الأصحاح الأول – سفر الملوك الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 12- تفسير سفر الملوك الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدِّمة في سفر الملوك الثاني

أرجو الرجوع إلى مقدمة الملوك الأول والثاني في تفسير الملوك الأول.

يُسجِّل لنا هذا السفر قصة مملكتي إسرائيل ويهوذا عند النهاية المجيدة لإيليا الذي أُصعد إلى السماء حتى تدمَّرت مملكة إسرائيل تمامًا وسقطت تحت السبي الأشوري (1 - 17)، وسيق يهوذا إلى السبي البابلي (18 - 25). فالفساد الروحي يؤدي إلى تدهور سياسي واجتماعي.

أرسل الله الكثير من الأنبياء العظماء، واستخدم معهم تأديبات مستمرة، ومع هذا تمردت مملكتا إسرائيل ويهوذا، وقبلتا عبادة الأصنام، ولم يعُد من علاج لهما سوى السبي، ليكون ذلك درسًا للأفراد (أم 29: 1) كما للأمم (أم 14: 34).

بين سفري الملوك الثاني والملوك الأول.

يُعتبر سفر الملوك الثاني امتدادًا لسفر الملوك الأول، وتتمة له، وهما في الأصل العبري سفر واحد. يبدأ الثاني حيث انتهى الأول بالحديث عن المملكة المنقسمة، حيث كان أخزيا بن أخآب (853 - 852 ق. م) على إسرائيل، ويهوشافاط (872 - 847 ق. م) على يهوذا.

يبدأ سفر الملوك الأول بالمملكة في أوج عظمتها، وينتهي سفر الملوك الثاني بالسبي الذي تنبأ عنه موسى النبي (تث 28: 48 - 53).

يبدأ الأول بسليمان أول ملك خلف داود، وينتهي الأخير بآخر خلف له، الملك يهوياكين الذي اُقتيد أسيرًا إلى بابل، وأحسن أويل مردوخ معاملته (28: 25 - 30).

في الملوك الأول نرى هيكل الله القدوس يُبنَى ليُمثِّل الحضرة الإلهية، وفي الملوك الثاني نرى تدميره حيث دنسه الملوك والشعب حتى القيادات الدينية.

سفر الملوك الثاني هو سفر المملكة المنقسمة كثمرة لإصرار الإنسان على الشر، والارتداد عن الإيمان الحق، ورفض للعبادة الحقيقية. هذه الظلمة هي ثمرة الإرادة البشرية الشريرة، ففقدت الأمة كيانها وصارت منقسمة، بل وسيقت المملكتان إلى السبي.

في هذا السفر كما في السفر السابق غاية الكاتب واضحة، وهي أنه يتطلع إلى المملكتين بالرغم من انقسامهما سياسيًا، ودخولهما تارة في منازعات، وأخرى في تحالف، وكثيرًا ما تتحالف مملكة منهما مع ممالك غريبة ضد أختها المملكة الثانية، إلا أنه يتكلم عن شعبٍ واحدٍ. فما انتهى إليه السفر من فقدان مدينة الله أورشليم ودمار الهيكل وتوقف العبادة، إنما هو ثمرة الخطية للشعب كله في المملكتين.

بروح الله يُبرز كاتب السفر التفسير اللاهوتي للأحداث لشعب ذي كيان واحد[1].

هذا ويُقدِّم الكاتب تبريرات لما حلََّ بالشعب من دمارٍ، فيصف الملك أنه لم يتحوَّل عن خطايا يربعام (2 مل 3: 1؛ 10: 28؛ 13: 2 الخ)، وتارة يُقدِّم تفسيرًا مطولاً ليُبرِّر هذا الحكم الإلهي (1 مل 11: 9 الخ؛ 2 مل 17: 7 الخ).

غاية الكاتب ليس تسجيل تاريخ أمة معينة، أو عرضٍ تاريخيٍ لأحداث معينة، إنما الكشف عن معاملات الله مع الإنسان، واهتمامه بخلاصه، تارة بالحنو واللطف والعفو، وأخرى بالتأديب.

الفكرة الرئيسية للسفر.

الخطية هي سرّ انهيار إسرائيل ويهوذا، في نفس الوقت يقيم الله له شهودًا للحث على الرجوع إليه بالتوبة. فما حلَّ بالشعب أو المملكة من دمارٍ لا يرجع إلى المصادفة ولا إلى مصيرٍ محتوم، فقد حذَّرهم الله مرارًا وتكرارًا من الثمار الطبيعية لشرورهم. "وأشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راءٍ، قائلاً: ارجعوا عن طرقكم الردية، واحفظوا وصاياي فرائضي حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم، والتي أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء، فلم يسمعوا، بل صلَّبوا أقفيتهم..." (2 مل 17: 13 الخ).

لقد كثَّف الله إرسال الأنبياء لمدة طويلة لعلهم يرجعون عن شرورهم، ومع هذا استهانوا بطول أناة الله، ولم يهتموا بادراك فاعلية الشر وثماره. أرسل الله ناثان النبي (1 مل 1: 45)، وأخيا الشيلوني (1 مل 11: 29 - 40؛ 14: 1 الخ)، وشمعيا رجل الله (1 مل 12: 22 - 24)، وإيليا (1 مل 17 الخ)، وميخا بن يملة (1 مل 22: 8 الخ)، وأليشع (2 مل 2 الخ)، ويونان بن أمتاي (2 مل 14: 25)، وإشعياء (2 مل 19 الخ)، وخلدة النبية (2 مل 22: 14 الخ) وآخرين[2].

يشير von Rad إلى اثنتي عشرة نبوة تحققت فعلاً في أسفار صموئيل والملوك، تبدأ بالنبوة عن عالي الكاهن، وقد تكررت العبارة "كما تكلم الرب (يهوه)" (1 مل 8: 20؛ 2 مل 24: 13) وما يعادلها[3].

يرى von Rad أن غاية السفر ليست عرضًا للأحداث، أو تبرير لما حلّ بإسرائيل من عقوبة السبي، إنما بالأكثر يحمل السفر مسحة مسيانية، فما حدث هو طريق لتحقيق الوعد الإلهي لقيام المسيا ابن داود، بكونه يقيم خيمة داود الساقطة. فقد وعد الله "أنا أُثبِّت كرسي مملكته إلى الأبد" (2 صم 7: 13 - 17؛ راجع 2 صم 23؛ مز 89 و132).

إشراقات وسط الظلام.

ركَّز سفر الملوك الأول على ظهور إيليا النبي الذي تأهل للصعود بمركبة نارية إلى السماء، في أحلك لحظات التاريخ، في عهد أخآب الملك الشرير وزوجته إيزابل. وركَّز سفر الملوك الثاني على ظهور أليشع النبي لصُنع ضعف المعجزات التي تمَّت على يدي أبيه الروحي إيليا. ففي وسط الفساد لا يترك الله نفسه بلا شاهد، ولا يتجاهل القلة القليلة الأمينة، بل يُرسِل شخصيات نارية مقدسة، قادرة أن تنطق بالحق، وأن تشهد للنور وسط الظلمة، وأن تسند القلة القليلة المقدسة للرب وسط الضيق.

في وسط هذا الظلام نجد عبارة "رجل الله" تتكرر 36 مرة، فالله لم يشأ أن يستأصلهم (23: 13)، بل أرسل لهم من كرَّسوا كل كيانهم للشهادة له.

فإن كان عنوان السفر يمكن أن يكون "إلى السبي" ليُحذِّرَ المؤمنين من الخطية، يمكننا أيضًا تقديم عنوان له "إشراقات وسط الظلام". ففي كل عصرٍ، مهما بلغ الفساد، ومهما انتشرت الخطية، تبقى نعمة الله عاملة ومُشرِقة في النفوس القليلة الأمينة، كشهادة حية للعمل الإلهي في كل جيلٍ.

ويذكر Brevard Childs أنه إن كان هذا السفر قد ركَّز على الخراب الشامل للشعب بسبب كسره للعهد، إنما يحمل الجانب الإيجابي، وهو أن حضور الله لا يُحَد بالهيكل في أورشليم ولا بأرض الموعد، بهذا فتح باب الرجاء في البركة القادمة بمجيء المسيا، وأشرق بالرجاء على الأجيال المُقْبِلة في كل الأمم[4].

هذا وقد أبرز السفر أن الله يجيب الذين يطلبون اسمه بإخلاص[5].

كاتبه.

كثير من الدارسين يقْبلون ما ورد في التقليد اليهودي، أن كاتب السفر هو إرميا النبي تحت قيادة روح الله القدوس. ساعده في ذلك، أنه من أصل كهنوتي، فكان مُلِمًّا بما يدور في الهيكل وبحال القادة الدينيين. كما ساعده نشاطه النبوي الذي يمس الواقع العملي للقادة المدنيين والدينيين. وعلاقته بالسلطات على أعلى مستوى. كان له دراية قوية بحال إسرائيل ويهوذا السياسي في أيامه وقبل ميلاده.

قيمة السفر.

يحوي هذا السفر تاريخ قرابة 300 عامًا، يبدأ بأخزيا ملك إسرائيل وموت يهوشافاط حتى السبي، يضم حياة 19 ملكًا لإسرائيل كلهم أشرار، و19 ملكًا وملكة ليهوذا منهم ثمانية ملوك صالحين، لكن ساد الشر عليهم في النهاية. تكررت العبارة: "عمل الشر في عينيّ الرب" 21 مرة، بينما وردت العبارة: "عمل المستقيم في عينيّ الرب" 6 مرات.

للأسف أنجب حزقيا وهو من أفضل ملوك يهوذا أشر ملوكها منسى (ص 21)، علامة المسئولية الشخصية لكل أحدٍ.

قام الأنبياء في الملوك الأول والثاني بدورٍ رئيسي لتبكيت الملوك والقادة والشعب. كُتب نحو 12 سفرًا نبويًا خلال الفترة التي يغطيها سفر الملوك الثاني.

مفتاح السفر.

مَا هِيَ هَيْئَةُ الرَّجُلِ؟ (1: 7) سؤال خاص بكل مؤمن. والإجابة أنه إنسان الله، يقوده الرب، ويعلن له عن إرادته. يُمجِّد الرب ويثق فيه، ويُتمِّم مشيئته الإلهية. يزهد الأرضيات، ولا يُحابِي الوجوه.

الخطوط الروحية للسفر.

1. يبرز سفرا الملوك الأول والثاني معاملات الله مع شعبه ومؤمنيه. اهتم سفر الملوك الثاني بتأكيد أن سرّ القوة والنجاح في حياة الملك كما الشعب هو الرجوع إلى الله وتجديد العهد معه.

2. أكَّد سفر الملوك الثاني بكل وضوح ما تُعلنه كل أسفار الكتاب المقدس التاريخية وغير التاريخية أن الله هو ضابط التاريخ. ليس شيء يحدث مصادفة، بل توجد خطة إلهية تُحرِّك التاريخ، وتسمح بالأحداث لحساب ملكوت الله.

الله الذي سمح بظهور أخآب الشرير الذي تزوج إيزابل ابنة ملك صيدون والتي كرَّستْ طاقاتها وطاقات الدولة لإبادة العبادة الحية ونشر عبادة البعل، أقام ياهو الملك لكي يبيد بيت أخآب، ويُحطِّم عبادة البعل، ويقتل عابدي البعل.

3. أبرز هذا السفر حقيقة هامة تخص أَثَر الأسرة على الشخص، حتى وإن كان ملكًا. فكثيرا ما يجني الابن أو الابنة من ثمار والديهما المقدسة أو الفاسدة. فنرى عثليا الملكة حملت روح أمها الشريرة ايزابل، قتلت كل النسل الملكي، ولم يفلت من يدها سوى يوآش الذي خبَّأته عمته، وأخفته في الهيكل.

مع هذا فإنه إن أراد إنسان أن يعيش مُقدَّسًا للرب، لن تقف خطايا والديه عائقًا في طريقه، بل على العكس تكون بالأكثر تزكية له. والمثل الواضح لذلك الملك حزقيا الصالح، الذي حمل اتجاهًا مختلفًا عن والده. وللأسف سلك ابنه منسى في الشر، ومارس أخطاء جده الشرير، كتقديم ابنه ذبيحة للأوثان ونشره للرجاسات الوثنية.

4. يكشف السفر عن طول أناة الله سواء على مستوى الشعب ككل أو على مستوى الأسرة أو الفرد. غير أن طول أناته لا تُعني ترك الأمور تسير بلا ضابط. بحبه يطيل أناته لكي نرجع إليه، وبحبه أيضا يؤدب في الوقت المناسب.

عندما يؤدِّب الله شعبه أو أحد مؤمنيه، يؤدب تدريجيًا طالبًا رجوع الشعب كما الأفراد إليه. لهذا أطال الله أناته على إسرائيل ويهوذا، وإذ أصرت مملكة إسرائيل على الشر أدَّبها بالسبي الأشوري على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: حيث التزم إسرائيل بدفع الجزية لملك أشور.

المرحلة الثانية: حيث سمح باغتصاب أشور لبعض المناطق وسبي شعبها.

