المَزْمُورُ الحَادِي وَالخَمْسُونَ – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الحادي والخمسون

التوبة المقبولة.

صلاة للاعتراف بالخطية "عندما جاء إليه ناثان النبى يبكته على خطيته".

"إرحمنى يا الله حسب رحمتك..." (ع1).

مقدمة:

كاتبه: داود النبي.

متى كتب؟ بعد حوالي عام من سقوطه في خطية الزنا مع بثشبع امرأة أوريا الحثى، التي ولدت ابنها، ومات، وجاء ناثان النبي، ونبه داود على خطيته، فقدم توبة وغفر له الله، فكتب هذا المزمور.

من أهم مزامير التوبة السبعة، وهي (6، 32، 38، 51، 10، 130، 143). إذ بعد كتابة هذا المزمور ظل داود يعوم كل ليلة سريره بدموعه، واستمر منسحقًا كل أيام حياته أمام الله.

يوضح هذا المزمور خطورة الخطية ونتائجها؛ لنرفضها ونبتعد عنها. ويوضح في نفس الوقت عظمة رحمة الله وغفرانه الذي يفرح القلب، ويجدده، فيبدأ من جديد في عبادة الله وتسبيح اسمه القدوس، ولكن باتضاع وانسحاق.

تظهر شجاعة داود الذي أخطأ سرًا، ولكنه اعترف علنًا في هذا المزمور، شاكرًا مراحم الله التي قبلته، ونقلت عنه خطيته.

اعترف داود أمام ناثان النبي، الذي يرمز لأب الاعتراف في كنيسة العهد الجديد، فأخبره ناثان بغفران الله له، ونقله خطيته عنه.

هذا المزمور يعطى رجاء لكل خاطئ مهما كانت خطيته، فرغم عظمة داود سقط في الزنا والقتل، ولكن الله غفر له.

تظهر في هذا المزمور التوبة المقبولة وهي الندم الشديد ورفض الخطية، وفى نفس الوقت وبنفس المقدار التمسك بنعمة الله وغفرانه ورحمته. فهي توبة مملوءة انسحاقًا ورجاءً في نفس الوقت.

ينبهنا هذا المزمور لخطورة عدم التدقيق فيما يلي:

أ - كثرة التطلع التي يمكن أن تسقطنا في النظرات الشريرة.

ب - الراحة والاسترخاء والفراغ التي كانت سببًا لسقوط داود في الخطية.

ج - الاندفاع وراء أفكارنا الشريرة حتى لا نسقط في خطايا أصعب؛ لأن داود اندفع وراء أفكاره، واستدعى امرأة أوريا، وسقط في الخطية.

العدد 1

ع1:

اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ.

شعر داود أن خطيتى الزنا والقتل تستحقان الموت، ولم يعد له فرصة للنجاة من العدل الإلهي إلا بطلب مراحم الله، ورأفاته. وبهذا يعلن داود باتضاع ضعفه وخطاياه.

إن توبة داود عن خطيتيه السابق ذكرهما دفعه للتوبة عن كل خطاياه، وطلب غفران الله. وتأكيده طلب الرحمة الإلهية يعلن إيمانه بمحبة الله، وقدرته على غفران كل الخطايا، بل إن هذا يبين أن داود تطلع بروح النبوة إلى المسيح الآتي في ملء الزمان؛ ليرفع كل الخطايا عن التائبين، والمؤمنين به.

العدد 2

ع2:

اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي.

يعبر داود عن شروره بثلاث كلمات؛ الأولى معاصىَّ (ع1) ومعناها في الأصل العبري انحراف عن الله، والآثام (ع2) ومعناها تبرير الأخطاء، والخطايا (ع3) ومعناها نية الشر المصاحبة للأفعال، ولذا استخدم للحل ثلاث كلمات هي: المحو للمعاصى، والغسيل للآثام، والتطهير للخطايا.

لأن داود يشعر أن أخطاءه كثيرة، فطلب غسلًا كثيرًا لآثامه. وهذا الغسيل يتم بما يلي:

أ - التجارب ليبتعد الإنسان عن الخطية ويكرهها.

ب - دم المسيح الفادى الذي رآه داود بروح النبوة أنه التناول من الأسرار المقدسة، التي تغفر وتقوى الإنسان ضد الخطية.

ج - التوبة والاعتراف.

الغسل يشير لماء المعمودية؛ الذي يطهر المعمد من خطاياه.

