الإصحاح الثالث – تفسير رسالة كورونثوس الثانية – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول الثانية إلى كورنثوس – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثالث

العدد 1

آية (1): -

"1أَفَنَبْتَدِئُ نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا؟ أَمْ لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ كَقَوْمٍ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ إِلَيْكُمْ، أَوْ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ مِنْكُمْ.".

حينما ذكر أن هناك كثيرين يغشون كلمة الله وهو ليس منهم (آخر آية فى الإصحاح السابق)، بل هؤلاء الغشاشين لكى يضللوا الكورنثيين طلبوا أن يأتى بولس الرسول برسائل توصية (غالباً توصية من التلاميذ الإثنى عشر) لأنه ليس برسول من الرسل. وهنا إضطر الرسول أن يخرج عن الموضوع ليرد على هذه النقطة، فهو لا يمدح نفسه ولا هو محتاج لرسائل توصية كالرسل الكذبة، لأن أهل كورنثوس بإيمانهم ومواهبهم إثبات صدق رسوليته. وهو مرة ثانية لا يتكلم عن صدق إرساليته بنوع من الإفتخار أو ليمدح نفسه بل لتثبيت إيمان الكورنثيين على الإيمان الصحيح.

العدد 2

آية (2): -

"2أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.".

أنتم رسائل توصيتنا التى تؤكد من نحن، إن أعظم شهادة لمدرس هى نجاح تلاميذه مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا = أنظر محبته، فأولاده فى قلبه وعالقين فى ذهنه، قبل أن يكونوا ظاهرين أمام الناس = مَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ = حياتكم وإيمانكم ظاهر أمام كل الناس. هو تكلم عن مكانتهم فى قلبه قبل أن يتكلم عن علاقتهم بالناس. فأنتم رِسَالَتُنَا، لجَمِيعِ النَّاسِ = تعاليمنا أثمرت فيكم وفى حياتكم، وصارت حياتكم ظاهرة وإثبات لصدق تعاليمنا ولصدق رسوليتنا.

العدد 3

آية (3): -

"3ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ.".

قال فى الآية السابقة "أنتم رسالتنا" ويوضح هنا أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا فهم بإيمانهم يُظهروا حقيقة رسولية بولس الرسول، ويُظهروا حياة المسيح التى فيهم، وهى بحسب ما تعلموها بكرازة بولس الرسول.

والرسول سبق وقال لهم أنهم رائحة المسيح الزكية، أى الناس تشتم فيكم رائحة المسيح الذى فيكم. وهنا يقول بنفس المعنى ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ = صرتم للجميع ظاهرين بأنكم الرسالة التى كتبها المسيح. تظهرون المسيح الذى فيكم بحياتكم. الناس ترى فيكم رسالة يوجهها لهم المسيح، أنتم إنجيل مقروء من الناس "لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أبوكم الذى فى السموات" لذلك يجب علينا أن نراقب كل تصرفاتنا. أنتم رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا = لقد صرتم هكذا بواسطتنا، بكرازتنا وتعاليمنا، فما الداعى لأن نأتى برسائل توصية. وهذه الرسالة لم تكتب بِحِبْرٍ بَلْ بنعمة رُوحِ اللهِ الْحَيِّ = الذى عمل فينا فكرزنا، وعمل فيكم فقبلتم الكلمة وتغيرت حياتكم. والروح هو الذى يعيد تشكيلنا لنصير خليقة جديدة، الروح هو أصابع الله التى تعيد تشكيل الآنية الفخارية (إر18) وهو الذى يثبتنا فى المسيح فيظهر المسيح الذى فينا. لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ = على نحو ما كتب موسى. بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ = راجع (إر 31: 33 + حز 11: 19، 20 + 36: 26، 27). أى أن الروح القدس حَوَّلَ القلوب الحجرية إلى قلوب لحمية حساسة تشعر وتدرك ما يكتبه الروح القدس عليها. وكيف حَوَّلَ الروح القدس القلوب من حجرية إلى لحمية، كان ذلك بأن سكب محبة الله فيها (رو 5: 5). ومن يحب يحفظ الوصايا (يو 14: 21) دون أن تكتب على ألواح حجرية كما فعل موسى، بل بالمحبة. فى العهد القديم كتب لهم الله على الحجر فهذا يتناسب مع قلوبهم الحجرية. أما فى العهد الجديد فلقد صارت لنا قلوب لحمية بالمحبة التى يسكبها الروح (الزوجة التى تحب زوجها وتحب الله لا تحتاج لمن يقول لها لا تزنى، فهذا يعتبر إهانة لها. فمن يحب الله لا يستطيع أن يخونه). وكان هذا غير ممكناً فى العهد القديم، حيث لا محبة إذ أن الروح القدس لم يكن قد حل فيهم بعد (يو 7: 39).

