المزمور الثامن – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثَّامِنُ

مجد الله في الإنسان.

لإمام المغنين على الجتية. مزمور لداود.

"أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك.." (ع1).

مقدمة:

كاتبه: هو داود النبي، كما يظهر من العنوان.

هو مزمور تسبيح وتمجيد لله.

يرنم هذا المزمور أمام جماعة كبيرة، إذ نجد في عنوانه أنه لإمام المغنين، أي يرنمه مجموعة من المغنين تحت قيادة إمام، أو قائد.

يصاحب ترديد هذا المزمور آلة موسيقية؛ تسمى الجتية لأنه مأخوذة من مدينة جت. وقد يقصد بالجتية لحن مأخوذ من مدينة جت، وهو لحن هذا المزمور. وقد يقصد أيضًا بالجتية معصرة؛ لأن جت كلمة عبرية معناها معصرة، وفى الترجمة السبعينية لهذا المزمور يكتب في العنوان على المعاصر، وهذا يشير للمسيح الذي اجتاز المعصرة وحده ومات لأجلنا؛ كما يظهر في (ع5)، إذ يقول "تنقصه قليلًا عن الملائكة"، أي أن المسيح في موته على الصليب كان غير مكرم لأجل حبه فينا.

هذا المزمور يظهر مكانة الإنسان في قلب الله وتكريم الله له، فهو رأس الخليقة كلها.

يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأنه يتكلم عن المسيح الممجد الذي تنازل بتجسده ليفدينا.

يهتم العهد الجديد بهذا المزمور، فاقتبس منه ثلاث مرات، فذكره المسيح نفسه في (مت21: 16) واقتبس منه بولس الرسول في (1 كو15: 27)، (عب2: 6 - 8).

في الأصل العبري هذا المزمور ثمانى آيات، ويذكر اسم يهوه في الآية الأولى والثامنة، وهذا يشير إلى أن يهوه هو الأول والآخر؛ لأن عدد 8 يرمز للأبدية.

العدد 1

ع1:

أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ! حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ.

مجد الله عجيب يظهر في كل خليقته التي على الأرض.

جلال الله وعظمته فوق السموات، فهي تفوق كل الخليقة الأرضية والسماوية.

الأرض ترمز للجسد الإنسانى، وقد ظهر العجب في تجسد المسيح الذي يفوق كل عقل، فهو أعلى من السماوات التي ترمز إلى أرواح البشر.

يتألق عمل الله في الأرض، أي جسد كل إنسان، وفوق السموات التي هي أرواح البشر، فإن كان مجد الله ظاهرًا في كل خليقته، ولكن يتعاظم مجده في الإنسان بروحه وجسده.

الرب هو سيدنا، أي ربنا نحن المؤمنين وله مجد خاص في أرواح وأجساد قديسيه، إذ هم أبناؤه بشكل خاص، فأعطى نعمة لأرواحهم أن تلتصق به في الصلوات، وفى أجسادهم فصنعوا المعجزات، بل أيضًا بعد موتهم لم تتحلل أجساد الكثيرين منهم.

إذ يشعر الإنسان بمحبة الله الذي يتمجد فيه، يسبحه وترتفع تسابيحه فوق السماء المرئية والمحسوسة، ويشترك مع الملائكة في تسبيح الله الذي يرتفع جلاله فوق السموات، أي في سماء السموات.

العدد 2

ع2:

مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ أَسَّسْتَ حَمْدًا بِسَبَبِ أَضْدَادِكَ، لِتَسْكِيتِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ.

أسست: هيأت، أو أعددت.

أضدادك: أعداؤك، أي الشايطين.

من هم الأطفال؟

أ - صغار السن الذين التفوا حول المسيح وحاول التلاميذ إبعادهم، أما هو فقال دعوا الأولاد يأتون إلىَّ (مت19: 14). بل ومدحهم، إذ طلب من تابعيه أن يتشبهوا بهم فقال "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت18: 3).

ب - هم المتضعون والمتشبهون بالأطفال في بساطتهم.

ج - هم المولودون من جرن المعمودية، أي المؤمنين المبتدئين الذين قال عنهم بولس الرسول "سقيتكم لبنا" (1 كو3: 1، 2).

من هم الرضع؟

هم الذين يرضعون من كلمة الله في الكتاب المقدس.

