الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ – سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ

هــلاك بـابـل.

مقدمة: بعد أن أبرز الأصحاح السابق كيف انقسم الشر على ذاته، وأشار إلى انهيار مملكته (بابل)، يصور لنا هذا الأصحاح صورة تفصيلية عن سقوط بابل وسبب سقوطها وبكاء الأشرار عليها، كذلك نجد دعوة الله واضحة لأولاده بالخروج منها حتى لا تقع عليهم الضربات النهائية.

(1) إعلان الملاك الأول (ع1 - 3):

1ثُمَّ بَعْدَ هَذَا، رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ نَازِلاً مِنَ السَّمَاءِ، لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ، وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ. 2 وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ، وَصَارَتْ مَسْكَِنًا لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ، 3لأَنَّهُ، مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا، قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ، وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا، وَتُجَّارُ الأَرْضِ اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا. ».

العدد 1

ع1:

ثم بعد هذا: أى الرؤيا السابقة للوحش والزانية (ص17).

استنارت الأرض من بهائه: كناية عن قوة وعظم سلطان ومهابة هذا الملاك.

فى مشهد يعتبر استكمالاً لما رآه يوحنا فى الأصحاح السابق، رأى هنا ملاكًا آخر عظيمًا نازلاً من السماء معلنًا إعلانًا طال انتظاره من أبناء الله المؤمنين، ولقوة هذا الملاك اصطحب نزوله من السماء نورًا عظيمًا أضاء الأرض كلها.

العدد 2

ع2:

محرسًا: سجنًا.

أعلن الملاك بصوت عظيم (صراخ) موضوع الرسالة التى يحملها لكل سكان الأرض وهى سقوط مملكة الشر (بابل)، وكرر لفظ "سقطت" للدلالة على سقوطها نهائيًا دون قيام أو عودة ثانية لسلطانها، ويضيف أنها صارت سجنًا لكل الشياطين والأرواح النجسة وكذلك كل طائر نجس.

طائر نجس: كانت هناك أنواع من الطيور التى حرَّم الله أكلها فى الشريعة على شعب اليهود مثل الجوارح فكانت طيور مكروهة لدى الشعب... أما المعنى هنا فهو وصف آخر للشياطين بجانب وصفه الأول لها بأنها أرواح نجسة.

العدد 3

ع3:

يوضح لنا هذا العدد أسباب سقوط بابل ودينونتها العادلة فهى:

  1. أسكرت كل تابعيها بتقديم مختلف الشهوات (خمر زناها) فكانت هذه الخدمات والشهوات سبب زناهم (أى الإبتعاد عن الله).
  2. وكما أهلكت الأمم والشعوب كذلك أسقطت العديد من الملوك والرئاسات بمختلف الحيل حتى تضمن سطوتها على العالم كله.
  3. إستطاعت بالإغراءات والمكاسب المادية أن تتحكم فى تجار الأرض (القوى الاقتصادية) فيعبدوا المال وسلطانه دون الله.

 معزى جدًا يا رب هو التأمل فى أحكام عدلك، فتعلن لنا كيف تنتهى مملكة الشر وتكون مسكنًا وسجنًا للشيطان وأرواحه النجسة؛ ولكننى يا إلهى أتطلع بشوق إلى المسكن الآخر حيث تكون أنت هناك نورًا ساطعًا ودفئًا وحنانًا وراحة لا تنتهى، وحتى نلقاك هناك ونتمتع برؤياك أصلى لك وأطلب منك أن تكمل لنا طريق خلاصنا وتنقذنا من (بابل) الأرضية بكل شهواتها وملذاتها الشريرة.

(2) إنذار الملاك الثانى (ع 4 - 8):

4ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ، قَائِلاً: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِى، لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِى خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. 5لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ السَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا. 6جَازُوهَا، كَمَا هِىَ أَيْضًا جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَهَا ضِعْفًا نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِى الْكَأْسِ الَّتِى مَزَجَتْ فِيهَا، امْزُجُوا لَهَا ضِعْفًا. 7بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذَلِكَ، أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا. لأَنَّهَا تَقُولُ فِى قَلْبِهَا: أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةً، وَلَسْتُ أَرْمَلَةً، وَلَنْ أَرَى حَزَنًا. 8مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَأْتِى ضَرَبَاتُهَا: مَوْتٌ وَحُزْنٌ وَجُوعٌ، وَتَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ الَّذِى يَدِينُهَا قَوِىٌّ.

