اَلأَصْحَاحُ الْخَامِسُ وَالثَّلاَثُونَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الْخَامِسُ وَالثَّلاَثُونَ

يوشيا والاحتفال بالفصح.

بداية حسنة ونهاية مُحزِنة.

يُقَدِّم لنا الكتاب المقدس تحذيرًا لئلا نبدأ حسنًا ولا نكمل، إذ نسحب أيدينا من يد الرب، ونعطيه القفا لا الوجه، فنسقط في الشر أو العناد مع الرب ولو إلى حين. وفيما يلي بعض ملوك يهوذا (مملكة الجنوب) ابتدأوا ولم يُكَمِّلوا:

1. الملك آسا: عمل ما هو صالح ومستقيم في عيني الرب (1 مل 15: 11؛ 2 أي 14: 2). في آخر أيامه اعتمد على ملك أرام طالبًا معونته ضد إسرائيل (2 أي 16: 4)، ولم يطلب مشورة الله.

2. يهوشافاط (1 مل 22: 43) أخطأ، إذ صاهر الملك أخآب الشرير، وخرج مع أخآب للحرب (2 أي 19: 2 - 3).

3. يوآش أو يهوآش (2 أي 24: 2) عمل المستقيم في أيام يهوياداع الكاهن التقي. وإذ مات الكاهن سلك حسب مشورة رؤساء يهوذا الذين خدعوه، فترك عبادة الرب، وعندما وبَّخه زكريّا بن يهوداع أمر برجمه. وقام اثنان غالبًا يعيشان في قصره باغتياله (2 أي 24: 26).

4. أمصيا (2 أي 25: 1)، أطاع الرب، لكنه فيما بعد عبد أصنام الأدوميين، كما تَحَدَّى ملك إسرائيل في تشامخ، اُغتيل في لخيش (2 أي 25: 27).

5. عُزِّيا: بدأ بحياة مستقيمة، وانتهت بتشامخه واغتصابه العمل الكهنوتي، فأُصِيب بالبرص، وأكمل حياته في بيت المرض، وتَسَلَّمَ ابنه العرش (2 أي 26).

6. حزقيا الملك: رجل الإصلاح العجيب، لكن في أواخر حياته استعرض غناه أمام مندوبي ملك بابل عوض تمجيد الرب، فأرسل إليه الرب إشعياء النبي يُوَبِّخه (2 أي 29 - 32).

7. يوشيا الملك رجل الإصلاح الغيور، للأسف تَدَخَّل في معركة ضد نخو ملك مصر الذي تَحَرَّك عندما سمع عن هزيمة أشور أمام البابليين. تَدَخَّل فيما لا يعنيه، وكان نتيجة ذلك أنه جُرِحَ في معركة كركميش ومات (2 أي 35: 23).

الاحتفال بالفصح.

يُقَدِّم لنا هذا الأصحاح صفحة جديدة لإصلاحات يوشيا الملك وهي حفظ فصح الرب. قام الملك يوشيا بالاحتفال بعيد الفصح بطريقةٍ رائعةٍ، حتى قيل إنه لم يُحتفل بمثله منذ أيام صموئيل النبي. هذا الاحتفال يثير فينا تساؤلات كثيرة مها الآتي:

1. من الذي حث الملك على هذا العمل المُفرِح؟ هل قَدَّمَتْ له والدته هذا الفكر ليقتدي بجدِّه حزقيا الملك رجل الإصلاح العجيب؟ فقد سلك على منواله من جهة تطهير الأرض من الأوثان ورجاساتها والاهتمام بعبادة الله الحي والاحتفال بعيد الفصح، أم قام هو بدراسة الشريعة وأدرك أهمية هذا الاحتفال؟ ما هي دوافعه حين بذل كل هذا الجهد للاحتفال بالعيد؟ هل أراد أن يسلك حسب الشريعة التي أَحَبَّها بكل قلبه، ووجد سعادته في الطاعة لها والالتصاق بالرب؟

2. تُرَى هل كانت نفسه مُرَّة من جهة روح البؤس الذي ساد الدولة بسبب انحرافها عن الله مصدر السعادة، في عصري جدِّه مَنَسَّى ووالده آمون، فاشتهى أن يرد الكل إلى الله مَصْدَر الفرح؟

هل أدرك أن ذبيحة الفصح ستجمع الأسباط كلها بروح الحب والوحدة والرجوع إلى الله؟

على أي الأحوال، احتفاله بعيد الفصح أبرز شخصيته كقائد حيّ، اقتدى بحزقيا الملك، وكلاهما سلكا في طريق أبيهما داود كنموذج للقائد الصالح.

سبق أن ورد الحديث عن حفظ الفصح افي سفر الملوك الثاني ولكن بإيجاز (2 مل 23: 21 - 23)، تَمَّ ذلك في أورشليم في نفس العام الذي اُكتشف فيه سفر الشريعة. ورد هنا بأكثر تفصيل.