العدد 3

ع3:

لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا.

يقر داود بمعاصيه، وبهذا ينال غفرانًا لها. وخطيته وضعها أمام عينيه دائمًا ليقدم توبة عنها كل حين. وعندما فعل هذا ساعده الله بإرسال ناثان له ونخس ضميره، أي زادت مشاعر الندم في داخله، فهو بالحقيقة يستحق مراحم الله.

العدد 4

ع4:

إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ.

تزكو في قضائك: تكون عادلًا ونزيهًا وممدوحًا في قضائك.

يشعر داود أن خطيته موجهة لله قبل أن تكون موجهة نحو إنسان؛ لأن الله خالقه، وهو الذي يحاسبه إن لم يسلك مستقيمًا. وحتى لو نافقه من حوله ومدحوه لأنه ملك، فهو لا ينسى أن الله هو الذي سيحاكمه. فهنا يؤكد داود اعترافه بخطيته ولا يبرر نفسه، بل يبين شناعة خطيته؛ لأنه عملها باستهانة وتحدى أمام عينى الله. وبالتالي ليس أمامه إلا التوبة لنوال مراحم الله.

اعتراف داود بخطيته يبين عدل الله، وأنه منزه في قضائه. فعندما يعاقب الله داود فداود يستحق هذا، وليس ذلك ظلمًا. وإن سامحه الله فهذه رحمة عظيمة منه لا يستحقها داود. فعطايا الله كثيرة، إذ رفع داود من رعى الغنم وجعله ملكًا، وعلمه وصاياه، ولكن داود أخطأ، وبالتالي يستحق العدل الإلهي والعقاب، فداود خاطئ والله بار وصادق في وعوده.

العدد 5

ع5:

هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي.

إن داود تربى مع أم تقية هي عبدة لله (مز116: 16)، فهو لا يقصد أنه مولود من زنا، ولكن يقصد الخطية الجدية التي ولد بها كل البشر عندما ذكر الإثم والخطية التي ولد بها.

ذكر داود لولادته بالخطية يبين اتضاعه وانسحاقه أمام الله، وبالتالي يستدر مراحم الله الحنون، الذي يشفق على المتضرعين إليه. فداود بهذه الآية يحيا في انسحاق التوبة والتذلل أمام الله، وفى نفس الوقت يتمتع بحنان الله وغفرانه؛ إذ يلتمس الله له العذر لأنه مولود بالخطية، ومعرض للسقوط فيها.

العدد 6

ع6:

هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ، فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً.

السريرة: الخفاء.

يشعر داود بمحبة الله الذي سر بأن باطن داود، وأحشاءه تميل للحق والخير، وليس صنع الشر، وأن الخطية التي سقط فيها هي مكيدة من الشيطان، أي أن داود يشعر بأن الله يحبه ويلتمس له العذر.

يشعر أيضًا داود بلطف الله الذي لم يوبخه أمام الشعب من أجل خطيته، ولكنه أرسل له في الخفاء "السريرة" ناثان النبي، وعرفه خطيته، فأعلن داود توبته، وأخبره ناثان بأن الله غفرها له.

داود بروح النبوة رأى الحق، الذي هو كلمة الله الأقنوم الثاني، أي المسيح الذي سر به الآب، وأدرك أيضًا في الخفاء، أي بينه وبين نفسه أن المسيح هو الحكمة الحقيقية، وعلم بالتجسد وأسراره، التي ستتم في ملء الزمان، فتعطيه وكل البشرية المؤمنة الخلاص الحقيقي، والطهارة، والنقاوة، على خلاف الشريعة الموسوية، التي كانت تمارس في أيام داود، فهي كلها رمز للمسيح الآتي في ملء الزمان؛ ليغفر خطاياه.

العدد 7

ع7:

طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ.

الزوفا: نبات برى ذو ساق طويلة وفى نهايته أوراق كثيفة، مثل سعف النخل. وكانوا قديمًا يستخدمونه في تنظيف أجسادهم من الأوساخ، والعرق. ووضع اليهود الخل عليه ورفعوه للمسيح، وهو على الصليب؛ ليشرب (يو19: 29).

طلب داود من الله أن يطهره بالزوفا، والتي كانت تستخدم في التطهير بحسب شريعة موسى (عد19: 6، 18؛ لا14: 6). وهذا يبين إحساس داود بكثرة خطاياه، ومن ناحية أخرى ثقته في الله القادر على تطهيره مهما كانت خطاياه.

