغِنى وشرف هذا العالم عن الراحة الحقيقية، فهؤلاء قدَّموا بلا تردد الأضاحى. ومن هؤلاء كان اسبوليس فيلسوف القسطنطينية الذى وضع نفسه تحت تصرف الاباطرة، فتظاهر فى عهد قنسطانتيوس بأنه مسيحى غيور، بينما أظهر فى عهد يوليانوس حماسا مساويا للوثنية، ثم اعترف ثانية بالمسيحية بعد موت يوليانوس، إذ انطرح عند ابواب الكنيسة ونادى “دوسوا علىَّ لأننى مثل الملح الذى فقد طعمه”([79]). وهكذا كانت شخصيته غير المستقرة والمتقلبة خلال كل تاريخه.

(3/13/3) وفى نحو هذا الوقت، أراد الامبراطور أن يقوم بغزو الفارسيين نظرا لإعتداءاتهم المتكررة على المقاطعات الرومانية فى عهد قنسطانتيوس، فزحف بحملة كبيرة خلال اسيا الى الشرق. ولكن لما كان يعلم جيدا ويلات الحرب، وعِظم الموارد اللازمة لتنفيذها بنجاح والتى بدونها لا يمكن القيام بها، لذا خطط بمكر لجمع النقود بإبتزازها من المسيحيين. ففرض على الذين رفضوا تقديم الأضاحى غرامة ثقيلة جُمِعت بقسوة شديدة من أولئك المسيحيين الحقيقيين، وكان كلٌ منهم ملزما بدفع ما يتناسب مع ممتلكاته. وبهذه الوسائل غير العادلة كدَّس الامبراطور ثروة ضخمة لأن هذا القانون وُضِع موضع التنفيذ أينما كان، سواء أكان يوليانوس حاضرا أم لم يكن.

(3/13/4) وأغار الوثنيون فى نفس الوقت على المسيحيين. وكان هناك عدد كبير ممن نعتوا أنفسهم بنعت “فلاسفة”، فبدأوا عندئذ فى إقامة السرائر الدنسة([80])، وقدموا الأطفال الأبرياء ذكورا وإناثا أضاحى ليفحصوا احشائهم، بل ويتذوقوا لحومهم. وكانت هذه الطقوس الكريهة تُقدَّم فى مدن أخرى، ولكن بصفة خاصة فى أثينا والاسكندرية. وفى تلك الثانية، كان ذلك الإتهام الذى وُجِّه ضد أثناسيوس الاسقف، والذى بناءً عليه عزم الامبراطور على تخريب ليس فقط هذه المدينة بل مصر كلها، وأنه لا شىء يمكن أن يُنقذها سوى طرده([81]) من القطر كله. لذلك أُعلِم حاكم الأسكندرية بمرسوم امبراطورى بالقبض عليه.

الكتاب الثالث: الفصل الرابع عشر

(هروب أثناسيوس)

(3/14/1) لكنه هرب ثانية قائلا لأصدقائه الحميمين “لنعتزل يا أصدقائى لبعض الوقت. إنها سحابة صغيرة وسوف تنقشع سريعا”. فأبحر على الفور على ظهر مركب عبر النيل، وأسرع بكل قوة نحو مصر([82]). وكان مطاردا عن كثب من قِبل أولئك الذين يفتشون عنه. وعندما أدرك أن مطارديه ليسوا بعيدين عنه، حثه مرافقوه على الاعتزال مرة أخرى فى الصحراء. فلجأ الى حيلة استطاع الهرب بها. إذ اقنع مرافقيه بالعودة ومقابلة المطاردين، ففعلوا ذلك على الفور.

(3/14/2) وعندما مروا بهم سألوهم ببساطة عما إذا كانوا قد شاهدوا اثناسيوس فأجابوا أنه ليس ببعيد عنهم([83])، وأنهم إن اسرعوا سيقبضون عليه. فإذ سمعوا ذلك اسرعوا من جديد بكل قوتهم فى تعقبه، ولكن بلا جدوى.

(3/14/3) وعاد اثناسيوس سرا الى الأسكندرية وظل مختبئا هناك الى أن انقضى الاضطهاد([84]). وهكذا كانت المخاطر التى تلت واحدة بعد الأخرى على اسقف الأسكندرية. وهذه الأخيرة من الوثنيين بعدما كان معرضا قبلا لِما يأتى من المسيحيين.

(3/14/4) وعلاوة على هذه الأمور، انتهز حكام المقاطعات اهتمام الامبراطور بالخزعبلات الوثنية فى اشباع شراهتهم الخاصة، فارتكبوا أفظع الغارات على المسيحيين، أكثر من تلك التى تسمح بها سلطاتهم، فقد كانوا ينتزعون احيانا مبالغ أكبر مما ينبغى عمله، ويوقعون على الآخرين عقوبات بدنية. وعندما علِم الامبراطور بهذه التجاوزات قال “من واجبكم أن تتحملوا هذه المصائب بصبر لأن هذا هو أمر إلهكم”.

الكتاب الثالث: الفصل الخامس عشر

 (شهداء ميروم بفريجيا)

(3/15/1) وأمر أماجيوس حاكم فريجيا، بإعادة فتح معبد ميروم وهى مدينة بتلك المقاطعة، وتنظيفه من القاذورات التى تراكمت بمرور الزمن. وأن يتم تلميع التماثيل التى به. الأمر الذى أحزن المسيحيين هناك بشدة. ولم يستطع أشخاص يُدعون مقدونيوس وثيودولوس وتاتيان احتمال هذا الإزدراء لدينهم، فإندفعوا بغيرة مفرطة للفضيلة ليلا الى المعبد وحطموا التماثيل الى قطع.

(3/15/2) وإذ سخط الحاكم لما حدث أمر بقتل كل مَن فى المدينة مهما كان بريئا. فسلَّم الفاعلون أنفسهم طواعية، واختاروا الموت دفاعا عن الحق، عن أن يروا الآخرين يموتون بدلا منهم. فقبض عليهم الحاكم وأمرهم أن يكفروا عن جريمتهم بتقديم الآضاحى، فلما رفضوا عمل ذلك هددهم بالتعذيب. ولكنهم ازدروا بهذه التهديدات بكل شجاعة، وأبدوا استعدادهم لتحمل أى آلام عن أن يتدنسوا بالآضاحى. وبعد أن أخضعهم لكل ألوان التعذيب، وضعهم أخيرا على مشواة تحتها نار وقتلهم بهذا.

(3/15/3) ولكنهم حتى فى هذه الشدة الأخيرة قدموا برهانا على جلَدهم البطولى حيث خاطبوا الحاكم القاسى، هكذا: إن أردتَ أن تأكل لحما مشويا حسنا يا آماخوس فأمر بتقليبنا على الجانب الآخر لئلا نبدو لك نصف طهى عندما تتذوقنا”. وهكذا أنهى هؤلاء الشهداء حياتهم.

الكتاب الثالث: الفصل السادس عشر

( الاعمال الأدبية لأبوليناريوس، وحظر يوليانوس الأدب اليونانى على المسيحيين)

(3/16/1) لقد أثمر المرسوم الامبراطورى([85]) بمنع المسيحيين من دراسة الأدب اليونانى شخصين متميزين كلاهما بإسم ابوليناريوس اللذين تكلمنا عنهما سابقا([86]). وكانا كلاهما ماهرين فى التعلم المهذب. الأب فى النحو والإبن فى البلاغة، فجعلا نفسيهما فى خدمة المسيحيين فى هذه الأزمة.

(3/16/2) فالأول ألَّف كنحوى، نحوا متفقا مع الإيمان المسيحى، وترجم أيضا كتب موسى الى قصائد بطولية، وكذلك سائر الكتب التاريخية للعهد القديم، ووضعها فى قوالب شعرية، وجزئيا فى شكل تراجيدى. واستخدم عن قصد كل ألوان الشعر، فلما يدع لونا من التعبير المميز للغة اليونانية إلا واستعمله لكى لا يكون غير معروف أو غير مسموعٍ لدى المسيحيين.

(3/16/3) أما ابوليناريوس الإبن الذى كان ماهرا جيدا فى البلاغة فقد شرح الأناجيل والعقائد الرسولية بأسلوب الديالوج، كما فعل افلاطون بين اليونانيين. وهكذا أزهرا فائدة للعلة المسيحية التى تغلبا بها بتعبهما الخاص على حيلة الامبراطور.

(3/16/4) ولكن العناية الإلهية كانت أكثر قدرة من أىٍ من تعبهما، ومن مكر الامبراطور لأنه ليس بعد ذلك بوقتٍ طويل، صار هذا القانون على النحو الذى سنشرحه فيما بعد([87])، بلا فائدة عملية. وعمل هذين الرجلين ليس بذى أهمية بعد، كما لو كانا لم يكتبا ابدا. ولكن ربما سيجيب احد بحماس قائلا “على اى اساس تقول أن هذه الأمور قد حدثت بفعل العناية الإلهية؟. إن موت الامبراطور الفجائى كان دليلا على أفضلية المسيحية. ولكن بالتأكيد رفض التأليف المسيحى من قِبل ابوليناريوس الأب والإبن، وبداية اهتمام المسيحية بالفلسفة الوثنية، هذه الاعمال التى لا فائدة منها للمسيحية لأن الفلسفة الوثنية تعلّم تعدد الآلهة، ومضرة لنمو الدين الحق.

(3/16/5) هذا الاعتراض سأرد عليه بالاعتبارات التالية حسبما يخطر على بالى. فبكل تأكيد الأدب اليونانى لم يُعترَف به سواء من المسيح أو من تلاميذه، ولكنه فى نفس الوقت لم يُرذل بالكلية كأمر مهِلك. وأنا مقتنع أنهم فعلوا ذلك ليس بدون تبصر، لأنه كان هناك فلاسفة كثيرون بين اليونان ليسوا بعيدين عن معرفة الله، وهؤلاء تهذبوا فى الواقع من العلم المنطيقى وعارضوا بشدة الابيقوريين والسوفسطائيين الآخرين الذين انكروا العناية الإلهية ودحضوا جهلهم، ولهذا السبب صاروا نافعين لكل محبى التقوى الحقيقية ومع ذلك كانوا هم أنفسهم غير ملمين برأس الدين الحق، وجاهلين بسر المسيح المخفى منذ الأجيال([88])، ولهذا يُعلِن الرسول فى رسالته الى الرومانيين “لأن غضب الله مُعلَن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم. إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله اظهرها لهم. لأن أموره غير المنظورة تُرَى منذ خلق العالم، مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته، حتى أنهم بلا عذر. لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله”([89]).