العدد 4

آية (4): -

"4 وَلكِنْ لَنَا ثِقَةٌ مِثْلُ هذِهِ بِالْمَسِيحِ لَدَى اللهِ.".

لَنَا ثِقَةٌ مِثْلُ هذِهِ = أنكم أنتم رسالة المسيح المقروءة، وستظلون هكذا تنشروا الإيمان برائحتكم الزكية، فالله بدأ عمله معكم وسيكمله، فهذا هو فكر الرسول (فى1: 6). بِالْمَسِيحِ = فى المسيح. هذه الثقة صارت لنا من خلال إتحادنا بالمسيح وثباتنا فى المسيح. لَدَى اللهِ = تجاه الله. ثقتنا هى تجاه الله وليس فى أنفسنا. فالله هو الذى يملأكم بالروح ويحولكم إلى سفراء يعظ بكم (2كو 5: 20) وتكونون رسالة المسيح ورائحة المسيح.

العدد 5

آية (5): -

"5لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ.".

كُفَاةٌ = أكفاء. هذه الثقة (آية 4) ليست راجعة لكفاءتنا أو قدراتنا بل كفايتنا من الله. فلا ننسب أى نجاح فى الخدمة لأنفسنا بل لله.

العدد 6

آية (6): -

"6الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي.".

المعلمون الكذبة الذين قاوموا بولس وهؤلاء كانوا من المتهودين، وإتهموه بأنه يهاجم الناموس، وطالبوا أهل كورنثوس بالإلتزام بحرفية الناموس، وهو هنا وفى الأيات التالية يقول أنه ليس ضد الناموس، بل هو يهاجم الحرفية فى الناموس، هو ضد التطبيق الحرفى للناموس. ولكنه يطالب بالفهم والتطبيق الروحى للناموس.

مثال للتطبيق الحرفى عند اليهود = اليهود فى إسرائيل الآن، إذ هم يمتنعون عن العمل يوم السبت، فهم يستأجرون عمال فلسطينيين للعمل يوم السبت. هم يمتنعون حتى عن إضاءة وإطفاء الأنوار. لكنهم يطلبون من الفلسطينيين عمل ذلك.

بل حتي فى العهد الجديد، نجد من يطبق آيات الكتاب حرفيا كما فعل أوريجانوس الذى خصى نفسه بدلاً من أن يميت الشهوة فى داخله، فحرمته الكنيسة.

وهؤلاء المتهودين إتهموا بولس بأنه متحرر لا يبالى بالناموس فطالبهم بأن يرفعوا البرقع (يقصد الرسول بالبرقع عدم الفهم الروحى) عن موسى (الناموس) ليروا مجد الرب الفائق العامل فى موسى والناموس الذى يقود للمسيح فيروا المسيح.

الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً = إن الله وليس أى شخص آخر هو الذى جعلنا قادرين وأعطانا الإمكانيات لكى نخدم العهد الجديد. والله جعلنا خداماً ليس لناموس مكتوب والذى كان حروفاً تعجز عن أن تهب الحياة لأنها لم تكن تعطى القوة (النعمة) مع الوصية. الناموس مجرد مرآة ولا يستطيع سوى كشف الفساد الداخلى دون أن يعطى إصلاح. هو كلام بلا قوة على تغيير طبيعتي فهو يكشف الأخطاء، ثم يحكم بالموت على المخطئ = لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي = الروح فى العهد الجديد يعطى قوة للمؤمن على تنفيذ الوصايا، هو يغير طبيعة الإنسان، فيسهل عليه تنفيذ الوصايا، لذلك هو يعطى حياة. هو يعطى حياة بأن يجعل الحرف (وصايا الناموس) تتحقق فلا يحكم عليَّ الناموس بالموت. فأحيا. خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ = وردت عبارة عهد جديد لأول مرة فى (إر 31: 31).

