(4)المجيئان والاختطاف

(4) المجيئان والاختطاف

كان مجئ السيد المسيح القادم والأخير يشغل ذهن الكنيسة الأولى فى تمتعها بكلمة الله وفى عبادتها وفى إرشاداتها. بكون هذا الحدث القادم هو بلوغ بالتاريخ البشرى إلى قمته، حيث يظهر السيد المسيح على السحاب، ويحمل كنيسته التى تضم جميع المؤمنين من آدم إلى آخر الدهور إلى حضن الآب، للتمتع بشركة الأمجاد الأبدية. إنه يوم الرب العظيم كما يدعوه الكتاب المقدس حيث تنفتح عيون السمائيين والأرضيين لاكتشاف قمة الحب الإلهى الفائق المُقدم للبشرية المقدسة، والتى تدخل فى شركة مع السمائيين على مستوى فائق أبدى، ويتهلل السمائيون والأرضيون بهذا الحب الإلهى الذى يوحد الجميع معاً[68].

لسنا نكرز بمجئ واحد للسيد المسيح بل بمجيئين، المجئ الأول إذ جاء كلمة الله متجسداً ليقدم لنا الخلاص المجانى بالصليب، والمجئ الثانى والأخير فيه يكون السيد المسيح بمجد أعظم من الأول. المجئ الأول أظهر حبه وصبره وطول أناته على البشرية كلها. والثانى يُحضر معه إكليل مملكته الإلهية.

1 - ماذا يقول الكتاب المقدس والتسليم الكنسى عن المجيئين؟

كتب القديس كيرلس الأورشليمى عن المجئ الثانى للسيد المسيح:

[ "كنت أرى أنه وُضعت عروش، وجلس القديم الأيام، ثم" كنت أرى فى رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان آتى... "(دا 7: 13، 9).

لسنا نكرر بمجئ واحد للمسيح بل وبمجئ آخر فيه يكون ممجداً جداً أعظم من الأول. المجئ الأول أظهر صبره، والثانى فيحضر معه إكليل مملكته الإلهية. لأن تقريباً كل شئ فى ربنا يسوع المسيح يحمل جانبين: فله نسب مزدوج، مولود من الله قبل كل الدهورن، ومولود من العذراء فى ملء الدهر. ونزوله مزدوج، واحد يأتى فيه مختفياً، "مثل المطر على الجزاء" (مز 72: 6)، والآخر مجئ واحد مُنتظر.

فى المجئ الأول كان الحضور الملائكى جزئياً، إذ ظهر فقط "جمهور من الجند السماوى" (لو 2: 13). أما فى المجئ الثانى، فسيكون الحضور أكمل وأشمل لأن الرب سيأتى وجميع الملائكة القديسين معه، كما يقول متى البشير (مت 25: 31).

فى مجيئه الأول كان ملفوفاً بقماطات فى المذود، وفى ظهوره الثانى يظهر "اللابس النور كثوب" (مز 104: 2). فى مجيئه الأول "احتمل الصليب مستهيناً بالخزى" (عب 12: 2)، وفى الثانى تحوطه جيوش الملائكة ممجداً[69].

فنحن لا نستند على مجيئه الأول فحسب، وإنما ننتظر مجيئه الثانى أيضاً. وكما قلنا فى مجيئه الأول: "مبارك الآتى بأسم الرب (مت 21: 9؛ 23: 39). سنزود أيضاً هذا فى مجيئه الثانى، فإن نتقابل مع سيدنا وملائكته، نتعبد له قائلين:" مبارك الآتى باسم الرب ".

سيأتى لا ليُحكم عليه، بل ليدين من حاكموه. ذاك الذى صمت أثناء محاكمته يقول للأشرار الذى فعلوا معه هذه الجسارة: هذه الأشياء صنعتم وسكت (مز 50: 21).

إذن، قد جاء بتدبير إلهى معلماً الناس بالإقناع، أما هذه المرة بالضرورة يقبلونه ملكاً حتى الذين لا يريدون!

بخصوص هذين المجيئين يقول ملاخى النبى: "ويأتى بغتة إلى هيكله السيد الذى تطلبونه" (ملا 3: 1)، هذا هو المجئ الأول. أما عن مجيئه الثانى، فيقول: "وملاك العهد الذى تسرون به. هوذا يأتى قال (رب الجنود القادر على كل شئ)، ومن يحتمل يوم مجيئه؟! ومن يثبت عند ظهوره؟ 1 لأن مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار، فيجلس ممحصاً ومنفياً" بعد هذا يقول المخلص نفسه: "واقترب إليك للحكم وأكون شاهداً سريعاً على السحرة وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زوراً..." (ملا 3: 5).

لهذا السبب يحذرنا بولس الرسول قائلاً: "إن كان أحد يبنى على هذا الأساس ذهباً، فضة، حجارة، كريمة، خشباً، عشباً، قشاً، فعلم كل وحدا سيصير ظاهراً، لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يُستعلن" (1 كو 3: 12 - 13).

عرف بولس المجيئين حين كتب إلى تيطس قائلاً: "ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس، معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقل والبرّ والتقوى فى العالم الحاضر منتظرين الرجاء المبارك، وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تى 2: 11 - 14). ها أنتم ترون كيف يتحدث عن المجئ الأول الذى من أجله يُقدم تشكرات، وعن الثانى الذى نطلبه وننتظره. هكذا أعلن بولس نفس الإيمان الذى نعلنه، فنحن نؤمن بالذى صعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، وأيضاً يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات الذى ليس لملكه انقضاء...