(3/16/6) من هذه الكلمات يظهر أنه كان لديهم معرفة الحق التى أظهرها الله لهم، ولكنهم كانوا مذنبين فى هذا الصدد أنهم عندما عرفوا الله لم يمجدوه كإله. ولذلك، تركوا افراز الاعمال اليونانية دون أن يحظروها، لمن يرغب فى ذلك. وهذه هى حجتنا الأولى فى الدفاع عن المهمة التى تعهد بها.

(3/16/7) أما الأخرى فهى هذه، أن كتبنا المقدسة الموحى بها، بها عقائد لا تحصى محل اعجاب فى ذاتها وسمائية فى سماتها تؤدى الى التقوى ونقاوة السيرة على نحو متميز لأولئك الذين يسترشدون بواسطة فرائضها، وتكشف طريق الإيمان الذى يَسُّر الله كثيرا. ولكنها لا تعلمنا فن المنطق الذى به ننجح فى مقاومة مقاومى الحق. وإلى جانب ذلك، من السهولة بمكان هزيمة معارضينا عندما يمكننا استخدام ذات اسلحتهم ضدهم. ولكن هذه القوة لم تُزوَّد للمسيحيين بواسطة كتابات ابوليناريوس. لقد وضع ذلك يوليانوس فى ذهنه عندما منع المسيحيين بقانون من تعلم الأدب اليونانى، لأنه عرف جيدا أن الخرافات التى يحتوى عليها ستكشف النظام الوثنى كله([90]) وأنه صار نصيرا للمضحكات والمزدرى به. وحتى سقراط الأكثر شهرة بين فلاسفتهم قد إزدرى بهذه الخرافات وأُدين بسبب ذلك كما لو كان قد ازدرى بقداسة معبوداتهم. وعلاوة على ذلك، يوصينا [السيد] المسيح ورسوله أن “نصير صيارفة مميِّزين”([91]) لكى ما نقدر أن “نفحص([92]) كل  الأشياء، ونتمسك بما هو جيد([93]). وينبهنا أيضا الى أن نحترس “لئلا يُضلنا أحد بفلسفة وخداع باطل([94]).

(3/16/8) ولكن هذا لا يمكننا عمله ما لم نمتلك نحن بأنفسنا اسلحة خصومنا. مع الحرص جيدا الى أننا فى قيامنا بهذا الفحص لا نتبنى مفاهيمهم ولكننا نختبرها فنرذل الشر الذى فيها، ونُبقِى على ماهو جيد وصحيح([95]) لأن الجيد أينما وُجِد له خاصية الصحيح. فإن تخيل أحدٌ أننا فى قيامنا بهذه التأكيدات نُجرِّد الأسفار المقدسة من بنائها الشرعى، فعليه أن يتذكر أن الرسول ليس فقط لم يحظر علينا تعلم المعرفة اليونانية، بل أيضا لا يبدو أنه هو نفسه قد أهملها، بقدر ما كان يعرف الكثير من الاقوال اليونانية. فمن اين حصل على هذا القول “الكريتيون دائما كذابون، وحوش ردية، بطون بطالة”([96]) إلا من وحى ابيمندس المؤّلف الكريتى؟. أو كيف عرف هذا “لأننا ايضا نسله”([97]) إن لم يكن ملما بظاهرة آراتوس المنجم؟. وأيضا هذه الجملة” المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة” ([98]) لهى دليل كافى على أنه ملم بتراجيديات يوربيدس. ولكن ما حاجتنا الى التوسع فى هذه النقطة، فمن المعروف جيدا أن معلمى الكنيسة فى الأزمنة القديمة كانوا معتادين بعادة لا تنقطع على تدريب انفسهم بعلم اليونانيين، الى أن يصلوا الى عمر متقدم، وقد فعلوا ذلك من منطلق وجهة النظر الخاصة بالبلاغة ولشحذ اذهانهم وفى نفس الوقت لتمكينهم من دحض أخطاء الوثنيين. ولنكتف بهذه الملاحظات بشأن الموضوع الخاص بأبوليناريوس الأب والإبن.

الكتاب الثالث: الفصل السابع عشر

 (حملة يوليانوس ضد الفارسيين. سخرية الانطاكيين من لحيته. تأليفه لكتاب عن اللحية)

(3/17/1) بعد أن ابتز الامبراطور مبالغ هائلة من المسيحيين، أسرع بإعداد حملة ضد الفارسيين، ووصل الى انطاكية بسوريا. وهناك لكى يُظهِر للسكان مزيدا من العناية بهم، خفَّض بدون حكمة من اسعار البضائع، ولم يأخذ فى حسبانه ظروف ذلك الوقت، ولا فكَّر فى كم المؤن اللازمة للجيش الى جانب سكان المقاطعات، ولا فى المقدار الضرورى للمدن من المؤن. ومن ثم هجر التجار وبائعو القطاعى التجارة إذ لم يكونوا قادرين على تحمل الخسائر التى سببها لهم هذا المرسوم الامبراطورى. ومن ثم حدث عجز فى الضروريات.

(3/17/2) ولم يحتمل الانطاكيون الإهانة، لأنهم شعب لا يصبرون بالطبيعة على الإهانة، فإندفعوا فى الحال الى القدح ليوليانوس وسخروا من لحيته أيضا التى كانت طويلة جدا([99]) وقالوا أنه كان يجب أن يحلقها ويصنع منها حبالا، وأضافوا أن العجل المنقوش على عملته كانت رمزا لتخريبه للعالم، إذ أن الامبراطور كان مغرما للغاية بتقديم الأضاحى من العجول على مذابح الأوثان([100])، فأمر بنقش المذبح والعجل على عملته.

(3/17/3) وإذ تضايق من هذه السخرية هدد بعقاب مدينة انطاكية والعودة الى طرسوس بكيليكية، وأصدر تعليماته بتحرك القوات بسرعة للرحيل من هناك. فإنتهز ليبانيوس الفيلسوف السوفسطائى الفرصة وألف خطبتين احداها موجهة الى الامبراطور بالنيابة عن الانطاكيين، والثانية الى الانطاكيين بشأن عدم رضاء الامبراطور. ومع ذلك، من المؤكد الآن، أن هذه المؤلفات كانت مجرد كتابات ولم تُتلَ قط على الجمهور.

(3/17/4) وتراجع يوليانوس عن عزمه على الانتقام لنفسه بسبب الهجاء الذى تعرض له من جراء الاعمال الضارة، ونفَّث عن سخطه من هجائهم وتقريعهم المشين بكتابة كتيب ضدهم بعنوان “انتيخيكوس” أو “ميسوبوجن”([101]). وبهذا ترك وصمة لا تمحى لسكانها. ولكن يجب أن نتكلم الآن عن الشرور التى جلبها على المسيحيين فى انطاكية.

الكتاب الثالث: الفصل الثامن عشر

(يوليانوس يستشير الشيطان. يأمر بإزالة رفات الشهيد بابيلاس)

(3/18/1) عندما أمر بفتح المعابد الوثنية بأنطاكية كان شغوفا جدا بإستشارة وحى ابوللو بدافنى. ولكن الشيطان المقيم بالمعبد ظل صامتا بسبب الخوف من جاره الشهيد بابيلاس([102])، إذ كان التابوت الذى به جثمان ذاك القديس موجود بالقرب منه. فلما أُخطِر الامبراطور بهذه الحالة أمر بإزالة التابوت فى الحال.

(3/18/2) وعندئذ نقل الانطاكيون المسيحيون بما فيهم النساء والاطفال التابوت من دفنه إلى المدينة بفرح ووقار وبإنشاد المزامير. وكانت المزامير، تلك التى توبخ آلهة الوثنيين وأولئك الذين يتكلون على أصنامهم.([103])

الكتاب الثالث: الفصل التاسع عشر

(غضب يوليانوس، وجَلَد ثيودور المعترف)

(3/19/1) وعندئذ ظهر علانية تصرف ومزاج الامبراطور الحقيقى الذى حافظ على قدر ما يمكن أن يكون بلا ملاحظة، إذ لم يعد قادرا على ضبط نفسه رغم افتخاره الكثير بفلسفته، ولكنه إذ وصل تقريبا الى حالة الجنون بسبب هذه التسابيح الموبخة، صار أكثر استعدادا لإيقاع نفس القسوة التى مارسها وكلاء دقلديانوس سابقا ضد المسيحيين.

(3/19/2) ولما كانت حملته على الفارسيين لا تسمح بوقت فراغ لتنفيذ رغباته بشخصه فقد أمر سالوست الحاكم بالقبض على أشهر المنشدين للمزامير ليجعلهم عبرة.

(3/19/3) وكان الحاكم رغم أنه وثنى، أبعد ما يكون عن الرضاء بهذه المهمة، ولكن لما كان لا يتجاسر على عدم القيام بها، أمر بالقبض على العديدين من المسيحيين وسجن بعضهم. وأحضر الوثنيون له شابا يُدعى ثيودور فأخضعه لعذابات متنوعة، وأمر بجلده، ولم يُطلقه من عقوبة أشد إلا عندما لم يعد من الممكن أن يعمّر أكثر من العذاب.

(3/19/4) بيد أن الله حفظ هذا المعترف، لكى ما يدوم هذا الاعتراف. وقد سجل روفينوس الذى دوَّن “التاريخ الكنسى” باللاتينية، أنه هو نفسه قد تحدث مع ثيودور نفسه لوقت معتبر بعد ذلك، واستعلم منه عما إذا كان قد شعر بالألم الشديد خلال عملية الجلد والتعذيب أم لا. فكانت إجابته أنه شعر بألم التعذيب الذى عانى منه لوقت قصير، إذ أن شابا كان واقفا الى جواره كان يجفف عرقه الناجم من شدة المحنة التى كان يجتازها، وفى نفس الوقت كان يشدد من عزمه لدرجة أنه قضى وقته فى التجربة فى نشوة أكثر منه ألما. ولنكتف بذلك بشأن ثيودور الأكثر عجبا.