هذا التسبيح الذي ينطلق من البشر يسكت شر الشياطين ويقيدهم، فهم يعجزون عن محاربة المتضعين والبسطاء، ولا يستطيعون أن ينتقموا منهم؛ لأنهم يحبون الله ويسبحونه، وهو يحميهم. مثال واضح الأطفال في نظر الناس، أي التلاميذ، إذ كانوا ضعفاء في تعليمهم ومركزهم، ولكنهم مؤمنون بالله، فعمل بهم وبشروا في العالم كله وأتوا بنفوس كثيرة للمسيح (1 كو1: 27، 29).

العدد 3

ع3:

إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كَوَّنْتَهَا،.

يشترك داود مع الأطفال والرضعان في تسبيح الله، ويعلن أن سبب تسبيحه هو أعمال الله التي خلقها وبالأخص السموات وما فيها من قمر ونجوم كل منها له مساره الذي يسير فيه بدقة ولا يصطدم بغيره؛ لئلا تحدث كوارث صعبة.

السموات ترمز للسمو، أي الحياة الروحية العالية عن الأرضيات والشهوات، والقمر يرمز للكنيسة، والنجوم ترمز للرسل والقديسين وكل أولاد الله، وكلهم يستضيئون بضياء الشمس، التي ترمز للمسيح شمس البر؛ لذا لم يذكر هنا الشمس لأنها تشير للمسيح.

عمل الله السموات بأصابعه وكل ما فيها مثل القمر والنجوم، ويبين أنه عملها بدقة وكذلك بسهولة لأن الأصابع يناسبها الدقة، ولم يقل بيديه.

أصابع الله ترمز لعمل الروح القدس، كما عبَّر لوقا البشير (لو11: 20). فالروح القدس هو الذي خلق السموات وما فيها، وهو الذي يسمو بالحياة الروحية ويعمل في الكنيسة والقديسين، الذين يرمز إليهم بالقمر والنجوم.

† تأمل الطبيعة المحيطة بك لترى الله واضحًا فيها، فيحدثك عن نفسه من خلالها، كما تحدث إلى داود النبي وعبَّر عن ذلك في (مز19).

العدد 4

ع4:

فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟

تعجب داود من اهتمام الله بالإنسان في خلقته على صورته ومثاله، وكذلك عنايته به في تدبير كل احتياجاته. بالإضافة إلى أنه جعله رأسًا للخليقة كلها، فقد خلقها الله لأجله؛ لتخدمه وتحرسه وتساعده على الوصول إلى الخلاص.

رأى داود اهتمام الله الروحي بالإنسان في تدبير الخلاص له بعد سقوطه، فعلمه فكرة الذبيحة. وتمجد في رجال أتقياء؛ ليكونوا مثالًا للبشرية، مثل أخنوخ ونوح وأيوب وإبراهيم... ثم أرسل له أنبياء وأعطاه وصايا وشريعة مكتوبة؛ ليدعوه للتوبة ويظهر له حاجته للخلاص.

رأى داود بروح النبوة تجسد المسيح ابن الإنسان، أى تنازله بأخذ جسد إنسان لافتقاد البشرية، ثم حياته بين البشر؛ ليكون مثالًا لهم، وفداءه وقيامته وصعوده إلى السماء؛ ليعد مكانًا للإنسان ويصعده معه. فهو اهتمام وافتقاد يفوق العقل.

العدد 5

ع5:

وَتَنْقُصَهُ قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ.

أن الله خلق الإنسان بمجد عظيم ينقص قليلًا عن الملائكة العظماء الذين في السموات، لأن له جسد مادي قابل للتغير والموت، ولكنه إن عاش في البر والتوبة، سوف يتحول إلى جسم روحانى يتحد بروحه ويخلد إلى الأبد مثل الملائكة. فهذا النقص الذي في الإنسان مؤقت في هذه الحياة، ولكن في الأبدية يكون في مجد الملائكة.

الله يكلل الإنسان بمجد وبهاء الفضائل، والأعمال الصالحة، وكل علاقة روحية مع الله يكتسبها من خلال حياته على الأرض، خاصة أثناء الضيقات التي يحتملها بشكر.

هذه الآية نبوة واضحة عن المسيح، الذي تنازل بتجسده، فصار في الشكل أنقص من الملائكة، ولكنه أظهر مجده بقيامته وصعوده إلى السموات، ثم تكلل بالمجد والكرامة، عندما أعد مكانًا لأولاده في السماء، وهو كالخروف المذبوح قائم في وسطهم - كما يخبرنا سفر الرؤيا (رؤ5: 6) - معلنًا حبه المبذول عن أولاده.