الْحَرْفَ يَقْتُلُ = هناك تطبيق حالى لهذه الآية. فلقد طالب الله إسرائيل بأن يبنوا الهيكل فى مكان يحدده هو وليس سواه (تث 12: 5، 11، 13، 14). وكان هذا لحكمة إلهية فى وقتها. فشعب الله المتواجد فى أماكن بعيدة عن الهيكل والعبادة، كان ملزما بحسب الشريعة بالذهاب إلى الهيكل سنويا لتقديم ذبائح فى الأعياد الثلاثة الكبيرة، فحينما يجتمعون فى الهيكل (والذى أقامه سليمان بعد ذلك) سيجدون الكهنة واللاويين، وهؤلاء يعلمونهم الشريعة وعبادة الله الواحد، ويصححون لهم أى أخطاء فلا ينحرفوا إلى العبادة الوثنية. وكان هذا ما حدث فعلا للمملكة الشمالية إذ خالفت هذه الوصية، وأقاموا هيكلين فى مملكتهم، أنهم إنحرفوا سريعاً إلى عبادة الأوثان فأباد الله مملكتهم. ولكن الآن ما عاد أحد يعبد الأوثان، بل التعليم صار متاحا فى كل مكان بل عبر الفضائيات. فالتطبيق الحرفى لهذه الآية جعل دولة إسرائيل تتمسك بالمكان ويقولون أنه هو المبنى عليه المسجد الأقصى، ويريدون هدمه ليقيموا عليه هيكلهم، فتمسكهم الحرفى بالأيات كان وسيكون سبباً لقتل كثيرين. ولاحظ رد السيد المسيح على السامرية فى هذه النقطة، أن السجود لله لا يرتبط بمكان بل هو سجود بالروح والحق. فالعبادة بالروح تحيى.

الفهم الروحى السليم لما سقط فيه أوريجانوس = الشهوة لن تموت بأن يخصى الإنسان نفسه، ولا حب السرقة سينتهى بقطع اليد. بل الروح القدس يعطى معونة على ذلك لمن يجاهد بأن يميت شهوته "ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو 8: 13) ويسمى هذا أيضا ختان القلب بالروح (رو2: 29) لذلك فالرسول هنا يقول لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ.

الأعداد 7-8

الآيات (7 - 8): -

"7ثُمَّ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الْمَوْتِ، الْمَنْقُوشَةُ بِأَحْرُفٍ فِي حِجَارَةٍ، قَدْ حَصَلَتْ فِي مَجْدٍ، حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِ مُوسَى لِسَبَبِ مَجْدِ وَجْهِهِ الزَّائِلِ، 8فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ بِالأَوْلَى خِدْمَةُ الرُّوحِ فِي مَجْدٍ؟".

هذه رد عل من يريدون أن يرتدوا لعوائد الناموس كالختان. أى إذا كانت خدمة الناموس التى تقود للموت (فهو بلا قوة تساندنا لنحفظ الوصية) وهى مكتوبة بأحرف على الحجارة = خِدْمَةُ الْمَوْتِ = وهى تحكم بالموت على المخطئ دون أن تعطيه معونة، وبذلك حُكِمَ بالموت على الجميع إذ لا يوجد من هو بلا خطية، فإذا كانت هذه الخدمة قد إرتبطت بمجد حتى أن الإسرائيليين لم يستطيعوا أن ينظروا مباشرة إلى وجه موسى بسبب ما كان يحيط به من ضياء ومجد = مَجْدِ وَجْهِهِ الزَّائِلِ = هذا المجد الذى كان مجداً مؤقتاً ويزول فى يوم ما، فكيف لا ترتبط بمجد أكثر وأعظم خدمة العهد الجديد التى تهب للناس نعمة الروح القدس، الذى يعطى قوة لتنفيذ الوصية فتكون لهم حياة ومجد.