(3/19/5) وفى نحو هذا الوقت جاء وفد من الفارسيين الى الامبراطور يطلبون إنهاء الحرب وفقا لشروط معينة. ولكن يوليانوس صرفهم بإقتضاب قائلا “سوف تروننى قريبا جدا بشخصى، وبالتالى لن تكون هناك حاجة الى سفراء.”.

الكتاب الثالث: الفصل العشرون

(يوليانوس يحض على إعادة بناء هيكل اورشليم, فشلهم فى ذلك)

(3/20/1) ولكى ما يكدر الامبراطور المسيحيين، عرض خزعبلاته. وإذ كان يسر بالأضاحى، فإنه لم يكتف هو نفسه بالابتهاج بدمائها بل أيضا اعتبر تقديمها له تكريما واجبا إذا ما فعله الآخرون بالمثل.

(3/20/2) ولما وجد عددا قليلا يقتفون إثره، أرسل إلى اليهود يستفسر منهم عن سبب عدم تقديمهم للذبائح التى أمر موسى بتقديمها. فأجابوا أنه ليس مسموحا لهم بعمل ذلك فى أى مكان آخر سوى اورشليم. فأمرهم بإعادة بناء هيكل سليمان فورا. وفى نفس الوقت تقدم هو فى حملته على الفارسيين.

(3/20/3) فقام اليهود على الفور الذين كانوا يتوقون منذ أمد بعيد الى انتهاز أية فرصة مواتية لإعادة تشييد هيكلهم مرة أخرى بالعمل بحماس. وعلاوة على ذلك اجتهدوا بغيرة شديدة ضد المسيحيين وهددوهم بإلحاق الضرر بهم بنفس القدر الذى عانوه هم من الرومان. وإذ كان الامبراطور قد أمر بأن تكون نفقات البناء من الخزانة العامة، فقد تم توفير سائر المواد من عروق وأحجار وطوب وجير وكافة المواد الأخرى اللازمة للبناء بسرعة.

(3/20/4) وفى هذه المناسبة، ذكر كيرلس الأورشليمى نبوة دانيال، والتى أكدها أيضا المسيح فى الاناجيل المقدسة، وتنبأ فى حضور اشخاص كثيرين أن الوقت قد حلَّ بالفعل، الذى لن يُترَك فيه حجر على حجر إلاَّ ويُنقض فى ذلك الهيكل، وأن الإعلان النبوى للمخلّص([104]) لابد وأن يتم. وها هى كلمات الاسقف:

“فى الليلة التالية حدث زلزال مهول هشَّم أحجار الاساسات القديمة للهيكل ونثرها كلها مع الصروح المتاخمة. واستولى الرعب بالتالى على اليهود من جراء هذا الحدث. وأدى انتشار الخبر الى حضور الكثيرين الى الموقع الذى كان على مسافة بعيدة. ونزلت نار من السماء إلتهمت كل أدوات البناء لدرجة أن اللهب إلتهم المطارق والحديد والفؤوس والقادومات والبُلط، وسحق الأحجار. وبإختصار، كل الأدوات العديدة التى يستخدمها الفعلة واللازمة للقيام بالعمل. واستمرت النيران تلتهم هذه المواد طوال يوم كامل. وكان اليهود فى الحقيقة فى اقصى درجات الذهول وغير راغبين فى الاعتراف بالمسيح، ودعوته إلها. ولم يفعلوا إرادته، بل ظلوا ملتصقين باليهودية تحت تأثير تحيزات متأصلة. وحتى حدوث معجزة ثالثة حدثت بعد ذلك، لم يجعلهم يؤمنون بالحق. إذ ظهر فى الليلة التالية علامة الصليب على ملابسهم، والتى حاولوا عبثا إزالتها فى النهار بدعكها أو غسلها. لقد كانوا، كما قال الرسول، “عميانا”([105]) وطرحوا عنهم الصالح الذى كان فى يدهم. وهكذا، نُقِض بالكامل، الهيكل الذى أرادوا إعادة تشييده فى ذلك الوقت.

الكتاب الثالث: الفصل الواحد والعشرون

(حملة يوليانوس على الفارسيين وموته)

(3/21/1) وغزا الامبراطور فى نفس الوقت الفارسيين قبل الربيع بوقت قصير، إذ علِم أن الفارسيين يكونون ضعفاء بشدة وخائرين العزم فى الشتاء، إذ يكونون غير قادرين على تحمل البرد ومن ثم يُحجِمون عن الخدمة العسكرية فى هذا الموسم حتى صار قولا ساريا “الميدى، لن يسحب يده من أسفل عباءته”. كما أنه يعلم أن الرومان يتسمون بالشجاعة التى تجب كل طقس، لذا أرخى لهم العنان لتخريب البلاد([106]). وبعد أن دمروا بقاعا معتبرة من البلد بما فيها من قرى عديدة وحصون، أغاروا بعد ذلك على المدن. وحاصروا مدينة ستسيفون Ctesiphon الكبرى، لدرجة أن ملك الفارسيين أرسل سفارة أخرى الى الامبراطور يعرض تسليم جزء من سلطنته مقابل مغادرة البلاد ووضع نهاية للحرب.

(3/21/2) ولكن يوليانوس لم يقبل هذا العرض ولم يتعطف على تضرع العدو، ولم يفكر حتى فى القول المأثور الذى يقول “أن تغلب فهذا عمل جليل، ولكن أن تكون أكثر من غالب فأنت تعطى مكانا للحسد”. وإذ أصغى لتكهنات الفيلسوف مكسيموس الذى كان على اتصال مستمر معه فقد انخدع بأن قدره ليس فقط معادلا لألكسندر المقدونى بل ويجاوزه، ومن ثم إزدرى بتوسلات المَلكية الفارسية، بل افترض ايضا، طبقا لنظرية فيثاغورث وافلاطون عن “تناسخ النفوس”([107]) أنه يملك “نفس” الكسندر، أو بالأحرى هو نفسه الكسندروس فى جسد آخر. وقد أدى هذا الوهم به إلى رفض مفاوضات السلام المعروضة من ملك الفارسيين.

(3/21/3) وإذ أخفق الأخير فى مساعيه، اضطر للإستعداد للمعركة. وبناء عليه أخرج فى اليوم التالى لسفارته كل القوات التى لديه. وانتقد الرومان، فى الحقيقة، ملكهم لعدم تجنبه الحرب طالما توفرت ميزة. ومع ذلك، هاجموا الذين تصدوا لهم، وأجبروهم على الفرار. وكان الملك حاضرا ممتطيا جواده مشجعا جنوده فى المعركة، ولكنه إذ كان مغترا بالفوز، لم يكن يرتدى عدة الحرب.

(3/21/4) وفى هذه الحالة الخالية من أى دفاع، رُشِق بسهم من شخص مجهول نفذ فى ذراعه واستقر فى جانبه مسببا جرحا له. ونتيجة لهذا الجرح مات.

(3/21/5) ويقول البعض أن فارسيا ما قد رشقه بنبال ثم هرب، بينما يزعم آخرون أن أحد رجاله هو الذى فعل ذلك وهو الرأى الأكثر تأييدا وأوسع انتشارا فى الواقع. ولكن كاليستوس أحد الحراس الشخصيين الذى جسَّد اعمال هذا الامبراطور فى قصائد بطولية يقول فى روايته عن هذه الحرب، أن الجرح الذى مات به كان من فعل الشيطان. وهذا ربما اختلاق شعرى وربما حقيقة لأن حقده الجنونى قد أهلك بلا شك الكثيرين من الأشخاص.

(3/21/6) وأيا كان الأمر فمن المؤكد أن حماس مزاجه الطبيعى غير حذر، وأن علمه كان باطلا، ومظاهر خيريته عرضة للإزدراء.

(3/21/7) وهكذا أنهى يوليانوس حياته([108]) فى بلاد فارس، كما قلنا، فى قنصليته الرابعة التى شغلها مع سالوست زميله. وحدثت هذه الواقعة فى السادس والعشرين من شهر يونيو، فى السنة الثالثة من عهده والسابعة منذ صار قيصرا من قِبل قنسطانتيوس. وكان فى الواحد والثلاثين من عمره فى ذلك الوقت.([109])

الكتاب الثالث: الفصل الثانى والعشرون

(جوفيانوس امبراطورا)

(3/22/1) وإذ اجتاز الجيش هذا الحدث غير المتوقع، اعلنوا على الفور وبلا تردد فى اليوم التالى جوفيانوس  Jovianامبراطورا.

(3/22/2) وكان شخصا متميزا لشجاعته ولمولده. فقد كان قائدا([110])عسكريا عندما أصدر يوليانوس مرسومه الذى يُخيَّر فيه الضباط بين تقديم الأضاحى وبين الإقالة من الرتبة العسكرية، فإختار الإعفاء من مهمته عن طاعة ملك كافر([111]). ومع ذلك أعاده يوليانوس نظرا لحاجة الحرب التى عزم عليها وأبقاه بين جنرالاته.

(3/22/3) وعندما عُرِضت عليه السلطة الامبراطورية، قبلها بترحاب. ولكن عندما أحضره الجنود بالقوة، أعلن أنه مسيحى وأنه لا يرغب فى حكم ناس اختاروا الوثنية دينا لهم، فصاحوا جميعا نحن أيضا مسيحيون. ومن ثم قبل السلطة الامبراطورية.

(3/22/4) وإذ أدرك أنه قد تُرِك فى ظروف صعبة داخل المقاطعات الفارسية حيث صار جيشه فى خطر الهلاك بسبب الحاجة الى الضروريات، وافق على إنهاء الحرب حتى بدون شروط مشرفة للتاج الرومانى. ولكن إذ كان مدفوعا بضروريات الأزمة فقد خضع لذلك لخسارة حكم سوريا([112])، وتخلى أيضا عن حكم نصيبين وهى مدينة فى ميسوباتاميا وانسحب من مقاطعاتهم.