مجئ السيد المسيح الأول لخلاص العالم غير نظرتنا نحو مجيئه أو يوم الرب، أو يوم الدينونة، فقد صار بالنسبة لنا يوم العرس الأبدى المفرح! لم يعد يوم مجيئه مرعباً، بل صار شهوة قلوبنا التى طالما تترقبه بفرحٍ وتهليلٍ.

من التداريب الرئيسية فى حياة آباء البرية كما فى حياة الجادين فى خلاصهم هو تذكرهم ليوم مجئ الرب الأخير، ليس خوفاً من الدينونة، وإنما بالأكثر استعداداً للتمتع بالأمجاد الأبدية، والتمتع بالأحضان الإلهية.

يقول الشهيد كبريانوس: [يا له من يوم عظيم ذاك الذى يعطينا فيه السيد مكافأة الإيمان والإخلاص! كيف سيكون المجد؟ وكم يكون فرح الدخول إلى حضرة الله عظيماً. أن نتشرف بقبول الفرح الذى للنور الأبدى والخلاص فى حضرة المسيح الرب إلهنا! إننا نتقابل مع إبراهيم وإسحق ويعقوب وكل البطاركة والرسل والأنبياء والشهداء. فى بهجة الخلود الذى سيُمنح لن نقبل هناك ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر[70]].

يقول القديس كيرلس الكبير: [يليق بنا أن نتطلع إلى مجئ المسيح الثانى من السماء، فإنه سيأتى فى مجد الآب مع الملائكة القدّيسين... سيأتى المسيح كما من وليمة، لهذا يظهر بوضوح أن الله يسكن كما فى أعياد (عُرس)، الأمر الذى يليق به. فإنه لا يوجد حزن قط فى الأعالى، إذ لا يوجد قط شئ يُحزن الطبيعة التى فوق الأهواء والتى لا تتأثر بها قط[71]].

بمجئ السيد المسيح الثانى على السحاب يحتضنا عروساً سماوية من صنع يديه، نشاركه المجد الأبدى. يقول القدّيس كيرلس الكبير: [ "ويصعدون من الأرض" (هو 1: 11)، بمعنى أنهم يحيون حياة القدّيسين حسناً، "لأن يوم يزرعيل عظيم". بالحقيقة عظيم هو يوم المسيح، عندما يقيم كل الأموات إلى الحياة. حقاً ينزل من السماء، ويجلس على عرشه المجيد "ويجازى كل واحد حسب أعماله" (مت 16: 27). لذلك إن أراد أحد أن يفهم "اليوم" أنه وقت الافتقاد – عندما تُمنح مغفرة الخطايا بواسطة المسيح لليونانيين واليهود والذين أخطأوا ضده – فإن داود أشار إلى وقت مجئ مخلصنا بالقول: "هذا هو اليوم صنعه الرب، فلنبتهج ونفرح فيه" (مز 118: 24) [72]].

2 - ما هو موقف إبليس من المجئ الثانى للسيد المسيح؟

يدرك إبليس عجزه عن مقاومة السيد المسيح فى مجيئه الثانى، فيبذل كل الجهد فى خداع البشرية حتى يضلوا ويحسبوا أضداد المسيح أنهم المسيح القادم أو أتباعه. لهذا قيل:

"أيها الأولاد، هى الساعة الأخيرة. وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتى، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون، من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة (1 يو 2: 18).

"حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا" (مت 24: 23).

يقول الرسول "هى الساعة الأخيرة". فى كل جيل يشعر المؤمنون إنها الساعة الأخيرة، فيستعدون لمجيئه ويحذرون من خداع إبليسز فى كل يوم يقوم المؤمن إنها اللحظات الأخيرة للمعركة بين الله والشيطان. يمد الله أولاده بذاته ليعطيهم النصرة، والشيطان أيضاً إذ يرى أيامه قد اقتربت يصارع باثاً روحه فى أضداد المسيح لكى يفسدوا إيمان أولاد الله وحياتهم.

أولاد الله يحبون أباهم السماوى، مستفهين الحياة الزمنية. يرون أيام غربتهم مهما امتدت هى "ساعة أخيرة" تنتهى حتماً، ليحيوا فى الفردوس، إلى أن يُكللوا فى الأبدية. بهذا يطمئن الرسول أولاده ألا يخافوا من المقاومين لهم.

3 - ما هو موقف المؤمنين من إبليس المقاوم للسيد المسيح ليشوه مجيئه الثانى؟

إذ تحدث الرسول يوحنا عن إبليس ومقاومته للسيد المسيح حتى فى مجيئه الثانى يدعو المؤمنين الثبات فى الإيمان بالله والاعتزاز ببنوتهم له، قائلاً: "وأما أنتم سمعتموه من البدء. فليثبت إذا فيكم.

إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء، فأنتم أيضاً تثبتون فى الابن وفى الآب. وهذا الوعد الذى وعدنا هو به، الحياة الأبدية. "كتبت إليكم هذا عن الذين يضلونكم. وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ. والآن أيها الأولاد اثبتوا فيا، حتى إذا أظهر يكون لنا ثقة، ولا نخجل منه فى مجيئه." إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البرّ مولود منه "(1 يو 2: 24 - 29).

