المزمور الأربعون – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الأربعون

كتب داود هذا المزمور بعد خلاصه من شدة عظيمة، وهو يسبح الله على النجاة. ونجد أنه يقف أمام الله شاعراً بأنه أخطأ إليه، وربما شعر أن ألامه كانت نتيجة لغضب الله عليه بسبب أثامه. وبروح النبوة تحولت تسبحته هذه لتصبح نبوة عن المسيح وخلاص المسيح للبشرية بعد أن تألَّم لأجلها ثم قام. فكلمات داود عن ألامه وخلاصه هنا لا تنطبق سوى على المسيح. ولقد طبق بولس كلمات هذا المزمور على المسيح (عب5: 10 - 15).

الأعداد 1-5

الآيات (1 - 5): -

"1اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي، 2 وَأَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلاَكِ، مِنْ طِينِ الْحَمْأَةِ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ. ثَبَّتَ خُطُوَاتِي، 3 وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَةً لإِلهِنَا. كَثِيرُونَ يَرَوْنَ وَيَخَافُونَ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ.

4طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي جَعَلَ الرَّبَّ مُتَّكَلَهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْغَطَارِيسِ وَالْمُنْحَرِفِينَ إِلَى الْكَذِب. 5كَثِيرًا مَا جَعَلْتَ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي عَجَائِبَكَ وَأَفْكَارَكَ مِنْ جِهَتِنَا. لاَ تُقَوَّمُ لَدَيْكَ. لأُخْبِرَنَّ وَأَتَكَلَّمَنَّ بِهَا. زَادَتْ عَنْ أَنْ تُعَدَّ. ".

هنا نرى تسبيح داود لله الذي أنقذه من ضيقته. فهو كان في ضيقته قريباً جداً من الموت (حدث هذا أيام شاول وأيام إبشالوم) وأنقذه الله من موت محقق، أسماه هنا جُبِّ الْهَلاَكِ، وطِينِ الْحَمْأَةِ إشارة إلى أنه لو مات لكان قد دفن في قبر وهلك. ولكن إذا فهمنا أن المزمور نبوة عن المسيح، فالمسيح فعلاً قد مات ودفن وذهب إلى الجحيم لينقذ من مات على الرجاء. ويكون خلاص الله للمسيح هو قيامته وقيامة كنيسته معه. اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ = دليل المثابرة والصبر في الضيقة. هكذا صمت المسيح أثناء محاكمته أَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلاَكِ = الجب بئر عميق موحل (إر38). ونحن بخطيتنا سقطنا في جب الموت والهلاك وإحتجنا ليد الرب (المسيح) ليخلصنا. بل هو أخرجنا وأقامنا على صخرة هي الرب يسوع نفسه، وما عادت أقدامنا تغوص في وحل الجب (شهواتنا وخطايانا) بل ثبت المسيح أقدامنا في طريق النصرة على الخطية، طريق الإيمان. ومن شعر بخلاص المسيح يسبح (3) كَثِيرُونَ يَرَوْنَ وَيَخَافُونَ = بالنسبة لداود وقد أنقذه الرب من أعدائه وأهلك أعدائه، فحين ينظر الآخرون عمل الرب هذا ربما يخافون من عمل الشر مثل هؤلاء. والآن كثيرون يرون خلاص الرب ويتمموا خلاصهم بخوف ورعدة، حين يدركوا سر الصليب، فإن كان الله لم يشفق على إبنه، فإنه لن يشفق على أى خاطئ لا يريد أن يتوب. وكل من يفعل ويتوب يثبت في المسيح فيقوم معه، وهذا طوبى له = طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي جعل الرب متكله... وَلَمْ ينظر إِلَى الْغَطَارِيسِ = أى المتكبرين وهم الشياطين الذين يغوون أولاد الله بالأباطيل، لذلك ترجمت الآية في السبعينية "ولم ينظر إلى الأباطيل" والمرنم هنا ينصح ويبارك من يتعظ فيضع عينه على أن يرضى الله ولا ينجذب لخداعات الشيطان. وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَةً لإِلهِنَا = بالنسبة لداود فبعد أن خلصه الرب صارت له خبرات جديدة يسبح الرب عليها، وبالنسبة لنا فلنسبح المسيح على خلاصنا، وسيكون هذا تسبيحنا فى السماء وسيكون جديدا دائما أى لن نمل من تكراره.