المرحلة الثالثة: حيث تحقق السبي الكامل، وفقدت مملكة إسرائيل كيانها تمامًا، إذ سحب أشور الكثيرين من إسرائيل، وجاء أشور بأُناسٍ من جنسيات مختلفة إلى العاصمة "السامرة"، يتزوجون من بعضهم البعض حتى يفقد الكل انتماءهم لبلادهم، وتفقد السامرة ككل انتماءها لإسرائيل.

كان يليق بمملكة يهوذا أن تتعظ بما حدث لإسرائيل التي انهارت تمامًا وفقدت كيانها. لكن عوض التوبة والرجوع إلى الله، ظن الكثيرون أن ما حدث لإسرائيل أمر طبيعي، لأن إسرائيل انشقت بالرغم من كثرة عدد الأسباط وعدد الشعب ووفرة الإمكانيات. لقد حرمت نفسها من أورشليم مدينة الله، ومن الهيكل بيت الرب الفريد، ومن الملوك الشرعيين (من سبط يهوذا)، ومن ممارسة العبادة حسب الشريعة الموسوية. اعتقد كثيرون من مملكة يهوذا بأن الله لن يسمح مُطلقًا لهيكله بالدمار، ولا لمدينته أورشليم بالسبي. لكن إذ سقطت مملكة يهوذا في الشر أكثر من أختها إسرائيل، أطال الله أناته عليها، وأخيرًا سمح بتأديبها بالسبي البابلي على ثلاث مراحل أيضًا.

الجانب التاريخي.

ما يشغل قلب الكاتب هو ما يُعانِي منه الشعب الذي يسلك كأنَّه بغير قيادة، فغالبية القادة مع الملوك لم يكونوا مُعَدِّين لقيادة الشعب في الرب، كما اتسم الشعب بروح التمرُّد، لهذا فإن الله مع طول أناته ومحبته، فلخير الشعب سمح بتأديبهم بالسبي.

يروي لنا السفر الخدمة النبوية في شيءٍ من التفصيل، خاصة بالنسبة لخدمة إيليا وأليشع.

في خلال هذه الفترة تعرَّضتْ إسرائيل لضغوط مستمرة من أرام (سوريا) تحت حُكْمِ بنهدد الثاني وحزائيل، وأيضًا تهديدات من أشور التي كانت تنمو وتزداد قوة بسرعة تحت حُكْمِ ملكها القوى شلمنأسر الثالث (858 - 824 ق. م).

بدأت الأسرة الرابعة بتطهير إسرائيل من عبادة البعل التي كانت وباءً أصاب الأُسر الثلاثة السابقة (10: 1 - 15: 12). للأسف فإن ياهو مؤسس هذه الأسرة، وإن كان قد هاجم عبادة البعل، استمر في عبادة العجلين اللذين أقامهما يربعام في بيت إيل ودان.

كان خلفاؤه في نفس الأسرة أفضل منه قليلاً، في ذلك الوقت انطلقت مملكة الجنوب من حُكْمِ عثليا الشريرة إلى يوشيا وعمري اللذين قاما بإصلاح طفيف. أما عن الأحوال الخارجية فإن الخطر الأرامي انتهى بالهجوم العسكري على أرام بواسطة عداد Adad نيراري الثالث الأشوري[6].

بدأت أشور نفسها تنحدر مع بدء القرن الثامن ق. م.

بعد موت زكريا 752 ق. م دخلت المملكة الشمالية في حالة انحدار سريع، صار له أثره على الحالة الروحية. الارتداد الديني مع الانحراف الأخلاقي وعدم الحكمة في التدبير السياسي في التعامل مع أشور قضى على هذه المملكة عام 722 ق. م.

في نفس الوقت يوثام وابنه الشرير أحآز حكما يهوذا، الابن دفع المملكة نحو العبادة الوثنية.

عالج سفر الملوك الثاني تاريخ يهوذا بعد سبي إسرائيل بواسطة أشور. قدَّم لنا أعمال الملك الصالح حزقيا (ص 18 - 20)، إلى الحديث عن أبناء يوشيا الأشرار. فتعرضت أورشليم إلى ثلاثة هجوم وترحيل، وكان الأخير سنة 586 ق. م.

إن كانت مملكة يهوذا قد انتعشت خلال حكم حزقيا ويوشيا، إلا أن حركة الارتداد أدَّت إلى سبي يهوذا، لتبقى في السبي البابلي لمدة 70 عامًا. وسط هذه الصورة القائمة كانت رسالة الله واضحة، وهي تحقيق الوعد بالرجوع من السبي (1 مل 8: 46 - 53).

أهم الأحداث[7].

865 ق. م إيليا يبدأ في العمل النبوي ضد أخآب في إسرائيل.

850 ق. م إصعاد إيليا إلى السماء وبدء العمل النبوي لأليشع.

755 ق. م بدء العمل النبوي لإشعياء في يهوذا.

736 ق. م آحاز يبدأ الحُكْمَ في يهوذا.

722 ق. م سبي إسرائيل بواسطة أشور.

716 ق. م حزقيا يحكم في يهوذا.

697 ق. م منسى يحكم في يهوذا.

640 ق. م يوشيا يحكم في يهوذا.

624 ق. م وجود سفر الشريعة في أورشليم.

622 ق. م سقوط نينوى عاصمة أشور في أيدي البابليين.

586 ق. م السبي البابلي ليهوذا.

بين سبي إسرائيل إلى أشور، ويهوذا إلى بابل.

كان أسلوب بابل في سبي أي شعب يختلف عن أسلوب أشور:

1. كان يميل الأشوريون إلى سبي أكبر عدد من الشعب وترحيلهم خارج بلدهم، وجلب أشخاص من جنسيات مختلفة يختلطون بسكانها ويتزوجون منهم، فيقوم النسل من أب وأم مختلفي الجنسية، ولا يكون لهم انتماء للوطن.

2. استخدام كل وسيلة للسلب والعنف في تعاملهم مع المسبيين، فأقاموا مملكتهم على سلب الأمم والشعوب الأخرى.

3. وجدوا سعادتهم في تعذيب الأسرى ببشاعة ووحشية، غالبًا ما كان المسبيون يُساقون مُقيَّدين بسلاسل، حفاة الأقدام، وكان الجند الذين يقودونهم إلى السبي يُعامَلونهم بشيءٍ من القسوة.

4. في أرض السبي تقدم استعراضات للمسبيين بعد بتر بعض أعضاء الجسم مثل فقأ إحدى العينين أو قطع الأذنين أو الأنف. كانوا أحيانًا يسلخون جلد البعض وهم أحياء تدريجيًا إمعانًا في العذاب حتى يموتوا.

5. كثيرًا ما كانوا يجمعون الجماجم في أكوام في أماكن عامة كنوعٍ من الإرهاب.

6. ما كان يشغل البابليون هو سيطرتهم على العالم، وتوسُّع الإمبراطورية البابلية، والانتفاع بالبلاد التي تسقط تحت أيديهم. تشغلهم الجزية التي يحصلونها وخضوع البلاد لهم، وعدم إعطاء فرصة للتمرُّد على بابل. فكانوا أحيانًا يقيمون حكَّامًا من البلد المهزومة لإدارتها في خضوعٍ لبابل.

7. سمحوا للشعوب التي في السبي أن يعيشوا جماعات معًا يمارسون عبادتهم وشعائرهم، ويحتفظون بثقافتهم إلى حدٍ كبيرٍ، فلا نعجب إن سمعنا المرتل يقول: "كيف نسبِّح تسبحة الرب في أرضٍ غريبة" (مز 137: 4). وكانوا يسمحون للمسبيين بحرية المعاملات التجارية والعبادة الخ. كان البابليون يسيرون في الأعياد الوثنية في مواكب كبرى، يُمجِّدون فيها آلهتهم الوثنية في الأحياء اليهودية والمجتمعات الأخرى المسبية، ليعلنوا أن آلهة بابل صاحبة سلطان وقوية، قدَّمت لهم النصرة على آلهة الشعوب الأخرى.

8. كانوا يعتزُّون بأبناء الأسرة المالكة والأشراف والشخصيات القوية والموهوبة للخدمة في بابل، مثل دانيال والثلاثة فتية ومردخاي الخ.

أقسام السفر.

1. إيليا الناري والمركبة النارية ص 1.

2. أليشع النبي ص 2 - 8.

3. من ياهو حتى سقوط إسرائيل ص 9 - 17.

4. ملوك يهوذا حتى السبي البابلي ص 18 - 25.

أ. يهوذا تحت حُكْمِ حزقيا 18 - 20.

ب. منسى وآمون 21.

ج. إصلاح يهوذا 22 - 23.

د. الأيام الأخيرة ليهوذا 24 - 25.

من وحي سفر الملوك الثاني.

هبْ لي روحين من إيليا النبي،.

فأحمل قلبا ناريًا وأُبوَّة وبرًّا!

  • هب لي مع أليشع روحيْن من إيليا الناري.

أحمل قوتك المضاعفة،.

فأُتمِّم خطتك من نحوي!

  • لأمسك بثوب إيليا، وأضرب الأردن.

فأجد لي طريقًا وسط المياه،.

وأعبر مع أليشع مسنودًا بشركة القديسين.

  • لستُ أطلب أن تصنع معي عجائب أستعرضها.

لكنني أطلب عملك يا إله العجائب والمعجزات.

  • أسألك أن تُجدِّد طبيعتي،.

فأحمل ظلَّ أبوتك وحنانك وحبك للجميع.

أصير أيقونة لك!

هذه هي المعجزة التي تهبها لي، يا إله المستحيلات!

  • يا لطول أناتك عليَّ!

كسرتُ عهودي معك، وتجاهلتُ ناموسك ووصيتك،.

سلَّمتُ نفسي للأُسر والعبودية،.

أذلَّني أشور العنيف، وسبتني بابل المتعجرفة!

ليس لي أن أعاتبك!

خطيتي حملتني إلى السبي. قيَّدتًُ إرادتي بسلاسل أبدية.

من يحلني منها إلا نعمتك، يا ملكي ومُحرِّري!

الأسفار

موضوعها

1 - 2 مل

نظرة ملوكية، مع تركيز على العرش.

1 - 2 أي

نظرة كهنوتية، مع تركيز على الهيكل.

الأنبياء

نظرة نبوية مع الربط بين العرش والهيكل.

قائمة بالأحداث الرئيسية.

آدم 4000 ق. م

إبراهيم 2000 ق. م

موسى 1500 ق. م

الخروج 1440 ق. م

بدء القضاة 1375 ق. م

تجليس شاول 1050 ق. م

داود يحكم 1010 ق. م

ثورة أبشالوم 975 ق. م

موت داود 971 ق. م

بدء حكم سليمان 971 ق. م

انقسام المملكة 931 ق. م

[إيليا وأليشع]

بدء خدمة أليشع 853 ق. م

الأسر الأشوري 722 ق. م

سبي بابل 586 ق. م

مقارنة بين الأسفار التاريخية.

اهتمت أسفار 1، 2 صم؛ 1، 2 مل بالعرض التاريخي مع عمل الله لأجل رجوع الشعب إليه. أما سفرا 1، 2 أي، فاهتما بالجانب الإيجابي لمساندة الراجعين من السبي بروح الرجاء.

أسفار 1، 2 صم؛ 1، 2 مل

سفرا 1، 2 أي

ذكرت عائلة داود مباشرة (2 صم 2: 3 - 5؛ 13: 5 - 16).

اهتما بالإنسان حتى نهاية السبي لتأكيد عمل الله مع الكل (1 أي 1 - 9).

الحديث عن شاول وضعفاته وموته (1 صم 31: 9).

أشارا إلى موته فقط (1 أي 10).

ذكرت سقوط داود في الزنا (2 صم 11).

لم يشيرا إليه.

ذكرت ثمار خطيته (2 صم 15 - 18).

لم يشيرا إليها.

إشارة سريعة عن إعداد داود للهيكل (1 مل 3: 5).

وصف تفصيلي (1 أي 22، 28 - 29).

المتاعب لاستيلاء سليمان العرش (1 مل 1 - 2).

لم يشيرا إليها.

زواج سليمان بالأجنبيات (1 مل 1: 11 - 8).

لم يشيرا إليه.

قدمت عرضًا مختصرًا لملوك إسرائيل ويهوذا.

اهتما فقط بملوك يهوذا.

انتهت بيهوذا في السبي مع إسرائيل.

انتهيا بمنشور كورش (2أي36).

الحديث عن مقاومة إيليا وأليشع للملوك الأشرار.

لم يشيرا إلى ذلك.

تلميح لشئون الحكم والاهتمام بالجوانب الخاصة بالأسباط.

اهتما بالثقافة العبرية ككل.

ركَّزت على الملوك وأعمالهم.

ركَّزا على الهيكل والعبادة.

ذكرت حياة داود قبل تتويجه ملكًا (1 صم 16 - 31).

بدأ بحياة داود كملك (1 أي 11).

صراع شاول مع داود وهروب الأخير (1 صم 18 - 30).

لم يشيرا إلى ذلك.

حوار مع أبنير رئيس جيش شاول (2 صم 6: 3 - 21).

