اَلأَصْحَاحُ الثَّلاَثُونَ – سفر أيوب – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر أيوب – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثلاثون

نجد هنا أيوب المتألم رمزاً للمسيح المتألم.

وفي هذا الإصحاح نري صورة معكوسة للإصحاح السابق، صورة نري فيها ألام أيوب وحين نقارنها مع إزدهاره السابق، تزداد ألامه بؤساً. فبينما كان العظماء يعظمونه، نجد المحتقرين الآن يسخرون منه. وبحسب تصور أيوب الخطأ فهم أن هذا سببه أن الله كان راضياً عليه والآن غاضباً منه، ولا إنتظار له الآن سوي الموت. هذا كله جاء عليه بالرغم من كماله السابق.

الأعداد 1-8

الأيات (1 - 8): -

"1« وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ أَصَاغِرِي أَيَّامًا، الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. 2قُوَّةُ أَيْدِيهِمْ أَيْضًا مَا هِيَ لِي. فِيهِمْ عَجِزَتِ الشَّيْخُوخَةُ. 3فِي الْعَوَزِ وَالْمَحْلِ مَهْزُولُونَ، عَارِقُونَ الْيَابِسَةَ الَّتِي هِيَ مُنْذُ أَمْسِ خَرَابٌ وَخَرِبَةٌ. 4الَّذِينَ يَقْطِفُونَ الْمَلاَّحَ عِنْدَ الشِّيحِ، وَأُصُولُ الرَّتَمِ خُبْزُهُمْ. 5مِنَ الْوَسَطِ يُطْرَدُونَ. يَصِيحُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَى لِصٍّ. 6لِلسَّكَنِ فِي أَوْدِيَةٍ مُرْعِبَةٍ وَثُقَبِ التُّرَابِ وَالصُّخُورِ. 7بَيْنَ الشِّيحِ يَنْهَقُونَ. تَحْتَ الْعَوْسَجِ يَنْكَبُّونَ. 8أَبْنَاءُ الْحَمَاقَةِ، بَلْ أَبْنَاءُ أُنَاسٍ بِلاَ اسْمٍ، سِيطُوا مِنَ الأَرْضِ.".

ما زاد ألامه أن المحتقرين وأصاغر الناس ضحكوا عليه = الذين كنت أستنكف أن أجعل أبائهم مع كلاب غنمي = والمعني أنه كان لا يستأمنهم علي حراسة غنمه بينما كان يستأمن كلابه علي ذلك (هذا كلام صعب كله إنتفاخ). وبينما كان يضحك لأمثال هؤلاء ليشجعهم ها هم الآن يسخرون منه. وهؤلاء الذين يسخرون منه كانوا بلا نفع إطلاقاً فهم بلا قوة ولا حكمة = قوة أيديهم ايضا ما هي لي = لم أنتفع بأي منهم فلم يكن منهم فائدة. فيهم عجزت الشيخوخة = الشيخوخة تشتهر بالحكمة والمعني أن حتي شيوخهم كانوا بلا حكمة.

ويكمل أوصاف من يسخرون منه قائلاً في العوز والمحل مهزولون = المَحْل أى المجاعة، فهم من عوزهم وفقرهم ومن المجاعة التى هم فيها هم فى هزال. عارقون اليابسة = يعرقون ويكدون فى الصحراء الخربة اليابسة منذ أمس = منذ زمان، لعلهم يجدون ما يأكلونه. وهذه الآية ترجمت هكذا في (اليسوعية) "وبراهم العوز والجوع وهم يعرقون القفر الخرب الغامر من قديم" أي هم في فقرهم ومجاعتهم يعملون بأيديهم في الخرب المهجورة اليابسة ينبشون فيها لعلهم يجدون ما يأكلونه. وفي ترجمة أخري "فمن الحاجة والمجاعة عاشوا منعزلين هائمين في البرية الخربة". يقطفون الملاح = هو نبات غير معروف علي وجه الدقة، ومن الإسم يتضح أنه نبات حمضي وكانوا يأكلون جذوره. المهم هذا إشارة لحقارة طعامهم. وكانوا مرفوضين من المجتمع بسبب شرورهم وتصرفاتهم المخزية (كذب / سرقة....).

