الأصحاح الثانى والعشرون – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثاني والعشرون

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1 وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ. 2فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ.".

سمعنا فى سفر التكوين عن نهر يسقى الجنة، وأن الجنة بها شجرة حياة (تك2: 9، 10) وها نحن فى ختام أسفار الكتاب المقدس نسمع عن النهر وعن شجرة الحياة فى أورشليم السماوية، فالله يقودنا لما أراده لنا منذ البدء.

والنَهْرً = هو إشارة للروح القدس (يو37: 7 - 39) + (مز5، 4: 46) + (إش12: 66 - 14). فالروح القدس كنهر يفيض حياة وعزاء وسلام.

والشَجَرَةُ = هى المسيح رأس الكنيسة ونحن جسده (مز1: 1 - 6) وكون أن الشجرة موجودة على النهر فالمعنى أن الحياة التى أعطاها لنا المسيح بتجسده وبجسده ودمه، حياته الأبدية التى قام بها من الأموات. صارت لنا بالروح القدس، الذى أرسله لنا المسيح، فالروح القدس هو الذى يثبتنا فى المسيح (يو26: 5 + يو7: 16 + 2كو1: 21، 22).

مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ = راجع (يو14، 10: 4) فماء الحياة هو روح الله أو حياة الله.

حياة الله خارجة ومتدفقة منه لتملأ الناس حياة وبر وعزاء وفرح وسلام ومحبة حقيقية.

صَافِيًا = أما أنهار العالم أى مصادر الملذات العالمية والأمجاد العالمية. فهى معرضة دائما أن تتعكر، بل هى مشبهة بماء البحر المالح. والله سيقتادنا إلى هذا النهر (ينابيع الماء الحية رؤ17: 7) لنرتوى منه فنمتلىء فرحا حقيقيا لا يشوبه أى نوع من الحزن ونمتلىء سلاما حقيقيا بلا أى هم أو قلق. ونمتلىء محبة حقيقية لكل الخليقة ولله أولا. وهذه المحبة هى السبب فى الفرح والسلام. والمحبة التى سيعطيها لنا الروح القدس لم نختبر مثلها على الأرض، فسنحب كل من فى السماء وسنفرح لهم، حتى لو كان لهم مجد ودرجات أعلى منا بكثير. فى السماء يمكننا أن نطبق الآية "فرحا مع الفرحين" (رو15: 12) بصورة كاملة ومطلقة. هى محبة بلا حسد ولا غيرة ولا شهوة فلقد تخلصنا من الأجساد الترابية. هى محبة صافية = وهذا معنى النهر الصافى. فالمحبة ستكون صافية بلا حقد ولا حسد، والفرح سيكون صافيا بلا حزن.. وهكذا. والحياة التى ستتدفق فينا هى حياة أبدية بلا موت.

لاَمِعًا كَبَلُّورٍ = البلور يعكس الأنوار. والمعنى: [1] أن الروح القدس سيعكس الأمجاد الإلهية فنستمتع بها، وهذه تملأ النفس فرحا وسلاما. ألم يقل السيد المسيح عن الروح القدس أنه يأخذ مما له ويخبرنا (يو14: 16). [2] وأيضا فالروح القدس الآن يثبتنا فى المسيح، فنثبت فى حياته (2كو1: 21، 22) ولذلك يطلق على سر الميرون سر التثبيت. ونحن نرى الآن أنه فى السماء سيثبتنا فى المسيح نهائيا فنعكس مجده فيصير لنا أجساد نورانية وممجدة (فى3: 21 + 1يو3: 2). ومن هنا نفهم معنى البحر الزجاج شبه البلور الموجود أمام العرش (رؤ4: 6) - وهو تعبير عن أولاد الله المولودين من المعمودية. وهم يعكسون مجد المسيح. وهنا نرى أن الروح القدس هو الذى أعطاهم هذا إذ ثبتهم فى المسيح الذى تمجد بالجسد ليعطينا مجده (يو17: 5، 22).

* وكل هذا يفعله الروح القدس الآن، ولكن ما نحصل عليه الآن هو مجرد عربون ما سيعطيه لنا فى الأبدية (1كو10، 9: 2 + 1كو12: 13) فالبلور اللامع هو التعبير البشرى عن الأمجاد الإلهية والتى ستنعكس علينا. والمحبة تأتى أولا، وأول نتائجها الفرح وهذه سمة الحياة فى السماء. وكما قلنا فما نحصل عليه هنا هو مجرد العربون. نحن نحصل هنا على عربون الروح (2كو1: 22). والروح الذى فينا الآن يعطينا عربون المحبة والفرح... إلى آخر ثمار الروح. أما فى السماء فالخروف يقتادنا إلى ينابيع ماء حى للإمتلاء بالروح وبالتالى بالمحبة الكاملة والفرح الكامل... وكل الثمار (رؤ7: 17).

ومما يؤكد أن سفر الرؤيا مكتوب بطريقة رمزية أننا نجد شجرة الحياة فى وسط سوق المدينة وفى نفس الوقت هى عَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ.

خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ = هنا نجد أقنومان الله والخروف. ولكن ما يؤكد الوحدة بينهما، وأنهما واحد، هو أن لهما عرش واحد.

وعرش الله هو تعبير عن مجد لاهوته والذى صار لناسوت المسيح (يو17: 5). معنى هذه الصورة أن الوحى يرسم لنا صورة الإبن الذى تجسد ومات وقام وصعد بجسده ليتمجد بناسوته = جلس عن يمين الآب، فتم الصلح بين الله والإنسان. وأرسل الله الروح القدس للبشر ليهيئ الكنيسة كعروس لإبنه = الآب يريد والإبن بشفاعته الكفارية أرسل الآب الروح القدس ليسكن فى الكنيسة وفينا. وَالْخَرُوفِ = لأن المسيح أرسل الروح القدس ليملأ الكنيسة. والروح القدس منبثق من الآب ليملأ المخلصين بإستحقاقات دم الخروف. فلولا دم المسيح ما إستحق أحد أن يملأه الروح القدس. والروح القدس يقال عنه هنا خارجا من عرش الله، وهذا لأنه فى الآب ومنبثق من الآب (يو26: 15).

