قاموس القديسين و الشخصيات حرف ص

هذا الفصل هو جزء من كتاب: قاموس القديسين و الشخصيات التاريخية.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل


ص

صادق روفائيل البار

✥ نشأته:

وُلد من أبوين مسيحيين بارين، وكان له أحد عشر أخًا ماتوا جميعًا في سنٍ مبكرة ولم يبق إلا هو، وربياه تربية مسيحية تقوية.

من أبرز ما ورث عن والديه روح الصلاة والتأمل في الكتاب المقدس، فكان يقرأ قليلاً ويتأمل كثيرًا ويحيا عمليًا في آياته.

✞ غمس قطعة لحم بالخمر للكلب:

حدث وعمره أربع سنوات وفي ليلة أحد الأعياد أن جاءهم بعض الأقارب ومعهم خمر وقدموا لأبيه ليشرب منها، فما كان من الطفل صادق إلا أن غمس قطعة لحم بقليل من الخمر وقدمها للكلب الذي في منزلهم فرفضها الكلب بعد أن اشتمَّ رائحتها. فصرخ الطفل صادق وطلب من أبيه ألا يشرب ما رفضه الكلب.

✥ انتقال والده:

انتقل والده بعد مرض طويل أقعده في الفراش، وكان صادق يصلي لأجل شفائه، لكن الله سمح بانتقاله، فبكى الشاب لأجله بألم وحزن شديدين، فسمع صوتًا واضحًا جدًا من السماء يقول له: "صادق! صادق!... أتحب أباك أكثر مني؟" وتكرر هذا الصوت مرتين، وفي الحال شعر بسلام عميق، فكان بعدها يشكر الله على انتقال والده.

✥ بتوليته:

ما لبثت والدته أن انتقلت من العالم. وكانت آخر وصية له أن يعتني بزوجة أخيه المتوفى وألا يتركها، حيث كانت والدته تعلم برغبته في الذهاب إلى الدير للرهبنة.

أطاع وصية أمه وعاش في العالم يعتني بزوجة أخيه المتوفى ومعها ابنتها وابنها. عاش كراهبٍ زاهدٍ في العالم، في بتولية الفكر والقلب والجسد. حاولت عائلته تزويجه بطرق عديدة، أما هو فكان واثقًا أن الله الذي يعرف اشتياقات قلبه لابد وأن يظهر إرادته بوضوح. توجّه أحد أقاربه إلى إحدى العائلات الطيبة ليخطب ابنتهم لصادق، وفي نفس الليلة ظهرت رؤيا للفتاة. رأت السيد المسيح له المجد بملابس بيضاء وفي يده ورقة مكتوب عليها بالذهب: "صادق روفائيل". ولما همّت الفتاة أن تأخذ هذه الورقة من يد المسيح وجدته يبعد الورقة عن يدها ويقول لها: "لا... صادق هذا إناء مختار لي".. وعلم الجميع بهذه الرؤيا وخضع الجميع لإرادة الله ولم يعد أحد يفاتحه بعدها في أمر الزواج.

✥ تكريمه للقديسة مريم:

كل من التصق به يدرك مدى تكريمه للقديسة مريم، وقد شعر أحد زملائه في العمل بهذا، فصار يسخر به قائلاً: "كيف تكرم مريم وهي كقشرة البيضة، متى أخذنا ما بداخلها، أي السيد المسيح، تصير كلا شيء؟"

في أحد الأيام اتصل الشاب صادق بمنزل صديقه وكان على علاقة طيبة بهذا الزميل وأسرته، وإذ تكلمت معه الأم تكلم معها الأخ صادق بجفافٍ شديدٍ على غير عادته. دُهشت الأم التي كانت تعتبره ابنًا لها، واشتكت لابنها.

في اليوم التالي جاء الزميل وكان في ثورة عارمة، وقال له: "هل اتصلت بالأمس بوالدتي؟"

في هدوء قال له: "لماذا تسأل؟"

أجابه: "لقد أخبرتني والدتي أنك كنت جافًا للغاية معها".

قال الشاب صادق: "ولماذا أنت ثائر، أنا لطيف للغاية معك!"

علّق الشاب: "لكن من يهين أمي يهينني!"

عندئذ قال له: "أتدافع عن أمك ولا يدافع السيد المسيح عن أمه الذي تجسد منها بالروح القدس؟"

أدرك الشاب خطأه، وأخبر والدته بقصد زميله، أنه أعطاه درسًا عمليًا في تكريم القديسة مريم والدة الإله.

✥ حياته العملية:

في الوظيفة عاش مثالاً للموظف المسيحي الحقيقي الذي يحيا كنور للعالم وملح للأرض. عُرفت عنه الأمانة الكاملة والصدق في القول والتمسك بالحق. كان يؤمن بعمل الروح القدس فيه وأنه يُعلمه كل شيء حسب كلام المسيح، ولذا كان بنعمة الله يُدرك الكثير من المعارف والعلوم. وإن كان قد حصل على ليسانس الحقوق باللغة الفرنسية أثناء وظيفته وأتقن أربع لغات كان يتكلم بها بطلاقة. وعاون في أحيان كثيرة في إعداد رسائل ماجستير ودكتوراه في علوم مختلفة لبعض أولاده في الرب، لكنه كان يعتبر كل ذلك نفاية. وكانت الشهادة الكبرى هي امتلائه من الروح القدس، وكانت آخر وظيفة شغلها "مدير مكتب مدير عام مصلحة المساحة".

حكى عنه أنه ذات يوم حضر إليه شقيق وكيل وزارة الأشغال وكان مديره السابق، وقال له: "إن شقيقي يشكر فيك ويمتدح أمانتك له". فأجابه قائلاً إن أمانته ليست لشقيقه إنما هي لله الذي يعبده، ومنها إلى شقيقه بطريق غير مباشر، فتعجّب السامع جدًا ومجّد الله. وبعد إحالته للمعاش انتقل إلى الإسكندرية ليقيم فيها، وكان ذلك في منتصف سنة 1960. وكان بركة لكثيرين بهذه المدينة وكانوا يدعونه "بابا صادق".

✥ حياته الروحية:

حباه الله بمواهب متعددة، فكان يرى ملاكه الحارس كنور شديد ملاصق له في بعض الأحيان. كما شاهد العذراء عدة مرات وكذا كثيرًا من القديسين. وكلام الإيمان والحكمة الذي يتكلم به بإرشاد الروح القدس بقوة وإفراز. وكان من يستمع إليه يشعر بمتعة خاصة.

كان تمتعه بصلاة القداس الإلهي عجيبًا. وكان يعلم أنها دُعامة حياة المسيحي الروحية، وكان يقول أن سبب تعزيته في شركة القداس لا تكمن في سماعه بالأذن بل حياته بالمسيح فيه في كل دقائقه. ففي القداس كان يفيض بحرارة الروح القدس الملتهبة بنظره المُحدق دائمًا في الذبيحة الإلهية، وكان حينما يتناول كان وجهه يُشرق ويطفق فرحًا.

أذكر في أول قداس صلّيته في كنيسة الشهيد مار جرجس بإسبورتنج بعد سيامتي عام 1962م، كان بطيئًا جدًا. وإذ قمت بزيارته في وسط الأسبوع وكنا نتحدث معًا أشرت إليه أن القداس كان طويلاً، وإذا بالدموع تتسلل من عينيه وهو يقول: "لا تقل هذا فإني أتمنى لو كان عمري كله قداس لا ينتهي!"

كان من عادته أن يقف عند الباب الخارجي للكنيسة أثناء ختام القداس حتى متى انتهى القداس الإلهي يسرع إلى بيته، ويدخل حجرته، ولا يلتقي بأحدٍ لمدة ساعة. وكان يقول كيف أتحدث مع الناس بعد القداس الإلهي مباشرة؟

✥ غزارة دموعه:

حينما يتحدث عن حب الله الفائق كانت دموعه تتسلل فيتحدث مع الحاضرين بدموعه أكثر من كلماته.

أذكر أنه في إحدى زياراتي له وجدته يبكي فسألته عن سبب بكائه؟ فقال لي:

"أختي (زوجة أخيه) تبكي من أجل خمسة جنيهات يبدو أنها طارت مع الهواء وألقيت في وسط القمامة. قلت لها هل تبكين من أجل الخمسة جنيهات ولا تبكين على النفوس التي تهلك كل يوم؟"

هكذا كانت دموع تتسلل بغزارة من أجل خلاص الآخرين.

✥ نياحته:

كان يعاني من مرض متعب ولكنه كان لا يشكو، بل كان يشكر الله الذي أعطاه مرض الجسد لعلاج الروح، إذ يهتم بالباقي دون الفاني، والروح دون الجسد. أخيرًا تنيح بسلام في يوم الخميس 6 نوفمبر سنة 1969 عن 69 عامًا، وكان طوال الأسبوع الأخير من حياته على الأرض يعبّر لمن حوله أنه سينطلق من العالم. وظهر أثناء تشييع جنازته رائحة بخور قوية تتصاعد من جسده اشتمها الجميع.

حكى أحد أقاربه بالجسد عن نفسه أنه كان يحيا مستهترًا جدًا كشاب، وكانت أمه كثيرًا ما تنصحه أن يذهب ليجلس مع الأخ صادق ولكنه لم يفعل. وحضر جنازته ووقف أمام جسده وقال في نفسه: "يا رب كل الناس يقولون عن هذا الرجل أنه قديس. فإن كان كذلك بالحقيقة أعطني أن أتوب عن كل خطية وكل شر". وخرج من الجنازة باعترافه إنسانًا جديدًا، حتى التدخين الذي كان مستعبَدًا له أقلع عنه.

أخيرًا أود أسجل بكل شكر له، فقد اشترك في مراجعة جزء من كتاب "الحب الأخوي" أثناء وضع الخطوط العريضة له، وكان لتعليقاته أثرها في توجيه الكتاب ببُعد روحي عميق.

القمص لوقا سيداروس: باقات عطرة من سير الأبرار والقديسين، ج1 ص 217.

القمص تادرس يعقوب ملطي: قصص قصيرة.

صادوق ورفقاؤه الشهداء

أمام براهام ملك الفرس

في السادس والعشرين من شهر أمشير تُعيد الكنيسة بتذكار استشهاد القديس صادوق والمائة والثمانية وعشرين رجلاً في بلاد فارس. ذلك أن برهام ملك الفرس أستدعى القديس صادوق وعرض عليه أن يسجد للشمس. فأجابه القديس بقوله: "إنني لا أسجد إلا لله خالق الشمس وكل الكون". فقال له الملك: "وهل لهذه الشمس إله؟" فأجابه: "نعم هو السيد المسيح إلهنا". فأمر بقطع رأسه.

صلى القديس وتقدم إلى السياف فقطع رأسه. ظهر عند ذلك نور عظيم رآه الحاضرون فصاحوا: "نحن جميعًا مسيحيون". أمر الملك بضرب أعناقهم كلهم ونالوا إكليل الشهادة.

السنكسار، 26 أمشير.

صالح نخلة الأُرخُن

هو الابن الثاني للمعلم نخلة كاتم سرّ شريف باشا الكبير، والذي خدم في عهد البابا بطرس الجاولي، وقد ربَى أولاده أحسن تربية روحية وعلمية ممكنة آنذاك. ولما انتهوا من الدراسة وبلغوا سن الشباب برز منهم اثنان هما إبراهيم وصالح.

تشييد الكاتدرائية بالإسكندرية ومدرستها والدار البابوية

خدم هذان الشقيقان الكنيسة في صدق وولاء، ورأسا العمل على تشييد كاتدرائية عظمى بالإسكندرية تليق بمكانة البشير الشهيد، وتعاون معهما قبط المدينة فأعادوا بناء هذه الكنيسة بشكل أبهج قلوب المؤمنين.

ثم رأى الأخوان أن المدرسة أجدى وسيلة للنهوض بالشعب فقاما ببنائها ثم افتتحاها على النظام الحديث، فكانت لهذه المدرسة المكانة الأولى، إذ لم تكن هناك مدارس مصرية غير مدرسة رأس التين، والمدرستان اللتان أقيما في عهد البابا ديمتريوس الثاني. وقد افتتحها الشقيقان لجميع المواطنين بغير تفرقة بين قبطي ومسلم، ولذلك ذاع صيتهما، فجاءها الطلبة من مختلف الجهات حتى تتلمذ فيها أبناء الطوائف الأجنبية.

كذلك نظّم إبراهيم بك وأخوه صالح الدار البابوية، فعدّلا بناءها وشيّدا طابقًا أعلى ليكون سكنًا للبابا عند ذهابه إلى الإسكندرية، ولما كمل بناؤه فرشاه بأجمل الأثاث. ولقد شملهما كل من البابا ديمتريوس الثاني والبابا كيرلس الخامس بعطفه وزوَّدهما ببركاته.