قام الملكان المُصلِحان حزقيا ويوشيا بالاحتفال بعيد الفصح، وذلك كجزءٍ حيويٍ في إحياء العبادة، إذ كان الفصح يُحسَب أعظم الأعياد اليهودية. قيل في سفر الملوك الثاني "إنه لم يعمل مثل هذا الفصح منذ أيام القضاة" (2 مل 23: 22).

1. الاهتمام بالاحتفال بالفصح 1 - 19.

2. دخوله في معركة مع فرعون 20 - 23.

3. موته وحزن الشعب الشديد عليه 24 - 27.

الأعداد 1-19

1. الاهتمام بالاحتفال بالفصح

وَعَمِلَ يُوشِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ فِصْحًا لِلرَّبِّ،.

وَذَبَحُوا الْفِصْحَ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ. [1].

كل الأعياد التي وردت في العهد القديم، سواء الأسبوعية (السبت) أو الشهرية أو السنوية (لا 23)، لها رسالتها الروحية حيث ترمز لعمل السيد المسيح الخلاصي خلال صلبه وقيامته وصعوده إلى السماء. أما عيد الفصح فله تقديره الخاص، إذ يَذْكُرُ اليهود كيف أطلقهم من عبودية فرعون (رمز إبليس) إلى جبل سيناء لاستلام الشريعة وإقامة خيمة الاجتماع (كرمزٍ للانطلاق إلى كنعان السماوية). في هذا العيد يَتَذَكَّر الشعب أنه شعب مختار من الله ليتمتع بإقامة عهدٍ معه، ويشير إلى تمتعنا بالأمجاد الأبدية.

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن عيد الفصح المسيحي هو عيد يومي في حياة المؤمن المُلتهِب بالروح، هو عيد الانطلاق المُستمِر إلى عربون الحياة السماوية.

تَمَّ الاحتفال بعيد الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول حسب الشريعة تمامًا، وليس من الشهر الثاني مثل فصح حزقيا، لأن الكهنة واللاويين تهيأوا وتقدَّسوا للربِّ. في الاحتفال الذي قام به حزقيا، نلاحظ الغيرة الشديدة للشعب مع شيءٍ من التقوى، الأمر المفقود هنا. إذ كان الشعب يحتفل به مجاراةً للملك [17 - 18]. حمل هنا الشعب صورة التقوى وهم ينكرون قوتها (2 تي 3: 5).

يمكننا القول إن الرؤساء والخدام أعطوا من جانبهم نوعًا من العناية لتتمَّ الخدمة بالوقار اللازم، مما يُعَوِّض النقص في روح الشعب.

  • إنه عيد كل أيام حياتنا. فمع قوله "لنحفظ العيد" لم يقل هذا بخصوص حلول الفصح أو البنطقستي، وإنما يشير إلى كل الزمن كعيد للمسيحيين، وذلك بسبب سمو الخيرات التي نَتَقَبَّلها... إنه عيد يمتدُّ كل زماننا. لذلك يقول بولس: "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4). في أيام العيد لا يرتدي أحد ثيابًا قذرة. هكذا ليتنا نحن أيضًا لا نفعل ذلك. فقد تحقق الزواج، الزواج الروحي، لأنه يقول: "يُشْبِه ملكوت السماوات إنسانا ملكًا صنع عُرْسًا لابنه" (مت 2: 22) [405].
  • كان اليهود دائمًا ينسون إحسان الله لهم. لهذا ربط الله معنى هذه الأمور وإحسانه، ليس فقط بزمنٍ معينٍ بل وبعاداتهم مثل الأكل. لهذا كانوا يأكلونه (الفصح) متمنطقين وأحذيتهم في أرجلهم (خر 11: 15). فإن سُئلوا عن السبب يقولون: كنا مستعدِّين للرحلة، كنا على وشك الخروج من مصر إلى أرض الموعد، كنا مستعدِّين لخروجنا. هذا إذن هو الرمز التاريخي. لكن الحقيقة هي أننا نحن أيضًا نأكل فصحنا المسيح، لأنه قد ذُبِحَ لأجلنا. ماذا إذن؟ يلزمنا أن نأكله متمنطقين وأحذيتنا في أرجلنا. لماذا؟ لنكون نحن أيضًا مستعدّين لخروجنا، لرحيلنا من هنا[406].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

وَأَقَامَ الْكَهَنَةَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ وَشَدَّدَهُمْ لِخِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. [2].

حثَّ الملك الكهنة واللاويين ووجَّههم وشَجَّعهم للقيام بواجبهم. وذلك كما فعل الرسول بولس، إذ كتب: "قولوا لأرخبس انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تُتَمِّمَها" (كو 4: 17).

لم يغتصب الملك عمل رئيس الكهنة أو الكهنة كما فعل شاول الملك حين قَدَّم ذبيحة عندما تأخر صموئيل النبي، لكنه حث الجميع على العمل ووَجَّههم حسب ما ورد في الشريعة [6].