وقوله الخروف كناية عن المسيح وهذا يعنى أن الصورة التى سنرى بها المسيح فى السماء هى الصورة التى ظهر بها لنا على الأرض. وتكرار تسمية المسيح بالخروف فى سفر الرؤيا تأكيدا على أن ما أوصلنا للسماء والمجد هو ذبيحة المسيح الكفارية.

وفِي وَسَطِ سُوقِهَا = السوق إشارة للمعاملات بين المخلصين مع بعضهم البعض فى السماء. هنا يرسم الوحى صورة عجيبة للسماء. فهناك شجرة حياة هى المسيح، والمسيح موجود فى السوق وعلى جانبى النهر، فإذا فهمنا أن السوق يشير للمخلصين، فالمسيح متحد بهم وهم جسده. وكون النهر فى وسط الشجرة، فهذا إشارة لأن الروح القدس المنبثق من الآب وهو روح المحبة الذى يفيض على المحبوب (أف6: 1) صار بإتحادنا مع المحبوب يفيض علينا نحن أيضا، فنحن جسد المسيح، والمسيح هو الذى يرسل الروح (يو7: 16). معاملاتنا إذن مع بعضنا البعض ستتسم بالمحبة بسبب إتحادنا بالمسيح ولإنسكاب الروح القدس، روح المحبة فينا.

وفِي وَسَطِ سُوقِهَا = هذا يذكرنا بما رآه القديس يوحنا فى (رؤ2: 1) فالمسيح مع أنه رأس الجسد إلا أنه يظهر هنا وكأنه يجول وسط كنيسته يهتم بكل واحد فيها.

ما معنى أن المسيح يرسل الروح القدس؟ هذه تشير لشفاعة المسيح الكفارية. فنحن صرنا مقبولين أمام الآب بدم المسيح. لذلك يرسل لنا الآب الروح القدس بإستحقاقات الدم. وبهذا نفهم لماذا يقول المسيح مرة "متى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب..." (يو15: 26). ومرة أخرى نجد المسيح يقول "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر" (يو14: 16)؟ هذا معناه أن شفاعة المسيح أى دمه سبَّب الصلح بين الآب وبيننا فأرسل لنا الروح القدس.

فقول المسيح سأرسله = بعد أن أُتَمِّم الفداء بدمى يحدث الصلح.

ولأن الروح القدس أُرْسِلَ إلينا بعمل الإبن الفدائى، نجد النهر هنا يمر من وسط الشجرة التى تشير للمسيح، فالشجرة موجودة على ضفتى النهر = وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ = فالنهر يمر من خلال الشجرة. والمعنى أن الشجرة هى المسيح ونحن صرنا فيه، هو الكرمة ونحن الأغصان. وماء الحياة هو النهر أى الروح القدس الذى يهيئ العصارة التى تسرى فى الفروع فتحفظها حية للأبد.

اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً = الله خلق الإنسان ليحيا إلى الأبد، وكان معروضا على آدم أن يأكل من شجرة الحياة أى ليكون له حياة أبدية. ولما إختار طريق الموت كان الفداء وجاء المسيح ليتحد بالإنسان. وكان ثمر هذا الإتحاد أن عادت الحياة الأبدية للإنسان. والثمار أيضا هى للشبع وهذا الشبع دائم، وكتعبير عن دوام الشبع يقول = تعطى كل شهر، ففى السماء لن يكون هناك جوع ولا عطش فالمسيح يشبعنا بذاته والروح القدس يروينا. أى شبع دائم وفرح دائم. ورقم 12 يشير لأبناء الملكوت، كأن الثمر مخصص لهم. كلٌ يجد فيه إحتياجه وشبعه. وهذا الثمر دائم فهو كل شهر = علامة سخاء النعمة فعطاء المسيح دائم.

تُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ = لن تكون هناك أزمنة فى السماء، فلن يكون هناك أيام. فلا ليل ولا نهار بل نهار دائم. ولكن فى هذا إشارة لتجديد الثمر، أو أن الثمر سيكون كأنه جديد دائما ومتجدد، فنقف أمام الشجرة فى دهشة وعجب وبلا ملل. نأكل منه (رمزيا) فنشبع. ومن فرحتنا نذهب لنقطف من ثمارها ثانية فنجده جديدا وبطعم جديد ولذة جديدة.

شبه أحد القديسيين الملكوت بأنه حالة فرح عجيب برؤية الله والتمتع برؤياه ومعرفته. ولمحدودية الإنسان (فنحن سنظل كبشر محدودين حتى فى السماء) يصير غير محتمل لهذا الفرح فيصرخ كفى، أنا غير قادر، هبنى يا رب إتساعا، فيعطيه الله إتساعا أكثر، فيعرف الله ويعرف عن الله أكثر، والمعرفة حياة (يو3: 17). وحينما يعرف يفرح أكثر وأكثر. ولمحدوديته يصرخ كفى، أنا غير قادر فيعطيه الله إتساعا أكثر وأكثر ليحتمل المزيد.. وهكذا وربما هذا ما أشير له بفترة الشهر، وهذا لن ينتهى بل سيستمر للأبد، فالله غير متناهى. وتكون الأمجاد والأفراح واللذات بمعرفة الله ورؤيته فى مجده هى بلا نهاية، بل بإتساع أكثر = كل شهر = بحسب محدودية لغتنا البشرية.

وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ = الأمم هم الشعوب الذين آمنوا فصاروا من المخَلَّصين ودخلوا المدينة السماوية.