حينما رأى البابا كيرلس مدى نجاح إبراهيم بك وأخيه في عملهما اليومي عيَّن إبراهيم ناظرًا على الأوقاف المرقسية وعلى مدرستها، بينما عيَّن صالح ناظرًا على الكنيسة المرقسية تقديرًا منه للجهود التي بذلاها في خدمة الكنيسة ونشر العلم بين أبنائها.

انتقل الشقيق الأصغر صالح إلى الفردوس سنة 1887م، وهو في المنصورة للاستجمام، وكان البابا كيرلس يحبه حبًا جمًا، فرأى تكريمًا لذكراه أن يضع عمله في يديَّ أخيه.

قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الرابع صفحة 383.

صرابامون أسقف الخرطوم

أب دير السيدة العذراء الشهير بالسريان

ترهَّب هذا الأب الجليل بدير السيدة العذراء الشهير بالسريان، ثم اختير ليكون أبًا لرهبانه سنة 1889م. وخلال أبوّته بنى عددًا من القلالي لتزايد عدد الشباب الذين فضلوا الحياة الرهبانية. كذلك أزال بيت الضيافة القديم وبنى بيتًا جديدًا مكانه، وتبع ذلك بناء خمسة بيوت سكنية في شارع كلوت بك قرب الكاتدرائية المرقسية بالأزبكية.

أسقف على الخرطوم

وفي 12 يوليو سنة 1897م رسمه البابا كيرلس أسقفًا على الخرطوم، فسافر إليها حاملاً معه كتبه، وكل الكتب التي كان بمقدوره أن يشتريها.

كان للأقباط في السودان قبل ذلك ممتلكات واسعة أوقفوا الكثير منها على الكنيسة وأنشطتها. كذلك كان لبعضهم عدد من المخطوطات الخاصة بالصلوات، ولكنهم فقدوا جزءً كبيرًا من هذه المخطوطات والأراضي في أعقاب حرب الدراويش، التي استشهد بسببها عدد غير قليل منهم.

وعاش الأقباط الذين نجوا من حد السيف بزراعة ما تبقى لهم من الأراضي، كما اشتغلت نساؤهم بحياكة الملابس. فكان حضور الأنبا صرابامون إليهم بداية نهضة جديدة.

أول مدرسة قبطية في الخرطوم

كان أول أعماله في الخرطوم أن اشترى قطعة أرض، بنى عليها أول مدرسة قبطية بالمعنى الحديث، وكان البناء الأول خاصًا بالبنين، فلما انتظم العمل فيها بنى إلى جانبه جناحًا جديدًا ليكون مدرسة للبنات.

في نفس الوقت ركّز عظاته على التعاليم الأرثوذكسية، وعلى تاريخ الكنيسة القبطية، وكان حديثه بعمق وحرارة، فتجاوب الشعب معه بمحبةٍ وحماسٍ.

العمل في كل السودان

تعاون مع أسقف أم درمان على بناء كنيسة جديدة، وساهم مع أسقف عطبرة في تجديد الكنيسة الموجودة واهتم ببناء مضيفة إلى جانبها، كما بنى كنيسة في الخرطوم بحري. ثم اشترى قطعتين من الأرض، الأولى في الأبيّض، والثانية في وادي مدني، مستهدفًا تشييد كنيسة على كل منهما، إلا أنه تنيح قبل البدء في البناء. وكانت مدة حِبْرِيّته ثلاثين سنة وتنيح سنة 1927م.

قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الخامس صفحة 94.

صرابامون أسقف المنوفية القديس الشهير بأبي طرحة

مع بداية القرن العشرين سجّل لنا توفيق اسكاروس في الجزء الأول من كتابه "نوابغ الأقباط ومشاهيرهم في القرن التاسع عشر" سيرة هذا القديس. ومَا عرف عنه من عمل معجزات كثيرة حتى إقامة موتي، وقد تحقّق الخبر من معاصري القديس أنفسهم، بل والتقي مع يواقيم بك منصور الذي أقامه الأب الأسقف من الموت، وهو في الشهر العاشر من عمره.

اتهامه ظلمًا

كان يُدعي صليب، يبيع زيت بالقاهرة علي حمار، يمرّ به في حواري مصر مناديُا. وفي ذات يوم توفي لإحدى النساء البطّالات ولد بفعل فاعل. وإذ خشت من المسئولية أشار عليها أقرباؤها أن تتّهم الرجل النصراني الذي يبيع الزيت، فتلقي بالولد تحت أرجل الحمار وتصرخ بأنه داسه وقتله. وبالفعل صنعت هذا فأمسكوا صليب وقادوه مع حماره إلي الحاكم وحوله جمع غفير، وشهد الجمع ضده بأنه قتل الولد. حاول أن يبرّئ نفسه فلم يستطع. تطلّع صليب إلي الولد وقال له: "يا ابني قمْ وقلْ لهم من الذي قتلك". في الحال قام الميت وكشف عن الحقيقة ثم رقد.

إذ حدث هذا للحال ترك صليب حماره وما عليه، وانطلق إلي دير الأنبا أنطونيوس هربًا من الكرامة والمديح.

أسقف المنوفية ووكيل عام البطريركية

لبث القديس في الدير حتى انتخبه البابا بطرس الـ 109 الشهير بالجاولي أسقفًا للمنوفية، وقد اشتهر بثلاثة صفات أساسية:

أولهما: التقشف والنسك والبساطة، فكان يقضي طول الليل قائمًا يصلي ثم ينام على الأرض، وكان أغلب أكله الدشيشة في إناء من خشب.

والثانية: كان يميل إلى الإحسان الخفي.

والثالثة: وهبه الله صنع الآيات والعجائب.

اُختير أسقفًا علي المنوفية، كما انتدبه البابا بطرس الجاولي للعمل في البطريركية كوكيل عام، يباشر الشئون والقضايا.

شفاء زهرى باشا

اشتهر بعمل المعجزات وزادت شهرته بإخراج الشياطين بقراءة المزمور 34 ورش المياه على وجوه المرضى.

اعترى زهرى باشا ابنة محمد علي باشا وزوجة أحمد بك الدفتردار روح نجس ولم يستطع الأطباء معالجتها. إذ سمع محمد علي باشا عن القديس صرابامون، استدعى البابا بطرس الجولي وأخبره بالأمر، طلب البابا من الأسقف أن يتوجّه إلي القصر حيث تسكن زهرى باشا، فلبّى دعوته.

إذ بدا يصلي سارت تصرخ وأُلقيت علي الأرض صرعى فارتج القصر، وخاف الأب فصار يستغيث بقوة السيد المسيح، وكان يزرف الدموع وهو يقول "خطيتك عظيمة يا صليب، يا يسوع مجّد يمينك وانصر كنيستك". أكمل صلاته ورسم علامة الصليب على ماء وضرب به وجه الأميرة، فصرخ الشيطان بصوتٍ مزعج وخرج منها.

فرح محمد علي باشا بشفاء ابنته، وحاول أن يكافئ الأنبا صرابامون، فاعتذر أن عمله ليس أن يربح بمواهب الرب. إذ أصرّ محمد علي باشا أخذ جزء يسير قام بتوزيعه علي العسكر أثناء خروجه، وطلب من محمد على باشا أن يتعطف علي الأقباط. منذ ذلك الحين صار للبابا مكانة عظيمة لدي عزيز مصر، وبالتالي لدي جميع الحكام، وأسندت وظائف كثيرة في الحكومة لكثيرين من الأقباط على أثر هذه الحادثة.

أمام عباس باشا الأول

أصدر عباس باشا الأول والي مصر أمرًا بإعدام جميع السحرة والمنجّمين، فوشي البعض بالقديس أنه كبير السحرة وأنه بسحره شفى زهرة باشا. طلبه الخديوي وكان ذلك في يوم الجمعة العظيمة. قابله الخليفة بازدراء وقال له: "هل أنت من السحرة والدجالين؟" أجابه القديس: "أنا إنسان مسكين ولا أدري شيئًا من ذلك" أجابه: "ألست أنت الذي شفيت زهرى باشا بالسحر؟" بكل قوة وشجاعة أجابه أن ما حدث كان بقوة الله. للحال خشيه عباس باشا وأكرمه.

مع يواقيم بك منصور

في البداية تردّد توفيق إسكاروس في الكتابة عن المعجزات التي صنعها الله علي يدي هذا الأسقف، خاصة إقامة الموتى. لكنه إذ التقى بيواقيم بك منصور البرهان الحيّ عن عمل الله معه روي ما حدث معه.

إذ كان يواقيم في الشهر العاشر من عمره مرض مرضًا خطيرًا ومات، وسلّمت والدته أمرها لله في وحيدها وكفنته، كان ذلك في مساء يوم جمعة. وكان من عادة الأنبا صرابامون أن يزور منزل خاله شاروبيم كل يوم سبت، ويجلس في الحوش لشرب القهوة والسؤال عن أفراد العائلة. ولما حضر وسمعت والدة يواقيم أسرعت بالنزول باكية، ووضعت طفلها الميّت بأكفانه في حجره، وقالت له: "هذا وحيدي قد مات". صلي عليه وفكّ الأكفان بيديه ونفخ في وجهه وقال لها: "لا تخافي ابنك بخير بإذن الله، وسيباركه الرب ويفتح البيت"، وللحال ردّت الروح في الطفل ورفع يديه وبكي ثم رضع البن، وعاش حتى أخذ المعاش في مايو 1909م، وهو يسبح الله ويشكره. كان يقول: "أبي هو أنبا صرابامون لأني لولاه لمتّ وكنت اليوم نسيًا منسيًا".

حبه للعائلات المستترة

رأي حنس النجار شخصًا غريب الزيّ يكاد لا يظهر من وجهه غير عينيه، فظنّه لصًا وتتبعه، وإذا به دخل عطفة (حارة) فأُخرى وعلي رأسه قفّة، وكان يقف بجوار الباب ويقرع، ثم يسلّم من يفتح له الباب ما لديه دون أن ينطق بكلمة. إذ لاحظ الأسقف ذلك قال لحنس: "عليك بركة أُحذرك تاني مرة من اللحاق بي أو أن تذكر ذلك لأي أحد".

هكذا كان يحمل الدقيق والخبز ويقوم بتوزيعه بنفسه بالليل علي العائلات المستترة التي لا تستطيع أن تمد يدها للسؤال، وإذ كان يمشي مغطيًا رأسه بشال حتى يخفي شخصيته اشتهر بلقب "أبي طرحة".

اهتمامه بكل أحد

كان يومًا ما مارًا بجوار حديقة الأزبكية فوجد امرأة تبكي من أجل أن البغل الذي يجرّ عربتها قد سقط ميتًا من ثقل الحِمل. وإذ عبر الأسقف أشار عليها البعض أن تطلب من الأسقف أن يُقيم لها البغل، فأمسكت بطرف ثوبه وسألته ذلك. صلي واستجاب الله له طلبته في الحال.

في طريقه إلي الكنيسة بحارة زويلة في شارع درب مصطفي أمسكت إحدى الباغيات ثوبه استهزاءً به، وكانت قد تراهنت مع بعض صديقاتها أن تمثل به في الطريق. سألها برفق مرارًا أن تدعه وشأنه، لكنها لم ترتدع. أخيرًا قال لها: "الذراع الذي أمسكني يُقطع، وللحال أصيب ذراعها بالفالج، وصارت تصرخ فصلي عليها وشُفيت.

اهتمامه بالحياة الأسرية

دخل أحد الأعيان ومعه اثنان وقص عليه خبرًا مؤلمًا وهو أنه رأى زوجته علي باب بيت من بيوت الدعارة، واستشهد بمن معه من أقاربها. لكن الأسقف هدّأ من روعه وقال له ربما سيدة تشبهها، وحدّد له موعدًا يلتقي به بعد دراسة الأمر.

أسرع الأسقف واستدعى السيدة، فاشتكت له من معاملة زوجها وأظهرت توبة صادقة، فأرسلها إلي بيوت أحد الكهنة وقد تأكد أنه لم يمسها أحد.

في اليوم التالي إذ حضر زوجها يشتكي من غيابها عن البيت قال الكاهن أنها قد جاءت تشتكي من معاملته وأنها مع زوجته.

خجل الزوج جدًا وتعهّد الاثنان أن يسيرا في مخافة الرب وبروح الحب.

كرهه للطلاق

كان الأنبا صرابامون يكره الطلاق ولم يطلق في مدة رئاسته أحدًا، ولما كان يستعصي عليه إرضاء الزوج أو الزوجة إذا تحقق أن أحدهما مظلوم يقول له: "إن شاء الله أزوجك في العام المقبل" فلا يأتي الميعاد إلا ويتوفى الظالم ويتزوج بطبيعة الحال المظلوم.