وَقَالَ لِلاَّوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا مُقَدَّسِينَ لِلرَّبِّ:

اجْعَلُوا تَابُوتَ الْقُدْسِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ.

لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا عَلَى الأَكْتَافِ.

الآنَ اخْدِمُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. [3].

مرة أخرى يضع اللاويون تابوت العهد في قدس الأقداس، فقد طلب الملك من اللاويين أن يردوا تابوت العهد إلى بيت الرب. ربما كان آمون قد استبعده من مكانه أو أخفاه بعض الكهنة خشية أن يدركه الملك آمون، وربما أخرجوه أثناء الإصلاح والبناء في أيام الملك يوشيا.

بقوله "ليس لكم أن تحملوا على الأكتاف"، يطلب استقرار التابوت كمُمَثِّل للحضرة الإلهية في بيت الرب بعد إزالة كل الأصنام والرجاسات الوثنية... بعد استقرار تابوت العهد قدس الأقداس، يتفرَّغون لخدمة الله (تقديم الذبائح الخ) وتعليم الشعب.

بقوله للاويين: "اخدموا الرب إلهكم وشعبه" يؤكد دورهم كقادة أن يُدرِكوا مركزهم كخدمٍ يتهللون بخدمة الله وشعبه، وليس بطلب السلطة عليهم وإصدار الأوامر والنواهي (2 كو 4: 5). كما تحمل العبارة نوعًا من التعديل في خدمة اللاويين، إذ قاموا بالآتي:

أ. عندما اتخذوا مكانهم في القدس، ذبحوا الفصح وأَعَدُّوه لإخوتهم.

ب. كانوا في خدمة الكهنة.

ج. خصصوا المُحرَقات، وقاموا بشوي الفصح بالنار، وطبخوا ذبائح السلامة للشعب.

د. أعدوا أنصبتهم وأنصبة بني هرون.

هـ. اهتموا بتنفيذ ما وُجِدَ في كل كتابات الوحي، خاصة التسبيح بواسطة فِرَق المُغنِّين، وترتيب العبادة في بيت الرب.

وَأَعِدُّوا بُيُوتَ آبَائِكُمْ حَسَبَ فِرَقِكُمْ،.

حَسَبَ كِتَابَةِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،.

وَحَسَبَ كِتَابَةِ سُلَيْمَانَ ابْنِهِ. [4].

"حسب فِرَقكم"، أي طلب أن يكون الاحتفال بتدبيرٍ ونظامٍ، كل حسب موهبته، وحسبما ورد في الشريعة الموسوية، وكما سلك داود وسليمان [4]. لم يضع نظامًا جديدًا، ولا غَيَّر في الطقس.

وَقِفُوا فِي الْقُدْسِ حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ آبَاءِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي الشَّعْبِ،.

وَفِرَقِ بُيُوتِ آبَاءِ اللاَّوِيِّين. [5].

طلب أن تكون خدمة الكهنة واللاويين بنظامٍ وتدبيرٍ، فتوجد مجموعة لخدمة القادمين من كل سبط للاحتفال بالعيد، فتَشَعَّر جميع الأسباط أنها موضع اهتمام اللاويين.

وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ وَتَقَدَّسُوا،.

وَأَعِدُّوا إِخْوَتَكُمْ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى. [6].

أدرك الملك أن اللاويين لا يقدرون على خدمة شعب الله ما لم يُقَدِّموا الفصح، أي خلال الصليب واهب العبور من العبودية إلى مجد حرية أولاد الله، وأن يتقدسوا [6].

بلا شك أن كثيرين كانوا يجهلون ما تتطلبه الشريعة بخصوص الاحتفال بعيد الفصح، ودور الشعب في تقديم خروف الفصح، لذا وجب على اللاويين أن يُعِدُّوا الشعب للتصرُّف بحكمةٍ وتدبير حسنٍ حسب ما ورد في الشريعة.

وَأَعْطَى يُوشِيَّا لِبَنِي الشَّعْبِ غَنَمًا حُمْلاَنًا وَجِدَاءً،.

جَمِيعَ ذَلِكَ لِلْفِصْحِ لِكُلِّ الْمَوْجُودِينَ إِلَى عَدَدِ ثَلاَثِينَ أَلْفًا وَثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْبَقَرِ.

هَذِهِ مِنْ مَالِ الْمَلِكِ. [7].

بدأ الملك بالعطاء من ماله بفيضٍ لشعب الله، حتى يشاركوه احتفاله بالعيد المقدس.

تَحَمَّلَ الملك والرؤساء الذين اقتدوا به الكثير من تكلفة الاحتفال، إذ لم يكن الشعب قادرًا على الإنفاق عليه، لأنه لم تكن لدى الشعب الغيرة الكافية للقيام بالاحتفال. لذلك:

قَدَّم الملك 30000 من الغنم والحملان، 3000 من البقر، من ماله الخاص [7].

قَدَّم الرؤساء 2600 من الحملان، 300 من البقر [8].

