التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – الكتاب الرابع – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس

هذا الفصل هو جزء من كتاب: التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الكتاب الرابع: الفصل الأول

(فالنتنيانوس امبراطورا، فالنس شريكا)

(4/1/1) ولما توفى الامبراطور جوفيانوس، كما قلنا، فى داداستانا Dadastanaفى أيام قنصليته هو وابنه فارونيان  Varronianفى السابع عشر من فبراير، ترك الجيش غلاطية ووصل الى نيقية فى بيثينية، مسيرة سبعة أيام، وهناك أعلنوا فالنتنيانوس([1]) امبراطورا فى الخامس والعشرين من فبراير، فى نفس القنصلية.

(4/1/2) وكان فالنتنيانوس مواطنا من مدينة سيبالاس، ببانونيا حسب الجنس، وكان يشغل وظيفة قائد عسكرى وأظهر مهارة كبيرة فى التكتيكات. وعلاوة على ذلك كان موهوبا بعظمة فكر حتى أنه ظهر أسمى من أى رتبة يشغلها أو شرف يناله. وبمجرد أن اعلنوه امبراطورا توجه على الفور الى القسطنطينية، وبعد أن تولى السلطة الامبراطورية بثلاثين يوما جعل أخاه فالنس([2]) شريكا له فى حكم الامبراطورية.

(4/1/3) وكانا كلاهما يعتنقان المسيحية، ولكنهما لا يتبنيان ذات قانون الايمان المسيحى. ففالنتنيان كان يتمسك بقانون ايمان نيقية، أما فالنس فكان نصيرا للمفاهيم الاريوسية لأنه كان قد اعتمد على يد أودكسيوس اسقف القسطنطينية. وكل منهما كان غيورا على وجهات النظر الخاصة بحزبه. ولكن عندما حازا السلطة الملكية، أظهرا سلوكا مختلفا جدا. ففى عهد يوليانوس عندما كان فالنتنيانوس يشغل وظيفة قائد عسكرى، وكان فالنس فى حرس الامبراطور، اثبتا كلاهما غيرتهما من أجل الايمان، إذ لما أُجبِرا على تقديم الأضاحى إختارا العزل من الوظيفة العسكرية عن أن يُنكرا المسيحية([3]). ومع ذلك، إذ كان يوليانوس يعرف أهميتهما فقد أبقاهما فى أماكنهما مثلما فعل كذلك جوفيانوس خلفه فى الامبراطورية. وفيما بعد عندما حازا السلطة الامبراطورية كانا متفقان معا فى الشؤون المدنية، أما بالنسبة للمسيحية فقد سلك كل منهما، كما قلتُ، منحى مختلف جدا عن الآخر. لأنه بينما كان فالنتنيانوس يهتم بالمتفقين معه فى العقيدة، كان غير عنيف مع الاريوسيين. أما فالنس فمن أجل اهتمامه بنمو الاريوسية، أزعج بشدة أولئك المعارضين لها كما سيظهر فى سياق تاريخنا.

(4/1/4) وفى هذا الوقت كان ليباريوس رئيسا لكنيسة روما. وفى الأسكندرية كان اثناسيوس اسقفا للهومووسيين، ولوقيوس خليفة جورج للأريوسيين. وفى انطاكية كان أوزيوس على رأس الاريوسيين، ولكن الهوموسيين كانوا منقسمين الى فريقين احدهما يرأسه بولينس والآخر مليتيوس. وفى اورشليم كان كيرلس يرأس الكنيسة مرة أخرى. وكانت كنائس القسطنطينية تحت سيادة اودوكسيوس الذى علَّم جهرا تعاليم الاريوسية، ولم يكن للهومووسيين سوى مبنى صغير خارج المدينة، كانوا يعقدون فيه اجتماعاتهم. اما اتباع هرطقة مقدونيوس الذى انشق عن الاكاكيين فى سلوقية فقد احتفظوا بكنائسهم فى كل مدينة. هكذا كانت حالة الشؤون الكنسية فى ذلك الوقت([4]).

الكتاب الرابع: الفصل الثانى

(فالنتنيانوس للغرب. فالنس للشرق واضطهاده للهومووسيين)

(4/2/1) وتوجه الامبراطور فالنتنيانوس بسرعة الى الأجزاء الغربية من الامبراطورية لأن مقتضيات الأمور استلزمت تواجده هناك. وفى نفس الوقت أقام فالنس فى القسطنطينية.

(4/2/2) فالتمس معظم رؤساء الهرطقة المقدونية منه عقد مجمع لتصحيح قانون الإيمان. وإذ افترض الامبراطور أنهم سيتفقون مع اودكسيوس واكاكيوس فى المفاهيم اعطاهم تصريحا بعمل ذلك. فاستعدوا للإجتماع فى مدينة لامباسكوس.

(4/2/3) ولكن فالنس توجه بأقصى سرعة الى انطاكية خشية أن ينقض الفارسيون المعاهدة التى ابرموها مع جوفيانوس لمدة ثلاثين عاما ويغزون المقاطعات الرومانية. ومع ذلك بقيوا هادئين، فإستغل فالنس هذا الهدوء فى شن حرب إبادة ضد كل من يعترف بالهومووسيون. فترك بولينوس اسقفهم لأنه كان شهيرا بتقواه. ونفى مليتيوس وطرد من كنائس انطاكية الكثيرين ممن رفضوا الاشتراك مع اوزيوس، وأخضعهم لعقوبات متنوعة وخسائر. وقد ثبت أنه أمر بإغراق البعض فى نهر اورانتس الذى يجرى فى المدينة.

الكتاب الرابع: الفصل الثالث

(طاغية القسطنطينية بروكبيوس. زلزال وفيضان فى مدن كثيرة)

(4/3/1) وبينما كان فالنس منهمكا هكذا فى سوريا، ظهر طاغية فى القسطنطينية يُدعى بروكبيوس الذى جمع حشدا كبيرا من الكتائب فى وقت قصير على أمل القيام بحملة ضد الامبراطور. وقد سببت هذه الأخبار قلقا كبيرا للإمبراطور، فأوقف الى حين الاضطهاد الذى كان قد بدأه ضد كل من تجاسر بالاختلاف معه فى الرأى.

(4/3/2) وبينما كان شبح الحرب الأهلية يبدو بشدة، حدث زلزال ضرب مدنا كثيرة، وفاض البحر أيضا عن حدوده المعتادة وأغرق بعض المناطق لدرجة أن السفن أبحرت فوق الطرق التى كانت موجودة سابقا، وابتعدت جدا عن الأماكن الأخرى حتى جفت الأراضى. وقد حدثت هذه الأمور فى خلال القنصلية الأولى للإمبرطورين([5]).

الكتاب الرابع: الفصل الرابع

(مجمع لامبساكوس للمقدونيين والتصديق على الصيغة الانطاكية)

(4/4/1) وبينما كانت هذه الأمور تحدث لم يكن هناك سلام فى الكنيسة ولا فى الدولة. وفى هذه الظروف، اجتمع أولئك الذين حصلوا من الامبراطور على تصريح بعقد مجمع فى لامباساكوس فى أيام القنصلية المذكورة، أى بعد مجمع سلوقية([6]) بسبع سنوات.

(4/4/2) وهناك، بعد أن صدَّقوا على القانون الانطاكى الذى كانوا قد وقَّعوا عليه فى سلوقية، حرموا ذلك الصادر من ارمينيم([7])، والذى كانوا قد شاركوا فيه سابقا. وعلاوة على ذلك أدانوا مرة أخرى حزب أكاكيوس واودكسيوس، وأعلنوا أن خلعهما أمر عادل([8]). غير أن الحرب الأهلية التى كانت دائرة آنذاك، منعت اودكسيوس اسقف القسطنطينية من الرد أو الانتقام من هذه القرارات. ولذلك صار اليسيوس اسقف سيزيكوس وأنصاره الحزب الأقوى لبعض الوقت بقدر ما أيدوا وجهة نظر مقدونيوس التى كانت غامضة قبلا ولكنها صارت علانية بمجمع لامباسكوس.

وإننى أعتقد أن هذا المجمع كان سبب زيادة المقدونيين فى هلليسبونت, وهكذا كانت نتيجة هذا المجمع.

الكتاب الرابع: الفصل الخامس

(النزال بين فالنس وبروكبيوس فى فريجية)

وبدأت الحرب فى السنة التالية فى فترة قنصلية([9]) جراتيان وداجلافوس لأنه بمجرد أن ترك بروكوبيوس الطاغية القسطنطينية، بدأ الزحف على رأس جيشه نحو الامبراطور، وأسرع فالنس من انطاكية، واشتبك معه بالقرب من مدينة ناكوليا بفريجية. فهُزِم([10]) فى المواجهة الأولى، ولكنه بعد ذلك قبض على بروكوبيوس حيا بواسطة خيانة من اثنين من قادة بروكوبيوس هما آجيلو وجوماريوس. ولكنهما خضعا لعقوبات غير عادية، إذ أمر فالنس بقتل هذين الخائنين بنشرهما مزدريا بالأقسام التى حلفها لهما، أما الطاغية فقد ربط رجليه بشجرتين تم جذبهما الى اسفل بشدة، ورُبطت إحدى رجليه فى واحدة والرجل الأخرى فى الثانية، ثم تُرِكت الشجرتان لتعودان الى وضعهما الطبيعى فجأة وبالتالى انشق الطاغية الى نصفين وهلك.

الكتاب الرابع: الفصل السادس

 (فالنس يُجبر الجميع على الاريوسية)

(4/6/1) وإذ انتهى بنجاح من هذه المعركة، شرع الامبراطور على الفور فى التحرك ضد المسيحيين عازما على تحويل سائر الشيع الى الاريوسية. ولكنه حنق بشدة على أولئك الذين اجتمعوا فى لامباسكوس بصفة خاصة، ليس فقط بسبب عزلهم للأساقفة الاريوسيين ولكن أيضا بسبب حرمهم للقانون المنشور من مجمع ارمينيم.

(4/6/2) لذلك عند وصوله الى نيقوميديا فى بيثينية، استدعى اليسيوس اسقف سيزيكوس، الذى كان، كما قلتُ سابقا([11])، وثيق الصلة بآراء مقدونيوس. وعقد الامبراطور مجمعا من اساقفة اريوسيين وأمر إليسيوس أن يُصدِّق على إيمانهم. فرفض فى البداية، ولكن عندما هُدِّد بالنفى ومصادرة الممتلكات، خضع ووقع على المعتقد الاريوسى. ومع ذلك، ندم على الفور، وعاد الى سيزيكوس يشكو بمرارة فى حضور سائر الشعب، مؤكدا أن خضوعه كان بسبب العنف وليس عن إختياره الخاص. وإلتمس منهم عندئذ أن يبحثوا عن اسقف آخر لهم إذ أنه قد أُجبِر على جحد رأيه الخاص. ولكن سكان سيزيكوس، احبوه وكرَّموه للغاية حتى أنهم لم يفكروا فى فقدانه، لذلك رفضوا الخضوع لأى اسقف آخر، ولا سمحوا له بترك كنيسته، واستمروا هكذا تحت رعايته ثابتين فى هرطقتهم.

الكتاب الرابع: الفصل السابع

(اونوميوس وهرطقته)

(4/7/1) وعندما علِم اسقف القسطنطينية بهذه الأمور، عيَّن اونوميوس اسقفا لسيزيكوس، مفترضا أنه كشخص بليغ يستطيع أن يكسب ببلاغته أذهان الشعب إلى فكره الخاص. وعند وصوله الى سيزيكوس أعلن المرسوم الامبراطورى الذى يأمر فيه بطرد اليسيوس وحلول انوميوس محله. وتم تنفيذ هذا المرسوم على الفور. ومن ثم أولئك الذين التصقوا يإليسيوس شيَّدوا لهم مبنى مكرَّس خارج المدينة، واجتمعوا معه هناك. ولنكتف الآن بهذا عن اليسيوس، ونروى بعض الشىء عن انوميوس.

(4/7/2) كان انوميوس سكرتيرا لإتيوس الملقب اثيوس Atheus الذى تحدثنا عنه سابقا([12])، وتعلم من المحادثة معه أن يحاكيه فى اسلوب التفكير السوفسطائى. وكان يعى قليلا أنه بينما يتدرب على تكوين الحجج الزائفة وإستخدام الكلمات التى بلا دلالة إنما يخدع فى الحقيقة نفسه. ومع ذلك، جعلته هذه العادة ينتفخ ويسقط فى هرطقات تجديفية، وصار بعد ذلك مدافعا عن تعاليم اريوس، ومقاوما بأنواع شتى لعقائد الحق. ولما كانت ليست لديه سوى معرفة زهيدة بلغة الأسفار المقدسة، فقد كان غير قادر بالكلية على الدخول الى روحها. بيد أنه أكثر من الكلام، واعتاد على تكرار نفس الافكار بعبارات مختلفة بدون الوصول الى شرح واضح لما يُريد أن يعرِضه. وتُعتَبر كتبه السبعة عن رسالة [بولس] الرسول الى الرومان، التى بذل فيها قدرًا من العمل الفارغ، خيرَ دليل على ذلك، لأنه على الرغم من أنه استخدم عددا لا يحصى من الكلمات فى محاولة لشرحها، إلاَّ أنه قد اخفق فى فهم موضوع الرسالة على الإطلاق. وكل أعماله الأخرى من نفس النوع، ومن يُتعب نفسه بفحصها سيجد الضحالة الشديدة فى المعنى فى وسط الاسهاب فى التعبير.

(4/7/3) واونوميوس هذا، رقاه اودكسيوس الى كرسى سيزيكوس([13])، وعندما حضر الى هناك أدهش الحاضرين بفن الديالكتيك غير العادى، ومن ثم ثارت حساسية شديدة فى سيزيكوس. وأخيرا، لم يعد الشعب قادرا على تحمل المظهر الفارغ للغته وافتراضاته أكثر من ذلك، فطردوه من مدينتهم. فإعتزل لذلك فى القسطنطينية وجعل إقامته مع أودكسيوس، وأُعتُبِر اسقفا بالإسم([14]) فقط.

(4/7/4) ولكن لئلا نبدو أننا نقول هذا الكلام من باب الافتراء عليه والنميمة، دعونا نستمع الى ما نطق به هو شخصيا بجسارة فى حديثه السوفسطائى عن الله نفسه، حيث استخدم اللغة التالية “إن الله لا يَعرف عن جوهره أكثر مما نعرف نحن. ولا هذا معروف له وقليل لنا. ولكن كل ما نعرفه عن جوهر الله هو بإختصار معروف لله. ومن ناحية أخرى، كل ما يعرفه هو ستجده بالمثل بدون أى اختلاف فينا”. هذه، وعبارات أخرى كثيرة مماثلة، كان انوميوس معتادا على التفوه بها دون أدنى إحساس بحماقته الخاصة. أما على أى أساس انفصل فيما بعد عن الاريوسيين، فهذا ما سنرويه فى موضعه المناسب([15]).

الكتاب الرابع: الفصل الثامن

(الوحى الذى عُثِر عليه منقوشا على حجر عند هدم اسوار خلقيدونية)

(4/8/1) وأصدر فالنس أمرا بهدم أسوار مدينة خلقيدونية المواجهة لبيزنطة، إذ كان قد أقسم بعمل ذلك، عندما هزم الطاغية، لأن الخلقيدونيين انحازوا لصف الطاغية واستخدموا لغة مهينة ضد فالنس([16])، واغلقوا بواباتها فى وجهه عندما مرَّ بهذه المدينة.

(4/8/2) ولذلك بناء على أمر الامبراطور نُقِضت الاسوار ونُقِلت حجارتها الى القسطنطينية لإستخدامها فى تشييد الحمامات العامة([17]) التى تُدعى قنسطانتيا. وعلى حجر من هذه الاحجار، عُثِر على نقش كان مخفيا منذ سنوات طويلة، به تكهن عن أنه عندما تُزوَّد المدينة بالمياه الوفيرة سيُستخدَم السور فى الحمامات. وأنه عندما تخرِّب الأمم البربرية العديدة مقاطعات الامبراطورية الرومانية، وتسبب ضررا عظيما فإنها ستهلك أخيرا. وإننا سنُدرِج هنا هذا الوحى لإشباع المغرمين بالدراسة.

“عندما [ترقص] الحوريات بأقدامها المائية رقصاتها السرية، فإنها ستطأ فخر الطرقات البيزنطية. وعندما يَنقُض الهياج سورَ المدينة، تذهب حجارته الى الحمامات. وسترُسِل الاراضى المتوحشة اسرابا من الغارات متوجة بعقود ذهبية وأذرع لامعة، بمجارى من فضة استر. وتخرِّب حقول اسكيثيا ومروج موسيا. ولكن عندما تنهزم تدخل تيراقيا حيث يكون هناك مثواها”.

(4/8/3) هكذا كان التكهن، وهو بالفعل ما حدث بعد ذلك. إذ لما شيَّد فالنس مجرى مياه فوق قناطر لتزويد القسطنطينية بالمياه الوفيرة، قام البرابرة بغارات عديدة كما سنرى لاحقا. ولكن البعض شرحوا هذا التكهن على نحو مختلف. إذ لما كمل بناء هذه القناطر، شيَّد كليرخوس حاكم المدينة حماما خاصا بالدولة أُعطِىَّ له اسم “المياه الغزيرة”، وهو المدعو الآن “ساحة  ثيودوسيوس”. وبسببه يحتفل الناس بإبتهاج عظيم، وبذلك يتممون، كلمات الوحى “رقصاتهم السرية بأقدام مائية، ويطأون بفخر طرقات بيزنطة الدولة”. ولكن تكملة هذا التكهن حدثت بعد ذلك.

(4/8/4) فبينما كان الهدم جاريا، طلب سكان القسطنطينية من الامبراطور تعليق هدم الاسوار. وأرسل سكان نيقوميديا ونيقية من بيثينية الى القسطنطينية ذات الطلب. ولكن إذ كان الامبراطور حانقا للغاية على الخلقيدونيين، استجاب بصعوبة الى طلبهم، ولكن لكى يفى بقسمه أمر بنقض السور وإعادة بنائه بأحجار صغيرة أخرى. وهذا هو السبب فى أن المرء يرى فى السور اليوم موادا أدنى فوق أحجار ضخمة مكونة الفجوات التى حدثت فى تلك المناسبة.