رؤيته نفس الأنبا مكاريوس

إذ تنيح الأنبا مكاريوس أسقف أسيوط انطلق الأسقف نحو باب حجرة البابا بطرس ليخبره بما رآه، فما كان من البابا قبل أن ينطق الأسقف أن قال له: "هل رأيت نفسه؟ الله يرحمه".

سرقة ثمن بيت للوقف

أودع الأنبا صرابامون عند تلميذه إبراهيم برغوت جرابًا من جلد به ستمائة ريال ليشتري به بيتًا للوقف بجوار البطريركية، وكان للتلميذ قريب إذ علم بأمر الجراب غافله وسرقه وأخفاه في خزانة. إذ أدرك إبراهيم ذلك ذهب للأسقف وأخبره بالأمر وهو يبكي. أجابه الأسقف: "لا تخف فإن الجراب سيرجع".

كلما أراد السارق أن يسحب من المبلغ شيئًا يجد خيال أنبا صرابامون بجوار الخزانة فكان يهرب، وإذ تكرر الأمر ندم وتاب ثم اعترف، وحمل الأمانة إلي الأسقف. فما كان من الأسقف إلا أن قال له: "لابد يا ابني أنك سرقت الجراب من أجل الحاجة إلي المال" ثم قبض بيده وأعطاه دراهم بدون أن يعد.

إنسان يفقد الحياة

تعرّض له ثلاثة شبان قصدوا السخرية به، وإذ تمدَّدَ أحدهم أرضًا كميت وقف الاثنان يبكيان لدي مروره طالبين منه إحسانًا للنفقة علي الجنازة. فقال لهما: "هو مات!" قالوا "نعم، مات" فأعطهم قائلاً: "خذوا. مات... مات" وانصرف. فلما أردوا إيقاظه وجدوه قد فارق الحياة.

البابا بطرس يلجأ إليه

إذ جاء البعض بإنسان به روح نجس طلبوا من البابا بطرس أن يصلي عليه ليُشفى، أما هو فطلب منهم أن ينتظروا حتى يحضر الأنبا صرابامون. وكان الأنبا إبرام أسقف أورشليم موجودًا يسمع فقال للبابا أن يصلي بنفسه ولا ينتظر أحدًا. أجابه البابا بأن الله قد خصّ كل شخص بموهبة معينة، وأنه وهب الأنبا صرابامون موهبة شفاء المرضي وإخراج الشياطين.

وإذ كرر عليه الكلام قال له البابا "أنت أسقف مثله صلِ علي المريض". فانطلق وصلي بلا جدوى، بل كان الروح الشرير يسخر منه، ويذكره بقصوره في واجباته.

بعد مدة حضر الأنبا صرابامون فطلب منه البابا أن يصلي علي المريض فاعتذر بأنه رجل خاطىء، وأخيرًا قبل بشرط أن يدفع صليبه إليه ويساعده بصلاته وهو في مكانه بالدور العلوي. فدفع له الصليب وتناول البابا كتاب المزامير وصار يتلو فيه. أما الأسقف فانطلق إلي مكان المريض ولم يبدأ بصلاته الشكر حتى صرخ الروح النجس مولولاً وهو يقول: "أزعجتماني هل اَحتملك أنت واحتمل الذي فوق!" وللحال تثاءب المريض وقام معافى.

ضبط نفسه

دخل منزل المرحوم ميخائيل والد جرجس في أحد أيام الخماسين، واشتمّ رائحة ملوخية وفراخ فاشتهت نفسه هذا الطعام. فأرسلوا إليه بمقره بدار البطريركية ما طلب. وإذ حان وقت الطعام قدّمها له التلميذ. فقال لنفسه: "هذا هو طلبك" ثم أمر برفعها وتكرّر ذلك ثلاثة أيام حتى أنتنت ثم أكل منها.

قيل أن هذا الأمر حدث أيضًا مع البابا بطرس الجاولي.

شفاء لص يود سرقته

في زيارته في القرى تعرّض له عبد رئيس عصابة وطلب منه النقود التي معه، فلما فتّش في جيوبه قال له: "ليس معي نقود".

قال له العبد: "انزل عن دابتك واخلع ملابسك!"

قال له الأسقف: "ما لك ومالي".

رفع الباغي يده ليهوي بنبوته علي رأسه، فقال له: "أنت رفعتها! طيّب خليها مرفوعة".

عبر به الأسقف فوجده علي حاله ويده مرفوعة، وكان يصرخ من شدة الألم. استغاث به لكي يرحمه فقال الأسقف: "يا خطيّتك يا صليب روح يا ابني، الله يباركك، وعفي عنه". وندم اللص وترك اللصوصية.

إنقاذ ولد من البئر

يروي القمص سيدارورس اسحق وكيل شريعة الأقباط بشبين الكوم عمّا حدث مع ابن يدعي ميخائيل تادرس، كان لا يزال حيًا حين تحدث القمص سيداروس.

صلي الأسقف في كنيسة السيدة العذراء بشبين. فجأة صرخ الأسقف أمام المذبح: "يا أم النور حوشي! يا أم النور". ثم التفت نحو الشعب وقال: "الحقوا ميخائيل تادرس وقع في البئر".

فخرج الشعب مذعورًا ونادوه فوجدوه سالمًا، وطلب منهم أن ينزلوا إليه حبلاً وربط نفسه في الحبل وشدّوه به. وخرج من البئر دون أن تبتل ملابسه حتى بالماء. ولما سألوه عما رأي قال لهم أنه لما سقط في البئر تلقته سيدة وجهها مشرق وكانت تجلس علي كرسي فوق سطح الماء. أخذته في حجرها وقالت له: "لا تخف"، وبقي هكذا حتى أخرجوه.

اكتشاف أمره

أراد أحد أفراد الشعب أن يعرف كيف يقضي الأسقف ليلته، فقد كان يصلي إلي ساعة متأخرة بالليل ثم يحضر "مركوبه" أي حذاءه ويضعه تحت رأسه وينام علي الأرض.

وقف الرجل متخفيًا في الظلام ليرى كيف يعيش الأسقف، وإذ عرف الأسقف بالروح ناداه وقال له: "اذهب يا فلان، الله يباركك"، فذهب إلي بيته مريضًا، وفي الصباح عاد إلي الأسقف يعتذر له ويطلب السماح، فوبخه علي عمله هذا وصلي عليه فبريء.

مع العمدة حميدة

أثناء سيره في بلاد المنوفية هطلت أمطار غزيرة حتى تعذر المسير، وكان بالقرب منه بلدٍ فجاهد حتى بلغ إليها. سأل إن كان أحد من الأقباط بالبلد، فقيل له: الصراف. طرق الباب فرفضت السيدة أن تفتح له لأن زوجها غير موجود، سألها أن تأويه في حوش البيت فرفضت تمامًا.

كان بجوارها بيت العمدة القديم اسمه حميدة، وكان فقيرًا لا يملك سوي الدوّار الباقي وهو خراب. إذ بلغ الدوار استقبلته الحاجّة زوجة حميدة بكل ترحاب إذ سمعت عنه الكثير، واستدعت رجلها الذي رحّب به جدًا، وكان يقول له: "الله رضي عليّ".

سأل الأسقف حميدة: "هل لديك أولاد؟"، أجابه بأن الحاجة زوجتي لم تلد قط. دعا له بعمار البيت وصلّى علي ماء وطلب أن تستحم به زوجته، وقال له أنه في العام التالي سيكون لديه ولد. وبالفعل لم تمضِ سنة حتى تعيّن حميدة مأمور قسم وعادت إليه ثروته، وحملت زوجته وكان حميدة يزور الأسقف سنويًا إلي يوم نياحته.

نياحته

وطالت أيام القديس حتى أدرك البابا كيرلس الرابع، والأنبا صرابامون هو الذي رسم الراهب يوحنا الناسخ (البابا كيرلس الخامس) سنة 1845م قسًا بأمر البطريرك. وقد تنيح الأنبا صرابامون ودفن مع البابا بطرس الـ 109 والبابا مرقس الـ 108 في الجهة الشرقية القبلية من الكنيسة المرقسية الكبرى بكلوت بك.

تاريخ الكنيسة القبطية، صفحة 590.

صرابامون الأسقف الشهيد

مسيحيته ورهبنته

هو أسقف نقيوس، وقد وّلد بأورشليم من أب اسمه إبراهيم بن لاوي بن يوسف أخي سمعان خال اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء من سبط يهوذا. عند ولادته سمّي سمعان على اسم جده.

لما توفي والده اشتهى سمعان أن يصير مسيحيًا، فظهر له ملاك الرب وأمره أن يمضي إلى الأنبا يوحنا أسقف أورشليم الذي عرَّفه عن سرّ تجسد السيد المسيح، إلا أنه لم يجسر أن يعمّده بأورشليم خوفًا من اليهود، فظلّ متردّدًا فيما يعمل.

ظهرت السيدة العذراء مريم لسمعان وعرَّفته أن يمضي إلى مدينة الإسكندرية ويذهب إلى القديس ثاؤنا بابا الإسكندرية السادس عشر. فمضى وصحبه في طريقه ملاك الرب في زي إنسان حتى وصل إلى الإسكندرية وقصد البابا ثاؤنا، ففرح به ووعظه وعمّده باسم صرابامون، وكما يقول البابا الكسندروس كاتب سيرته أن معناه "المولود في إيمان آبائه".

انعكف علي دراسة الكتاب المقدس، وكان كثيرًا ما يتأمل في آلام السيد المسيح من أجل محبته للبشرية. كان يسنده في ذلك البابا ثاؤنا وتلميذه الشماس بطرس، الذي أحب صرابامون جدًا بسبب شغفه علي الدراسة وحبه للعبادة. كان يرى وجهه مشرفًا بالفرح والسرور، وكم كانت دهشته حين وجد صرابامون نفسه يشرح ما يغمض عن الشماس، كأن نبيًا أو إنجيليًا يفسر له الغوامض.

أسرع الشماس إلي البابا يخبره بحكمة صرابامون وبامتلائه من المعرفة الروحية، وقدرته العجيبة على تفسير الكتاب المقدس، فتذكر البابا ما قاله الملاك بخصوصه وأعلم به كاتبه الشماس بطرس.

رهبنته

جاء بعض الآباء الرهبان من دير الزجاج يدعون البابا ثاؤنا ليرأس صلاة الفصح المسيحي (عيد القيامة). سأل صرابامون الشماس بطرس عن حياتهم إذ أعجب بهدوئهم وحكمتهم. ثم استأذن البابا ليذهب إلي الدير معهم، وهناك أحب الوحدة.

وفي وقت وجيز حفظ العهد الجديد عن ظهر قلب بجانب ما حفظه من العهد القديم، وأيضا أقوال وعظات الكثير من الآباء القديسين، ولاسيما كتابات القديسين أغناطيوس النوراني وبوليكربس.

مساعدة البابا ثاؤنا

لما تنيح البابا ثاؤنا وأقاموا البابا بطرس خاتم الشهداء تذكر صديقه الروحي المحبوب صرابامون، أرسل فاستحضره ليساعده في أعمال البطريركية، خاصة في التعليم. لكنه إذ كان محبًا لحياة التأمل عاد إلي ديره، وكان البابا يستدعيه من وقت إلي آخر ليستمع إليه ويتمتع بمصاحبته إذ كان نور يشرق من وجهه.

أسقف كرسي نقيوس

بعد عشرة سنوات من باباوية القديس بطرس خاتم الشهداء خلا كرسي نقيوس بنياحة القديس يوحنا، فأرسل واستدعي الراهب صرابامون وسامه أسقفًا عليه، ففرحت به رعيته جدًا.

أظهر الرب على يديه عدة آيات وعجائب، منها أنه كان بجوار مدينته برابي لعبادة الأوثان، فلم يزل يطلب من السيد المسيح حتى تهدمت وغطاها الماء واستؤصلت عبادة الأصنام من كرسيه. كما استأصل أيضًا بدعة سابيليوس الصعيدي، الذي كان يُعلِّم بأن الآب والابن والروح القدس أقنوم واحد.

أفاض البابا الكسندروس في الحديث عن مقاومة القديس أنبا صرابامون لاتباع آريوس وميلاتيوس.

صنع العجائب والمعجزات

يقول البابا الكسندروس واضع سيرته:

"صارت المدينة مثل أديرة الرهبان... هذا بالإضافة إلي العجائب والمعجزات التي تمّت علي يديه والتي لم تكن تنقص عن عجائب ومعجزات الرسولين بطرس وبولس. فقد كانوا يقدمون له المرضي والذين بهم أرواح شريرة، فكان المرضي ينالون الشفاء بمجرد الصلاة عليهم. وكانت الأرواح الشريرة تخرج صارخة مستغيثة ألا يعذبهم القديس بصلواته".