قَدَّم رؤساء اللاويين 5000 من الحملان، 500 من البقر [9].

وَرُؤَسَاؤُهُ قَدَّمُوا تَبَرُّعًا لِلشَّعْبِ،.

وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ حِلْقِيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحْيِئِيلَ رُؤَسَاءِ بَيْتِ الله.

أَعْطُوا الْكَهَنَةَ لِلْفِصْحِ أَلْفَيْنِ وَسِتَّ مِئَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَمِنَ الْبَقَرِ ثَلاَثَ مِئَةٍ. [8].

كما قَدَّم الملك من ماله هكذا اقتدى به الرؤساء، وقَدَّموا الكثير للشعب والكهنة واللاويين.

انشغال الملك بممارسة الاحتفال بعيد الفصح في صورة مثالية فريدة، كشف عما في قلبه من جهة الفقراء. فقَدَّم من جانبه الكثير للشعب بسخاءٍ وفرحٍ. وطلب من الرؤساء أن يشاركوه بركة العطاء، فسألهم أن يُقَدِّموا تبرعات للشعب. كما طلب من الكهنة واللاويين المُقتدِرين أن يُقَدِّموا بسخاء للكهنة المحتاجين. لقد اختبر الملك بركة العطاء!

  • إن أخذ كل واحدٍ فقط ما يحتاج إليه، وأعطي البقيَّة للمحتاجين، لما وُجِدَ بعد غَنِي أو فقير[407].
  • الذين يُحِبُّون قريبهم مثل أنفسهم، لا يقتنون شيئًا أكثر منه، ومع هذا تشعر أنك تملك الكثير!

كيف يتحقق هذا إلا بكونك تُفَضِّل التمتُّع بتعزيات الكثيرين؟

بقدر ما تقتني ثروة أكثر، يزداد عجزك في الحب.

إن كنتَ بالحق تُحِبُّ قريبك، كان يليق بك أن تتجرَّد منذ وقت طويل من هذه الثروة. لكن الآن مقتنياتك صارت جزءًا منك أكثر من أعضاء جسمك نفسه، وصار الحرمان منها أكثر مرارة من بتر عضو من أطرافك.

هل أعطيت ثيابًا للعرايا؟ هل تعطي خبزك للجياع؟ هل فتحت بابك لكل غريب؟ هل صرت أبًا (أو أمًا) للأيتام؟ هل حسبت آلام العاجزين آلامك؟ أيّة أموال ستتركها هذه التي تحزن عليها بفقدانك لها؟ هل صممت منذ زمن طويل أن تُعطِي المحتاجين، فكيف لا تحتمل الآن توزيع ما تبقَّى معك؟

في المواسم لا يتأسَّف الناس على إنفاق ما بأيديهم لكي يقتنوا ما هو لازم للعيد. بالحري إنه الأرخص أن يقتنوا سلعًا ثمينة، فيسرون بالأكثر بمثل هذه الصفقة. لكنك تحزن عندما تترك الذهب والفضة والممتلكات، أي الحجارة والتراب، لكي تقتني الحياة المُطوَّبة[408].

  • عندما تُوزَّع الثروة بالطريقة التي يوجهنا إليها ربنا بالطبيعة ترجع إليك، وعندما تُجمَع (في المخزن) تتبدَّد طبيعيًا. إن حاولت الاحتفاظ بها لن تنالها، وإن قُمْتَ بتوزيعها لا تفقدها. "فرَّق، أعطى المساكين، برّه قائم إلى الأبد" (مز 112: 9) [409].
  • بقدر ما تكون بالأكثر مُحِبًا للغِنَى، فلتحرص ألا تترك شيئًا من ممتلكاتك يُفقَد. لتجعل كل شيء بالحق هو لك، حوِّل كل شيء إلى العالم الأبدي. لا تترك شيئًا من ثروتك للغرباء...

أَعِدّ نفسك مُقَدَّمًا لدفنك. أعمال التقوى هي أفضل كفنٍ. لتجعل رحيلك مرتديًا ثيابًا فخمة بأعمالك الصالحة؛ حوِّل ثروتك إلى زينة حقًا لا تنفصل عنك. احتفظ بكل شيءٍ معك عندما ترحل. اقتدِ في هذا بالمسيح المُشِير الصالح الذي يُحِبُّك. صار فقيرًا من أجلنا ليجعلنا أغنياء بفقره (2 كو 8: 9)، وقَدَّم نفسه فدية عن الكل (1 تي 2: 6). لنقتدي به، فإنه حكيم، وعارف بكل شيءٍ، وننتظره، إذ هو يُحِبُّنا، أو لنعطه مقابل عطائه، لأنه هو المُنعِم علينا.

على أي الأحوال لنمارس ما أمرنا به، لنصير ورثة الحياة الأبدية في المسيح نفسه الذي يليق به المجد والسلطان إلى أبد الأبد، آمين[410].

القديس باسيليوس الكبير.