العدد 4

ع4:

سمع القديس يوحنا صوتًا ثانيًا مصدره السماء أيضًا، وحمل هذا الصوت تحذيرًا من الله لشعبه، بدعوته للخروج من بابل قبل إنزال عقابه عليها؛ والمعنى الروحى هنا هو أن الله يدعونا ويحثنا أن نبتعد عن الشر نهائيًا، فبابل الروحية ليست مكانًا معينًا بل هى حالة موجودة الآن فى كل مكان ولكن على أبناء الله الأمناء الهرب من كل أشكال الشر.

لئلا تشتركوا فى خطاياها: وهو سبب دعوة الله لنا باعتزال الشر، لأنه من المستحيل أن يحيا الإنسان داخل مملكة الشر دون أن يتأثر به أو بإغراءاته... ويذكرنا هذا أيضًا بدعوة الملاك للوط بالهروب من سدوم وعمورة (بابل الشريرة) قبل إهلاكها وحرقها (تك19).

العدد 5

ع5:

خطاياها لحقت السماء: تعبير تصويرى للدلالة على شدة شرها. كما يصف الوحى أيضًا أن صراخ سدوم وعمورة قد وصل إلى الرب (تك18: 20).

تذكر الله آثامها: لا تعنى بالطبع أن الله كان ناسيًا ولكن تعنى أنه أتى زمن القصاص والدينونة.

العدد 6

ع6:

بعد أن أمر الله شعبه ومحبيه بالخروج من بابل واعتزال الشر، يأتى أمره المباشر بمجازاتها. وهذا الأمر بالطبع موجه لخدام الله الملائكة المنفذين لمشيئته، ونلاحظ فى مجازاة الله أنها:

  1. عادلة: "كما هى جازتكم" أى كما عذبت أبناء الله بعذابات كثيرة.
  2. مضاعفة: "ضاعفوا لها ضعفا" أى سوف تعانى كما لم يخطر على قلب أو فكر أحد، وكما مزجت الشهوات والإغراءات فى كأس زناها، جاء دورها أن تشرب من نفس الكأس ولكنها هنا تشرب مزيجا مضاعفا من غضب الله.

العدد 7

ع7:

ما مَجَّدَت نفسها: صفة الشيطان والشر هو الكبرياء والافتخار.

تنعمت: باللذات والشهوات الأرضية والحسية الآثمة والزائلة.

لست أرملة: لست فى عوز أو احتياج ولن أرى شيخوخة أو نهاية.

فى كبرياء وتشامخ نظرت (بابل) إلى أمجاد شرها، وفى غباء وكبرياء لم تظن للحظة أن هذا كله له نهاية محتومة، فتعالى صوت افتخارها وأعلنت أنها ملكة وشابة متنعمة ولازوال لمجدها أو سعادتها الزائفة..؛ ولهذا جاء حكم الله أن تدفع ثمن عنادها وعدم توبتها، فبقدر زناها وشرها ستأخذ أيضًا نصيبها من العذاب والحزن والعويل وصرير الأسنان.

العدد 8

ع8:

فى إعلان يطمئن أولاد الله بقوة أبيهم السمائى وشدة يمينه المخلِّصة لأبنائه والمبيدة لمقاوميه ومعانديه، يخبرنا كيف يكون يوم انتقام الله.

فى يوم واحد: أى تأتى الضربات فى تعاقب وسرعة، واليوم إشارة ليوم الدينونة الأخيرة؛ وهذه الضربات تبدأ بالموت أى إعلان هلاك كل ساكنيها وملوكها، والحزن والجوع هما عقوبتان تقابلان المجد والتنعم (ع7) اللذان خدعت وأغوت بهما أبناءها، أما النار التى تحرقها فهى عقوبة زناها التى تنتظرها كما أمرت الشريعة بذلك فى عقاب الزناة (لا20: 14، 21: 9).