(3/22/5) وأنعش الإعلان عن هذه الأمور الأمل لدى المسيحيين، بينما ناح الوثنيون على موت يوليانوس. ومع ذلك، استهجن الجيش كله مزاجه غير المعتدل، وعزوا إليه تهوره فى الاستماع الى تقارير الفارسيين الهاربين، والإذلال الناجم عن المقاطعات المفقودة الذى فُرِض عليهم من جراء هذا الآبق. فقد حثَّ على حرق السفن التى كانت تمدهم بالمؤن عن طريق البحر، مما عرَّضهم لكل أهوال المجاعة. وقد ألف ليبانيوس مرثاة جنائزية دعاها “يوليانوسوس” أو “المرثاة” Epitaph يثنى فيها ثناء نبيلا لكل أعماله تقريبا، ولكنه أشار الى الكتب التى كتبها ضد المسيحيين قائلا أنه قد أوضح فيها سخافة وتفاهة كتبهم المقدسة.

(3/22/6) ولو كان هذا السوفسطائى قد اكتفى فى تاريخه بتمجيد اعمال الامبراطور الأخرى، لكنتُ قد عبرتُ على عمله فى صمت عند تدوين تاريخى هذا، غير أن هذا البليغ المشهور قد انتهز المناسبة للتهجم على اسفارنا المقدسة للإيمان المسيحى، لذا لزم علينا التوقف قليلا للنظر بإيجاز فى كلامه.

الكتاب الثالث: الفصل الثالث والعشرون

(دحض سقراتيس لما زعمه ليبانيوس الوثنى عن المسيحيين)

(3/23/1) يقول هو “وفى ليالى الشتاء الطويلة، هاجم الامبراطور تلك الكتب التى تجعل من رجل فلسطينى، الله وابن الله معا. وأثبت بواسطة سلسلة طويلة من الحجج أن تلك الكتابات المقدَّسة جدا لدى المسيحيين لا أساس لها وسخيفة. وأظهر نفسه أنه أحكم وأكثر مهارة من حكيم تيران([113]). ولكن قد يكون حكيم تيران أكثر ملائمة لى، وأقل ما يُقال أنه قد تحمّل ما قد تم بالتأكيد إذ أن ابنه قد فاقه”.

(3/23/2) هكذا كانت لغة ليبانيوس السوفسطائى. وأنا اعترف أنه كان فى الحقيقة بليغا ممتازا، ولكننى متيقن أنه لو كان متفقا مع الامبراطور فى مفاهيمه الدينية لكان قد سجّل كل ما قاله المسيحيون ضد يوليانوس، ولكان قد وجد أساسا ضخما للنقد الملائم بالطبع لبليغ. لأنه بينما كان قنسطانتيوس على قيد الحياة كتب تقريظا له، ولكن بعد وفاته كال له الإهانات الكثيرة وتهما عديدة ضده. لدرجة انه لو كان بورفيرى Porphyry قد صار امبراطورا لفضَّل ليبانيوس بالطبع كتبه عن كتب يوليانوس. ولو كان يوليانوس مجرد سوفسطائى لكان ليبانيوس قد وصفه بلا مبالاة، مثلما فعل اسبوليوس فى مرثية له عن يوليانوس. وحيث أنه تكلم بروح السوفسطائى الوثنى الصديق لمن يمدحه، فإننا سنجتهد للتصدى لِما عرضه على قدر ما يمكننا.

(3/23/3) فأولا، يقول أن الامبراطور قد هاجم هذه الكتب فى ليالى الشتاء الطويلة. والآن، “هاجم” يعنى أنه قد جعل كتابة الدحض لكتبهم “مهمة” مثلما يفعل السوفسطائيون بصفة عامة فى تعليم أساسيات فنهم، إذ أنه قد طالع هذه الكتب قبل ذلك بفترة طويلة. ولكنه خلال هذه المدة الطويلة بدلا من محاولة دحضها بالمنطق السليم، كما زعم ليبانيوس، لجأ الى النكات المزرية والاحتقار الذى كان مولعا به بشكل مفرط، وبالتالى سعى الى السخرية مما هو راسخ بدلا من الإحاطة به لأن كل واحد عندما يدخل فى جدل مع آخر، يحاول أحيانا أن يحجب الحقيقة وفى أخرى أن يمنعها وأن يزيفها بكل وسيلة ممكنة إزاء المناهض له. ولما كان المقاوِم لن يرضى بمثل هذه الاعمال الخبيثة ضد مَن يختلف معه، فإنه سيتكلم هو أيضا وينسب له كل أخطاء يعرفها عنه. وهكذا كان يوليانوس وبورفيرى الذى يدعوه ليبانيوس “شيخ تيران” الذى ابتهج جدا بالسخرية كما هو ثابت من اعماله. لأن بورفيرى فى تاريخه عن الفلاسفة قد تناول بسخرية حياة سقراتيس([114]) اشهر سائر الفلاسفة، وسجل ملاحظات عنه لم يتجاسر أىٌ من مليتيوس أو انيتوس فى اتهامهما له، أن يتفوهوا بها، إذ كان محل إعجاب جميع اليونانيين لإتضاعه وعدله وفضائله الأخرى، وكان منهم افلاطون، الأكثر اعجابا بينهم وزينوفون وباقى عصبة الفلاسفة. ولم يكن فقط مكرما كمحبوبٍ من الله، بل أيضا لكونه إعتاد أن يفكر كشخص وُهِب ذكاء غير عادى. وقد عرض يوليانوس مقلِّدا لأبيه كآبة ذهنه فى كتابه “القياصرة” الذى يعرض فيه كل أسلافه دون أن يستثنى حتى ماركوس الفيلسوف([115]). وهكذا، تُظهِر كتاباتهما([116])أنهما قد استلذا بالسخرية والتهكم. ولستُ فى حاجة الى إعادة كتابة عباراتهما هنا إذ أن ما قيل عن مزاجهما فى هذا الصد كافٍ.

(3/23/4) والآن، أسجل هنا ما قاله غريغوريوس النزينزى([117]) فى خطبته الثانية ضد الوثنيين، كشاهد على تصرفاتهم، وعلى وجه الخصوص على يوليانوس.

” هذه الأمور قد تبرهنت بالخبرة والأدلة للآخرين، بعدما جعلته السلطة الامبراطورية حرا فى اتباع نزعات ميوله. ولكننى توقعتُ كل ذلك منذ ذلك الوقت الذى تعرَّفتُ عليه فى أثينا. لقد جاء الى هناك بتصريح من الامبراطور بعد التغير فى قدر أخيه. وكان الدافع لهذه الزيارة مزدوجا: أحدهما التكريم له، أعنى مشاهدة اليونانيين والإلتحاق بمدارسهم؛ والآخر سرى وقليلون هم فقط الذين يعرفون عنه أى شىء إذ كان كفره غير ظاهرٍ آنذاك، وهو أن تتاح له الفرصة لتقديم الأضاحى والقيام بأعمال الدجل الأخرى الخاصة بمصيره. وفى ذلك الوقت لم أكن عرافا لهذا الشخص مع أننى تظاهرتُ بأننى أحد الملمين بفن العرافة، ولكن سخافة تصرفاته والمغالاة التى لا تصدق لفكره، جعلتنى أتنبأ ـ إن كان التكهن بصواب للأحداث يُعتبَر حقا نبوة ـ إذ بدا لى أنه لا خير يُرجى من قِبل عنق نادرا ما يثبت وأكتاف مستهجنة فى أغلب الأوقات، وعيون مقطبة ودائمة الحركة ومحمومة دوما، ومشية غير منتظمة ومترنحة. وأنف تنفث فقط الإحتقار والإهانة، والملامح المشوهة المضحكة والمعبّرة عن نفس الشىء والضحك المسرف بصوت عالى جدا، والإيماءات التى تشير الى الموافقة، وتطويح الرأس للخلف للتعبير عن الرفض بدون سبب ملحوظ، والكلام بتردد وانفاس متقطعة، وأسئلة لا معنى لها، وإجابات ليست بأفضل منها وكلها مختلطة معا دون أدنى اتساق فى الاسلوب. وما الحاجة للدخول فى تفاصيل دقيقة؟. فهكذا توقعتُ ما قد حدث فعلا بعد ذلك. وإذا كان هناك أحدٌ موجود هنا الآن، ممن كانوا هناك وسمعنى آنذاك، فإنه سيشهد على الفور أننى عندما لاحظتُ هذه السمات تعجبتُ وقلتُ يا لقدر الامبراطورية الرومانية!. وصليتُ الى الله عندما تفوهتُ بذلك أن أكون نبيا كاذبا. لأن ذلك أفضل بكثير([118]) من أن يمتلأ العالم بالمصائب، وأن يظهر مثل هذا الوحش الذى لم يُشاهد مثله من قبل قط، على الرغم مما دُوِّن قبلا من فيضانات كثيرة وحرائق عديدة وزلازل كثيرة، وأوصاف لأناس متوحشين ولا آدميين قد عُرِضت، وأيضا مصائب من خليقة غاشمة شملت اجناس مختلفة وأدت الى أشكال غير عادية والتى كانت نهايتها متفقة مع جنون مسيرتها”.

هذه هى الخطوط العريضة لخطبة غريغوريوس عن يوليانوس.

(3/23/5) وعلاوة على ذلك حاولا([119]) فى مؤلفاتهما السعى نحو الاعتداء على الحق، أحيانا بإفساد فقرات من الأسفار المقدسة، وأحيانا بإضافة كلمات الى النص وصياغته حسب هواهما([120]). وقد أظهر الكثيرون دحضا لخبثهما، وكشفوا عن مغالاطتهما. فلقد قدَّم اورجينوس الذى عاش قبل زمن يوليانوس بمدة طويلة تعليقات على مثل هذه الفقرات فى الكتاب المقدس التى تبدو مزعجة لبعض القراء وتناولها بشكل وافٍ، وأخمد جلبة الذين بلا فهم.