وَكُونَنْيَا وَشَمَعْيَا وَنِثْنِئِيلُ أَخَوَاهُ وَحَشَبْيَا وَيَعِيئِيلُ وَيُوزَابَادُ رُؤَسَاءُ اللاَّوِيِّينَ،.

قَدَّمُوا لِلاَّوِيِّينَ لِلْفِصْحِ خَمْسَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ وَمِنَ الْبَقَرِ خَمْسَ مِئَةٍ. [9].

فَتَهَيَّأَتِ الْخِدْمَةُ، وَقَامَ الْكَهَنَةُ فِي مَقَامِهِمْ،.

وَاللاَّوِيُّونَ فِي فِرَقِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ. [10].

عَهدَ الملك الإعداد لهذا الاحتفال إلى اللاويين الموثوق فيهم والذين يقومون بذبح حملان الفصح [3 - 5]. كان اللاويون يقومون كمُساعِدين للكهنة وكمُسَبِّحين وبَوَّابين [10 - 15]. قام الكهنة واللاويون بمراسيم عيد الفصح حسب أمر الملك، وحسب ما يتطلبه الناموس.

صورة رائعة للعمل الجماعي بروح الحُبِّ والفرح والتهليل. مارس الكهنة واللاويون أعمالهم، فذبحوا حملان الفصح في دار الهيكل، وقام الكهنة برش الدم على المذبح. وقام اللاويون بسلخ الجلد، وأخذوا أجزاء مُعَيَّنة وقاموا بشيها، وقَدَّموا اللحم للشعب حسب عشائرهم. أما الذبائح الأخرى التي للشكر، فقاموا بطبخها في القدور والمراجل [13].

وَذَبَحُوا الْفِصْحَ. وَرَشَّ الْكَهَنَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ.

وَأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَكَانُوا يَسْلُخُونَ. [11].

كان الشعب نفسه يقوم بذبح الخروف (الفصح)، ويُقَدِّمون الدم للكهنة لرشِّه أمام المذبح، ويقوم اللاويون بسلخه، ويعدون لتمليحه[411].

كان اللاويون يُعِدُّون الطعام للكهنة، لأن الكهنة كانوا مشغولين بالمذبح طول اليوم.

وَرَفَعُوا الْمُحْرَقَةَ لِيُعْطُوا حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ الآبَاءِ لِبَنِي الشَّعْبِ،.

لِيُقَرِّبُوا لِلرَّبِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ مُوسَى. وَهَكَذَا بِالْبَقَرِ. [12].

لقد دعا البقية الباقية في مملكة إسرائيل للاشتراك في الاحتفال كما سبق ففعل حزقيا الملك. لم يكن الاحتفال مثل أيّ عيدٍ عادي، إنما جاء فريدًا، فجمع شمل إسرائيل في وحدةٍ وحبٍ.

عزلوا من خرفان الحمل الأجزاء التي تُحرَق على المذبح. وأعطوا هذه الأجزاء إلى مُقَدِّمي الذبائح ليرفعوها على المذبح ويُسَلِّموها للكهنة الذين يُقَدِّسونها[412].

وَشَوُوا الْفِصْحَ بِالنَّارِ كَالْمَرْسُومِ.

وَأَمَّا الأَقْدَاسُ فَطَبَخُوهَا فِي الْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالصِّحَافِ،.

وَبَادَرُوا بِهَا إِلَى جَمِيعِ بَنِي الشَّعْبِ. [13].

كان لحم الفصح يُشوَى بالنار، ولحم ذبائح الخطية يُطبَخ.

وَبَعْدُ أَعَدُّوا لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ،.

لأَنَّ الْكَهَنَةَ بَنِي هَارُونَ كَانُوا عَلَى إِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ وَالشَّحْمِ إِلَى اللَّيْلِ.

فَأَعَدَّ اللاَّوِيُّونَ لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ. [14].

وَالْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ كَانُوا فِي مَقَامِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُد، َ.

وَآسَافَ وَهَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ رَائِي الْمَلِكِ.

وَالْبَوَّابُونَ عَلَى بَابٍ فَبَابٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحِيدُوا عَنْ خِدْمَتِهِمْ،.

لأَنَّ إِخْوَتَهُمُ اللاَّوِيِّينَ أَعَدُّوا لَهُمْ. [15].

لما كان التسبيح جزءًا حيًّا في العبادة، خاصة في الاحتفال بالعيد، قام المُغَنُّون بنو آساف بالتسبيح، واشترك فيه أساف وهيمان ويدوثون الرائي، فصار جو الاحتفال تسوده البهجة والفرح.

والتزم البوَّابون بعملهم وخدمتهم مثل بقية اللاويين... يبقون في مواقعهم، بينما يقوم اللاويون بالذبح، ويحضرون لهم نصيبهم من الحملان[413]. ومارس المُغَنُّون عملهم، وأيضًا البَوَّابون. اهتم المُغَنُّون بعزف التسابيح المُفرِحة، واهتم البَوَّابون بحراسة الأبواب لكي لا يدخل شيءٍ دنس أو نجس إلى الهيكل. هكذا يمتزج الفرح الروحي بالحياة المقدسة.