وقد يكون المعنى المراد بالموت هنا هو نهاية العالم كله وبالتالى يكون مصيرها (بابل) الأبدى هو الحزن الدائم والجوع إلى الراحة التى لا يجدها الأشرار ثم الاحتراق بنار لا تنطفئ.

 أيها الحبيب لا تندهش إذا رأيت تفاخر وازدهار الأشرار ونجاح طرقهم... وثق أن لهم زمانًا يسيرًا ولكن بعد هذا يدفعون ثمن تنعمهم، فارفض إذًا بشدة الشر وكل شهواته، فبقدر ما تهرب من (بابل) كما هرب يوسف من عروض وإغراءات الخطية تكون لنا النجاة فى اسم مخلصنا المسيح وميراث عرشه الأبدى.

(3) حزن ورثاء تابعيها (ع 9 - 20):

9 وَسَيَبْكِى وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، الَّذِينَ زَنَوْا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَمَا يَنْظُرُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا، 10 وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ، لأَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، قَائِلِينَ: « وَيْلٌ، وَيْلٌ، الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ بَابِلُ، الْمَدِينَةُ الْقَوِيَّةُ، لأَنَّهُ، فِى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، جَاءَتْ دَيْنُونَتُكِ! » 11 وَيَبْكِى تُجَّارُ الأَرْضِ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهَا، لأَنَّ بَضَائِعَهُمْ لاَ يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ فِى مَا بَعْدُ، 12بَضَائِعَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَجَرِ الْكَرِيمِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْبَزِّ وَالأُرْجُوانِ وَالْحَرِيرِ وَالْقِرْمِزِ، وَكُلَّ عُودٍ ثِينِىٍّ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنَ الْعَاجِ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنْ أَثْمَنِ الْخَشَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَرْمَرِ، 13 وَقِرْفَةً وَبَخُورًا وَطِيبًا وَلُبَانًا وَخَمْرًا وَزَيْتًا وَسَمِيذًا وَحِنْطَةً، وَبَهَائِمَ وَغَنَمًا وَخَيْلاً، وَمَرْكَبَاتٍ، وَأَجْسَادًا، وَنُفُوسَ النَّاسِ. 14 وَذَهَبَ عَنْكِ جَنَى شَهْوَةِ نَفْسِكِ، وَذَهَبَ عَنْكِ كُلُّ مَا هُوَ مُشْحِمٌ وَبَهِىٌّ، وَلَنْ تَجِدِيهِ فِى مَا بَعْدُ. 15تُجَّارُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الَّذِينَ اسْتَغْنَوْا مِنْهَا سَيَقِفُونَ مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ أَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، يَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ، 16 وَيَقُولُونَ: « وَيْلٌ، وَيْلٌ، الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُتَسَرْبِلَةُ بِبَزٍّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍٍ، وَالْمُتَحَلِّيَةُ بِذَهَبٍ وَحَجَرٍ كَرِيمٍ وَلُؤْلُؤٍ، 17لأَنَّهُ، فِى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، خَرِبَ غِنًى مِثْلُ هَذَا! » وَكُلُّ رُبَّانٍ، وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِى السُّفُنِ، وَالْمَلاَّحُونَ وَجَمِيعُ عُمَّالِ الْبَحْرِ، وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، 18 وَصَرَخُوا، إِذْ نَظَرُوا دُخَانَ حَرِيقِهَا، قَائِلِينَ: «أَيَّةُ مَدِينَةٍ مِثْلُ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ؟ » 19 وَأَلْقَوْا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَصَرَخُوا بَاكِينَ وَنَائِحِينَ، قَائِلِينَ: « وَيْلٌ، وَيْلٌ، الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، الَّتِى فِيهَا اسْتَغْنَى جَمِيعُ الَّذِينَ لَهُمْ سُفُنٌ فِى الْبَحْرِ مِنْ نَفَائِسِهَا، لأَنَّهَا، فِى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، خَرِبَتْ! 20اِفْرَحِى لَهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ، وَالرُّسُلُ الْقِدِّيسُونَ، وَالأَنْبِيَاءُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ. ».