لم يشيرا إلى ذلك.

تمرد أبشالوم (2 صم 15 - 18).

لم يشيرا إلى ذلك.

المملكة المنقسمة.

السنة

يهوذا

إسرائيل

الأحداث

931 /

913

رحبعام

17سنة

(1 مل 43: 11) (2 أي 31: 9) بسببه انشقت المملكة. اهتم بالاقتصاد. أقام الأوثان بعد أن عبد الرب 3 سنوات.

931 / 910

يربعام

21 سنة

(1 مل 20: 12) بنى شكيم عاصمة لإسرائيل. أقام عجلين ذهبيين في دان وبيت إيل. سمح لأي شخص أن يكون كاهنًا. غيَّر نظام الأعياد.

913 / 911

أبيام

3 سنوات

(1 مل 31: 14) بالرغم من شرِّه التجأ إلى الله في حربه ضد إسرائيل.

911 / 870

آسا

41 سنة

(1 مل 9: 15) (2 أي 1: 14) هدم المذابح الوثنية وخلع جدته لعبادتها العشتاروت.

910 / 909

ناداب

سنتان

(1 مل 25: 15).

909 / 886

بعشا

24 سنة

(1 مل 16: 15) قاد الشعب للوثنية.

886 / 885

إيلة سنتان

(1 مل 8: 16).

885

زمري

7 أيام

(1 مل 10: 16). رئيس نصف مركبات الجيش. قتل أيلة وملك عوضًا عنه.

ح885 / 880

تبني بن جينة

(1 مل 16).

880 / 874

عمري

12 سنة

(1 مل 22: 16) بنى السامرة العاصمة لإسرائيل. له قوة عسكرية. قاد الشعب للوثنية.

874 / 853

أخآب

22 سنة

(1 مل 28: 16) تزوج إيزابل الشريرة. صارع معه إيليا النبي.

872 / 848

يهوشافاط

25 سنة

(1 مل 24: 15) تزوج ابنه بنت أخآب. له جيش قوي. عبد الرب.

853 / 852

أخزيا سنتان

(1 مل 40: 22) اقترح مشروعًا تجاريًا مع يهوذا.

852 / 841

يهورام

12 سنة

يورام (2 مل 1: 3) عانى من المجاعة والحرب مُعْظَم أيام حُكْمه.

853 / 841

يهورام

(يورام)

8 سنوات

يورام شريك في الحكم مع يهوشافاط (1 مل 50: 22) تزوج ابنة أخآب وأجبر الشعب على الوثنية. قتل إخوته.

841 /

يهوآحاز

سنة واحدة

(أو أخزيا) (2 أي 1: 22) كان صديقًا ليهورام ملك إسرائيل.

841 / 835

عثليا 6 سنوات

(2 مل 1: 11) قتلت أحفادها ونجا يوآش من يدها.

نهبت الهيكل لتبني هيكلاً للبعل.

841 / 814

ياهو

28 سنة

(2 مل 2: 9) مسؤول عن قتل يورام (يهوذا) وأخزيا (إسرائيل) وإيزابل. قتل كهنة البعل لكنه لم يتبع الله تمامًا.

835 / 796

يوآش

40 سنة

يهوآش (2 مل 2: 11) رمَّم الهيكل وهدم مذابح البعل. بعد موت يهوياداع الكاهن ابتعد عن الله وأمر بقتل ابن يهوياداع.

814 / 798

يهوآحاز 17 سنة

(2 مل 35: 10) شجَّع العبادة الوثنية.

798 / 782

يوآش

16 سنة

يهوآش (2 مل 9: 13) احترم أليشع كنبي، لكنه سلك في الشر.

796 / 767

أمصيا

29 سنة

(2 مل 21: 12) لم يقضِ على الوثنية تمامًا.

782 / 753

يربعام II

31 سنة

(2 مل 16: 14) صار مضرب الأمثال في الشر. كان قويًا سياسيًا واقتصاديًا.

791 / 740

عزيا

52 سنة

(عزريا) (2 مل 1: 15) مُحِب للتعمير وقام بتنظيم الجيش. تعدَّى على الشريعة بممارسة الكهنوت فضُرب بالبرص.

753 / 752

زكريا

6 شهور

(2 مل 29: 14) شجع الوثنية.

752

شلوم

شهر

(2 مل 1: 15)

752 / 742

منحيم

10 سنوات

(2 مل 14: 15) ضايق الشعب بالضرائب.

750 / 736

يوثام

(2 مل 7: 15) اهتم بالهيكل لكنه سمح بالوثنية.

742 / 740

فقحيا

سنتان

(2 مل 22: 15).

740 / 732

فقح

8 سنوات

(2 مل25: 15) سُبى كثيرون إلى أشور.

736 / 716

آحاز

16 سنة

(2 مل 1: 16) أغلق أبواب الهيكل. قدَّم ابنه ذبيحة للأوثان.

732 / 722

هوشع

9 سنوات

(2 مل 1: 17) التزم بالجزية لأشور. غزته أشور وسبت كثيرين، وحلت محلهم غرباء.

722

سقوط السامرة والسبي الأشوري بواسطة شلمنأصر.

716 / 687

حزقيا

29 سنة

(2 مل 20: 16) طهر الهيكل وأقام الخدمة. حطم الأوثان، حتى الحية النحاسية.

مدَّ الله عمره 15 سنة، لكنه كشف ثروة الهيكل للبابليين.

697 / 642

منسى

55 سنة

(2 مل 1: 21) أعاد الوثنية، ومارس السحر، وقدَّم أحد أبنائه ذبيحة، أقام صنمًا في الهيكل، وقتل الكثيرين من شعبه، تاب أثناء سبيه في أشور.

642 / 640

آمون

سنتان

(2 مل 18: 21).

640 / 608

يوشيا

31 سنة

(2 مل 24: 21) قام بإصلاح الهيكل وجد سفر الشريعة، واحتفل بالفصح. دمَّر المعابد الوثنية.

608

يهوآحاز

3 شهور

شالوم (2 مل 31: 23) سُجن واقتيد إلى مصر حيث مات هناك.

608 / 597

الياقيم

(يهوياقيم) 11 سنة

(2 مل 34: 23) أحرق درجًا من كلمة الله. لعبت به مصر ثم بابل. حملت كنوز الهيكل إلى بابل.

597

يهوياكين

3 شهور

(2 مل 6: 24) السبي الثاني إلى بابل، وفي السجن كوّن صداقة مع أويل مردوخ بن نبوخذناصر وخلفه.

597 / 586

متنيا

(صدقيا)

11 سنة

(2 مل 17: 24) شاهد حرق الهيكل. اقتيد إلى السبي الأخير إلى بابل، بعد قتل ابنيه أمام عينيه، وفقأ عينيه، وربطه بسلاسل نحاسية إلى السجن في بابل.

586

سقوط أورشليم وسبي يهوذا إلى بابل.

راجع:

دار الثقافة: قاموس الكتاب المقدس، 1894، 1994.

Unger's Bible Handbook, Moody Press, 1967.

NIV Bible Study.

NKJ Bible Study.

الباب الأول.

إيليا الناري.

2 الملوك 1.

سلطان فائق.

باب الرجاء المفتوح وسط التأديب.

اهتم سفر الملوك الأول بالأكثر بالمملكة الشمالية خاصة الكشف عن القادة الوثنيين وكيف لم تستمر أُسرهم في الحكم بسبب وثنيتهم وفسادهم. واهتم سفر الملوك الثاني بتوضيح أن إصرار قادة مملكة الشمال على الوثنية، هدم المملكة كلها حيث أرسل الله أشور لغزوها، وسقطت المملكة تحت السبي.

لم تتعظ مملكة يهوذا (الجنوب)، بل سلكت ذات طريق أختها إسرائيل (الشمال). وبسبب خيانتها لله وعدم أمانتها، خاصة بالخطايا التي سقط فيها الملك منسى، سمح الله لبابل أن تُحطِّم الهيكل، وتقود شعب يهوذا إلى السبي البابلي.

جاءت الثلاثة آيات الأخيرة من السفر تفتح باب الرجاء لهم حيث أُخرج الملك يهوياكين من السجن: وتمتع بمعاملة رقيقة من ملك بابل الجديد، أويل مرودخ. وكأن الله يدعو الشعب كله بروح الرجاء أن يرجعوا إليه، فيردهم إلى وطنهم ويُعيد بناء هيكله.

كما بدأ سفر الملوك الأول بارتقاء سليمان للعرش عوض أبيه داود، وما ناله من مجدٍ وكرامةٍ وغنى وسلطان، هكذا يبدأ سفر الملوك الثاني بإيليا النبي صاحب السلطان العجيب.

طلب إيليا من السماء أن تنزل نارًا لتحرق قائدي الخمسين المتعجرفين وجنودهما فاستجابت السماء فورًا لطلبته. وينتهي السفر بفقدان المملكتين الشمالية والجنوبية لا لسلطانهما فحسب، بل ولكل كيانهما. هكذا بينما يتمتع المؤمن الحقيقي بسلطان سماوي، يفقد الإنسان المُصمِّم على مقاومة الحق حتى السلطان الطبيعي الزمني.

الأصحاح الأول

ما هي هيئة الرجل؟

إيليا الناري.

خلال دراستي لسفري الملوك الأول والثاني انسحب قلبي نحو شخصية إيليا النبي، رجل الله الناري. الذي عاش في خدمته بقلبٍ ناري، حتى في بعض معجزاته نزلت نار من السماء سواء لإبادة قائديّ الخمسين وجنودهما (2 مل 1)، أو للإعلان عن قبول الله لذبيحته (1 مل 18: 38). استحق صاحب القلب الناري بالنعمة الإلهية أن يبعث له الله مركبة نارية بخيل نارية (2 مل 2: 11) لتحمله إلى السماء، فيشارك السمائيين الناريين، ويتمتع بحضرة الله النار الآكلة.

يروي لنا هذا الأصحاح قصة مُرعِبة تكشف عن خطورة خطية الارتداد عن الله، والإصرار على عدم الرجوع إليه. فقد سقط أخزيا ملك إسرائيل الشرير من الكوة، وهو في أمان في قصره الملكي. هل كان في حالة سُكر وغير وعي، وكيف حدث هذا؟ لم يذكر الكاتب. لكنه سقط وترضض، وكانت جراحاته خطيرة. عوض التوبة والرجوع إلى الله، وغالبًا بناء على مشورة أمه الشريرة إيزابل، أرسل إلى بعل زبوب إله عقرون يسأله إن كان يُشفَى أم لا.

التقى الرسل بإيليا النبي ليُقدِّم لهم رسالة من الله الغيور بأنه لن يُشفَى، لأنه التجأ إلى إله وثني عاجز عن تقديم الحياة أو شفاء المرضى. عاد الرسل يخبرون الملك بما حدث، فعرف أنه إيليا. أرسل قائد خمسين ومعه جنوده للقبض عليه والانتقام منه، وجاء القائد متشامخًا بسلطانه يأمره أن ينزل معه إلى الملك، فطلب النبي نارًا من السماء نزلت وأحرقته هو وجنوده. وتكرر الأمر مع القائد الثاني، أما القائد الثالث فجاء إليه وبروح التواضع تحدث معه. أرشده الرب أن ينزل ويلتقي مع الملك. وبالفعل التقى به، وتحدث معه بكل صراحة.

كان أخآب والد أخزيا شريرًا، لكنه من الجانب السياسي والاقتصادي كان قويًا. أخضع مملكة موآب تحت سلطانه، وكانت تقدم له الجزية. وإذ مات وخلفه ابنه أحآز تمرد موآب على ابنه وطلب الاستقلال.

يُقدِّم لنا هذا الأصحاح مقابلة بين الإنسان الشرير المُتمرِّد على الله وبين إنسان الله.

عندما بلغت الملك رسالة إيليا النبي، كان سؤاله: ما هي هيئة الرجل الذي صعد للقائكم، وكلمكم بهذا الكلام؟ [7] لم تشغله رسالة الله إليه ما هي، ولا مراجعة نفسه، ولا حقيقة شخصية من أرسل له الرسالة، إنما توقف عند المظهر الخارجي!

أما إيليا كرجل الله، فكان ما يشغله أن يُتمم مشيئة الله مهما كلَّفه الأمر.

بين إيليا النبي ويوحنا المعمدان.

يقدم لنا القديس أمبروسيوس مقارنة بين شخصيتي إيليا النبي ويوحنا المعمدان، فيقول:

[عاش إيليا في البرية، وكذا يوحنا. كانت الغربان تعول الأول، أما الثاني ففي البرية داس كل إغراء للملاهي وأحب الفقر وأبغض الترف.

الواحد لم يسعَ لكسب رضاء أخآب الملك، والثاني ازدرى برضاء هيرودس الملك.

رداء الأول شق مياه الأردن، والثاني جعل هذه المياه مغسلاً يهب خلاصًا.

ظهر الأول مع الرب في المجد (في التجلي)، والثاني عاش مع الرب على الأرض.

الأول يسبق مجيء الرب الثاني، والثاني سبق مجيء الرب الأول.

