الأصحاح العاشر – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح العاشر

هنا نسمع عن الرعود السبعة التى تكلمت ولم نعرف ماذا قالت، فالله منع يوحنا من أن يذكر أو يسجل ما قالته هذه الرعود. ولأنها رعود فهى تشير لأخبار مزعجة وضربات مؤلمة توجه للناس فى نهاية الأيام، وهدف الله من الضربات دائما هو أن يتوب الناس. وحتى لا يضطرب أولاد الله من هذه الأخبار نرى المسيح فى صورة ملاك قوى واضعا رجله اليمنى على البحر واليسرى على الأرض، أى أنه مسيطر تماما على الأحداث فهو ضابط الكل. بل هو مزمع أن يطهر البحر والأرض من إبليس وأتباعه، فنحن سوف نرى فى (رؤ1: 13) أن هناك وحش طالع من البحر. وفى (رؤ11: 13) نرى وحشا آخر طالع من الأرض والمسيح الملاك القوى مزمع أن يسحق كليهما برجليه اللتين كعمودى نار.

وليس من حق أحد أن يتصور ما قالته الرعود السبعة، فالله لا يريد إعلان ما قالته. ولكن لماذا أعلن ذلك ليوحنا؟

يوحنا هو الأكثر حبا للمسيح، والمحبة قادرة أن تكتشف ما لا يكشف لمن محبته قليلة، راجع تفسير (أف3: 19). لذلك كان يوحنا هو أول من عرف المسيح (يو7: 21). وبنفس المفهوم ففى حادثة إحراق سدوم وعمورة لم يخفى الرب شيئا عن إبراهيم. ولاحظ أن محبة يوحنا دفعته أن يتبع المسيح حتى الصليب، لذلك لم يحتاج يوحنا أن يقول له السيد المسيح إتبعنى كما قال لبطرس (يو20، 19: 21).

والله لم يكشف ما قالته الرعود لنا حرصا علينا من الخوف والذعر، أما يوحنا الحبيب الذى يتبع يسوع شاعرا بمحبة يسوع العجيبة له، وهو قلبه مشتعل بمحبة يسوع فلن يخاف ولن يضطرب بسبب هذه الأخبار المزعجة. بل هو مستعد بسبب محبته أن يقبل من يد المسيح أى شىء مهما كان، واثقا فى حبيبه المسيح أنه صانع خيرات، لا يصنع سوى الخير، شاعرا بأمان فى يدى يسوع ضابط الكل، أما ناقصى المحبة فهم لن يحتملوا سماع الأخبار المزعجة لأنهم ببساطة غير واثقين فى حماية الله لهم وسط هذه الضيقات.

قالت مريضة بمرض خطير لأب إعترافها فى شهر مارس أنها ستموت يوم 16 أكتوبر (وخبر الموت لمعظم الناس هو رعد كالرعود السبعة). ولما سألها كيف عرفت هذا. قالت له لقد أخبرتنى العذراء بأننى سوف أرتاح من ألامى فى هذا اليوم. فأراد الأب الكاهن أن يطمئنها فقال لها إذاً ستشفى من ألامك فى هذا اليوم وكان رد المرأة التى أحبت الله "يا أبونا إنت فاكر إن أنا خايفة من الموت، أنا منتظرة هذا اليوم بفارغ صبر، فإذا كنت بأفرح هنا بهذا المقدار فكم وكم سيكون فرحى فى السماء، عموما فالراحة من الألم ليس معناها أن أعيش على الأرض ثانية بل أننى سأذهب للسماء".

ومعنى هذا الرد أن الحب الذى فى قلبها لله جعلها لا تخاف من الرعود السبعة أى خبر الموت لأنها شاعرة أنها فى يدى من تحبه سواء على الأرض أم فى السماء، سواء فى حياة أم فى موت، فى مرض أم فى صحة. لمثل هؤلاء يعلن الله ما تقوله الرعود السبعة، أما لقليلى المحبة فلا يعلن لهم فهم لن يحتملوا.