لِشِفَاءِ الأُمَمِ = الله خلق الإنسان على صورته، وفقدنا هذه الصورة بالخطية ولندرك مدى ما خسرناه، فلنتأمل فى قصة موسى الذى رأى النذر اليسير من مجد الله وهو فى داخل كهف فى داخل جبل والله أغلق عليه ليحميه حتى لا يموت ومع هذا لمع وجه موسى. والسؤال.. ماذا كان عليه وجها آدم وحواء قبل السقوط وهما كانا يريان الله وجها لوجه. هذه القصة ترينا كم خسرنا بسبب الخطية فصارت أجسادنا ووجوهنا معتمة وفقدت نورها ولكن فى السماء ستشفى طبيعتنا ونعود بأجساد نورانية ممجدة ويضاف لذلك فنحن الآن نشبع من تفاهات العالم وأما هناك فسنشبع فقط بالمسيح. وهذا هو الشفاء الحقيقى والصورة هنا إستعارية من بعض الأشجار فى الطبيعة، فثمر الشجرة للأكل والشبع وأوراق الشجرة تؤخذ كدواء لبعض الأمراض (كشجر الجوافة مثلا) والمعنى أنه بالمسيح وفى المسيح صار شبعنا وشفاء طبيعتنا. وهذا ما تنبأ عنه ملاخى النبى "... ولكم أيها المتقون إسمى تشرق شمس البر والشفاء فى أجنحتها,,," (ملا4: 2).

هذه الصورة هنا فى هذه الآية صورت قبل ذلك فى (حزقيال 47).

ولاحظ أن العصارة داخل الشجرة هى حياة المسيح فينا هى فينا ثابتة بالروح القدس، فالعصارة مأخوذة من النهر فالروح القدس مازال عمله ان يأخذ من المسيح ويعطينا الشبع والشفاء والمجد... ولاحظ أن الثمر يتكرر كل شهر، بينما أن الورق لا يذكر أنه يتكرر. وذلك لأن الثمر يشير كما قلنا لنمو معرفة الله وبالتالى زيادة الفرحة بمعرفته وأنها معرفة متجددة وفرحة متجددة ولذة متجددة. أما الورق فيذكر أنه مرة واحدة فالشفاء تم وحصل الإنسان على الجسد الممجد النورانى وصار فرعا ثابتا فى الشجرة. ما تنبأ عنه حزقيال (47: 12) تم هنا فى أورشليم السماوية.

العدد 3

آية (3): -

"3 وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ.".

لاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ = بسبب الخطية لُعِنت الأرض ولُعِن الإنسان نفسه بعد ذلك (قايين وكنعان مثلاً). ولكن فى أورشليم السماوية لن تكون هناك خطية وبالتالى فلن تكون هناك لعنة ثانية.

ولاحظ أن البركة ببساطة تعنى أن الله فى حياتنا وفى كنائسنا وفى وبيوتنا. والله يعطى بسخاء ولا يُعيِّر (يع1: 5). وعطايا الله هى البركة. أما من ينفصل عن الله ويعطى حياته للخطية تابعا الشيطان، فمثل هذا يفصل نفسه عن الله فيضربه الشيطان إذ هو بلا حماية إلهية. وهذه هى اللعنة. أما السماء فلا يدخلها شئ دنس (رؤ21: 27) أى الشيطان لا يدخلها، والله يسكن فيها مع أولاده، فمن أين تأتى اللعنة؟!

وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا = لن يحدث ثانية إنفصال بين الله والناس. فالإنفصال كان بسبب الخطية.

وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ = أى يسبحونه ويشكرونه ويتعبدون له ويمجدونه ويحققون إرادته بل يفرحون بها. لقد إنتهى التمرد والعصيان الذى كان فينا ونحن على الأرض. هناك سنقول لتكن مشيئتك من عمق القلب وعن إقتناع كامل وبلا تذمر بل بفرح وخضوع بحب.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ.".

سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ = سنرى الله وجها لوجه (1كو12: 13) وهذا سر الفرح، فنفرح فى لذة عجيبة ولن نفكر سوى فى الله.

اسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ = فالجبهة رمز للتفكير، وكون إسمه على جباهنا فهذا يعنى أن شغلنا الشاغل هو التفكير فى الله، فلا إنشغال فى أكل أو شرب أو هموم. الله فقط سيصير محور تفكيرنا هناك فهو مصدر سعادتنا الدائمة. من عرف الله حقيقة يفرح بشخصه، كعروس أحبت عريسها لشخصه. أما المبتدئين فهم يحبونه ويفرحون به لعطاياه كعروس تحب عريسها لهداياه، فإن توقفت الهدايا يتوقف حبها.

وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ = هى سمة للملكية فلم نعد عبيد لأحد سوى لله.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.".

وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى الأَبَدِ = سيكون لعبيد الله مجدا وكرامة ملوكية وسيكون لهم ميراثا سماويا يملكونه. وسيكون لهم نصيب فى العرش، والمسيح شمس البر سينير عليهم وفيهم ويحيطهم بنوره فالله نور.

نرى فى الآيات السابقة أن قصد الله الأزلى من خلقة الإنسان قد تحقق. فها هم البشر (السوق) متحدين بإبنه (شجرة الحياة) وصاروا جسدا واحدا هو جسد المسيح. فى المسيح عادت الوحدة (يو17: 21 - 24). وروح الله القدوس يرويهم (النهر) وها هم يمجدون الله ويعكسون مجد الله (كبلور) إذ هم (ينظرون وجهه)، وكانت هذه إرادة الله الذى خلق الكل لمجده (إش43: 7). و(عبيد الله يخدمونه) وإبنه فى وسطهم يرعاهم. أما (اللعنة) التى دخلت بسبب الخطية ها هى قد زالت فقد حملها المسيح عنا. فبسبب الخطية تشوه الإنسان فكان الفداء، وبالمسيح تم (شفاء) الإنسان.