غاية كتابته هنا توجيه أنظار المؤمنين حتى لا يضلهم المبتدعون بأساليبهم المخادعة، كما يود أن يثبتهم فى كلامه بالمسحة الثابتة فيهم.

أ. يصير لهم رجاء وشوق نحو مجيئه، كعروس تنتظر عريسها، لتعيش فى حضنه، وتراه وجهاً لوجه فى الأبدة. لنترنم مع القديس ماريعقوب السروجى، قائلين:

[ربى، ليهبّ علىّ روح الحياة من وحيك، وليرشدنى لأعد الميمر العجيب على مجيئك.

يوم الدين يوقظ فىَّ ألحانه بألم عظيم، لأكرز للأرض عن القيامة، قائلاً: ها هى قد حلّت...

يا ابن الله أنت كلك فائدة، أعطنى لأفيد من يسمعنى بواسطتك.

من يرى الشمس العظمة، ولا يستنير بها؟ أو من يجد كنزاً مملوءً ولا يغتنى به؟

أو من يأكل خبزك الحى ولا يشبع؟ أو من يشرب كأسك المحيى ولا يرتوى؟

من يركع ويشرب منك يا ابن الله، ويقدر أن يُبعد فمه عن ينبوعك؟

كلماتك أحلى من شهد العسل، وأى خبر يحلّى الفم إلا خبرك؟

العالم مرّ وكل كلماته مليئة موتاً، تقيأت الحية فيه ولا يحلو إلا بك.

خبرك يزيل الأخبار غير الحسنة، لأن كلمتك نور تطرد ظلال العالم.

ليترك كل إنسان الأخبار العالمية، وليسمع كلمتك فقط لأنها مفيدة[73]].

ب. بالنسبة المؤمنين الذين لم ينشقوا عن الكنيسة، فليثبتوا فيما سمعوه من البدء وتسلموه جيلاً بعد جيل. وبثباتهم فى الإيمان المستقيم والحياة يثبتون فى الابن وفى الآب، متطلعين إلى الوعد الذى يشتهونه، أى "الحياة الأبدية".

ج. يليق بنا نحن المؤمنين، ففينا مسحة القدوس ثابتة، ولسنا محتاجين إلى تعاليم غريبة جديدة تلك الذى بلغت أحياناً ما يقرب من 600 طائفة جديدة. أما نحن فلنثبت على ما سلمه لنا الروح القدس، روح الحق الذى هو ليس فيه خداع "وهى حق وليست كذباً"، حيث يختفى جميع المعلمين فلا يخدموا من عندهم، بل فى المعلم الواحد وهو المسيح (مت 23: 10). إذا لنثبت فى هذا التعليم.

د. إذ يثبت محبو الله فى كلامه بالمسحة الثابتة فيهم عندئذ يعلمون أنه بار وكأولاد له لا يقبلوا إلا ان يكونوا على مثال أبيهمن يطيعون وصاياه ويجاهدون مثابرين لعمل البرّ بقوة المسحة المقدسة التى تعمل فيهم، فينالون برّ المسيح.

4 - كيف يهيئ ضد المسيح Antichristالجو كى يقبله البشر؟ وما هى علامات مجيئه؟

من هو ضد المسيح؟ هو خصم المسيح، الذى يجاهد أن يمحو المسيحية، لكن بدلاً من أن يصنع هذا يبلغ إلى نهاية مرعبة. "وحينئذ سيستعلن الأثيم الذى يبيده الربّ بنفخة من فمه وبيطله بظهور مجيئه" (2 تس 2: 8). عمل عدو الخير هو بث روح الكراهية بين الإخوة حتى يُفسح الطريق لمجئ ضد المسيح، لأن الشيطان يصنع الأنقسام بين الناس حتى يقبلوا المزمع أن يأتى. أما الله فمنع أى خادم من خدام المسيح ان يذهب إلى هنا أو هناك نحو العدو.

وإذ يكتب الرسول بولس فى هذا الأمر يعطى علامة واضحة لمجئ ضد المسيح، فيقول: "لأنه لا يأتى (هذا اليوم) إن لم يأت الارتداد أولاً ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهاً أو معبوداً، حتى إنه يجلس فى هيكل الله كإله، مظهراً نفسه أنه إله. أما تذكرون إنى وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا؟ والآن تعلمون ما يحجز حتى يُستعلن فى وقته، لأن سرّ الإثم الآن يعمل فقط إلى أن يُرفع من الوسط الذى يحجزُ الآن، سيُستعلن الأثيم الذى الرب يبيده بنفخة فمه، ويُبطله بظهور مجيئه. الذى مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم فى الهالكين" (2 تس 2: 3 - 10). هكذا كتب بولس، وقد تم الارتداد[74]، إذ ارتد الناس عن الإيمان المستقيم، فالبعض يتجاسر ويقول إن المسيح أوجد من العدم. قبلاً كان الهراطقة ظاهرين، أما الآن فالكنيسة مملوءة هراطقة مستترين، إذ ضل الناس عن الحق، وصموا آذانهم (2 تى 4: 3).

هل يوجد مقال مملوء بالمظاهر الكاذبة؟! الكل ينصتون إليه بفرح! هل توجد كلمة للإصلاح؟ الكل يتحولون عنها! تحول الغالبية عن الكلمات الصحيحة، واختاروا الكلمة الشريرة عوض الصالحة. هذا هو الارتداد، والعدو يتطلع إليه. فقد أرسل جزئياً رواده حتى يأتى وينقض على الفريسة.