خِدْمَةُ الرُّوحِ فِي مَجْدٍ = خدمة تهب الروح للناس والروح يعطى حياة وليس موت هو يعطى حياة لأنه يغير طبيعتى فأستطيع تنفيذ وصايا الناموس بسهولة، وهذا ما نسميه عمل النعمة أى القوة التى تعطى معونة لتنفيذ الوصية.

* يعطى قوانين وفرائض، يصف ويرشد هو كمرآة تظهر الضعف الداخلى.

* يدين من لا يطيع وصاياه ويحكم بالموت على من يخطئ.

* طاعة الوصية عن خوف من العقاب

العهد القديم العهد الجديد.

العدد 9

آية (9): -

"9لأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الدَّيْنُونَةِ مَجْدًا، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا تَزِيدُ خِدْمَةُ الْبِرِّ فِي مَجْدٍ!".

فإذا كانت خدمة ذلك الناموس قد إرتبطت بمجد، وهذا الناموس أدى إلى إدانة البشر وموتهم الموت الروحى، فبالأحرى تلك الخدمة التى تهب للناس البر والخلاص ترتبط بمجد أعظم. فالكنيسة فى مجد، فجسد المسيح ودمه على المذبح ليعطينا غفرانا للخطايا وحياة أبدية، وبها نسلك بالبر، والروح القدس يحل فى الكنيسة وفى المؤمنين، ويشترك معنا فى كل عمل صالح. ولقد صرنا أبناء لله ولكن عيوننا لا تدرك المجد الذى نحن فيه بل ندركه بالإيمان، وهو مجد عتيد أن يستعلن فينا. وقارن هذا مع خدمة الذبائح الحيوانية فى العهد القديم.

العدد 10

آية (10): -

"10فَإِنَّ الْمُمَجَّدَ أَيْضًا لَمْ يُمَجَّدْ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ لِسَبَبِ الْمَجْدِ الْفَائِقِ.".

معنى الآية أن مجد العهد الجديد كالشمس، ومجد العهد القديم كالقمر وحينما ظهرت الشمس بنورها غطت على نور القمر. مجد القمر إختفى حين ظهر مجد الشمس. وليتضح معنى الآية نأخذها كلمة كلمة فَإِنَّ الْمُمَجَّدَ = أى العهد القديم الذى كان فى مجد (مجد وجه موسى) لَمْ يُمَجَّدْ = ما عاد يظهر مجده، فلقد توارى أمام مجد العهد الجديد. مِنْ هذَا الْقَبِيلِ = بالمقارنة مع العهد الجديد.

لِسَبَبِ الْمَجْدِ الْفَائِقِ = مجد العهد الجديد الفائق (عهد إبن الله المتجسد) هذا الكلام موجه للمتهودين من المعلمين الكذبة الذين يريدون للأممى أن يتهود أولاً. ومعنى كلام الرسول. إن كنتم بعد إيمانكم بالمسيح قد تمتعتم بنور العهد الجديد الذى هو كالشمس، فهل أنتم في حاجة لنور شمعة تضئ لكم.

العدد 11

آية (11): -.

"11لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الزَّائِلُ فِي مَجْدٍ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا يَكُونُ الدَّائِمُ فِي مَجْدٍ!".

إِنْ كَانَ الزَّائِلُ = كان العهد القديم بفرائضه شيئاً مؤقتاً وسيزول بمجئ المسيح. فإن أتى المرموز إليه بطل الرمز. الناموس نفسه لن يبطل (رو 3: 31) بل تبطل الفرائض التى كانت تشير لبركات العهد الجديد (الذبائح الحيوانية والختان والتطهيرات...). ولكن الناموس نفسه روحى ويقود للمسيح لمن يفهمه روحياً.

إِنْ كَانَ الزَّائِلُ فِي مَجْدٍ = لكن إن كان المؤقت قد إرتبط بمجد، فإنه بالأولى أن يرتبط العهد الجديد بمجد أعظم، لن يزول ولن ينتهى ويظل للأبد. وذلك كما أن بهاء وجه موسى إنتهى بموته ولكن بهاء مجد المسيح فإلهى ذاتى قائم إلى الأبد. ولذلك لم تتضح ملامح حياة الإنسان فى السماء فى مجد فى العهد القديم، لكن هذا إتضح فى العهد الجديد.