لقد تحقق فى آخر إصحاحين من الكتاب المقدس (رؤ21، 22) الصورة المثالية التى أرادها الله للخليقة منذ البدأ والمذكورة فى أول إصحاحين فى الكتاب المقدس (تك1، 2). فقصد الله لا بد وأن يثبت.

  1. هذا ما رأيناه فى هذه الآيات (رؤ22: 1 - 5).
  2. ولذلك ففى بداية سفر الرؤيا نسمع من فم الرب يسوع أنه هو الألف والياء والأول والآخر والبداية والنهاية (رؤ1: 8، 11). وهنا فى آخر سفر الرؤيا يكرر الرب أنه الأول والآخر والبداية والنهاية (رؤ21: 6 + 22: 13) والمعنى أن الرب يقول ما أردته منذ الأزل لا بد وسيكون كما قصدته. البداية كانت أن الله خلق الكل لمجده (إش43: 7). وتمرد بعض الملائكة وكل البشر. وها قد عاد الملائكة وكل من ثبت فى المسيح من البشر إلى السماء ليمجدوا الله. وها كل أعداء الله تحت موطئ قدميه، بل هم فى البحيرة المتقدة بالنار يظهرون قداسة الله وعدله ورفضه للشر من خلال قضائه عليهم.
  3. رأينا فى (تك2: 12) أن الجنة كان بها (ذهب جيد ومقل وحجر الجزع) وهذا إشارة للإنسان المحبوب لدى الله وقد خلقه الله ووجده حسن جداً وكان له درجة سماوية. فالذهب يشير للسماويات والأحجار الكريمة تشير للقيمة الغالية للإنسان أمام الله. وبسقوطه لم يكف الله عن محبته له. بل أعاده الله لمكانة أعلى وأسمى. ونرى ذلك فى إصحاح (21) من الرؤيا ولاحظ فيه أن كل شئ ذهب، إشارة لإرتقاء الإنسان فى درجته السماوية. ولاحظ كمية الأحجار الكريمة فى أورشليم السماوية، فقد زادت قيمة الذين جاهدوا وغلبوا أمام الله.
  4. وعادت الوحدة للإنسان بعد أن كانت الخطية قد دمرت هذه الوحدة فقتل قايين أخوه هابيل. فالله خلق آدم واحد ومنه خرجت حواء ومنه ومن حواء خرج الأولاد أى أن آدم وحواء وأولادهم هم واحد. والآن فى السماء نرى كل المخلصين هم جسد المسيح الواحد، العروس الواحدة المزينة لرجلها (رؤ21: 2). الخطية دمرت الوحدة بين أجزاء الجسد الواحد آدم، فقتل قايين هابيل أخوه. وجاء المسيح ليعيد تجميع أولاد الله كجسده الواحد. وكان هذا بالمعمودية وبالإفخارستيا لضمان ثباتنا فى الجسد الواحد لنستمر أعضاء جسده من دمه ومن عظامه (أف5: 30).
  5. الروح القدس يروى المؤمنين فيجعلهم ثابتين فى الإبن يعاينون مجده، ويعكسونه فتكون لهم أجساد ممجدة. وهذا ما قصده الله منذ البدء إذ كان هناك نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة (تك2: 10). وهذا أعاده المسيح الذى قادنا بفدائه إلى ينابيع ماء حية (رؤ7: 17). وهذا ما قاله الله نفسه "ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر". (إش48: 18).
  6. النهر صافى (آية1) تعبيرا عن المحبة الحقيقية مصدر الفرح الحقيقى، فنعود كما أراد الله منذ البدء فى جنة عدْنْ (كلمة عبرية معناها الفرح). فالفرح الحقيقى مصدره المحبة. وهكذا كان آدم قبل السقوط فى حب متبادل مع الله لذلك كان فى فرح حقيقى. وها قد عاد الوضع كما أراده الله منذ البدء.
  7. سنحيا فى السماويات لا يفرحنا سوى الله وهو محور تفكيرنا وفرحنا وبالتالى تسبيحنا = السوق من ذهب. ومعاملاتنا مع بعضنا البعض ستكون فى شفافية أى لا يوجد فى داخلنا ما نخجل أن يظهر أمام الآخرين = السوق زجاج شفاف (رؤ21: 21). هذا هو الحب الذى أراده الله من البدء.

الأعداد 6-7

الآيات (6 - 7): -

"6ثُمَّ قَالَ لِي: «هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إِلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا. 7ها أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ».".

أرسل الله ملاكه ليرى يوحنا هذه الأسرار فى هذه الرؤيا، والله فى محبة كشف لنا كل هذا لنستعد.

مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا = هذه الرؤيا عمرها الآن حوالى 2000 سنة. ولكن يوم عند الله كألف سنة وألف سنة كيوم (2بط8: 3). والملاك يؤكد صدق هذه الأقوال والإنذارات والأحداث لنأخذ الأمور بجدية ونستعد.

هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا = المجىء الثانى لم يأتى حتى الآن، ولكن لحظة موت كل منا قد تأتى أسرع مما نتصور. طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب أى يراقب الأحداث ويسهر فى حياة إستعداد منتظرا مجىء المسيح ويحفظ وصاياه ويعمل بها.

الرَّبُّ إِلهُ الأَنْبِيَاءِ = أى الذى أوحى للأنبياء عبر ألاف السنين ليكتبوا نبواتهم التى حملت إنذارات الله للبشر، وتنبأوا أيضا بأمور خلاصنا وفداء المسيح لنا وهذه كلها حدثت بالفعل. والله يريد أن يقول أنه كما تحققت نبوات الأنبياء فى موضوع الخلاص وفى إنذاراتهم، فإن أقوال هذه الرؤيا ستصدق.