اهتم بنفسك يا إنسان، ولتكن نفسك فى أمان. الكنيسة تُحملك المسئولية أمام الله الحى، فهى تخبرك عما يخص ضد المسيح قبل أن يأتى. وإننا لا نعلم إن كان يأتى فى أيامكم أو بعدكم، لكن يليق بكم إذ تعرفون هذه الأمور أن تحترسوا[75]].

5 - ما هى العلامات التى تسبق المجئ الثانى ليسوع المسيح؟

لا يعرف أحد موعد المجئ الثانى للسيد المسيح، غير أنه ستوجد أحداث تُعد الطريق لمجيئه، سبق فأعلن عنها الربّ قبل آلامه بوقت قصير، وهى:

أولاً: بحسب تعاليم ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح ابن الله: "سوف تسمعون بحروب وأخبار حروب انظروا، لا ترتاعوا. لأنه لابد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل فى أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع. حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم، وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمى. وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضاً (مت 24: 6 - 10).

ثانياً: البشارة بالأناجيل المقدسة فى العالم كله (مت 24: 14).

ثالثاً: إذ يدخل ملء الأمم ثم يخلص جميع إسرائيل (رو 25: 11: 26)، إذ يؤمنون بالإنجيل، ويعرفون أن يسوع هو المسياً الحقيقى، المخلّص. إنهم سيدركون أن مجئ إيليا ليُعد الطريق للمسيح قد تحقق فعلاً بمجئ النبى يوحنا المعمدان الذى جاء بروح إيليا (لو 1: 17).

رابعاً: سيحدث الارتداد العظيم قبل المجئ الثانى للمسيح، وسيخدع الأنبياء الكذبة الكثيرين (مت 24: 5). ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين. ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ويُكرز ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتى المنتهى "(مت 24: 6 - 14). هذا مع انشغال الكثيرين بشهوات العالم (لو 17: 26 - 30)، وسيجدفون على الله إله السماء بسبب الآلام التى تحلّ عليهم ولا يقدمون توبة عن أعمالهم (رؤ 16: 11).

تزايد الخطية يخلق بؤساً عظيماً يحصبه قلقاً يأساً. هذا وصفه الربّ قائلاً: "وتكون علامات فى الشمس والقمر والنجوم. والبحر والأمواج تضج، والناس يُغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتى على المسكونة، لأن قوات السماوات تتزعزع. وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً فى سحابة بقوة ومجد كثير. ومتى ابتدأت هذه تكون، فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب" (لو 21: 25 - 28). هكذا تتحقق نبوة الرسول بولسن حيث لا يأتى يوم الربّ، ما لم يأتِ الارتداد أولاً، ويستعلن إنسان الخطية، ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهاً أو معبوداً، حتى أنه يجلس فى هيكل الله كإله، مظهراً نفسه أنه إله "(2 تس 2: 3 - 4).

خامساً: قمة الارتداد، البؤس والحيرة يصدران عن ضد المسيح. جاء فى الديداكية: [ففى الأيام الأخيرة يكثر الأنبياء الكذبة والمفسدون، وتتحول النعاج إلى ذئاب "(مت 7: 15)، والمحبة إلى كراهية (مت 24: 12). إذ يزداد الإثم يكره الناس بعضهم بعضاً، ويضطهدون بعضهم بعضاً (مت 24: 8 - 9)، عندئذ يظهر مضلل العالم كابن الله (2 تس 2: 4). ويصنع آيات وعجائب (مت 24: 24) وتصبح الأرض فى قبضة يديه، ويرتكب آثاماً لم يحدث مثلها منذ البدء. عندئذ تدخل الخليقة بنار الاختبار، ويتعثر كثيرون ويهلكون، أما الذين يثبتون فى إيمانهم فيخلصون من اللعنة" (مت 241: 83) [76]]. ويقول القديس يوحنا الإنجيلى واصفاً ضد المسيح: "كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء فى الجسد" (1 يو 4: 3)، "لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1 يو 4: 1).

يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [فى البداية يلبس مظهر الحقيقى والتعقل والحنو، وبالعلامات الكاذبة والعجائب السحرية المخادعة يخدع اليهود كما لو كان المسيح المنتظر. بعد هذا يُظهر كل أنواع الجرائم الوحشية والشرور، فيفوق كل الأشرار والملحدين الذين سبقوه، مستخدماً روح قتالٍ قاسٍ جداً كل البشرية خاصة المسيحيين، فيكون بلا رحمة مملوء غشاً. وبعد ثلاث سنوات وستة أشهر فقط تتحطم هذه الجرائم بالظهور المجيد لابن الله الوحيد ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح الحقيقى من السماء، حيث يستحق ضد المسيح بفمه، ويلقيه فى نار جهنم[77]].

6 - هل يحدث اختطاف للمؤمنين قبل مجئ ضد المسيح؟

اعتمد البعض على قول الرسول: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات فى المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1 تس 4: 16 - 17). هذا يدعونا إلى التعرف على أصل الكلمة المترجمة "سنخطف" فى (1 تس 4: 17) وتطورها.