الزوفا استخدمها اليهود لتلطيخ العتبة العليا والقائمتين للباب بالدم؛ ليعبر عنهم الملاك المهلك (خر12: 22). فالزوفا ترمز للمعمودية؛ إذ تستخدم في غسل الأوساخ والتطهير، وفى نفس الوقت الدم الذي يوضع عليها هو رمز لدم المسيح، الذي يطهر من كل خطية. فداود يشتاق للتطهير بكل أبعاده سواء في العهد القديم، أو عندما يكمل في العهد الجديد.

يشتاق داود أن يغتسل بيد الله، فيصير نقيًا ناصع البياض مثل الثلج، وهذا يعبر عن إيمانه ورجائه في الحياة الجديدة النقية، التي يريد أن يحيا فيها بعد أن يغفر له الله خطاياه.

العدد 8

ع8:

أَسْمِعْنِي سُرُورًا وَفَرَحًا، فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا.

إن كانت الخطية قد أزعجت، وأحزنت داود، ولكن نعمة الله، ومحبته، وغفرانه تعيد إليه سلامه، بل تفرح قلبه؛ لأن فرحه قائم على إحساسه بوجود الله.

عظام داود سحقها الله، وذلك لأن داود عندما سقط تذكر مخافة الله، فندم جدًا، وشعر بجرم خطيته. ولكن حنان الله لم يتركه في أحزانه، بل أعاد إليه بهجته عندما تاب. فالخطية تنتج الحزن، أما الفرح فهو من ثمار الروح القدس، الذي يهبه الله لأولاده التائبين.

العدد 9

ع9:

اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ، وَامْحُ كُلَّ آثامِي.

إذ يشعر داود بشناعة خطيته يطلب من الله أن يستر وجهه عن خطاياه، أي ينساها، وينظر إلى داود بعين الرأفة، ويعيد إليه بنوته.

عندما سقط داود في خطيتى الزنا والقتل، أفاق وندم على هاتين الخطيتين، وإذ كان ندمه شديدًا حاسب نفسه على كل خطاياه السابقة، فقدم ندمًا عنها كلها، وترجى من الله أن يمحوها، ويغفرها؛ ليصير نقيًا تمامًا؛ لأنه إذا استبقى داود خطية واحدة بدون توبة، فسيخسر الملكوت.

انتبه أن تقدم توبة عن كل خطية؛ لتنال غفران الله؛ لأنه إذا حاولت أن تخفيها، وتسترها، ولا تعترف بها، فالله سيدينك عليها، أما إذا تبت، فسيغفرها لك، ويستر وجهه عنها، فتحيا في فرح على الأرض، ثم في السماء.

العدد 10

ع10:

قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي.

بعد سقوط داود شعر أن أفكاره ومشاعره قد تلوثت كلها، ولذا فقد احتاج إلى مشاعر جديدة نقية، فطلب من الله أن يخلق له قلبًا يشتهى الحياة مع الله.

طلب أيضًا داود تجديد روحه، ويقصد بها ضميره، وكل ما ميزه به الله كإنسان عن باقي الخلائق. وطلب روحًا مستقيًا ليس له هدف إلا محبة الله، حتى أن أحشاءه تصير مشتاقة إلى الله، وتقود جسده في طريق الملكوت.

العدد 11

ع11:

لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ، وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي.

عاش داود متمتعًا بعشرة الله منذ أن كان صبيًا يرعى الغنم، وكان يطلب الله في كل ضيقة، فينقذه ويسنده، كما قتل الأسد والدب، وبعد ذلك جليات، ثم المئات من الفلسطينيين الأعداء. ولكن بعد سقوطه أيقن أنه غير مستحق للتمتع برؤية الله، ولكن إذ تاب تجددت الأشواق داخله لعشرة الله، فترجاه ألا يطرحه من أمام وجهه؛ لأن رؤية الله وعشرته هي الحياة بالنسبة لداود.

إن روح الله الذي سكن في داود، وأعطاه النبوة، وكذلك حكمة قيادة المملكة كملك، وقوة الحرب والنصرة، والحكمة لتطبيق العدل في القضاء، كل هذا لم يعد داود مستحقًا للتمتع به بسبب سقوطه في الخطية. ولكنه مازال ملكًا، وقائدًا حربيًا، وقاضيًا، بل كإنسان روحي محتاج لروح الله الذي يوجهه، وينخسه إن أخطأ، ويعطيه مواهب وقدرات يحتاجها حتميًا، ولذا ترجى الله ألا ينزع روحه القدوس منه.