العدد 12

آية (12): -

"12فَإِذْ لَنَا رَجَاءٌ مِثْلُ هذَا نَسْتَعْمِلُ مُجَاهَرَةً كَثِيرَةً.".

وإذ لنا هذا الرجاء، أن الكرازة والإيمان بالمسيح لهما مجد عظيم فإننا نخدم بأكثر جرأة وشجاعة = مُجَاهَرَةً كَثِيرَةً = ليتمتع كل الناس بهذا المجد.

الأيات (13 – 18): - مقدمة: - حين رأى موسى مجد الله لمع وجهه (خر 34: 29) وإضطر موسى أن يضع برقعاً على وجهه وهو يكلم الشعب (خر 34: 33، 35) ولكنه كان يرفع البرقع حين يدخل أمام الرب ليتكلم معه (خر 34: 34).

والرسول هنا يعيد تفصيل أو صياغة القصة. ومنطق الرسول هنا أن البرقع كان حاجزاً بين الشعب وبين المجد الذى فى وجه موسى. وأن موسى كان هو ممثل الناموس إذ هو من إستلمه. وفهم بولس من هذا، أن العهد القديم كان فى مجد، إذ كان يشهد للمسيح، لكن كان عليه برقعاً إشارة لغموض المعانى التى فيه. فمن يتصور مثلاً أن الله يتجسد ويولد من عذراء ويصلب ويموت ويقوم... كل هذا كان قد تنبأ عنه أنبياء العهد القديم ولكن بصورة غامضة لم يفهمها أحد من العهد القديم. وحين ظهر المسيح زال هذا البرقع، كما كان موسى يرفع البرقع عن وجهه حين يذهب ليكلم الرب. ولذلك فالتلاميذ وغيرهم تعرفوا على الرب وآمنوا به، إذ رُفِعَ الغموض (البرقع). وتلميذى عمواس ظل البرقع على عيونهم فترة إلى أن شرح لهم المسيح المعانى التى فى النبوات (لو 24: 25 – 27، 32) أمّا باقى اليهود، والكهنة ورؤساء الكهنة فلقد إنتقل البرقع إلى عيونهم هم بسبب خطاياهم وحسدهم للمسيح (مر 15: 10) إذ شعروا أنه منافس لهم، وبهذا ستضيع مكاسبهم المادية. أغراضهم الخبيثة أعمت عيونهم أى صارت كبرقع على عيونهم فلم يعرفوا المسيح، بل صلبوه. وهكذا كل من يحيا فى الخطية وفى شهواته وما زال متعلقا بإغراءات الشهوات العالمية، تكون خطاياه كبرقع يحجز عنه رؤية المسيح أو معرفة المسيح ومجد المسيح فيرفض المسيح. ومن يقدم توبة ويرجع للرب، هذا يكون كمن يرفع البرقع فيرى الرب ويؤمن به ويحبه، ويرى الأمجاد المعدة فيحتقر العالم وشهواته. واليهود حتى اليوم هم كمن على عيونهم برقع فلم يدركوا حقيقة المسيح الذى تنبأ عنه كتابهم، مازالوا لا يعرفون أن مجد ناموسهم ولمعانه هو المسيح الذى يشير اليه ناموسهم. ونلاحظ ان الله أراد أن يبقى الناموس غامضا فى نبواته عن المسيح لسببين: -.

  1. لو ادرك اليهود أن ناموسهم مؤقت لأهملوه.
  2. لو عرف الشيطان خطة الله لأفسد خطة الصليب (1كو 8: 2).

والمسيح حين جاء رفع البرقع (الغموض) الذى كان فى الناموس، فعرف المسيح البسطاء من الشعب كالتلاميذ، الذين لم يكن فى قلبهم حسد نحوه.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَلَيْسَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَضَعُ بُرْقُعًا عَلَى وَجْهِهِ لِكَيْ لاَ يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى نِهَايَةِ الزَّائِلِ.".