7 - ما هو أصل الكلمة المترجمة "سُنخطف" فى 1 تس 4: 17 وتطورها؟ [78]

الاختطاف raptureمقتبسة من الكلمة الفرنسية raptureوهى من أصل لاتينى فى العصر الوسيط rapture (أى القبض على شخص أو ممتلكات بسرعة)، مقتبسة من اللغة اللاتينية raptus (أى يأخذه بعنف carrying off). الكلمة اليونانية باللغة القديمة Koine فى (1 تس 4: 17): يحمل الفعل معنى "تُحمل إلى فوق مع فهم أنه يتم بسرعة فائقة". وقد استخدمت نفس الكلمة اليونانية فى (أع 8: 39؛ 2 كو 12: 2 - 4؛ رؤ 5: 12) ولم تترجم يُخطف.

أما فى الترجمة اللاتينية، أى الفولجاتا فتُرجمت نُحمل أو نُؤخذ catch up, take away.

8 - ماذا تعنى فكرة الاختطاف التى اعتنقها John Darbyفى بداية القرن التاسع عشر؟

لدراسة هذه الفكرة التى نادى بها جون داربى يليق يليق بنا أن نتساءل:

أ. لماذا لم تُشر إليها الكنيسة فى كتابات الآباء أو الليتورجيات أو التفاسير كعقيدة كنسية طوال المدة منذ القرن الأول حتى آخر القرن الثانى عشر؟

ب. لماذا استخدم الرسول بولس هذه الكلمة فى حديثه عن القيامة من الأموات فى تسالونيكى الأول (آية17) بينما لم يذكرها فى كورنثوس الأولى التى خصصت أصحاحاً كاملاً فى الحديث عن القيامة من الأموات (الأصحاح15)؟

ج. لماذا لم ترد هذه الكلمة فى أى موضع آخر فى العهدين القديم والجديد بخصوص النبوات عن مجئ المسيح الثانى أو علامات مجيئه الثانى؟

د. لماذا لم يقبلها بعض طوائف الإنجيليين؟

ﮪ. كيف صوّر الفيلم الخاص بالاختطاف؟ وأنه إذ أُختطف سائق مركبة أو سفينة أو طائرة لأنه تقى وبار تحدث كوارث مُفجعة، فهل يتفق هذا مع التدبير الإلهى الذى لا يعرف التشويش بل يتسم بالاهتمام بسير الأمور فى لياقة وتدبير حسن؟

و. هل يُختطف المؤمنون إلى السحاب قبل حدوث الضيقة العظيمة لكى يحفظ كنيسته بينما يرى الرسل أن الضيق عطية كى نتألم ونُصلب مع المسيح فنقوم معه؟

ز. هل أشار الكتاب المقدس إلى مجئ الكلمة الإلهى متجسداً من أجل تحقيق الخلاص، ثم يأتى مرة أخرى لاختطاف كنيسته حتى ينقذها من الضيقة العظيمة، وبعد ذلك يأتى للمرة الثالثة لأجل الدينونة العامة؟

سنعود إلى الإجابة على هذه الأسئلة لندرك أن ما ورد فى 1 تس 4: 17 لم يكن فى ذهن الرسول ما نادى به جون داربى.

9 - ما هو مفهوم الاختطاف؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إن قول الرسول: "نحن الأحياء الباقين" لا يقصد بها الرسول نفسه والجيل المعاصر له، وإنما قصد المؤمنين الذين يبقون حتى يوم مجيئه[79]. أما قوله "نحن" فعلامة الوحدة فى الكنيسة، ما يتحقق مع أولاده الذين يكونون أحياء فى ذلك الحين يحسبه الرسول كأنه يتحقق معه.

يتساءل القديس يوحنا الذهبى الفم: [إن كان (السيد) نازلاً، فلماذا نُختطف نحن إلى فوق (فى السحب)؟ من أجل الكرامة! فإنه عندما يدخل ملك مدينة ما يخرج إليه أصحاب الكرامة لملاقاته، أما المدانون فيبقون فى الداخل ينتظرون القاضى. عند مجئ أب حنون يأخذ أولاده الحقيقيين ومن هم مستحقون أن يكونوا كأولاد فى مركبة ليخرجوا وينظروه ويقبلونه، اما الخدم المخطئون فيبقون فى الداخل، هكذا نُحمل نحن فى مركبة أبينا (السحب): فقد أخذ هو فى السحابة (أع 1: 9) ونحن أيضاً نختطف فى السحب. أنظروا أية كرامة هذه! إنه ينزل إلينا فنصعد نحن لملاقاته! ما اعظمها غبطة أن نكون نحن معه! [80]].

يرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن اختطاف المؤمنين على السحاب لكى يلتقوا بالسيد القادم إليهم ويكونوا معه إلى الأبد، إنما هو علامة التغيير الذى يتم فى أجسادنا، فتتحول من الفساد الذى كان يمثل ثقلاً يجتذبها إلى الأرض إلى عدم الفساد، فترتفع خفيفة منطلقة إلى السحب لملاقاة الرب. إنه يقول: [عندما يُسمع بوق القيامة الذى ييقظ الأموات، ويحول الذين هم أحياء إلى شكل الذين تمتعوا بالتغيير الخاص بالقيامة أى إلى عدم الفساد، فلا يعود يكون وزن الجسد ثقيلاً ينزل بهم إلى الأرض، إنما يرتفعون إلى أعلى فى الهواء كقول الرسول[81]].

10 - هل ميعاد مجيئه معروف؟

مجئ ربنا ومخلّصنا يسوع حدث أكيد، أما موعد مجيئه فيبقى غير معروف. كثيراً ما سأله تلاميذه عن موعده، فقال: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه" (أع 1: 7).