وفي (5) نرى أن أفكار الله عجيبة لا يتصورها العقل البشري، فمن كان يفهم سر الصليب قبل حدوثه، وهل كان يتصور إنسان أن يكون هذا سبباً لخلاص البشر وحلاً لمشكلاتهم. اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ = تفهم أيضاً أنها دليل المثابرة والصبر والثقة في مواعيد الله. لاَ تُقَوَّمُ = عطايا الله لنا عجيبة وتتضاعف دائماً. فى الإنجليزية "من كثرتها لا يمكن عَدَّها". ومن يعرف هذه المحبة ينتظر الرب بثقة.

الأعداد 6-13

الآيات (6 - 13): -

"6بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ. مُحْرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لَمْ تَطْلُبْ. 7حِينَئِذٍ قُلْتُ: «هأَنَذَا جِئْتُ. بِدَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّى: 8أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي». 9بَشَّرْتُ بِبِرّ فِي جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ. هُوَذَا شَفَتَايَ لَمْ أَمْنَعْهُمَا. أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِمْتَ. 10لَمْ أَكْتُمْ عَدْلَكَ فِي وَسَطِ قَلْبِي. تَكَلَّمْتُ بِأَمَانَتِكَ وَخَلاَصِكَ. لَمْ أُخْفِ رَحْمَتَكَ وَحَقَّكَ عَنِ الْجَمَاعَةِ الْعَظِيمَةِ.

11أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَلاَ تَمْنَعْ رَأْفَتَكَ عَنِّي. تَنْصُرُنِي رَحْمَتُكَ وَحَقُّكَ دَائِمًا. 12لأَنَّ شُرُورًا لاَ تُحْصَى قَدِ اكْتَنَفَتْنِي. حَاقَتْ بِي آثامِي، وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُبْصِرَ. كَثُرَتْ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي، وَقَلْبِي قَدْ تَرَكَنِي. 13اِرْتَضِ يَا رَبُّ بِأَنْ تُنَجِّيَنِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ. ".

هنا نرى صورة المسيح الذي أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (في7: 2). وكان العبد يتم منحه الحرية في السنة السابعة لعبوديته، فإن أحب سيده وأراد أن يستمر عبداً له كل أيام حياته يفتح سيده أذنه بالمثقب عند باب البيت علامة أنه بإرادته قَبِلَ أن يستعبد لسيده كل عمره (خر1: 21 - 6). وهذا ما صنعه المسيح أن يصير عبداً ليصنع مشيئة الآب. ولقد ترجمت السبعينية أذنيَّ فتحت هكذا "هيأت لي جسداً" (عب5: 10). لأن السبعينية لم تترجم الكتاب ترجمة حرفية، فهي تكتب للعالم كله. ومَن مِن الناس سيفهم النظام العبراني في ثقب الأذن. وحينما إقتبس كتاب العهد الجديد من العهد القديم إقتبسوا من السبعينية. والترجمتين متكاملتين، فالمسيح أخذ له جسداً ليكون عبداً بإرادته للآب لينفذ كل مشيئته، وليقدم نفسه ذبيحة فالآب لم يُسَّرْ بالذبائح الحيوانية، ولكنها كانت رمزاً للمسيح المصلوب = بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ = فالآب كانت عينيه على مسيحه الذي سيقدم نفسه ذبيحة بإرادته. فما كان ممكنا ان ذبائح حيوانية تغفر خطايا وبالتالي فالله لن يسر بها، فالله يسر بالفداء الذي أعاد اولاده اليه، لذلك قال الآب يوم معموية المسيح "هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت" = أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ. ونرى في هذه الآيات أن المسيح أتي تحقيقاً للنبوات. وأتى ليبشر ويعلم. بِدَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّى = العهد القديم مملوء نبوات عن كل ما عمله المسيح.