وهذا يكفى بالنسبة لأسوار مدينة خلقيدون.

الكتاب الرابع: الفصل التاسع

 (فالنس يضطهد النوفاتيين)

(4/9/1) ومع ذلك، لم يكف الامبراطور عن اضطهاد أولئك المؤمنين بعقيدة “هومووسيون” بل طردهم من القسطنطينية. ولما كان النوفاتيون يعترفون بنفس الإيمان، فقد كانوا خاضعين لذات المعاملة بالمثل، فأمر بغلق كنائسهم ونفى اسقفهم أجليَّس. وكان قد رأس كنائسهم منذ عهد قنسطنطين، وعاش حياة رسولية إذ كان يسير حافى القدمين وله عباءة واحدة متمما وصايا الانجيل([18]).

(4/9/2) ولكن عدم رضاء الامبراطور ضد هذه الشيعة قد خفَّ بجهود رجل تقى وبليغ يُدعَى ماركيان كان سابقا فى الخدمة العسكرية بالقصر الامبراطورى، ولكنه حاليا قسا بالكنيسة النوفاتية، وعلَّم النحو لأنستاسيا وكاروسا ابنتى الامبراطور، واللتان على اسم الأولى دُعِيَت الحمامات العامة التى شيَّدها فالنس فى القسطنطينية ومازالت قائمة. فإحتراما لهذه الشخصية أُعيد فتح كنائس النوفاتيين التى أُغلِقَت لبعض الوقت ثانية.

(4/9/3) ومع ذلك لم يستطع الاريوسيون أن يتركوا هؤلاء الناس بدون إزعاج، إذ لم يسروا بهم بسبب حبهم وتعاطفهم واتفاقهم مع الهوموسيين فى العقيدة. هذه كانت حالة الأمور فى ذلك الوقت. ويتعين أن نلاحظ أن الحرب ضد الطاغية بروكبيوس قد انتهت فى حوالى نهاية مايو فى أيام قنصلية([19]) جراتيان ودجلافوس.

الكتاب الرابع: الفصل العاشر

(مولد فالنتنيانوس الصغير)

وعقب انتهاء هذه الحرب وفى نفس القنصلية، وُلِد لإمبراطور الأجزاء الغربية إبن وأعطاه اسمه، إذ كان جراتيان قد وُلِد قبل أن يصير امبراطورا.

الكتاب الرابع: الفصل الحادى عشر.

(زلازل فى عدة مواضع، وجليد مهول)

(4/11/1) وفى الثانى من يونيو من العام التالى، فى قنصلية([20]) لوبيسين وجوفيانوس، نزل جليد بحجم ملء كف الرجل. فأكد كثيرون أن هذا الجليد كان من جراء غضب العناية الإلهية بسبب نفى الامبراطور للعديدين من الاشخاص الذين كانوا يشغلون خدمات مقدسة الذين رفضوا، يقولون هم، الاشتراك مع اودوكسيوس([21]).

(4/11/2) وفى خلال ذات القنصلية فى الرابع والعشرين من اغسطس، اعلن الامبراطور فالنتنيانوس ابنه جراتيان أوغسطس. وفى السنة التالية([22]) عندما كان فالنتنيانوس وفالنس قناصل للمرة الثانية، حدث فى الحادى عشر من اكتوبر زلزال فى بيثينية دمَّر مدينة نيقية. وكان ذلك بعد حوالى إثنى عشر سنة من كارثة مماثلة حلت بنفس المدينة. وسرعان ما تخرب جزء كبير من جِرما بهيللسبونت على إثر زلزال آخر.

(4/11/3) ومع ذلك لم تترك هذه الاحداث أى أثر على ذهن اودكسيوس أو فالنس([23]) إذ لم يكفا عن اضطهادهما لأولئك الذين يختلفون معهما فى الايمان. وفى نفس الوقت أعتُبرِت انتفاضة الارض هذه مثل الإزعاجات التى طوحت بالكنائس تماما. إذ أن الكثيرين من الإكليريكيين قد أُرسلوا الى المنافى كما دونا.

(4/11/4) وبتدبير من العناية الإلهية حُفِظ باسيليوس([24]) وغريغوريوس([25]) فقط بسبب تقواهما الشهيرة من هذه العقوبة. وكان الأول اسقف قيصرية كبادوك، بينما كان الآخر يرأس كنيسة نزينزا([26])، وهى مدينة صغيرة فى ضواحى قيصرية. وستكون لنا فرصة للحديث عن كلٍ منهما فى خلال تاريخنا([27]).

الكتاب الرابع: الفصل الثانى عشر

(وفد المقدونيين الى ليبيريوس اسقف روما وتوقيعهم على قانون نيقية)

(4/12/1) وعندما لاقى المتمسكون بعقيدة “هومووسيون” هذه المعاملة القاسية، واضطروا الى الفرار، بدأ المضطهِدون من جديد التحرش بالمقدونيين الذين أُجبِروا بدافع الخوف من العنف على إرسال مندوبين من مدينة الى أخرى معلنين ضرورة مناشدة أخى الامبراطور. وكذلك ليبيريوس اسقف روما، وأنه من الأفضل لهم كثيرا اعتناق ايمانهم عن الاشتراك مع اودكسيوس. وأرسلوا لهذا الغرض يوستاثيوس اسقف سباستيا الذى عُزِل مرات عديدة ، وسلفانوس اسقف طرسوس بكيليكية، وثيوفيلس اسقف كاستابالا فى نفس المقاطعة، وكلفهم بعدم مخالفة ليبريوس فى أى شىء يخص الإيمان، ولكن الدخول فى شركة مع الكنيسة الرومانية وتأكيد عقيدة هومووسيون. لذلك توجه هؤلاء الأشخاص الى روما القديمة حاملين معهم رسائل أولئك الذين انفصلوا عن اكاكيوس فى سلوقية.

(4/12/2) وإذ لم يستطيعوا التواصل مع الامبراطور لإنشغاله فى الحرب فى الغال ضد السارماتيين([28]) Sarmatæ، قدموا رسائلهم الى ليبيريوس. وفى البداية رفض مقابلتهم لأنهم من الحزب الاريوسى، وانهم من المستحيل قبولهم فى الشركة من قِبل الكنيسة طالما أنهم يرفضون قانون نيقية. فأجابوا على ذلك أنهم غيروا من مفاهيمهم واعترفوا بالحق منذ زمن طويل عندما رفضوا القانون الآنومى([29]) واعترفوا بأن الإبن مثل الآب فى كل النواحى. وعلاوة على ذلك اعتبروا أن مصطلح “هوموأوسيون”(مثل) و”هوموسيوس” لهما نفس المعنى الدقيق. فعندما أدلوا بهذا الإقرار، طلب منهم ليبريوس اعترافا مكتوبا بإيمانهم.

فقدموا له بالتالى مستندا مدرجا به جوهر قانون نيقية، لم أدرجه هنا بسبب طوله، ورسائل من سميرنا وأسيا وبسيدية، وايسوريا وبامفليا وليكيا التى عقدوا فيها جميعا مجامع.

(4/12/3) وكان الإقرار المكتوب الذى ارسلته الوفود مع يوستاثيوس وسلمه لليبريوس كما يلى:

“الى سيدنا وأخينا وشريكنا فى الخدمة ليبريوس. يوستاثيوس وسلفانوس وثيوفيلس يحيونك فى الرب. إذ نحن تواقين لفحص الآراء الكريهة للهراطقة الذين لا يكفون عن إدخال امور معثرة للكنائس الجامعة، لذا جئنا لنعبّر عن اتفاقنا مع العقائد المعترف بها من مجمع الاساقفة الأرثوذكس الذى انعقد فى لامباسكوس وأماكن عديدة أخرى، تلك المجامع التى حملنا منها رسالة الى حبريتكم وسائر اساقفة ايطاليا والاساقفة الغربيين والتى نعلن فيها اننا نتمسك ونحافظ على ايمان [الكنيسة] الجامعة الذى تأسس فى مجمع نيقية المقدس فى عهد قنسطنطين ذى الذكرى الطيبة، بواسطة ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا وظل راسخا وكاملا، والذى ورد فيه مصطلح “هوموسيوس” الذى أُستُخدِم بتقوى وقداسة فى مواجهة تعليم اريوس الخبيث لذلك نحن مع أولئك الاشخاص الذين فوضونا، نوقع بأيادينا على اننا قد تمسكنا ونتمسك وسنحافظ على نفس الايمان الى المنتهى. وأننا ندين اريوس وتعليمه الكافر مع تلاميذه وأولئك الذين يتفقون مع مفاهيمه. وبالمثل هرطقة سابيليوس([30]). ومؤلمى الآب([31]) Patripassians والماركونيين([32])، والفوتينيين([33])، والمارسيلليين([34])، وانصار بولس الساموساطى وأولئك الذين يشايعون مفاهيمهم. وبإختصار سائر الهرطقات التى تتعارض مع القانون المقدس سالف الذكر، الذى وضعه الآباء القديسون فى مجمع نيقية، بروح جامعية وبتقوى. وإننا لنحرم على وجه الخصوص صيغة الإيمان الصادرة من مجمع ارمينيم([35]) حيث أنها تتعارض مع القانون المشار إليه الصادر من مجمع نيقية، والذى وقع عليه الاساقفة فى القسطنطينية وهم مخدوعين بالحيل والغش على اساس أنه ورد من نيس([36]) بتراقيا. أما قانون ايماننا وإيمان من نمثلهم فهو كما يلى.

“نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، صانع جميع الأشياء المرئية وغير المرئية وابن وحيد لله الرب يسوع المسيح، ابن الله، مولود من الآب به كانت جميع الأشياء مما فى السماء وما على الارض. الذى من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد وصار انسانا، وتألم وقام ثانية فى اليوم الثالث، وصعد الى السموات وسيأتى ليدين الاحياء والاموات. و[نؤمن] ايضا بالروح القدس. ولكن كنيسة الله الرسولية والجامعة تحرم أولئك الذين يزعمون أنه كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه، وأنه “لم يكن موجودا قبل أن يُولد”، وأنه “صُنِع مما لم يكن”. أو اولئك الذين يقولون أن ابن الله هو من هيبوستاسيس آخر، أو “من جوهر آخر عن الآب”، أو أنه خاضع “للتغيير والتبديل”.

ونحن: يوستاثيوس اسقف مدينة سباستيا، وثيوفيلس وسلفانوس المندوبين عن مجمع لامباسكوس وسميرنا والأماكن الأخرى، نوقع بملء إراداتنا على اقرار الإيمان هذا بأيادينا. وإذا حاول أحد أن يفترى علينا أو على الذين ارسلونا، بعد إشهار هذا القانون، فليأتى برسائل قدسكم أمام مجمع من الاساقفة الارثوذكس توافق عليه قداستكم ويناقشنا أمامهم فإذا ما ثبتت أية تهمة، فإننا نستحق العقاب على الذنب”.

(4/12/4) وإذ ربطهم ليبريوس بإحكام بهذا التعهد، قبلهم فى الشركة. وفيما بعد صرفهم واعطاهم هذه الرسالة.

“الى اخوتنا الأحباء وشركائنا فى الخدمة: ايفثيوس، كيرلس، هيبرخيوس، اورانيوس، هيرون، إلبيديوس، مكسيموس، يوسابيوس، يوكاربيوس، هيروتاسيوس، نيون، أوماثيوس، فوستينوس، بروكلينوس، باسينيكوس، ارسينيوس، سافيروس، ديديميون، بريتانيوس، كاليكراتس، دالماتيوس، اديسيوس، اوستوكيوس، امبروز، جلينيوس، بارداليوس، مقدونيوس، بولس، مارسيللوس، هيراكليوس، الكستدر، ادوليوس، ماركيان، سندولوس، جون، ماكر، خارسيوس، سلفانوس، فوتينوس، انتونى، ايثوس، كلسس، اوفرانون، ميلسيوس، باتريكيوس، سيفريانوس، يوسبيوس، اومولبيوس، اثناسيوس، دايوفانتوس، مينودورس، ديوكلس، كريسامبلس، نبون، اوجينيوس، يوستاثيوس، كاليكراتس.ارسينيوس،اوجينيوس، مارتبريوس، هيراكيوس، ليونتيوس، فيلاجريوس، لوكيوس، وإلى سائر الاساقفة الارثوذكسيين بالشرق. [يرسل] لكم ليبريوس اسقف ايطاليا وسائر الاساقفة فى الغرب التحيات دائما فى الرب.

لقد استلمنا رسائلكم أيها الإخوة الأحباء، المتلألئة بنور الإيمان، بواسطة إخوتنا الاساقفة المكرّمين جدا، يوستاثيوس وسلفانوس وثيوفيلس، والتى جلبت لنا فرح السلام والوفاق الذى طالما كنا نتوق إليه وذلك لأنها أظهرت لنا بصفة خاصة، وأكدت على أن رأيكم ومفاهيمكم هى فى اتساق تام ليس فقط مع تلك التى لحقارتنا ولكن أيضا مع تلك التى للأساقفة فى ايطاليا والأجزاء الغربية. ونحن نعلم أن هذا إيمان رسولى وجامعى، والذى استمر راسخا بلا تبديل الى زمن مجمع نيقية. وقانون الإيمان هذا، تعترفون أنكم قد تمسكتم به، ومما يبهجنا جدا، أنكم قد محوتم كل أثر أو انطباع لأى شك مؤذى، بشهادتكم ليس فقط شفاهة بل وكتابة. وإننا نجد أنه من الملائم أن نرفق هنا مع هذه الرسائل، نسخة من إعلانكم هذا حتى لا ندع أية ذريعة للهراطقة للدخول فى نزاع جديد، والذى يهيجون به الجمرة الملتهبة لخبثهم، وطبقا لعادتهم يُضرمون مرة أخرى لهيب عدم الوفاق. وعلاوة على ذلك، قد أقر إخوتنا المكرَّمين جدا يوستاثيوس وسلفانوس وثيوفيلس أيضا بأنهم هم ومحبتكم قد تمسكتم دائما وستحافظون الى المنتهى على القانون الذى سنَّه الاساقفة الارثوذكس الثلاثمائة وثمانية عشر فى نيقية، الذى يشتمل على الحق التام ويدحض ويُهلك كل أسراب الهراطقة. لأنه لم يكن بإرادتهم الخاصة، ولكن بالعناية الإلهية أن يجتمع مثل هذا العدد الكبير من الاساقفة ضد جنون اريوس، مثلما اهلك ابراهيم المبارك بمعونتها([37]) بالإيمان الآلاف الكثيرة من أعدائه([38]). وهذا الايمان مدرك فى مصطلحات “هيبوستاسيس” و”هوموسيوون” مثل حصن قوى ومنيع يصد سائر الغارات والحيل الباطلة للمقاومين الاريوسيين. لذلك عندما اجتمع الاساقفة الغربيون فى ارمينيم، حيث استخدم الاريوسيون المكر، لكى بواسطة اقناعهم الخدَّاع، أو لنقل بأكثر صراحة، بواسطة تحالفهم مع السلطة المدنية يمحون ويزيلون بطريقة غير مباشرة ما قد ورد فى قانون نيقية بمنتهى الفطنة، فإن دناءتهم لم تحقق لهم أدنى مغنم. أن جميع الذين حضروا فى ارمينيم تقريبا إما أنهم قد أُغووا بالزلل، أو أنهم قد انخدعوا فى ذلك الوقت بوجهة نظر سليمة، فوقعوا، بعد الحرومات، على تفسير الإيمان المعروض من قِبل أولئك المجتمعين فى ارمينيم على أنه قانون الايمان الرسولى والجامعى المعلن فى نيقية، ودخلوا فى شركة معنا، واعتبروا تعليم اريوس وتلاميذه مدعاة للمقت المتزايد، بل وحتى سخطوا علينا. تلك الحقيقة التى عندما رأى مندبو محبتكم الأدلة التى لا ريب فيها ضموكم الى توقيعاتهم حارمين اريوس وكل ما تم فى ارمينيم ضد قانون الإيمان المصدَّق عليه فى نيقية، والذى أنتم أنفسكم قد انخدعتم بدسائسهم وأُجبَرتم على التوقيع. لذلك بدا لنا أنه من الملائم لنا الكتابة الى محبتكم والاستجابة لمطلبكم ولا سيما أننا متأكدون من أن الأساقفة الشرقيين، من خلال إقرار مندوبيكم، قد استردوا وعيهم، وهم الآن فى اتفاق فى الرأى مع ارثوذكس الغرب. وإننا نود أن تعوا، فلربما تجهلون ذلك، أن تجاديف مجمع ارمينيم قد حرمها أولئك الذين انخدعوا عن خوف فى ذلك الوقت، ومن كل الذين يعترفون بقانون نيقية. لذلك من المناسب أن يُعلَم ذلك على نطاق عام بواسطتكم لكى ما ينتقل الآن أولئك الذين اهتز ايمانهم  بسبب عنف أو غواية، من ظلمة  الهرطقة الى النور الإلهى للحرية الجامعة. وعلاوة على ذلك، كل مَن لا يتقيأ السم المهلك بعد هذا المجمع بجحده لكل تجاديف اريوس وحرمها، فليعلم أنه هو نفسه سيكون مع اريوس وتلاميذه، وباقى الثعابين سواء سابيليوس أو مؤلمى الآب أو اتباع اى هرطقة أخرى، مستوجبين للحرم من الكنيسة التى لا تسمح بقبول الأبناء غير الشرعيين. ليحفظكم الله بثبات ايها الإخوة الأحباء”.

(4/12/5) وعندما استلم انصار يوستاثيوس هذا الخطاب توجهوا الى صقلية حيث دعوا الى عقد مجمع من اساقفة صقلية، وأيدوا فى حضورهم ايمان هووموسيون، وأقروا بقانون نيقية، واستلموا منهم أيضا خطابا بنفس الأمر السابق، وعادوا الى من ارسلوهم. فقاموا هم أيضا بدورهم، عندما استلموا رسائل ليبيريوس بإرسال مندوبين من مدينة الى مدينة لحث المؤيدين لعقيدة هومووسيون على الاجتماع فورا فى طرسوس بكيليكية لتأكيد قانون نيقية وإنهاء جميع المنازعات التى ثارت سابقا.