السيد المسيح كإنسان كامل يجهله، إذ يقول: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبى وحده" (مت 24: 36). ويرى البعض أن الابن كديان للبشرية يعرف اليوم لكن كالمدرس الذى يضع الامتحان وليس من اللائق به أن يعلن عن الأسئلة لتلاميذه.

قدم القديس بولس حقيقة مجئ المسيح، قائلاً "لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الربّ كلص فى الليل هكذا يجئ" (1 تس 5: 2). واستخدم القديس بطرس هذا المثال، قائلاً: "ولكن سيأتى كلص (فى الليل) يوم الربّ الذى فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها" (2 بط 3: 10).

قارن السيد المسيح نفسه بين يوم مجيئه الثانى وأيام نوح، قائلاً: "وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجئ ابن الإنسان، لأنه كما كانوا فى الأيام التى قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوّجون إلى اليوم الذى دخل فيه نوح الفلك، ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضاً مجئ ابن الإنسان" (مت 24: 36 - 39). بحسب قول ربنا والتلاميذ لا يجوز لنا أن نسأل عن موعد المجئ الثانى، بل بالحرىّ نسهر ونستعد لاستقبال السيد.

11 - ما هو موقف النفس بعد انطلاقها من الجسد إلى يوم مجئ الربّ الأخير؟

يقدم الإيمان الحىّ العامل بالمحبة عربون السماء للمؤمن، فيحيا بروح الرجاء مشتاقاً أن يلتقى بالسيد المسيح وجهاً لوجه. هذا لا يعفيه من موت الجسد بانفصال النفس عنها، فتنطلق النفس وتتمتع بما هو امتداد لحياتها فى المسيح يسوع. ويتساءل البعض: هل تُدان النفس فوراً أم تنتظر يوم الدينونة العام؟ يرى البعض أن النفس التى تمتعت بنعمة الله فى حياتها على الأرض تدخل فى دينونة جزئية فتتمتع بالفردوس مع لاقديسين وترى الربّ وملائكته إلى يوم مجئ الربّ، فتتمتع بالمجد بصورة كاملة.

وأيضاً النفس الشريرة الجاحدة للربّ تسقط فى مرارة وحرمان من رؤية الربّ فى مجده، ولا تشارك السمائيين تسبيحهم لله إلى يوم الرب حيث تُطرد إلى جهنم مع إبليس وملائكته[82].

البعض يميز بين الفردوس والحياة الأبدية، حيث يرون أن الفردوس فترة ما بين موتنا الجسدى ويوم الدينونة العامة، والحياة الأبدية هى تمتعنا بكمال الميراث الأبدى. ويميزونه أيضاً بين الجحيم وجهنم بكون الجحيم هو الفترة الأولى المُرة بسبب الحرمان من الربّ وملائكته، والثانية هى نيران جهنم والعذاب الأبدى. هذا وقد تحدث الربّ فى الموعظة على الجبل عن الحياة الأبدية المُعدة للمؤمنين وجهنم المُعدة لإبليس وملائكته.

12 - ماذا يقول الكتاب المقدس عن يوم الدينونة؟

"فإنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 28 - 29).

13 - ماذا يقول الكتاب المقدس عن ملكوته الذى بلا نهاية؟

"هذا يكون عظيماً وابن العلىّ يُدعى، ويعطيه الربّ الإله كرسى داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لو 1: 32 - 33).

14 - هيل سيأتى الربّ سريعاً؟

يقول الإنجيلى: "هى الساعة الأخيرة" (1 يو 2: 18)، لأنه مهما طالت المدة تُحسب كساعة أخيرة بالنسبة للأبدية. إنه يريدنا أن نكون دوماً مستعدين لمجيئه. يقول الرسول: "لا يتباطأ الربّ عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتى كلص فى الليل" (2 بط 3: 10). كما قيل: "فاسهروا إذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التى يأتى فيها ابن الإنسان" (مت 25: 13).

15 - كيف يمكن للجسم الذى انحل أن يعود ثانية ويتحد بالنفس؟

إذ خلق الله الجسم من التراب، فإنه قادر أن يرده ثانية بعد انحلاله. لقد شبهه القديس بولس بالبذرة التى تُلقى فى الأرض فتنحل ثم تصير شجرة: "الذى ترزعه لا يحيا إن لم يمت. والذى تزرعه لست تزرع الجسم الذى سوف يصير، بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقى ولكن الله يعطيها جسماً كما أراد، ولكل واحد من البذور جسمه" (1 كو 15: 36 - 38).

16 - هل كل البشر سيقومون؟

جميع البشر يقومون بدون استثناء، لكن البعض سيكونون أحياء فى ذلك الوقت. هؤلاء ستتغير أجسامهم فى لحظة فتصير أجسام روحية خالدة "هوذا سرّ أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغير. فى لحظة فى طرفة عين عند البوق الأخير. فإنه سيبوق فيُقام الأموات عديمى فساد ونحن نتغير" (1 كو 15: 51 - 52).

17 - ما هى حالة النفوس منذ تركها الجسد إلى يوم القيامة؟

نفوس الأبرار من الراقدين هم فى نور إلهى وفى سعادة فائقة تتذوق مقدماً السعادة الأبدية، أما نفوس الأشرار فتعيش فى حالة من المرارة.

