الأصحاح الخامس – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الخامس

هنا الرسول يبدأ حديثه فى جوهر موضوع رسالته ألا وهو كهنوت المسيح، الذى ليس على مستوى هرون بل على مستوى ملكى صادق. وبدأ هنا الحديث عن هرون بكونه أول رئيس كهنة مدعو من الله، ثم يقدم لنا من هو أعظم منه بما لا يقاس، ربنا يسوع الذى يدخل بنا إلى الأقداس السماوية يشفع فينا على مستوى جديد وفريد.

العدد 1

آية (1): -

"1لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَاِللهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا.".

هذه الآية راجعة للآية السابقة (16: 4) والمعنى فلنتقدم بثقة فلنا شفيع مُجرَّب مثلنا.

هنا نجد شرطين لرئيس الكهنة.... الأول: - أن يكون مأخوذاً من الناس ليشفع عن بنى جنسه، فلقد قال الله لموسى "قرب لى هرون وبنيه معه من بين بنى إسرائيل" (خر28: 1) إذ يشعر بضعفاتهم ويعمل بإسمهم. وهذا الشرط تحقق فى السيد المسيح إذ أخذ جسدنا. الثانى: - أنه يقام لأجل الناس ليقدم ذبائح عنهم، مهمته الأولى أنه يقدم شعبه لله وهذا الشرط الثانى فعله المسيح بذبيحة جسده. قَرَابِينَ = تقدمة الدقيق. والدقيق المسحوق الأبيض يرمز لحياة المسيح البار المسحوق لأجل أثامنا والمسيح أعطانا حياته هذه نحيا بها (غل20: 2).

العدد 2

آية (2): -

"2قَادِرًا أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ، إِذْ هُوَ أَيْضًا مُحَاطٌ بِالضَّعْفِ.".

هنا يفترق المسيح عن أى رئيس كهنة، إذ المسيح غير محاط بالضعف لكنه يشعر بضعفنا وألامنا أولاً بكونه خالقنا فهو يعرف كل شئ. ثانياً لأنه عاش وسط ضيقاتنا. وفى العهد القديم كان رئيس الكهنة إذ له نفس الطبيعة الضعيفة الساقطة، يرثى لحال الخاطئ القادم ليقدم ذبيحة. ولأنه هو نفسه محاط بالضعف كان يشفق على المخطئ كأنه أخطأ بجهل ودون علم وبهذا يترفق بالخاطئ حتى لا يموت. والكاهن المسيحى الآن يصلى قائلاً فى أثناء تقديمه للذبيحة أنه عن خطاياه وجهالات الشعب. أما المسيح الكامل الذى وحده بدون خطية فهو فى رحمته العجيبة حمل كل خطايانا مترفقا بضعف بشريتنا.

العدد 3

آية (3): -

"3 وَلِهذَا الضَّعْفِ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ كَمَا يُقَدِّمُ عَنِ الْخَطَايَا لأَجْلِ الشَّعْبِ هكَذَا أَيْضًا لأَجْلِ نَفْسِهِ.".

كان رئيس الكهنة يقدم ذبائح عن نفسه أولاً حتى يمكنه أن يقوم بدوره الشفاعى إذ هو أيضاً يخطئ. ولكن المسيح يفترق عن رئيس الكهنة اليهودى فى هذا أيضاً فهو بلا خطية ولا يقدم ذبائح عن نفسه. وهو لا يصلى لأجلنا لكى يقبلنا الله بل هو يحملنا فيه كأعضاء جسده خلال ذبيحة نفسه، ونحن فيه نصير مقبولين لدى الله.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا.".

نجد هنا الشرط الثالث: - لرئيس الكهنة وهو أن يكون مدعواً من الله لهذه الوظيفة. وكان اليهود يفتخرون بأن الله هو الذى دعا رئيس كهنتهم هرون. والإنسان عموماً موسوم بالخطية فكيف يقترب للشفاعة عن غيره إن لم يكن مدعواً من الله. وفى هذا أيضاً يتشابه المسيح مع رئيس الكهنة، فالآب أرسله لهذا العمل الكهنوتى.

هذِهِ الْوَظِيفَةَ = كلمة الوظيفة فى اليونانية تأتى بمعنى كرامة وهذا يتفق مع آية (5).

العدد 5

آية (5): -

"5كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ».".