(4/12/6) وفى الحقيقة، كان ذلك سيتحقق لولا أن الاسقف الاريوسى اودكسيوس الذى كان يحظى فى ذلك الوقت بتأثير كبير لدى الامبراطور، قد أحبط مساعيهم لأنه ما أن علِم بإلتئام المجمع حتى استشاط غضبا لدرجة أنه ضاعف الاضطهاد ضدهم.

(4/12/7) أما عن إرسال مقدونيوس لمندوبين الى ليبريوس وقبوله فى الشركة معه، واعترافه بقانون نيقية، فهذا مسجَل فى “اعمال المجامع” لسابينوس([39]) نفسه.

الكتاب الرابع: الفصل الثالث عشر

( انفصال انوميوس عن اودكسيوس. قلاقل فى الأسكندرية. هروب اثناسيوس ثم عودته)

(4/13/1) وفى حوالى نفس الفترة، انفصل انوميوس([40]) عن اودكسيوس وعقد اجتماعات بمفرده بعدما رجا اودكسيوس مرارا فى قبول اتيوس معلمه، ورفض ذلك. وقد فعل انوميوس ذلك بغير رضائه إذ كان يوافق على رأى اتيوس الذى كان له نفس الرأى الذى له([41])، ولكنه كان يقبل مفاهيم حزبه الخاص والتى كان يعتبرها اتيوس هرطقة. وهذا هو سبب انفصال انوميوس عن اودكسيوس. وتلك كانت حالة الأمور فى القسطنطينية.

(4/13/2) ولكن كنيسة الأسكندرية اضطربت من جراء مرسوم ارسله اودكسيوس الى الحاكم. وإذ خشى اثناسيوس من هياج الجمهور، وأن يُعتبَر سببا لهذا الهياج إختبأ لمدة اربعة اشهر كاملة فى مقبرة اسلافه. ومن ثم ثار الشعب من فرط تعلقهم به غير صابرين على غيابه. وإذ خشى الامبراطور من سيادة الهياج على الاسكندرية، أمر بعودة اثناسيوس ورئاسته للكنائس بدون إزعاج. وهذا هو سبب تمتع كنيسة الأسكندرية بهدوء([42]). أما كيفية استيلاء الاريوسيين على الكنائس بعد وفاته فهذا ما سنكشف عنه فى خلال تاريخنا([43]).

الكتاب الرابع: الفصل الرابع عشر

 (الاريوسيون يرسمون فى القسطنطينية ديموفيلوس بعد موت أودكسيوس. ولكن الارثوذكس يقيمون ايفاجريوس خلفا له)

(4/14/1) وعندما غادر الامبراطور فالنس القسطنطينية ثانية، توجه نحو أنطاكية. ولكن عند وصوله إلى مدينة نقيموديا فى بيثينية، قُبِض على موكبه فى الظروف التالية. ومات اودكسيوس  اسقف الاريوسيين الذى ترأس كرسى كنيسة القسطنطينية نحو تسعة عشر سنة([44])، حالا عقب رحيل الامبراطور من تلك المدينة، فى القنصلية الثالثة([45]) لفالنتنيانوس وفالنس. فعيَّن الاريوسيون لذلك ديموفيلس خلفا له.

(4/14/2) ولكن الهومووسيون اعتبروا ذلك فرصة لهم ورشحوا ايفاجريوس الذى يحافظ على ذات مبادئهم، وقام يوستاثيوس اسقف انطاكية بسيامته رسميا. وكان يوستاثيوس قد أعاده جوفيانوس من المنفى، وحدث أن أتى الى القسطنطينية فى ذلك الوقت بقصد تثبيت أنصار عقيدة الهمووسيون.

الكتاب الرابع: الفصل الخامس عشر

(نفى فالنس ليوستاثيوس وايفاجريوس)

 

(4/15/1) وعندما تم ذلك جدد الاريوسيون اضطهادهم للهومووسيين. وعلِم الامبراطور بسرعة بما حدث وبالشغب الذى ساد المدينة من جراء هياج العامة، فأرسل على الفور كتائب من نيقوميديا الى القسطنطينية آمرا بالقبض على كل مِن الذى رُسِم والذى رسمه وإرسالهما الى المنفى فى أقاليم مختلفة.

(4/15/2) لذلك نُفى يوستاثيوس إلى  بيزيا Bizya، مدينة بتراقيا، ونُقِل ايفاجريوس الى مكان آخر. وصار الأريوسيون بعد ذلك أكثر جسارة وتحرشوا بعنف بفريق الارثوذكس، وضربوهم مرارا وافتروا عليهم وسجنوهم، وفرضوا عليهم غرامات. وبإختصار مارسوا مضايقات لا تُحتَمل ومقيتة ضدهم. وإلتمس المتألمون من الامبراطور الحماية من مقاوميهم آملين الحصول على بعض الراحة من هذا الظلم. ولكن خاب رجاءهم فى هذا الصدد وأُحبَطوا، فسكبوا أحزانهم أمام فاطرهم.

الكتاب الرابع: الفصل السادس عشر.

(فالنس يأمر بحرق الكهنة الأرثوذكس فى مركب. مجاعة فريجية)

(4/16/1) وتوجه ثمانون رجلا من الأتقياء ذوى رتب اكليريكية، وكان من بينهم اوربانوس وثيودور ومِندِمُوس قادتهم الى نيقوميديا. وهناك قدَّموا الى الامبراطور التماسا يشكون فيه من سوء المعاملة التى يتعرضون لها. فسخط عليهم الامبراطور، ولكنه أخفى سخطه فى حضورهم، وأمر الحاكم مودستوس سرا بالقبض عليهم وقتلهم. وكان الأسلوب الذى هلكو به غير عادى، ويستحق التسجيل.

(4/16/2) إذ خشى الحاكم من حركة عصيان ضده إن هو نفذ هذا الأمر علانية وقتل هذا العدد الكبير، تظاهر بإرسال هؤلاء الرجال الى المنفى. وعندما قبلوا مصيرهم بجلَدٍ عظيم، أمر الحاكم بركوبهم لمركب كما لو كانوا سيتوجهون الى أماكن نفى مختلفة. وفى نفس الوقت، أمر البحارة بحرق المركب عندما يصلون الى عرض البحر، ليهلك الضحايا ويُحرمون من الدفن. فأطاعوا هذا الأمر، وعندما وصلوا الى منتصف الخليج الآستاكى، اشعل طاقم البحارة النار فى المركب، ثم لجأوا الى الزوارق الصغيرة التى كانت تتبعهم وهربوا بذلك. وتصادف أن هبت ريح شرقية قوية، واحترقت السفينة بسرعة. وما أن وصلت الى ميناء يُدعى داسيديزوس حتى كانت النيران قد التهمتها تماما مع مَن عليها.

(4/16/3) ويؤكد الكثيرون أن هذا العمل المشين لم يمض بدون عقاب، إذ سرعان ما حلّت على الفور مجاعة شديدة فى سائر أنحاء فريجية لدرجة أن عددا كبيرا من السكان اضطروا الى هجر بلدهم لبعض الوقت، وتوجه بعضهم الى القسطنطينية، وآخرون الى مقاطعات أخرى. لأن القسطنطينية بغض النظر عن العدد الكبير من السكان الذين تعولهم، إلا أنها تزخر دائما بضروريات الحياة، حيث تستورد كل انواع المؤن بحرا من اقاليم عدة، فضلا عن أن أوكسين التى تقع بالقرب منها تزودها بالحبوب بأى قدر يلزمها([46]).

الكتاب الرابع: الفصل السابع عشر

(فالنس يضطهد وهو  فى انطاكيا، انصار هومووسيون ثانية)

وتأثر الامبراطور قليلا بالمصائب الناجمة عن المجاعة، وذهب إلى انطاكية بسوريا، وخلال إقامته هناك، إضطهد بقسوة كل من لا يتبنى الاريوسية. ولم يقنع بطرد أصحاب عقيدة هومووسيون من كل كنائس الشرق، بل وفرض عليهم عقوبات عديدة بالإضافة الى ذلك. وأهلك عددا أكبر حتى قبل تسليمهم لأنواع مختلفة كثيرة من الموت، وخاصة إغراقهم فى النهر.

الكتاب الرابع: الفصل الثامن عشر

 (أحداث إديسا وشجاعة إمرأة تقية)

(4/18/1) ولكن يجب أن نذكر هنا حالات معينة وقعت فى اديسا بميسوبوتاميا([47]). كانت فى تلك المدينة كنيسة فخمة([48]) مكرَّسة للقديس توماس الرسول، والتى بسبب قداسة المكان كانت تُعقَد فيها الإجتماعات الدينية بلا انقطاع. وأراد الامبراطور فالنس أن يزور هذا المبنى، ولما علِم أن جميع الذين يحضرون هناك من المعارضين للهرطقة التى يشايعها قيل أنه لكَم الحاكم بقبضته لأنه أهمل فى طردهم من هناك أيضا.

(4/18/2) ولما كان هذا الحاكم، رغم تعرضه لهذه الإهانة، غير راغب فى فرض سخط الامبراطور عليهم، ولا القيام بمجزرة لعدد كبير مثل هذا من الاشخاص، اقترح عليهم سرا ألا يتواجد احدٌ هناك. ولكن أحداً ما لم يُصغِ الى نصيحته ولا الى وعيده. لأنه فى  اليوم التالى، ازدحموا فى الكنيسة([49]).

(4/18/3) وبينما كان الحاكم ذاهبا الى هناك بقوة عسكرية كبيرة ليُشبِع غضب الامبراطور، وجد إمرأة فقيرة تركض بسرعة نحو الكنيسة وهى تقود طفلها الصغير، مخترقة صفوف الجنود. فتضايق الحاكم من هذا، وأمر بإحضارها إليه، وخاطبها هكذا: أيتها المرأة البائسة الى أين تركضين بهذا الشكل المضطرب؟. فأجابت “الى نفس المكان الذى يُسرِع إليه الآخرون”. فقال لها “ألم تسمع أن الحاكم على وشك قتل كل من سيوجد هناك” فأجابت المرأة “نعم سمعتُ، ولهذا أنا أسرع لكى أكون هناك”. فقال لها الحاكم “ولماذا تجرين طفلك الصغير؟”. فأجابت “لكى ما يكون هو أيضا مستحقا للشهادة”.

(4/18/4) وعندما سمع الحاكم هذه الأمور أدرك أن نفس المشاعر تحكم الآخرين المجتمعين هناك، فعاد على الفور إلى الامبراطور وأعلمه أن جميع الحاضرين مستعدين للموت من أجل إيمانهم، ثم أضاف أن القضاء على هذا العدد الكبير فى وقت واحد لهو أمر لا يقبله العقل. وبذلك أقنع الامبراطور أن يتحكم فى سخطه. وبهذا الأسلوب حُفِظ الاديسيون من المذبحة التى كانت عتيدة أن تحدث من السلطة الملكية.

الكتاب الرابع: الفصل التاسع عشر

 (مذبحة فالنس للكثيرين حسب أسمائهم، بسبب تكهن وثنى بمن يخلفه)

(4/19/1) فى هذا الوقت أثار الشيطان الممقوت السلوك القاسى للإمبراطور، بأن حث بعض الأشخاص على التكهن بخليفة فالنس على العرش عن طريق العرافة. إذ رد الشيطان من خلال وسائلهم السحرية بإجابة مبهمة غير محددة، كما هو الحال فى هذه الممارسة عموما، إذ عرض  عليهم أربعة حروف هى ث، ى، د، و. معلنا  أن الشخص الذى سيخلف فالنس على العرش سيبدأ اسمه بهذه الحروف، وسيحتوى عليها.

(4/19/2) فلما اطلع الامبراطور على هذا التكهن، بدلا من أن يلجأ الى الله العالِم بالآتيات، كان قراره فى هذا الشأن ضد المبادىء المسيحية التى كان يتظاهر بالغيرة الشديدة عليها، إذ أعدم كثيرين من الأشخاص الذين كانت اسماؤهم تتكون من هذه الحروف من باب الشك فى انهم يتطلعون إلى السلطة الملكية([50]). وهكذا قُتِل من كان اسمه مثل “ثيودوتس” أو “ثيودوسيوس” أو “ثيودوريت” أو “ثيودور” أو “ثيودوليوس” وما شابه ذلك. وصاروا ضحية لخوف الامبراطور، وكان من ضمن هؤلاء الأشخاص شخصا نبيلا شجاعا جدا اسمه ثيودوسيولوس من أسرة نبيلة بأسبانيا. ولذلك، لكى يتجنب اشخاص عديدون هذا الخطر المعرَّضين له، غيَّروا اسماءهم التى اطلقها عليهم آباؤهم فى طفولتهم. ويكفى هذا فى هذا الشأن.

الكتاب الرابع: الفصل العشرون

(وفاة اثناسيوس، وسيامة بطرس خليفته)

(4/20/1) يجب القول أنه طالما كان اثناسيوس اسقف الأسكندرية حيا، كان الامبراطور ممنوعا من العناية الإلهية، من القيام بأعمال عدائية ضد الأسكندرية ومصر. ففى الحقيقة، كان يعلم جيدا جدا أن الجمهور الملتصق به كان كبيرا جدا، ولذلك كان حريصا فى هذا الصدد على ألا يتسبب فى اضطراب الشأن العام.

(4/20/2) ولكن أثناسيوس بعد أن انهمك فى هذه الصراعات القاسية والعديدة بالنيابة عن الكنيسة، رحل عن هذه الحياة([51]) فى القنصلية الثانية([52]) لجراتيان وبروبس بعد أن أدار الكنيسة فى وسط أقسى المخاطر لمدة ستة واربعين سنة، وترك بطرس([53]) خليفة له وهو رجل تقى وبليغ.

الكتاب الرابع: الفصل الواحد والعشرون

(الاريوسيون يسجنون بطرس)

(4/21/1) وعندئذ تشجع الاريوسيون ثانية، واعتمادا على معرفتهم بمشاعر الامبراطور الدينية أخطروه بالحالة بسرعة بينما كان يقيم فى انطاكية. فإنتهز اوزيوس الذى كان يرأس الاريوسيين فى تلك المدينة هذه الفرصة المواتية والتمس تصريحا بالذهاب الى الأسكندرية بغرض وضع كنائس الأسكندرية تحت سلطة لوكيوس الاريوسى، واستجاب الامبراطور لهذا المطلب.

(4/21/2) وتوجه اوزيوس على الفور بأسرع ما يمكن الى الأسكندرية مصحوبا بالقوات الامبراطورية. وذهب معه ايضا ماجنوس امين خزانة الامبراطور لمساعدة هذه القوات. وعلاوة على ذلك صدر مرسوم امبراطورى إلى بالاديوس حاكم مصر يخوله بمساعدتهما بقوة عسكرية, ومن ثم قبضوا على بطرس وطرحوه فى السجن. وبعد أن شتتوا باقى الإكليروس أجلسوا لوكيوس على العرش الاسقفى.

الكتاب الرابع: الفصل الثانى والعشرون

(صمت سابينوس عن سوء اعمال الاريوسيين. هروب بطرس الى روما . مذبحة المتوحدين)

(4/22/1) هذه الاعتداءات وانتهاك الحرمات التى نجمت عن تعيين لوكيوس([54]) ومعاملة أولئك المطرودين سواء فى المحاكم أو خارجها، وكيف تعرضوا لشتى أنواع التعذيب، وكيف أُرسِل آخرون إلى المنفى حتى بعد هذه الاعتداءات المبَرّحة. كل هذا مر عليه سابينوس دون أدنى إشارة وذلك لأنه هو نفسه، فى الواقع، نصف اريوسى، لذلك حجب عن عمد فظائع اصدقائه.

(4/22/2) بيد أن بطرس قد عرضها فى الرسائل التى بعث بها إلى جميع الكنائس، عندما هرب من السجن. لأنه عندما تمكن من الهرب من السجن، توجه الى داماسوس اسقف روما. وعلى الرغم من أن الاريوسيين لم يكونوا كثيرين جدا، إلا أنهم استولوا مع ذلك على كنائس الأسكندرية. وسرعان ما حصلوا على مرسوم امبراطورى موجه الى حاكم مصر بطرد اتباع عقيدة “هومووسيون” ليس فقط من الأسكندرية بل ايضا من من كل القطر، وكذلك سائر المعارضين للوكيوس. وبعد ذلك ازعجوا المؤسسات الرهبانية التى فى الصحراء وأغاروا عليها، حيث هاجم رجال مسلحين بأسلوب شرس أولئك المتوحدين الذين كانوا عُزّل تماما، والذين لم يرفعوا حتى ذراعا لصد عنفهم، فكانت اعداد الضحايا الذين ذُبِحُوا بهذه الدرجة من الوحشية، وبدون أدنى مقاومة منهم، عددا بلا حصر.

الكتاب الرابع: الفصل الثالث والعشرون

(أعمال بعض القديسين الذين كرسوا أنفسهم لحياة الوِحدة)([55])

(4/23/1) ولما كنتُ قد أشرتُ الى أديرة مصر، فمن الملائم إذن أن نروى بعض الشىء عنها. فقد تأسست من المحتمل منذ فترة مبكرة جدا، ولكنها ازدادت جدا واتسعت بواسطة رجل تقى اسمه آمون([56]). وكان هذا الشخص عازفا فى شبابه عن الزواج، ولكن عندما حثه بعض اقاربه على عدم الإزدراء بالزواج وأن عليه أن يتزوج، استسلم وتزوج. وعندما انتهت مراسيم العرس المعتادة، وقاد العروس من محفل الاحتفال الى مخدع الزوجية، وانصرف الاصدقاء، اخذ كتابا يشتمل على رسائل الرسل وأخذ يقرأ لزوجته من رسائل بولس الرسول الى اهل كورينثوس، ويشرح لها نصائح الرسول للمتزوجين([57])، مضيفا الى ذلك اعتبارات خارجية كثيرة. وأسهب فى [الحديث] عن متاعب المعاشرة الزوجية وطلقات الولادة والقلق والهم المرتبط بتكوين أسرة، ثم عرض فى مقابل ذلك مزايا العفة ووصف الحرية ونقاوة حياة التقشف التى بلا دنس، وأكد أن البتوليين فى الموضع الأقرب لله([58]). وبهذه الحجج وغيرها مما شابه ذلك اقنع عروسه البكر أن تجحد معه الحياة المدنية قبل أن يعرفا أية معاشرة بين بعضهما البعض. وإذ عزما على ذلك اعتزلا معا فى جبل نتريا([59]). وعاشا هناك فى كوخ لبعض الوقت حياة تقشف مشتركة دون أدنى اعتبار للفروق الجنسية. كما يقول الرسول “واحد فى المسيح”([60]). ولكن ليس بعد ذلك بوقت طويل، خاطبت العروس الطاهرة آمون هكذا “ليس من المعقول لك وأنت تمارس العفة أن تنظر وجه إمرأة فى مسكن محصور هكذا، لذلك دعنا نمارس تقشفنا على انفراد إن وافقت”. وكان هذا الاتفاق مرضيا لكليهما، وهكذا انفصلا وقضيا بقية حياتهما فى تقشف عن النبيذ والزيت، يأكلون الخبز الجاف فقط وأحيانا ينقضى يوم، وأحيانا أخرى يومان صائمين، وأحيانا أكثر. ويؤكد اثناسيوس اسقف الأسكندرية فى [كتابه] “حياة انطونيوس” أن بطل كتابه الذى كان معاصرا لآمون قد رأى روحه تصعد بها الملائكة عقب وفاته.