وضع موسى برقعا على وجهه حتى لا يرى الشعب وجهه اللامع، ووجه موسى هذا كان زائلاً (لأنه سيموت) وكان هذا رمزاً لان الناموس كله كان عليه برقعا، ولم يتضح منه جليا أنه سيزول حين يأتى المسيح، والبرقع أيضاً كان إشارة لغموض معانى الناموس، لذلك لم يفهم اليهود نهاية التدبير الموسوى الزائل الذى إنتهى بالمسيح. فلربما لو فهموا أن الناموس والفرائض ستزول لما إحترموها وقدسوها، بينما أن هذا الناموس كان للتأديب. ولكن من قدس الناموس كالتلاميذ بلا هدف منفعة شخصى إكتشف المسيح كغاية للناموس وآمن به، كما آمن التلاميذ بالمسيح، وإنكشف البرقع عن عينيه. وأمّا من لم يؤمن وكانت له أغراض شخصية فلقد إستمر البرقع على عينيه.

ووضع آية 12 مع آية 13 نفهم منه أن الرسول يقصد أن يقول.. نحن نجاهر ونكرز بالعهد الجديد ولن نضع برقعاً على تعاليمنا لكي نحجب الحقيقة كما وضع موسى برقعاً على وجهه، هذا البرقع الذى كان يرمز إلى أن العهد القديم كان عهد حجاب للحقيقة، ويعنى البرقع أن أحفاد إسرائيل لم يستطيعوا بسبب عدم إيمانهم أن يروا يسوع الذى كان غاية وكمال الناموس الزائل.

العدد 14

آية (14): -

"14بَلْ أُغْلِظَتْ أَذْهَانُهُمْ، لأَنَّهُ حَتَّى الْيَوْمِ ذلِكَ الْبُرْقُعُ نَفْسُهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ بَاق غَيْرُ مُنْكَشِفٍ، الَّذِي يُبْطَلُ فِي الْمَسِيحِ.".

البرقع الآن ليس على وجه موسى بل على عقول من يقرأ موسى فلم يروا نهاية الزائل أى فرائض الناموس، ولم يفهم اليهود الناموس روحياً فلم يدركوا مجد العهد الجديد. فبالإيمان بالمسيح فقط يمكن كشف هذا البرقع، وهم لم يؤمنوا بسبب حسدهم وطلبهم لمجدهم الذاتى (يو 12: 43 + يو 5: 44). هذه الآية تساوى "لهم عيون ولكن لا يبصرون وأذان ولا يسمعون".

لأَنَّهُ حَتَّى الْيَوْمِ = لا تعنى فقط أيام بولس، بل حتى يومنا هذا فاليهود لا يفهمون، والخطاة لا يبصرون، ويرفع البرقع عنهم بالتوبة.

يُبْطَلُ فِي الْمَسِيحِ = يبطل بالإيمان بالمسيح والإتحاد به فيفتح الروح القدس العيون.

العدد 15

آية (15): -

"15لكِنْ حَتَّى الْيَوْمِ، حِينَ يُقْرَأُ مُوسَى، الْبُرْقُعُ مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ.".

كان البرقع حاجزاً بين موسى (وجه موسى) وبين اليهود، فلم يستطيعوا أن يروا مجد وجهه، وحتى اليوم هذا الحاجز موجود فلم يكتشفوا المسيح من خلال كتب موسى ولا رأوا مجد العهد الجديد. ولا أدركوا أن الناموس والنبوات يشيرون للمسيح.

العدد 16

آية (16): -

"16 وَلكِنْ عِنْدَمَا يَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ يُرْفَعُ الْبُرْقُعُ.".

يَرجع إلى الرب = كان موسى حين يَرجع إلى الرب ليتحدث معه يَرفع البرقع. وعلى نفس القياس فكل من بالإيمان أو بالرجوع لله بأمانة طالبا أن الله يعلن له الحقيقة تاركا أفكاره الشخصية وكبرياءه وحسده وخطاياه سيعلن له الله الحقيقة ويُرفع البرقع عن معانى الناموس. وهذا ما حدث مع الخصى الحبشى فطلب أن يعتمد. (إش 25: 7 + خر 34: 34). والمعنى أنه إذا كان أى شخص يقرأ ناموس موسى ويرجع إلى الله فإنه عند ذلك يمكن أن يفتح الله عينيه = يُرفع البرقع حينئذ سوف يدرك أن الناموس يشير ويقود إلى المسيح. مثل هذا الإنسان سيعرف الحق.