(3/23/6) ولو كان يوليانوس وبروفيرى قد طالعا وإهتمّا بكتاباته بجدية، لكانا قد تحدثا عن موضوعات أخرى، ولمَا كانا قد التفتا الى تجديفات سوفسطائية.([121]) وأيضا من الجلى جدا أن الامبراطور فى حديثه كان يقصد غواية الجهلاء، ولم يكن يتحدث الى أولئك الذين يمتلكون “صيغة” الحق كما هو معروض فى الأسفار المقدسة. لأنه إذ جمع التعبيرات العديدة التى تحدث فيها الله بحسب التدبير، وبالأسلوب الذى يلائم البشر بالأكثر، بدأ يعلق عليها [قائلا] “كل عبارة من هذه العبارات هى تجديف تام ضد الله، ما لم تكن العبارة محتوية على معنى ما سرائرى وخفى. وهذا فى الحقيقة ما افترضه”. هذه هى بالضبط اللغة التى يستخدمها فى كتابه الثالث “ضد المسيحيين”. ولكن فى مقالته “عن الفلسفة السينيكية”، والتى يظهر فيها الى اى مدى يمكن ابتداع الخرافات فى الموضوعات الدينية، يقول أنه فى مثل هذ الحالات يجب إخفاء “الحق”، وبحسب كلماته “الطبيعة تحب الاستتار، فالجوهر الخفى للآلهة لا يقبل أن يُتلَى على آذان دنسة بكلمات عارية”([122]).

(3/23/7) ومن هذا الإقتباس يتضح أن الامبراطور قد سلَّم بهذا المفهوم بالنسبة للأسفار المقدسة الإلهية وأنها أحاديث سرائرية تحتوى فى ذاتها على بعض المعانى المستترة. وهو أيضا غاضب جدا من جميع الناس الذين لا يأخذون بنفس المفهوم عنهم. ويذم المسيحيين الذين يفهمون الوحى المقدس([123]) بمعنى حرفى مجرد. ولكنه يُعيّر بعنف العامة لبساطتهم، وبسببهم يسلك بعجرفة ضد الأسفار المقدسة، غير محترس فى تناوله بإشمئزاز لهذه الأمور التى يجلها الآخرون لأنهم يفهمونها عكس ما يُريد هو. ولكن الآن، يبدو أن علة الإزدراء يمكن أن تنطبق على ذاك المتأثر ببروفيرى الذى ضربه بعض المسيحيين فى قيصرية فلسطين. وإذ لم يكن قادرا على تحمل[ هذه المعاملة] الناجمة عن هياج منفلت، جحد الإيمان المسيحى، ومن كراهيته لأولئك الذين ضربوه عكف على كتابة اعمال تجديفية ضد المسيحيين، حسبما سجَّل يوسيبيوس بامفيليوس([124])، الذى دحض ايضا كتاباته فى نفس الوقت. وهكذا إذ قد تفوه الامبراطور بتعبيرات الإزدراء ضد المسيحيين فى حضور جمهور غير متعلم بواسطة ذات الفكر العليل، سقط فى تجاديف بروفيرى. إذ أن كلاهما بملء إرادتهما قد كفرا، وعوقبا بوخز ضميرهما.

(3/23/8) ولكن عندما يقول ليبانيوس بإستهزاء أن المسيحيين “يجعلون إنسان فلسطين، إلها وإبن الله”، فإنه من الواضح أنه تناسى أنه هو نفسه قد ألَّه يوليانوس فى ختام خطبته. فهو يقول “لأنهم يقتلون بالكاد الرسول الأول لموته، كما لو كان قد كذب ضد الله”([125]). ثم يضيف بعد ذلك بقليل “أيها العزيز للآلهة، أنت تلميذ الآلهة. أنت مرتبط بالآلهة”. والآن، على الرغم من أن ليبانيوس ربما قصد شيئا آخر إلاَّ أنه وهو لم يتجنب الكلام المبهم الذى يؤدى أحيانا الى معنى ردىء، إنما يبدو أنه قد قال نفس الأمر الذى يقوله المسيحيون والذى يوبخهم عليه. فإذا كان قصده إذن أن يمدحه، فقد كان ينبغى عليه أن يتجنب استعمال الكلمات ذات المعنيين، مثلما فعل فى مناسبة أخرى عندما تجنب كلمة معينة أُنتُقِد عليها، وقطعها من اعماله. وعلاوة على ذلك، ذاك الانسان فى المسيح متحد بالله. فبينما هو انسان حسب الظاهر هو الله غير المنظور. وكون أن هذين الأمرين حقيقة فهذا ما تُعلّمه كتب المسيحيين الإلهية على وجه التحديد. ولكن الوثنيين لا يمكنهم فهم ذلك قبل أن يؤمنوا، لأن الوحى الإلهى يصرّح بهذا “إن لم تؤمنوا فبكل تأكيد لن تفهموا”([126]). ولذلك بينما هم لا يخجلون أن يضعوا بشرا كثيرين فى عداد آلهتهم، يرفضون ذلك بالنسبة للوحيد البار والأسمى والصالح بدلا من أولئك الطالحين الكافرين والسكيرين أمثال هركليس وباخوس واسكيلابيوس الذين لم يتردد ليبانيوس فى القسَم بهم مرارا فى خطبه.

(3/23/9) وإن أنا حاولتُ أن أحصى حالات الفجور غير الطبيعية والزنا الشهيرة لهؤلاء، فإن شذوذهم يفوق كل المعايير. ويكفى لأولئك الذين يرغبون فى الإحاطة بهذا الموضوع، الاطلاع على عمل ارسطو([127]) وكل القصائد، التى تُظهِر أن العبادة الوثنية هى نسيج من السخافات المفرطة. ولكن يتعين علينا فى الحقيقة أن نبيّن هنا كيف أن تأليه الكائنات البشرية لم يكن بالأمر غير الشائع بين الوثنيين، بل أنهم فعلوا ذلك بدون أدنى تردد. وإليكم بعض الأمثلة القليلة: عندما استشار الروديون الوحى بشأن مصيبة ما، كان الرد الذى أُعطِىَّ لهم هو أن يعبدوا آتيس. وهو كاهن وثنى أسس طقوسا حادة الخلق فى فريجية. وكان الوحى هكذا “استعطفوا آتيس الإله العظيم، آدونيس الطاهر، ديونيسيوس المبارك الغنى بهباته”. هنا آتيس الذى خصى نفسه، هو حسب الوحى مثل آدونيس وباخوس. وأيضا عندما مرَّ الكسندروس ملك المقدونيين بأسيا إلتمس الامفيكيتيون معروفا منه، فتفوه بيثونيس بهذا الوحى الى زيوس السامى بين الآلهة يقدم لك اثين ترتيجونيا الإكرام، وإلى الملك الإلهى المختفى فى شكل زائل، ذاك الذى ولده زيوس ليكون حاميا ومدبِّرا للعدل بين الفانيين، الكسندروس الملك”. هذه هى كلمات الشيطان فى دلفى الذى عندما أراد أن يتملق الملك لم يتردد فى أن يجعل له مكانا بين الآلهة لقد كان الدافع هنا المصالحة بالتملق. ولكن ماذا يمكن أن يقوله المرء فى حالة كليوميدس الملاكم الذى وضعوه فى مرتبة الآلهة فى هذا الوحى؟. “إن آخر الأبطال هو كليوميدس الآستاباليان الذى له الإكرام والذبائح لأنه لم يعد فانيا”. وبسبب هذا الوحى أدان ديونيسيوس من سينك، وأونوماس الفيلسوف أبوللو بشدة. وأعلن سكان سيزيكوس هادريان الإله الثالث عشر. وأدريان نفسه ألَّه مأبونه انتونيوس. إن ليبانيوس لا يتكلم عن هذه السخافات الخرقاء والمزرية رغم علمه جيدا بهذا الوحى. وأيضا بالمثل بعمل آدرياس عن حياة الكسندروس (النبى المنحول لفلاجونيا)، ولا تردد هو نفسه فى تأليه بروفيرى بأسلوب مماثل، الذى بعدما فضَّل كتب يوليانوس عن كتبه، يقول “لعل السوريون يُشفقون علىَّ”.

(3/23/10) إن هذا الشذوذ كافٍ لصد حقارات السوفسطائى دون استطراد فى ملاحقته فيما تلاه. لأننا إن ولجنا فى دحض كامل لعمله، فإن ذلك سيتطلب عملا خاصا. لذلك سننتقل الآن الى متابعة تاريخنا.

الكتاب الثالث: الفصل الرابع والعشرون

(الاساقفة يتزاحمون حول جوفيانوس)

(3/24/1) وعندما عاد جوفيانوس من فارس، ثارت النزاعات الكنسية من جديد. فأولئك الذين ترأسوا على الكنائس سعوا الى تبنى الامبراطور لمفاهيمهم الخاصة بهم. ولكنه مع ذلك تبنى منذ البداية الإيمان بعقيدة “هومووسيون” وأعلن صراحة أنه يفضلها عن كل شىء آخر. وعلاوة على ذلك، كتب رسائل الى اثناسيوس اسقف الأسكندرية مشجعا له.

(3/24/2) وكان اثناسيوس قد استرد بعد موت يوليانوس كنيسة الأسكندرية على الفور، ووثق فى ذلك الوقت فى هذه الرسائل ونزع كل خوف. وأعاد الامبراطور، أكثر من ذلك، جميع المدبرين الذين نفاهم قنسطانتيوس والذين لم يُعاد تنصيبهم فى أيام يوليانوس. وعلاوة على ذلك، أغلق المعابد الوثنية ثانية، وأخفى الوثنيون أنفسهم أينما استطاعوا، وخلع فلاسفتهم أيضا زيهم، وارتدوا الملابس العادية. واختفى بالمثل التدنيس العام من دماء الأضاحى المقززة التى كانت تُقدَّم فى ايام يوليانوس بشراهة.

الكتاب الثالث: الفصل الخامس والعشرون

(المقدونيون والآكاكيون فى انطاكية، يصدقون على قانون نيقية)

(3/25/1) وفى نفس الوقت كانت حالة الكنيسة هادئة على الإطلاق لأن رؤساء الشيع ثابروا فى خضوعهم للإمبراطور إذ علِموا أن حمايتهم الشخصية تعنى أيضا قوة ضد معارضيهم. فأولا قدَّم المقدونيون إلتماسا الى الامبراطور يلتمسون فيه طرد جميع الذين يزعمون أن الإبن ليس مثل الآب من الكنائس وأن يقوموا هم بالحلول محلهم. وكان مقدمو هذا الطلب: باسيليوس اسقف انقيرا، سلفانوس اسقف طرسوس، صفرونيوس اسقف بومبيوبوليس، باسينيكوس اسقف زيلا([128])، ليونتيوس اسقف كومانا، كاليكرتس اسقف كلوديوبوليس، ثيوفيلس كاستابالا.