(4/23/2) وبالتالى حاكى عدد كبير من الاشخاص نمط حياة آمون، وهكذا اكتظ جبل نيتريا والاسقيط تدريجيا بالرهبان الذين يتطلب سرد سيرهم عملا خاصا إذ كان بينهم اشخاص متميزين بالتقوى، ومشهورين بتهذيبهم الصارم وحياتهم الرسولية، الذين قالوا وعملوا أمورا تستحق التسجيل.

(4/23/3) وإننى أحسبه من المفيد أن أدرج فى تاريخى بعض الحالات المنتقاة على وجه الخصوص من بين هذا العدد الكبير لعلِم القراء. فقد قيل أن آمون اعتاد أن يقول “لم يصر بعد راهبا ذاك الذى يرى حتى نفسه عريانا”. وعندما أراد أن يعبر نهرا ذات مرة ولم يكن راغبا فى خلع ملابسه، تضرع الى الله أن يعينه فى العبور دون أن يضطر الى نقض عزمه. وفى الحال نقله ملاك الى الجانب الآخر من النهر. وهناك راهب آخر يُدعى ديديموس([61]) عاش منفردا الى يوم وفاته على الرغم من أنه قد بلغ التسعين من عمره. وآخر كان يُدعى ارسينيوس([62]) كان لا يرغب فى منع الشاب الآثيم من التناول، ولكن فقط المتقدمين فى العمر فهو يقول “عندما يُحرم الشاب يصير أقسى، ولكن المتقدم فى العمر سرعان ما يشعر ببؤس الحرم”. وكان بيور معتادا على تناول طعامه وهو سائر، فلما سأله شخص ما لماذا تأكل هكذا؟ قال” حتى لا اجعل من الطعام عملا جادا، بل شيئا يُعمل على نحو ما”. و[قال] لآخر سأل ذات السؤال، “لئلا يشعر ذهنى اثناء الأكل بمتعة جسدانية”. ويؤكد ايسيدور أنه لم يشعر بالخطية لمدة اربعين سنة، وأنه لم يرض بلذة أو بغضب.

(4/23/4) ولما كان بامبو أميا ذهب الى شخص ما ليعلمه مزمورا، فلما سمع الآية الأولى من المزمور الثامن والثلاثين “قلتُ اتحفظ فى طريقى لكى لا أخطىء إليك بلسانى”([63])، انصرف قبل أن يستمع الى الآية الثانية قائلا “هذه الآية تكفى إذا ما استطعتُ أن اقتنيها عمليا”. وعندما وبخه الشخص الذى علمه الآية الأولى لأنه لم يره طوال ستة أشهر، أجابه أنه لم يتعلم بعد كيف يمارس هذه الآية من المزمور([64]). وبعد انقضاء فترة طويلة من الزمن سأله أحد اصدقائه عما إذا كان قد أحكم تنفيذ هذه الآية أم لا، أجابه “بالكاد، انجزتها خلال تسعة عشر سنة”. ولما وضع شخص ما ذهبا فى يده ليوزعه على الفقراء وطلب منه أن يحُصى ما أعطاه له، قال له “ليست هناك حاجة للعد، ولكن إلى سلامة النية”. وقد حضر بامبو هذا نفسه الى الأسكندرية بناء على رغبة اثناسيوس الأسقف، وعندما رأى ممثلة هناك، بكى. فلما سأله الحاضرون لماذا بكى أجاب” سببان أثَّرا فىّ، احدهما هلاك هذه المرأة، والثانى أننى أجاهد لكى أرضى الله بدرجة أقل مما تفعله هى لتسُر الشخصيات الفاسدة”.

(4/23/5) وقال آخر أن الراهب الذى لا يعمل، ينبغى اعتباره على نفس المستوى مع الطماع”. وكان بطرس ملما جيدا بفروع الفلسفة الطبيعية، وكان معتادا على الدخول مرارا فى شرح للمبادىء تارة فى فرع ما وتارة فى فرع آخر من العِلم، ولكنه كان يُنهى شرحه دائما بالصلاة.

(4/23/6) وكان هناك أيضا من رهبان هذه الفترة اثنان بنفس الاسم، على درجة عالية من القداسة، كل منهما يُدعى مكاريوس، أحدهما كان من مصر العليا، والثانى من الأسكندرية. وكلاهما كانا مشهورين بتهذبهما النسكى، وبنقاوة حياتهما واعتدائهما.

وقد انجز مكاريوس المصرى عمليات شفاء كثيرة، وأخرج شياطين لدرجة أنه يحتاج الى مقالة خاصة لتسجيل كل ما فعلته النعمة الإلهية بواسطته. وكان نمط اسلوبه مع الذين لجأوا إليه صارما، ولكن فى نفس الوقت مدعاة للتقدير.

(4/23/7) أما مكاريوس الأسكندرى بينما كان يماثل من كل النواحى سميه المصرى، فقد كان يختلف عنه فى هذا، وهو أنه كان دائما ودودا مع زائريه، وبواسطة بشاشة سلوكه قاد شبابا كثيرين الى النسك.

(4/23/8) وصار ايفاجريوس تلميذا لهذين الرجلين([65]) واقتنى منهما فلسفة الاعمال ذاك الذى كان يعرف سابقا تلك المتمثلة فقط فى الكلام. وقد سِيم دياكونا فى القسطنطينية على يد غريغوريوس النزينزى، ثم ذهب معه الى مصر حيث أصبح ملما بهذه الشخصيات الشهيرة، واحتذى بقواعد سلوكهما، وأُجريت على يديه معجزات عديدة وكثيرة مثل تلك التى لمعلميه، وقد ألف أيضا كتبا([66]) ذات قيمة كبيرة أحدها بعنوان “الراهب، أو الفضيلة النشطة” وآخر بعنوان “الغنوسية” أو الى من يُعتَبر مستحقا للمعرفة. وهذا الكتاب ينقسم الى خمسين فصلا.  وثالث بعنوان Antirrheticus ويحتوى على مختارات من الكتاب المقدس ضد تجارب الارواح موزعة على ثمانية أجزاء وفقا لعدد الحجج. وكتب علاوة على ذلك ستمائة مسألة خاصة بالتكهن. وأيضا مقالتين إحداهما موجهة للرهبان الذين يعيشون فى الشركة والأخرى للعذارى([67]). وكل من يقرأ هذه المؤلفات سوف يقتنع بتميزها.

(4/23/9) وإننى مقتنع أنه لن يكون خارجا عن السياق هنا، أن نلحق بما دوناه سابقا بعض الأشياء الخاصة بالرهبان والتى ذكرها هو. وها هو كلامه: “من اللائق لنا أن نقتفى عادات الرهبان الذين سبقونا لكى ما نقوّم انفسنا حسب مثالهم لأنه بلا شك قد قيلت عنهم اشياء كثيرة قالوها وفعلوها. فكان احدهم معتادا أن يقول أن وجبة جافة بحب وغير منتظمة، تجعل الراهب يرسو سريعا الى ميناء الهدوء”. ونفس الشخص حرر أحد إخوته من التعب بالسهر ليلا وجعله يلتحق بخدمة المرضى وهو صائم. وعندما سُئِل لماذا وصف هذا، قال “إن مثل هذه المشاعر تتبدد بفعالية عند ممارسة الشفقة”. لقد أتى أحد فلاسفة ذلك الزمان الى البار انطونيوس، وقال له كيف تحتمل يا أبى حرمانك من الكتب؟. فأجابه انطونيوس “كتابى أيها الفيلسوف هو طبيعة الأشياء المصنوعة، وهى موجودة متى شئتُ أن أقرأ كلام الله([68]). وهذا الإناء المختار([69]) مكاريوس المصرى العجوز([70]) سألنى لماذا لا تضعف ملكة الذاكرة عندما نتذكر الاهانات التى تلقيناها من البشر، بينما تظل التى فعلناها نحن بواسطة الشياطين بلا ضرر؟. وعندما ترددتُ، وأنا عارف بالكاد الجواب، راجيا إياه أن يوضح هو، قال “لأن الأولى ضد الطبيعة، أما الثانية فهى موافقة للعقل”([71]). وإذ ذهبت فى مناسبة ما الى القديس مكاريوس فى منتصف النهار، وقد تغلب علىَّ العطش والحر، وإلتمستُ بعض الماء لأشرب، أجابنى “أرح نفسك فى الظل لأن كثيرين مسافرين الآن برا، أو فى أعماق البحر ومحرومين حتى من هذا”. وبينما كنتُ اتناقش معه لاحقا بشأن التقشف قال لى “تشجع يا ابنى، فطوال عشرين سنة لم آكل ولم أشرب ولم أنم بكفاية. وكان خبزى دائما بالوزن ومائى بالمعيار، ونومى قليلا اختلسه بالاستناد الى الحائط”([72]). وأحد الرهبان عندما أخبروه عن وفاة والده، قال للشخص الذى أبلغه “كف يا رجل فإن ابى لا يموت”. وواحد من الإخوة لم يكن يملك سوى نسخة من الإنجيل باعها ووزع ثمنها على طعام للجياع، ونطق بهذا القول الخالد ” لقد بعتُ الكتاب الذى يقول بع كل ما تملك واعطِ الفقراء ([73]).

(4/23/10) وهناك جزيرة فى الطرف الشمالى من الأسكندرية فيما وراء البحيرة التى تُدعى ماريا حيث يسكن هناك راهب من بارمبول([74]) Parembole مشهور جدا بين الغنوسيين. هذا الشخص اعتاد أن يقول أن كل أعمال الراهب إنما تُعمَل لأحد اسباب خمسة: إما من أجل الله، وإما من أجل الطبيعة، وإما من أجل الضرورة، وإما بالعادة، وإما للعمل اليدوى. ونفس الشخص قال ايضا أن هناك فضيلة واحدة فى الطبيعة ولكنها تتخذ اشكالا عديدة تبعا لتصرفات النفس، تماما مثلما أن نور الشمس هو فى ذاته بلا شكل لكنه يتكيف تبعا لشكل ذلك الذى يستقبله. وقال راهب آخر “إننى امتنع عن الملذات لكى ما اقتلع فرص الغضب لأننى أعرف أنه ينحو دائما نحو الملذات ويُشتت هدوء ذهنى، ويجعلنى لا أصلح لتحصيل المعرفة”. وقال أحد الشيوخ أن “الحب لا يعرف أبدا الاحتفاظ بوديعة سواء مؤونة أو نقود”. وأضاف أننى لا أتذكر قط أننى خُدِعتُ مرتين من الشيطان فى نفس الشىء”.

(4/23/11) هكذا كتب ايفاجريوس فى كتابه المعنون “الممارسة”. وفى ذلك الذى دعاه “الغنوسى” يقول: لقد تعلمنا من غريغوريوس البار([75]) أن هناك اربعة فضائل متميزة فى سماتها: الفطنة والجلَد والاعتدال والعدالة. المحافظة على الفطنة فى تأمل القوى المعقولة والمقدَّسة بصرف النظر عن التعبير لأنها تُكتَشف بالحكمة. أما الجلَد([76]) فهو التمسك بالحق ضد كل معارضة، وعدم الميل ابدا الى ما هو غير حقيقى. وأما الاعتدال، فهو تلقى البذور من الزارع الحقيقى([77]) ورفض ذلك الذى يحاول زرع بذور من نوع آخر. وأخيرا العدالة هى تكييف الحديث تبعا لقدرات وحالة كل واحد فالبعض تحدثه بغموض، والبعض الاخر بطريقة رمزية، والبعض الثالث تشرح له بشكل واضح، لتعليم الأقل ذكاء.

(4/23/12) واعتاد عمود الحق باسيليوس الكبادوكى، أن يقول “أن المعرفة التى يتعلمها البشر تكمل بالدراسة المستمرة والممارسة، ولكن تلك التى تأتى من نعمة الله فهى تكمل بممارسة البر والصبر والرحمة. فالأولى تنمو فى الواقع فى الأشخاص الذين ما زالوا خاضعين للأوجاع بينما الثانية هى نصيب أولئك الذين فاقوا تأثيرها([78]) والذين يتأملون خلال فترة الصلاة فى نور الذهن الذى ينيرهم. ويؤكد القديس اثناسيوس كوكب المصريين المنير، أن موسى قد امر بوضع المائدة على اليسار([79]) لذلك على الغنوسى أن يفهم أى ريح مضادة له ويتحمل بنبل كل تجربة ويوفر الغذاء بذهن مستعد لأولئك الذين يُقدمه لهم”. وقد أوضح سيرابيون ملاك كنيسة تمويس([80]) أن “العقل يتنقى تماما بالإرتواء من المعرفة الروحية” وأن “المحبة تشفى ميول النفس الملتهبة وأن الشهوات الآثيمة التى تبرز منها تُكبَح بالتقشف”. وقال المعلم المنير والعظيم ديديموس “درب نفسك بإستمرار على التأمل فى العناية والقضاء، واجتهد أن تحتفظ فى الذاكرة بأى حديث تسمعه عن هذه الموضوعات لأننا جميعا غالبا ما نخفق فى هذا الشأن. إنك ستجد القضاء فى اختلاف اشكال الخليقة وتأسيس الكون، وعظات العناية يمكن أن تدركها بهذه الوسائل التى بها انتقلنا من الرذيلة والجهل الى الفضيلة والمعرفة. هذه هى بعض الاقتباسات من ايفاجريوس والتى نظن أنها من الملائم إدراجها هنا.

(4/23/13) وهناك رجل ممتاز آخر بين الرهبان اسمه امونيوس([81]) الذى كان له اهتمام ضئيل بالشؤون المدنية حتى أنه لما ذهب الى روما مع اثناسيوس لم يهتم بمشاهدة أى من الاعمال الضخمة فى المدينة، قانعا برؤية كاتدرائية بولس وبطرس فقط. هذا الرجل عندما طلبوه بإلحاح للأسقفية قطع أذنه اليمنى، لكى بتشويه جسده لا يصلح للسيامة. ولكن بعد ذلك بزمن طويل، عندما أراد ثيوفيلس اسقف الأسكندرية رسامة ايفاجريوس اسقفا هرب الأخير بدون تشويه نفسه بأى شكل من الاشكال. وحدث بعد ذلك أن قابل امونيوس وقال له ضاحكا، أنه أخطأ بقطع أذنه، إذ أنك بذلك ارتكبت جريمة فى عينى الله. فأجاب أمونيوس وهل كنتَ تعتقد يا ايفاجريوس أنك لن تُعاقب، لأنك من حبك لنفسك قد قطعت لسانك لتتجنب ممارسة هبة الكلام التى أُعطِيَت لك؟”.

(4/23/14) وكان هناك فى نفس الوقت عدد كبير من الشخصيات التقية فى الأديرة محل إعجاب والذين إن حاولنا احصاءهم فى هذا الموضع سيكون أمرا مملا، بالإضافة إلى أن محاولة وصف سيرة كل منهم والمعجزات التى اجروها بواسطة تلك النعمة التى وُهِبَت لهم، ستخرج بنا عن مسار موضوعنا بشدة. وعلى من يريد الإلمام بتاريخهم بالنسبة لأعمالهم وممارساتهم وأحاديثهم لتهذيب سامعيهم، وأيضا كيف خضعت الحيوانات المفترسة لسلطانهم، [ الرجوع ] الى مقالة خاصة بهذا الموضوع مؤلفة من الراهب بالاديوس الذى كان تلميذا لإيفاجريوس. وقد أعطى كل هذه الخصوصيات بتفصيل دقيق. وفى هذا العمل يذكر ايضا نساءً عديدات مارسن نفس نوع التقشف مثل الرجال المشار إليهم([82]). وقد ازدهر كل من ايفاجريوس وبالاديوس لفترة قصيرة بعد موت فالنس. والآن لنعد الى النقطة التى حدنا عنها.

الكتاب الرابع: الفصل الرابع والعشرون

(الغارة على الرهبان المصريين)

(4/24/1) وإذ أصدر الامبراطور فالنس مرسوما يقضى بإضطهاد الرهبان الارثوذكس فى كل من الأسكندرية وبقية انحاء مصر، فقد تلى ذلك على الفور خراب وإجلاء السكان بدرجة مهولة. فالبعض أُقتِيد الى المحاكم، وأُلقِىَّ بآخرين فى السجون، وكثيرون آخرين عُذِبوا بطرق شتى. وفى الواقع تعرض جميع الاشخاص الذين يهدفون فقط الى السلام والهدوء لكل أنواع العقوبات.

(4/24/2) وعندما تم ارتكاب هذه الانتهاكات فى الأسكندرية تماما حسب فكر لوكيوس، عاد اوزيوس الى انطاكية. وتوجه لوكيوس الاريوسى، على الفور، بصحبة القائد العام للجيش مع مجموعة كبيرة من الجنود إلى أديرة مصر، حيث أغار الجنرال شخصيا على الرجال القديسين بغضب أكبر حتى من غضب الجنود القساة. وعندما وصلوا الى هذه المناسك، وجدوا الرهبان منهمكين فى ممارساتهم المعتادة من صلاة وشفاء للمرضى وإخراج للشياطين. غير أنهم بدون النظر إلى هذه البراهين غير العادية للقوة الإلهية، منعوهم من الاستمرار فى عباداتهم الوقورة، وطردوهم من كنائسهم بالقوة. ويُصرِّح روفينوس([83]) أنه لم يكن فقط شاهد على هذه الاعمال الوحشية، بل كان أيضا واحدا من المصابين. وهكذا تجددت بواسطتهم تلك الأمور التى تحدث عنها الرسول “عانوا من السخرية والجلْد وقُيِّدوا بالسلاسل، ورُجِموا، وقُتِلوا بالسيف وهاموا على وجوههم فى البرية متدثرين بجلود غنم، وشعر الماعز مجروحين متضايقين، مظلومين، وهم العالم غير مستحق لهم ، تائهين فى الصحارى والجبال، والمغائر وكهوف الارض”([84]). وحصلوا بكل هذا على صيت جيد عن ايمانهم واعمالهم وعمليات الشفاء التى اجرتها نعمة المسيح على أياديهم.