وهكذا كل خاطئ يرجع لله يُرفع عنه البرقع فينتقل من فهم أن السعادة هى بالأرضيات، إلى أن السعادة هى فى الروحيات. وسيدرك مجد الروحيات والعهد الجديد.

ولاحظ قوله يُرْفَعُ الْبُرْقُعُ = أن هذا إشارة إلى أن الناموس لا يُلغى ولم ولن يُزَالْ فهو لا يتعارض مع العهد الجديد. وهذا لمن يفهمه روحياً وليس حرفياً، وراجع (رو 3: 31).

العدد 17

آية (17): -

"17 وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ.".

إنتهت الآية السابقة بقوله عندما يرجع إلى الرب، ومن يرجع للرب يرجع للروح تاركا الجسديات لأن الله روح، ومثل هذا يمتلئ بالروح تاركا الجسديات والماديات.

أَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ = فى الرجوع للرب تنكشف الحقائق التى كان عليها برقع فننتقل من الحرف إلى الروح. وتفهم أيضاً أن بالرجوع للرب يأخذ هذا الإنسان فى داخله الروح القدس الذى هو الرب، وحيث يوجد الروح القدس الذى يؤخذ بواسطة الرب يسوع فهناك توجد الحرية من برقع وعبودية الناموس، فالروح القدس يفتح العين والحواس الروحية لتعاين السماويات. ومن يعاين السماويات سيدرك بطل الماديات والأرضيات ويتحرر منها، ومن يحيا فى الروح يتحرر من عبودية شهوات الجسد وكل ما فى العالم من شهوات، فهذه = "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو8: 32). ومعنى ذلك أن رجوعنا إلى الرب يسوع هو عينه حصولنا على روح الرب فى داخلنا، أى أن الحياة فى المسيح هى الحياة فى الروح. الروح حل بديلاً عن الحرف. الولادة الجديدة من الماء والروح هى زرع إنسانية يسوع المسيح فى كيان المؤمن. "صار آدم الأخير روحاً محيياً" (1كو 15: 24) وبهذه الحياة الجديدة يكتشف الإنسان ما يجب أن يعمله لا كوصايا خارجاً عنه ومكتوبة فى ألواح وينفذها بتغصب وبدافع الخوف والعبودية، لكن يجد أنه فى حرية يحب أن ينفذ الوصية فالروح كتبها على قلبه إذ ملأ قلبه من محبة المسيح = وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ. هنا نرى بركة التمتع بالروح والعبادة بالروح، فهو يعطينا إستنارة فنعرف المسيح ونحبه فننفذ الوصية فى حرية لا عن كبت داخلى، إذ تجددت طبيعتنا، ولذلك كان رمزياً حلول الروح القدس يوم الـ 50 لأن اليوبيل (وفيه الحرية) كان فى السنة الخمسين.

العدد 18

آية (18): -

"18 وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ.".

مجد الرب = كلمة مجد ذكرت للمرة الأولى بحسب مفاهيم البشر، عن قطيع من الماعز (تك31: 1) وإرتقى الله بالفكر البشرى لنفهم أن المجد هى كلمة خاصة بالله وليس بالعالم، فنسمع فى (زك2: 5) "أكون مجدا فى وسطها" فحيثما يحل الله يكون هناك المجد. وآخر مرة ذُكِرت فيها كلمة المجد "ان كنتم لا تسمعون ولا تجعلون في القلب لتعطوا مجدا لاسمي قال رب الجنود فاني ارسل عليكم اللعن وألعن بركاتكم بل قد لعنتها لانكم لستم جاعلين في القلب" (ملا2: 2). فهذا هو ما يطلبه الله أن نعلن مجده ": -.

  1. يرى الناس أعمالنا ويمجدوا أبونا السماوى.
  2. نعكس صورة الله التى فينا، والله بمجده ساكن فينا الآن، ولكن المجد غير مستعلن فينا الآن ولكنه سيُستعلن فينا فى اليوم الأخير (رو8: 18).