ويصنع مشيئة الذي أرسله أي الآب (يو4: 34). إذاً مجيء المسيح كان وفق خطة إلهية لخلاص البشر سبق الله وأنبأ بها بواسطة أنبيائه. بَشَّرْتُ بِبِرّ = الكلمة العبرية بَشَّرْتُ تحمل معنى أخبار مفرحة أي إنجيل. والأخبار المفرحة التي بشرنا بها المسيح هي عودتنا لحضن الآب بفدائه الذي يبررنا بدمه فنكون مقبولين أمام الآب فيه. جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ = هي الكنيسة جسد المسيح، التي ملأت كل الارض. والمسيح لم يتوقف عمله أبدا بسبب مقاومة اليهود = شَفَتَايَ لَمْ أَمْنَعْهُمَا... لَمْ أَكْتُمْ عَدْلَكَ... لاَ تَمْنَعْ رَأْفَتَكَ عَنِّي = الله حماه من كل محاولاتهم لقتله ليتمم بشارته وتعاليمه (يو 8: 59).

شَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي: -.

1) المسيح كان يرد علي ابليس يوم التجربة بآيات من الكتاب.

2) المسيح هو الإنسان الكامل المولود تحت الناموس وإلتزم بكل وصايا الناموس كالختان والتطهيرات وغيرها. ولم يخالف وصية واحدة لذلك قال "من منكم يبكتني علي خطية".

3) الله كلمنا فيه (عب1: 2) وهذا ما قاله الله لموسي عن المسيح فالمسيج الإبن هو كلمة الله (تث18: 15 – 19).

وفى (11) نرى أن الله حفظه فلم يتمكنوا من قتله إلى تمم تعاليمه للناس.

وفي (12) حَاقَتْ بِي آثامِي = هذه يقولها داود أو أي إنسان، أما المسيح فالأثام التي صنعها البشر حملها هو ولكنه لم يصنع إثماً. ويستمر داود في شرح موقف الإنسان الخاطئ الذى بسببه قَدَّمَ المسيح نفسه ذبيحة، فيقول وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُبْصِرَ = فأنقياء القلب هم الذين يعاينون الله. وهذه بفم داود، وفيها يعترف بلسان الإنسان عموماً بأن خطاياه الكثيرة حرمته من أن يرى الله بل دفعته لليأس من الخلاص، فهو لم يعد قادراً أن يرى طريق للنجاة من الموت ومن الجحيم. وفي يأسه قال = وَقَلْبِي قَدْ تَرَكَنِي = فقلبه الجريح صار غير قادراً أن يُرفع لله. وربما تشبه مز (22) "قلبي صار كالشمع ذاب وسط أحشائي". وهنا وصل المرنم إلى أنه وصف حال البشرية الساقطة ويأسها قبل المسيح. وفى (13) اِرْتَضِ يَا رَبُّ بِأَنْ تُنَجِّيَنِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ = هذه صرخة البشرية اليائسة ليأتى المسيح ويخلصها.

الأعداد 14-17

الآيات (14 - 17): -

"14لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلْ مَعًا الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لإِهْلاَكِهَا. لِيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلْيَخْزَ الْمَسْرُورُونَ بِأَذِيَّتِي. 15لِيَسْتَوْحِشْ مِنْ أَجْلِ خِزْيِهِمِ الْقَائِلُونَ لِي: «هَهْ! هَهْ! ». 16لِيَبْتَهِجْ وَيَفْرَحْ بِكَ جَمِيعُ طَالِبِيكَ. لِيَقُلْ أَبَدًا مُحِبُّو خَلاَصِكَ: «يَتَعَظَّمُ الرَّبُّ». 17أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَبَائِسٌ. الرَّبُّ يَهْتَمُّ بِي. عَوْنِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ. يَا إِلهِي لاَ تُبْطِئْ.".

هنا نرى صراخ المرنم لله لينجيه من أعدائه. وهي نفس آيات المزمور السبعون لداود (ورد تفسيره في صلاة باكر). فالمرنم هنا يلجأ لله ليخلصه حينما وصل هو إلى حالة اليأس. ولقد استجاب الله لصرخته بالمسيح المصلوب المخلص. لِيَسْتَوْحِشْ = ليتوحشوا ويحاولوا ترويعي كما يريدون، ليسخروا قائلين هَهْ هَهْ وكل ذلك سيكون لخزيهم فهو واثق في تدخل الله الذي سيخزيهم. والمسيح فعلا بفدائه أخزى ودحر الشياطين الذين كانوا يطلبون هلاكنا.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الحادي والأربعون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور التاسع والثلاثون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 40
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 40