(4/24/3) ولكن النعمة الإلهية قد سمحت بمعاناتهم لهذه الشرور، لأنها كانت تعد لهم شيئا افضل([85]) وهو أنه من خلال معاناتهم، يحصل آخرون على خلاص الله. وقد برهنت الأحداث اللاحقة على ذلك. فعندما برهن هؤلاء الرجال المدهشين أنهم أسمى من سائر أنواع العنف التى مورست ضدهم، أشار لوكيوس فى يأسه على القائد العسكرى بنفى آباء الرهبان وهم مكاريوس المصرى، وسميه الأسكندري. ومن ثم نُفِى كلاهما إلى جزيرة([86]) لم يكن بها أى مسيحى بين سكانها، وكان فى هذه الجزيرة معبد وثنى. وكان سكانها يعبدون كاهن هذا المعبد كإله. وعند وصول هذين الرجلين القديسين الى الجزيرة امتلأت شياطين ذلك المكان بالخوف والرعب. وتصادف فى نفس الوقت، أن كانت ابنة ذلك الكاهن عليها شيطان. فبدأت تتصرف بغضب شديد ولم يكن أى واحدٍ بقادر على ايقافها. وصاحت بصوت عالٍ الى هذين القديسين قائلة: لماذا جئتما الى هنا لتطرودنا من هنا ايضا؟”([87]). وعندئذ أظهر الرجلان القوة الخاصة التى نالاها من النعمة الإلهية وطردا الشيطان من الصبية، وقدماها سليمة لأبيها. وقادا بذلك الكاهن وكل سكان الجزيرة الى الايمان المسيحى. فكسروا فى الحال تماثيلهم وغيَّروا شكل معبدهم الى كنيسة. واعتمدوا وقبلوا بفرح عقائد المسيحية. وهكذا، هذان الرجلان بعدما تحملا الاضطهاد من أجل الايمان بهومووسيون، قد تأيدا هما انفسهما بالأكثر، وصارا وسيلة لخلاص الآخرين وتأكيد الحق.

الكتاب الرابع: الفصل الخامس والعشرون

(ديديموس الكفيف)

(4/25/1) وفى نفس هذه الفترة جلب الله شخصا آخر وجعله مشهورا، إذ اعتبره مستحقا أن يكون وسيلة للشهادة. إنه ديديموس([88]) الرجل البليغ والأكثر روعة، والعالِم بكل علوم العصر الذى برز فيه. وفى اوائل عمره عندما كان يتحصل بالكاد على مبادىء التعلم، أصيب بمرض فى عينيه حرمه من البصر. ولكن الله عوضه عن حرمانه من الرؤية الجسدانية، بأن أنعم عليه بفطنة  فكرية متزايدة، لأن ما لم يستطع تعلمه بالبصر، كان قادرا على تحصيله بالسمع لدرجة أنه تمتع منذ طفولته بقدرات ممتازة حتى أنه فاق اقرانه الشباب الذين امتلكوا الرؤية الحادة. وصار معلما فى النحو والبلاغة بقدرة مدهشة، ثم اتجه الى دراسة الفلسفة والرياضة، والجدل والموسيقى، وسائر فروع المعرفة الأخرى التى وجه إليها اهتمامه. وهكذا كدَّس فى ذاكرته كل فروع هذه العلوم حتى أنه كان مستعدا للدخول فى اى نقاش فى هذه الموضوعات مع أولئك المحاورين الذين ألمَّوا بها من خلال قراءة الكتب. وليس هذا فحسب، بل كان ملما بشدة بسائر الموضوعات الإلهية فى العهدين القديم والجديد لدرجة أنه ألف مقالات عديدة فى شرحها الى جانب ثلاثة كتب عن الثالوث. ونشر أيضا تعليقات على كتاب اورجينوس([89]) “المبادىء”، مدح فيها هذه الكتابات قائلا أنها ممتازة، وأن أولئك الذين يفترون على مؤلفها ويتحدثون عنه بإستخفاف عن اعماله هم مجرد مماحكين. إذ يقول “إنهم تعوزهم القدرة الكافية لفهم الحكمة العميقة لهذا الرجل غير العادى”. وأولئك الذين يودون تكوين فكرة عن سعة اطلاع ديديموس والحماس الشديد لعقله، عليه أن يطلع بإهتمام كبير على اعماله المتنوعة بالتفصيل.

(4/25/2) وقد قيل أنه بعدما تحدث انطونيوس مع ديديموس لبعض الوقت([90]) قبل عهد فالنس بوقت طويل عندما نزل من الصحراء الى الأسكندرية بسبب الاريوسيين، وأدرك فطنة وعِلم الرجل، قال له لا تدع فقدانك يا ديديموس لعينيك الجسدانيين يُحزنك. لأنك حُرِمت من عينين يمتلكها البعوض والذباب، ولكن افرح أن لك عينَين ترى بهما، مثل الملائكة، الله نفسه وتدرك نوره وتميزه. وكان حديث انطونيوس هذا قبل الفترة التى نتاولها الآن بوقت طويل.

(4/25/3) وفى الحقيقة، كان ديديموس معتبرا بمثابة حصن منيع للإيمان الحقيقى، وللرد على الاريوسين الذين شرح على نحو كافٍ مماحكاتهم السوفسطائية ودحض بقوة حججهم الفارغة وافكارهم الخادعة.

الكتاب الرابع: الفصل السادس والعشرون

(باسيليوس القيصرى، وغريغوريوس النزينزى)

(4/26/1) والآن، لقد أقامت العناية [الإلهية] ديديموس مقاوما للأريوسيين فى الأسكندرية، ولكن من أجل دحضهم فى المدن الأخرى، أقامت باسيليوس فى قيصرية، وغريغوريوس فى نزينزا ولذلك من المعقول جدا أن ندون وصفا موجزا عنهما فى هذا المكان.

(4/26/2) فى الواقع أن الذكرى المنتشرة عن هذين الرجلين على نطاق عام، لهى دليل كافٍ على شهرتهما. ويمكن إدراك مدى معرفتهما على نحو كافى من خلال كتاباتهما. ومع ذلك، لما كانت ممارسة وزناتهما قد قدمت خدمة عظيمة للكنيسة وحازت على درجة عالية من المحافظة على الإيمان الجامع، فإن طبيعة تاريخى تلزمنى أن اتناول هذين الرجلين على وجه الخصوص.

(4/26/3) فإن أراد أى واحد أن يقارن باسيليوس وغريغوريوس بعضهما ببعض ويهتم بحياة وفضائل كل منهما فسوف يجد أنه من العسير أن يقرر لمن منهما يُعطى التفوق، فكلاهما يظهران متساويين فى التفوق، سواء من ناحية السلوك، أو المعرفة العميقة بالأدب اليونانى والكتب المقدسة. فى شبابهما كانا تلميذين لهيمريوس([91]) Himerius وبروهرسيوس([92]) Prohæresius بأثينا وهما أشهرا السفوسطائيين فى ذلك العصر ثم ترددا فى وقت لاحق على مدرسة ليبانيوس([93]) بأنطاكيا بسوريا، حيث تمرسا على فن البلاغة إلى اقصى درجة ممكنة. وبعد أن أُعتُبِرا أهلا لمهنة السفسطة حثهما الكثيرون من اصدقائهما على ولوج مهنة تدريس البلاغة، وأقنعهما آخرون بممارسة مهنة القانون.

(4/26/4) ولكنهما ازدريا بهذه العروض. وهجرا دراساتهما السابقة، واعتنقا الحياة الرهبانية، وبعدما ذاقا بعض الطعم لعِلم الفلسفة ممن تعلماه فى انطاكية حصلا على أعمال اورجينوس، واستقيا منها طريقة التأويل السليم للكتب المقدسة، لأن شهرة اورجينوس كانت عظيمة جدا وعلى نطاق واسع فى سائر انحاء العالم كله آنذاك. وبعد إطلاع دقيق لكتابات ذلك الرجل العظيم، تصديا للأريوسيين بميزة جلية. وعندما اقتبسا المدافعون عن الاريوسية من نفس كتابات المؤلف لتأكيد وجهة نظرهم الخاصة حسبما تخيلوا، دحضهما هذان الإثنان وبرهنا بوضوح على أن خصومهما لم يفهما على الإطلاق منطق اورجينوس فى الواقع.

(4/26/5) فعلى الرغم من أن انوميوس([94]) الذى كان نصيرهم آنذاك وآخرون كثيرون فى جانب الاريوسيين، كانوا معتبرين بدرجة كبيرة رجال بلاغة، إلاَّ أنهم عندما كانوا يحاولون فى أى وقت الدخول فى جدل مع باسيليوس وغريغوريوس، كانوا يظهرون على الفور بالمقارنة معهما، أنهم جهلاء وأميين.

(4/26/6) وقد رُسِم([95]) باسيليوس فى درجة شماس على يد مليتيوس اسقف انطاكية. ومن هذه الرتبة رُقِىَّ إلى درجة اسقف قيصرية كبادوكيا([96]) التى كانت بلده الأصلى. وهناك، إذ خشى من انتقال عدوى تعاليم الاريوسيين الى مقاطعات بونطس، ولكى ما يتصدى لهم، سارع بتأسيس العديد من الأديرة، وعلَّم بإجتهاد الشعب بعقائده، وثبَّتَ إيمان أولئك الذين كانت عقولهم مترددة.

(4/26/7) وعندما رُسِم غريغوريوس اسقفا لنزينزا([97])، وهى مدينة صغيرة بكبادوكيا والتى كان والده اسقفا عليها من قبله، اتبع منهجا مماثلا للمنهج الذى اتخذه باسيليوس، إذ جال بالمدن العديدة مقويا الضعفاء فى الإيمان. وتردد مرارا على القسطنطينية بالذات وثبت بخدمته المؤمنين الارثوذكس هناك. ومن أجل ذلك رشحه العديدون من الارثوذكس هناك فى وقت لاحق لأسقفية القسطنطينية.

(4/26/8) وعندما وصلت هذه المعلومات عن هذين الرجلين الغيورين إلى آذان فالنس، أمر على الفور بإحضار باسيليوس من قيصرية الى انطاكية([98]) حالا، حيث مَثُل للمحاكمة أمام محكمة الحاكِم. وسأله ذلك الموظف لماذا لا تعتنق ايمان الامبراطور؟. فأجاب باسيليوس بكل جرأة بأخطاء القانون الذى يتبناه سيادته، وكرَّم عقيدة “هومووسيون”.

(4/26/9) وعندما هدده الحاكم بالموت، قال باسيليوس “إن ذلك سيطلقنى من قيود الجسد من أجل الحق”. فحثه الحاكم على إعادة النظر فى المسألة بجدية أكثر. فقال له باسيليوس “سأكون غدا كما أنا اليوم. ولكن أتمنى أن لا تكون أنت قد تغيرت”. ولذلك ظل باسيليوس فى ذلك الوقت تحت الحجز طوال اليوم.

(4/26/10) ولكن حدث أن جالاتس ابن الامبراطور قد أُصيب بمرض خطير ليس بعد ذلك بوقت طويل، حتى أن الأطباء يئسوا من شفائه. وعندما أكدت أمه الامبراطورة دومنيكا للإمبراطور أنها قد رُوِّعَت برؤى مخيفة فى احلامها، الأمر الذى يجعلها تعتقد أن مرض الطفل هو بسبب المعاملة السيئة للأسقف. فارسل الامبراطور بعد تفكير قليل، واستدعى باسيليوس لكى يختبر ايمانه. وقال له إن كنت تُحافظ على عقيدة حق، فصلى من أجل أن لا يموت ابنى”. فأجاب باسيليوس “إن كان جلالتكم سيؤمن كما افعل أنا، وستتوحد الكنيسة، فإن الطفل سيعيش؟. ولكن الامبراطور لم يوافق على هذه الشروط، فأجاب باسيليوس “إذن فلتكن إرادة الله بشأن الطفل”. وعندما قال باسيليوس هذا، أمر الامبراطور بإبعاده، ومات الطفل بعد قليل.

(4/26/11) هذه هى خلاصة تاريخ هذين الرجلين الكنسيين الشهيرين، وقد ترك كلٌ منهما أعمالا رائعة. ويقول روفينوس أنه قد ترجم بعضها إلى اللاتينية. وكان لباسيليوس أخوان، بطرس وغريغوريوس([99]). الأول تبنى نمط الحياة الرهبانية مثل باسيليوس، بينما حاكاه الثانى فى تعلم البلاغة وتدريسها، وأكمل بعد وفاته مقالته عن “ستة أيام الخليقة” التى تركها غير كاملة. وألقى أيضا مرثاة فى جنازة مليتيوس اسقف انطاكية. وهناك العديد من الأعمال الأخرى ما زالت موجودة.

الكتاب الرابع: الفصل السابع والعشرون

(عن غريغوريوس صانع العجائب  Thaumaturgus)

(4/27/1) ولكن لما كانت هناك كتب بعنوان غريغوريوس، وكان ذلك عرضة للخلط بين أشخاص عديدين بنفس الإسم فى مناطق مختلفة، لذلك من الأهمية بمكان أن نشير إلى غريغوريوس الذى من بونطس وهو أقدم بكثير عن ذاك الذى ذكرناه سابقا إذ كان تلميذا لاورجينوس([100]).

(4/27/2) لقد أُشتُهِر غريغوريوس هذا فى أثينا وبيريتس وسائر ايبارشيات بونطس، ويمكننى أن اضيف فى سائر انحاء العالم. وعندما انهى تعليمه فى مدارس اثينا ذهب إلى بيريتس لدراسة القانون المدنى، ولما سمع أن اورجينوس يشرح الكتب المقدسة فى قيصرية، أسرع الى هناك. وعندما انفتح فهمه لتلقى بهاء هذه الكتب المقدسة، ودَّع كل دراساته القانونية الرومانية، وإلتصق باورجينوس بلا انفصال. واكتسب منه معرفة الفلسفة الحقيقية. واستدعاه أبوه للعودة بسرعة الى بلده، وهناك بينما كان مازال علمانيا، أجرى معجزات كثيرة  شافيا الأمراض، وطاردا للشياطين حتى برسائله لدرجة أن الوثنيين لم يكونوا أقل دهشة من تصديق أعماله عن أحاديثه.

(4/27/3) ويذكر الشهيد بامفليوس هذا الشخص فى الكتب التى كتبها دفاعا عن اورجينوس، والتى أضاف عليها خطبة غريغوريوس [هذا] الوداعية التى ألقاها فى تقريظه له عندما كان مضطرا لمغادرته.

(4/27/4) وبإختصار هناك أشخاص عديدون بإسم غريغوريوس: أولهم وأقدمهم كان تلميذا لاورجينوس([101]). والثانى كان اسقفا لنزينزا والثالث([102]) كان أخا باسيليوس. وهناك شخص آخر بنفس الإسم كان قد رسمه الاريوسيون اسقفا خلال نفى اثناسيوس([103]). ويكفى ما قيل بهذا الشأن.

الكتاب الرابع: الفصل الثامن والعشرون

(نوفاتس وأنصاره. زمن الفصح)

(4/28/1) وفى حوالى هذه الفترة، غيَّر النوفاتيون المقيمون بفريجية يوم الإحتفال بعيد القيامة. أما كيف حدث ذلك فهذا ما سأدونه بعد أن أشرح أولا نظام التهذب الصارم الذى حافظوا عليه فى كنيستهم، والذى مازال ساريا حتى اليوم الحاضر فى مقاطعات فريجية وبافلاجونيا.

(4/28/2) لقد كان نوفاتوس كاهنا بالكنيسة الرومانية، وانفض عنها بسب أن كورنيليوس الاسقف قد قبل فى الشركة المؤمنين الذين قدَّموا الأضاحى اثناء الاضطهاد الذى أثاره الامبراطور داكيوس([104])Decius  ضد الكنيسة. وإذ انفصل لهذا السبب، رُقِىَّ  فيما بعد إلى الاسقفية من قِبل اساقفة لهم نفس المفهوم، فكتب إلى كل الكنائس([105]) ألَّا يقبلوا فى الخدمات المقدَّسة أولئك الذين قدَّموا أضاحى، ولكن يحثونهم على التوبة تاركين مغفرة إثمهم لله الذى له القدرة على محو جميع الخطايا”.

(4/28/3) فعندما طلب ألا يقبلوا فى السرائر أولئك الذين ارتكبوا بعد المعمودية خطية مميتة([106]) بدا ذلك للبعض أنه قاسى، وبلا رحمة. بينما اعتبر آخرون هذه القاعدة عادلة وتبعث على المحافظة على التهذب، وعلى نشر تكريس أكبر للحياة.

(4/28/4) وفى خضم الجدل بشأن هذه المسألة، وصلت رسائل من الاسقف كورنيليوس يعد فيها بالتسامح عن الذنوب بعد المعمودية. فلما كتب هذان الشخصان ضد بعضهما بعضا وكلاهما يؤكدان إجراءاتهما بشهادات من الكلام الإلهى، كما يحدث ذلك عادة حيث يطبقه([107]) كل واحدٍ حسب وجهة النظر التى يتبناها مسبقا وعاداته وميوله. فأولئك الذين يُسرُّون بالإثم تشجعوا بالسماح الممنوح لهم، وانتهزوا الفرصة لممارسة كل أنواع الإجرام. أما الفريجيون فقد ظهروا أكثر اعتدالا من الأمم الأخرى، وكانوا نادرا ما يُذنبون بالقسَم. أما الاسكيثيون والتراقيون من ناحية أخرى، فكانوا حادين الطبع جدا فى سلوكهم. بينما كان سكان الشرق يميلون إلى الملذات الشهوانية. ولكن البافلاجونيون والفريجيون، فلم يكونوا ميالين لأى من هذه الرذائل، ولا إلى ألعاب السيرك وعروض المسارح بدرجة كبيرة إلى اليوم الحالى.