الأول أسقط الأمطار على أرضٍ جفتْ لمدة ثلاث سنوات، والثاني غسل تراب أجسادنا في مياه الإيمان خلال ثلاث سنوات.

تسألونني: ما هي هذه السنوات الثلاثة؟ فأُجيبكم بما قيل: "هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرًا في هذه التينة ولم أجد" (لو 13: 7)...

السنة الأولى هي عهد الآباء حيث بلغ الحصاد مدى لم يتحقق بعد ذلك.

والسنة الثانية هي عهد موسى والأنبياء.

ثم السنة الثالثة لمجيء إلهنا ومخلصنا "ليكرز بسنة الرب المقبولة" (لو 4: 19) [8].].

1. قيادة إلهية 1 - 8.

2. تمجيد الله 9 - 14.

3. ثقة في الله 15.

4. تنفيذ مشيئة الله 16 - 18.

الأعداد 1-8

1. قيادة إلهية

أخطر عدو للإنسان هو أن ينسحب قلبه وفكره عن أعماقه الداخلية والحياة الحقيقية إلى المظاهر الخارجية. سقوط أخزيا من الكوة التي في عليته، وما سببه له ذلك من جراحات خطيرة كان كفيلاً أن يجعله يهتم بأبديته، وينتفع من أخطاء عائلته، ويطلب مشورة القدير وعونه، عوض الالتجاء إلى الآلهة الباطلة. بعث إرسالية إلى بعل زبوب يسأله. أما إيليا رجل الله، فقد تدرَّب أن يكون قائده ومرشده هو الرب نفسه، لذلك أرسل له الرب ملاكًا يطلب منه أن يصعد ليلتقي برسل ملك إسرائيل، ويبعث رسالة إلهية له يوبخه على التجائه إلى بعل زبوب.

وَعَصَى مُوآبُ عَلَى إِسْرَائِيلَ بَعْدَ وَفَاةِ أخآب. [1].

موآب التي يومًا ما أخضعت إسرائيل (قض 3: 12 - 14) فتحها داود (2 صم 8: 2). وربما استقلت عند موت سليمان. ثم أخضعها عمري ملك إسرائيل، كما علمنا من الحجر الموآبي، وهو نصب تذكاري اُكتشف عام 1869[9]. وكان الموآبيون يؤدون الجزية لإسرائيل (2 مل 4: 3). وربما بعد تشتت الجيش بعد أن مات أخآب انتهزت موآب الفرصة وعصت إسرائيل (2 صم 8: 2؛ 2 مل 3: 4).

تمرُّد موآب غالبًا ما يُقصد به تمرُّد ميشا Mesha ملك موآب المعروف.

وَسَقَطَ أَخَزْيَا مِنَ الْكُوَّةِ الَّتِي فِي عُلِّيَّتِهِ الَّتِي فِي السَّامِرَةِ فَمَرِضَ،.

وَأَرْسَلَ رُسُلاً وَقَالَ لَهُمُ:

اذْهَبُوا اسْأَلُوا بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ إِنْ كُنْتُ أَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ. [2].

بدأ الحديث عن أخزيا في 1 مل 22: 51 واستمر الحديث عنه هنا كتكملة للسفر السابق.

كانت البيوت في إسرائيل غالبًا ما تتكون من طابقٍ واحدٍ، أما القصور والبيوت الفخمة فتتكون من طابقين. لعله سقط من كوة على السطح أو خلال درابزين (سور) يحيط بسقف البيت[10].

جاء النص "نافذة شبكية". إلى عصر قريب، كان كثير من النوافذ في مصر مزودة بشبكية خشبية، يدعوها البعض أرابسكو، وإن كانت منقولة عن الفن القبطي.

بقوله "مرض": يعني لازم الفراش بسبب جراحاته.

"بعل زبوب": اسمه الأصلي بعل زبول، أي رب الحياة، وكان أكبر جميع آلهة الفلسطينيين. كان هيكله في مدينة عقرون، وكان يُظَن أن له قدرة على التنبؤ كقوةٍ سريةٍ خارقة. ولما كان الذباب من أخطر ضربات بني البشر، وهو يتولد في الأقذار، وينقل جراثيم الأمراض، يظن البعض أن هذا الإله هو أحد أصنام الفلسطينيين المستخدم لغرض طبي، كما يمنع عنهم الذباب، ويحميهم من الموت والمرض. ربما كان في هذه العبادة إشارة إلى خروج الحياة من الموت، والشفاء من المرض.

وإذ كان اليهود مغرمين بالتلاعب بالكلمات، فقد غيَّروا اسم هذا الإله عمدًا[11]، دعوه بعل زبوب، أي رب الذباب، في نوع من السخرية[12]. تعني حرفيًا "إله الذباب"، لكن لا يعرف إن كان هذا الاسم أُعطي للتكريم أو للاستخفاف بالبعل الفلسطيني، وهو بهذا يعني إله المزبلة (راجع مت 10: 25؛ 12: 24؛ مر 3: 22؛ لو 11: 15، 18، 19). كان البعض يقرأون بعل زبوب "بعلزبول"، أي سيد الأقذار، ويحسبه اليهود رئيس الشياطين (مت 12: 24).

هنا ليس الإله الكنعاني "البعل" الذي عبده أخآب وإيزابل (1 مل 29: 16 - 33)، بل إله آخر مشهور. والعجيب أن اسم الملك أخزيا ويعني: "يهوه يساند"، يلجأ إلى بعل زبوب لكي يشفيه.

توجد في Taylor's Calmet صورة مُلفِتة للنظر لقطعة أثرية تُمثِّل رأس جوبتر وله مظهر ذبابة ضخمة.

يظن Scaliger أن الاسم الأصلي له هو "بعل زباهيم" Baal - zebahim، أي سيد الذبائح، وبنوع من السخرية دعي "بعل زبوب" أي "رب الذباب"، أي يعجز عن أن يطرد الذباب من الذبائح المُقَدَّمة له.

عقرون: إحدى مدن الفلسطينيين الخمس، وموقعها في شمال أرض الفلسطينيين.

السؤال من بعل زبوب دليل على عدم إيمانه بالرب واحتقاره له.

إرسالية الملك أخزيا لسؤال بعل زبوب إله عقرون عن شفائه تُمثِّل الانطلاق للشُرْبِ من مياه مملوءة بسم الوثنية القاتل، عوض التمتُّع بمياه الله الحية.

  • يبدو أن هذه المشورة قُدِّمتْ له من إيزابل أمه، هذه التي جعلت ابنيها أخزيا ويورام في كل حياتها عبدين لها، مثل أخآب زوجها الذي كان لها عبدًا[13].

القديس مار أفرام السرياني.

  • بالرغم من وجود دور علوي في بيت الرب، إلا أن فشحور لم يلقِِ إرميا إلا في الجب السفلي. أما نحن فإننا نريد أن نأخذ إرميا الآن، ونُصعده إلى الدور العلوي من بيت الرب؛ هذا الدور العلوي أقصد به المعنى الروحي المرتفع[14]، وذلك كما سأوضح من خلال نصوص عديدة من الكتاب المقدس، تؤكد أن الأبرار يستقبلون الأنبياء في الأدوار العليا.

يذكر سفر الملوك أن أرملة صرفة صيدا التي جعلها الرب لإعالة إيليا استضافته عندها في العُليَّة الموجودة في منزلها (1 مل 17: 19).

كذلك المرأة الشونمية التي كانت تستضيف أليشع النبي كلما مرَّ بها، عملت له عُليَّة صغيرة لكي يستريح فيها كلما يجيء (2 مل 4: 8 - 10). وعلى العكس من ذلك، فإن أخزيا الخاطئ سقط من الطابق العلوي (2 مل 1: 2).

يوصيك يسوع المسيح أنت أيضًا ألا تنزل من السطح، فيقول: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا" (راجع مت 24: 15 - 17).

إذًا الوجود في الأدوار المرتفعة وعلى الأسطح هو أفضل شيء.

جاء عن الرسل الأطهار في سفر الأعمال، أنهم كانوا موجودين في العُليَّة حين كانوا مجتمعين للصلاة والتأمل في كلمة الرب، وحين حلَّ الروح القدس عليهم في شكل ألسنة من نار.

كذلك الحال بالنسبة للقديس بطرس عندما أراد أن يصلي، "صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة" (أع 10: 9)، لو لم يصعد على السطح، لما استطاع أن يرى "السماء مفتوحة وإناءً نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض".

نفس الشيء يُقال عن المرأة التي كانت ممتلئة أعمالاً صالحة والتي كان اسمها طابيثا، فهي لم تكن في الطابق الأرضي، بل كانت في عُليَّة (أع 9: 37)، حيث صعد إليها بطرس ليُقِيمَها من الأموات.

كذلك السيد المسيح حينما كان يستعد ليأكل الفصح مع تلاميذه، وعندما سأله تلاميذه: "أين تريد أن نُعدَّ لك لتأكل الفصح؟"، أجاب: "إذا دخلتما المدينة يستقبلكما إنسان حامل جرة ماء. اتبعاه إلى البيت حيث يدخل، وقولا لرب البيت يقول لك المعلم أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي، فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة، هناك أعدَّا" (لو22: 9 - 12).

إذًا مَن يريد أن يحتفل بالفصح مثل يسوع المسيح لا يختار أبدًا الطابق الأرضي. إنما كل من يحتفل بالعيد مع السيد المسيح لابد أن يكون مرتفعًا وجالسًا في العلية الكبيرة، في العلية المفروشة، في العلية المُزيَّنة والمُعَدَّة. إذا صعدت معه لتحتفل بالفصح، يُقدِّم لك كأس العهد الجديد، وخبز النعمة؛ يهديك جسده ودمه.

لهذا فإننا ننصحكم بالصعود إلى المرتفعات: ارفعوا عيونكم إلى الجبال.

العلامة أوريجينوس.

فَقَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ لإِيلِيَّا التِّشْبِيِّ:

قُمِ، اصْعَدْ لِلِقَاءِ رُسُلِ مَلِكِ السَّامِرَةِ،.

وَقُلْ لَهُمْ: هَلْ لأَنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِي إِسْرَائِيلَ إِلَهٌ،.

تَذْهَبُونَ لِتَسْأَلُوا بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ؟ [3].

كان آخر ذكر لإيليا النبي حديثه مع أخآب في كرم نابوت قبل هذه الحادثة بحوالي أربع سنوات (1 مل 21: 17 - 24).

اتَّبع أخزيا والديه في عبادتهما للبعل. ربما لم يرسل إلى المعبد الذي في السامرة، خشية أن ينتشر خبر مرضه الخطير.

يعلمنا إيليا النبي أن الله يستطيع أن يدخل في حياة شعبه في الوقت الذي يريده[15]. في كل عصر يرسل الله قادة، تتناسب مواهبهم مع الظروف المحيطة، ليكون له شهود منيرون وسط الظلمة. إنه دائم العمل لحساب ملكوته، حتى وإن ظن الإنسان كأن الله قد حوَّل وجهه عن البشرية بسبب فسادها! يبقى الله أمينًا بالرغم من عدم أمانتنا. وكما يقول الرسول: "إن كنا غير أمناء، فهو يبقى أمينًا، لا يقدر أن ينكر نفسه" (2 تي 2: 13).

سبق أن قلنا إن أحداث حياة إيليا النبي غالبًا ما تحمل عنصر المفاجأة، كما حدث هنا. ممَّا دفع بعض معلِّمي اليهود إلى الظنّ أن إيليَّا كان ملاكًا، ودُعي في الحجادة Haggadah "طائر السماء" [16]، فهو كالطائر يطير في العالم لتحقيق رسائل سماويَّة[17]. أرسله الله في عصر أخآب أشر ملوك إسرائيل وابنه اخزيا.

قال القديس مار يعقوب السروجي عنه: "كان بهيًا وجميلاً وبارًا ولا عيب فيه، فقد ارتفع إلى موضع لا تدخل فيه العيوب"، وذلك بمقارنته مع إخوته في البشرية، وليس كمالاً مطلقًا. لقد حمل رمز السيد المسيح في أمورٍ كثيرةٍ. كما يصوره هكذا:

  • إيليا الساهر المستعد والمملوء جمالاً، صبر كثيرًا، حتى يخلط نفسه مع الله.

دمج كل حياته في الله، وسكن في البرية بدون الأهواء العالمية.

اقتني إرادة صالحة واحدة مع الله، لئلا يكون له ولله إرادتان (متناقضتان).

في كل الأمور التي طالبته أن يحارب ضد الشعب، كان يقوم ليُنَفِّذَ إرادة الرب.

لم يكن يشتاق أن يفعل شيئًا بنفسه، لأنه كان مهتمًا أن يُكَمِّلَ كل أعمال الرب.

لم يعش لنفسه، ولا تحرَّك ليُنَفِّذَ أعماله لأجله. كل حركات نفسه كانت في الله[18].

  • أتى إيليا وصعد في الطريق أمام المرسلين الذين أرسلهم ابن أخآب إلى بعل زبوب.