الله الآب دعا إبنه ليقوم بعمله الكهنوتى. ودعوة الآب للإبن هى تخصيص عمل داخل المشورة الثالوثية للأقانيم الثلاثة = "والان السيد الرب ارسلني وروحه" (إش48: 16). فالآب يختص بالتدبير والابن بالخلاص والروح القدس يثبتنا فى المسيح الإبن. فيحملنا الإبن لأحضان الآب. والله دعا إبنه لهذه الوظيفة التى بها تمجد بالجسد، حين قال فى المزمور أنا اليوم ولدتك أى يوم أعطيتك الطبيعة الإنسانية حتى يمكنك بها أن تقدم جسدك ذبيحة وتموت ثم تقوم لتقيم الكنيسة معك. والابن قد تمجد بالصليب أولاً ثم يوم القيامة ويوم الصعود ثم جلوسه عن يمين الآب بناسوته. فالمجد الذى نتكلم عنه هو المجد الذى صار للجسد الإنسانى الذى حصل عليه لحسابنا. هذه الآية تشير لأن القول "أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" يشير للتجسد والصلب والقيامة... راجع تفسير آية (عب5: 1).

العدد 6

آية (6): -

"6كَمَا يَقُولُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ».".

هنا الرسول يشير إلى مزمور آخر يتضح منه دعوة الآب لإبنه ليكون رئيس كهنة وهو (مز110). ونرى هنا أن المسيح صار كاهناً إلى الأبد وليس كرؤساء الكهنة الذين هم على رتبة هرون والذين كانوا يموتون ليقوم غيرهم مكانهم. والمسيح صار كاهنا بعد أن دخل للأقداس بدمه. ورآه يوحنا فى الرؤيا كخروف قائم كأنه مذبوح (رؤ6: 5). فهو دخل للسماء بجروح يديه ورجليه وجنبه.

رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَق = سيأتى عنها الحديث فى (ص7) ولكن بإختصار فرتبة ملكى صادق أعلى من رتبة هرون. فملكى صادق بارك إبراهيم أبو الأباء فهو أبو هرون.

العدد 7

آية (7): -

"7الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ.".

فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ = أى أن آلامه كانت بالجسد (1بط 4: 1).

إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ = لم نسمع أن المسيح حاول الهرب من الصليب، بل هو جاء لهذا السبب "أيها الآب نجني من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27).

وإنتهر بطرس إذ حاول أن يثنيه عن الصليب (مت21: 16–23) بل تنبأ كثيراً عن ألامه وموته. ولكن هل يعقل أن يضرب بالسياط وتدق المسامير في جسده ولا يصرخ ويبكى، فهو صرخ لأجلنا وقبل العار لأجلنا. صراخه ظهر فى صلاته فى بستان جثسيمانى وعرقه الذى كان مثل الدم وطلبه أن تجوز عنه هذه الكأس. هو تحمل ألام حقيقية وكان يئن ويصرخ كأى إنسان. ربما كإنسان طلب أن لا يتحمل هذه الكأس ولكنه إذ هو واحد بلاهوته مع أبيه ومشيئتهما واحدة قال لتكن لا كإرادتى بل كإرادتك.

أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ = هذه لا تفهم إطلاقاً أن الآب إستجاب له فلم يمت بل أن الآب إستجاب له بأن تركه يموت ومن داخل الموت تعامل مع الموت، قوة الحياة التى فيه إبتلعت الموت فخلص نفسه من الموت بلاهوته، وقام وخلص البشرية معه فقامت البشرية من الموت. بالموت داس الموت. والله إستجاب له بالقيامة التى صارت حياة جديدة له ولكل الكنيسة.

وفى تفسير مكمل لما سبق نلاحظ أن صلاة المسيح ليرفع الله عنه كأس الألام كانت فى بستان جثسيمانى. ولاحظ فاللاهوت كان يمكن أن يجعله لا يشعر بالألام ولكنه لم يفعل. والمسيح كان مقبلا على ألام رهيبة وهنا يطلب قوة للإحتمال حتى لا يموت من هول الألام قبل الصليب لكى يُكمل الفداء على الصليب فيقول "قد أكمل". وبالفعل طالت حياته الجسدية إلى أن أتم عمل الصليب. وهذا معنى قول الرسول "وإذ كُمِّلَ صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى". ومعنى سُمِع له أنه لم يمت قبل أن يتم الفداء بالصليب وأن يُسَلِّم هو روحه بسلطانه على الصليب بإرادته الكاملة.

مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ = كيف إنتصر على إبليس وعلى الموت؟ راجع (يو30: 14) "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىَّ شئ"، فرئيس هذا العالم إبليس لم يجد فيه خطية. وبالتالى لم يكن للموت سلطان عليه فداس الموت ببره. كان إبليس عند موت أى إنسان يأتى ويقبض على روحه ويأخذها معه للجحيم، فكل إنسان قَبِلَ من يده خطية، وعند موت الإنسان يطالب إبليس بثمن الخطايا والملذات الخاطئة التى قدمها له. والثمن الذى يطلبه هو نفس الإنسان. أما المسيح الذى بلا خطية فهو لم يقبل من يده شئ. فعند موته لم يتمكن إبليس من القبض على روحه، بل أن المسيح المتحد لاهوته مع روحه هو الذى قبض على إبليس وقيده. وأيضا قوله من أجل تقواه إشارة لطاعته الكاملة والطاعة صفة من صفات الناسوت. وهو فى هذه الحالة يطيع لاهوته هو فمشيئته هى نفس مشيئة الآب.