(4/28/5) ولهذا السبب يبدو لى أن هذه الشعوب، وكذلك التى على غرارها، كانت أكثر استعدادا لقبول هذه الرسائل المكتوبة من نوفاتس. إذ أُعتُبِر الزنا والنجاسة من الخطايا الجسيمة بينهم، ومن المعروف جيدا أنه ليس هناك جنس بشرى على وجه الأرض أكثر صرامة فى ضبط أهوائهم فى هذا الشأن من الفريجيين، وأهل بافلاجونيا. وأظن أنه لنفس السبب اتبع سكان الغرب نوفاتس.

(4/28/6) ومع ذلك حبا فى الصرامة الأشد انفصل نوفاتس، ولكنه لم يُغيّر وقت مراعاة الاحتفال بعيد القيامة([108])، وحافظ على تلك الممارسة التى كانت سارية فى الكنائس الغربية. إذ كانوا يحتفلون بهذا العيد بعد وقت الاعتدال الربيعى([109]) equinox طبقا للعادة التى استلموها من القدماء أولا عندما اعتنقوا المسيحية، وقد استشهد([110]) هو بعد ذلك فى عهد فالريان خلال الاضطهاد الذى ثار ضد المسيحيين.

(4/28/7) ولكن النوفاتيين فى فريجية([111]) الذين دُعِيُوا بإسمه قد غيَّروا فى هذه الفترة يوم الاحتفال بعيد القيامة وذلك تجنبا للإشتراك مع المسيحيين الآخرين حتى فى هذه المناسبة. وقد تم ذلك بواسطة بعض اساقفة هذه الشيعة الذين اجتمعوا فى قرية بازوم  Pazumالتى تقع بالقرب من منبع نهر سانجاريوس Sangarius . وهناك سنوا قانونا بتحديد يوم الاحتفال به فى نفس اليوم الذى يحتفل فيه اليهود بعيد الفطير.

(4/28/8) وقد أعطانا رجل عجوز كان ابن كاهن، وكان قد حضر مع أبيه هذا المجمع هذه المعلومات عن هذا الشأن. وكان أجليَّس وكذلك مكسيموس فى نيقية واساقفة نيقوميديا وكوتيوم Cotyæum غائبين على الرغم من أن شؤون النوفاتيون الكنسية، كانت تحت اشراف هؤلاء الاساقفة. ومن ثم انقسمت كنيسة النوفاتيين الى شطرين نتيجة لهذا المجمع، على نحو ما سنرويه فى موضعه المناسب([112]). ولكن يجب الآن، أن أشير إلى ما حدث فى الأجزاء الغربية.

الكتاب الرابع: الفصل التاسع والعشرون

 (سيامة داموس اسقف لروما)

(4/29/1) بينما كان فالنتنيانوس يحكم بسلام دون أن يتدخل فى أى شيعة، خلف داموسوس ليبريوس فى إدارة اسقفية روما([113])، فحدثت اضطرابات كثيرة بسبب ذلك على النحو التالى: كان هناك شماس معين اسمه اورسينوس Ursinus فى تلك الكنيسة، وكان مرشحا ضمن آخرين فى وقت إختيار اسقف لروما. فلما أُختير داماسوس([114]) لم يستطع اورسينوس هذا إحتمال خيبة أمله، فعقد اجتماعا منفصلا عن الكنيسة، بل وحرَّض بعض الاساقفة الأقل تميزا على سيامته سرا. وتمت هذه السيامة ليس فى كنيسة([115]) ولكن فى موضع منعزل يُدعى قصر سيسن Sicine.

(4/29/2) ومن ثم صار شقاق بين الشعب، ولم تكن عدم موافقتهم بسبب أية هرطقة أو بنود ايمان ولكن ببساطة بسبب مَن يتعين أن يكون الاسقف. وثار صراع بين الفريقين نجم عن تضحية الكثيرين بحياتهم فى هذا النزال، وعوقب الكثيرون من الكهنة والعلمانيين من جراء ذلك من قِبل مكسيميان حاكم المدينة. ومن ثم أُجبِر اورسينوس على التخلى عن إدعاءاته فى ذلك الوقت، وخضع الذين التفوا حوله للأمر.

الكتاب الرابع: الفصل الثلاثون.

(النزاع بشأن خليفة اسقف ميلان وسيامة امبروسيوس)

(4/30/1) وفى نفس هذه الفترة([116]) وقع حدث آخر فى ميلان يستحق التسجيل. فعند موت

أوكسنتيوس الذى كان قد سيم اسقفا لهذه المدينة بيد الاريوسيين، اضطرب الشعب ثانية بخصوص ترشيح خليفة له، إذ رشح البعض شخصا ما وآخرون آخر، وامتلأت المدينة بالنزاع والهيجان.

(4/30/2) وفى هذه الحالة، من النزاع خشى امبروسيوس([117]) حاكم المقاطعة، وكان فى رتبة قنصل، من المصائب التى يُمكن أن تحدث من جراء هذا الهيجان الشعبى، فهرع إلى الكنيسة من أجل إخماد القلاقل. فلما وصل إلى هناك هدأ الشعب وأخمد الغضب الجامح للجمهور بخطاب طويل ومناسب. وحثهم على أن تكون دوافعهم التى يشعرون بها سليمة. وفجأة صاح جميع الحاضين بالإجماع “أن امبروسيوس هو الجدير بالاسقفية” وطالبوا بسيامته، وزعموا أنه بهذه الوسيلة فقط سيسود السلام على الكنيسة ويتحد الجميع فى نفس الإيمان والقضاء.

(4/30/3) وأُعتُبِر هذا الإجماع من الشعب فى نظر الاساقفة الذين كانوا حاضرين، عندئذ أنه تعيين من الله، فوضعوا فى الحال يديهم على امبروسيوس، وبعد أن عمدوه، إذ كان وقتها مجرد موعوظ، أنعموا عليه برتبة الاسقفية. ولكنه على الرغم من أنه قبِل المعمودية بإرادته، فقد رفض بشدة سيامته. لذلك رفع الاساقفة الأمر إلى الامبراطور فالنتنيانوس. فإعتبر هذا الملك الموافقة الجماعية من الشعب علامة من الله، فأرسل إلى الاساقفة أن يتمموا إرادة الله، ويرسموه معلنا أن اختياره كان بصوت الله، أكثر من اصوات البشر. ورُسِم لذلك امبروسيوس، واسترد شعب ميلان، الذين كانوا منقسمين سابقا، وحدتهم مرة ثانية.

الكتاب الرابع: الفصل الواحد والثلاثون

(وفاة فالنتنيانوس)

(4/31/1) وعقب ذلك غزا السارماتيون([118]) المقاطعات الرومانية، فزحف الامبراطور ضدهم بجيش جرار. ولكن عندما وعى البرابرة بطبيعة حملته المنيعة، ارسلوا سفارة إليه طالبين السلام وفقا لشروط معينة.

(4/31/2) فلما مَثُل السفراء فى حضرة الامبراطور وبدوا له أنهم لم يكونوا اشخاصا مبجلين بالقدر الكافى، استفسر منهم عما إذا كان كل السامراتيين مثلهم. فلما أجابوا أن أنبل شخصيات الأمة قد حضروا إليه.

(4/31/3) استشاط فالنتنيانوس غضبا للغاية وصاح بشدة متعجبا: يالبؤس الامبراطورية الرومانية أن يأتى عليها وقت تشن فيه أمة بربرية ذرية مثل هذه الحرب عليها جهارا”. وكان عنف سلوكه وشدة نطقه كبيرا لدرجة أن سائر عروقه قد نزفت من هذا الجهد، ونتيجة لكمية الدم التى نزفها توفى.

(4/31/4) وقد حدث ذلك فى قلعة برجيتون Bergition. بعد القنصلية الثالثة([119]) لجراتيان بالاشتراك مع اكوتيوس فى اليوم السابع عشر من نوفمبر بعد أن عاش فالنتنيانوس اربعة وخمسين عاما، حكم منها ثلاثة عشر سنة.

(4/31/5) وعقب وفاته بستة أيام، أعلن الجيش فى مدينة اكنيكوم  Acincumالإيطالية ابنه فالنتنيانوس امبراطورا. وكان طفلا وقتها.

(4/31/6) فلما علِم بذلك الامبراطوران الآخران، لم يُسَرّا ليس لأن أخا الواحد وإبن أخ الآخر قد أُعلِن امبراطورا، ولكن لأن القوات العسكرية قد أعلنت ذلك بدون استشارتهما اللذين هما أنفسهما كانا يودان إعلان ذلك. ومع ذلك صدَّق كلاهما على الإجراء. وهكذا جلس فالنتنيانوس الاصغر على عرش ابيه.

(4/31/5) أما فالنتنيانوس هذا، فقد وُلِد من يوستينا التى تزوجها فالنتنيانوس الكبير بينما كانت زوجته سيفرا  Severa ما زالت على قيد الحياة فى ظل الظروف الآتية. كان يوستس والد يوستينا، الذى كان حاكما لبيكنوم Picenum فى عهد قنسطانتيوس قد حلِم حُلما رأى فيه أن الأرجوان الملكى يخرج من جنبه. فلما حكى هذا الحُلم لأشخاص كثيرين، وصل خبره الى قنسطانتيوس فخمَّن أن شخصا ما من نسل يوستس سيصير امبراطورا، فأمر بإغتياله. وتيتمت يوستينا من أبيها وكانت مازالت بكرا. وبعد ذلك بفترة ما صارت معروفة للإمبراطورة سيفرا زوجة الامبراطور فالنتنيانوس، وكانت تتردد عليها مرارا إلى أن صارت علاقاتهما وطيدة الى حد الاستحمام معا. وعندما رأت سيفرا يوستينا فى الحمام ذُهِلت من جمالها. فحدثت الامبراطور عنها، قائلة أن يوستينا مخلوق محبوب جدا ولها سيمترية فى القوام لدرجة أنها هى نفسها رغم أنها إمرأة قد فُتِنت بها. واحتفظ الامبراطور بوصف زوجته هذا فى ذاكرته مفكرا فى نفسه كيف يتزوج يوستينا بدون أن يُطلِّق سيفرا لأنها ولدت له جراتيان الذى نصَّبه اوغسطس منذ فترة وجيزة. ولهذا اصدر قانونا سمح بمقتضاه للرجل أن يتزوج قانونيا زوجتان([120]). ونُشِر هذا القانون فى سائر المدن، وبهذا تزوج الامبراطور يوستينا وأنجب منها فالنتنيانوس الصغير وثلاث بنات هن يوستا وجراتا وجالا. أما البنتان الأُوليَان منهن فقد ظلتا عذراوَان، وأما جالا فقد تزوجت فيما بعد الامبراطور ثيودوسيوس الكبير([121]) الذى أنجب منها بنتا دُعِيَت بلاسيديا  Placidiaلأن هذا الامبراطور كان له ابنان هما هونوريوس([122]) واركاديوس من زوجته الأولى فلاسيلا  Flaccilla. وسنتناول بالتفصيل ثيودسيوس وأبنائه فى الموضع المناسب([123]).

الكتاب الرابع: الفصل الثانى والثلاثون

(الامبراطور فالنس وخطبة ثيموستوس الفيلسوف)

(4/32/1) وكان فالنس يقيم فى نفس الوقت فى انطاكية دون أى ازعاج من حروب أجنبية تماما. إذ انحصر البرابرة داخل حدودهم فى كل مكان. ومع ذلك، شن هو نفسه حربا قاسية ضد اولئك الذين يحافظون على عقيدة هومووسيون معرِّضا إياهم لعقوبات وحشية كل يوم، إلى أن لطَّف الفيلسوف ثيمستيوس Themistius بخطبته التوسلية من قسوته.

(4/32/2) فقد قال للإمبراطور فى خطبته، أنه ينبغى ألا يعجب من الإختلاف فى الأحكام فى المسائل الدينية القائم بين المسيحيين، إذ أنها طفيفة بالمقارنة بتلك الاختلافات العديدة الموجودة بين الوثنيين والتى تصل إلى أكثر من ثلاثمائة، وهو شقاق لا يمكن علاجه فى الواقع نتيجة لعدم الاتفاق هذا. ولكن الله يتمجد بالأكثر من هذا التعدد فى المفاهيم، وتُكرَّم عظمة جلاله بالأكثر من حقيقة أنه ليس من السهل معرفته.

(4/32/3) وعندما قال الفيلسوف ذلك وأمور أخرى مماثلة صار الامبراطور أكثر وداعة، ولكنه بالطبع لم يُقلِع تماما عن سخطه، لأنه على الرغم من أنه قد كفَّ عن قتل الكنسيين فقد استمر فى نفيهم، إلى أن خمد غضبه هذا أيضا، نتيجة للحادثة التالية.

الكتاب الرابع: الفصل الثالث والثلاثون.

 (القوط يعتنقون المسيحية)

(4/33/1) كان البرابرة الذين يقطنون فيما وراء الدانوب يُدعوَن القوط([124])، وقد انهمكوا فى حرب أهلية فيما بينهم، فانقسموا إلى فريقين أحدهما برئاسة فرتيجرنس Fritigernes والآخر برئاسة آثاناريك Athanaric.

(4/33/2) وعندما حاز الأخير على دليل التفوق على منافسه، لجأ فرتيجرنس إلى الرومان طالبا مساعدتهم ضد معارضه. فوصل هذا الخبر الى الامبراطور فالنس، فأمر القوات العسكرية المعسكرة فى تيراقيا بمساعدة البربر الذين إلتمسوا المساعدة ضد مواطنيهم الأقوى. وبواسطة هذه المساعدة أحرزوا نصرا كاملا على اثاناريك إلى ما وراء الدانوب، وسحقوا تماما العدو. فصار ذلك مناسبة لإهتداء كثيرين من القوط الى المسيحية. لأن فرتيجرنس لكى ما يُعبّر عن شكره لمعروف الامبراطور معه اعتنق دينه، وحث أولئك الذين تحت سلطانه على عمل نفس الشىء. وهذا هو السبب فى أن كثيرين من القوط مصابين حتى اليوم بعدوى الاريوسية بسبب أنهم فضَّلوا أن يكونوا من انصار هذه الهرطقة اكراما للملك.

(4/33/3) وقد ابتكر اسقفهم اولفيلاس Ulfilas  فى ذلك الوقت الحروف القوطية([125])، وترجم الكتب المقدسة إلى لغتهم، واجتهد فى تعليمهم الوحى الإلهى. ولما كان اولفيلاس لم يقصر اعماله على رعايا فرتيجرنس فقط بل شمل ايضا اولئك الذين يتبعون اثاناريك ايضا. واعتبر اثاناريك هذا نقضا لديانة اسلافه، فأخضع الذين يُقرون بالمسيحية لعقوبات شديدة لدرجة أن الكثيرين من القوط الاريوسيين صاروا شهداء فى هذه الفترة.

(4/33/3) وفى الحقيقة، أخفق اريوس فى محاولته الرد على سابيليوس الليبى وحاد عن الإيمان الحقيقى عندما قال أن “ابن الله” هو “إله جديد”!!([126])، ولكن البربر الذين اعتنقوا المسيحية ببساطة ذهن اعظم قد ازدروا بالحياة الحاضرة من أجل الايمان بالمسيح. واننا سنختم اعتناق القوط للمسيحية بهذه الملاحظة.

الكتاب الرابع: الفصل الرابع والثلاثون

(قبول البرابرة اللاجئين، بالمقاطعات الرومانية)

(4/34/1) وليس بعد ذلك بوقت طويل، أن دخل البرابرة فى تحالف ودى مع بعضهم بعضا، ولكنهم تعرضوا لهجوم من قِبل جيرانهم من البرابرة الآخرين الذين يُدعون الهون، وطُرِدوا من بلدهم. ففروا الى مقاطعة الرومان طالبين أن يكونوا من رعايا الامبراطور وأن يُنفذوا كل ما يأمرهم به.

(4/34/2) فلما أحيط فالنس عِلما بذلك، أمر بمعاملتهم بكل شفقة بدون تدبر منه بالعواقب، مُظهِرا فى هذه الحالة فقط شفقته. ولذلك خصص لهم بعض الأجزاء فى تيراقيا كسكن لهم، معتبرا نفسه محظوظا فى هذا الشأن لأنه حسب أنه فى المستقبل سيكون لديه جيش مسلح ضد جميع المُغيرين، وآمُلَ فى أن يكون البرابرة حرسا منيعا لحدود الامبراطورية حتى أكثر من الرومان انفسهم. ولهذا السبب أهمل فى تجديد جيشه من الرومان، وإزدرى بأولئك المحنكين الذين حاربوا بشجاعة وأخضعوا أعدائه فى الحروب السابقة. وأعطى قيمة خاصة للقوات التى اعتاد السكان فى المقاطعات أن تمده بها، قرية بقرية، آمرا محصلى جزيته بطلب ثمانين قطعة من الذهب لكل جندى على الرغم من أنه لم يخفف قط من العبء العام. وكان هذا التغير سببا فى كوارث كثيرة للإمبراطورية الرومانية لاحقا.

الكتاب الرابع: الفصل الخامس والثلاثون

(عن الحرب مع القوط)

(4/35/1) وبعد أن وُطِّن القوط فى تيراقيا، وتمتعوا بالرعوية الرومانية، لم يقنعوا بنصيبهم الجيد بإتضاع بل أضمروا حقدا متزايدا إزاء من انعموا عليهم، فخربوا كل تيراقيا والبلاد المجاورة.

(4/35/1) فلما بلغت هذه الأخبار إلى فالنس كفَّ عن نفى اتباع عقيدة هومووسيون، وغادر انطاكية وأتى الى القسطنطينية حيث انتهى الاضطهاد لنفس السبب. وفى نفس الوقت فارق الحياة أوزيوس اسقف الاريوسيين فى انطاكية، فى القنصلية الخامسة([127]) لفالنس، والقنصلية الأولى لفالنتنيان الصغير، وعُيِّن دوروثيوس محله.