(3/25/2) وعندما اطلع الامبراطور على هذا الطلب صرفهم بدون أية إجابة سوى هذه “إننى أمقت بشدة المنازعات، ولكننى أحب وأكرّم أولئك الذين يجتهدون فى تحقيق الإجماع”. وعندما صارت هذه الملاحظة معروفة على نطاق عام خمدت منازعات أولئك الذين يتوقون الى التبديل، وصار معلوما بذلك قصد الامبراطور.

(3/25/3) وفى نفس الوقت صارت الروح الحقيقية للآكاكيين أكثر جلاء، وصاروا أكثر استعدادا عن ذى قبل لتكييف آرائهم بما يُلائم آراء السلطة الأعلى. فإجتمعوا فى انطاكية بسوريا، وعقدوا مؤتمرا مع مليتيوس، الذى كان قد انفصل عنهم منذ فترة قصيرة مضت، وتبنوا عقيدة “هومووسيون”. وقد فعلوا ذلك لأنهم رأوا مليتيوس محل تكريم كبير لدى الإمبراطور الذى كان يقيم آنذاك فى انطاكية، ويحظى بذلك بقبول عام. فحرروا إعلانا بمفاهيمهم يعترفون فيه بهومووسيون، ويُصدقون على قانون نيقية، وقدموه للإمبراطور. وكان ذلك كما يلى:

(3/25/4) من مجمع الاساقفة المجتمعين فى انطاكية من مقاطعات عديدة، الى سيدنا جوفيانوس الظافر أوغسطس التقى المحبوب من الله. لما كان تقواكم تهدفون فوق كل شىء الى سيادة  السلام والإتساق بين الكنائس، فإننا واعون بذلك تماما أيها الامبراطور الأكثر تقوى. كما ندرك أنك تعتبر بالصواب والحكمة أن الإيمان الأرثوذكسى هو ذروة وجوهر الوحدة. وبناء عليه لئلا نُدرَج فى عداد أولئك الذين يدنسون عقيدة الحق، فإننا نعلن هنا لتقواكم أننا نتبنى بثبات ايمان المجمع المقدس المنعقد سابقا فى نيقية، وخاصة أن مصطلح “هومووسيون” الذى بدا جديدا وغير ملائم، قد شُرِح بإستفاضة من قِبل الآباء ، بأنه يُشير الى أن الإبن مولود من جوهر الآب، وأنه مثل الآب فى الجوهر دون أن تكون هذه الولادة التى لا يُعبَّر عنها عرضة لأى ألم. وأن مصطلح “اوسيا” و”جوهر” الذى استخدمه الآباء ليس له أية علاقة بأية دلالة عادية لدى اليونانيين، ولكنه اُستُخدِم لدحض كفر اريوس الذى تجاسر بالقول أن المسيح وُجِد من العدم. تلك الهرطقة التى برز منها فيما بعد الانوميون([129]) والتى مازالوا يحافظون عليها من اجل هلاك وحدة الكنيسة. ولذلك مرفق هنا نسخة من الايمان المقدم من الاساقفة المجتمعين فى نيقية، والذى نحن أيضا مقتنعون به، وهو هذا: نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل. وباقى قانون الايمان بالكامل. وقد وقعنا عليه فى الأسفل بموافقتنا على كل محتوياته. مليتيوس اسقف انطاكية، يوسيبيوس من ساموسطا، ايفاجريوس من صقلية، اورانيوس من آباميا([130])، زيلوس من لاريسا، اكاكيوس من قيصرية، انتيباتر من روسوس، ابراميوس من اوريمى([131])، ارستونيكوس من سلوقية فى بيلوس، بارلامينوس من برجامس، اورانيوس من ميلينيا، ماجنوس من خلقيدون، يوتيكوس من إليوتيروبوليس، ايزاكوكس من ارمينيا الصغرى، تيطس من بوسطرة، بطرس من سيبى([132])، بيلاجيوس من لاودكية،آرابيان بأنتروس العربية، بيسو من أدنا بواسطة لاميدوريون القس، سابينا اسقف زوجما، اثناسيوس اسقف انقيرا بواسطة اورفيتوس وايتوس الكاهنين، ارينيون اسقف غزة بيسو اسقف اوجستا، باتريكوس اسقف بالتوس بواسطة لاميريون القس. أناتوليوس اسقف بيرية. ثيوتيموس اسقف العرب. ولوقيان اسقف آركا([133]). وقد وجدنا هذا الإعلان مدونا فى عمل سابينوس المعنون “اعمال المجامع”.

(3/25/5) وإذ عزم الامبراطور على إزالة الروح النزاعية بين سائر الأطراف العديدة، لجأ الى اسلوب الإقناع واللطف نحوهم جميعا وصرَّح أنه “لن يزدرى بأحدٍ بسبب مفهومه الدينى، ولكنه سيحب ويُقدر بشدة كل من يسعى الى وحدة الكنيسة”.

(3/25/6) ويؤكد الفيلسوف ثيمستيوس أن ذلك كان بالفعل مسلكه فى خطبته التى ألفها فى ذكرى “قنصليته” إذ مدح الامبراطور لأنه تغلب على شرور المنافقين بأن سمح لكل أحدٍ أن يعبد الله طبقا لِما يمليه عليه ضميره الخاص. وفى تلميحه الى الإختبار الذى اجتازه المتملقون يسجل هذه الملاحظة ضاحكا، أنهم “يعبدون الأرجوان وليس الله ويُشبِهون يوربيوس المتغير الذى يدفع الأمواج أحيانا الى اتجاه ما تارة، والى الاتجاه المضاد تارة أخرى”.

الكتاب الثالث: الفصل السادس والعشرون

(موت جوفيانوس)

(3/26/1) وهكذا بعد أن قمع فى ذلك الوقت كفر أولئك الذين يميلون الى المماحكة، غادر على الفور انطاكية وذهب الى طرسوس بكيليكية حيث أنجز كما يجب الاجراءات الجنائزية ليوليانوس، وأُعلِن بعد ذلك قنصلا. ثم توجه من هناك الى القسطنطينية مباشرة. وعندما وصل الى المكان الذى يُدعى داداستانا Dadastana الذى يقع عند حدود غلاطيا مع بيثينية، قابله ثيموستوس الفيلسوف مع آخرين من مجلس السينات، وألقى فى حضوره خطبة القنصلية، والتى تلاها بعد ذلك أمام شعب القسطنطينية.

(3/26/2) وفى الحقيقة كانت الامبراطورية الرومانية ستشهد فترة حكم ممتاز وإزدهار كبير بلا شك، حيث أُديرت كل من الشؤون المدنية والكنسية على نحو سعيد لولا أن الموت المفاجىء قد حرم الدولة من هذه الشخصية المتميزة. لأن المرض الناجم عن عائق ما قد داهمه فى المكان المذكور عاليه خلال موسم الشتاء، وتوفى فى اليوم السابع عشر من فبراير فى قنصليته هو وابنه فارونيان([134])، فى السنة الثالثة والثلاثين من عمره، بعد أن حكم سبعة أشهر([135]).

وهكذا يشمل هذا الكتاب رواية الأحداث التى وقعت فى خلال سنتين وخمسة أشهر.

[1] – كان هذا، حسب تقدير زينوس، فى 31 ديسمبر سنة 361م. وهو خلاف إعلان الجيش له فى الغال، فى حياة قنستانتيوس الوارد فى 47:2.

[2] – راجع: 1:1.

[3] – هكذا ورد الإسم فى الترجمة الإنجليزية بوضوح شديد ولستُ أعلم هل خطأ فى الترجمة الإنجليزية أم من ناسخ المخطوطة، حيث أن الجملة التى تلى هذا الإسم لا تتفق مع الجملة التى تسبقه، حيث يرد بها أن الصبيّين اليتيميَن هما ابناء دالماتيوس، بينما فى الجملة الأولى دالماتيوس له ابن واحد. على أية حال من التواريخ المدنية نعلم أنه عقب موت قنسطنطين الكبير قتل أبناؤه سائر اقرباء أبيهم، فيما عدا يوليانوس وجالوس أخاه إذ كانا صبيين.

[4] – أى يوليان.

[5] – “قارىء” هى إحدى رتب الشماسية المعروفة باليونانية “أوغنسطس”، وكانت تُعطَى للشاب حديث السن الذى يمتلك صوتا جيدا ليقرأ الأسفار المقدسة من على “المقرأة” (المنجلية) أو من فوق الإمبل. وليس من المذبح.

[6] – اتفق معه أيضا فى هذا الرأى سوزمينوس.

[7] – فضلا عن غضب الفئات التى اضطهدها.

[8] – Pontifex Maximus

[9] – أنظر: ك7:2، 13، 16،..الخ هنا.

[10] –  يقول زينوس(هـ464) أنه من الصعب تحديد نوع الاصلاح المذكور هنا. غير أن القديس غريغوريوس النزينزى يعترف فى “ضد يوليانوس، 75:1” أنه أجرى إصلاحا فى هذا الصدد.

[11] – من الناحية الإقتصادية يمكن القول أن ذلك كان عبئا ثقيلا على الفقراء والمعوزين والطبقات الدنيا عامة، لأن الحمار هو بالطبع أرخص الدواب التى يمكن أن يقتنيها الفلاح البسيط، فضلا عن أن الثيران كانت بالفعل تُستخدم فى أعمال الحقل وأيضا فى النقل فى الأرياف حتى عهد قريب. ومن ثم مع الجمال المظهرى لهذا التعديل لم يقل لنا سقراتيس أثار ذلك على الفئات التى لا تملك شراء حصان.

[12] – فى رأيى أن سقراتيس قد اهتم هنا بأثر قرارات يوليان هذه من الناحية الجمالية للمدينة فقط، ولم يهتم كما قلتُ بأثرها على الكادحين ومحدودى الدخل بتعبيرنا الحالى.