العدد 8

آية (8): -

"8مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ.".

مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا = هو إبن الله بالطبيعة ومشيئتهما واحدة. ولكنه بالجسد وضع تحت الطاعة ليتكمل بها بالألام. لكى يصير رئيس كهنة لزم أن يتعلم الطاعة على مستوى البشر وهذه لا يتعلمها البشر سوى بالألام = تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ = ظهرت طاعته فى أكمل صورها حين إحتمل آلاما حقيقية صرخ لأجلها ولكنه أطاع. فإن كان هذا هو منهج الله مع إبنه فعلينا أن نطيع الله ولا نتذمر على أى ألم يسمح به فنحن نكمل بالألام. ونلاحظ أن هذا الكلام موجه للعبرانيين المتألمين ليحتملوا الألام فهى بسماح من الله ليكملوا.

العدد 9

آية (9): -

"9 وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ.".

وَإِذْ كُمِّلَ = كُمِّلَ = بالألام والصليب ثم كمل بالمجد الأبدى وجلوسه عن يمين الآب فصار رئيس كهنه يشفع فينا وسبب خلاص أبدى. لكن ليس لكل إنسان بل للذين يطيعونه ويحتملون الألام التى سمح بها الله بشكر (كو2: 7) وبدون تذمر أو إرتداد عن الإيمان.

العدد 10

آية (10): -

"10مَدْعُوًّا مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ.".

هو تكمل بالألام ليصير رئيس كهنة وكاملاً كمخلص. رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق هذه الآية هى تقرير نهائى عما سبق فهو لم يغتصب الكهنوت وهو أكمل الطاعة وصار مجرباً فى كل شئ مثلنا، إحتمل الآلام كالبشر وأطاع حتى موت الصليب (فى2: 8، 9).

العدد 11

آية (11): -

"11اَلَّذِي مِنْ جِهَتِهِ الْكَلاَمُ كَثِيرٌ عِنْدَنَا، وَعَسِرُ التَّفْسِيرِ لِنَنْطِقَ بِهِ، إِذْ قَدْ صِرْتُمْ مُتَبَاطِئِي الْمَسَامِعِ.".

كان موضوع ملكى صادق يمثل لليهود لغزا لم يستطيعوا فهمه أبدا. فمن هو ملكى صادق وكيف يبارك إبراهيم أبو الأباء ومن اين أتى وكيف يعطيه إبراهيم العشور.

هنا وقفة مع العبرانيين الذين يريدون الإرتداد للناموس. وهى وقفة عتاب. فبعد أن قدم لهم كل ما عمل المسيح لأجلهم يعقد هنا مقارنة بين نمو الجسد ونمو الإنسان الروحى ويصور هؤلاء العبرانيين بالأطفال غير الناضجين. وبسبب حالتهم الروحية صارت الحقائق الواضحة مثل موضوع ملكى صادق عسرة الفهم. أما لو كانت النفس سليمة يصير لها كل شئ سهلاً مثل من له معدة قوية يستطيع بها أن يهضم أى طعام. فالله فى معاملاته معنا يبدأ بالتدريج عمله لننمو، ولو تجاوبنا مع الله نصل لحالة النضج فى الإيمان، فنُستأمن على أسرار النعمة. ولكن لو إستهنا بكلمة الله ترجع كلمة الله فارغة دون ثمار ويرتد الإنسان كطفل روحى. وكما لو حاولت الأم إطعام طفلها بطعام دسم لا يقبله، هكذا الأطفال الروحيين لا يقبلون الكلام العالى. وبالنسبة للرسول كان سهلاً عليه أن يقارن بين المسيح وموسى، والمسيح ويشوع ولكنه وصل الآن لموضوع كهنوت المسيح الأبدى وتصور حال هؤلاء الأطفال روحياً وكيف أنهم لن يستسيغوا هذا الكلام بسبب عجزهم الروحى فهم يريدون الإرتداد عن المسيحية. وبولس له كلام كثير يقوله عن كهنوت ملكى صادق ولكن إذ هم متباطئى المسامع أصبحوا لا يدركون.

العدد 12

آية (12): -

"12لأَنَّكُمْ ­إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ­ تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ.".

لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ = هم كانوا يهود لهم خبرات طويلة مع الكتاب المقدس. والآن فهم لهم سنوات طويلة فى المسيحية ولهم خبراتهم فيها.