الكتاب الرابع: الفصل السادس والثلاثون)

 (الساراسييون بقيادة مافيا، واعتناقهم للمسيحية )

(4/36/1) وما أن غادر الامبراطور انطاكية، حتى ثار الساراسيّون([128]) الذين كانوا قبلا متحالفين مع الرومان، ضدهم بقيادة مافيا([129]) ملكتهم والذى كان زوجها قد تُوفىّ آنذاك. وغزوا كل أقاليم الشرق فى ذلك الوقت. ولكن العناية الإلهية كبحت من غضبهم على النحو الذى سأصفه حالا.

(4/36/2) لقد كان هناك شخص اسمه موسى، ساراسينى بالمولد عاش حياة رهبانية فى الصحراء، وصار مشهورا للغاية بتقواه وإيمانه ومعجزاته. ولذلك، كانت مافيا الملكة تواقة الى سيامة هذا الراهب اسقفا على أمتها ووعدت بإنهاء الحرب بهذا الشرط.

(4/36/3) وإذ اعتبر الجنرالات الرومان أن سلاما مؤسسا على مثل هذا الشرط هو ميزة عظيمة جدا، وافقوا على الفور على تلبية طلبها. وبالتالى قبضوا على موسى وأحضروه من الصحراء الى الأسكندرية، لكى ما يُسام هناك أسقفا.

(4/36/4) ولكن عند تقديمه لهذا الغرض الى لوكيوس الذى كان يرأس فى ذلك الوقت كنائس تلك المدينة، رفض أن يُرسَم بواسطته، محتجا بهذا الكلام “إننى اعتبر نفسى فى الحقيقة غير مستحق  لهذه الخدمة المقدسة، ولكن إذا كانت ضروريات الدولة تتطلب منى ذلك، فليكن ذلك ليس بوضع يد لوكيوس علىَّ لأنها مملوءة دما؟. وعندئذ قال لوكيوس أن من واجبه أن يتعلم منه مبادىء الديانة لا أن يتفوه بهذه اللغة التوبيخية. فأجاب موسى، إن مسائل الإيمان ليس موضع السؤال الآن، ولكن ممارساتك المشينة ضد الإخوة لهى دليل كافى على أن عقيدتك ليست مسيحية. لأن المسيحى لا يغضب ولا يضرب ولا يُحارب، فليس من الملائم لخادم الرب أن يحارب.([130]) ولكن أعمالك تصرخ ضدك من قِبل أولئك الذين ارسلتهم الى المنافى، والذين عرضتهم للوحوش المفترسة، والذين أسلمتهم للنيران. تلك الأمور التى رأيناها بعيوننا هى أكثر اقناعا من التقارير التى تتلقاها من آخرين.

(4/36/5) وبعدما عبَّر موسى بهذه الأمور وما شاكلها، أخذه اصدقاؤه الى الجبال لينال السيامة من الاساقفة الذين يعيشون فى المنفى هناك. وما أن تمت سيامة موسى، حتى انتهت الحرب، وراعت مافيا السلام بتدقيق مع الرومان إلى حد أنها زوجت ابنتها للقائد العام الرومانى المنتصر. وهكذا كانت اجراءات العلاقات مع الساراسيين.

الكتاب الرابع: الفصل السابع والثلاثون.

 (طرد لوكيوس وإعادة بطرس)

(4/37/1) وما أن غادر الامبراطور فالنس انطاكية فى حوالى نفس الوقت، حتى تشجع كل الذين كانوا يعانون من الاضطهاد وخاصة الأسكندريون. فعاد بطرس من روما برسائل من داماسوس الاسقف الرومانى التى يؤكد فيها عقيدة هومووسيون، ويصدّق على سيامة بطرس. لذلك استعاد الشعب ثقته وطرد لوكيوس الذى أبحر على الفور إلى القسطنطينية.

(4/37/2) ولكن بطرس عاش فترة وجيزة بعد ذلك، وعند وفاته([131]) عين تيموثاوس أخاه ([132]) خلفا له.

الكتاب الرابع: الفصل الثامن والثلاثون

(سخرية الشعب من فالنس بسبب القوط، ومقتله)

(4/38/1) ووصل الامبراطور فالنس الى القسطنطينية فى الثلاثين من مايو فى السنة السادسة من قنصليته([133])، والثانية من قنصلية فالنتنيانوس الصغير، ووجد الشعب فاترَ الهمة للغاية بسبب البربر الذين كانوا قد خربوا بالفعل تيراقيا وهم الآن يخربون ضواحى القسطنطينية وليست لديهم أية قوة فى متناول اليد ليقاوموهم.

(4/38/2) وعندما اقتربوا من أسوار المدينة، انزعج الشعب للغاية وبدأوا فى الدمدمة ضد الامبراطور متهمين إياه بجلبه للأعداء هناك، ومن ثم أطال أمد المقاومة بدلا من الزحف فى الحال ضد البرابرة. وعلاوة على ذلك، عند استعراض الألعاب الرياضية فى ميدان السباق، صاح الشعب جميعا لائمين الامبراطور على إهماله للشؤون العامة، صائحين بأكثر حماس “اعطنا السلاح ونحن انفسنا سنحارب”.

(4/38/3) وإذ أسُتحِث الامبراطور بهذه الصيحات المتمردة، زحف خارجا من المدينة فى الحادى عشر من يونيو، مهددا بمعاقبة المواطنين عند عودته ليس فقط من أجل توبيخهم غير الوقور ولكن لأنهم ناصروا سابقا الطاغية بروكوبيوس، وأعلن أيضا، أنه سيُدمّر مدينتهم، ويحرث خرائبها.

(4/38/4) وتقدم صوب البرابرة حيث قتل الكثيرين منهم، وردهم إلى ما بعد مدينة ادريانوبل بتيراقيا الواقعة على حدود مكدونية. وهناك، إلتحم مع العدو ثانية، ولكنه فى هذه المرة تبدد، وفقد حياته فى التاسع من اغسطس فى أثناء القنصلية المذكورة توا، وفى السنة الرابعة من الأولمبياد 289([134]).

(4/38/5) ويؤكد البعض أنه احترق الى الموت فى القرية التى إلتجأ إليها، حيث أغار البربر عليها وأحرقوها([135]). بينما يؤكد آخرون أنه خلع ثوبه الإمبراطورى وركض بين المشاة. وعندما ثار المشاة ورفضوا الاشتباك، حوصِروا من البربر وهلكوا جميعا، وسقط الامبراطور بينهم ولم يمكن تمييزه نتيحة لعدم ارتدائه الزى الامبراطورى.

(4/38/6) ومات فى الخمسين من عمره، بعد أن حكم بالإشتراك مع أخيه ثلاث عشرة سنة، وثلاث سنوات بعد موته.

ولهذا يغطى هذا الكتاب أحداث ست عشرة سنة.

[1] – ويُكتب أيضا، والنتنيان، والنتنيانوس، فالنتنيانوس، والندنيانوس.

[2] – ويُكتب أيضا والنس.

[3] – أنظر 13:3 هنا

[4]  – أنظر: ك 3:5 هنا.

[5] – 365م.

[6] – أنظر، ك 40:2.

[7] – أنظر، ك 37:2. وست سنوات سابقة كما يقول المؤرخ هنا، تصل إلى سنة 359م.

[8] – أنظر،  40:2.

[9] – سنة 366م.

[10] – أى فالنس.

[11] – أنظر، ف 38:2 سابقا.

[12] –  أنظر، ف 35:2.

[13] – ويورد سوزمينوس نفس الرواية (8:6). ولكن فيلوستورجيوس(3:5) وثيودوريت( “ت.ك.”، 37:2، 39) يذهبان إلى أن اونوميوس تعين اسقفا لسيزيكوس عقب مجمع سلوقية فى الحال أيام قنسطانتيوس. ونفاه فالنس لأنه شايع المغتصب بروكوبيوس.

[14] – يقول زينوس (فى هـ 580) أن سقراتيس يستعير ألقابًا سياسية من النظام الرومانى آنذاك ويطبقها على الحالات الكنسية، فهو يستخدم لقب. titular أى أسقف بلا كنيسة، كمقابل للقب لاتينى يماثل ما يُقال الآن (وزير بلا وزارة).

[15] – عن الانوميين أنظر 24:5.

[16] – يقول Ammianus Marcellinus   فى  (Rerum Gestarum XXVI. viii. 2seq.) أن الخلقيدونيين وجهوا إهانات شديدة له من فوق أسوار خلقيدونية، ناعتين إياه بسابياريوس Sabaiarius  نسبة إلى sabaia  وهو مشروب دنىء يُصنع من الحنطة أو الشعير فى إيلليركوم التى ينحدر منها فالنس. ويقول زينوس(هـ 582) أنه يبدو أن بانونيا كانت معتادة على حياة الفقر والعوز بصفة عامة.

[17] – أنظر أيضا سوزمينوس 21:8، للمعرب.

[18] – مت10:10.

[19] – سنة 366م.

[20] – سنة 367م.

[21] – أنظر 43:2.

[22] – سنة 368م.

[23] – هذا بديهى لأنها أولا ظواهر طبيعية ومحاولة تفسيرها بأنها علامة على الغضب الإلهى، ستدخل، فى نظرهم، فى دائرة الغيبيات، وثانيا، من المكن أيضا أن يفسروها هم أيضا على أنها علامة على غضب الله على المدينة بسبب وجود الهوموسيين، مثلما فعل ويفعل رجال السلطة دائما فى كل زمان ومكان سواء آكانوا مدنيين مثل نيرون الذى اعتبر سبب الكوارث وجود المسيحيين!!، أو كنسيين على غرار الاريوسين. وثالثا، لأن الشرير بطبعه ينطبق عليه قول الكتاب “حتى لو قام واحد من الأموات فلن يُصدقوا”. وكثيرا ما نصادف فى مجال الخدمة الكنسية أمثلة لهذا النوع. ولذلك التوبة عمل من تعطفات النعمة الإلهية، ولذا يصرخ النبى “توبنى يارب فأتوب” ويصلى البار قائلا “إن قلتُ غدا أتوب، فلتتوبنى أنتَ اليوم” وكأن لسان حاله يقول بدون عملك يارب فىَّ، لن أقتنع بخطاياى ومن ثم كيف أتوب.

[24] – هو القديس باسيليوس الملقب بالكبير، أحد كواكب كبادوكيا العظام فى القرن الرابع الميلادى وصاحب القداس الشهير فى الكنيسة القبطية.

[25] – الملقب بالنزينزى وأيضا باللاهوتى، وصاحب القداس الغريغورى فى الكنيسة القبطية وأحد كواكب كبادوكيا الارثوذكس العظام فى القرن الرابع الميلادى.

[26] – يُعلِّق زينوس هنا(هـ593) قائلا: لو كان سقراتيس يقصد أنهما كانا يقومان بمهامهما خلال السنة التى يروى أحداثها هنا فإنه سيكون مُخطِئا. لأن باسيليوس صار اسقفا لقيصرية كبادوكية فى السنة التالية، أما غريغوريوس فلم يكن قد صار بعد اسقفا لنزينز إذ قد سيم على سيسما . ولم يمارس مع ذلك مهامه الرعوية كما قال فى رسائله. [ أما أنا فأرى أن سقراتيس كان، بصفة عامة، راويا فى حديثه لأحداث حسبما ترِد على باله، وليس مُسجِّلا – كما قلتُ قبلا لوقائع يوم بيوم وساعة بساعة. ومن ثم ما يراه زينوس خطأ من سقراتيس يعود إلى نظرته إلى سقراتيس كـكاتب لـ dates  وليس كـ  historian . وكما رأينا، لا يسلم من هذا الأمر معظم إن لم يكن كل المؤرخين محل إهتمامنا فى هذه السلسلة. المعرب].

[27] – ف26 بهذا الكتاب.

[28] – أنظر هامشنا السابق 193 هنا.

[29] – انظر 35:2 هنا.

[30] – أنظر 5:1.

[31] – شيعة ظهرت فى نهاية ق2م، كانت تخلط اقنوم الإبن بالآب. وكانوا عندما يواجَهون بالسؤال عما إذا كان الآب هو الذى تألم على الصليب، كانوا يُجيبون بالإثبات. ومن هنا جاء تلقيبهم بهذا اللقب. وكان زعيمهم براكسياس, أنظر ترتليان، “ضد براكسيان” حيث المقالة كلها ردٌ على هذه الهرطقة.

[32] – هم اتباع الغنوسى المشهور فى ق2م. أنظر ترتليان أيضا، ضد الماركونيين. وابيفانيوس.

[33] – أنظر 18:2، 29 هنا.

[34] – أنظر 36:1 و 20:2 هنا.

[35] – أنظر، 37:2.

[36] – أنظر 37:2. ومن 4:5 يتضح فعلا تعرض ليبيريوس للخداع.

[37] – أى بمعونة العناية الإلهية.

[38] – تك14:14.

[39] – سبق أن أعلمنا سقراتيس (فى ك8:1) أن سابينوس كان أحد اساقفة الشيعة المقدونية.

[40] – لقد تبنى أونوميوس هذا الرأى وأيضا أراء اتيوس واسبغ عليها إسمه. وكان تعليمه الرئيسى، بإختصار، هو أن “الإبن” “ليس مثل unlike   الآب” على الاطلاق “فى الجوهر”، ومن ثم هو “مخلوق”، من ضمن باقى المخلوقات، ومجرد إنسان. ولاحظ أن صاحب هذا الرأى كان فى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى !! وأثره على الفكر البشرى فى الأزمنة اللاحقة له.

[41] – أنظر 35:2 هنا.

[42] – يجب الوعى بأن هذا الهدوء كان هدوءً نسبيا.

[43] – راجع ف 21 بعده.

[44] – يقول زينوس (هـ 608) أن ابيفانيوس سكولاستيكوس قرأها بما يعنى أنها سبعة عشر سنة.

[45] – أى فى سنة 370م.

[46] – راجع، هيرودوت، 147:7.

[47] – أنظر هامش 295 هنا.

[48] – الكنيسة هنا من ذلك النوع الذى يُطلَق عليه “مارتيريوم”، وهى تلك الكنائس التى تقام فوق المواضع التى بها رفات الشهداء بصفة أساسية.

[49] – يُلاحظ زينوس (هـ 612) أن نفس الكنيسة التى ذُكِرت فى الفقرة عاليه، مارتيريوم باليونانية [إشارة الى بنائها]، ذُكِرت هنا “موضع الصلاة” [إشارة الى استهمالها].

[50] – تماما مثلما سلك من قبل هيرودس مع أطفال بيت لحم عندما علِم من المجوس عن طفل عتيد أن يكون ملكا لليهود.

[51] – انظر، سوزمينوس 19:6، ثيودريت، 20:4. بهذه السلسلة.

[52]– حسب نص سقراتيس هنا تكون وفاة البابا اثناسيوس الرسولى فى سنة 371م. ولكن جيروم فى “حولياته” يضع تكريس البابا بطرس الأول، خليفة للبابا اثناسيوس، فى سنة 373م، ومن ثم تكون وفاة البابا أثناسيوس الرسولى، فى نفس السنة أيضا. ويرى زينوس أن التاريخ الأخير قد صار [فى أيامه هو، أوخر القرن التاسع عشر] محل قبول على نطاق واسع. ويضع أيضا الأب متى المسكين، وفاته فى مايو سنة 373م.

[53] – هو البابا بطرس الثانى، الواحد والعشرون فى عداد باباوات الأسكندرية.

[54] – وردت أيضا فى بعض الكتابات بالشكل “لوسيوس”.

[55] – يعتمد سقراتيس هنا على باليديوس، اعتمادا كبيرا وبغزارة. أنظر، “التاريخ الرهبانى..”، للمعرب، نشر دار باناريون، ديسمبر 2013م.

[56] – واضح أنه يتحدث عن رهبنة نيتريا وكيليا. ويُكتَب هذا الإسم بعربية الشام “عمون”. ويلزم الوعى أن هناك اشخاص عديدين بهذا الإسم. انظر عن حياة هذه الشخصية، “التاريخ الرهبانى..” سابق الذكر.

[57] – 1كو10:7-

[58] – طبعا هذه مبررات شخصية، وشخصية جدا وليست مطلقة. فالقرب أو البعد من الله لا يقوم على التبتل أو الزيجة، ولكن على نقاوة القلب “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”. ولا ننسى أن “كليم الله” كان متزوجا، وكذلك “خليل الله”. بينما كان نسطور واريوس ومقدونيوس وأمثالهم ليسوا متبتلين بالجسد فحسب بل وذوى رتب كنسية ولكن اين صاروا؟!!. كما أن كُتب هذا العمل محل التعريب تكشف بجلاء أن قادة سائر الهرطقات كانوا متبتلين بالجسد وفى غاية التقشف والنسك ولكن غير مختونين القلب والذهن وصنعوا لأنفسهم مسيحا آخر. وهناك مقولة شفاهية قالها ذات يوم البابا شنودة الثالث نفسه فى مجمع رهبان، وكنتُ حاضرا أثناء ذلك، “لا ننسى أن جميع البطاركة والاساقفة والرهبان سيرتمون فى النهاية فى احضان المتزوجين”. فلما اندهشوا، قال لهم ألسنا نصلى أوشية الراقدين ذاتها على البطاركة والاساقفة والرهبان والمتبتلين. ماذا نقول فيها؟. ألسنا نقول نيحهم فى “احضان ابراهيم واسحق ويعقوب”. وهؤلاء جميعا متزوجون؟.

[59] – لاحظ هنا رغم وحدة المصدر لسوزمينوس وسقراتيس، كيف اختلفا فى العرض، ذلك أن العروس لم تعتزل فى جبل نتريا مع آمون كما يسرد سقراتيس هنا فهى بالتالى تصور خاص منه. أنظر “التاريخ الرهبانى..” للمعرب، سابق الذكر.

[60] – غل 26:3. ينسب ثيودريت فى تاريخه(ك 12:4، قيد الطبع للمعرب) ما يقوله سقراتيس هنا إلى بيلاجيوس الذى صار اسقفا للاوكية لاحقا. واقول، أن كل مَن اراد أن يسلك نفس مسلك آمون سيستخدم نفس الأسلوب فى تفسير الآيات على النحو الذى يسند مبتغاه. أنظر الرأى الذى استخدمه أحد أباء البرية، فى حالة مماثلة لهذه الحالة، فى “المحاورات” لكاسيان، (مح 3/4) للمعرب. وتعليق كاسيان على ما قاله، وهوامش المعرب أيضا.