العدد 12

ع12:

رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي.

روح منتدبة: روح مطيعة بإرادة حرة.

إن الخطية أنتجت حزنًا في قلب داود، وفقد كل مشاعر الفرح التي عاشها مع الله، فهو إذ يتوب يترجى من الله أن يعيد إليه بهجة، وفرح الخلاص من الخطية؛ ليحيا من جديد معه.

بروح النبوة يرى داود أن الخلاص الكامل يتم بفداء المسيح، وهذا الخلاص قادر أن يملأ قلب الإنسان بالفرح، فيشتاق داود أن يستعيد الإنسان أفراحه التي عاشها في جنة عدن بنواله خلاص المسيح.

يطلب داود أيضًا من الله أن يسنده بتجديد روحه؛ لتكون مطيعة لوصايا الله، فتنطلق بحرية وإرادة ذاتية، مستندة على نعمة الله؛ لتتمتع بالوجود معه.

العدد 13

ع13:

فَأُعَلِّمَ الأَثَمَةَ طُرُقَكَ، وَالْخُطَاةُ إِلَيْكَ يَرْجِعُونَ.

إذ ذاق داود مرارة الخطية، وتاب، اشتاق أن ينبه كل الذين سقطوا في الخطية؛ ليتوبوا مثله، ويتمتعوا بالسلام بين يدى الله. وكما أعثر الآخرين بخطيته، الآن يدعو كل ساقط في الخطية ليتوب؛ لأن من اختبر مرارة الخطية، وتاب، هو أكثر إنسان قادر أن يدعو غيره للتوبة.

إن الخطاة والأثمة الذين يقصدهم داود هم كل حواسه، وإمكانياته التي تدنست بالخطية، فهو إذ تاب يعلم، ويدرب أفكاره، وحواسه، وجسده، وكل إمكانياته ألا تحيد عن الله، بل تحفظ وصاياه، وتسلك في طرقه.

† عندما تسقط في الخطية لا تكتفِ بالحزن، أو تركن إلى اليأس، بل قم سريعًا في رجاء، واطلب بتذلل أمام الله؛ ليرحمك، ويسامحك، بل يسندك بقوته؛ لتعوض كل ما فاتك، وبهذا لا يشمت إبليس فيك، ويفرح الله بتوبتك.

الأعداد 14-15

ع14 - 15:

:

نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اَللهُ، إِلهَ خَلاَصِي، فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ. يَا رَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ، فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ.

يطلب داود من الله أن يرفع عنه آثار خطيته، وهي دم أوريا الحثى الذي قتله، ودماء كل من قتلوا معه من الجيش. وأيضًا يقصد بالدماء كل من أعثروا من داود، وأولهم إمرأة أوريا الحثى، وكل من عرف خطية داود وأعثر منه. فهو يطلب أن يسامحه الله عن كل هذه الدماء؛ لأنه يثق أن الله يحبه، فيدعوه "إله خلاصى"، أي من يرعانى، ويهتم بخلاصى من كل خطية. فهو بإيمان، ورجاء عظيم، وبروح النبوة يرى المسيح، المخلص الحقيقي في ملء الزمان، الذي يخلصه، ويخلص البشرية من خطاياها.

عندما يتنقى داود من الخطية، ويسامحه الله من آثارها، يستطيع أن يسبح الله البار، القدوس، الذي برره، وغفر له خطاياه. فيقف أمام الله، وينطق بكلمات التسبيح والتمجيد، التي تثبت إيمانه، وتملأ قلبه سلامًا.

إن الخطية تغلق قلب الإنسان عن الله، وتسد أيضًا فمه، ولكن التوبة تعيد الإنسان إلى حالته الطبيعية، وينعم بنعمة الله، التي تفتح شفتيه، فينطلق في التسبيح، شاكرًا الله، الذي قبله، وسامحه. فالله هو المحرك لمشاعر وكلمات التسبيح في أولاده ومحبيه.

الأعداد 16-17

ع16 - 17:

:

لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى. ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ.