الأعداد 8-9

الآيات (8 - 9): -

"8 وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. 9فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ ِللهِ! ».".

مرة ثانية يتصور يوحنا أن الملاك الذى كان يكلمه هو الرب يسوع وذلك راجع للتشابه وللعظمة التى فى هيئة الملاك. وكل هذا سيكون لنا (فى21: 3) + (1يو2: 3). فكما أن الملائكة يعكسون صورة المجد الإلهى هكذا سنكون بأجسادنا الممجدة.

عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ َالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ = لاحظ أن الملاك يضم نفسه مع يوحنا وإخوته ومن يحفظ أقوال هذا الكتاب، وهذا هو ما فعله المسيح بفدائه، إذ وَحَّدَ السمائيين والأرضيين، وصار رأسا لهما معا (أف10: 1).

العدد 10

آية (10): -

"10 وَقَالَ لِي: «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.".

لاَ تَخْتِمْ = أى لا تخفى منها شيئاً، بل إعلن وأنشر هذه الأقوال فالأيام قد إقتربت. هناك أشياء أراد الله إخفائها مثل ما قالته الرعود (رؤ4: 10) ولكن هناك ما يريد الرب أن نعرفه جميعا.

العدد 11

آية (11): -

"11مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ».".

فى نهاية الكتاب المقدس وبعد كل الإنذارات والوصايا والأقوال المقدسة يقول الله هذا، وكأنه يقول "أنا عملت اللى علىَّ..." علَّمت وأنذرت... إذاً ليمشى كل واحد فى الطريق التى تروق له... كل واحد يسير على هواه، إلى أن يأتى يوم الدينونة. وما يزرعه الإنسان فإياه يحصد.

العدد 12

آية (12): -

"12« وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ.".

حقا الحرية مكفولة للجميع، ولكن الله العادل سيجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ = هنا نرى أن الإيمان وحده لا يكفى فالشياطين تؤمن وتقشعر والمهم أين أعمالنا. هنا نرى أهمية الأعمال حتى لا يكون الإيمان ميتا (يع21: 2).

العدد 13

آية (13): -

"13أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ».".

راجع تفسيرها فى (رؤ1) والمعنى أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو يحتضن الجميع وهو ضابط الكل الذى يحرك كل الأمور فلماذا الخوف.

العدد 14

آية (14): -

"14طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ،".

طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ = مرة ثانية نسمع عن أهمية الأعمال.

لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ = "أى يكونوا مستحقين" وفى ترجمات أخرى يكون لهم الحق أن يأكلوا من الشجرة فيكون لهم حياة، أو ينالوا حياة، فالشجرة رمز للمسيح. والله "أعطى سلطان لكل من قبلوه أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون بإسمه" (يو1: 12). وكان هذا عن النعمة وقوة عمل الروح القدس المعين والذى يجعلنا ثابتين فى المسيح شجرة الحياة. الخطية قبل المسيح كان لها سلطان أيام الناموس، ولكن فى عهد النعمة ما عاد لها سلطان علينا (رو6: 14). وبقوة النعمة وعملها فينا نكون من الذين يصنعون وصاياه ولا ننساق وراء الخطية فنثبت فى المسيح شجرة الحياة.

يَدْخُلُون مِنَ الأَبْوَابِ = أى يسمح لهم الملائكة بالدخول (رؤ12: 21).

العدد 15

آية (15): -

"15لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا.".

هنا نجد قائمة بالذين سيمنعهم الملائكة من الدخول لأورشليم السماوية.

الْكِلاَبَ = هم من يتصرف مع المؤمنين تصرف الكلاب أى يريدون نهش لحومهم، ويهيجون الحكام والولاة ضدهم بنباحهم ضد المؤمنين، ويشير الكلاب لمن يعيش فى النجاسة. فالكلب بمفهوم العهد القديم نجس، لذلك كانت تقال عن الأمم لوثنيتهم.

وتقال الكلمة عن المسيحيين المرتدين لوثنيتهم، فهم مثل كلب رجع إلى قيئه (2بط22: 2).

العدد 16

آية (16): -

"16«أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ».".

أَنَا يَسُوعُ = المسيح يكشف لكنيسته عن نفسه كمخلص لها.

أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ = أنا إله وخالق داود، فأنا أصل داود من جهة اللاهوت. وأنا ذرية داود من ناحية الناسوت، فلقد صرت بالجسد إبنا لداود. وهذه الآية تشير بوضوح لأن يسوع هو الإله المتأنس.

كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ = المسيح يشرق على كنيسته. وكوكب الصبح المنير يكون إيذانا بمشرق الشمس لينتهى الظلام. والمسيح بتجسده، كان هذا إيذانا بنهاية ليل هذا العالم، وليأتى المسيح فى نهاية الأيام ليمجد كنيسته.

العدد 17

آية (17): -

"17 وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ! ». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ! ». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا.".

الرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ تَعَالَ = الروح القدس يحرك أشواق المؤمنين لمجىء المسيح الثانى. وهو العامل فى الكنيسة كلها لتقول للرب يسوع تعال.... آمين تعال أيها الرب يسوع... الروح القدس يضع فى أفواه القديسين هذه الصلوات، مثلما وضع فى فم بولس الرسول "لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ تَعَالَ = فكل نفس تذوقت حلاوة عشرة المسيح من المؤكد ستدعو الآخرين كما قال داود النبى "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب". مَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ = من يأخذ الآن من ماء الحياة هو يأخذ العربون، أما فى السماء فسنأخذ من نهر الماء الصافى.

الأعداد 18-19

الآيات (18 - 19): -

"18لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. 19 وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ.".

فى نهاية الكتاب المقدس يحذر الله من تحريفه بأى صورة من الصور.

العدد 20

آية (20): -

"20يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ.".