فَتَهَيَّأَ كُلُّ خَدَمَةِ الرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِعَمَلِ الْفِصْحِ،.

وَإِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ يُوشِيَّا. [16].

يُقصَد بالقول في ذلك اليوم ليس فقط يوم الفصح، بل السبعة أيام التالية.

وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودُونَ الْفِصْحَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعِيدَ الْفَطِيرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. [17].

وَلَمْ يُعْمَلْ فِصْحٌ مِثْلُهُ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ.

وَكُلُّ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْمَلُوا كَالْفِصْحِ الَّذِي عَمِلَهُ يُوشِيَّا،.

وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودِينَ وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. [18].

كان الاحتفال عظيمًا، حُسب معادلاً لما حدث في أيام صموئيل، كما يُعتبَر عملاً ليتورجيًا.

بسبب قلب يوشيا الناري، بالرغم مما كان فيه الشعب من فتورٍ، فقد اشترك كل خادمٍ بدوره في العمل بكل قوةٍ وهِمَّةٍ نشاطٍ وبروح الفرح. لم يكن يوشيا في غِنَى داود وسليمان ويهوشافاط وحزقيا، لكن جو الاحتفال المُفرِح لم يكن مثله منذ أيام صموئيل النبي. لقد ساهم الملك بروحه وغيرته، وأيضًا من ماله الخاص.

فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِمُلْكِ يُوشِيَّا عُمِلَ هَذَا الْفِصْحُ. [19].

شعر المحتفلون بالعيد أنهم لا يمارسون عملاً يذكرون به ما حدث في الماضي، إنما يتمتعون بالله المُخَلِّص للشعب في أرض مصر ومُخَلِّصهم على الدوام في كل مكانٍ وفي كل زمانٍ. هذا كان رمزًا لما فعله السيد المسيح وورثته الكنيسة لتحيا به. وكما يقول الرسول بولس: "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا، إذًا لنُعَيِّد لا بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (2 كو 5: 7 - 8).

الأعداد 20-23

2. دخوله في معركة مع فرعون

لقد سقطت نينوى، عاصمة أشور. ولم تكن هزيمة أشور أمام البابليين تُمَثِّل أخبارًا سارة بالنسبة لنخو (610 - 594 ق. م) ملك مصر الجديد، فقد أدرك أنه بعد أن يقضي البابليون على أشور سيتَّجِهون نحو مصر لمقاومتها. لذلك اتَّجه نخو بجيشه نحو الفرات بقصد صد تحرُّكات البابليين وجيش مادي نحوه. كان لابد أن يَعْبُرَ على يهوذا، ولم يكن في قلب نخو أية عداوة من جهة يهوذا. لكن يوشيا أخطأ إذ دخل في معركة مع نخو، كان في غِنَى عنها. ربما قام يوشيا بذلك من أجل الصداقة التي كانت بين جدِّه حزقيا مع بابل (32: 31)، وأن كل الأرض المقدسة (إسرائيل ويهوذا) قد عانت الكثير من الأشوريين. إذ التقى الجيشان في سهل أرمجدون، عند تل مجدو أُصِيب يوشيا بجراحات خطيرة، نُقِلَ إلى أورشليم ومات هناك.

بَعْدَ كُلِّ هَذَا حِينَ هَيَّأَ يُوشِيَّا الْبَيْتَ،.

صَعِدَ نَخُو مَلِكُ مِصْرَ إِلَى كَرْكَمِيشَ لِيُحَارِبَ عِنْدَ الْفُرَاتِ.

فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ. [20].

مَرَّ ثلاثة عشر عامًا من الاحتفال بعيد الفصح إلى يوم موته، لم نسمع شيئًا عن هذه الفترة. يرى البعض أن الشعب في هذه الفترة لم يتخلّ عن خطاياه.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلاً يَقُولُ:

مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ الْيَوْمَ،.

َلَكِنْ عَلَى بَيْتٍ حَرِبي، وَالله أَمَرَ بِإِسْرَاعِي.

فَكُفَّ عَنِ الله الَّذِي مَعِي فَلاَ يُهْلِكَكَ. [21].

لقد أخطأ يوشيا بسبب تسرُّعه في الدخول في معركة مع نخو ملك مصر دون سبب.

لم يستشر يوشيا الرب قبل دخوله في المعركة. أرسل إليه ملك مصر سفراءه ليُحذِّره من الدخول في المعركة. فمع كونه رجلاً بارًا وتقيًا، لكن كان يليق به أن يحترم شريعة التعاون الدولي ولا يبدأ بالدخول في معركة لا لزوم لها. يدعوه الترجوم: "فرعون الكسيح".