قال لهم: اذهبوا وقولوا لسيدكم الملك، لماذا أرسل إلى عقرون مثل ناقصٍ؟

ألا يوجد رب في الشعب، لترسل وتطلب من إله الفلسطينيين؟

من لا يعرف بأنه يوجد إله لبني يعقوب؟ ومن لم يسمع بأن الرب أعظم من الآلهة؟...

في مصر خبره، وجبروته في البحر، وفي حوريب بأسه، وفي شيلوه عزته.

سكينته (مسكنه) في سيناء، ومخافته في العالم كله، في الأردن عجبه، وفي أريحا اسمه ظافر.

في الشعوب سيفه، وقوسه عالٍ في كل المخاطر، رعبه في فلسطين، وفي الجزر قوته العظمى.

من لا يعرف بأنه يوجد إله لبني يعقوب؟ ولماذا الآن يُسخَر منه كأنه غير موجود؟ [19].

القديس مار يعقوب السروجي.

فَلِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ:

إِنَّ السَّرِيرَ الَّذِي صَعِدْتَ عَلَيْهِ لاَ تَنْزِلُ عَنْهُ،.

بَلْ مَوْتًا تَمُوتُ.

فَانْطَلَقَ إِيلِيَّا. [4].

سرير أو أريكة Divan: كان السرير الملوكي كما هو حاليًا في بيوت الشرقيين الأثرياء، عبارة عن أريكة على شكل منبر عرضها حوالي 3 أو 4 أقدام، وتمتد أحيانًا من أول الحجرة إلى نهايتها، وأحيانًا تأخذ ثلاثة جوانب من الحجرة. تُستخدم في النهار كأريكة للجلوس، وكسرير للنوم بالليل. ارتفاعها من الأرض حوالي 6 بوصات إلى قدم.

رأى الأستاذ Hackett أريكة مرتفعة بحيث تحتاج أن يصعد إليها الشخص بدرجتين أو ثلاث درجات. في قصر الملك يحتمل أن تكون أكثر ارتفاعًا عن الأريكة العادية، لذلك قيل: "السرير الذي صعدت عليه". كذلك قيل عن داود إنه صعد إلى سريره (مز 132: 3) [20].

طلب الملك رسالة إلهية من إله وثني غريب، لكن جاءته الإجابة من عند الله الذي في يده الحياة والموت. ما نطق به إيليا النبي عن الملك: "موتًا تموت"، لم يصدر عنه شخصيًا، إنما عن الله الذي له السلطان على الحياة، في يده الموت والحياة، الذي يقتل ويحيي. هذا الحكم هو ثمرة طبيعية لمن يلجأ للإله الوثني، ويظن أنه قادر أن يشفيه.

رجع إيليا إلى مكان إقامته، جبل الكرمل (2 مل 2: 25؛ 1 مل 17: 42).

يُقدِّم لنا القديس مار يعقوب السروجي مقارنة مختصرة بين الله الحيّ الذي تجاهله الملك وبعل زبوب إله عقرون الذي التجأ إليه.

  • الإله الحيّ هو واهب الحياة لمن يسأله، فكيف يُطلَب من بعل زبوب الشفاء؟
  • الإله الحي صاحب سلطان، قادر أن يهب الحياة بقوته.
  • الإله الحيّ يسمع الصلاة ويستجيب، أما بعل زبوب، فعاجز عن الاستماع للصلاة.
  • الحياة ليست في يدَيّ بعل زبوب لمن يطلبها منه.

الرب هو الذي يحيي، وبما أنك لم تطلب منه، فإنك لن تحيا.

الرب هو صاحب سلطان على حياة البشر، ومنه كان يجب أن تطلب الحياة، فيهبها لك.

شيطان عقرون لا يستجيب لك، فلا يُسأل، الرب الذي يعرف أجابك: موتًا تموت[21].

القديس مار يعقوب السروجي.

ورَجَعَ الرُّسُلُ إِلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا رَجَعْتُمْ؟ [5].

رجع الرسل إلى الملك، وهم لا يعرفون من هو هذا الشخص الغريب، الذي يتكلم بنغمة صاحب سلطان، والواثق مما نطق به على الملك. لم يستطيعوا أن يهاجموه أو ينتقدوه. هاجم ملكهم، ولم يجسروا حتى أن يسألوا عن صفته واسمه. كان لحديث إيليا سلطان، فلم يجسر رسل الملك أن يُكَمِّلوا الطريق إلى إله عقرون، بل رجعوا ليُقدِّموا إجابة الله على لسان إيليا النبي.

تعجب الملك من رجوعهم قبل الوقت، ربما لأنهم قابلوا إيليا بالقرب من السامرة وهم نازلون من المدينة التي كانت مبنية على تلٍ. غالبًا ما عرفه أخزيا أنه إيليا التشبي. سمع بلا شك عن أعماله العظيمة، وما حدث بينه وبين أبيه أخآب وأمه إيزابل، وربما سبق أن رآه.

فَقَالُوا لَهُ: صَعِدَ رَجُلٌ لِلِقَائِنَا،.

وَقَالَ لَنَا: اذْهَبُوا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَلِكِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ،.

وَقُولُوا لَهُ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَلْ لأَنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِي إِسْرَائِيلَ إِلَهٌ،.

أَرْسَلْتَ لِتَسْأَلَ بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ؟

لِذَلِكَ السَّرِيرُ الَّذِي صَعِدْتَ عَلَيْهِ لاَ تَنْزِلُ عَنْهُ، بَلْ مَوْتًا تَمُوتُ. [6].

سمع أخزيا عن والديه اللذين كانا يرتعبان منه، لأنهما حادا عن طريق الحق. الآن إذ لم ينتفع بخبرة والديه، فكما حلَّ التأديب عليهما، جاءه الصوت النبوي: "لن تنزل من سريرك".

إذ انحرف الشعب إلى العبادة الوثنية مع القادة وراء أخآب وإيزابل ثم أولادهما مثل أخزيا، شعر إيليا النبي بالمسئولية في حث الشعب بالعودة إلى عبادة الله الحيّ. لقد وقف أمام أخآب، تارة جعله يعاني من الجفاف لمدة ثلاث سنوات ونصف، وأخرى سأل أن تلحس الكلاب دمه، وها هو في حزمٍ يعلن لأخزيا أنه لن ينزل من سرير مرضه، بل موتًا يموت. لم يكن ينتقم لنفسه، ولكنه كان كحارسٍ يخشى على هلاك الشعب كله بسبب انحراف الملوك. لقد أراد أن يغلق باب الوثنية، لكي يرجع الشعب إلى عبادة الله الحيّ.

  • سمع مبعوثو ابن أخآب من إيليا، وعادوا إليه حاملين أخبارًا سيئة.

دخلوا وقالوا له كل ما سمعوه من إيليا، وردَّدوا أمامه بأنه لن ينزل أيضًا عن سريره.

نقلوا إلى الوثني المريض بُشرَى الموت، وجرحوا قلبه بالكلمة التي سمعوها من إيليا.

جُعل النبي مثل حارسٍ لبني يعقوب، وكان توبيخه شديدًا للوثنيين منهم.

قَتَلَ أخآب بحُكْمٍ أصدره عليه، وأتى ليلاحق عمليًا أولاده.

بقصاصاته الروحية كان النبي مجتهدًا ليقتلع جذور تلك الوثنية من قلب الشعب.

قال أمام أخآب: تلحس الكلاب دمك، وأرسل إلى ابنه: سوف لن تنزل من سريرك.

كان محاربًا، فحارب ضد الملوك الوثنيين، ووبخهم في حضورهم دون خوفٍ.

عندما كانوا يحيدون عن الله إلى الآلهة، كان يلتقي بهم بقوةٍ في كل طرقهم.

كان يعطي البعض للكلاب والبعض للموت، ليحرس شعبه بتأديبات الرب الرهيبة.

كان يتحين الفرص ليغلق طريق الوثنية، لئلا يسير فيها بنو إبراهيم المختونون[22].

القديس مار يعقوب السروجي.

فَقَالَ لَهُمْ: مَا هِيَ هَيْئَةُ الرَّجُلِ الَّذِي صَعِدَ لِلِقَائِكُمْ،.

وَكَلَّمَكُمْ بِهَذَا الْكَلاَمِ؟ [7].

فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ رَجُلٌ أَشْعَرُ مُتَنَطِّقٌ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ جِلْدٍ عَلَى حَقْوَيْهِ.

فَقَالَ: هُوَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ. [8].

عرف الملك إيليا من وصف رسله له أنه رجل أشعر، وأنه متمنطق بمنطقة من جلدً. يُمكن إدراك مظهر إيليا الخارجي وروحه في القديس يوحنا المعمدان "إيليا الثاني" (مت 3: 4).

رجل أشعر إشارة إلى شعره المرتخي، غير أن البعض يُرَجِّح بأن هذا التعبير يشير إلى ثوبه الجلدي، الذي كان لباس الأنبياء الاعتيادي (زك 13: 4).

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن مظهر إيليا يحمل نوعًا من الحياة البدائية، وأنه في تجلي السيد المسيح ظهر موسى وإيليا معه، وكما يقول:

[هذان لم يكونا رجليْن بليغيْن. كان موسى ثقيل اللسان، جافًا في حديثه. وإيليا كان ريفيًا، له المظهر البدائي.

كان كلاهما يحفظان حياة الفقر الاختياري بدقة.

لم يعمل موسى من أجل مكسبٍ عالميٍ، ولم يكن لدى إيليا أكثر من ثوبه الجلدي[23].].

ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الملك بإمكانياته كان محتاجًا إلى إيليا الذي يبدو فقيرًا.

  • كان الملك في حاجة إلى الإنسان الفقير.

ذاك الذي لديه ذهب كثير، مرتهن بكلمات ذاك الذي ليس لديه سوى الثوب الجلدي.

هكذا كان الثوب الجلدي أكثر سموًا من الأرجوان، ومغارة البار أعظم من قاعات الملوك، لذلك عندما صعد إلى السماء لم يترك لتلميذه شيئًا سوى الرداء الجلدي.

يقول: "بمعونة هذا (الثوب) جاهدت ضد الشيطان، فإنك إذ تأخذه تتسلح أنت ضده!".

فالمثابرة سلاح قوي، مسكن للخلود لا يُقاوَم، حصن لا يتزعزع!

تسلَّم أليشع الثوب الجلدي كأعظم ميراث، بالحق كان هكذا ثمينًا أكثر من كل الذهب.

ترك إيليا ثوبًا جلديَا لتلميذه، وابن الله الصاعد ترك لنا جسده.

إيليا بالحق خلع ثوبه قبل صعوده، والمسيح ترك جسده خلفه من أجلنا، لكنه عاد فصعد[24].

  • كان إيليا يرتدى (ثيابًا خشنة)، وهكذا كان كل واحدٍ من القديسين، لأنهم في حالة عمل مستمر، فهم مشغولون برحلاتهم أو أمورهم الهامة، يطأون تحت أقدامهم كل زينة، ويمارسون التقشف. أعلن المسيح أمرُا كهذا كأعظم مديح للفضيلة، إذ يقول: "ماذا خرجتم لتنظروا؟ أإنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة؟! هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك" (مت 8: 11) [25].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

كان إرميا النبي مثل إيليا متمنطقًا بمنطقة من الجلد على حقويه، لا يعرف النعومة حتى في ملابسه، وكأنه يشارك شعبه المُحتفِل بعيد الفصح أو كما يوصى السيد المسيح تلاميذه: "لتكن أحقاؤكم ممنطقة" (لو 35: 12). يرى القديس جيروم في هذه الوصية دعوة ألا يُسمح للجسد أن يشتهى ضد الروح (غل 17: 5) [26].

يرى القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم أن التمنطق بمنطقة يشير إلى أن الإنسان دائم الحركة والعمل، سواء في الأسفارٍ أو القيام بمهامٍ ضرورية[27].

  • منذ زمن بعيد يُقدِّم لنا القديسون أمثلة عن ضرورة المنطقة.

كان يوحنا يربط حقويه بمنطقة من جلد (مت 3: 4). وهكذا فعل قبله إيليا، إذ كُتب كما لو كان هذا النوع من الملبس لائقًا على وجه الخصوص للرجل: "رجل أشعر، متمنطق بمنطقة من جلد" (2 مل 1: 8).

واضح أيضًا من كلمات الملاك لبطرس أنه كان يرتدي منطقة: "تمنطق وألبس نعليك" (أع 12: 8). ويتضح من نبوة أغابوس أن الطوباوي بولس أيضًا استخدم منطقة: "الرجل الذي له هذه المنطقة هكذا سيربطونه في أورشليم" (راجع أع 21: 11).

وأيضًا أيوب أمره الرب أن يمنطق نفسه (أي 38: 3)، إذ كان ذلك نوعًا من النشاط والاستعداد للعمل.

كان من عادة تلاميذ الرب أن يستخدموا المناطق كما يتضح من أنهم مُنعوا من حمل مال في مناطقهم (مت 10: 9) [28].

القديس باسيليوس الكبير.