الشَّاهِدُ هو الرب يسوع من أول (آية 12).

نَعَمْ = المصادقة على كل ما جاء فى السفر.

العدد 21

آية (21): -

"21نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.".

نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ = هذه آخر كلمات العهد الجديد، النعمة التى حصلنا عليها بدم المسيح. بينما نجد أن آخر كلمات العهد القديم "لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن" وكان هذا قبل المسيح وفدائه. فآخر كلمة فى العهد القديم لعن بسبب الخطية وآخر كلمات العهد الجديد نعمة بسبب الفداء.

يبدأ سفر الرؤيا بكلمة إعلان وهذه مثل قول الله "هل أخفى عن إبراهيم ما انا فاعله. وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع أمم الارض. لأنى عرفته لكى يوصى بنيه وبيته مِن بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا وعدلا لكى يأتى الرب لإبراهيم بما تكلم به" (تك18: 17 – 19). وحينما رأى يوحنا هذه الرؤيا كان المسيح قد تمم للكنيسة كل شئ، وأعد لها مكانا فى السماء، فى عرشه = أى أنها ستتمجد معه (يو 17: 5، 22). ولكن هذا المجد سيكون للكنيسة إذا غلبت فى حروبها ضد أعدائها، وإستمرت تحيا فى بر، ولم تنخدع بإغراءات وخداعات العدو، ولم ترهب إضطهاده. والمسيح هنا يخبر الكنيسة بالحروب التى تنتظرها، ولكن هو بنفسه سيحارب عنها ويقودها للإنتصار فى كل معاركها حتى تصل للسماء وتتمجد. ولكن ليس كل ما ذكر فى سفر الرؤيا مفهوم بالكامل، بل يحمل فى طياته أسرارا لن تنكشف إلا فى حينه، هى مكتوبة بالشفرة حتى يفهمها شعب المسيح فى حينه ويرى فيها رسائل وإرشادات تعينهم على الخلاص فى أوقات شدة آتية. والله لايريد ان تنكشف هذه الاسرار وتُعرف الآن. كما أعمى الله الشيطان عمن هو المسيح فتم الصلب والخلاص "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو2: 8). ولكن ما يعطى شعب الله الإطمئنان وسط هذه الاخبار الصعبة: -.

  1. ان الله يحب كنيسته كعريس لعروسه، ومن محبته بذل دمه لأجلها فهل هناك حب أعظم من هذا (يو15: 13). (حينما يشككك ابليس فى حب الله لك، تأمل فى الصليب).
  2. من يعلم المستقبل بهذه الصورة فهو قادر على التصرف وحماية شعبه. وهو يخبرنا فيزداد ايماننا عندما يحدث ما أخبرنا به ونطمئن (يو14: 29).
  3. بحسب وعده فالكنيسة لن تقوى عليها أبواب الجحيم (مت 16: 18).
  4. هو الذى يقود المعركة وهو الذى سينتصر، وما أنا سوى فرس هو يقوده. وما علينا سوى ان نظل ملتصقين به، وحينئذ نغلب. (رؤ6: 2).

الاصحاح الاول.

من هو المسيح عريس الكنيسة = أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه (5).... هو الله القوى غير المحدود (8). ولكننا نرى يوحنا حبيبه فى ضيق، فكيف يحدث هذا مع كل هذا الحب وكل هذه القوة؟ يجيب بولس الرسول "إن كنا نتألم معه لكى نتمجد ايضا معه" (رو8: 17). فشركاء الألم هم شركاء المجد. غالبا من يسأل هذا السؤال ما زال فاهما أن العالم هو هدفه وأن المتعة هى الهدف من هذه الحياة، ولم يفهم أن الحياة هى فى المجد الأبدى والأفراح المعدة لنا فى السماء، أما العالم هنا ما هو إلا فترة إعداد للحياة السمائية. والسماء مشروحة هنا فى سفر الرؤيا فى الاصحاحات (21، 22). والكنائس السبع هم إشارة لكل الكنيسة فى كل مكان وزمان، فرقم 7 هو رقم الكمال. ثم نرى صورة للمسيح القوى = الذى يدك برجليه النحاسية ابليس وأتباعه. والديان (13) وهو سيدين أعداءه وأعداء كنيسته (15). فلماذا الخوف بعد كل ذلك؟!

الاصحاحات الثانى والثالث.

هى رسائل خاصة بكل كنيسة، ولكل نفس من افراد الكنيسة... لكنها تعبر عن نبوة تاريخية بكل تاريخ الكنيسة. كيف أسسها المسيح وأحبها كعروس له = أفسس. وما ستتعرض له من اضطهادات وإستشهاد = سميرنا. ثم مراحل ضعف تحل بها إذ تبدأ فى أن تجد لها سندا تتكل عليه غير عريسها = برغامس. وتتمادى فى ضعفها إذ أحبت العالم الحاضر = ثياتيرا. والنتيجة الطبيعية للحياة المظهرية أن الكنيسة تقل عددياً "ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر" (2تى 4: 10) = ساردس. يزداد الإبتعاد عن الله حتى يكاد الخادم الحقيقي الأمين أن ييأس والمسيح يشجعه أن يكمل عمله، وفى الرسالة نشعر أن رب المجد سيعمل على تجميع الإخوة المنشقون ليتحدوا = فيلادلفيا. ويكون هذا الإتحاد إستعدادا لفترة الضيقة العظيمة = لاودكية.

الاصحاحات الرابع والخامس.

نرى هنا السماء مفتوحة لمن يغلب ويظل ملتصقا بالمسيح عريسه. ونري إهتمام وفرح الطغمات السمائية بالخلاص الذى عمله رب المجد لكنيسته. وأن الله يريد لنا الحياة الأبدية فى السماء. والله مهتم بأن الروح يملأ كل واحد ليجدد طبيعته (4: 5، 6) فيليق بهذا المكان المعد. وإهتمام الله بكل ما يحدث لكنيسته (5: 1).