اهتمامه بالأغنياء والفقراء

صارت المدينة كأنها أسرة واحدة، فكان يحث الأغنياء علي العطاء للفقراء بسخاء، وكان الفقراء يأخذون ما يحتاجون إليه.

استشهاده

لما كفر دقلديانوس أعلموه بأن صرابامون الأسقف قد عطّل عبادة الأوثان بتعليمه فأمر بإحضاره إليه، فلما وصل إلى الإسكندرية مع الرسل قضى ليلته في السجن حيث قابله البابا بطرس وجماعة من الكهنة وصافحوه، فرأوا وجهه كوجه ملاك.

ولما وصل صرابامون إلى الملك عذّبه بأنواع العذاب وكان السيد المسيح يقيمه بغير ألم. فلما رأى الملك إقبال الكثيرين على الإيمان بسببه أرسله إلى إريانا والي أنصنا لتعذيبه وقطع رأسه إن لم يرجع عن رأيه. واتفق أن كان إريانا بالإسكندرية فأخذه معه في سفينة، ولما وصلوا إلى نقيوس بلده وقفت بهم السفينة ولم يستطيعوا أن يحرّكوها، فأخذوا القديس وذهبوا به إلى بحري البلد وهناك قطعوا رأسه ونال إكليل الشهادة، فأخذ شعبه الجسد بكرامة عظيمة إلى الكنيسة.

نبوته لإريانا

قبل أن تسير المركب قال القديس صرابامون للوالي:

"يا إريانا، إن السيد المسيح يدعوك إلي عرسه، فإذا دعاك أسرع ولا تتوان عن المضي إلي العرس.

فسوف تجاهد وتنال إكليل الشهادة، وتغلب دقلديانوس بصبرك ".

سخر الوالي بهذه النبوة وحسبها ضعفًا حتى جاء الوقت الذي فيه قَبِل إريانا الإيمان المسيحي وصمّم أن يستشهد.

أيها القديس صرابامون، من هو الحكيم الفهيم الذي يقدر أن يصف علوّ فضائلك، يا أيها المجاهد الشجاع.

أي فيلسوف في الكلام يقدر أن يسطّر معجزاتك أيها اللابس الإله، القديس صرابامون؟!

من هو الباحث الذي يقدر أن يفحص علوّ جهادك أيها الناطق بالإلهيات، الكامل في كل صلاح، الذي جاهد من أجل خراف السيد المسيح، وقبلت كمال الآلام لتهدي الكثيرين وتبعدهم عن طريق الضلال، متخذًا الرسول بولس قدوة لك، الذي أرشد الكثيرين وهداهم إلي طريق الحق اليقين؟!

البابا ألكسندروس السكندري

مخطوط رقم 214 لدير السريان، نشره الراهب القس صرابامون الأنطوني.

صرابامون القمص القديس

قمص دير "أبو يحنس"

القديس الناسك العابد الأنبا صرابامون هو قمص دير "أبو يحنس". ترهّب هذا القديس منذ صغره في الدير، ومكث في العبادة وخدمة الشيوخ اثنين وثلاثين سنة، ثم رُسم قمصًا على الدير وأوكلوا إليه أمر تدبيره، فتزايد في بره ونسكه. وكان يقضي نهاره صائمًا من يوم ترهّبه إلى يوم نياحته.

بعد أن قضى في الدير عشرين سنة حبس نفسه في إحدى الكنائس، ولم يعد أحد يراه إلى كمال عشرة سنوات. وكان في هذه المدة لا يفطر إلا في يومي السبت والأحد فقط.

صليب من نار

لما دنى يوم وفاته ظهر له ملاك الرب في حلم وقدّم له صليبًا من نار قائلاً: "خذ هذا بيدك". فقال له: "كيف أستطيع أن أمسك النار بيدي؟" فأجابه الملاك قائلاً: "لا تخف. السيد المسيح لن يجعل لها سلطانًا عليك". فمد يده وتناول الصليب من الملاك، ثم قال له الملاك: "تقوّ وتقرّب من الأسرار المقدسة، وبعد ثلاثة أيام آتي وآخذك".

لما استيقظ من نومه أعلم الشيوخ بالرؤيا، فبكوا وودعوه طالبين منه أن يذكرهم، فطلب منهم أن يذكروه في صلواتهم. ثم تنيح في اليوم الثالث والشيوخ حوله.

السنكسار، 5 برمهات.

صفرونيوس الأسقف

في عهد البابا بنيامين الثامن والثلاثين كان البيزنطيون يضطهدون الكنيسة القبطية، الإكليروس والشعب، وكانوا يرسلون أساقفة يفرضونهم على الكنيسة بدلاً من الباباوات المنتخبين من الشعب.

وصل قورش الأسقف الدخيل إلى الإسكندرية، وكان أحد المقاومين البارزين له راهب اسمه صفرونيوس، أخذ يحاججه لعلّه يقنعه بالإيمان الأرثوذكسي.

ترك صفرونيوس الإسكندرية وذهب إلى القسطنطينية حيث قابل أسقفها والإمبراطور، ولكنه فشل في إقناعهما بفساد مسلكهما مع المصريين، فغادر القسطنطينية وقصد إلى أورشليم. وحدث أن وصل المدينة المقدسة وكرسيها شاغر، فظن الناس أن وصوله إلى مدينتهم في مثل هذا الوقت إشارة من السماء لانتخابه أسقفًا لهم.

قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الثاني صفحة 203.

صلسس

اتسم بالثقافة العالية، ويعتبر أفلاطوني إلى حد ما، وهو أحد الشخصيات التي كرّست موهبتها لمقاومة الإيمان المسيحي في القرن الثاني، فوجه أشعاره لتحقيق هذا الهدف.

درس صلسس بعض الكتابات المسيحية واليهودية خاصة أسفار التكوين ومتى ولوقا وجزء من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس.

من جهة نشأته وتاريخ حياته لا نعرف عنه شيئًا، إنما كل ما نعرفه هو من خلال كتاباته التي فُقدت ولم يبقَ منها إلا ما اقتبسه المدافعون عن الإيمان المسيحي. وقد كرس العلامة أوريجينوس عملاً خاصًا بذلك "ضد صلسس Contra Celsus" يحوي حوالي 90 في المائة من عمل صلسس الذي دعاه: "التعليم السليم True Doctrine or True Discourse".

يعتبر كتاب "ضد صلسس" أهم أعمال أوريجينوس الدفاعية، وهو مقال مكوّن من ثمانية كتب في إجابة مطوَّلة ضد صلسس. كتبه في أواخر حياته حوالي عام 248م، موجود بكامله. ويعتبر أحد أعماله القيمة جدًا، كما يعتبر مصدرًا هامًا في تاريخ المسيحية في الكشف عن الصراع بين المسيحية والوثنية.

صلسس هذا في نظر أوريجينوس كان أبيقوريًا، لكن كانت له أفكار أفلاطونية، وهو صديق الخطيب لوقيان Lucian (حوالي 120 - 200م). بجانب معرفته بفلسفات عصره كان صلسس في الواقع رجل دولة أكثر منه كاتب، كان غيورًا على الإمبراطورية الرومانية ومهتمًا بالحفاظ على شرائعها وتقاليدها.

إذ أراد الهجوم على المسيحية قرأ العهدين "القديم والجديد"، كما قرأ كتابات اليهود ضدّها، وعرف كتابات الغنوصيين، حتى ظن أنه عرف كل شيء عن المسيحية، فكتب عمله "True Discourse" حوالي عام 178م، مستخدمًا كل وسيلة تعلّمها للهجوم على المسيحية.

ا. في هجومه بدأ بتقديم يهودي، هاجم شخص يسوع المسيح، متهمًا القديسة مريم بالزنا، كما استخدم إنكار بطرس وخيانة يهوذا وموت يسوع كمتناقضات للاهوته؛ فقد رفض التجسد والصلب، كما جعل من القيامة خدعة.

ب. هاجم المسيحية واليهودية معًا، فسخر بفكرة المسيَّا، كما اتهم السيد المسيح أنه تعلم السحر في مصر.

ج. هاجم فكرة "ما فوق الطبيعة" التي تقوم عليها المسيحية واليهودية معًا، ويرى أن الصراع بين المسيحية واليهودية نوعًا من الغباء.

د. هاجم فكرة "الوحي الإلهي" وأنكر العقاب الأبدي، متهمًا المسيحيين أنهم ورثوا الجهل والقسوة عن آبائهم اليهود، ودعاهم غير متعلّمين وعبيدًا ونساءً وأطفالاً وسخفاء.

ه. في رأيه أن الله لا يهتم بالإنسان أكثر من اهتمامه بالقرود والحشرات... وفي مجمله لم يحمل مشاعر دينية قوية.

و. مدح التعاليم المسيحية السلوكية وتعاليم اللّوغوس، وفي رأيه أن يُترك المسيحيون يعيشون بشرط أن يتخلّوا عن عزلتهم السياسية والدينية ويخضعوا لتقاليد الدولة الدينية. فقد كان متخوفًا من عزلتهم أن تسبب شقاقًا في الدولة وانهيارًا للإمبراطورية الرومانية. لهذا دعاهم لمساندة الملك والعمل معه في تحقيق العدل، والمحاربة من أجله، وإن استدعى الأمر أن يكونوا في الحرب تحت قيادته أو من ينيبه عنه، لتدعيم شرائع الدولة ودينها.

لم يقرأ أوريجينوس هذا العمل، الذي كان أثره على مصر وفلسطين لا يُذكر. قرأ أمبروسيوس صديقه الكتاب وشعر بخطورته فأرسل إليه يطلب أن يفنده.

في البداية كان رأيه أنه لا حاجة لتفنيده وأن حياة السيد المسيح وسلطانه يعرفها الجميع، وهذا خير شاهد ضد ما كتبه صلسس، وأن هذا العمل لن يهز إيمان أي مسيحي. لكنه عاد واستجاب لطلب صديقه، فكتب الرد بنظرةٍ روحيةٍ ثاقبةٍ ومهارةٍ عظيمةٍ وفكرٍ ناضجٍ يحمل قوة. وجاء ردّه يحوي اقتباسات كثيرة من الكتَّاب الوثنيين، ولعله بهذا أثبت أنه كان من حيث علمه منافسًا كبيرًا لخصمه صلسس.

وجَّه أوريجينوس مقاله لا للمؤمنين تمامًا، بل للذين ليس لهم معرفة بالإيمان المسيحي أو الذين قال عنهم الرسول بولس (رو14: 1) أنهم ضعفاء في الإيمان.

في هذا العمل أوضح الآتي:

ا. لو قرأ صلسس النبوات ودرس الكتاب المقدس بعهديه كما يجب لما قال أنه يعرف "كل شيء"... "نحن الذين درسنا هذه الأمور دراسة عن قرب لا نستطيع أن نجرأ ونقول أننا نعرف كل شيء لأننا نحب الحق".

ب. أجاب على اعتراض صلسس بأن المسيحية إيمان البسطاء، بأن هذا الإيمان البسيط يحمل نوعًا من المعرفة أكّده كلمة الله، وحمل ثمارًا حيّة في حياة المسيحيين أنفسهم الذين تركوا رذائلهم القديمة. هذا وأن المسيحية تقدم بساطة الإيمان للبسطاء، كما تقدّم سموّ المعرفة العالية للكاملين. الله في محبته للبشر قدّم لبنًا للأطفال وطعامًا قويًا للبالغين. لقد أراد أن يرتفع بالضعفاء إلى "معرفة الله في حكمة الله".

ج. انتقد أوريجينوس صلسس، لأنه عبر على النبوات الخاصة بالسيد المسيح دون مناقشتها كما ينبغي، فقد شهد الأنبياء قبل مجيئه عن ميلاده في بيت لحم وآلامه ومجيئه الأول والأخير وقيامته والتغيير الذي يصنعه...

د. أكد صدق الأناجيل بما تحمّله الرسل من أجل الكرازة به، كما تحدّث الإنجيليون عن ضعفاتهم الخاصة وعن تركهم للسيد أثناء الصلب وإنكار بطرس... فلو أن الأناجيل من عملهم الذاتي لما ذكروا شيئًا من هذا. أكد أوريجينوس كيف أن وعود السيد المسيح قد تحقّقت، فقبل العالم رسالته وانتشر الإنجيل في كل المسكونة، ومن أجله احتمل الكثيرون الاستشهاد.

هـ. أما عن قيامة السيد فقد أوضح أوريجينوس أنه صُلب علانية ومات أمام الكثيرين، فإذ ظهر بعد ذلك كانت قيامته حقيقة لا شك فيها. وقد شهد الرسل عنها حتى الموت. "لو أنهم اخترعوا رواية القيامة، كيف كانوا يبشرون بها بعد ذلك بقوة حتى أنهم ليس فقط قادوا الآخرين إلى احتقار الموت بل هم أولاً احتقروه".