[13] – ترجمها البعض بمجلس الشيوخ.

[14] – رداء مميز للفلاسفة فى ذلك الحين.

[15] – انظر الفصل 23 بعده.

[16] – معبود فارسى قديم من فترة إحتلال الفرس لمصر القديمة، ومن ثم يُطابق الشمس مُعطية الحياة والنور. والإسم بإحدى لهجات اللغة الفارسية (أو الباريثية) القديمة.

[17] – موضع سرى فى المعابد الوثنية، وهو المعروف فى الأثار المصرية القديمة بإسم ” قدس الأقداس”. وهو مكان غير مسموح لأحد بدخوله بتاتا إلاَّ لكهنة المعبد فقط. ثم صار هذا الإسم يُطلق بعد ذلك على أى مكان سرى. عن تقديم البشر أضاحى للآلهة الوثنية، أنظر روفينوس، (10/18/6)، للمعرب.

[18] – يشير الى آرتِميوس الذى أمر يوليانوس بقطع رأسه لتدنيسه لمعبد وثنى!!.

[19] – من الموسوعة الرومانية نعلم أن جده هنا الذى كان حاكم مصر هو ابو أمه.

[20] – “خالنا” هنا بناء على شرح زينوس فى (هـ471)، حيث يقول أن فيلوستورجيوس(فى10:7) يدعو يوليانوس هذا “حاكم الشرق” الذى كان خال يوليانوس المرتد (من ناحية الأم on the maternal side ). كما يزودنا أيضا سوزمينوس(7:5،8) وثيودوريت (12:3، 13) بمعلومات وافية عنه. وكذلك آميانوس مارسيلليوس،23. أنظر أيضا رسالة يوليانوس، 13.

[21] – لاحظ هنا عبارة “إنه من حظكم أن هذا قد أرتكب فى عهدنا..”، فبكل تأكيد لا يخاطب المسيحيين الذين يمقتهم بشدة، وإنما الوثنيين الذين يستحلفهم بسيرابيس الإله العظيم!!. فلو كان مقتل جورج قد تم على يد المسيحيين(كما زعم كاتب روائى) لما ترك يوليان الوثنى هذا الغطاء القانونى لإبادتهم الأمر الذى لم يحدث كما هو واضح على الأقل من هذه الرسالة. ولكن لأن المعتدِى هو الطرف الذى ترضى عنه السلطة لذلك استخدم الحاكم المستبد الأسلوب الذى قال عنه أحد المسؤلين حديثا “الموائمة” أى ما عبَّر عنه يوليان “بالعلاج الخفيف” المتمثل، كما قال سقراتيس فى الإكتفاء بالتوبيخ!!. والتاريخ يكرر نفسه فى مثل هذه الأحداث مهما تشدقت السلطة بمراعاة حقوق الإنسان.

[22] – أنظر الرسالة 10 ليوليانوس.

[23] – او فرشيللى.

[24] – يذكر ثيودوريت فى(4:3) أسماء أساقفة آخرين شملهم مرسوم يوليانوس، قد عادوا من النفى واشتركوا معهما فى المداولات التى أجروها بشأن استعادة بسط القوانين الكنسية، وتقويم الإنتهاكات التى حدثت فى الكنيسة.

[25] – وبصفة خاصة بالطبع لقوانين مجمع نيقية.

[26] – أنظر، ك 44:2.

[27] – ذلك أن مجمع نيقية قد نص ببساطة على الإيمان بالروح القدس، بدون إضافة أى تعريف، إذ لم يكن قد أُثير وقتها أى اعتراض على ألوهيته. وكان مقدونيوس أول من ينكر ألوهيته فى ق4م.

[28] – او ايرناوس.

[29] – هذا الاسقف كان له تعليم هرطوقى. وهو اسقف “بوسطرة” (يوسيبيوس،”ت,ك.”33:6) التى دعاها سقراتيس هنا بالإسم اليونانى “فيلادلفيا”، حيث كان لمعظم المدن آنذاك اسمان كما نعلم، أحدهما المحلى بلغة أهل البلد الأصليين والآخر يونانى. فإنعقد مجمع ضده سنة 244م، حيث أجمع الاساقفة على إدانته، وقالوا أن المسيح فى تجسده أخذ نفسا بشرية. وكان العلامة أورجينوس ضمن الحاضرين فى هذا المجمع، وقد أقنعه، ورده إلى الأرثوذكسية. فشكره بيرلس حسبما سجل جيروم. ومدينة “بوسطرة” هذه هى حاليا “بصرة الشام” وهى مدينة تقع بمحافظة درعا بجنوب سوريا الحالية. وهى بالطبع تختلف عن “البصرة” المعروفة بالعراق الحالى. ويقول الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى أن الراهب بحيرا الذى يرد اسمه فى التاريخ الإسلامى كان يقيم بهذه المدينة. ونقول، أن هذا الراهب كان يتبع الشيعة النسطورية التى تذهب إلى أن السيد المسيح هو مجرد إنسان اصطفاه الله.

[30] – أنظر فى ذلك الأب متى المسكين، “القديس أثناسيوس الرسولى” القسم اللاهوتى.

[31]  أنظر النص اليونانى للآية عب 3:1.

[32] – أنظر، عب 3:1. ط/يسوعية.

[33] – أى غير يونانى.

[34] – “اليوم” هنا، هو أيام كتابة سقراتيس لعمله هذا أى بين 439-450م..

[35] – أو الخيانة.

[36] – انظر شرحا وافيا لهذه المصطلحات فى القسم اللاهوتى بكتاب القديس أثناسيوس السابق الذكر.

[37] – ايفاجريوس البونطى أحد آباء نيتريا القرن الرابع الميلادى انضم الى الحياة الرهبناية سنة 383م وتوفى حوالى 399م. وكان من بين الحاضرين فى المجمع المسكونى الثانى المنعقد سنة 381م فى عهد ثيودوسيوس الأول. والكتاب المذكور احد أعماله العديدة الصحيحة النسب إليه فى رأى الدارسين.

[38] – كلمة لاتينية تعنى محايد بمعنى لا مذكر أو مؤنث، ذاتى الخواص، فريد فى صفاته.

[39] – حرفيا يعسر تفسيره أو تعليله

[40] – ك 23:4.

[41] – يقول زينوس أن أعمال هذا المجمع غير موجودة الآن، ومع ذلك يعلق ناشر ترجمة عمل روفينوس بأن هذا المجمع كان يمثل نقطة تحول فى تاريخ التهذب الكنسى، رغم قلة عدده. أنظر هامشنا رقم 134على ك29:10 فى عمل روفينوس.

[42] – مت 23:10.

[43] – انظر: 2مل2:22 سبعينية. أى 1صم2:22 حسب تقسيم الطبعة البيروتية المتداولة الآن.

[44] –  تك 28.

[45] – خر 15:2.

[46] – 1صم12:19.

[47] – يقصد آخيش ملك جت، 1صم 10:21.

[48] – 1مل3:19

[49] – 1مل4:18.

[50] – مت 56:26

[51] –  2كو32:11، 33.

[52] – عدد 11:35.

[53] – مت23:10.

[54] – مت 15:24-18.

[55] – يو59:8.

[56] – انظر مت13:2، 22.

[57] – مت14:12، 15.

[58] – يو53:11، 54.

[59] – يو58:8.

[60] – مت 13:13. أش 5:9.

[61] – مت 12:14، 13.

[62] – أنظر  يو30:7.

[63] – يو4:2 ، 6:3.

[64] – مت 45:26.

[65] – للإطلاع على هذا العمل كاملا، أنظر ترجمة لهذه المقالة عن ترجمة فرنسية لها، من إصدار كنيسة البابا أثناسيوس بمدينة نصر.

[66] – انظر ك5:5 بعده.

[67] – قارن، سوزمينوس 15:3، 12:5، للمعرب، قيد الطبع.

[68] – أنظر سوزمينوس، 14:5، للمعرب، قيد الطبع.

[69] – ك 10:2 و 39.

[70] – خطأ مبين وسفسطة فارغة. انظر عن مصطلح هومووسيوس، القسم اللاهوتى من كتاب “القديس أثناسيوس الرسولى” للأب متى المسكين. مرجع سابق الذكر

[71] – أنظر، متى المسكين، مرجع سابق الذكر، ص 263

[72] – ك 1:3.

[73] – يقول زينوس(هـ 516) أن الكلمة الواردة هنا هى βασιλικῇ.  . وهذه البازيلكا المقصودة هنا كا نت تقع – حسب فالسيوس – فى الحى الرابع وهى وحدها التى كانت تُدعى هكذا، أى الكاتدرائية cathedral بدون توصيف. أما الكاتدرائية الثيودوسية فكانت تقع فى الحى السابع.

[74] – قارن، يو46:1، أع 7:2. وفيما بعد استخدمها الوثنيون أيضا من باب التحقير.

[75] – انظر ف 16 هنا.

[76] – متجاهلا عن وعى للآية التى تقول “لا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون، لأن الروح القدس يُعلمكم فى تلك الساعة ما يجب أن تقولوه” لو11:12.

[77] – لاحظ هنا منع يوليانوس المسيحيين من شغل وظيفة “محافظ” أو العمل “فى البلاط” بينما كان الأباطرة المسيحيون من قبله ومن بعده لا يمنعون “الوثنيين” من شغل هذه الوظائف وقيادة الجيش.

[78] – يقول زينوس أن العبارة اليونانية هنا هى حرفيا “أن يطرحوا مناطقهم” وكانت المناطق هى شارة الوظيفة. وهذا بالفعل ما نجده فى موقف الماجستريت الذى أرادت يوستينا أم فالنتنيانوس الصغير أن تغريه بتسجيل مرسوم أريوسى ضد القديس امبروسيوس. أنظر تعليقنا فى ترجمتنا لعمل روفونيس هـ 253 على ك11/16/1 هناك. مرجع سابق الذكر.

[79]– مت 12:5.

[80] – يقول ترتليان فى (الدفاع،9) “وفى أعماق افريقيا، يُقدمون الأطفال أضاحى لساتورن علانية، حتى فى أيام تيباريوس”.