  • كان يوحنا يرتدي منطقة من جلد حول حقويه، ولم يكن يرتدي شيئًا ما ناعمًا أو مدللاً، بل كان كل جزء منهٍ قاسيًا ورجوليًا. كان إنسانًا خشنًا[29].

القديس جيروم.

  • إذ احتقر الطوباوي يوحنا (المعمدان) صوف الغنم بكونه نوعًا من الترف، اختار وبرْ الجمل والتحف به، مُقدِّمًا نفسه مثالاً للاقتصاد والبساطة في الحياة... كيف يستطيع أن يرتدي الثياب الأرجوانية، من ترك أُبَّهة المدن، وانسحب إلى عزلة البرية، ليعيش في هدوءٍ مع الله، بعيدًا عن السعي وراء التفاهات وعن كل مظهرٍ باطلٍ للصلاح، وعن كل الأمور التافهة؟

استخدم إيليا ثوبًا من جلد الغنم، وكان يضمه بمنطقة من الشعر. وإشعياء نبي آخر كان عريانًا وحافي القدمين، وغالبًا ما كان يكتسي بالخيش، لباس التواضع (إش 20: 2).

إن استدعيتم إرميا لم يكن لديه سوى منطقة من كتان (إر 13: 1) [30].

القديس إكليمنضس السكندري.

الأعداد 9-14

2. تمجيد الله

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَئِيسَ خَمْسِينَ مَعَ الْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ،.

فَصَعِدَ إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ.

فَقَالَ لَهُ: يَا رَجُلَ الله،.

الْمَلِكُ يَقُولُ انْزِلْ. [9].

كان يكفي لجنديٍ واحدٍ أو للقائد أن يُلقي القبض على رجلٍ أعزل بلا سلاح، لكن ما سمعه أخزيا عن موقفه مع أبيه أو رآه منه جعله يخشاه. وعوض التوبة ظن في كثرة عدد الجنود ما يمكِّنه من إلقاء القبض عليه وسجنه.

إذ يقول رئيس الخمسين له: "يا رجل الله"، يتضح أنه قد عرف أنه مُرسَل من قِبَل الله، وغالبًا ما عرف أنه سبق فأنزل نارًا من السماء تلتهم الذبيحة. لكنه ظن في الملك صاحب سلطان عليه، وأن الخمسين جنديًا قادرون على القبض عليه، وأنه لن يفلت من أياديهم.

يدعوه رئيس الخمسين الشرير "رجل الله"، لأن الملك نفسه والقصر الملكي يدركون حقيقة شخصية إيليا النبي، لكنهم لا يطيقونه.

أُعطي هذا اللقب أولاً لموسى النبي (تث 3: 1)، وبعد ذلك لصموئيل (1 صم 9: 6 - 7)، وإيليا (1 مل 1: 9 - 13)، وأليشع (2 مل 4: 9)، وداود (2 أي 8: 14)، وتيموثاوس (1 تي 6: 11).

  • لم يخف الملك العنيد من كلمة النبي، قائلاً في قلبه: "إنه يكذب". ولهذا لم يبالِ بتحذيره، إذ نصحه أن ينزع أسباب الشرور ويتوب.

لقد صمَّم على عناده، وعوض التوبة عن كبريائه ورجوعه، ازداد في عناده، وأرسل قائد خمسين مع الخمسين للقبض على نبيّ الله، يقودونه إلى المحكمة[31].

القديس مار أفرام السرياني.

فَأَجَابَ إِيلِيَّا رَئِيسَ الْخَمْسِينَ:

إِنْ كُنْتُ أَنَا رَجُلَ الله،.

فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ،.

وَتَأْكُلْكَ أَنْتَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَكَ.

فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ،.

وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ. [10].

سبق أن استدعى إيليا النبي نارًا من السماء تلتهم الذبيحة وتقاوم كهنة البعل (1 مل 18: 36 – 38). الآن يطلب نارًا من السماء ليدرك أخزيا ورجاله أن الله إله إسرائيل له سلطان على الطبيعة ومخوف، وأن إله عقرون لا حول له ولا قوة.

يُعَلِّق العلامة أوريجينوس على قول النبي: "َأنَا رَجُلَ"، بقوله إنه يوجد في الكنيسة أناس هم رجال الله كقول إيليا عن نفسه: "إن كنتُ أنا رجل الله، فلتنزل نار من السماء وتأكلك أنت والخمسين الذين لك" (2 مل 1: 10)، أما الذين تركوا التعقُّل والفهم ويسلكون ببساطة، فيُحسبون كحيواناتٍ، إذ يقول المرتل: "الناس والبهائم تخلص يا رب" (مز 36: 7). فإن مات أحد هؤلاء البسطاء بالخطية وصار كجيفة، فإن من يمسها ويسلك معها في خطيتها يتدنس.

هذا بالنسبة للحيوانات المستأنسة، أما بالنسبة لحيوانات البرية المفترسة، فيرى أن الأسد الميت يُشير إلى الالتصاق بإبليس، الذي يقول عنه الرسول بطرس: "لأن إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8 - 9). أما الذئاب فتُشير إلى الهراطقة، كقول الرسول بولس: "بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تُشفِق على الرعية" (أع 20: 29)، فمن يتبعها في أفكارها الخاطئة يكون كمن تنجس بلمس جيفة ذئبٍ ميتٍ.

من أجل مجَّد الله طلب إيليا نزول نار من السماء تلتهم قائد الخمسين ورجاله الذين أصروا على العصيان في تشامخٍ. غالبًا ما تحقق نزول النار من السماء بُناء على توجيه الله لإيليا. أما وقد نزل السيد المسيح إلى العالم، فأقام من مؤمنيه الحقيقيين خدامًا له هم لهيب نار، مملوءين حبًا؛ هذه النار تُحوِّل الأعداء إلى أحباء (رو 12: 14 - 21).

جلبت كلمة إيليا النار المُهلِكة من السماء؛ نفس النار المُهلِكة عُرفت في عدد 11: 1، وتحدث عنها الرسل (لو 9: 54). سبق أن أعلن الله قبوله الذبيحة من إيليا النبي بنار السماء، وأخزى كهنة البعل (1 مل 18). الآن ذات النار النازلة من السماء أحرقت جنود البعل الذين ظنوا أنهم قادرون أن يلقوا القبض على رجل الله.

احتراق القائدين وجنودهما ربما لأنهما قد اشتركا في قرار الملك إن لم يكن ظاهريًا فبقلوبهم الشريرة.

كما تمجد الله بواسطة نبيه إيليا حين قدَّم ذبيحة له، فالتهمتهما النار النازلة من السماء، هكذا تمجد أيضًا باحتراق جنود البعل الذين ظنوا في أنفسهم أنهم قادرون على مقاومة الله ونبيه.

يقول القديس أفراهاط الحكيم الفارسي: "إن رئيسي الخمسين والمائة جندي احترقوا، لأنهم اقتربوا إلى الجبل الذي كان إيليا جالسًا عليه، هذا الذي ارتفع إلى السماء في مركبة نارية. لهذا أيها الأحباء يُمتحن الأبرار بالنار مثل الذهب والفضة والحجارة الكريمة، أما الأشرار فيحترقون في النار مثل الخشب والقش والعشب، فيكون للنار سلطان عليهم وهم يحترقون[32]".

كان البشر بوجه عام حتى شعب إسرائيل في حاجة إلى إدراك مخافة الرب، حتى يتركوا عبادة الأوثان وعصيانهم للوصية الإلهية. ولكن إذ جاء السيد المسيح ليرفع البشرية إلى النضوج الروحي، رفض طلب تلميذيه يعقوب ويوحنا أن يُنزل نارًا من السماء لتفني السامريين الذي لم يقبلوه في قريتهم (لو 9: 51 - 56)، إذ جاء ليكسب البشرية بحبه المُعلَن خلال الصليب، وليس بحرقهم بالنار.

لم تكن شهوة قلب إيليا الانتقام، لكن ما نطق به هو إعلان مع تحذير من واقع كشفه له الرب. هذه النار التي من السماء لا تتعارض مع محبة الله، وإنما يطيل الله أناته على الأشرار، وفي وقت مُعيَّن يسمح بالتأديب ليكون درسًا عمليًا أمام الآخرين. وقد نزلت من السماء ولم تصدر عن الأرض، فلا يجوز للناس أن يحرقوا بعضهم بعضًا، أو يطلبوا لأنفسهم من الله أن ينتقم لهم.

  • حينئذ أرسل قائد الخمسين إلى إيليا، ومعه خمسين ليأتي به عنده حتى إن رفض.

لو كان لهذا الوثني (أخزيا) والدة أخرى، لما كان يلزم أن تكون أمه إلا إيزابل.

لو لم يكن ابنها بالحقيقة يشبهها، كم بالأحرى الآن بعد أن ولدته وقامت بتربيته!

هذا القلب القاسي الذي يشبه إيزابل بأفعاله، أراد أن يحارب إيليا بخمسين رجلاً.

كل المخلوقات ترتعد أمام (إيليا)، فكيف يغلبه الخمسون الذين أُرسلوا إليه؟

العلو والعمق يرهبان هذا القوي، وابن إيزابل يهدد ليأتي به مثل ضعيفٍ.

دعا النارَ ونزلت حالما دعاها، واستجابت وأتت، كيف يغلبه القش لينزل معه؟

يعرف اللهيب صوته ويطيعه، فلماذا لم يخف منه المريض الذي يهدده؟

شابه أمه التي هددت أيضًا الجبار، وأرادت أن تقتل ذاك الذي كان الموت يخاف منه.

صعد وراءه قائد الخمسين، كما أُرسل، فنظره جالسًا على قمة الجبل بمفرده[33].

القديس مار يعقوب السروجي.

ثُمَّ عَادَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَئِيسَ خَمْسِينَ آخَرَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ.

فَقَالَ لَهُ: يَا رَجُلَ الله،.

هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ:

أَسْرِعْ وَانْزِلْ. [11].

لم يرتدع الملك بحرق رئيس الخمسين وجنوده، وعوض توبته والحزن على الذين تسبب في حرقهم، في قسوة قلب أرسل رئيسًا للخمسين آخر ومعه جنوده. عاد فكرر الأمر للمرة الثالثة [13]، وإن كان رئيس الخمسين الثالث اتسم بالتواضع والحكمة أكثر من الملك نفسه الذي كان مع الكبرياء يتسم بالغباوة.

فَأَجَابَ إِيلِيَّا: إِنْ كُنْتُ أَنَا رَجُلَ الله،.

فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ،.

وَتَأْكُلْكَ أَنْتَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَكَ.

فَنَزَلَتْ نَارُ الله مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ،.

هُوَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ. [12].

  • أرسل أيضًا قائد الخمسين ومعه خمسون، قسا قلبه وكان وثنيًا أكثر من الأول.

صعد هو أيضًا إلى إيليا، وقال له: "يا نبي الرب، يقول الملك: انزل من هناك".

لعل القائد الأول الذي صعد عند إيليا لم يكن مُلامًا مثل القائد الثاني الذي أُرسل.

لم يشاهد الآخرين الذين احترقوا كما احترق هو. الأول داهمته النار دون أن يشعر.

ما حدث له لم يحدث لآخر قبله حتى يخاف من المشهد الذي كان قريبًا منه.

لم يكن يعلم بأن النار تنقض عليه، وعندما انقضت صار مثلاً مملوءًا بالمخاوف.

كانت وقاحة الوثني الثاني الذي أُرسل أعظم، لأنه تجاوز الواجب كثيرًا.

رأى الجثث مطروحة كالفحم على الجبل، ولم يخَف قلبه من سلوك الطريق إلى إيليا.

تفوح رائحة رفيقه القائد الذي احترق، ولم ترعبه ليعود إلى الوراء لئلا يصعد.

الفوج الذي قبله دمَّرته النار وطرحته، وها هو يدوس عليه، ويصعد بغضبٍ إلى إيليا.

العظام التي أكلها اللهيب تبعثرت على الطريق، مع ذلك كان يخطو بشجاعة نحو الغيور الذي أحرقها.

من دخان الفوج الذي احترق كان الجبل مضطربًا، ومع ذلك قسّى قلبه، ولم يكن ينظر إلى ما جرى.

اكتسب إرادة شريرة وقاسية ومتوحشة، ولم يرتجف من النار التي أكلت رفاقه.

قسّى وجهه كمن يحارب الله، وكان يهدد كأنه ينتصر على النار.

طريقه رهيبة كمن لا يخاف من اللهيب، وصوته يرتفع إلى إيليا لينزله معه.

يا نبي الرب، الملك يقول: انزل. فأجابه أيضا إيليا، وقال له:

لو كنت نبيًا، لتأكلك النار أنت والخمسين، فاتقد اللهيب واشتعل وسحقهم...

هجم عليه اللهيب وسحقه، لأنه تخطَّى الحريق المخيف الذي رآه.

قلب قاسٍ، كان يُجلد بقضيب النار، ولم يشأ أن يتعلم من تأديب (القائد) الأول.

وإذ لم يقبل أن يخاف، أصبح رعبًا، وإذ لم ينظر إلى من احترق، أصبح مثالاً.

راعي الشعب وقف على الجبل مثل نشيط ليحرس قطيعه بقوات وعظائم ومذهلات.