18 - لماذا لا تتمتع النفس بالمصير النهائى بعد انطلاقها من الجسد مباشرة؟

يقول الرسول: "أخيراً قد وُضع لى إكليل البرّ الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الربّ الديَّان العادل، وليس لى فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً" (2 تى 4: 8). كما يقول: "لأنه لابد أننا جميعاً نُظهر أمام كرسى المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً" (2 كو 5: 10).

19 - لماذا نقول إن نفوس الأبرار تتذوق البركة قبل اليوم الأخير؟

هذا ما شهد عنه يسوع المسيح نفسه فى مثل لعازر المسكين والغنى، إذ ذهب لعازر إلى حضن إبراهيم بعد موته مباشرة (لو 16: 22).

20 - هو يتمتع الأبرار باللقاء مع السيد المسيح وجهاً لوجه بعد موتهم مباشرة؟

هذا واضح من اشتياق الرسول بولس أن يموت ويكون مع المسيح (فى 1: 23).

21 - ما هى الحياة الأبدية التى يتمتع بها الأبرار؟

يقول الإنجيلى: "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1 يو 3: 2). ويقول الرسول بولس: "أعرف إنساناً فى المسيح قبل أربع عشرة سنة، أفى الجسد؟ لست أعلم، أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم. أختطف هذا إلى السماء الثالثة... إنه أختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا يُنطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2 كو 12: 4، 2).

22 - ما هو مصدر هذه السعادة العظمى؟

بالتأمل فى نور الله ومجده والاتحاد معه. يقول الرسول: "فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز، لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت" (1 كو 13: 12). ويقول السيد المسيح: "حينئذ يضئ الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم" (مت 13: 43).

23 - هل يتمتع الجسم مع النفس فى السعادة الأبدية؟

عند مجئ الربّ سيتمتع الجسم بنور الله، ويصير على صورة السيد المسيح إذ تجلى على جبل تابور. ويقول الرسول: "يُزرع فى هوان ويُقام فى مجدٍ. يُزرع فى ضعف ويقام فى قوة... وكما لبسنا صورة الترابى سنلبس أيضاً صورة السماوى" (1 كو 15: 49، 43).

24 - هل يتساوى جميع الأبرار فى المجد؟

سينال كل شخص من المجد حسب إيمانه وحبه وأعماله المقدسة. يقول الرسول: "مجد الشمس شئ، ومجد القمر آخر، ومجد النجوم آخر لأن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد. هكذا يكون أيضاً فى قيامة الأموات" (1 كو 15: 41 - 42). هذا ويُسر المؤمن بما يناله الأخرون من أمجاد ويحسبها كأنها أمجاده، فلا يحسدهم.

25 - ما هو نصيب العصاة غير المؤمنين؟

"هذا هو الموت الثانى. وكل من لم يوجد مكتوباً فى سفر الحياة طُرح فى بحيرة النار" (رؤ 20: 14 - 15). يقول القديس ماريعقوب السروجى:

[هناك يُمدح الأبرار من قبل العدالة، ويُلام الأشرار بسبب أفعالهم.

هناك تُصور صور المجد للجميلين بألوان اللهيب الملتهبة التى لا تُحس.

هناك تفضح عيوب فاعلى الإثم البغيضة، ويقف كل واحد بأفعاله بدون حجاب.

هناك يُمجد بأعماله من يستحق، لأنه لا توجد محاباة.

فى تلك المحكمة تقف جبهة الاستقامة، وتصدر هناك كل الأحكام بعدالة.

يتم الانتقام الحقيقى الأخير، إذ لا توجد أسباب ليستتر الأشرار من المجازاة[83]].

26 - لماذا يسمح الله للأشرار بالمعاناة الأبدية؟

الله لا يريد هلاك أحد، إنما رفض الأشرار الالتصاق بالله مصدر الحياة والفرح الأبدى، لقد رفضوا الحق والتمتع بالخلاص. فما يحلّ بهم إنما هو ثمرة اختيارهم الانعزال عن الله مصدر حياتهم وسعادتهم.

27 - ماذا ننتفع من التأمل فى الموت والقيامة ويوم الرب العظيم والتمتع بالحياة الأبدية أو العذاب الأبدى؟

هذا كله يحثنا على الرغبة فى اللقاء مع الله وقبول الخلاص المجانى الذى يقدمه لنا، والدخول فى صداقة معه، فنتحدى بالنعمة الإلهية إغراءات العالم وملذاته، كما نتحدى إغراءات الخطية وحيل إبليس وخداعه.

28 - ما هو التعليم الخاص بانتهاء الزمن؟

يقول الرسول: "هيئة هذا العالم تزول" (1 كو 7: 31)، يريد أن يؤكد أن كلما فى هذا العالم الحاضر إنما هو مظهر لن يدوم وليس بمضمون. كما يُقال: "إنما نهاية كل شئ قد اقتربت" (1 بط 4: 7). "ولكن سيأتى كلص فى الليل يوم الربّ الذى فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصرمحترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها" (2 بط 3: 10).

كثيراً ما أشار العهد القديم إلى مجئ الربّ فى اليوم الأخير. "لأنه هوذا بالنار يأتى ومركباته كزوبعة ليردّ بحمو غضبه ورجزه بلهيب نار. لأن الربّ بالنار يعاقب، وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الربّ" (إش 66: 15 - 16).