يصيحون عليهم كما علي لص. يهربون إلي البرية من وجه الناس ويحتموا بالعوسج وكله شوك فيجرحهم وهم هاربون من مطارديهم. ينهقون = شبههم في صراخهم وهروبهم إلي البرية بالفرا (الحمار الوحشي). هم بلا إسم = أى سمعتهم رديئة فالإسم يشير للشخصية، فهم مرفوضين من كل الناس سيطوا من الأرض = طردوا من الأرض بعد أن ضربوهم بالسياط ليؤدبوهم. والضرب بالسياط هو للحقراء من الناس. وكم هو مؤلم أن إنسان حقير كهؤلاء، يزدري بمن هو عظيم كأيوب. ولكن أليس هذا ما حدث مع المسيح الذي ضربه عبد رئيس الكهنة، فعبد العبيد يلطم القدوس البار. حقاً هو كلام منتفح من أيوب ولكننا لو نظرنا له ككلام نبوة نري صورة لبشاعة ما حدث مع المسيح القدوس.

الأعداد 9-15

الأيات (9 - 15): -

"9«أَمَّا الآنَ فَصِرْتُ أُغْنِيَتَهُمْ، وَأَصْبَحْتُ لَهُمْ مَثَلاً! 10يَكْرَهُونَنِي. يَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَأَمَامَ وَجْهِي لَمْ يُمْسِكُوا عَنِ الْبَصْقِ. 11لأَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَنَانَ وَقَهَرَنِي، فَنَزَعُوا الزِّمَامَ قُدَّامِي. 12عَنِ الْيَمِينِ الْفُرُوخُ يَقُومُونَ يُزِيحُونَ رِجْلِي، وَيُعِدُّونَ عَلَيَّ طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ. 13أَفْسَدُوا سُبُلِي. أَعَانُوا عَلَى سُقُوطِي. لاَ مُسَاعِدَ عَلَيْهِمْ. 14يَأْتُونَ كَصَدْعٍ عَرِيضٍ. تَحْتَ الْهَدَّةِ يَتَدَحْرَجُونَ. 15اِنْقَلَبَتْ عَلَيَّ أَهْوَالٌ. طَرَدَتْ كَالرِّيحِ نِعْمَتِي، فَعَبَرَتْ كَالسَّحَابِ سَعَادَتِي.".

صرت أغنيتهم... أصبحت مثلاً = صار في أفواهم مادة للسخرية يتندرون بها. وأحقر شئ أن يحول أحد ألام الناس لتصبح مادة للسخرية.

يكرهونني = ربما كان قد أصدر حكماً علي أحد منهم حينما كان يجلس في الباب. يبتعدون عني = هم الآن يزدرون بي ويهربون مني من رائحتي. وأمام وجهي لم يمسكوا عن البصق وقارن مع مت 67: 26. لأنه أطلق العنان = الله هو الذي أطلق العنان لهم فهو الذي نزع قوسه وقوته التي كانوا يخشونها، وتركني الله في ألامي وهم فهموا أن هذا علامة غضب الله فليفعلوا ما شاءوا بعد أن أزال الله كرامته. فنزعوا الزمام قدامي = نزعوا الزمام أى ما عاد لهم حدود يقفوا عندها فى سخريتهم منى فما أرادوا أن يفعلوه فعلوه. عن اليمين الفروخ يقومون = الفروخ هم الصغار سناً. وهذا آلم أيوب جداً أن حتي صغارهم إحتقروه. بل كانوا يزيحونه لكي يمروا هم، وربما فعلوا هذا لكراهيتهم السابقة أو لإزدرائهم من منظره، وهم لم يراعوا سنه أو كرامته السابقة. (كل هذا رمز لما لاقاه سيدنا من إحتقار عبيده). يعدون عليَ طرقهم للبوار = أفعالهم هذه ستقودني للبوار أي الخراب الكامل. أفسدوا سبلي = بسبب أحقادهم عليَّ بسبب أحكامي العادلة السابقة، يحاولون الآن في ضعفي أن يمرروا حياتي بمؤامراتهم. ولا مُساعِد عليهم ليس من يصدهم عني، فلا يمكنني الخلاص منهم. ولنذكر أنه طالما أنصف من كان مظلوماً منهم وأرشده، والآن يزدرون به (رمز للمسيح الذي جال يفعل خيراً ثم صلبوه) يأتون كصدع عريض، تحت الهدة يتدحرجون = كنت بمركزي وثروتي السابقة كمن هو في حماية سور مدينته، والآن بما سمح به الله كأن السور تكسر. كصدع = الصدع هو شق فى الأرض نتيجة زلزال مثلا، والمعنى أن أفعال هؤلاء ضدى أصابتنى بإنكسار شديد كما لو كان هناك زلزال قد شق الأرض شق عريض، وهم كانوا خارجاً كجيش منتظر هذه اللحظة، فحالما إنهدم السور إندفعوا ضدي. والهدة = حطام السور، وقوله يتدحرجون أي يدخلون من كسر السور بكثرة مندفعين في فرح وكأنهم إنتصروا عليه (لننظر الآن تفاهة المراكز العالمية وأنها لا تستطيع حماية أحد). وعاد أيوب للصراخ بمرارة طردت كالريح نعمتي = الأهوال طاردت كل أمل لي في الراحة، كالريح حملت كل شئ وكانت الأهوال كريح طردت السحاب الموجود. فكانت نعمته كسحابة زالت سريعاً.

الأعداد 16-24

الأيات (16 - 24): -

"16«فَالآنَ انْهَالَتْ نَفْسِي عَلَيَّ، وَأَخَذَتْنِي أَيَّامُ الْمَذَلَّةِ. 17اللَّيْلَ يَنْخَرُ عِظَامِي فِيَّ، وَعَارِقِيَّ لاَ تَهْجَعُ. 18بِكَثْرَةِ الشِّدَّةِ تَنَكَّرَ لِبْسِي. مِثْلَ جَيْبِ قَمِيصِي حَزَمَتْنِي. 19قَدْ طَرَحَنِي فِي الْوَحْلِ، فَأَشْبَهْتُ التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. 20إِلَيْكَ أَصْرُخُ فَمَا تَسْتَجِيبُ لِي. أَقُومُ فَمَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ. 21تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. 22حَمَلْتَنِي، أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا. 23لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ إِلَى الْمَوْتِ تُعِيدُنِي، وَإِلَى بَيْتِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. 24 وَلكِنْ فِي الْخَرَابِ أَلاَ يَمُدُّ يَدًا؟ فِي الْبَلِيَّةِ أَلاَ يَسْتَغِيثُ عَلَيْهَا؟".

انهالت نفسي عليَّ = من شدة آلامه النفسية إنهالت أى إنسكبت نفسه بلا أمل في رجوع، وهذا ما يسمى الإنهيار النفسى، كماء منسكب علي الأرض، وهذا دليل علي عدم إحتماله أي شئ آخر مز 14: 22. والعرب يشبهون الإنسان الخائف بأن قلبه ذاب كالماء. ومعني كلام أيوب هنا أن ألامي جعلتني مستهلكاً تماماً. أخذتنى أيام المذلة = إمتلكتنى وقبضت علىَّ تماما لدرجة الإختناق. الليل ينخر عظامي = في الليل تنتخر عظامي (ترجمة يسوعية) ألامه وصلت لعظامه تنخر فيها كسيف فلا يستطيع النوم ليلاً. وآلامه لا تهجع أى لا تنام، أي لا تهدأ = عارقيَّ لا تهجع (عارقيَّ أي ألامي) ويقول البعض أن كلمة عارقىَّ تشير للأضراس وألامها ولكن كلمة عارقيَّ مترجمة ألام في الإنجليزية. ومن ترجمها أضراس قال أن ألام الأضراس من أعراض مرض البرص. بكثرة الشدة تنكر لبسى = جبته صارت واسعة عليه من شدة هزاله. مثل جيب قميص حزمتني = أي أحاطت بي ألامي من كل جهة كما يحيط القميص (الجلباب) بالإنسان. قد طرحني في الوحل = إختلط التراب بقروحه. وأكثر ما آلمه عدم إستجابة الله له = فما تستجيب لي ولكن كثرة الشكوي تزيد المرارة في القلب، وهذا ما حدث له هنا، فنجده بعد هذه الشكوي من ألامه يوجه لله كلمة صعبة جداً تحولت إلي جاف من نحوي = أي قلبك صار بلا رحمة من نحوي. بقدرة يدك تضطهدني = يضع كل قوته ضد أيوب ليحاربه.