قد يعترض: لماذا لم يظهر بعد قيامته للجميع؟ أجابه ليس الكل كان مستحقًا لرؤيته ولا كان قادرًا على التفرس فيه؛ فيشرح لنا ظهوره لتوما وللتلميذين الذين كانا في طريقهما لعمواس الخ.

تأكّدت القيامة أيضًا بالنبوات وبالمعجزات، وفوق الكل بثمار الخلاص التي قدمتها للجنس البشرى.

و. تحدّث عن التحوّل الذي حدث في العالم، وكيف قدّمت المسيحية حياة فُضلى فعّالة في حياة الناس. يحوَّل السيد الخطاة إلى قديسين... ويغيّر النفس البشرية ويجدّد طبيعتها.

ز. أكد أوريجينوس طاعة المسيحيين للحكام، لكنها ليست طاعة مطلقة إنما في الرب، فلا يقبلون العبادات الوثنية.

Fr. Tadros Y. Malaty: The School of Alexandria, Book 2, Origen, 1995, p. 104 ff.

صليب الشهيد

✥ نشأته:

كان في عهد البابا يوأنس الثالث عشر، وقد ولد في بلدة هور مركز ملوي محافظة المنيا، وكان والداه خائفي الرب، فربّياه تربية روحية حقّة، وعرفا كيف يجعلان العقيدة تترسخ في أعماقه فلا يرضى بها بديلاً.

✥ زواجه وبتوليته:

لما بلغ سن الشباب فكّر والداه في اختيار زوجة له من أقاربه وزوّجاه رغم إرادته، ولم يعرف القديس امرأته وظلاّ بتولين تحرسهما العناية الإلهية ويظلّلهما ملاك الرب.

عقب زواجه صار يتجوّل في الجبال والبراري ويزور الأديرة ويعزّي نفسه الطاهرة بعِشرة القديسين والنسّاك والمتعبّدين. ولما عثر عليه أهله قيّدوه بالحديد حتى لا يفارقهم، ولكنهم رأوا أن هذه القيود قد انحلّت من قدميه وانفتحت أقفالها من نفسها بقوة السيد المسيح الحالة فيه.

كان صليب يواصل ليله بنهاره بالصلوات، وكانت أمنيته الوحيدة التوسّل لوالدة الإله القديسة مريم أن تعينه على نيل إكليل الشهادة على اسم ابنها الحبيب، فظهرت له السيدة العذراء مريم في حلم وأفهمته أن طِلبته أجيبت وسينال أمنيته وسيكون رئيس الملائكة الطاهر ميخائيل في حراسته.

✥ استشهاده:

قبض عليه جماعة من الغوغاء غير المؤمنين وقدّموه لحاكم البلاد لإعلانه إيمانه بالسيد المسيح، فانهالت عليه الشتائم والإهانات واللكمات، كما رجموه نتيجة تمسّكه واعترافه بالسيد المسيح، فلم يُصِبه شيء لأن ملاك الرب كان يحرسه.

أودعه الحاكم في السجن، فكان كلّما وضع السجَّان الحديد في رجليه يجده حرًا طليقًا، وقد اعترف بإيمانه بالسيد المسيح أمام والي مصر، الذي أرسله للملك الأشرف قانصوه الغوري، وظل معترفًا ومتمسكًا بإيمانه فأرسله الملك إلى القضاة الذين قرّروا إعدامه وإشهاره في أرض مصر وشوارعها مكبّلاً بالحديد وتمّ تنفيذ ذلك. وبعد جهاد مرير قُطِعت رأسه في 3 كيهك سنة 1229ش، ونال إكليل الشهادة.

وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 249.

صموئيل أسقف أوسيم

من مشاهير الكنيسة القبطية في القرن الثامن الميلادي. عاش زاهدًا فلم يقتنِ لنفسه شيئًا من مقتنيات العالم. لم يكن له سوى ثوب واحد، وكان بهي الطلعة حسن السيرة، يعظ الخطاة والمرتدين عن الإيمان، فيسمعون له ويطيعون قوله.

مع البابا ألكسندروس الثاني

كان مع البابا ألكسندروس الثاني وقت أن دعاه جابي الخراج وهو ينوي به شرًا، ففرّا كلاهما معًا فتبعهما الجابي، فوجد البطريرك قد مات وألقى القبض على هذا الأب، وأتى به إلى عبد الله الوالي.

اتهمه الوالي بأنه حرّض البطريرك على الهروب، وطلب منه أن يدفع عوضه ألف دينار. وكان الأنبا صموئيل فقيرًا لا يملك قوت يومه، فاعتذر للوالي بعدم قدرته على دفع المبلغ فلم يقبل منه، وسلّمه إلى شرطيين لتعذيبه فأخذاه وقدّماه إلى قوم من البرابرة لهم طباع الوحوش، فجذبوه وصاروا يجرونه في شوارع مصر حتى أتوا به إلى باب كنيسة مار جرجس وجمع كثير يجري خلفه.

تعذيبه

بعد هذا التعذيب عادوا يطالبونه بدفع المبلغ ولما رأوه عاجزًا عن تقديمه نزعوا عنه ثوبه وألبسوه مسح شعر، وعلّقوه بذراعيه وهو عريان وجميع الشعب ينظرونه وهم يضربونه بسياط من جلود البقر حتى جرى دمه على الأرض.

استمروا معه على هذا الحال أسبوعًا، وكبار الموظفين يتوسطون له عند الأمير وأفهموه بأن لا يد له في هروب البطريرك، وأخيرًا أطلقوه بعد أن تجرَّع كؤوس الآلام أشكالاً، ولا ريب أن ذلك العذاب قضى عليه فلحق بآبائه.

تاريخ الكنيسة القبطية، صفحة 378.

صموئيل الأثيوبي القديس

رهبنته

وُلد في أكسوم من أبوين تقيّين هما إسطفانوس ومريم، علّماه كتب الكنيسة.

إذ مات والداه مضى إلى دير بكنول عند الأنبا أدهاني، وهناك لبس زي الرهبنة، وصار يجاهد في صلواته وأصوامه، وكان يخدم الرهبان.

إذ كثر الذين يزورونه من أقربائه مضى إلى موضع آخر يواصل فيه نسكه وعبادته، خاصة ممارسة المطانيات.

في البرية

مضى إلى البرّية ومكث أربعين يومًا وأربعين ليلة لا يأكل شيئًا. وتـآلفت معه وحوش البرية المخيفة، وكانت تداعبه وتلحس قدميه. كثيرًا ما كانت تأتي إليه الوحوش المريضة لكي يُصلى من أجلها فتُشفى.

قيل أنه ذات يوم كان يحمل كتابًا ونارًا، وإذ أراد أن يعبر نهرًا صلّى ثم دخل بإيمان فحملته الأمواج إلى الشاطئ الآخر، وإذا به ينظر إلى النار فيجدها لم تنطفئ والكتاب لم يبتل.

جهاده

كثيرًا ما حاربه عدوّ الخير في شكل حيوانات مفترسة مرعبة، أما هو فكان دائم التفكير في الله، ولم تستطع الشيّاطين أن ترعبه.

معجزاته

تتلمذ له كثيرون منهم الأنبا زاروفائيل أي رافائيل الكبير. اجتمع الاثنان يومًا ما وخرجا في البرية يتحدثان عن عظائم الله، وإذ حلّ المساء صلّيا معًا ثم نزلت مائدة من السماء فأكلا وشكرا الله.

اجتمع أيضًا مع سائح آخر وكانا يتحدثان عن العجائب التي صنعها الله معهما. قال الأنبا صموئيل: هوذا اثنتا عشر سنة صارت لي وأنا واقف في السماء أبصر عرش الله ومعه الأربعة وعشرون قسّيسًا كهنة السماء.

قداس فريد

قيل أنه أراد أن يقيم قدّاسًا إلهيًا فنزل إليه من السماء خبز وكأس، وبينما كان يصلّي ارتفع المذبح عن الأرض بقدر ذراع، وكان المذبح باسم السيدة العذراء. ظهرت السيدة العذراء وقدّمت له حجرًا من الجوهر ثمينًا يضيء، وبخورًا له رائحة فريدة.

نياحته

إذ جاء وقت نياحته ظهر له رئيس الملائكة ميخائيل وخطفه، وأراه أورشليم السماوية، وأحضره أمام عرش الله ثم أعاده إلى موضعه حيث روى لتلاميذه كل ما رآه، وتنيح بسلام.

راهب من دير البراموس: الرهبنة الحبشية، 1999، صفحة 127.

صموئيل الشهيد

يوجد أكثر من شهيد يحمل اسم صموئيل:

1) صموئيل المصري الشهيد: الذي استشهد مع أربعة شهداء مصريين آخرين تحت حكم فيرميليان Firmilian بقيصرية Caesarea، وذلك أثناء اضطهاد دقلديانوس للمسيحيين. تُعيِّد له الكنيسة الغربية في السادس عشر من شهر فبراير.

2) صموئيل الفارسي الشهيد: الذي حُكِم عليه بالموت مع أخيه Bar - Hadbesciaba بأمر من الملك سابور Sapor، بسبب تشجيع وتثبيت الشهداء الأربعين.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 583.

صموئيل المعترف

✥ نشأته:

وُلد هذا القديس حوالي سنة 597م بوعد إلهي لوالده التقي القس سيلاس، وذلك في بلدة مليج النصارى مركز شبين الكوم. اهتم والده بتربيته تربية مسيحية، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره كان يمارس أصوام الكنيسة بنسك شديد. وقيل أنه وهو في هذه السن المبكرة كان يصوم إلى الغروب، كما كان مواظبًا على الصلاة وملازمًا للكنيسة فرُسِم أغنسطسًا (قارئًا). ولما كبر أراد والداه أن يزوّجاه لكنه أبى وصارحهما بأنه يريد أن يكون راهبًا. وكانا إذا أكثرا عليه الكلام بخصوص الزواج يبكي ويقول لهما: "إذا أوجعتما قلبي بهذا الكلام فسأمضي إلى البرية ولا ترونني". فلزما الصمت، وقالت أمه الطوباوية قسميانه: "إننا نفرح إذ يجعلنا الله مستحقين أن يكون لنا غُرس مبارك في أورشليم السمائية".

✞ رهبنته:

بعد نياحة والديه قصد برية شيهيت حوالي عام 619م، وتوسّل إلى الله أن يرشده إلى أين يذهب، فأرشده بملاكٍ إلى دير القديس مقاريوس، حيث تتلمذ على أب ناسك قديس يدعى أغاثون الذي رهبنه وألبسه الإسكيم الرهباني.

كان يقتفي أثر معلمه الروحاني، فكان يصوم ولا يأكل إلا مرتين في الأسبوع، وكان لا يأكل خبزًا مدة الصوم الكبير. وكان حارًا في صلواته مداومًا على القراءة في الأسفار الإلهية وسير الآباء القديسين. وكل من كان يراه كان يتعزّى من منظره. وبعد أن أقام عند أبيه الروحي الأنبا أغاثون ثلاث سنوات تنيّح الشيخ، فانفرد متوحدًا وزاد في جهاده، ورسموه قسًا على كنيسة القديس مقاريوس بالإسقيط.

✞ في زمان حكم المقوقس الحاكم والبطريرك الملكاني على مصر، وفي حبرية البابا بنيامين الثامن والثلاثين جددوا اضطهاد الأقباط، وحاولت الدولة الرومانية بكل وسائلها إخضاعهم لقبول طومس لاون أسقف روما وقرارات مجمع خلقيدونية. وصل رسول من عند المقوقس إلى دير أبي مقار ومعه طومس لاون المذكور وقرأه على مسامع شيوخ الدير ثم سألهم: "أتؤمنون بهذا الإيمان المكتوب الذي قرأته عليكم؟" أما الرهبان فلزموا الصمت. اغتاظ رسول المقوقس وصاح في الرهبان: "أما تتكلمون بشيء أيها الرهبان العُصاة؟" عندئذ أخذت غيرة الرب الأنبا صموئيل وأمسك بالطومس وقال للرهبان: "يا آبائي لا تخافوا ولا تقبلوا هذا الطومس. محروم مجمع خلقيدونية ومحروم لاون المخالف، ومحروم كل من يؤمن بإيمانه" ثم مزّق الطومس ولعن كل من يغيّر الإيمان المستقيم.