ولأن هذه الأخبار ستجرى فى الأيام الأخيرة لهذه الأرض، ولأنه فى أيام البوق السادس سيكون المتبقى لهذا العالم هو فترة قصيرة جدا لينتهى نسمع عن السفر الصغير الذى يحوى مقاصد الله نحو العالم فى نهاية الأيام.

ولأن قلب يوحنا مملوء حبا للمسيح وجد حينما أكل هذا السفر أنه كان حلوا فى فمه فمقاصد الله دائما حلوة، وكل ما يعمله هو للخير، فقصد الله من هذه الألام ان يتوب البعض، ولكن يوحنا شعر بأن جوفه صار مرا، وهذه المرارة سببها:

  1. تأثره بسبب ما عرفه من ألام ستحدث للناس.
  2. حزنه بسبب ما عرفه عن خطايا الناس وعنادهم فى تلك الأيام.
  3. العدد 1

آية (1): -

"1ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ قَوِيًّا نَازِلاً مِنَ السَّمَاءِ، مُتَسَرْبِلاً بِسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ،".

مَلاَكًا: - ملاك معناها رسول أو مرسل، ولطالما أطلق الكتاب المقدس على المسيح.

"ملاك العهد" والمسيح كان يقول "الآب الذى أرسلنى" (يو30: 5) وهنا نفهم أن رسالته لنا نحن المؤمنين "لا تخافوا فأنا ضابط الكل".

قَوِيًّا = فمهما كانت قوة الأشرار فهو الأقوى فلماذا الخوف.

نَازِل مِنَ السَّمَاءِ = فهو السماوى الذى أتى إلينا على الأرض، وصعد للسماء ليعد لنا مكانا. إذاً فمكاننا معه فى السماء، فلماذا لا نحتمل بعض الألام التى يسمح بها خصوصا أن ما تبقى من أيام على الأرض قليل.

مُتَسَرْبِل بِسَحَابَةٍ = لأننا لا نستطيع أن نعاين مجده، فالآن إذ نحن مازلنا فى الجسد، لا نرى مجده. ودائما نرى أن السحاب يلازم حضور مجد الرب (راجع خر35، 34: 40) + (1مل11، 10: 8) + (أع9: 1) + (مت30: 24).

وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ = قوس قزح كان علامة أن الله يريد ألا يهلك الإنسان. والمعنى هنا أن الله يعلن أن هذا مازال فكره، فهو يريد أن الجميع يخلصون... وتكون لهم حياة.

أبدية. ولاحظ أن يوحنا رأى قوس قزح بلون أخضر من قبل "وقوس قزح حول العرش فى المنظر شبه الزمرد" (رؤ4: 3). فحينما يراه باللون الأخضر فهذا إعلان من الله أنه يريد حياة للبشر. ولكن هنا ومع أخبار الرعود السبعة فهو يريد أن يقول لا أريد هلاك أحد بل أن هذه الضربات لكم حتى لا يكون لكم هلاك أبدى، هذه تأديبات لعل الناس تتوب، الله دائما أبدا هو صانع خيرات، خلقنا لنحيا لا لنموت. وكل ما يسمح به هو أن يتم قصده ونحيا، حتى لو كان ما يسمح به هو رعود.

وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ = هذا ما رآه يوحنا فى (رؤ16: 1) والمسيح هو نور من نور.

وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ = يدك بهما أعداؤه، وبهما ندك نحن العثرات، وكلما تلاشت محبة الخطية فينا نلتهب بمحبته.

العدد 2

آية (2): -

"2 وَمَعَهُ فِي يَدِهِ سِفْرٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْبَحْرِ وَالْيُسْرَى عَلَى الأَرْضِ،".