حَمَلْتَني أركبتني الريح = هنا يصور أن ضرباته كانت شديدة وأنها كالريح وأن الله ألقاه كريشة في مهب الريح، أو عصافة يلقيها الريح هنا وهناك. والله يظل يقسو عليه بلا أمل فى إستجابة حتي الموت = لأني أعلم أنك إلي الموت تعيدني. ثم يقول، وأنا في ألامي هذه أصرخ طالباً القبر = ولكن في الخراب ألا يَمُد يداً = فهو يطلبه ولكن الله لا يعطيه له. وفي اليسوعية مترجمة = "ويكون في هلاك الإنسان خلاصه". وأيوب يقصد بهذا تصوير حالة اليأس من إستجابة الله له، وأن الله سيتركه فى عذابه هذا حتى يموت، إذا فليقصِّر الله مدة حياته فى هذا العذاب ويأتى له بالموت سريعا، ويكون هذا كأن الله يمد له يده ليريحه.

الأعداد 25-31

الأيات (25 - 31): -

"25«أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ عَسَرَ يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَكْتَئِبْ نَفْسِي عَلَى الْمِسْكِينِ؟ 26حِينَمَا تَرَجَّيْتُ الْخَيْرَ جَاءَ الشَّرُّ، وَانْتَظَرْتُ النُّورَ فَجَاءَ الدُّجَى. 27أَمْعَائِي تَغْلِي وَلاَ تَكُفُّ. تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ الْمَذَلَّةِ. 28اِسْوَدَدْتُ لكِنْ بِلاَ شَمْسٍ. قُمْتُ فِي الْجَمَاعَةِ أَصْرُخُ. 29صِرْتُ أَخًا لِلذِّئَابِ، وَصَاحِبًا لِرِئَالِ النَّعَامِ. 30حَرِشَ جِلْدِي عَلَيَّ وَعِظَامِي احْتَرَّتْ مِنَ الْحَرَارَةِ فِيَّ. 31صَارَ عُودِي لِلنَّوْحِ، وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ الْبَاكِينَ.".

ألم أبك لمن عَسَر يومه = لقد أظهرت مراحمي للمسكين أفلا تظهر مراحمك عليَّ. حين ترجيت الخير جاء الشر = بسب كمالي ومراحمي ترجيت أن تزيد بركاتك عليَّ، وإذا بكل هذه الشرور تأتي عليَّ. أمعائي تغلي ولا تكف قد تفهم حرفياً بمعني ألام أحشائه وقد تفهم بمعني هياج عواطفه وإنفعالاته. فالأمعاء والأحشاء تشير للعواطف إش (11: 16 + 15: 63) + في 1: 2. تقدمتني أيام المذلة = لقد جاءت أيام المذلة دون سابق إنذار، أيام المذلة تقدمت أيام السرور الذي إنتظرته فما جاء، بل جاء بدله المذلة والألم. إسوددت = نتيجة لمرضي وليس نتيجة لفحة شمس. قمت في الجماعة أصرخ = حتي في وسط أصحابه لم يستطع أن يمنع نفسه من البكاء، أي كان بكاؤه مستمراً. صرت أخاً للذئاب = من كثرة صراخه شابه الذئاب والنعام وهذه لا تكف عن العواء وهي تحيا في البرية وحيدة. حرش جلدي عليَّ = إسود لونه وخشن ملمسه. وعظامي إحترت = كمن هو في حُمَّى مستمرة وجسده يكون ساخناً. صار عودي للنوح = تحولت أفراحي لأحزان. عودى = آلة طرب رمز للفرح.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ - سفر أيوب - القمص أنطونيوس فكري

اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أيوب - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر أيوب الأصحاح 30
تفاسير سفر أيوب الأصحاح 30