يقول صفنيا النبى: "قريب يوم الرب العظيم، قريب وسريع جداً. صوت يوم الربّ يصرخ حينئذ الجبار مراً. ذلك اليوم يوم سخط يوم ضيق وشدة، يوم خراب ودمار، يوم ظلام وقتام، يوم سحاب وضباب. يوم بوق وهتاف على المدن المحصنة، وعلى الشرف الرفيعة. وأضايق الناس فيمشون كالعمى، لأنهم أخطأوا إلى الرب، فيُسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة. لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم فى يوم غضب الربّ، بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها. لأنه يصنع فناء باغتاً لكل سكان الأرض" (صف 1: 14 - 18).

يقول ملاخى: "فهوذا يأتى اليوم المتقد كالتنور، وكل المستكبرين وكل فاعلى الشرّ يكونون قشاً ويحرقهم اليوم الآتى قال ربّ الجنود، فلا يبقى لهم أصلاً ولا فرعاً" (مل 4: 1).

ورأى دانيال النبى فى حُلم: "كنت أرى أنه وُضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقى، وعرشه لهيب نار، وبكراته متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه. فجلس الديان (الابن) وفُتحت الأسفار. كنت أنظر حينئذ من أجل صوت الكلمات العظيمة التى تكلم بها القرن. كنت ارى إلى أن قتل الحيوان وهلك جسمه ودُفع لوقيد النار. أما باقى الحيوانات فنُزع عنهم سلطانهم ولكن أعطوا طول حياة إلى زمان ووقت. كنت أرى فى رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 9 - 14).

يرى البعض أن ما ورد هنا فى العهد القديم يخص المجئ الأول للسيد المسيح الخاص بتجسده، والذى صار دينونة ضد الذين لم يؤمنوا به[84]. إذ قيل: "الذى يؤمن به لا يُدان، والذى لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يو 3: 18).

29 - ما هو تعليم نهاية الأزمنة حسب التقليد المقدس؟

بحسب ما ورد فى الديداكية:

[أ. اسهروا على حياتكم، ولا تدعوا مصابيحكم تنطفئ، ولاأحقاكم تنحل، بل كونوا مستعدين دائماً لأنكم لا تعرفون الساعة التى يأتى فيها ربنا (لو 12: 35؛ 24: 42).

ب. يليق بكم أن تجتمعوا دائماً وتطلبوا ما يخص نفوسكم، لأنه لا ينفعكم طيلة زمان إيمانكم إن لم تكونوا كاملين فى اللحظة الأخيرة.

ج. ففى الأيام الأخيرة يكثر الأنبياء الكذبة والمفسدين، وتتحول النعاج إلى ذئاب (مت 7: 15)، والمحبة إلى كراهية (مت 24: 12).

د. إذ يزداد الإثم يكره الناس بعضهم بعضاً، ويطردون بعضهم بعضاً (مت 24: 9، 8). عندئذ يظهر مضلل العالم (رؤ 12: 9) كابن الله (2 تس 2: 4)، ويصنع آيات وعجائب (مت 24: 24)، وتصبح الأرض فى قبضة يديه، ويرتكب آثاماً لم يحدث مثلها منذ البدء.

ﮪ. عندئذ تدخل الخليقة نار الاختبار، ويتعثر كثيرون ويهلكون. أما الذين يثبتون فى إيمانهم فيخلصون من اللعنة (مت 24: 8 - 9).

و. عندئذ تظهر علامات الحق، وهى: أولاً: علامة السماوات المفتوحة. ثانياً: ثم علامة صوت البوق (مت 24: 31)، ثالثاً: قيامة الموتى، ليس جميعهم (1 تس 4: 16 - 17).

ز. لكن كما قيل سيأتى الرب ومعه جميع قديسيه (زك 14: 5)، وسينظر العالم الربّ آتياً على سحب السماء (مت 24: 30) [85]].


[68] - للكاتب: الحب الإلهى، 2010، ص1157 - 1158.

[69] - ربما اقتبس القديس كيرلس المقارنة بين المجيئين عن الشهيد يوستينوس (دفاعه 1: 52؛ مع تريفو110). أنظر أيضاً ترتليان (ضد اليهود 14) وهيبوليتس (ضد المسيح44).

[70] - للكاتب: الحب الإلهى، 2010، ص1157.

[71] In Luc hom 92.

[72] St. Cyril of Alexandria Commentary on Hosea 9: 1.

[73] - الميمر 31 (راجع نص الدكتور بهنام سونى).

[74] - فى كل عصر يوجد مرتدون، فيشعر المؤمن أن مجئ ضد المسيح والمجئ الثانى للرب قد اقترب.

[75] - مقال 15: 1، 2، 9.

[76] - الديداكية 16: 3 - 5.

[77] - Cat. Lect> 12: 15.

[78] https://en.wikipedia.org/wiki/Rapture#Latin.English and Arabic website: www.stmarkscotland.org.

[79] In 1 Thess, hom 7.

[80] Ibid 8.

[81] On Making of Man 22.

[82] H. E. Panteleimon Lampadarios: The Catechism of the Orthodox Church, Greece, 2006, p. 319.

[83] - الميمر 68 على الآخرة والدينونة المخيفة (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سونى).

[84] H,E. Panteleimon Lampadarios, p. 337.

[85] - ترجمة للكاتب: قانون الإيمان للرسل – الديداكية، سنة 1975، 1 - 7.

No items found

(5)الدينونة العامة

(3)الملك الألفى

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات