الأصحاح السادس – سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 18- تفسير سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح السادس

تسليم أَحْيور لبني إسرائيل.

غضب أليفانا على أحيور فسلمه لبني إسرائيل حتى متى ضرب إسرائيل يقتله معهم. "لكي أريك أن لا إله إلا نبوخذنصر... فتعلم عن خبرة أن نبوخذنصر هو رب الأرض كلها" (2: 6، 4). ربطه رجال أليفانا في شجرة وتركوه وإذ حلّه بنو إسرائيل روى لهم أن أليفانا ورجاله غضبوا منه لأنه قال "إن إله السماء هو المدافع عنهم" (13: 6).

1. غضب أليفانا على أحيور 1 - 9.

2. تسليم أحيور لبنى إسرائيل لكي يُقتل بعد قتلهم 10 - 13.

3. أحيور يروي لبنى إسرائيل حديثه مع أليفانا 14 - 17.

4. الاستَغاثة باللهِ َ 18 - 21.

الأعداد 1-9

1. غضب أليفانا على أحيور

ولَمَّا هَدَأَ ضَجيجُ الرِّجالِ الذينَ حَولَ المَجلِس،.

قالَ أليفانا (هولوفرنيس) رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أشور لأَحْيورَ،.

أَمامَ جُمْهور الغُرَباء،.

ولجَميعِ بَني موآب [1].

حديث أحيور عن معاملات الله مع شعبه سبب هياجًا وثورة لا في داخل أليفانا وحده، ولا القادة الذين جمعهم أليفانا كمجلس استشاري حربي لإيجاد سبب يدفع اليهود إلى هذا الموقف الشاذ في نظرهم، وإنما حتى الذين كانوا خارج المجلس ينصتون إلى هذا الخطاب، ثاروا في ضجيج. ربما علت أصواتهم وهم يهاجمون أحيور، قائلين: كيف يستخف هذا الرجل بأليفانا وقواته؟ إنه عميل لليهود!

انتظر أليفانا قليلاً حتى يهدأ هذا الضجيج، فيأخذ موقفًا حازمًا من أحيور الذي أهانه بطريقة لم يكن يتوقعها أحد قط.

مَن أَنتَ، يا أَحْيور،.

ويا مُرتَزِقَةَ أَفرايم،.

حَتَّى تنبَّأتَ لَنا كَما فَعلتَ اليَوم،.

ورَدَدتَنا عن مُحارَبةِ شعب إِسْرائيلِ،.

لأَِنَّ إِلهَهم يُدافِعُ عَنهُم؟

مَن هو إِلهٌ بجانب نبوخذْنَصَّر؟

فهو الَّذي يُرسِلُ قُوَّتَه،.

ويُبيدُهم مِنِ وَجهِ الأرض،.

ولا يُنَجِّيهِم إِلهُهم. [2].

مرتزقة أفرايم: هكذا يهين أليفانا أحيور فيحسبه مأجورًا من اليهود.

بتهكمٍ سخر أليفانا بأحيور، إذ حسبه يقوم بدور النبي، فيتنبأ له ألا يحارب، ولم يدرك أليفانا أن أحيور لم يقم بدور نبي، إنما يسرد حقائق تاريخية، ويسجل عمل الله مع شعبه الذي لا يقدر الزمن أن يمحوه.

لعل أليفانا كان يتطلع إلى نفسه كممثل للملك الأشوري أنه هو وحده النبي الذي يتنبأ عن نصرة الملك الأكيدة، بكونه الإله الوحيد الذي يلزم أن تتعبد له كل الأرض.

استخدم الله هذا القائد العموني للشهادة لله ولعمله مع شعبه، بالرغم من استفحال العداء بين اليهود والعمونيين (نح ١٣: ٢)، حيث يوصي نحميا اليهود بعدم قبول العموني والموآبي في جماعة الرب. وورد في ١ صم ١١: ٢ عن ناحاش العموني أنه أراد تقوير العين اليمنى لكل يهودي علامة عهد مهينة ومخزية. وفي إر ٤٠: ١٤ أرسل بعليش ملك عمون إسماعيل بن نثنيا ليقتل جدليا بن أخيقام.

قام أحيور بدور مشابه لدور بلعام الرائي الذي رفض أن يلعن شعب إسرائيل، لذا يدعو البعض أحيور "بلعام العموني".

يستخف أليفانا بالله، قائلاً: "من هو إله إلاَّ نبوخذنصر؟" في عصور الاضطهاد كان يُطلب من المسيحي أن يلقي حفنة من البخور، يتلقاها من يد كاهن الوثن، أمام تمثال القيصر وهو يقول: "كيريوس سيزاروس"، أي الرب هو قيصر. فكان المسيحيون يصرون على القول: "كيريوس خرستوس"، أي المسيح هو الرب.

في عجرفة واعتداد بالذات قال هولوفرنيس: "ولا ينجيهم إلههم". بهذا أرسل سنحاريب إلى حزقيا الملك يقول: "من من كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي" (2 مل 18: 35). "لا يخدعك إلهك الذي أنت متكل عليه قائلاً: لا تُدفع أورشليم إلى يد ملك أشور" (2 مل 19: 10).

  • أبغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا.

لأن آدم أكل منها في عدن، وأعطته الموت.

وبها سقط الشيطان من البدء.

بها سقط بيت آدم من الفردوس.

ليس عند الله شيء بخس ومكروه كمثل العظمة، ومن يتشامخ بالكبرياء.

القديس مار يعقوب السروجي.

بالحري نحنُ عبيدَ الملك نَضرِبُهم ضَربَنا لِرَجُلٍ واحد،.

ولا يقاوِمونَ قُوَّةَ خيولنا [3].

في تواضع عجيب ومحبة يعلن الله بهاء مجده بحبه الفائق للإنسان، وترفقه به. إنه يود أن يحتضن الجميع ويدخل بهم إلى ملكوته. أما الإنسان إذ يؤله نفسه يُعلن أنه قادر أن يحطم ويدمر بقوته وقدرته العسكرية.

  • يا للجنون؟ ألا يدرى هذا الإنسان المتكبر أن مجده يزول ويتبخر كالحلم، وأن العظمة والسلطان ليست هي إلا سراب خداع[124].

القديس باسيليوس الكبير.

فإِنَّنا نطأهم بأقدامنا،.

فتَسكَرُ تلالُهم مِن دِمائِهم.

وتَمتَلِئ سُهولُهم من جثثهم.

لا تَثبُتُ أَمامَنا خطواتُ أَقدامِهم،.

بل يَهلِكونَ هَلاكًا،.

يَقولُ نَبوخَذنَصَّر المَلِك،.

رَبُّ الأَرضِ كُلِّها.

فإِنَّه قال: كلِماتُ أَقْوالِيِ لن تكونَ باطلة [4].

هذه هي العظمة في أعين المتكبرين أن يطأوا الآخرين بأقدامهم، ويسفكوا الدماء البريئة، ويهلكون هلاكًا، ولا يستطيع أحد أن يقف أمام كلماتهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم الرجل الظالم يصير أكثر وحشية من الحيوانات المفترسة. لهذا يقول المرتل: "أنقذني يا رب من أهل الشر؛ من رجل الظلم احفظني" (مز 140: 1).

  • تأمل أيها المسيحي إنه لم يطلب من الله النجاة من الوحوش والسباع والأفاعي والعقارب، بل يسأله الخلاص من الإنسان الشرير. لأن هؤلاء السابق ذكرهم قد نشأوا حسب طبيعتهم، أما الإنسان فيظهر بخلاف طبيعته، فيصعب الاحتراس منه.
  • إنهم يغتالون بفكرهم، ويتخيلون الشرور في قلوبهم. والنهار كله يستعدون للقتال، أي طول مدة عمرهم.
  • كما أنك ظللت على الإسرائيليين أثناء عبورهم في البرية باهتمام كي لا تصيبهم حرارة الشمس، كذلك أنا أطلب منك المعونة، ليس فقط كي تحفظني من أذية الأشرار، بل وتسترني أيضًا لئلا تصيبني حرارة خبثهم وشرورهم.

الأب أنسيمُس الأورشليمي.

أَمَّا أَنتَ، يا أَحْيور،.

يا مُرتَزِقَ عَمُّون،.

يا مَن تفوهتَ بِهذا الكَلام في يَومِ إثمك،.

لن تَرى وَجْهي بَعدَ اليَوم،.

حَتَّىَ أَنتَقِمَ مِن هذا الشعب القادم مِن مِصْر [5].

بعد أن دعاه مأجور اليهود، عاد فدعاه مأجور بني عمون (أصله)، وبحسب العادات القديمة كانت الدولة التي تغلب تقتل كل الجنود المرتزقة الذين حاربوا مع العدو المنهزم؛ حتى في تبادل الأسرى لا يُسلم الجندي المرتزق بل يُقتل.

"فاه بهذا الكلام في يوم إثمه": يقصد بيوم إثمه يوم اتهامه وإدانته، وكأنه قد حكم على نفسه بفمه، فيستحق الموت.

وحينَئِذٍ سَيفُ جَيشي ورُمْحُ خُدَّامي يَختَرِقانِ جَنبَيكَ،.

فتَسقُطُ بَينَ جرحاهُم [6].

نفاذ السيف أو الرمح في جنبي العدو عادة قديمة كانت تُستخدم في التعذيب والقتل. وقد اقتبسها اليهود عن الوثنيين فيما بعد. فقد قُتل ٢٤ رجلاً بهذه الطريقة حتى سمي الموضع حلقت هصوريم Hazzurim Hekath (٢ صم ٢: ١٦)، ومعناها "حقل حدود السيف" أو "حقل أسنان الصوان". استخدمت هذه الوسيلة في المبارزة والتمثيل بالمجرمين أيام الرومان، ولعل هذا يفسر لنا لماذا طعن الجندي الروماني السيد المسيح بالحربة في جنبه.

"فتسقط بين جرحاهُم": حسب أليفانا أحيور كمن تنبأ، لكنه نبي كاذب، لذا في استخفاف به لم يرد أن يقتله، بل يسلمه لمن تنبأ عن خلاصهم، فيرى بعينيه دمارهم، ويستلمه مع قادة جيوشهم فيقتله كواحدٍ منهم.

والآن سيَذهَبُ بِكَ خدامي إلى النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،.

وَيجعَلونَكَ في إِحْدى مُدُنِ المُنحَدَرات [7].

ولن تَموت قَبلَ أَن تُستَأصَلَ معَهم [8].

وبِما أَنَّكَ بالحقيقة تَرْجو في قَلبِكَ أَلاَّ يُقبَضَ علَيهم،.

فلا يَسقُطْ وَجهكَ.

تَكلَّمتُ، ولَن تَسقُطَ كلِمةٌ مِن كَلماتي "[9].

في نوع من الكبرياء والاعتداد بالذات يقول أليفانا إنه لن يمد يده على أحيور، إنما يذهب به رجاله مقيدًا إلى إحدى المدن حتى يأتي اليهود الذين يدافع عنهم، فيحلوه ويضموه إليهم. فيبقى هكذا في حمايتهم وحماية إلههم الذي يشهد له، وسيرى بعينيه ما عجز هذا الإله عن أن يخلصهم ويخلصه معهم.

الأعداد 10-13

2. تسليم أحيور لبنى إسرائيل لكي يُقتل بعد قتلهم

وأَمَرَ أليفانا (هولوفرنيس) خُدَّامَه القائمينَ في خَيمَتِه بِأَن يُمسِكوا أَحْيور،.

ويَذهَبوا بِه إلى بَيتَ فَلْوى،.

ويُسلِموه إلى أَيدي بَني إسْرائيل [10].

فأَمسَكَه خُدَّامُه،.

وقادوه خارِجَ المُعَسكَرِ إلى السَّهْل،.

وذَهَبوا مِن وَسَطِ السَّهل نَحوَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،.

ووَصَلوا إلى اليَنابيعِ الَّتي كانَت إلى أَسفَلِ بَيتَ فَلْوى [11].

حاصر جيش الأشوريين بيت فَلْوى ليقطع عنهم الماء، وكان يفصل بين معسكر الأشوريين وبيت فَلْوى وادي عريض، قطعه رسل أليفانا ومعهم أحيور مقيدًا لتسليمه أسيرًا لليهود.

العجيب أن أحيورلم يعتذر عما قاله، ولا حاول استرضاء أليفانا، إنما كان واثقًا في عمل الله مع شعبه ومعه.

ولَمَّا رآهُم رِجالُ المَدينةِ الواقِعَةِ على قمة الجَبَل،.

أَخَذوا أَسلِحَتَهم، وخَرَجوا مِنَ المَدينةِ إلى رأسِ الجَبَل،.

وجَميعُ الرِّجالِ الَّذينَ مَعَهم مَقاليعُ كانوا يَرْمونَهم بالحِجارة،.

لِمَنعِهم مِنَ الصُّعود [12].

إذ رأى اليهود رجال أليفانا قادمين نحوهم، ظنوا أنهم قادمون لمحاربتهم، فانطلقوا إلى رأس الجبل ليلقوهم بحجارة بواسطة مقاليع حتى يمنعوهم من الصعود إليهم.

فتَسَلَّلوا في أَسفَلِ الجَبَلِ،.

ورَبَطوا أَحْيور وتَركوه طَريحًا عند سَفحِ الجبَل،.

ورَجَعوا إلى سَيِّدِهم [13].

أضافت ترجمة الفولجاتا: "ربطوا... في شجرة بيديه ورجليه".

لم تكن مهمة جنود أليفانا الاشتباك معهم. لهذا انحرفوا إلى أسفل ليقيدوا أحيور في شجرة ويتركوه هناك، إذ خشوا أن يهرب أحيور. ولعلهم ظنوا أنه قد اقترب وقت المعركة فتركوه مقيدًا حتى متى بدأت يعرفون أين يجدوه، فيقبضون عليه كأحد الأسرى.

مرة أخرى صار أحيور داخل بيت فَلْوى في أمان روى لهم حواره مع أليفانا، وكانت يهوديت دون شك تسمع له، لعلها تنتفع شيئًا من المعلومات أو الحوار، عندما تبدأ خطتها لقتل أليفانا.

الأعداد 14-17

3. أحيور يروي لبنى إسرائيل حديثه مع أليفانا

عندما نَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن مَدينتِهم أَتَوا وحَلُّوه،.

وقادوه إلى بَيتَ فَلْوى،.

وقَدَّموه إلى رُؤَساءَ مَدينَتِهم [14].

يبدو أن أحيور أوعز إليهم بأن لديه ما يود أن يخبرهم به، فأحضروه أمام شيوخ الشعب الذين يدبرون أمر المدينة.

وكانوا في تِلكَ الأَيَّام عُزيَّا Uzziah بنَ مِيخا Micah مِن سِبطِ شِمْعون.

وكَبْري Chabris بنَ غتْنيئيل Gothoniel.

وكَرْمي Charmis بنَ مَلْكيئيل Melchiel [15].

كان عزيا من سبط شمعون كما كانت أيضًا يهوديت، وقد عُرف شمعون أنه انتقم من المدينة كلها "شكيم" بسبب أخته دينة (تك 34: 25 - 27).

يبدو أن عزيا كان متقدمًا على هؤلاء المسئولين وقادة الشعب. كان مسئولاً أمام يواقيم رئيس الكهنة، وهو الذي أخذ أحيور إلى بيته، وصنع له مأدبة احتفاءً به (٦: ٢١). وعلى عزيا اجتمع الشعب محتجين لأنه لم يستسلم لأليفانا (٧: ٣٠)، وهو الذي بارك يهوديت بعد النصرة (١٣: ١٨).

كان شمعون أحد الأسباط القاطنة في أقصى جنوب اليهودية، تحت حتى برية نجب (1 أي 4: 28). هذا في بداية استقرار إسرائيل في كنعان، لكن مند أيام الملك آسا سمح للشمعونيين أن يقطنوا في الشمال حوالي القرن التاسع ق. م كما جاء في 2 أي 15: 9، كغرباء يعيشون وسط أفرايم ومنسَّى تعتمد دائرة المعارف اليهود على هذا في محاول وضع سفر يهوديت في فترة فارس.

فدَعَوا جَميعَ شُيوخِ المَدينة،.

وأَسرَعَ جَميعُ الشُّبَّانِ والنِّساءَ إلى المَجلِس.

وأَقاموا أَحْيورَ في وَسْطِ كُلِّ الشَعبِ،.

فسَأَلَه عُزيَّا عَمَّا جَرى [16].

يا لها من صورة رائعة، فإن الله أرسل من يذكر المدينة كلها بمعاملاته معهم عبر التاريخ، لا خلال رئيس الكهنة ولا عن طريق نبي من الأنبياء، إنما يحدثهم خلال أحيور رئيس بني عمون الذي استسلم هو وكل جيشه وشعبه لأليفانا، وقبل الكل أن يكونوا أشبه بعبيدٍ لا ليخدموه فحسب، بل ويتعبدوا لنبوخذنصر بكونه الإله الوحيد على الأرض كلها!

فأَجابَ وأَخبَرَهم بِما قيلَ في مَجلِسِ أليفانا،.

وبِكُلِّ ما قالَه في رُؤَساءِ بَني أشور،.

وبِمَا فاهَ بِه أليفانا (هولوفرنيس) مِن كَلامِ تَبَجُّحٍ في وسط الأشوريين على بَيتِ إِسْرائيل [17].

قديمًا غار داود غيرة الرب ضد جليات أمام شاول الملك، أما هنا فالذي يغار هو أحيور العموني.

الأعداد 18-21

4. الاستَغاثة باللهِ

فارتَمى الشَّعبُ وسَجَدَ لله، وصَرَخَ، قائلاً: [18].

"أَيُّها الرَّبّ، إِلهُ السَّماء،.

اُنظُرْ إلى كِبرِيائِهم،.

وارحَمْ تَذَلُّلَ شعبنا،.

وانظُرْ في هذا اليَومِ إلى وَجهِ المقَدَّسين لَك "[19].

عرف الشعب قانون النصرة والهزيمة، بالتواضع أمام الله ننال النصرة، وبالكبرياء تحل الهزيمة: "انظر إلى كبريائهم، وارحم تذلل شعبنا".

ومع شعور الشعب بأنهم خطاة، يطلبون في تواضعٍ أن يقبل صلوات القديسين وشفاعتهم عنهم: "وانظر في هذا اليوم إلى وجه المقدسين لك".

وشدَّدوا عَزيمةَ أَحْيور،.

وأَثنَوا علَيه ثَناءً عَظيمًا [20].

صار أحيور منذ ذلك الوقت صديقًا لليهود.

كان يمكن لأحيور أن يعتذر لأليفانا ويتملق الأشوريين، لكن حتمًا شعر أليفانا ومن معه أنه كان يتكلم بشهادة لله نابعة عن أعماقه. هذا ولم نسمع عن أحيور أنه خاف لئلا يبطش به الجنود دون انتظار القبض عليه فيما بعد. لقد حملت كلماته إيمانًا وشجاعة وشهادة عملية.

قدمت الفولجاتا نصًا مطولاً لهذه الآية: [أراحوا أحيور، قائلين: "إله آبائنا، الذي أبرزت أنت قوته، سيقدم لك عودة فترى خرابهم. وعندما يعطى الرب إلهنا هذه الحرية لخدامه، فليكن الله معك أيضًا، وأنت في وسطنا، وكما يُسرك، فإنك أنت وكل (أقوالك) ستناقشه معنا" (6: 16 - 18).

هذه الإطالة ربما كانت تفسيرًا للقديس جيروم، ولم تكن في النص الأرامي.

وذَهَبَ بِه عُزيَّا مِنَ المَجلِسِ إلى بَيتِه،.

وأَقامَ مأدُبةً لِلشُّيوخ.

واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ ذلكَ اللَّيلَ كُلَّه [21].

عمل مأدبة يأكل فيها أحيور مع شيوخ الشعب في بيت عزيا لا يقف عند الاحتفاء به، والتعبير عن الشكر له عن شهادته، وتخفيف ما حلّ به من أليفانا ورجاله، وإنما تحمل قبوله على مائدة الشركة اليهودية، وهي أول إشارة لقبوله كأممي في مجمعهم.

جاء في الترجمة اللاتينية أن الشعب الذي كان صائمًا أكل بفرحٍ في هذه الوليمة، وأنهم كانوا يجتمعون معًا طول اليوم ثم يعودون في المساء إلى بيوتهم. ولعل الكل قد شعر أن ما حدث بخصوص أحيور هو استجابة الله لصلواتهم وتذللهم، فتيقنوا من حلول النصرة، وإن كانوا لم يعرفوا بعد كيف تتحقق.

من وحي يهوديت 6.

هب لي أن أشهد لك!

شهد لك عن معاملاتك العجيبة مع شعبك.

هب لي يا رب أن أذكر أعمالك معي!

أنت هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد!

أعمالك في الماضي عجيبة للغاية،.

رعايتك فائقة وقديرة،.

حبك لي لا يُعبر عنه!

هب لي أن أتكل عليك.

وأثق أنك ترعاني حتى النفس الأخير!

  • تُرى كيف كان أحيور يحمل في فكره كما في قلبه هذه الرعاية الإلهية؟

أدرك أنك إله السماء والأرض.

ما قدمته لشعبك تقدمه لكل من يلتصق بك!

هب لي هذا الإيمان الحي!

  • لم يخشَ غضب أليفانا المرعب لكل الأمم.

ولا اضطرب حين أراد رجاله أن يفتكوا به.

هب لي يا رب روح القوة والثبات!

هب لي أن اتكئ على صدرك!

ماذا يستطيع عدو الخير بكل قواته أن يفعل بي؟

أنت حصن حياتي!

أنت سرّ خلاصي ومجدي وفرحي!


[124] راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص 309. عظة 20.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح السابع - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الخامس - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 6
تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 6