رغم التزام داود بالشريعة، وتقديم الذبائح - مثل ذبيحة الخطية، والإثم التي يقدمها الإنسان إذا أخطأ - ولكنه يوضح هنا أن تقديم الذبائح ليس كافيًا، ليس فقط لأنها رمز لذبيحة المسيح، ولكن لأن الله يشترط أن يصاحبها القلب المتضع التائب. فلو كان الحل هو تقديم الذبائح، لكان داود قد قدم الكثير منها، خاصة وأنه ملك، وقادر ماديًا على هذا، ولكنه يعلن بوضوح أن هذا وحده لا يرضى الله، بل يشترط الروح المنسحقة في توبة. ومعنى هذا أن الله يحتقر الذبائح الغير مصحوبة بالتوبة الحقيقية، ولكن يفرح باتضاع قلوب التائبين.

عظمة الاتضاع هو في أنه ذبح للكرامة، وذبح لمشيئة الإنسان، واستعداد لاحتمال الإهانات، فالله يفرح جدًا بالقلوب المتضعة. وقد كمل الاتضاع في المسيح المنسحق في الصليب والآلام لأجل فدائنا، هنا تكمل مسرة الآب.

† اطلب إليك يا رب أن تحرسنى من إعثار الآخرين، حتى لا أطالب بدمائهم. وأعطنى يا رب اتضاعًا لأحفظ وصاياك، وأقبل الآلام من أجلك، وحينئذ تحفظنى في يمينك من كل شر، وتملأ قلبى سلامًا وفرحًا.

العدد 18

ع18:

أَحْسِنْ بِرِضَاكَ إِلَى صِهْيَوْنَ. ابْنِ أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ.

صهيون: أهم الجبال الخمسة المبنية عليها مدينة أورشليم. ويستخدم اسم صهيون في كثير من المواضع للدلالة على مدينة أورشليم.

بعدما ذاق داود حلاوة غفران الله له، طلب منه أن يبارك أورشليم برضاه عنها، ويبنى أسوارها، أي تصير مدينة قوية حصينة. وهذا يبين مدى محبة داود للمدينة المقدسة أورشليم، ومسكن الله الذي فيها. فهو يشعر بعضويته مع شعب الله، ويطلب من أجل كل المؤمنين الذين يعبدون الله في هذه المدينة المقدسة.

يقصد أيضًا داود بصهيون وأورشليم نفسه، أي يطلب أن يباركه الله، ويحصنه ضد هجمات إبليس، ليثبت في محبة الله ويظهر الله إحسانه ورضاه في تجسده لفداء البشرية. وكذلك أيضًا يقصد بأورشليم كنيسة العهد الجديد، والأسوار هم الرسل، الذين حفظوا الإيمان وبشروا به العالم كله.

العدد 19

ع19:

حِينَئِذٍ تُسَرُّ بِذَبَائِحِ الْبِرِّ، مُحْرَقَةٍ وَتَقْدِمَةٍ تَامَّةٍ. حِينَئِذٍ يُصْعِدُونَ عَلَى مَذْبَحِكَ عُجُولًا.

عندما يبارك الله أورشليم، مدينته المقدسة، وكل المؤمنين الآتين إليها، يفرح، ويتشجع هؤلاء المؤمنون، ويقدمون لله ذبائح البر والتقدمات الكاملة، أي مشاعر قلوبهم، وأفكارهم، وتسابيح خارجة من أفواههم، وأعمال بر تشهد لله، فيتمجد فيهم.

بعدما تتحرك القلوب في طريق محبة البر، تصبح الذبائح "عجولًا" مقبولة، بل وتسر الله؛ لأنها صادرة من قلوب امتلأت بمحبته.

يرى داود بروح النبوة كنيسة العهد الجديد، التي بعدما تمتعت بفداء المسيح، فيقدم المؤمنون فيها ذبائح البر وتقدمات قلوبهم الكاملة، بل تلهج ألسنتهم بتسبيح الله، وأعمالهم تمجده، وفى النهاية يقدمون عجولًا هي بذل حياتهم في الجهاد الروحي، والخدمة، ثم تكمل في الاستشهاد.

† عبر عن محبتك لله - الذي يباركك كل يوم ببركات كثيرة - بتقديم ذبائح شفتيك، وهي صلواتك، وتسابيحك، ثم أكملها بأعمال الرحمة والخدمة؛ لأجل محبتك لفاديك الذي بذل حياته لأجلك.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

المزمور الخمسون - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 51
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 51