الأعداد 6-8

ع6 - 8:

:

تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ: الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ جَمِيعًا، وَبَهَائِمَ الْبَرِّ أَيْضًا، وَطُيُورَ السَّمَاءِ، وَسَمَكَ الْبَحْرِ السَّالِكَ فِي سُبُلِ الْمِيَاهِ.

الله هو صاحب السلطان وحده ويعطيه لخلائقه مثل الإنسان.

أعطى الله الإنسان سلطانًا كاملًا على كل الحيوانات والنباتات، ولكنه فقد هذا السلطان بسقوطه في الخطية. وعندما تاب أعاده له الله في العهد الجديد، كما خضع الأسدان للأنبا أنطونيوس، وحفرا مقبرة للأنبا بولا، وكما خضع الثعبان للأنبا برسوم العريان وعاش معه في المغارة.

استطاع الإنسان أن يتغلب على الوحوش باصطيادها بالحيل والخداع، أو بتخويفها، كما في السيرك، أو قتلها باستخدام الأسلحة المختلفة، فهو سلطان ناقص، ولكنه يكمل إن زادت قداسة هذا الإنسان كما في الأمثلة السابق ذكرها.

هذا السلطان أعطى للإنسان بالكمال في الجنة ويستعيده جزئيًا قدر قداسته. ولكن من ناحية أخرى هذه الآيات تتكلم عن المسيح الإله المتأنس الذي له السلطان الكامل على هذه المخلوقات؛ لأنه هو خالقها.

المخلوقات المذكورة في هذه الآيات لها رموز روحية هى:

الغنم: ترمز لقطيع المسيح الخاضع له؛ أو اليهود الذين آمنوا بالمسيح.

البقر: ترمز لرؤساء اليهود الذي حملوا النير، أي المسئولية؛ كما قال "لاتكم ثورًا دارسًا" (1 تى5: 18).

بهائم البر: ترمز للأمم الذين آمنوا وخضعوا للمسيح، أو الخطاة البعيدين الذين تابوا ورجعوا إلى الله.

طيور السماء: ترمز للملائكة والقديسين المحلقين في سماء الروحيات.

أسماك البحر: ترمز للمتآرجحين وسط شهوات العالم، ولكن بتوبتهم يتمتعون بخلاص المسيح.

هناك تأمل آخر في هذه المخلوقات وهو أن الغنم والبقر والبهائم ترمز للجسد وشهواته، أما طيور السماء فترمز للذات والتفاخر والكبرياء، وفى النهاية أسماك البحر ترمز للظروف المحيطة المعاكسة لنا. في كل هذه أعطانا الله سلطانًا أن نخضعها بإرادتنا الروحية ونتمتع بالتالى بعمله فيها.

† ليتك تخضع قدراتك لمحبة الله وخدمته ولا تنزعج من كثرة سقوطك وحروب إبليس؛ فأنت قادر بقوة الله أن تتمتع بكل كيانك بالله الساكن فيك.

(3) مجد الله (ع9):

العدد 9

ع9:

أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ!

إذا رأى الإنسان نعمة الله التي أعطيت له في تكريمه وتسلطه على الخلائق المختلفة تحرك قلبه بالشكر وتمجيد الله، فالمجد ليس للإنسان ولكن لله وحده.

الشكر والتسبيح هو حياة الإنسان، فقد بدأ المزمور به وينهى أيضًا المزمور بنفس الكلمات، فالشكر والتسبيح حياة وليس مجرد حدث، أو له وقت محدد، بل هو في كل حين.

إن كان الله قد وضع الإنسان رأسًا للخليقة كلها، فعمله الأساسى الذي يدوم هو تمجيد الله، بل قيادة الخليقة كلها في تمجيده، كما يتضح هذا من الهوس الثالث، الذي تصليه الكنيسة كل يوم في تسبحتها.

† ليتك لا تنسى تمجيد الله كل صباح وكل مساء، فالتسبيح هو الحياة الحقيقية على الأرض وهو العمل الوحيد في السماء. تذوق التسبيح هنا؛ ليكون لك مكان بين المسبحين في السماء.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور التاسع - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

المزمور السابع - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 8
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 8