غضب رسول المقوقس الذي كان من رجال الحكومة وأمر أتباعه أن يعذبوه ويضربوه، فضربوه ضربًا مبرحًا بالسياط حتى أصابت إحدى عينيه فقُلِعت، وكانت الدماء تسيل منه بغزارة، وحينئذ قال له القائد: "اعلم أن فقْأ عينيك هو الذي نجّاك من الموت. وأنا مكتفِ بذلك". ثم طرده من الدير فأتاه ملاك وعزّاه وأمره بالذهاب إلى إقليم الفيوم ليُقيم في الجبل المسمّى القلمون جنوبي إقليم الفيوم، وبالفعل مضى وسكن هناك.

✞ سبيه:

تعرّض هذا القديس لتجربة مُرّة: سُبي مرتين بواسطة البربر وفي المرة الثانية قدموه لرئيس كورتهم ويدعى زكردش، حيث التقى بالقديس يحنس قمص شيهيت. وكان هؤلاء البربر يعبدون الشمس، وحذّر الأنبا يحنس الأنبا صموئيل من هؤلاء البربر، وقال له إنه نالته آلام كثيرة بسبب محاولة إخضاعه لعبادتهم.

لما طلب الرئيس البربري من أنبا صموئيل أن يسجد للشمس حال شروقها رفض، فغضب عليه وضربه ضربًا مبرحًا، ثم أوثقه في إسطبل للجمال وتركه مقيدًا لمدة خمسة أيام بدون طعام أو شراب، بعده أطلقه سيده ليرعى جماله في الحقل. وكان يتعزّى برفقة الأنبا يحنس.

✞ محاولة إلزامه بالزواج:

حسده الشيطان ودبّر له تجربة جديدة، فتكلم في قلب سيده أن يطلب إلى أنبا صموئيل الزواج بإحدى جواريه لينجب منها عبيدًا، ولما عرض عليه سيده أمر الزواج قال له: "إني مستعد أن أقبل كل شيء تصنعه بي إن كان نارًا أو سيفًا، فأفضل لي أن أموت ولا أدنّس إسكيمي وأصير غريبًا عن ملكوت الله". فقال له سيده: "لقد جلبت لِنفسك عذاب الموت، ولست أعذّبك في بيتي لكي تموت سريعًا، بل أربطك في شجرة السنط وأتركك بلا طعام أو شراب حتى تقبل الزواج من الجارية".

نفّذ ذلك السيد وعيده وربط القديس في شجرة السنط، وتركه مدة بدون طعام أو شراب محتملاً حر النهار وبرد الليل ومع ذلك لم يَلِن عزمه.

دبّر الشيطان له تجربة أخرى فتكلّم في قلب ذلك السيد الشرير أن يقيّده بقيد حديدي مع الجارية التي اختارها. وبالفعل وضعوا قيدًا حديديًا في رجل القديس اليمنى ورجل الجارية اليسرى، وأرسلهما على الحال ليرعيا الجمال في الحقل. وهكذا كانا يسيران معًا ويرقدان معًا لا يبرح القيد رجليهما، وفي كل ذلك كان الأنبا صموئيل يزداد قوة وشجاعة.

✞ إنقاذه من التجربة:

كان القديس يتوسل إلى الله بدموع لكي ينقذه من هذه التجربة المرة، والرب دبّر إنقاذه بأن أعطاه موهبة شفاء الأمراض، فقد أقام مقعدًا وشفى طفلاً كانت أصابعه ملتصقة وأبكم، وشفى الجارية التي كانت مقيّدة معه من مرض الجذام الذي أصابها، كما شفى امرأة رئيس هؤلاء البربر الذي كان جسمها مضروبًا كله بالقروح وذلك بكلمة واحدة: "ربي يسوع المسيح يشفيكِ من مرضك".

بعد أن عاين سيده كل هذه المعجزات خاصة مع زوجته طلب إليه أن يسامحه في كل شر وأراد أن يكافئه فطلب منه العودة إلى ديره.

✞ العودة إلى ديره:

فكّ رئيس هؤلاء البربر أسره وأرسل معه من أوصلوه إلى ديره، وكان مسيرة سبعة عشر يومًا، وفي الدير دخل الكنيسة وقدّم الشكر لله.

تراءت له السيدة العذراء في الكنيسة وشجّعته، وكان معها أشخاص نورانيون الذين سألوها إن كان البربر يفِدون إلى هذا الموضع ثانية فقالت لهم: "لا يكون هذا بعد الآن من أجل الشدائد التي تحمّلها صموئيل الناسك بالحقيقة، فإن ابني الحبيب يحفظه ويثبته".

فرح الأنبا صموئيل كثيرًا بهذه الرؤيا واستأنف نشاطه واجتمع حوله تلاميذ كثيرون. وأخيرًا بعد جهاد حسن تنيح بسلام في اليوم الثامن من شهر كيهك.

باقة عطرة من سير الأبرار والقديسين، ص 153.

صوفية الشهيدة

مسيحيّتها

وُلدت في القرن الثاني الميلادي من أبوين غير مسيحيين، وأخذت تتردّد مع بعض جيرانها المسيحيات على الكنيسة، فآمنت واعتمدت على يد أسقف منف (منوف العلا الآن بمحافظة المنوفية) وكانت ملازمة للكنيسة.

استشهادها

أخبر البعض الوالي بأمرها في عصر القيصر هادريان فأمر الوالي بإحضارها. لمّا اعترفت بمسيحيتها وعدها بالغنى، ولما رفضت إغراءاته توعّدها بالموت.

ولما لم ترضخ أمر بتعذيبها بعذابات شديدة فتشدّدت بالإيمان وكانت تصيح: "أنا مسيحية"، فأمر بقطع لسانها ثم ألقاها في السجن.

حاول إغراءها مرة أخرى ولكنها تمسَّكت بفاديها، وأخيرًا أمر بقطع رأسها، فصلّت إلى الله صلاة طويلة طلبت فيها أن يسامح الوالي وجنده. ثم قطع رأسها ونالت إكليل الشهادة في الخامس من شهر توت.

الاهتمام بجسدها

اهتمّت امرأة مسيحية بجسدها فقدّمت أموالاً كثيرة إلى الجند حتى أخذته منهم، ثم كفنته بلفائف ثمينة وحفظته في منزلها. وقد كرّمها الله بأن جعل نورًا يسطع من جسدها ورائحة بخور تفوح منه في يوم استشهادها.

بتولي الملك قسطنطين الحكم أمر بإحضار جسدها للقسطنطينية حيث بنى لها كنيسة عظيمة (آجيا صوفيا) ووضع جسدها الطاهر فيه.

حولها الأتراك إلى جامع ثم تحولت بعد ذلك إلى متحف.

شهيدات مسيحيات، صفحة 13.

صوفية القديسة1

ميلادها ونشأتها

كان في القسطنطينية وزير اسمه ثيؤغنسطس وزوجته ثيؤدورا، وكانا بارّين وذوي اسم شائع في عبادة الله، وأيضًا كانا غنيين ولكن لم يكن لهما نسل.

ذهب ثيؤغنسطس وزوجته إلى البطريرك وأخبراه بأمرهما، فدخل بهما إلى الكنيسة وصلّى لهما، ثم دهنهما بماء اللقان وزيت القنديل وصرفهما بسلام. وعند كمال تسعة أشهر وُلِدَت المغبوطة صوفية فذهب بها والداها إلى الكنيسة وقالا للبطريرك: "يا أبانا هذه ثمرة صلواتك، فاسمح وباركها".

ابتدأت أمها التقيّة تهتم بتربيتها تربية مسيحية تقوية وتتعهدها منذ طفولتها، حتى بدأت تظهر حسنة الصورة شاملة في الفضائل، فصنع لها أبوها مقصورة في أعلى المنزل حتى لا تختلط كثيرًا بالناس لكي ما تصلي وتسجد وتحفظ نفسها في جو مقدس.

زواجها

لما بلغت الخامسة عشر من عمرها خطبها من أبيها أحد الأشراف الأثرياء اسمه قسطور ثم تزوجها حسب الناموس الإلهي. وأنجبت المغبوطة صوفية من قسطور ثلاثة بنين: استفانوس البكر والثاني بولس والثالث مرقس، وبعد هذا توفي قسطور زوجها.

بعد فترة أمر الملك بأن يكون استفانوس قائمًا مكان أبيه عن يمينه وبولس أخاه عن يساره. وبعد قليل انتقل والد القديسة، وبعده انتقلت والدتها أيضًا، فعاشت القديسة صوفية مع أولادها الثلاثة، وكانت قد ورثت مالاً جزيلاً عن والدها وزوجها.

زهدها في العالم

في يوم من الأيام اختلت بنفسها، وفكّرت في قلبها أن الأموال الكثيرة لم تستطع أن تمنع الموت عن والديها أو زوجها، لذلك فالأفضل لها أن تهتم بالصلاة والأعمال الصالحة. ولكنها كانت متحيرة لأنها تأكّدت أن الملك سيلزمها بالزواج مرة أخرى، ولما فكّرت في الذهاب إلى أحد الأديرة وتصير راهبة خافت أن يتأثر قلبها من التفكير في أولادها وقد يتعبون الدير بسببها.

خطبة سماوية

أخذت تصلّي طول الليل وهي ساجدة ومتوسّلة إلى السيد المسيح أن يستجيب صلاتها ويحقق لها شهوة قلبها محبة في شخصه الحبيب. وبغتة شعرت وإذا كل الموضع أضحى أكثر ضوءًا من نور الشمس، ورأت سحابة من نور قد دخلت من النافذة إليها واستقرت في وسط مقصورة الصلاة أمامها. وللوقت ظهرت لها العذراء مريم قائلة: "إن كنتِ تريدين إرضاء الله قومي واتبعيني فأنا أخطبِك لابني الحبيب".

مع القديسة أوفيمية

ولما صار الغد وجدت نفسها على جبل الزيتون فوق المدينة المقدسة أورشليم، حيث كان هناك دير للعذارى على جبل منحوت في صخرة ويدعى دير الشركة، وتقوم برئاسته أم قديسة تدعى أوفيمية، فبينما هي قائمة تصلّي كعادتها للوقت أشرق أمامها نور عظيم وإذا ملاك الرب ظهر لها وأعلمها أن تخرج خارج الباب فستجد إناءً إلهيًا مختارًا.

خرجت أوفيمية باكرًا عند شروق النور مع اثنتين من العذارى إلى خارج باب الدير، فوجدن القديسة صوفية جالسة في هدوء وهي ملتحفة بإزار منسوج مذهب، ولم تكن تعلم أنها خرجت من مقصورتها بل كانت تظن أنها في رؤيا.

لما رأتها أوفيمية اضطربت لأنها ظنّت أنها زوجة الملك فانحنت لها، وهنا انفتحت عيني المغبوطة صوفية فأبصرت ذلك الجبل والدير والأم الرئيسة أمامها فاضطربت، لأنها كانت من أهل القسطنطينية ولا تعرف لغة أهل بيت المقدس.

اكتشاف أمرها

دخلت الدير واجتمعت الراهبات لمشاهدة تلك الأعجوبة. ودبّر الله الصالح أن تكون من بين العذارى راهبة تُدعى أخروسا كانت أمَة لأحد عظماء مدينة القسطنطينية وهربت من وجه مولاها وأتت إلى الدير، فلما تفرّست في وجه القديسة صوفيا صرخت قائلة: "سيدتي صوفية كيف حضرتِ إلى هنا؟ ومن الذي أرشدكِ إلى هذا الدير وحملِك هذه المسافة العظيمة؟" أما المغبوطة صوفية فأعلمتها بما حدث لها، ثم بعد ذلك بدأت أخروسا تحدِّث الأم الرئيسة والأخوات العذارى بجميع ما صنعه الله مع صوفية.

زيارة االبطريرك ثيؤدوروس للدير

لما سمعوا كل شيء خافوا لئلا يغضب الملك، لذلك أرسلت الأم الرئيسة إلى االبطريرك ثيؤدوروس وقصَّت عليه جميع ما حدث، فلما علم البابا بذلك قام للوقت وذهب إلى دير العذارى وشاهد بنفسه هذه القديسة والأعجوبة التي صنعها الرب معها، فمجَّد الله على عمله. ولئلا يحدث تعب للمدينة من جهة الملك وأولادها قرّر البطريرك أن يكتب لهم بجميع هذه الأمور.

جهادها

دفعت صوفية ذاتها للنسك الشديد وربطت جسدها بالعبادات المتواترة بالجوع والعطش، واضعة أمامها وصية الرب: "ادخلوا من الباب الضيق". وهكذا عاشت مثل جميع القديسين الذين كانوا يحذّرون من الإشفاق على الجسد.

بلغت هذه القديسة أنها كانت تأكل من السبت إلى السبت، ولم تكن تأكل خبزًا قط، إنما كانت تأكل فقط يسيرًا من الحبوب المبلولة بالماء حتى اضمحل جسدها من النسك الشديد، وكانت دائمة السهر والصلاة.