سِفْرٌ صَغِيرٌ = لأن نهاية الأيام قد إقتربت والدينونة قد إقتربت. وهذا السفر فيه أحكام وإعلانات وأخبار ستحدث فى نهاية الأيام وهذا السفر ليس كالسفر المختوم من داخل ومن وراء. فهذا يعنى أنه مملوء أحداثا، فهو تاريخ الكنيسة منذ نشأتها، أما هذا فسفر صغير.

مَفْتُوحٌ = وليس مختوم (رؤ1: 5) فالأمور أصبحت واضحة لأولاد الله الذين سيفهمون تماما فى هذه الأيام مقاصد الله وخطة الله، هؤلاء قال عنهم دانيال "والفاهمون يضيئون" (دا3: 12).

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3 وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَمَا يُزَمْجِرُ الأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا. 4 وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا، كُنْتُ مُزْمِعًا أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً لِيَ: «اخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ».".

صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ = هى صرخة إنذار أخيرة لهؤلاء الذين لا يريدون أن يرتدعوا، وهذه تعنى قداسة الله التى لا تقبل الخطية، وتشير لحب الله الذى لا يريد هلاك البشر. وها هو يسمح بألام تعلنها هذه الرعود السبعة لعل الناس تتوب.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَالْمَلاَكُ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ،".

رَفَعَ يَدَهُ = هى صورة القسم وفى هذا إشارة لخطورة ما يعلنه وهو نهاية الأيام، ونهاية الشر، ونهاية الصراع بين الكنيسة وقوى الشر، وإنتهاء فرص التوبة، وخضوع كل الخليقة لله. وَاقِفًا عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ = مسيحنا هو ضابط الكل فلماذا الخوف من الرعود.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَأَقْسَمَ بِالْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَالْبَحْرَ وَمَا فِيهِ: أَنْ لاَ يَكُونَ زَمَانٌ بَعْدُ!".

أَنْ لاَ يَكُونَ زَمَانٌ بَعْدُ = هذه تعنى إما أن أيام الأرض إنتهت والدينونة ستبدأ أو أن الأحداث التى فى السفر الصغير ستحدث سريعا دون أن يطيل الله أناته على البشر.

العدد 7

آية (7): -

"7بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ الْمَلاَكِ السَّابعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ، يَتِمُّ أَيْضًا سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنْبِيَاءَ.".

البوق السابع يعلن نهاية الأيام ونهاية دولة الشر وضد المسيح (الوحش أو الدجال).

العدد 8

آية (8): -

"8 وَالصَّوْتُ الَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضًا وَقَالَ: «اذْهَبْ خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ».".

هو صوت ملاك كان يرافق يوحنا.

العدد 9

آية (9): -

"9فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: «أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ». فَقَالَ لِي: «خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ».".

كُلْهُ = أى يدرك ويستوعب ويعرف ما فيه ليعلنه للبشر.

العدد 10

آية (10): -

"10فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا.".

فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ = كلمة الله حلوة ومقاصده دائما حلوة فهو صانع خيرات. وسبق كل من أرمياء وحزقيال وداود أن قالوا نفس الشىء (إر16: 15) + (حز1: 3 - 3) + (مز103: 119). فكل ما يسمح به الله دائما هو للخير، وهذا هو ما يفهمه كل من يحب الله ويدرك مقاصده. وحتى هذه الألام التى تحدثت بها الرعود السبعة، أو الموجودة فى السفر الصغير إنما هى لخير البشر، أى هدفها توبتهم.

بَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا = هناك كما قلنا إحتمالين: الأول هو تأثر يوحنا بما سمعه من ألام ستحدث للبشر، والإحتمال الثانى هو تأثره بعناد الناس وإصرارهم على عدم التوبة (رؤ20: 9). وكلا الأمرين صحيح.

العدد 11

آية (11): -

"11فَقَالَ لِي: «يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ».".

بعد أن فهم يوحنا ما فى السفر الصغير عليه أن يعلن ما فهمه وما سيحدث فى الأيام الأخيرة. وهذا ما سيفعله فى بقية السفر.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الحادى عشر - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح التاسع - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 10
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 10