[61] – قارن، راجع ف 25 هنا.

[62] – واضح أن هذا الشخص خلاف ارسينيوس مهذب ابنى الامبراطور ثيودوسيوس الكبير.

[63] – مز1:38 سبعينية (مز 1:39 ط/بيروت) . ونلاحظ هنا أن هذا المزمور لا يرد فى صلوات السواعى، مما يعنى أن الرهبان رغم تقنين مزامير كل ساعة آنذاك كما أخبرنا كاسيان، لم يكونوا مع ذلك قاصرين عليها.

[64] – لم يكن “حفظ” المزمور آنذاك يعنى التلاوة عن ظهر قلب، وإنما كانت تعنى الممارسة الفعلية لما ينطقه اللسان. ومن هنا نجد أحد الآباء يقول لكاسيان “كيف أُعلِّم ما لا أنفذه أنا”. أنظر، “المحاورات” للمعرب، تحت الطبع.

[65] – يقول زينوس (فى هـ 624) تعليقا على قول سقراتيس هنا أنه سيم دياكون بالقسطنطينية بيد غريغوريوس النزينزى أن باليديوس يقول أنه (قد سيم بيد غريغوريوس النيصى) وليس النزينزى. وفى هذا أخطأ زينوس فى شاهده، ولا أعرف على أية نسخة اعتمد، فالنسخة الانجليزية التى ترجمها كلارك وأيضا ماير، ورد بها فى الفصل 38[ أنظر المرجع سابق الذكر، للمعرب، ص 440] أنه سيم أغنسطسا بيد القديس باسيليوس اسقف كنيسة قيصرية، وسامه “غريغوريوس النزينزى” دياكونًا. وأيضا سوزمينوس فى (6/30/4. للمعرب) يقول – “شغل منصب رئيس شمامسة، عندما كان غريغوريوس يدير كنيسة القسطنطينية”، ومعروف أن الذى أدار كنيسة القسطنطينية هو غريغوريوس النزينزى وليس النيصى. إذن لم يقل بالاديوس ذلك، وكان اعتماد كل من سقراتيس وسوزمينوس عليه على صواب.

[66] – عن حياة وكتابات ايفاجريوس البونطى، أنظر”ايفاجريوس..” للمعرب، قيد النشر.

[67] – سبق أن قلت أن هذا التعبير يشير فى كتابات القرن الرابع الى الراهبات.

[68] – نلاحظ هنا أن انطونيوس يردد مضمون المزمور “الفلك يخبر بعمل يديه” مز 18 س(مز 19 ط/بيروت).

[69] – انظر أع 15:9.

[70] – بالفعل عاصر ايفاجريوس مكاريوس المصرى فى أواخر عمره. انظر التاريخ الرهبانى، سابق الذكر.

[71] – أى أن عدم تذكر الإساءات التى صنعها الناس معنا هو أمر ضد الطبيعة البشرية، بينما عدم تذكر اساءاتنا نحن وشرورنا نحن نحو الآخرين هو أمر يتفق مع الطبيعة البشرية والعقل البشرى.

[72] – لاحظ هنا أن هذه العبارة واردة عن الانبا مقاره، ومع ذلك يرى الاب متى المسكين فى كتابه عن الرهبنة، أن ايفاجريوس هو صاحب منهج “الخبز بالوزن، والماء بالمعيار”؟!!. ويُلاحظ القارىء عدم ميل هذا الأب لايفاجريوس وانتقاء كل الأقوال التى تُحِط من حياته. وفى رأيى، على الصعيد البحثى البحت، أنه تناسى أن جيروم وروفينوس على سبيل المثال تبادلا اقسى النعوت لبعضهما البعض عند اختلاف فى رأى ما، رغما عن صداقتهما القديمة. ومن ثم وجود مثل هذه الآراء من رهبان اختلفوا فى وجهة نظر مع ايفاجريوس لا يكون مدعاة لوصفه بالهرطقة وأن مغارته يسكنها شيطان، وأن مَن سكنها قد شنق نفسه!!. أنظر التاريخ الرهبانى سابق الذكر.

[73] – مت 21:19.

[74] – قرية كانت تقع بالقرب من الاسكندرية، ذكرها البابا أثناسيوس فى احتجاجه الثانى ضد الايوسيين، حيث ذكر قسا لها اسمه مكاريوس.

[75] – يقصد النزينزى.

[76] – أى الثبات.

[77] – مت 24:13.

[78] – أى تأثير الاوجاع.

[79] – خر 35:26.

[80] – أى تمى الأمديد الآن.

[81] – أحد الإخوة الطوال من رهبان نتريا.

[82] – أنظر هذا العمل، ترجمة المعرب، نشر دار باناريون، ديسمبر 2013.

[83] – أنظر: روفينوس، التاريخ الكنسى للمعرب.

[84] – عب38:11-40.

[85] – عب40:11.

[86] – أنظر هامشنا على روفينوس، 11/4/5.

[87] – مت 29:8.

[88] – أنظر، سوزمينوس(15:3. للمعرب)، ثيودوريت(26:4، للمعرب). “التريخ الرهبانى..” سابق الذكر، ف4. وحيروم (de Script. Eccl) ، 109.

[89] – ذكره أيضا جيروم، فى كتابه “ضد روفينوس”، 1.

[90] – زار انطونيوس ديديموس فى الأسكندرية اربع مرات.

[91] – هيميريوس، كان مواطنا من بروسياس التى هى حاليا مدينة “بورصة” Bursa بشمال غرب تركيا الحالية. وقد ظهر فى حوالى سنة 360م كفيلسوف (سوفسطائى) فى عهد الامبراطور المرتد يوليانوس. ونشر أحاديث عديدة تركز كلها على الهجوم على المسيحية.

[92] – كان مواطنا من قيصرية كبادوكية. وعلَّم لفترة قصيرة فى أثينا قبل ليبانيوس.

[93] – أنظر أيضا روفينوس(9:2)، للمعرب. ويتشكك فالسيوس فى كونهما قد ترددا على ليبانيوس على أساس أن غريغوريوس يقول فى سيرته الذاتية أنه كان يبلغ من العمر ثلاثين سنة عندما غادر أثينا، حيث طلب أصدقاؤه منه أن يبقى وأن يُدرِّس البلاغة. فإذا كان قد بقى هناك، فمن غير المحتمل أن يكون قد درس على يد ليبانيوس بعد ذلك الوقت(زينوس، هـ 643).

[94] – راجع، ك 7:4 هنا.

[95] – أى باسيليوس.

[96] – تمييزا لها عن مدن أخرى كثيرة بهذا النعت. وهى مدينة قيصرى الحالية، بتركيا.

[97] – وهى مدينة صغيرة كانت تابعة فى القرن الرابع الميلادى لقيصرية. نلاحظ هنا أن سقراتيس يردد ما كتبه روفينوس(9:2)، وهو الشائع بصفة عامة عن قديسنا هذا حتى اليوم كلقب له. صحيح أننا نعلم من أعماله أنه سيم أولا اسقفا على بلدة صغيرة اسمها ساسيمى، بيد صديقه القديس باسيليوس الكبير، ثم طُلِب منه أن يساعد أباه فى اسقفيته على نزينز، لكنه لم يمارس مهام اسقف لها، ولما دُعِى لشغل كرسى القسطنطينية، وثار البعض على ذلك، فضَّل التخلى عن كرسى القسطنطينية واعتكف فى نزينزا رافضا ممارسة مهم اسقف لها إلى أن ساموا اسقفا لهذه المدينة خلفا لأبيه. انظر عن حياته: “القديس غريغوريوس النزينزى، للمعرب، نشر اسقفية الشباب بالأنبا رويس.

[98] – يقول سوزمينوس (فى 16:6) أن فالنس جاء من انطاكية إلى قيصرية وأمر بإحضار باسيليوس امام “البريفكت”. وهذه الرواية تتفق على نحو أفضل مع ما يقوله كلُ من غريغوريوس النزينزى وغريغوريوس النيصى عن هذا الموقف لباسيليوس.

[99] – هذا القديس هو الملقب بأسقف نيصص، أو غريغوريرس النيصى.

[100] – راجع، يوسيبيوس، “ت.ك.”، 30:6.

[101] – وهو المعروف بلقب Thaumaturgus أو Wonder-Worker أى صانع العجائب، ويرد اسمه فى صلاة المجمع بليتورجية مار باسيليوس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

[102] – وهو غريغوريوس النيصى، اسقف نيصص. وهناك فى الكنيسة القبطية رابع (خلاف الرابع المذكور فى الفقرة عاليه) هو غريغوريوس الأرمنى.

[103] – وهو المعروف بإسم جريجورى الاريوسى. انظر2:2 آنفا.

[104]– هذا هو الاضطهاد السابع للمسيحية فى العصر الرومانى البيزنطى، والأول الذى يُجمع المؤرخون على نعته حصريا بلقب “الكبير”. فقد تمثل فى جهد منظم لإقتلاع المسيحية من الامبراطورية الرومانية. فقُتِل فيه كثيرون من المسيحيين البارزين، وعُذِّب كثيرون آخرون منهم أورجينوس. أنظر: اورجينوس، “ضد كلسس”. غريغوريوس النيصى، “حياة ثوماتورجوس”، 3. يوسيبيوس، “ت.ك.”، 40:6-42.

[105] – أنظر، 10:1.

[106] – 1يو 16:5، 17.

[107] – أى الكلام الإلهى، أى اقوال الكتاب المقدس.

[108] – راجع ك 8:1 هنا.

[109] – الاعتدال الربيعى فلكيا، يقع مرتين فى السنة فى حوالى 22 مارس، و22 سبتمبر عندما تتعامد الارض على الشمس، ويتساوى الليل والنهار. ويحتفل اليهود بعيد الفصح لمدة سبعة أيام، خلال شهر نيسان حسب التقويم اليهودى، الذى هو عندهم أول أشهر الربيع. ولكن لأن الشهور اليهودية شهور قمرية، لذلك يُضاعفون شهر نيسان فى بعض السنوات لكى لا يقع الفصح فى موسم الشتاء. ولذلك يقع عيدهم بعد الاعتدال الربيعى الأول (20 أو 21 مارس). أنظر “الاعتدال الربيعى” بمواقع البحث الإلكترونى.

[110] – يقول زينوس(فى هـ 655) أن هذه العبارة محل شك من فالسيوس، الذى يؤكد أن النوفاتيين قد كتبوا كتابا بعنوان “استشهاد نوفاتيان” ملىء بالخرافات والعبارات الزائفة، وقد دحضه اولوجيوس اسقف الاسكندرية فى كتابه السادس من اطروحته “ضد النوفاتيين”. وعلاوة على ذلك، لا يُصوَّر فى هذا الكتاب “استشهاد نوفاتيان” مؤسس هذه الشيعة على أنه يعانى الاستشهاد، بل فقط “كمعترف”. راجع، سقراتيس 8:1. والهوامش هناك. [ ويجب الانتباه بشدة أن (اولوجيوس اسقف الاسكندرية) الذى يستشهِد به هنا، هو البطريرك اليونانى  الخلقيدونى لكرسى الاسكندرية فى الفترة 580- 608م. وكان صديقا لغريغوريوس الكبير بابا روما. وكلاهما مُعتبَران قديسان فى المعسكر الخلقيدونى. المعرِّب]

[111] – كان نوفاتيان مواطنا فريجيا ومن ثم من البديهى أن يكون له أتباع كثيرون فى تلك المقاطعة.

[112] – انظر، ك 21:5.

[113] – يتبع سقراتيس هنا روفينوس (راجع، 10:2). ولكن جيروم فى حولياته، يضع تكريس داماسوس اسقفا لروما فى السنة الثالثة من عهد فالنتنيان، أى فى سنة 367م.( زينوس، هـ 658)

[114] – كان داماسوس، اسباني الجنس، مواطنا من مانتوا، ومعضدا  لجيروم. (زينوس، 660).

[115] – “ليس فى كنيسة”. عبارة لها دلالتها، فى ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، حيث تُعتَبَر السيامة خارج الكنيسة، عملا غير شرعى، وغير رسمى، ولا يُعتَرَف بها. راجع أقول القديس غريغوريوس النزينزى.

[116] – قلتُ أن سقراتيس يروى – بطريقة إنتقائية، ومن زاوية نظر خاصة به – احداث عهد، أو فترة من عهد معين دون أى إعتبار للتقديم أو التأخير، ولكن كشاهد على أو كدليل للمنظور الذى يتبناه. ولكن زينوس يرى(فى هـ 662) أن سقراتيس كان هنا مصيبا فى سرده للأحداث المتزامنة التى حدثت لداماسوس وامبروسيوس. الأول فى روما، والثانى فى ميلان، معتمدا فى ذلك على روفينوس(11:2). ويقول أن أحداث هذه الفترة تقع بالصواب فى السنة التى وصلها سقراتيس فى روايته أى 374م، والتى هى بالصواب بعد أحداث الفصل السابق بسبع سنوات.

[117] – رومانى الجنس، وُلِد سنة 333م. وصار كنسيا فى الظروف المروية بهذا الفصل. راجع: روفينوس(11:2)، للمعرب. سوزمينوس، 24:6 للمعرب، قيد الطبع. ثيودوريت،(6:4) قيد النشر.

[118] – أنظر هامشنا 193 السابق.

[119] – أى فى سنة 375م.

[120] – يُزودنا زينوس هنا بهامش له أهميته (ه ـ666)، فيقول فيه أن بارونيوس [ وهو سيزارى بارونيو، كاردينال ايطالى ومؤرخ معروف بحولياته التاريخية الكنسية التى تتألف من إثنتى عشر مجلدا. ويرجع إلى النصف الثانى من ق16م وأوائل السابع عشر. المعرب] وفالسيوس [ يُعرَف بهذا الشكل فى الدوائر الكلاسيكية، ولكن إسمه الفعلى هو Henri Valois وهو فرنسى(1603- 1676م) تخصص فى دراسة ونقد كتابات المؤرخين الكنسيين والكلاسيك، وله طبعا تعليقات هامة على كتابات يوسيبيوس والمؤرخين موضع انشغال هذه السلسلة. ولذا نرى رجوع زينوس كثيرا إليه. المعرب] يريان أن رواية سقراتيس هذه عن فالنتنيان هى محض خرافة ليس لها أى أساس على الاطلاق حتى وإن نقلها عمن يدعون أنهم شهود عيان. فالقانون المشار إليه هنا، لا وجود له على الإطلاق فى أية مجموعة قوانين وصلتنا. وثانيا من قاموس العاديات المسيحية، لبنجهام كان تعدد الزوجات، وثنائية الزوجات مرفوضا تماما من الكنيسة المسيحية الأولى ويُعامَل بمنتهى القسوة.  كذلك كان القانون الرومانى ضد ذلك بشدة.  وأكثر من ذلك يقول مارسيلينوس(ف 30) أن فالنتنيان كان مكرَّما لعفته فى الوطن وفى الخارج. ويقول زوسيموس(19:4) أن زوجته الثانية هذه كانت قد تزوجت قبلا ماجننتيوس، (ومن ثم لم تكن عذراء، كما يسجل سقراتيس هنا) وأن فالنتنيان قد تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى. كل هذه الاعتبارات عندما نضعها فى اعتبارنا تاريخيا نتأكد أن القصة ليست حقيقية. [ ويجد المعرب نفسه محصورا هو أيضا بتعليق على هذا التعليق الدراسى الهام، مع شكرى لزينوس فى نقله لدراسات هؤلاء الدارسين الذين كتاباتهم ليس من السهل الحصول عليها. أن هذه الاعتبارات ترينا كيف نقرأ  ليس فقط كتب التاريخ، بل أى كتاب. وأنه علينا أن نزن كما قال الآباء “كصيارفة ماهرين ومميزين” بإفراز تام كل رأى وكل حدث بدقة، كما بميزان للذهب، فنقارِن ونضاهى ونطابق، للوصول إلى أقرب ما يكون للمقبول إن لم يكن من الممكن الوصول إلى الحدث الحقيقى ذاته. فلا نتصيد عبارة قالها مؤرخ منفرد، ونبنى عليها ما شئنا من آراء. فلو كان بعضهم استخدم منهج فالسيوس وبارونيوس على الأقل فى هذه النقطة التى أثاروها، لما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه بالنسبة لواقعة هيباتشيا والبابا كيرلس عمود الدين. المعرب].

[121] – أو الأول.

[122] – أو اونوريوس.

[123] – راجع 2:5 و 1:6.

[124] – يقول زينوس أن أفضل من كتب عن تاريخ وأصل القوط بروكوبيوس القيصرى

[125] – يُعرفنا زينوس (هـ 671) بأن هذه الأبجدية كانت خليطا من الحروف اليونانية واللاتينية المقابلة للهجة الصوتية لمواطنيه، ويشير إلى نفس الحالة مع السلوف بعد اعتناقهم للمسيحية. [ وطبعا نفس الأمر حدث قبل ذلك بالنسبة للغة المصرية القديمة فى شكلها الأخير فى العصر المسيحى عندما جمعت بين الحروف المصرية واليونانية ليترجموا بها الأسفار المقدسة.]

[126] – أنظر: تث 7:32.

[127] – أى سنة 376م.

[128] – كان الكتَّاب اليونانيون فى القرون الأولى يُطلقون هذا الإسم على البدو العرب للعربية الشرقية، بينما اطلقه آخرون على عرب سوريا وفلسطين، وآخرون عن بربر شمال افريقيا.

[129] – “مافيا” Mavia وترد أيضا لدى سوزمينوس بالشكل “مانيا” Mania هى الملكة العربية المحاربة ماوية Mawia التى حاربت الرومان في القرن الرابع الميلادي, وكانت تقود قبيلة تنوخ. وشنت حربا مظفرة ضد الرومان في فلسطين وفنيقيا بين عامي373 و378 ميلادية

[130] – 2تيم24:2.

[131] – توفى البابا بطرس الثانى (الـ 21 فى عداد بابوات الأسكندرية ) فى 385م.

[132] – هو البابا ثيموثاوس الأول  الـ 22  فى عداد بابوات الأسكندرية.

[133] – أى فى سنة 378م.

[134] – حسب التاريح المدنى توفى فالنس فى 9 اغسطس سنة 379م.

[135] – أنظر سوزمينوس ك40:6 حيث يتوسع فى هذه المعلومة.

 

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found