وبسبب هذا كان من المفروض أن يكونوا معلمين. كان يجب عليهم لو كانوا قد نموا روحيا أن يفهموا مثلا لمن يشير ملكى صادق ومعنى كهنوته.

العدد 13

آية (13): -

"13لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ.".

لأن كل من يأخذ التعاليم الروحية البسيطة أو المبادئ الأولية من التعاليم الروحية التى تقابل اللبن الذى يقدمونه للأطفال حتى يسهل هضمه، لا يكون له خبرة ولا يعرف التعاليم التى تقود للتبرير وإلى الحياة الفاضلة السماوية والتى يكون فيها منقاداً بالنعمة يحيا حياة فائقة على الطبيعة. أما الأطفال روحياً فهم يحيون على مستوى الأخلاقيات العالمية.

العدد 14

آية (14): -

"14 وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.".

الإنسان الذى تدربت حواسه الروحية على الإنجيل وقيادة النعمة يثبت وجهه نحو الوطن السمائى يقوده الروح القدس. أما الإنسان المنشغل أو المهموم بالعالم عن الله وحياته الروحية يفقد رؤيته وحواسه. المسيحى لو واظب على التعلم من كلمة الله وتطبيقها على سلوكه وأعماله وأقواله وأفكاره فإنها تتحول فيه إلى قوة تمييز فى الفكر فيصير له إدراك وإفراز ما هو خير وما هو شر فيتقوم سلوكه. ونلاحظ أن الطعام الروحى القوى أى التعاليم الروحية العميقة هى من أجل المسيحيين الناضجين الذين بواسطة المران والإعتياد صارت لهم الحواس الروحية مدربة، وتستطيع بسهولة أن تميز بين الخير والشر. فكما أنه لنا حواس جسدانية فنحن لنا حواس روحية فنحن لنا أعين روحية بها نرى الله (مت5: 8) + (عب12: 14) ولنا أذان روحية (رؤ2: 7) ويمكننا تذوق الله (مز34: 8) وهذه الحواس يتعطل عملها بالخطية وتكتسب قوتها وصحتها بواسطة عمل نعمة الروح القدس.

الْحَوَاسُّ المُدَرَّبَةً = أفضل شرح لهذا هو قصة الأعمى الذى فتح السيد المسيح عينيه (مر22: 8–26) فالسيد المسيح تفل فى عينيه (ليعطيه حياة لعينيه فجسد المسيح يعطى حياة) ووضع يده عليه فرأى الأعمى الناس كأشجار يمشون. ثم عاد السيد المسيح فوضع يده عليه فأبصر بصورة طبيعية. هنا السيد المسيح صنع معجزتين فى الحقيقة: -.

  1. السيد شفى عينى الأعمى لكن ظلت الرؤية كحاسة غير مدربة فهو لأول مرة يبصر، وقطعاً لا يدرى الفرق بين الناس والأشجار فهو لم يسبق له رؤية أيهما فلقد كان أعمى.
  2. ملأ السيد المسيح ذاكرة الأعمى بصور كثيرة فصار يميز بينهم فنحن نرى الشكل ونسجل الصورة فى ذاكرتنا، ثم حين نراه ثانية نبحث عن الصورة فى الذاكرة فنعرفه. والطفل حين يولد يكون بلا ذاكرة، ويظل يملأ ذاكرته من الصور والأصوات والروائح.... الخ وبعد ذلك يستطيع أن يتعرف على أيهم حين تكون ذاكرته ممتلئة.

ونفس الشئ يحدث مع الذاكرة الروحية. فالروح القدس يدرب حواسنا الروحية فنستطيع أن نتعرف على أعمال الله ونسمع صوته فنعرفه، كخراف تميز صوت راعيها، ونتلذذ بتذوق عشرته. تصير إذاً حواسنا مفتوحة على السماء.

ما يفتح حواسنا الروحية على السماء هو الروح القدس. وما يغلق حواسنا الروحية هى الخطية. ومن تكون حواسه الروحية المنفتحة على السماء مدربة يكون حياً روحياً أي الروح القدس جدد طبيعته فصار أمام الله حياً. والعكس من لم يستجب لعمل الروح القدس وظلت حواسه الروحية ميتة وغير عاملة يقول عنه الكتاب "لك إسم أنك حي (فحواسك الجسدية تعمل) وأنت ميت (روحياً)". فنحن لاندرك الله ونفرح بأعماله ولا ندرك السماويات بالحواس الجسدية بل بالحواس الروحية، وهذا معنى "طوبى للأنقياء القلب. لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8) + "الخراف تتبعه (الراعى) لأنها تعرف صوته" (يو10: 4). + "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز34: 8). هذه عن الحواس الروحية.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح السادس - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الرابع - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 5
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 5