[81] – أى طرد اثناسيوس.

[82] – واضح من هذا الوصف أن أحد فروع النيل العديدة كان يصل فى القرن الرابع الميلادى إلى الأسكندرية. فمتى انطمر هذا الفرع بل معظم هذه الفروع التى كانت تصل الى حوالى ثلاثة عشر؟.

[83] – وفى رواية أخرى أنه هو الذى أجاب. وكلتاهما مقبولتان.

[84] – لعل هذه الفترة هى التى قضاها لدى عذراء الأسكندرية، والتى سجلها لنا بالاديوس(أنظر التاريخ الرهبانى…”، نشر دار باناريون، ديسمبر 2014). ولا أعرف لماذا صمت سوزمينوس وسقراتيس عن ذكرها، رغم اعتمادهما على عمل بالاديوس فى أكثر من موضع.

[85] – قارن، سوزمينوس 18:5.  وهنا 46:2.

[86] – ك 46:2.

[87] – ف 21 بعده.

[88] – 1كو26:1.

[89] – رو18:1-21.

[90] – لست معك فى هذا الرأى.

[91] – لم ترِد هذه الوصية هكذا بالنص فى الاسفار المقدسة، ولكننا نجده شائعا ومنتشرا فى كتابات واقوال الآباء فى القرون الأولى. فقد استخدمه القديس كليمندس الرومانى(ت. حوالى 99م) فى عظاته: 51:2، 50:3، 20:18، وورد فى تعاليم الرسل(ك1، 36 و 37 طبعة وسيلى) ولدى ابيفانيوس 2:44 . وأورجينوس، 283:4. والقديس كليمندس الاسكندرى(ق 2/3م) فى كتابه “استروماتا”، 28:1. ويوسيبيوس، “ت.ك.” 7:7. كما وردت فى محاورات كاسيان مع الآباء المصريين، أنظر (مح 1/20/1، للمعرب).  ويُنسَب هذا القول أحيانا إلى مار بولس الرسول، ولكن بصفة عامة إلى السيد المسيح. وبالطبع هو مستمد من روح رسائل مار بولس. غير أنه “كقول” للسيد المسيح أو لمار بولس، فالأرجح أنه ورد بكتاب من الكتب المنحولة.

[92] – الكلمة هنا تعنى الفحص للبرهنة على شىء ما سواء إيجابا أو نفيا، أى التحقق ومن ثم فهى تشمل الفحص والاختبار والتحقق، وامتحان المعنى، والتدقيق، والبرهنة على، والتدليل على، أنظر 1تس21:5 ” امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ “.

[93] – قارن 1تس21:5.

[94] – كو8:2.

[95] – وهذا هو موقف كليمندس الأسكندري. راجع، “الاستروماتا”، للمعرب، قيد النشر.

[96] – تيط 12:1.

[97] – اع 28:17.

[98] – 1كو 33:15.

[99] – العجيب أن الصورة التى وصلتنا له على إحدى القطع من العملات النقدية، لا تظهرها بهذا الطول.

[100] – ومن هنا، كان نعت غريغوريوس النزينزى له “بذابح العجول”. [ أى مثل كلمة “جزار” حاليا. المعرِّب]

[101] – Antiochicus, or Misopogon

[102] –  أنظر، يوسيبيوس، “التاريخ الكنسى”، 20:6، 39. وكذلك عظة لذهبى الفم  عن بابيلاس. وطبقا لهما، كان بابيلاس أسقفا لأنطاكيا، وقُطِعت رأسه ُفى السجن سنة 253م ايام اضطهاد دكيوس(أو ديسيوس). ونُقِلت رفاته إلى كنيسة شُيِّدت مقابل معبد ابوللو بدافنة (سوزمينوس 19:5) بواسطة جالوس أخو يوليانوس الكافر هذا.

[103] – أنظر المزمور 135.  وكذا، مز 7:96 سبعينية.  وسوزمينوس، ك 19:5.

[104] – مت 2:24، 15.

[105] – أنظر ، رو25:11. 2كو14:3.

[106] – الفارسية.

[107] – حرفيا تناسخ الأجساد.

[108] –  يُعطينا ثيودريت، فى تاريخه (25:3. قيد الطبع، للمعرب)، الرواية التى كانت شائعة فى أيامه عن موت يوليانوس الكافر، فيقول أن الملك المحتضر، عندما أدرك جرحه [المميت] ملأ كفه من دمه وألقاه عاليا فى الهواء وهو يصيح “لقد دحرتنى أيها الجليلى”.

[109] – توفى يوليانوس الجاحد فى 26 يونيو سنة 363م.

[110] – تربيون.

[111] – أنظر، ف 13 عاليه.

[112] – يقول زينوس (فى هـ 546) أن عبارة (حكم سوريا) هى القراءة التى وردت فى المخطوطة [التى ترجمها] وهى ذات القراءة لدى ابيفانيوس سكولاستيكوس، و نيسفورس. ولكن فالسيوس يُصوب قراءتها مفترضا أن سقراتيس نفسه قد ذكر، فيما بعد، هذا التصويب الذى يقترحه. ثم يقول زينوس، فإذا كان تصويب فالسيوس هذا صحيحا فإن العبارة ستُترجَم “وخضع لخسارة حدود الامبراطورية”، وهذه قد تشمل مناطق ما بعد تيجرس Tigris أى ما بعد نهر دجلة الحالى.

[113] – إشارة الى  السوفسطائى بروفيرى كما سيرد بعد قليل فى المتن. أنظر سقراتيس، 9:1.

[114] – ” سقراتيس ” هذا باليونانية، هو الفيلسوف اليونانى الشهير، والذى يُكتَب فى العربية “سقراط”.

[115] – Marcus Aurelius.

[116] – أى بورفيرى ويوليان.

[117] – فى عظته  23:5.

[118] – أى أن يُدان كشخص كاذب حَكم حُكما خاطئا.

[119] – أى يوليان وبورفيرى.

[120] -هذا الأسلوب ما زال اعداء الايمان المسيحى يستخدمونه حتى الآن من دس كلمات من عندهم على النص أو تأويل حسب هواهم الخاص.

[121] – هذا التمنى من جانب سقراتيس بعيد، فى الواقع، عن السيكولوجية الفعلية للشرير، التى ترفض، بدون تدخل النعمة الإلهية، الاقتناع بالحق. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فرعون مصر والتسع ضربات الأولى. اليهود وكل معجزات الرب، حتى القيامة قالوا أن جسده قد سُرِق. والزلزال الذى دك اساسات الهيكل والنار المشتعلة فى المواد طوال يوم وعلامات الصليب التى لا تنمحى على ملابس العمال حسب وصف كيرلس الاورشليمى فى المتن عاليه لم تغير النفوس.

[122] – لاحظ هنا أن الوثنية تعتبر المسيحيين “دنسين”!!. ولما كان الكتاب المقدس يعبّر عن “آلهة الأمم” بأنهم “شياطين”. فلا عجب إذن من أن ينعت الشيطان فى كل زمان ومكان المسيحيين عبيد الله الحق بأنهم “انجاس”.

[123] – الوثنى.

[124] – هذا عمل من أعمال يوسيبيوس القيصرى بعنوان “ضد بورفيرى” كان مكونا من خمسة وعشرين كتابا، ولكنه مفقود كله، ولم يصلنا حتى الآن.

[125] – يقصد فى هذه العبارة موت السيد المسيح الذى تكلم مسبقا عن موته.

[126] – قارن، أش 9:7 سبعينية.

[127] –  , Aristotle’s Peplum, Dionysius’ Corona, Rheginus’ Polymnemon

[128] – كانت مدينة تقع فى جنوب شرق ساحل أوكسين.

[129] – الانوميون Eunomians ويُكْتَبُون فى الانجليزية  Anomoeans، نسبة إلى أنوميوس (Eunomians , Eunomius)، ويُعرَفون أيضا بـ Heterousians أو Aëtians. وهم شيعة هرطوقية برزت فى القرن الرابع الميلادى تمثل اقصى تطرف للأريوسية إذ لم ترفض فقط الإيمان بهومووسيوس عن طبيعة اقنوم “الإبن” بل رفضت أيضا تعبير الأريوسيين “مثل” الآب، وذهبت إلى “عدم مماثلة” الإبن للآب ليس فقط فى الطبيعة ولكن أيضا فى المشيئة. ومن هنا كان اللقب “anomoean” الذى أُطلِق عليهم حيث يعنى فى اليونانية (ἀὅμοιος) أى “different”أو  “dissimilar”أى “عدم مماثلة”. وكان هذا هو لقب أتباع اتيوس وأونوميوس فى عهد قنسطانتيوس الثانى فى القرن الرابع الميلادى. زقد أدان الاريوسيون الآنوميين فى مجمع سلوقية، فأدانوهم بدورهم فى مجمعىّ القسطنطينية وانطاكية وألغوا مصطلح “أوسيوس” ὅμοιοςمن صيغة ريمنىRimini  وصيغة القسطنطينية. ومن هنا عُرِفوا بـ ἀνόμοιος. وجدير بالذكر أن المؤرخ فيلوستورجيوس(ق5م) قد كتب تاريخا لهذه الشيعة.

[130] – ليس من الواضح هنا هل آباميا المدينة الأسيوية التى تقع حاليا بالقرب من أزمير بتركيا، أم المدينة السورية فى شمال حلب والتى تُعرف حاليا باسم آفاميا.

[131] – منطقة تقع على الحدود بين تركيا وفارس(هـ 563 زينوس).

[132] – يقول زينوس (هـ564)، أنها ترد عند فالسيوس، هيبى.

[133] – يرد إسم هذه المدينة بأشكال عدة، وهى تقع عند سفح جبل لبنان. أنظر يوسيفوس، العاديات، 1:5.

[134] – سنة 364م.

[135] –  وحق عليه قول النبى “لِماذا يَنجَحُ طَريقُ الأشْرار”( ار1:12). فحقا ما أعجب أحكام الله أن تكون فترة حكم رجل صالح بعد حاكمين اشرار بالنسبة للكنيسة الجامعة قصيرة جدا، ثم يليها حُكم حاكم شرقى شرير.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found