عندما تجمعت الذئاب صعدت لتفترسه، فأنزل نارًا من بيت ربه والتهمتها.

جُعل اللهيب له قضيبًا عظيمًا، وبه كان يطرد الحيوان المفترس من رعيته.

أنزل على الكرمل نارًا، والتهمت ذبيحته، وبها جمع غنم يعقوب عند إلهه.

هنا دعا النبي النار مرتين ليجمع القطيع المبدد بالأعجوبة.

خضعت له النار، وعرفت صوته، وكلما تكلم استجابته، لتُنَفِّذ كل ما يقول لها[34].

القديس مار يعقوب السروجي.

لماذا سمح الله بإنزال نارٍ أحرقت قائديّ الخمسين ومن معهم؟

هكذا يحسب العلامة ترتليان[35] أن القائدين الأول والثاني كانا نبيين كاذبين للإله بعل زبوب، لذلك فنزول النار كان بسماح من الله لوقف نشر هذه العبادة الوثنية بالعنف والإلزام من قبل الملك وجيشه الذي يقوده كثير من الأنبياء الكذبة للبعل وغيره.

انحرف إسرائيل إلى عبادة البعل وهو في ذهنهم إله المطر والنار والمحاصيل الزراعية، كما أن عبادته تتطلب إجازة الأطفال في النار كذبائح بشرية، لهذا أكّد كلاً من إيليا وأليشع النبيين قوة الله الحقيقي، وسلطانه على النار والمطر والمزروعات فوق القوة المزعومة للبعل. كما أظهر اهتمامه بالصبيان كإقامة ابن الأرملة بصرفة صيدون (1 مل 17: 17 - 24)، وإقامة الولد الميت (2 مل 18: 4 - 37).

  • في أيام العهد القديم كان العقاب يتم جسديًا بالنسبة لأية جريمة أو معصية تُرتكَب بين الشعب. لقد كُتب: "عين بعينٍ، وسن بسنٍ" (خر 24: 21). حقًا عُوقب البعض لكي يخاف الباقون من العقاب الجسدي، فيكفوا عن الخطايا والمعاصي.

في أيام النبي الطوباوي إيليا، ترك كل الشعب اليهودي الله وذبحوا الأوثان، وليس فقط رفضوا تكريم أنبياء الله، بل غالبًا ما حاولوا قتلهم. لهذا امتلأ إيليا غيرة لله وكان سببًا في سقوط البعض تحت عقاب بدني، وذلك لكي يُشفَى أولئك الذين أهملوا خلاص نفوسهم خلال خوفهم من العقاب الجسدي...

إننا نعرف أن نفس الأمر حدث خلال الطوباوي بطرس في حالة حنانيا وسفيرة، خلالِه سقطا تحت هلاك الموت ليصيرا مثلاً للبقية. لذلك قيل: "صار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك" (راجع أع 11: 5)...

إذ كان اليهود التعساء يفكرون فقط في أجسادهم، ويرفضون الاهتمام بنفوسهم، لذلك بالله الديان يعانون من آلام في ذات الجسد الذي كرَّسوا الكثير لأجله[36].

  • إن تأملتم حسنًا أيها الأعزاء المحبوبون، تتحققون أنه ليس فقط الشعب اليهودي قد سقط في الكبرياء، بل وقائدا الخمسين أيضًا هلكا بسبب نفس الضعف.

في كبرياء عظيم وتشامخ بدون تواضع جاء الثاني إلى الطوباوي إيليا، وقال له: "يا رجل الله، الملك يقول انزل" [9].

إذ لم يكرماه كشخصٍ كبير السن ولا كنبيٍ، تكلم الروح القدس خلال فم النبي، وضُربا بنفخة أُرسلتْ من السماء...

بعدل أصاب قلة بالموت، لكي يمنح خلاصًا لكل أحدٍ[37].

الآب قيصريوس أسقف آرل.

  • لم يكن حرق الناس محبوبًا لدى إيليا، لأنه لم يكن يتحرك لهذا العمل إلا بالروح.

لا يفكر أحد بأنه غضب جسديًا، وثار ثائرة، فعمل الحريق ليريح غضبه.

قاده الروح حيثما شاء في كل الأعمال، ليدفع الوثنيين أن يتركوا آلهتهم.

جعله الرب مثل وسيط بينه وبينهم، ليصنع على يده قوات عجيبة ويعيدهم.

أحرق المئة ليفيد أكثرية الشعب حتى يعيدهم من الوثنية بالآية التي صنعها.

كان الوثنيون قساة، ومتمسكين بآلهتهم، ولم يكن يقدر أن يتكلم معهم إلا بالنار...

أضرم فيهم نارًا تنطفئ، حتى يبطل جهنم التي يرثها الوثنيون إلى الأبد.

تحرك الرجل روحيًا وبحبٍ عظيمٍ، ليحيي العالم المائت بالأصنام...

قتل وأحرق، لتتحقق إرادة ربه، ويعظم اسمه، بينما لم يكن يريد هو مثل هذه الأمور.

نزلت النار كما أمرها، والتهمت الفوجين ومعهما القائدين كما سمعتم[38].

القديس مار يعقوب السروجي.

ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ رَئِيسَ خَمْسِينَ ثَالِثًا وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ.

فَصَعِدَ رَئِيسُ الْخَمْسِينَ الثَّالِثُ،.

وَجَاءَ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أمَامَ إِيلِيَّا،.

وَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا رَجُلَ الله،.

لِتُكْرَمْ نَفْسِي وَأَنْفُسُ عَبِيدِكَ هَؤُلاَءِ الْخَمْسِينَ فِي عَيْنَيْكَ. [13].

هُوَذَا قَدْ نَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ،.

وَأَكَلَتْ رَئِيسَيِ الْخَمْسِينَيْنِ الأَوَّلَيْنِ وَخَمْسِينَيْهِمَا،.

وَالآنَ فَلْتُكْرَمْ نَفْسِي فِي عَيْنَيْكَ. [14].

لقد دعا القائدان الأول والثاني إيليا "رجل الله"، لكنهما في كبرياء قلب أرادا القبض عليه وتسليمه للملك. ودعاه الثالث بذات اللقب "رجل الله"، لكنه بتواضعٍ طلب الرحمة، سائلاً إياه أن تكون نفسه ونفوس الجنود عزيزة لديه. فإن كانوا قد جاءوا إليه كأمر الملك الشرير، لكنهم يثقون في سلطان النبي ويطلبون رحمة الله. بتواضعه استحق القائد أن يرسل الله ملاكًا لإيليا النبي يدعوه أن يذهب معه إلى الملك.

  • عاد وأرسل قائد خمسين للمرة الثالثة، ولم يحزن على الأوّلين الذين احترقوا.

باد فوجان من مملكته، وكان قلبه مريضًا، ومملوءًا خوفًا، ومع ذلك لم يتغير.

صعد قائد الخمسين الذي أُرسل بتواضعٍ يقدر أن يُخضِع جميع الجبابرة.

نظر إلى إيليا، وعرفه من هو، وكيف هو، فخاف منه كما من بحر اللهيب.

فكَّر في الأوّلين، إذ نزلت النار وأكلتهم، وأدرك أنه من السهل أن يحترق هو أيضًا.

فكَّر الحكيم بوجود إيليا، وبأن لديه نارًا، ويقدر أن يحرق من يعصاه كما يشاء.

هبط التمييز على نفسه، وشعر مثل العارف (بالأمور) أن النبي عظيم وإلهه عظيم، فخاف منه.

وتواضع حتى يقترب منه، طالبًا المراحم، وهيأ له توسلاً مفيدًا ينقذه.

ركع على ركبتيه، وأحنى نفسه متوسلاً، وبخوفٍ أحنى وجهه إلى الأرض أمام إيليا.

اقترب بقلبٍ منكسرٍ، ونفسٍ مروّعة، ورأسه منحنٍ، وصوته خافت طالبًا الرحمة.

قال له: يا نبي الرب، لتُكرم نفسي، ونفوس عبيدك، هؤلاء الذين أتوا وهم لا يريدون.

لك سلطان لتنزل النار من بيت ربك، وتحرق الناس كما تريد، إن عصوك.

سيدي، يسهل عليك أن تحرق الآن إن شئت، ويمطر الهواء اللهيب من كل الجهات.

عُرف جبروتك في الذين احترقوا، أظهر الآن رحمتك للعالم بي.

لك سلطان أن تحرق أو لا تحرق، وهذا واضح، فإن كنت لا أحترق، فهذا يعود إليك.

بقائدَين أظهرت قدرة قوة الله، ليظهر بي الآن حنانه كيف يغفر[39].

القديس مار يعقوب السروجي.

العدد 15

3. ثقة في الله

فَقَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ لإِيلِيَّا: انْزِلْ مَعَهُ.

لاَ تَخَفْ مِنْهُ.

فَقَامَ وَنَزَلَ مَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ. [15].

بقوله: "لا تخف منه"، يقصد الملاك المُرسَل من الرب ألا يخاف من رئيس الخمسين أو من الملك. بثقة كاملة في عمل الله لم يخشَ رجل الله أن يخبر الملك أنه لن يُشفى بل يموت، لأنه استخف بالله الحقيقي ولجأ إلى بعل زبوب.

إذ يتحدث القديس أمبروسيوس عن الحياة السعيدة أنها لا ترتبط بالظروف الخارجية، بل بأعماق القلب، يقارن بين إيليا النبي وموسى النبي، وأيضًا بينه وبين داود الملك قائلاً:

  • لم يكن إيليا أقل سعادة من موسى، ومع ذلك كان أحدهما محتاجًا إلى طعام ويرتدى جلد ماعز رخيصًا (عب 37: 11)، ليس له أولاد أو ممتلكات أو أصدقاء، بينما كان الآخر قائدًا للشعوب، يفرح بنسله، يتمنطق بالقوة. بطرق مختلفة نالا استحقاقًا آمنًا متساويًا كما أعلن في الإنجيل عندما أضاءا مع الرب يسوع في مجد القيامة (مت 3: 17). يبدو أنهما نالا مكافأة متساوية كشاهدين متساويين لمجده.

لم يكن إيليا أقل سعادة من داود، مع أن أحدهما كان خاضعًا للملوك بينما ملك الآخر بسلطانٍ ملوكيٍ، لكنهما نالا بالتساوي نعمة النبوة والقداسة[40].

القديس أمبروسيوس.

  • دخل توسل المتميز أمام إيليا، وشرعت الرحمة تخرج إليه لتنقذه.

رأى الرب قلبًا مملوءًا تمييزًا، وبواسطة ساهرٍ (ملاك) بعث إلى إيليا أن ينزل معه.

أراد أن يبين أن كل من يتوسل له رجاء، وأن الباب مفتوح لكل من يأتي ليطلب الرحمة.

مال بوجهه إلى تلك الطلبة، لأنها كانت متواضعة، عندما تُقبل لدى الله ليقتنيها كل واحدٍ.

عرَّف الرب أن هؤلاء الذين التهمتهم النار، يعود احتراقهم إليهم، لأنهم قسّوا قلوبهم.

هذا الذي تواضع أمام إيليا أنقذه، واتضح أن هؤلاء احترقوا بسبب كبريائهم.

وبَّخ هؤلاء الذين صاروا سبب ذلك الحريق، وأنقذ هذا ليظهر به حنانَه العظيم.

يريد أن يفيد البشر بكل أفعاله: عندما يقتل وعندما يحيي، فهدفه واحد.

عندما أحرق هؤلاء، أحرقهم حتى يترك الوثنيون أصنامهم بسبب الخوف.

وعندما أنقذ هذا الذي توسل، أراد أن يظهر به أنه مملوء رحمة، وللتوسل موضع لديه.

توسل قائد الخمسين الثالث، فقام ونزل مع المُعلِّم عند ابن أخآب.

عندما أصبحوا قساة أنزل نارًا قتلتهم، ولما تواضعوا قادوه ونزلوا كما أرادوا.

يخضع محب البشر للتواضع، ولا يسمح للقسوة أن تقترب عنده[41].

القديس مار يعقوب السروجي.

الأعداد 16-18

4. تنفيذ مشيئة الله

وَقَالَ لَهُ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ:

مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَرْسَلْتَ رُسُلاً لِتَسْأَلَ بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ،.

فَهَلْ لاَ يُوجَدُ فِي إِسْرَائِيلَ إِلَهٌ لِتَسْأَلَ عَنْ كَلاَمِهِ!

لِذَلِكَ السَّرِيرُ الَّذِي صَعِدْتَ عَلَيْهِ لاَ تَنْزِلُ عَنْهُ، بَلْ مَوْتًا تَمُوتُ. [16].

بكل قوة قام إيليا بتنفيذ مشيئة الله. وقف أمام الملك الطالب قتله وتحدث بكل جرأة، فسمعه الملك، وأطلق إيليا الذي اختفى دون أن يذكر الكتاب طريقة اختفائه والمكان الذي ذهب إليه.

  • نزل معهم عند ذاك الملك، ولم يخف منه، وملأ فمه توبيخًا ورفع صوته.