مرضها

مرضت في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة، وقد حضرت إليها السيدة العذراء وأعلمتها أنها بعد عشرة أيام سوف تأتي وتأخذها معها إلى السماء، وأنها سوف ترى أولادها قبل نياحتها. ومن ذلك الوقت لم تذُق القديسة صوفية شيئًا إلى حين مفارقتها الجسد.

وصول أولادها

في اليوم العشرين من شهر طوبة وصل أولادها إلى أورشليم برسالة من الملك للوالي لكي يسهل لهم رغبتهم، فخرج أمير المدينة والبطريرك لمقابلتهم وأدخلوهم المدينة بمجد عظيم، ثم سجدوا في الأماكن المقدسة.

وبعد ذلك ساروا إلى حيث الدير الذي فيه أمّهم القديسة صوفية. فلما رأوا والدتهم في هذا التواضع الكثير وقد اضمحل جسدها وتغيرت هكذا سريعًا بكوا كثيرًا جدًا وأخذوا يقبلونها ويتمسّحون متباركين بجسدها الطاهر وهم باكون. أما هي فرفعت عينيها للسماء وشكرت الله الحنون الذي سمح لها برؤية أولادها قبل نياحتها،

قصَّت عليهم جميع ما حدث معها وأوصتهم بتقديم العبادة الحقيقية لله بالروح، كما أوصتهم أن يعطوا مالاً للدير الذي سكنت فيه، ثم ظلّت ليلتها كلها تعظ أولادها إلى الصباح الباكر.

نياحتها

أخيرًا قالت لهم: "أستودعكم يا أولادي في الرب الآن، هوذا ملكة الحق قد حضرت إليَّ" ثم سلّمت على أولادها سلام الوداع مع جميع العذارى، ثم رسمت على وجهها علامة الصليب ثلاث مرات، وفتحت فاها وأسلمت الروح في الحادي والعشرين من طوبة، تذكار نياحة السيدة العذراء.

سطع في ذلك الوقت نور عظيم وسمع جميع العذارى ترنيم الملائكة. ثم كفّنوا جسدها ووضعوه في تابوت وحملوها وذهبوا بها إلى القسطنطينية، واجتمع جمع كثير ليتباركوا منها وكانت قوّات وأشفية كثيرة تحدث من جسدها.

فردوس الأطهار، صفحة 53.

صوفية القديسة وبناتها العذارى الشهيدات

قبول الإيمان بالمسيحية

كانت صوفية من عائلة شريفة بإنطاكية، قبلت الإيمان بالمسيحية. ورُزقت بثلاث بنات دعتهن بهذه الأسماء: بيستس أي الإيمان، وهلبيس أي الرجاء، وأغابي أي المحبة. لما كبرن قليلاً مضت بهن إلى روما لتعلّمهن العبادة وخوف الله.

فاحت رائحة المسيح الذكية في حياة الأم صوفيا وبناتها، فكانت النساء يأتين من كل أنحاء المملكة يتمتعن باللقاء الروحي الممتع معهن. تحوّل بيتهن إلى مركز كرازي لنشر الإيمان المسيحي. كما كنّ يعطين اهتمامًا لرد النفوس التي خارت بسبب الضيق.

الإمبراطور هادريان يستدعيهن

بلغ أمرهن إلى الملك أدريانوس الوثني فأمر بإحضارهن إليه. فشرعت أمهن تعظهن وتصبرهن لكي يثبتن على الإيمان بالسيد المسيح، وتقول لهن: "إيّاكن أن تخور عزيمتكن ويغُرّكن مجد هذا العالم الزائل فيفوتكن المجد الدائم. أصبرن حتى تصرن مع عريسكن المسيح وتدخلن معه النعيم". وكان عمر الكبيرة اثنتي عشرة سنة، والثانية إحدى عشرة سنة، والصغيرة تسع سنين.

محاكمتهن

إذ وقفن أمام الإمبراطور سألهن: "هل أنتن اللواتي يعبدن المضلّ، وتضلّلن نساء مدينتنا؟"

أجابت الأم [نحن لا نضلّل أحدًا، إنما ننقذ النفوس من ضلال الخطية والموت ".

من أنتِ أيتها المرأة العجوز؟ ومن هنّ أولئك الفتيات؟

أنا مسيحية، أعبد ربي وإلهي يسوع المسيح، وهؤلاء الفتيات بناتي.

أيّ جُرمٍ تفعلينه أيتها المجنونة! هل تعلمين مصير الذين يعترفون بهذه الديانة؟ أليس لك قلب حتى تدفعين وتُغرّرين بهؤلاء الفتيات الجميلات؟

إنني أصبح مجرمة إن لم أشهد لربي يسوع المسيح، وأنا أعلم تمامًا أن خلع هذا الجسد هو عقاب من تعترف بالرب يسوع، فلي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذلك أفضل جدًا. أما بناتي فلسن أقل مني في محبتهن لله.

- سيكون لهن مراكز عالية. ويعاملن معاملة الأميرات ويلبسن الحُليّ والجواهر الغالية الثمينة.

المراكز العالية لأهل العالم، والجواهر ليست من طبع الذين يريدون الأكاليل السمائية والحياة الأبدية.

إن عقلك قد ذهب أيتها العجوز المجنونة. إنني سأقتلك وبناتك معك.

أمر الملك غاضبًا بسجنهم حتى الصباح لكي يبدأ في تعذيبهن. أما القديسة صوفية فقد دعت بناتها للثبات في الإيمان وفي محبة المسيح إلى النفس الأخير، فقالت البنات الثلاثة لأمهن "لن نترك الإيمان بل نحن معكِ إلى النفس الأخير".

وفي الصباح الباكر أحضروا الأم صوفية وبناتها للمثول أمام الملك الذي أخذ يوعد الأم والبنات بعطايا كثيرة فلم يتراجعن، ثم أجابته الابنة بستس قائلة:

أيها الملك لسنا في احتياج إلى عطاياك، ولن نترك إلهنا المسيح.

ما اسمك؟ وكم عمرك؟

أنا بستس (الإيمان) وعمري 12 عامًا.

بل اشك أن هذه العجوز هي السبب في عدم سجودك لإلهتنا. اسجدي لكي تنعمي بما سأعطيه لك.

أنا لا أسجد إلا لربي يسوع المسيح. أما هذه الحجارة فقد قال عنها الله في سفر المزامير لها أعين ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع، لها مناخير ولا تشم، لها أيدي ولا تلمس، لها أرجل ولا تمشي.

ما هذا الذي تتكلمين به؟ كيف تجدفين على الآلهة؟

اترك ضلال طريقك وهذه الأوثان، وتذوّق حلاوة ومحبة ملك الملوك ورب الأرباب.

طلب الملك منها أن تسجد للأوثان فيزوّجها لأحد عظماء المملكة وينعم عليها بإنعامات جزيلة، فلم تمتثل لأمره. أمر بضربها بالمطارق وأن تقطع ثدياها وتوقد نار تحت قازان به ماء يغلي وتوضع فيه. كان الرب معها ينقذها ويمنحها القوة والسلام، فدهش الحاضرون ومجدوا الله، ثم أمر بقطع رأسها. أما القديسة فأخذت تصلّي وتسبح الله وسط الأتون، وإذ بملاك الرب نزل من السماء وجعل النيران مثل ندى بارد. وحينما رأى الإمبراطور أن النيران لم تمسّها بسوء أمر بضرب رقبتها بحد السيف فنالت إكليل الشهادة.

بعد ذلك قدّموا له الثانية فتكلم الملك معها قائلاً:

أيتها الصبيّة الجميلة ما اسمك؟ وكم عمرك؟

اسمي هلبيس (الرجاء) وعمري إحدى عشر سنة.

طبعًا رأيتِِ أختك وكيف أنهَت حياتها بهذه الطريقة المؤلمة، وأنا متأكد أنك ستتركين ذاك المسيح الذي سيُنهي حياتكن.

أختي بدأت حياة جديدة في السماء وأريد أن أكون مثلها.

لابد من قتلك.

لي رجاء فيك أيها الملك أن أكون مثل أختي.

أرى أنكِ تهذين.

إنها الحقيقة، "ليّ الحياة هي المسيح والموت هو ربح".

أي ربح في الموت؟

الحياة الأبدية التي لا تعرفها أنت أيها الملك.

فلما سمع الملك هذه الكلمات التي تفوق سن هلبيس غضب جدًا، وأمر الجند المكلّفين بمهام التعذيب أن تُحرق بالنيران. وإذ لم يفد حرقها لأن رئيس جند الرب كان معها، أمر بتقطيعها إربًا إربًا، وفي صيحات عالية أخذ يقول اضربوها بالسياط، اقطعوا رقبتها بالسيف. فأخذ الجند هلبيس وقطعوا رقبتها، ونالت إكليل الشهادة.

أما الصغيرة فقد خافت عليها أمها أن تجزع من العذاب فكانت تقوّيها وتصبِّرها. ثم دعاها الملك قائلاً:

لقد رأيتِ بعينيّ رأسك ماذا حدث لأختيكِ، فلا تكوني مثلهن ذي رأي خاطئ أيتها الوحيدة.

أُختاي ذهبنا إلى السماء وأريد أن أذهب إليهما.

ما اسمك؟ وكم عمرك؟

اسمي أغابي (المحبة) وعمري 7 سنوات.

ارجعي إلى عقلك وتطلّعي إلى جمالك.

عقلي وقلبي في محبة يسوع المسيح.

اخرسي.

فلما أمر الملك أن تعصر بالهنبازين وتُطرح في النار، صلّت ورسمت وجهها بعلامة الصليب وانطرحت فيها، فأبصر الحاضرون ثلاثة رجال بثياب بيض محيطين بها والأتون كالندى البارد. فتعجبوا وآمن كثيرون بالسيد المسيح. فأمر الملك بقطع رؤوسهم، ثم أمر أن تُجعل في جنبيّ الفتاة أسياخ محماة في النار، وكان الرب يقوّيها فلم تشعر بألم. أخيرًا أمر بقطع رأسها ففعلوا كذلك.

وهكذا أكملن جهادهن على الأرض، وأصبحن أمثلة طيبة وقدوة حسنة صالحة إلى أجيال عديدة، وهذا يرجع إلى تربية الأم التربية المسيحية الحقّة التي ليس فيها شائبة.

حملت أمهن أجسادهن إلى خارج المدينة وجلست تبكي عليهن وتسألهن أن يطلبن من السيد المسيح أن يأخذ نفسها هي أيضًا، فقبل الرب سؤلها وصعدت روحها إلى السماء، فأتى بعض المؤمنين وأخذوا الأجساد وكفّنوها ودفنوها بإكرام جزيل.

أما الملك أدريانوس فقد أصابه الرب بمرض في عينيه فأعماهما، وتدوَّد جسمه ومات ميتة شنيعة، وانتقم الرب منه لأجل العذارى القديسات.

صوفية والخمسون عذراء الشهيدات

في أحد أديرة العذارى قرب مدينة الرُها بالقرب من العراق كانت تعيش خمسون راهبة مع رئيسة تقية تدعى صوفية، وكن جميعًا يعبدن الله بأصوام وصلوات مستمرة.

عندما توجه الملك الوثني يوليانوس مع جيشه لمحاربة الملك سابور ملك الفرس، مرَّ بهذا الدير. فأمر جنوده بقتل جميع الراهبات ورئيستهن صوفية وقطعوهن إرباَ إرباَ، ثم نهبوا كل ما بالدير. وكان استشهادهن في اليوم العاشر من شهر هاتور.

صوفية وآمون الشهيدان

في الرابع من شهر بؤونة تعيّد الكنيسة لتذكار استشهاد القديس الأنبا آمون والقديسة صوفية.

السنكسار، 4 بؤونة.

باقات عطرة من سير الأبرار والقديسين، صفحة 153.

صيصوي الطيبي القديس

كان يعيش تقريبًا في نفس الزمن مع سميّه الأنبا صيصوي ولكن في القلمون Calamon بمنطقة أرسينوي Arsinoe.

أتاه يومًا أحد الرهبان طالبًا الانتقام من شخص أخطأ إليه، فطلب منه القديس أن يسامح أخاه وينسى الإساءة ويترك عنه الانتقام. ولكن إذ رأى أن نصيحته لم تجد استجابة قال له: "على الأقل دعنا نشترك معًا في الحديث إلى الله". ثم وقف وأخذ يصلّي قائلاً: "يا رب إننا لا نحتاج بعد إلى رعايتك وعنايتك باحتياجاتنا أو حمايتنا، حيث أن هذا الراهب مصمّم أن ننتقم لأنفسنا بل ويجب علينا أن نفعل ذلك!"

Butler, July 6.