فى الأعداد من (9 - 20) تصوير لمشاهد حزن كل من تعلق قلبه بالشر ورثاءه على انهيار مملكته، وقد تم تقسيم هؤلاء إلى ثلاثة وهم:

  1. ملوك الأرض.
  2. تجار الأرض.
  3. الربان والملاحون.

وهذا التقسيم مقصود بالطبع لأن لكل فئة منهم معنى روحى قصد الـروح القدس إيضاحه لنا.

الأعداد 9-10

ع9 - 10:

ملوك الأرض: تعبير يشير إلى المتكبرين والمتشامخين، والذى أعطاهم الشر سلطانًا ونفوذًا زمنيًا (قادة أو ساسة).

تنعموا معها: أشبعوا رغباتهم الشريرة من خلالها (مملكة الشر).

وقف كل من كان له شأن وقد خابت وانتهت آمالهم برؤية مملكتهم وهى تنهار أمام أعينهم إلى زوال، وقد بدأت دينونتها الأبدية وعذابها القاسى، ولأن عذابها ودينونتها هو إعلان لنهايتهم ودينونتهم أيضًا جاء بكاءهم ونوحهم وصراخهم ليس على المدينة فقط بل على أنفسهم أيضًا، إذ صار مصيرهم أمامهم ولهذا نطقوا بتعبير "ويل ويل" لإعلان حسرتهم مما أتى عليها ورعبهم مما ينتظرهم.

واقفين من بعيد: قد تكون صورة توضح وجود فارق زمنى بين دينونة مملكة الشر (بابل) ثم تابعيها (ملوك الأرض)، وهو تعبير يشير إلى أشد أنواع العذاب، فما أقسى أن يرى الإنسان دينونة وعذاب غيره وهو عالم أنه يرى ما سوف يحدث فيه أيضًا.

العدد 11

ع11:

النوع الثانى هم "تجار الأرض"، فإذا كان النوع الأول استهواه السلطان والنفوذ والحكم فهناك أيضًا من استعبدهم حب المال والذهب واستهواهم العالم بأعماله وصفقاته وكان كل رجائهم فى زيادة أموالهم وتوريثها لأبنائهم، أما ما يبكون عليه الآن فهو اكتشافهم للخدعة التى وقعوا فيها وأن كل ما فعلوه لا قيمة له "بضائعهم لا يشتريها أحد" وبالطبع نوحهم أيضًا على ما ينتظرهم من عذاب ودينونة صارت ماثلة أمامهم كما كان شعور ملوك الأرض.

الأعداد 12-13

ع12 - 13:

البز: كتان ناعم.

أرجوان: قماش أحمر فخم.

قرمز: قماش أحمر أغمق من الأرجوان.

العود التينى: خشب عطرى من شجر التين الموجود بشمال أفريقيا.

المرمر: من أحسن أنواع الرخام.

سميز: دقيق فاخر.

حنطة: قمح.

طيب: عطور طيبة.

هذان العددان يوضحان أنواع تجارة هؤلاء التجار، والتى شملت كل شئ بدءًا من الثروات الثمينة (كالذهب والفضة واللآلئ والحجر الكريم) ثم إلى أبهى الملبوسات (الأرجوان والقرمز والبز) وتلاها بما يحتاجه الناس العاديون فى بيوتهم من (عاج وخشب وحديد) لتأثيث منازلهم، وما يحتاجه الجميع من أجل الأكل (كالزيت والحنطة ولحوم البهائم)، ثم كانت النهاية بأسوأ أنواع التجارة وهى التجارة بالناس أنفسهم وأجسادهم (تجارة الزنا)...

والغرض من عرض كل أنواع هذه البضائع للتجار، هو فضح ما يحدث فى العالم الآن، فالتجار أتباع (بابل) ومملكة الشر استباحوا التجارة فى كل شئ، المشروع والغير مشروع، وكان الغرض هو استغلال الناس لتحقيق مكسبهم وإغرائهم الدائم للشراء فيظل الإنسان طوال عمره أسيرًا لرغباته وطموحاته واحتياجاته المادية، فمن ناحية يزيد ثراء تجار الشر ومن ناحية أخرى ينسى الناس خلاص نفوسهم بتكالبهم على الشراء.