مع كل هذه الأعمال المجيدة، أخطأ يوشيا إذ لم يسمع لكلام الله على فم نخو، دخل في معركة بين الأمم لم تكن تخص شعب الله. الدخول في معارك الناس، والمشاركة في سياستهم والانشغال في خططهم، يدفع إلى الفشل التام. يليق بنا أن نرجع إلى الله ضابط التاريخ، اليد العليا في كل ما يجري في العالم.

يرى البعض أن نخو في انطلاقه نحو أشور لم يكن هدفه مساعدة أشور ضد بابل، لأنه وُجِدَت عداوة بين مصر وأشور. إنما تطلع نخو إلى المعركة بين بابل وأشور فرصة لمقاومة بابل التي تهاجم أشور، إذ كان يتطلع إلى بابل أنها ستخلف أشور، وتبقى في عداوة ضد مصر. فأراد أن يقاوم بابل، لا دفاعًا عن أشور، وإنما دفاعًا عن مصر التي ستحاربها بابل بعد نصرتها على أشور. وأن ما يفعله نخو أمر شخصي يمسُّ مصر، لا علاقة له بيهوذا، لأن جيوش مصر وأشور كانت تعبر من وإلى سوريا دون أن تمسَّ أرض أورشليم أثناء عبورها الطريق الساحلي[414].

"الله أمر بإسراعي": كان فرعون وثنيًا، لكن كثير من النقوش القديمة تظهر أن ملوك مصر يعرفون بطريقة ما وجود إله أسمى فريد. وأن ما ينطق به هنا إنما بوحي من هذا الإله[415].

وَلَمْ يُحَوِّلْ يُوشِيَّا وَجْهَهُ عَنْه،.

بَلْ تَنَكَّرَ لِمُقَاتَلَتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ لِكَلاَمِ نَخُو مِنْ فَمِ الله،.

بَلْ جَاءَ لِيُحَارِبَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّو. [22].

إذ أخطأ يوشيا في إثارة الحرب بلا سببٍ تحدث الله معه، لا خلال فم نبي أو كاهن، ولا برؤيا أو حلم، بل على لسان الملك الوثني نخو، "ولم يسمع لكلام نخو من فم الله".

لم يسلك الملك يوشيا على مثال أبيه، إذ لم يسأل الله: "هل أَصعد؟ هل تُسَلِّمهم في يدي؟"... ربما لهذا السبب تحدَّث الله معه خلال الملك الوثني. وكأن ما نطق به الملك الوثني هو نبوة؛ وبالفعل تحققت.

وَأَصَابَ الرُّمَاةُ الْمَلِكَ يُوشِيَّا،.

فَقَالَ الْمَلِكُ لِعَبِيدِهِ: انْقُلُونِي، لأَنِّي جُرِحْتُ جِدًّا. [23].

أخطأ يوشيا فنال تأديبًا، إذ قُتل وهو في سن شبابه، لكن الله لم ينسَ عمله الصالح واستقامة قلبه. لا نعجب من بكاء إرميا ورثائه يوشيا، فقد رأى بروح النبوة ما سيحلُّ بالشعب بعد موته.

الأعداد 24-27

3. موته وحزن الشعب الشديد عليه

فَنَقَلَهُ عَبِيدُهُ مِنَ الْمَرْكَبَةِ،.

وَأَرْكَبُوهُ عَلَى الْمَرْكَبَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَهُ، وَسَارُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ،.

فَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قُبُورِ آبَائِهِ.

وَكَانَ كُلُّ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ يَنُوحُونَ عَلَى يُوشِيَّا. [24].

ربما كانت هذه المركبة مرافقة لمركبة الملك، وهي لا تحمل أية علامات ملوكية، نُقِلَ إليها في سريةٍ، حتى لا تُوجَّه إليه ضربات من العدو. وربما قد تعطلت مركبة الملك وأُصيبت.

وَرَثَى إرميا يُوشِيَّا.

وَكَانَ جَمِيعُ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَنْدُبُونَ يُوشِيَّا فِي مَرَاثِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ،.

وَجَعَلُوهَا فَرِيضَةً عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَهَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَرَاثِي. [25].

كتب إرميا مراثيه في موت يوشيا، إذ أدرك أن الرجاء الأخير للحُكْمِ بحسب فكر الله قد انتهى بهذا الملك التقي. رجع كثير من القادة والشعب إلى الشر، ومع هذا لم يستطع الكل أن يكف عن رثاء هذا الملك الصالح عبر الأجيال، فالحياة المُقدَّسة تحمل في داخلها قوة وشهادة لا يقدر الشر أن ينكرها أو يتجاهلها أو يقاومها. لا نعجب إن كان إرميا النبي رثاه، فقد أدرك أن بموته انتهى آخر فصل من الإصلاحات في يهوذا، وقد رأى ما سيحلُّ بيهوذا من فسادٍ بعد موت هذا الملك الصالح، فقد توقَّع النبي الشر القادم على يهوذا.

كانت عينا إرميا تتجه نحو المسيا (مرا 4: 22؛ 5: 19).