صيصوي أوالأنبا شيشوي القديس

بعد نياحة الأنبا أنطونيوس، كان القديس صيصوي أو الأنبا شيشوي أو سيصوي أو شوشاي أو شيشاي من أكثر أنوار الصاري المصرية ضياءً ومن مشاهير آباء البرية.

"شيشوي" تعنى "ابن العالي".

كان مصريًا بالمولد، وفي شبابه ترك العالم والتجأ إلى برية شيهيت سنة 340 وهو في العشرين من عمره تقريبًا، وتتلمذ للقديس مقاريوس.

وفي عام 356م إذ كان يشتهي حياة أكثر هدوءً عبر نهر النيل إلى جبل القديس أنبا أنطونيوس حيث تنيح الأنبا أنطونيوس، فكانت حياة هذا القديس وفضائله معينًا ومثبتًا له. انطلق ليمارس حياة الوحدة ومكث إلى عام 426م حيث بلغ حوالي 106 سنة، وبسبب الشيخوخة عاد إلى برية شيهيت حيث تنيح بعد قليل وكان قد اقترب من مائة وعشر سنوات. قال عنه أنبا بيمن: "فاق كل الحدود وتجاوز كل السيّر (التي للآباء القديسين)".

الأنبا أنطونيوس مثله الأعلى

كان يحسب أن الأنبا أنطونيوس يراه ويسمع توجيهاته لتلاميذه، وكان يجاهد ليدرّب نفسه على الاقتداء بالمعلم العظيم في كل حياته: شدّته في تداريبه الروحية، التزامه الصمت، واشتياقه للصلاة. لذلك ذاع صيته حتى أتى إليه تلاميذ كثيرون ليتتلمذوا عليه، فاضطر إلى التخلي عن حبه للصمت والوحدة لتحقيق هدف أعظم وهو عمل المحبة معهم.

بعد نياحة الأنبا أنطونيوس جاء إلى الأنبا شيشوى أخوه لزيارته في مغارة الأنبا أنطونيوس. قال لأخيه: "كان يسكن في هذه المغارة أسد والآن يسكنها ثعلب!"

إذ كان يشتكي أنه لم يبلغ بعد إلى قامة الأنبا أنطونيوس سأله أحد الرهبان: "ألم تصل إلى درجة الأنبا أنطونيوس يا أبانا؟" أجاب: "لو كان لي واحدة فقط من مشاعر هذا الراهب لتحوّلت إلى شعلة حب إلهي".

تائب البرية

كان معينًا لتلاميذه حتى في ضعفهم وخطيتهم، فكان بمحبته وصبره يقودهم للتوبة، وكان انسحاق القلب هو فضيلته الثابتة التي ترافق توجيهه وتعليمه لتلاميذه.

قال له يومًا أحد الرهبان: "يا أبي إني أضع نفسي دائمًا في حضرة الله"، فأجابه القديس صيصوي: "من الأفضل لك أن تضع نفسك تحت كل المخلوقات حتى تكون مطمئنًا في تواضعك". لذلك إذ كان في كل حين يتطلع إلى الحضور الإلهي كان يُدرك تمامًا ضعفه وحقارته.

دُعي بتائب البرية بسبب ما حدث معه في لحظات نياحته في حضور القديس آمون تلميذ أنبا بامو.

قيل أنهم سمعوه يتحدث مع أشخاص غير منظورين. سأله الحاضرون: "ماذا ترى يا أبانا؟" أجاب: "أرى جماعة قادمة لتأخذني وأنا أتوسل إليهم أن يمهلوني قليلاً حتى أتوب". قال له أحد الشيوخ: "هل لديك قوة لكي تتوب؟" أجاب: "وإن كان ليست لدي قوة فإني أتنهد وأبكي على نفسي!" ولما قال هذا أشرق وجهه كالشمس ففزع الذين حوله وسمعوه يقول: "الرب يقول: ائتوني بتائب البرية"، ثم أسلم الروح فامتلأت القلاية من رائحة ذكية.

محبته للسكون والوحدة

اعتاد أن ينطلق كالسهم إلى قلايته بعد انتهاء العبادة مباشرة، وكان في تعليمه يركز على العبارة: "جيد للراهب أن يبقى في قلايته".

حبس نفسه مرة في القلاية، ومنع تلميذه من القدوم إليه لمدة عشرة شهور، لم يبصر فيها إنسانًا. وفيما هو يمشى في الجبل ذات يوم إذ به يجد إعرابيًا يصيد وحوشًا برية. سأله الأنبا صيصوي: "من أين جئت؟ وكم لك من الزمان هنا؟" أجابه الأعرابي: "صدقني يا راهب إن لي أحد عشر شهرًا لم أرَ أحدًا قط غيرك". وإذ سمع الأنبا صيصوي ذلك دخل قلايته، وكان يضرب صدره ويقول: "يا صيصوي لا تظن أنك صنعت شيئا لأنك لم تصنع مثل ما صنعه هذا الأعرابي".

رفع عقله إلى السماء

كان متى صلى في حضور أحدٍ يرفع يديه وينزلهما سريعًا حتى لا يُخطف عقله إلى السماء في وجود أحدٍ.

تارة إذ كان جالسًا في قلايته قرع تلميذه الباب فقال له الشيخ: "انصرف يا ابرآم ولا تعد حتى أستدعيك فإني لست الآن وحدي في هذا المكان!"

صومه

لم يكن يشغله الطعام ولا يفكر حتى في الصوم، فكان غالبًا ما ينسى أنه لم يأكل، وكان كثيرًا ما يذكره تلميذه طالبًا منه بإلحاح أن يأكل، فكان يجيبه: "إن كنا لم نأكل فلتقدم الطعام فنأكل".

سأله أخ عن كلمة منفعة فقال له: "قال دانيال النبي: خبز شهوة ما أكلت!"

جهاده ضد الشياطين

سأله أخ: "هل يا ترى كان الشيطان يضطهد القدماء هكذا؟" أجابه الشيخ: "بل اليوم يضطهد أكثر لأن زمانه قد قرب، لذلك فهو قلق".

مقاومته للأريوسيين

جاء إليه جماعة من الأريوسيين وبدأوا يتكلمون ضد العقيدة الأرثوذكسية، فنادى تلميذه ابرآم وقال له: "احضر لي كتاب القديس أثناسيوس واقرأ إمامي، فصمت الأريوسيون".

إقامة ميت

جاءه أرخن وبصحبته ابنه الغلام، وهما في الطريق إلى المغارة مات الغلام. لم ينزعج الأرخن بل حمله ودخل به إلى حيث القديس وكان مستغرقًا في تأملاته، ثم سجد للرب أمامه ووضع ابنه الميت بجواره كأنه ساجد وتركه، وظل الابن على هذه الحال والقديس ينتظر قيامه. وإذ تأخر جدًا ربت على رأسه وهو يقول له: "ليباركك الرب يا بني، انهض سالمًا، فنهض الصبي معافى، ومجّد الأب الرب وروى عاليًا ما حدث فاضطرب القديس وسأله ألا يروي ذلك لأحد إلى يوم انتقاله.

رجاؤه

جاءه يومًا ما ثلاثة شيوخ متوحدين، فسأله الأول: "يا أبي ماذا أفعل لأتجنب نار جهنم؟" فلم يجبه القديس. سأله الثاني: "كيف أهرب من صرير الأسنان والدود الذي لا يموت؟" ثم سأل الثالث: "ماذا سيكون حالي؟ فإني كلما أفكر في الظلمة الخارجية أكاد أموت رعبًا". أجابهم القديس: "أعترف لكم أن هذه أمور لا أفكر فيها أبدًا، وإني إذ أعلم أن الله رحوم أثق أنه سيرحمني".

هكذا أراد أن يرفع قلوبهم بروح الرجاء إلى السماء لا أن ينشغلوا بالهلاك الأبدي. ولكنه إذ وجدهم قد حزنوا بعث فيهم روح الرجاء قائلاً: "إني أغبطكم يا اخوتي وأطوبكم، وأنا أشعر بالغيرة من فضيلتكم، فما دامت مثل هذه الذكريات عن عذاب جهنم تساوركم من المستحيل أن تستعبدكم الخطية، أما أنا فجامد القلب ولا أفكر أن ثمة عقابًا ينتظر الخاطئ الأثيم، ولهذا لا أكف عن ارتكاب الخطايا".

حين تقدم القديس في السن ولكثرة أمراضه، استجاب لنصيحة تلميذه إبراهيم وذهب ليعتكف قليلاً في مدينة القلزم Clysma قرب البحر الأحمر، وهناك زاره القديس آمون Ammon، الذي إذ رآه حزينًا لبعده عن مكان وحدته، عزَّاه قائلاً إن حالته الصحية تتطلب علاجًا غير متوفر هناك، فأجابه القديس: "ألم يكن سلام العقل الذي أتمتع به هناك كافيًا لراحتي؟" وفعلاً لم يشعر بالراحة حتى عودته.

وعندما جاءوا به إلى شيهيت لاحظ أنبا آمون أنه كان متأثرًا جدًا، فسأله: "لماذا أنت حزين هكذا يا أبانا؟ ماذا كنت تستطيع أن تعمله في البرية وحدك في وأنت مُسّن؟" تطلع إليه وعاتبه قائلاً: "ما هذا الذي تقوله يا أمون، أليس مجرد الإحساس بالحرية في الصحراء أفضل من كل شئ؟"

مع الأنبا أولونيوس

زاره مرة الأنبا أولونيوس أسقف فيلوابولاوس في جبل أنطونيوس، ولما عزم على الانصراف جعله يأكل باكرًا قبل الانصراف وكان الوقت صومًا. فلما وُضعت المائدة إذا بقومٍ يقرعون الباب. فقال لتلميذه: "قدّم لهم قليلاً من الطعام". فقال الأسقف: "دعهم الآن لئلا يقولوا أن صيصوى يأكل باكرًا". فتأمله الشيخ وقال للأخ: "امضِ أعطهم طعامًا". فلما أبصروا الطعام قالوا للأخ: "يا ترى هل عندكم ضيوف، والشيخ يأكل معهم؟" قال: "نعم"، فحزنوا قائلين: "لماذا تركتم الشيخ يأكل في مثل هذا الوقت؟ أما تعلمون أن الشيخ يعذب نفسه أيامًا كثيرة بسبب هذه الوجبة؟"

إذ سمع الأسقف ذلك صنع مطانية قائلاً: "اغفر لي يا أبى لأني تفكرت فكرًا بشريًا، أما أنت فقد نفذت وصية الله".

نياحته

على فراش الموت سُمِع يصرخ: "القديس أنطونيوس وسحابة الأنبياء والملائكة قد أتوا لأخذ روحي"، ثم أضاء وجهه وسكت لحظة، ثم صرخ مرة أخرى: "الآن الرب يأتي إليَّ". وهكذا أسلم الروح حوالي سنة 429م بعد أن اعتزل على الأقل 62 سنة في جبل الأنبا أنطونيوس.

من أقواله

إن لي 30 سنة لم أطلب من الله غفران خطيئتي، ولكن في طلبتي وصلاتي أقول: يا ربى يسوع المسيح استرني، فإني إلى هذا الوقت أزل وأخطي بلساني.

"إن لي الآن ثلاثين سنة أصلي للرب يسوع أن يحفظ لساني من أن ينطق بكلمة شريرة، ومع هذا فإني دائم السقوط".

سؤل: "هل الهروب نافع للراهب؟" جعل إصبعه على فمه وقال: "إن حفظت نفسك من هذا يا ابني، فهذا هو الهروب".

سؤل أيضًا: "ما هي الغربة؟" أجاب: "الغربة هي الصمت. في كل موضع يوجد فيه الإنسان يوجه لنفسه القول: ما شأني في هذا الأمر؟"

سأله أخ: "قل لي كلمة". أجابه: "لماذا تطلب كلامًا؟ أصنع مثلما ترى".

صرْ مهانًا، واطرح مشيئتك وراءك، وصرْ بلا هم، تجد راحة.

سأله أخ: "قل لي كلمة". أجابه: "أي شئ لي أقوله لك؟ أنى أقرأ في العهد القديم ثم أرجع إلى العهد الجديد".

سأله الأب يوسف: كم من الزمن يحتاج الإنسان إلى قطع الأهواء؟... عندئذ قال سيسوي: "حينما تتحرك فيك الشهوة اقطعها حالاً".

سأله أخ: "كنت جالسا في البرية، وقدّم بربري وأراد قتلي، وقويت عليه، هل أقتله؟" أجاب: "لا، لكن سلّم الأمر لله، لأن أية محنة تأتى على الإنسان ليس له إلا أن يقول: إنها من أجل خطاياي".

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

قاموس القديسين و الشخصيات حرف ض

قاموس القديسين و الشخصيات حرف ش

قاموس القديسين و الشخصيات حرف ص
قاموس القديسين و الشخصيات حرف ص