دخل وقال للملك وجهًا لوجهٍ كما أرسل إليه: موتًا تموت، وعن سريرك لن تنزل.

كلمته واحدة سواء كان قريبًا أو بعيدًا، لأن الحقيقة التي تكلم بها واحدة، ولا تردد فيها.

وعندما نظر إلى وجه الملك وبَّخه، لأن المحاباة لم تكن ترِدُ نهائيًا في كلمته.

لو أرسل إلى الملك ولم يتكلم في وجهه، لظهر بأنه خائف وغير صادق.

كان الرب وحده يُكرَم وينظر إليه، ويهتم لينطق بالحق في كل مكانٍ.

مات أخزيا كما قرر النبي العظيم، فثبتت كلمته، لتدحض الوثنيين وأصنامهم.

صار موت الوثني علة صالحة ليقترب الكثيرون إلى الله، بفضل القوة التي رأوها.

فُضح أيضا إله العقرونيين، وارتاع المرضى، لن يدوسوا عتبته.

فرغت دروبه فما أتى إليه أحد يستعطفه، لأن ما حدث بخصوصه كان قد سُمع (وانتشر).

لطم الغضب (الإلهي) الملك الذي أرسل ليسأل، فمن لا يخاف من ذكر حتى اسم إيليا؟

سمع الشعب لماذا احترق هؤلاء الذين احترقوا، وأن الملك مات بحكم إيليا عليه.

وأن بعل زبوب لا يفيد شيئًا، انفضح، وتوقف السبيل الذي يؤدي إلى عقرون بالنسبة للعبرانيين.

لأجل هذا جرت كل هذه الأمور، ولأجل هذا أيضًا تواجد إيليا في زمنٍ مضطربٍ[42].

القديس مار يعقوب السروجي.

فَمَاتَ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِيلِيَّا.

وَمَلَكَ يُورَامُ عِوَضًا عَنْهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِيَهُورَامَ بْنِ يَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا،.

لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ. [17].

تحقق قول الرب لإيليا عن طريق ملاكه، ومات أخزيا على سرير مرضه، وملك أخوه يهورام في نفس الوقت الذي كان فيه يهورام بن يهوشافاط ملكًا على يهوذا.

جاء عن يهورام الأخير أنه ملك في السنة الخامسة ليهورام بن أخآب (2 مل 8: 16)؛ لهذا يرى بعض الدارسين أن يهورام ملك مع أبيه في السنة الثامنة عشر من مُلك أبيه يهوشافاط. بهذا يكون يورام بن أخآب ملك في السنة الثانية من مُلك يهورام بن يهوشافاط.

في كثير من الممالك القديمة كان الملك غالبًا ما يسند بعض مهام الحكم إلى ابنه البكر أو من يراه مناسبًا لتولي الحكم بعده. هذا التقليد كان متبعًا في وراثة العرش على ممر العصور. لذا يعتبر البعض أنه بدأ استلامه الحكم مع بدء مشاركة الابن لأبيه، وآخرون يحسبونه يعد استقلاله بالحكم غالبًا بعد وفاة والده أو انسحابه من الحكم كنوعٍ من الفلسفة والاهتمام بنوال الحكمة في هدوءٍ.

  • بعد موت أخزيا، إذ لم يكن له أبناء يمكنهم أن يرثوا المملكة، صار أخوه ملكًا. لم يحدث هذا لأن الشريعة نادت بمثل هذا، وإنما لأنه هكذا كانت عادة جيرانهم الذين كان بنو إسرائيل يطيعونهم لسنوات طويلة. أما الله فكان له نظام آخر بخصوص مملكة أبناء يهوذا، فقد أمرهم أن يكونوا من عائلة داود[43].

القديس مار أفرام السرياني.

وَبَقِيَّةُ أُمُورِ أَخَزْيَا الَّتِي عَمِلَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. [18] من وحي 2 ملوك 1.

نار من السماء!

  • لأسكن مع نبيك إيليا وسط الجبال المقدسة.

أسكن في كتابك المقدس، الجبل العالي.

فأحمل روح القوة والشجاعة والاستنارة.

  • أدرك ما وهبتني من سلطان.

فلا أخاف ملكًا يحرك قادة وجنودًا،.

ولا أخشى قادة مملوءين زهوًا وغرورًا.

  • يحمل الملوك سلطانًا، فيحركون القادة حسب هواهم.

ويحمل القادة سلطانًا، فيحركون الجند للعمل معهم حسب أفكارهم.

أما أنا فاحمل سلطانًا من عندك.

أدوس على الحيات والعقارب وكل قوات الظلمة.

  • أحمل سلطانًا، فتتحرك السماء لخدمتي.

تنزل نار، فتحرق قادة الشياطين، وتبدد أعمالهم!

أقتدي بك، فلا أطلب نارًا تحرق بشرًا،.

فإنك أتيت لتخلص، لا لتهلك!

أطلب نار روحك القدوس، حارق الخطايا!

أطلب نارك السماوية، تلهب القلوب حبًا!

أطلب نارُا مقدسة، تحطم نار الشر!

الباب الثاني.

أليشع صاحب العجائب.

2 ملوك 2 - 8.

أبوّة أليشع الحانية.

يبدأ هذا الفصل بصعود إيليا النبي إلى السماء، وتسليم العمل النبوي لتلميذه أليشع، الذي اشتهى أن يحل عليه روحين من مُعَلِّمه حتى يستطيع أن يحقق رسالته، ويواجه تيار الشر المتزايد. وهبه الله أن يتم على يديه ضعف المعجزات التي صنعها مُعَلِّمه، ليس لأنه أعظم منه، لكن لتأكيد حاجة المجتمع إلى عملٍ متزايدٍ بسبب تزايد الفساد.

لم ترد المعجزات هنا حسب ترتيب حدوثها تاريخيًا، وإنما جاءت بترتيبٍ لاهوتيٍ لائقٍ.

لم تكن المعجزات استعراضًا لإمكانياته وقدراته، إنما حملت مفاهيم لاهوتية وروحية عملية تمس حياتنا اليومية وشركتنا مع الله. لعل من أبرز ما تقدمه هذه المعجزات التي صنعها الرب على يدي أليشع النبي هو الكشف عن أبوّة أليشع الحانية.

بقوة الله الفائقة شق نهر الأردن بثوب إيليا، وفي أبوّة حانية خجل من كلمات بني الأنبياء حينما ألحُّوا عليه أن يرسلوا خمسين رجلاً ذوي بأس يبحثون عن إيليا. لم يوبخهم لأنهم سبق أن أخبروه بأن إيليا يؤخذ من رأسه اليوم، وأنهم حتى إن ظنوا بأن روح الرب قد خطفه، وذهب به إلى موضع آخر كما كان يحدث قبلاً، فلماذا يبحثون عنه؟ هل ليُقدِّموا له طعامًا وشرابًا؟ هل يخطفه روح الرب ولا يُقدِّم له احتياجاته؟!

1. اهتم ببني الأنبياء كجماعةٍ، فذهب معهم ليقطعوا خشبًا، واهتم باحتياجات كل واحدٍ منهم كما حدث عندما سقطت رأس الفأس الحديدية من أحدهم.

2. في أبوّة حانية اهتم بأرملة أحد الأنبياء التي كادت أن تُسَلِّمَ ابنيها عبدين للمرابي.

3. اهتم بالمرأة الفقيرة الأرملة كما اهتم أيضا بالمرأة العظيمة الغنية، فسأل من أجلها لتنعم بطفلٍ، وعندما مات اهتم بإقامته بالرب.

4. اهتم بالجيش، فطلب له النصرة في غيرة على مجد الرب، كما اهتم بالشعب، فطلب له أن يشبع الله احتياجاته.

5. كان يهتم بالملك كما بالأنبياء، وأيضا عامة الشعب، يحمل حبًا وأبوّة للجميع!

6. في أبوّته استخدم الحزم تارة، والحنو تارة أخرى!

كثيرًا ما تحدث الآباء عنه كرمزٍ للسيد المسيح كخادمٍ ومحب للبشر.

  • كان أليشع خليفة (إيليا) أيضا رمزًا لك، إذ تعلَّم بواسطة سيده الحكيم، مهيئًا لحضورك قبل أن تُولد، بإشارات أكيدة لما سيحدث بعد ذلك، مُقدِّمًا العون والشفاء للمحتاجين، بطريقة تفوق الطبيعة[44].

الأب ميثوديوس.

أهم المعجزات أليشع ومدلولاتها الروحية.

  1. شق نهر الأردن بثوب إيليا ص 2 يشير إلى سحق الشهوات بواسطة مخلصنا.
  2. المياه المجدبة تصير مياه عذبة ص 2 مسيحنا يحول الطاقات المدمرة إلى بنياننا.
  3. لعن الصبيان المقاومين للحق ص 2 بالمسيح لا نخاف من المقاومين للحق.
  4. نبوته للملوك الثلاثة ضد أرام ص 3 مسيحنا مُشبِع الاحتياجات وواهب النصرة.
  5. مباركة الزيت للأرملة ص4 مسيحنا يملأ أوعيتنا الداخلية الفارغة بنعمته.
  6. إقامة ابن الشونمية ص 4 مسيحنا واهب القيامة.
  7. الحنضل السام يصير طعامًا ص 4 بمسيحنا نتحدى الموت.
  8. إشباع مئة رجل بعشرين رغيفًا ص 4 بمسيحنا نتحدى قوانين الطبيعة.
  9. تطهير نعمان السرياني ص 5 بمسيحنا نتمتع بالميلاد الجديد في المعمودية.
  10. إخراج رأس الفأس بخشبة ص 6 بالصليب ترتفع نفوسنا المُثَقَّلة والغارقة.
  11. إصابة رجال أرام بالعمى ص 7 الذين معنا أكثر من الذين علينا (شركة السمائيين).
  12. البرص ومحلة الأراميين ص 7 اليوم يوم بشارة. الاهتمام بتمتع الكل بالفرح.
  13. حث الشونمية على الهجرة ص 8 مسيحنا ضابط الأمور يرعانا.
  14. نبوته لحزائيل الأرامي ص 8 صرخة القلب على الساقطين.

[1] Cf. Brevared S. Childs: Introduction to the Old Testament, , 1986, p. 288.

[2] Cf. Brevared S. Childs: Introduction to the Old Testament, , 1986, p. 289.

[3] Cf. Brevared S. Childs: Introduction to the Old Testament, , 1986, p. 289.

[4] Cf. Brevaed S. Childs, p. 294.

[5] Break Through: The Bible for Young Catholics, NY, 2005, p. 452.

[6] NKJV Study Bible.

[7] Cf. NKJ Study Bible.

[8] In luc 1: 7.

[9] Barnes' Notes on 2 Kings 1: 1.

[10] Adam Clark's Commentary.

[11] CF. James M. Freeman: Manners and Customs of the Bible, 1972, article 324.

[12] W. Whitcomb: Solomon to the Exile, P. 64.

[13] On the Second Book of Kings, 1: 1.

[14] أي أن الذين لا يأخذون من نبوات إرميا سوى الجانب الحرفي، يفعلون مثل فشحور الذي ألقى النبي في الجب السفلي.

[15] The Orthodox Study Bible.

[16] Ps. 8: 9 Hebr.

[17] Mid. Teh. ad loc. , See also Ber. 4B. Targ. on Eccles. 10: 20.

[18] الميمر 63 على محبة الله للبشر وعلى محبة الأبرار (راجع نص الراهب بول بيجان والدكتور الأب بهنام سوني).

[19] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

[20] CF. James M. Freeman: Manners and Customs of the Bible, 1972, article 325.

[21] راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 144.

[22] راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 144 - 145.

[23] Homilies on Matthew, 56: 3.

[24] Chrysostom: Concerning the Statues, Hom 2: 25 - 26.

[25] Chrysostom: Homilies on St. Matthew, Hom 10: 4.

[26] Hom 91 on the Exodus.

[27] Homilies on Matt. Homily 10: 4.

[28] The Long Rules, Q 23 Regarding the cincture.

[29] Homilies on Exodus, homily 91.

[30] Paesagogus, Books, ch. 6.

[31] On the Second Book of Kings, 1: 1.

[32] Orthodox Study Bible.

[33] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 147 - 148.

[34] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 152 - 155.

[35] Tertullian against Marcion, Book 4, ch, 23.

[36] Sermon 125: 1.

[37] Sermon 125: 2.

[38] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 156 - 157.

[39] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 158 - 159.

[40] Jacob and the Happy Life, 8: 38.

[41] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 159 - 160.

[42] ميمر 114 عن إيليا النبي وأخزيا الملك (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 160 - 161.

[43] On the Second Book of Kings, 1: 15.

[44] Methodius: Oration Concerning Simeon and Avura,9.

[45] راجع للمؤلف: حول ميامر القديس مار يعقوب السروجي عن لقطات من حياة القديس إيليا النبي مع تعليقات لبعض آباء الكنيسة الأولين، 2006، ف 11.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني - سفر الملوك الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر الملوك الثاني الأصحاح 1
تفاسير سفر الملوك الثاني الأصحاح 1