إذ ننعم بالنور الإلهى والحرية الحقيقية تتجدد طبيعتنا وتنمو كل يوم لكى نتشكل ونصير أيقونة المسيح خالقنا، وهذا ما كان بولس الرسول يتمخض كمن يلد، ليُخرِج من شعب غلاطية أناسا قد تَصوَّرَ المسيح فيهم (غل4: 19)، ومن يتصور المسيح فيهم يظهروا صورته ومجده. بل يرتفعوا من مجد إلى مجد يوما بعد يوم كلما نمت وظهرت فيهم صورة المسيح.

والروح القدس لا يعطينا فقط طبيعة جديدة بها ننفذ الوصايا فى حرية بل يعطينا أن نرى الأمجاد، هو يعلن لنا المجد المعد لنا (1كو 2: 9 – 12)، لكنه يعلنه لنا كما فى لغز كما فى مرآة (1كو 13: 12) = نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ = اليهود رأوا مجد وجه موسى خارجاً عنهم، أما نحن فنرى شخص المسيح ساكناً فينا، نراه داخلنا. بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ = أى بدون برقع يحجب عنا الله، كما كان موسى يرفع البرقع حينما يكلم الله، ومعلنة لنا الحقائق وليس مثل رجال العهد القديم. لا شئ يحجز بيننا وبين الله سوى الخطية.

في مِرْآةٍ = كما كان موسى يكلم الله بوجه مكشوف فإنطبع عليه نور الله، هكذا الآن، كل المسيحيين يصيرون كمرآة يعكسون نور الرب، يعكسون صورة مجد الله للآخرين. فنحن لا ننظر فقط هذا المجد ولكننا نتأثر به ويفعل فينا ويغير حياتنا، ويجدد داخلنا حتى كما تعكس المرآة الأشعة الساقطة عليها، هكذا نعكس نحن أيضاً صورة مجد الرب، لذلك قال المسيح "أنتم نور العالم" إذ نعكس نوره، فهو "نور العالم"، وقارن (يو 8: 12) مع (مت 5: 14). وما يحدث الآن هو عربون ما سيحدث فى السماء. ونحن نعكس مجد الله بقدر طهارتنا ونقاوتنا، فكلما تطهرنا نعكس المجد كمرآة (الخطية هي كطين يلوث المرآة، وكلما نتطهر نزيل الطين فنعكس مجد الله بصورة أروع). أمّا في السماء، ومع نقائنا الكامل سنكون كمرآة نقية تعكس مجد الله فتكون لنا أجساد ممجدة نورانية، وهذا معنى قول الرسول "المجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو8: 18).

والآن نأخذ صورة مجد الرب ونتقدم من درجه في المجد إلى درجة أسمى = مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ = كما هو الحال بالنسبة للشخص المستنير بالروح القدس، فهو يتقدم وينمو من درجة إلى درجة في طريق الكمال. ونحن ننظر مجد الله بوجه مكشوف ولسنا كاليهود نضع برقعاً على وجوهنا. لذلك فمجد الله يظهر في وجوهنا والرب الممجد يتصور فينا = نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا = نأخذ صورة المسيح وهو على الأرض بينما نحن على الأرض (غل 4: 19). أمّا في السماء فهو يغير شكل جسد تواضعنا إلى صورة جسد مجده (في 3: 21) ونصير مثله لأننا سنراه كما هو (1يو 3: 2) أى نصير مثله لأننا سنراه، فتنعكس صورته علينا. لقد خلقنا الله على صورته (تك1: 26) وفقدنا هذه الصورة بالخطية وأتى المسيح ليعيدنا إلى صورة جسد مجده. فقصد الله لابد وأن يثبت.

كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ = هذا عمل الروح القدس الرب فينا. لذلك علينا أن نصلى لكي نمتلئ من الروح، والروح يغيرنا لصورة المجد.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الرابع - تفسير رسالة كورونثوس الثانية - القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني - تفسير رسالة كورونثوس الثانية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير كورونثوس الثانية الأصحاح 3
تفاسير كورونثوس الثانية الأصحاح 3