وبصورة روحية أكثر يمكن القول أن التجار هنا هم الشياطين والبضائع هى الإغراءات والشهوات وتنوعها يعنى أن الشيطان يقدم لكل إنسان ما يغريه به سواء كان شر واضح (أجساد الناس) أو خطايا مستترة يقنع الناس بشدة احتياجهم إليها (كالزينة والملبس وشهوات الطعام)، فيربط كل الناس بخيوط آخرها بيده فيتحكم بتجارته هذه فى العالم كله.

 أشكرك يا إلهى أنك تفضح لى خطط تجار الشر، فافهمى يا نفسى وتعففى ولا تطلبى أكثر من احتياجك واقنعى بما لديك لئلا تفقدى سلطانك على ذاتك وتعطيه للشيطان، فلن يذيقك فى النهاية سوى خرنوب الخنازير أى الذل والتعاسة.

العدد 14

ع14:

جنى: ثمر.

شحم: ثمين.

الكلام هنا فى معناه المباشر يعود على (بابل) التى خسرت كل شئ وكذلك تجارها الذين فقدوا تجارتهم مع احتراقها.

أما المعنى الروحى فيمكن تطبيقه على كل نفس سارت وراء شهواتها، فخسرت بذلك ثمر الروح القدس المرجو منها، وبعد عنها المسيح البهى ولن تجده فيما بعد إذ تركته أولا، فتركها نهائيًا وحرمها من ميراثها الأبدى.

الأعداد 15-16

ع15 - 16:

يتقابل هذان العددان فى معنيهما وصورتهما مع ما جاء فى (ع9، 10) عن ملوك الأرض، إذ اشترك أيضًا التجار فى النوح والبكاء والرثاء والخوف العظيم، ليس فقط على بهاء مملكة الشر المنقضى بل على العذاب الذى ينتظرهم أيضًا.

المتسربلة ببز.. اللابسة الكتان الفاخر: أى التى كان لها بهاء يومًا ما.

ربان: قادة السفن.

ملاحون: حافظى خرائط البحر ومرشدى السفن.

الأعداد 17-18

ع17 - 18:

الكلام هنا عن الفئة الثالثة (الربان والملاحون فى البحر) بعد ملوك الأرض وتجَّارها، وهذه الفئة الثالثة ترمز إلى وسطاء الشر أى الذين ينقلونه من مكان إلى آخر ويرِّوجون له أو يستوردون الخطايا الغريبة ويعيدوا تصديرها، وقد لعنهم السيد المسيح نفسه عندما قال "ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة" (مت18: 7).

وقد صرخوا هم أيضًا إذ رأوا انهيار وحريق مدينة مرساهم وهم لا يعتقدون أبدًا نهايتها إذ ظنوا أنها عظيمة وفوق كل دمار.

العدد 19

ع19:

تراب على رؤوسهم: عادة قديمة للشعوب الشرقية للدلالة على الحزن الشديد.

ردَّد تقريبًا الربان والبحارة ما سبق وردَّده الملوك والتجار، إذ انهارت آمالهم وخربت بنهاية ودمار بابل، فبعد أن كانت سبب فناهم صارت الآن خربة أمام أعينهم. وصراخهم كما سبق وأوضحنا هو خوفهم من مصيرهم الآتى.

العدد 20

ع20:

إفرحى: هو نداء من نفس الملاك الذى أعلن دينونة بابل فهو يعلن أيضًا فرح مملكة السماء.

يعلن الملاك للخليقة السمائية وكل الشهداء بشرى وهى نهاية بابل وبداية دينونتها وإعلان العدل الإلهى، وتعبير أن "الرب قد دانها دينونتكم" هو إجابة على السؤال الذى سأله الشهداء القديسون "حتى متى أيها القدوس والحق لا تقضى وتنتقم لدمائنا" (رؤ6: 10)، وهكذا فكما أن مراحم الله تقرِّح السماء والقديسين بقبول التائبين، هكذا أيضًا عدله فى مجازاة الأشرار يفرِّح كل السماء لأنه نصرة للحق وليس شماتة فى الأشرار.