ما نعجب له هو رثاء الشعب بهذه الصورة، لكن ربما خلال إعلانات إرميا النبي أدركوا أن بموت هذا الملك اقترب جدًا يوم التأديب المرّ، فكانوا يبكون حالهم.

أحد أسباب هذا الحزن غير الطبيعي أنه لم يسبق قط بين ملوك يهوذا أن سقط أحدهم في معركة ذهب إليها هكذا بغير حكمةٍ.

لم يُعثَر بعد على رثاء إرميا الملك يوشيا (35: 25). يرى البعض إن ما يشير إليه هنا هو سفر المراثي كله، والبعض يرى أنه الأصحاح الرابع وحده من السفر، لكن غالبية الدارسين يرون أن المراثي التي يتحدث عنها هنا مفقودة.

جاء في الترجوم: [ناح إرميا على يوشيا بمراثٍ عظيمةٍ، وكل الرؤساء والرئيسات ينشدون هذه المراثي الخاصة بيوشيا إلى يومنا هذا، ويوجد قانون في إسرائيل أن ينوحوا كل سنة على يوشيا. هوذا هذه كُتِبَت في كتاب المراثي التي سجَّلها باروخ من فم إرميا[416].].

وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَمَرَاحِمُهُ حَسْبَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ. [26].

وَأُمُورُهُ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. [27].

جاء في الترجوم: [الأمور الأولى التي فعلها في طفولته، والأخيرة التي صنعها في شبابه، وكل الأحكام التي نطق بها منذ السنة الثامنة من تولِّيه المملكة إلى السنة الثامنة عشرة عندما نما وبدأ في إصلاح مَقْدِس الرب، وكل ما أحضره مما لديه إلى يد القضاء لتطهير كل من بيت إسرائيل ويهوذا من كل دنسٍ، فها هي مكتوبة في سفر ملوك بيت إسرائيل وبيت يهوذا[417].].

من وحي 2 أي 35.

لأحتفل بالفصح المسيحي، وأَتزيَّن بالحُبِّ الحقيقي!

  • في طاعة للشريعة احتفل يوشيا بالفصح.

قَدَّم لكَ طاعة وحُبًّا وعطاءً.

سكب روح الفرح على القيادات والشعب.

هَبْ لي أن أحتفل بك كل يومٍ، يا أيها الفصح الحقيقي!

أنت هو فصحُنا،.

لا لنتذكر تحررًا من عبودية فرعون،.

وإنما تهبنا بصليبك أن نُحَطِّمَ إبليس عدو البشرية.

بك ننطلق من الأرض كما إلى السماء عينها.

بك لا أدعو كل أسباط إسرائيل للاحتفال.

إنما أشتهي أن تنعم البشرية كلها بخلاصك!

  • لتحسب كل أيامي عيدًا لا ينقطع.

تتهلل نفسي بخلاصك،.

وتحمدك على أعمال حُبِّك وحنوك ورعايتك.

لستُ أُقَدِّم حملاً للذبح،.

إنما تتهلل نفسي مع الرسول بولس القائل:

مع المسيح صلبتُ،.

فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح فيَّ.

لك المجد يا فصحنا المبذول لأجلنا،.

واهب القيامة والحياة الأبدية والأمجاد السماوية.

  • أعلن يوشيا حُبَّه بتقديم الكثير،.

بل وطلب من الأغنياء أن يتمتعوا معه ببركة العطاء.

ذاق عذوبة الحب،.

فاشتهي أن يُشارِكَه الكل خبرته.

  • بترتيبٍ ونظامٍ، وفي إبداع استمع الكل لخورُس اللاويين.

حسب الكل أنفسهم كمن هم في السماء.

وقَبلتَ مع ذبائحهم ذبائح التسبيح والحمد.

هذه هي مسرّتك، أن تشترك البشرية مع السمائيين،.

ويصير الكل خورُس تسبيحٍ، يتَّسم بالفرح والحب!

  • هَبْ لي أن يتناغم جسدي مع نفسي، وقلبي مع فكري، في التسبيح لك!

وليعزف روحك القدوس على أوتار قلبي.

وليتناغم كل ما في داخلي كقيثارةٍ فريدةٍ!

لتدعو حواسي وعواطفي تعمل مع أفكاري بروح الحُبِّ.

نعم ليحتفل العالم كله بك، يا فصحنا العجيب.

ولتتهلل السماء بك، يا مُخَلِّص البشرية!


[405] In 1 Corinth. , hom. 15: 6.

[406] In Ephes. , hom. 23.

[407] Mike Aquilina: The Way of the Fathers, Indiana 2000, article 771.

[408] To the Rich, 1.

[409] To the Rich, 2.

[410] To the Rich, 9.

[411] Adam Clarke Commentary.

[412] Barnes' Notes.

[413] Barnes' Notes.

[414] Barnes' Notes.

[415] Barnes' Notes.

[416] Adam Clarke Commentary.

[417] Adam Clarke Commentary.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ وَالثَّلاَثُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالثَّلاَثُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 35
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 35