الاصحاحات السادس والسابع.

هنا نرى ماذا سوف يواجه الكنيسة من حروب وأين يذهب من يغلب: -.

  1. المسيح يقود كنيسته لتغلب بعد أن غلب هو بصليبه = الفرس الابيض.
  2. طالما هناك غلبة، إذاً هناك أعداء. والأعداء يقودهم إبليس. وهنا يشن حرب دموية = الفرس الاحمر.
  3. إبليس له أساليب متنوعة. وهنا نرى حرب هرطقة، تشويش فى الايمان الصحيح = الفرس الاسود.
  4. هذه حرب مزدوجة = هى خداع إيمانى ومن يرفض يقتل وبوحشية = الحصان الاخضر المائل للصفرة.
  5. الختم الخامس = هنا نرى مكان راحة الابرار الذين إحتملوا الألم فى صبر. ونرى شهوتهم ليوم المجد.
  6. الختم السادس = هنا نرى صورة عكسية لمن ظن نفسه قويا فحارب كنيسة المسيح.

والإصحاح السابع عبارة عن رسالة يطمئن الله بها شعبه المختوم (المملوء بالروح) أنه لن يصيبهم ضرر من الضربات، والروح يعزى. وأن المخَلَّصين فى السماء الذين بررهم المسيح بدمه لاحصر لهم.

الاصحاحات الثامن حتى الحادى عشر.

الختم السابع = هو عن أحداث النهاية، والله فى محبته يعطى إنذارات للأشرار. لعلهم يتوبون. وهذه الانذارات يسميها هنا أبواق. فالبوق يستخدم للإنذار كما فى الحروب، ويستخدم فى إستقبال الملوك، والآن فالمسيح على الأبواب. وهذا إنذار للكل بأن يوم الدينونة قد اقترب. وللأسف فهم سيعاندون (9: 20) ولا يتوبوا. ونفهم ان هذه الأبواق تشمل حروب رهيبة = البوق السادس. وتشمل تخلى الله عن البشر المعاندين المعجبون بأنفسهم وبعقولهم وفلسفاتهم فقالوا أنه لا اله، بل هم الآلهة (الفلسفات الإلحادية) = البوق الخامس. والله تركهم لفلسفاتهم فتعذبوا عذابات شديدة، وكان ذلك لعلهم يتوبون (وهذا ما حدث فعلا مع أبو الوجودية سارتر، إذ تاب فى آخر ساعات عمره وطلب قسيس ليعترف له قبل أن يموت ولقد حدث هذا فعلا). وضربات فى الطبيعة لعل الناس تخاف وتتوب كما هو الحال فى الأبواق الاربعة الأولى.

وكم هو معزى أن نسمع أن هنا شفاعات تُرفع عن الكنيسة أمام العرش (8: 3) فالله لا ينسانا ومسيحنا هو شفيعنا، هو الملاك الذى وقف أمام المذبح ومعه مبخرة، ولكن شفاعته لمن يصلى = "مع صلوات القديسين".

وفى الاصحاح العاشر يعطى المسيح بنفسه الإنذار الأخير. ولم نعرف ماذا سيحدث تماما. ولكن هو أخبرنا أنها ستكون أحداث صعبة ولكن لماذا الخوف، ونحن نراه هنا واقفا على البحر والارض = فهو ضابط الكل لاشئ يحدث هو لا يريده. ونحن فى يده وهو يحبنا وهو القوى (راجع الاصحاح الأول).

ونرى هنا فى الاصحاح الحادى عشر أحداث النهاية فى أورشليم وحرب الوحش ضد الكنيسة، والله يساند كنيسته بشاهدين لهما سلطان على الوحش... ثم النهاية.

والسؤال التقليدى... لماذا يسمح الله بهذه الحروب الوحشية على كنيسته عروسه إن كان يحبها هكذا؟!!

الإجابة... هى أن نذكر حال الكنيسة فى هذه الأيام... ولنراجع ما قيل عن حال كنيسة ساردس وفيلادلفيا ولاودكية. فالكنيسة عروس المسيح هى التى أصابها الفتور وتركت المسيح عريسها. وها هو يؤدبها كما أدب الأب ابنه الضال إذ ترك بيت أبيه فعاد. والله يريد عودة عروسه قبل أحداث النهاية.

البوق السابع: هنا نهاية العالم. وهنا يدخل من كانوا فى انتظار هذا اليوم الى المجد.

(6: 9 – 11).

الاصحاحات الثانى عشر والثالث عشر.

نرى هنا صورة تقليدية لحرب ابليس ضد الكنيسة عروس المسيح، بل هو أراد أن يبتلع المسيح رأس الكنيسة المولود كإنسان. لكنه بعد أن مات، قام وصعد للسماء (12: 5). وكيف يعد الله لكنيسته مخرجا من كل ضربات هذا العدو، بل يجعل من أتباع العدو من يعين "المرأة" = الكنيسة (12: 6). وانتصار الله الدائم عليه (12: 10). ونرى هنا فى الاصحاح (13) تفصيلاً عن أعداء الكنيسة فى الأيام الأخيرة. وهما وحشين لهما مواصفات وقوة وحيل ابليس... الحرب الدموية = وحش البحر. وحروب الخداعات = وحش الارض. وكثيرون إما ينخدعون أو يخافون أو هم وجدوا ضالتهم فيما يقدمه لهم الوحش من تسهيلات للخطايا. لذلك يعلن لنا مسيحنا تفاصيل ما سيحدث بل يرسم هنا صورة لخداعاته ويعطينا علامات لنعرفه ورقما 666 يحمل إسمه فنعرفه ولا ننخدع.

الاصحاح الرابع عشر.