(4) تأكيد سقوط الشر (بابل) (ع21 - 24):

21 وَرَفَعَ مَلاَكٌ وَاحِدٌ قَوِىٌّ حَجَرًا كَرَحًى عَظِيمَةً، وَرَمَاهُ فِى الْبَحْرِ، قَائِلاً: «هَكَذَا بِدَفْعٍ سَتُرْمَى بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وَلَنْ تُوجَدَ فِى مَا بَعْدُ. 22 وَصَوْتُ الضَّارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ وَالْمُغَنِّينَ وَالْمُزَمِّرِينَ وَالنَّافِخِينَ بِالْبُوقِ لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِى مَا بَعْدُ. وَكُلُّ صَانِعٍ صِنَاعَةً لَنْ يُوجَدَ فِيكِ فِى مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ رَحًى لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِى مَا بَعْدُ. 23 وَنُورُ سِرَاجٍ لَنْ يُضِىءَ فِيكِ فِى مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ عَرِيسٍ وَعَرُوسٍ لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِى مَا بَعْدُ. لأَنَّ تُجَّارَكِ كَانُوا عُظَمَاءَ الأَرْضِ. إِذْ بِسِحْرِكِ ضَلَّتْ جَمِيعُ الأُمَمِ. 24 وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ عَلَى الأَرْضِ. ».

العدد 21

ع21:

حجرًا كرحى: حجر الرحى هو حجر ثقيل يستخدم فى طحن القمح.

شاهد بعد هذا القديس يوحنا ملاكا وصفه أنه "قوى" فى إشارة إلى عظم العمل المزمع القيام به، فقد حمل حجرًا كبيرًا مستديرًا وقذف به إلى البحر ليغرق سريعًا من عظم ثقله، ثم أعلن بعد ذلك أن ما فعله بالحجر هو تمثيل لما سوف يصنع ببابل العظيمة فى قوتها وثقلها، أى نهايتها وزوالها من على وجه الأرض نهائيًا.

الأعداد 22-23

ع22 - 23:

فى هذين العددين يؤكد معالم موت ونهاية مدينة الشر نهائيًا، فيوضح نهاية كل شئ فيها يحمل معالم الحياة أو الفرح أو الحركة.. فلن يعود فيها من يشدو بصوته أو يضرب ويعزف على آلات الموسيقى المفرحة كالقيثارة (الآلة الوترية) أو المزمار (آلة النفخ). وما حدث مع صانعى اللهو يحدث أيضًا مع كل صناعة حتى الضرورية مثل إعداد الدقيق الذى سوف يستخدم كخبز لها، أى ستفقد حتى الطعام الضرورى فتموت.

وكما أنه ستنتهى أعمالها ولهوها سينطفئ كل نور فيها، والنور فى العادة يرتبط بالمجد، فزوالها يعنى زوال ونهاية مجد مملكة الشر الذى افتخرت به زمانًا.. وكذلك لن تكون فيك أفراح البتة "صوت عريس وعروس".

وفى النهاية يعيد علينا الملاك ما سبق إعلانه مرات كثيرة فى أن سبب هلاكها هو انتقام الله العادل من تجارها (ع11) الذين أمدوها بكل أنواع الشر وتسهيلهم لإغواء الأرض كلها، كذلك سحرها الذى جذب وأضلَّ معظم الشعوب.

العدد 24

ع24:

يضيف هذا العدد سببًا آخر لإجراء قصاص الله العادل وفناء بابل وهو سفكها لدم أبنائه الأنبياء والقديسين وكل من قتلته من سكان الأرض سواء باضطهاده أو بإغوائه.

 حقًا إن نهاية الشر مؤلمة ومخزية ولا نجاة منها.. فها هى النهاية لكل من أهمل واستهتر بإنذارات الله المتلاحقة.. فعلينا إذًا أن نتوب كل يوم ولو بكلمات قليلة لئلا تأخذنا غفلة الحياة وتسقطنا (بابل) بسحرها وإغراءاتها، فنغرق معها فى بحر دينونة الهلاك ونفقد حياتنا الأبدية.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

تفاسير سفر الرؤيا - الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ
تفاسير سفر الرؤيا - الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