صورتين متضادتين بهما يشجعنا عريسنا الغيور علينا أن نَثبُت (1 – 5) فنرى هنا الغالبين مع العريس فى السماء. والأخرى إنذارات لمن ما زال لم يتخذ قراراً بالثبات مع المسيح. ونرى يوم الدينونة الرهيب الذى يفصل فيه ملائكة الله بين القمح والزوان وعقاب الزوان (14 – 20).

الاصحاحات الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر.

لماذا نسمى الخطايا خداعات العدو؟ هو يصور لنا لذة الخطية ويخفى عنا ألامها. أليس هذا ما حدث مع شعب اسرائيل بعد خروجهم من مصر إذ جعلهم الشيطان يتذكرون لذة قدور اللحم. وأنساهم ألام العبودية والسياط.

وهذا ما نراه هنا... لقد إنساق الناس وراء الوحش وظنوا أنهم وجدوا فيه تحقيقا لشهواتهم وملذاتهم. ولكن..... نرى الآن لسعات ألام الخطية. فهناك جامات تصب غضب الله على مملكة الوحش، فيمرض الناس وتندر المياه الصالحة للشرب، بل يموت كثيرين وتظلم مملكة هذا الوحش وتحدث حروب رهيبة قبل النهاية.

فالله قدوس وعادل لايقبل الخطية. هو الذى يعطى النعم والبركات، المياه والطعام والصحة و... الخ. فلماذا يعطى كل هذا لخطاة أشرار، إذن لابد وأن يمنعها عنهم وإلا يكون راضيا عما يفعلونه. ولا يمكن أن نجبر الله أن يبارك للأشرار "فالله لا يُشمخ عليه" (غل6: 7). والله أيضا فى محبته يمنع هذه البركات حتى نكره الخطية فنتوب... فنخلص وهذه هى إرادة الله (1تى2: 4).

والنهاية ستسقط مملكة الشر فى العالم ويسميها هنا بابل (19). كما إنسحق تمثال نبوخذ نصر الذى رآه فى حلمه وهذا التمثال يمثل كل ممالك العالم التى قاومت الله وشعبه، وصارت كعصافة البيدر فحملتها الريح (دا2: 35) وآخر هذه الممالك هى مملكة الوحش (الثامن آية 17: 11). وهذا بعينه ما قاله بولس الرسول عن مملكة الوحش (2تس2: 1 – 11).

وفى الاصحاح (17) يحدد الله زمن مجئ الوحش وقيام مملكته ومن سوف يدعمه ويسانده. ويصور مملكة الشر فى العالم عبر العصور بكونها إمرأة تحاول أن تغوى عبيد الله على الشر. وهى تستمد قوتها من هؤلاء الملوك الأرضيين الذين سريعا ما يزولون. وأيضا سريعا ما تنتهى كل ممالك الارض. وتخرب بابل = مملكة الشر.

الاصحاح الثامن عشر.

هنا نرى صورة مؤلمة للخراب المزمع أن يحدث للعالم. وعلى كل من لا زال متمسكا به واضعا أماله فيه أن يضع هذا الاصحاح أمام عينيه.

الاصحاح التاسع عشر.

نجد هنا عشاءين: أحدهما أعده المسيح لأحبائه ليفرحوا به ويشبعوا به للأبد. والآخر هو نصيب الشيطان ممن قبلوا من يده كل خداعاته.

الايات (1 - 16): - العشاء الأول: - هو لمن فتح الباب للمسيح الذى كان واقفا يقرع عليه (رؤ3 رسالة لاودكية) وقَبِلَ دخول المسيح ونال هذا العشاء على الارض مع المسيح ( = تعزيات المسيح لأحبائه وسط ضيقات هذا العالم). وهذا العشاء الأول هو الشبع بشخص المسيح فى السماء.

الايات (17 - 21): - العشاء الثانى: - هو للشياطين (الطيور) التى استولت على الأشرار الذين سبق وأخذوا من يده الخطايا التى عرضها عليهم. (لذلك قال المسيح "رئيس هذا العالم آتٍ وليس له فيَّ شئ" فلقد قال من قَبْل "من منكم يبكتنى على خطية" يو 8: 46 + يو 14: 30). وكل من يثبت فى المسيح يحسب كاملا (كو1: 28). لذلك يطلب المسيح "إثبتوا فىَّ" (يو15: 4). أما من ظل يأخذ من الشيطان فسيكون مديونا له، وتأتى لحظة الموت فيطلب الشيطان ما له ولن يكون لهذا الانسان ما يعطيه للشيطان، فيقبض الشيطان عليه ويصبح مِلكا له، وهذا هو عشاءه = الأشرار الذين خدعهم الشيطان سيكونون معه فى البحيرة المتقدة بالنار.

الاصحاح العشرون.

هنا نرى أننا الآن فى الألف سنة. ورقم 1000 هو رقم السمائيات. وتكون فيها سلطة الشيطان مقيدة. ومع هذا التقييد وضعف الشيطان يسقط كثيرون تاركين المسيح. ونسمع أن الله سيترك الشيطان ويحله من قيده فتزداد قوة إغراءاته على إسقاط الناس. وهذا ليس ليجرب الله الناس، فالله هو فاحص القلوب والكلى (رؤ2: 23). لكن هذا ليختبر الناس بأنفسهم لسعات سياط الخطية، فأمام إصرار الناس على الخطية غير مصدقين أن الله منعهم عنها لمصلحتهم، فالله يجعلهم يُجرِّبون فيتألموا فيتوبوا فيخلصوا وهذه هى إرادة الله.

الاصحاح الحادى والعشرون والثانى والعشرون.

هنا نرى السماء حيث يسكن الله وسط شعبه وكنيسته. هنا نصيب كل من يغلب.

آمين تعال أيها الرب يسوع.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الحادى والعشرون - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 22
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 22