التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – الكتاب الأول- ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس

هذا الفصل هو جزء من كتاب: التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الـكـتـاب الأول

الفصل الأول (مقدمة لعمله)

الفصل الثانى            (الوسيلة التى إهتدى بها قنسطنطين إلى المسيحية)

الفصل الثالث            (قنسطنطين يهتم بالمسيحيين، وليسينيوس شريكه يضطهدهم)

الفصل الرابع            (نشوب الحرب بين قنسطنطين وليسينيوس بسبب المسيحيين)

الفصل الخامس        (نزاع بين أريوس والكسندروس اسقف الأسكندرية)

الفصل السادس        (بداية الانقسام فى الكنيسة الجامعة. حرم الكسندروس اسقف الأسكندرية لآريوس وأنصاره)

الفصل السابع           (قنسطنطين يحزن من القلاقل بين الكنائس. يرسل هوسيوس الاسبانى إلى الأسكندرية. حضه لآريوس والكسندروس على المصالحة والوحدة)

الفصل الثامن            (مجمع نيقية ببيثِنية. وقانون الايمان الصادر منه)

الفصل التاسع           (رسالة مجمع نيقية بخصوص قراراته. إدانة اريوس وأنصاره)

الفصل العاشر          (الإمبراطور يستدعى أيضا اكسسيوس اسقف النوفاتيين)

الفصل الحادى عشر           (عـن الاسقف بافنوتيوس)

الفصل الثانى عشر             (عن اسبيريدون اسقف القبارصة)

الفصل الثالث عشر (الراهب  اوتيكيان)

الفصل الرابع عشر          (نفى يوسيبيوس النيقوميدى، وثيوجنيس اسقف نيقية لإتفاقهما مع اريوس. ثم تراجعهما وتصديقهما على قانون نيقية)

الفصل الخامس عشر       (وفاة الكسندروس بعد المجمع. سيامة اثناسيوس أسقف للأسكندرية)

الفصل السادس عشر      (الإمبراطور قنسطنطين يوسع بيزنطيوم ويدعوها القسطنطينية)

الفصل السابع عشر          (هيلانه أم الإمبراطور تتوجه إلى أورشليم. تعثر على صليب المسيح. تبنى كنيسة)

الفصل الثامن عشر           (الإمبراطور قنسطنطين يُبطل الوثنية ويشيّد كنائس عديدة فى أماكن مختلفة )

الفصل التاسع عشر          (اهتداء سكان “الهند الداخلية” إلى المسيحية فى  زمن قنسطنطين)([1])

الفصل العشرون              (اسلوب اهتداء الايبريين للمسيحية)

الفصل الواحد والعشرون  (انطونيوس الراهب)

االفصل الثانى والعشرون   (مانيس مؤسس الهرطقة المانية وأصله)

الفصل الثالث والعشرون            (يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينيس بعدما استردا الثقة، يدبران المكائد ضد أثناسيوس)

الفصل الرابع والعشرون            (مجمع انطاكية وعزل يوستاثيوس اسقف انطاكية. الهياج وخراب المدينة)

الفصل الخامس والعشرون         (الكاهن الذى اجتهد لأجل عودة اريوس)

الفصل السادس والعشرون         (اريوس يقدم اقرارا للإمبراطور، ويتظاهر بقبول قانون نيقية)

الفصل السابع والعشرون           (عودة اريوس إلى الأسكندرية بموافقة قنسطنطين. أثناسيوس لا يقبله. اتهامات حزب يوسيبيوس النيقوميدى لأثناسيوس)

الفصل الثامن والعشرون            (انعقاد مجمع صور)

الفصل التاسع والعشرون           (ارسينيوس ويده المقطوعة)

الفصل الثلاثون                         (هروب المدعين عليه)

الفصل الواحد والثلاثون             ( الاساقفة لا يصغون إلى أثناسيوس فى الدفاع الثانى. لجوءه إلى الإمبراطور )

الفصل الثانى والثلاثون              (رحيل أثناسيوس. عزل المجمع له)

الفصل الثالث والثلاثون             (انتقال اعضاء المجمع من صور إلى أورشليم للتدشين. قبولهم لاريوس)

الفصل الرابع والثلاثون             (استدعاء المجمع إلى القسطنطينية لفحص الإمبراطور للتهم الموجهة إلى أثناسيوس بنفسه)

الفصل الخامس والثلاثون           (حضور بعض اساقفة المجمع. تهمة خطيرة ضد أثناسيوس وانخداع الإمبراطور بها. نفيه إلى الغال)

الفصل السادس والثلاثون           (مارسيللوس اسقف انقيرا واستيريوس السوفسطائى)

الفصل السابع والثلاثون             (اريوس يثير الاضطرابات ضد الكسندروس اسقف القسطنطينية)

الفصل الثامن والثلاثون             (موت اريوس)

الفصل التاسع والثلاثون             (مرض الإمبراطور ووفاته)

الفصل الاربعون                        (جنازة الإمبراطور )

الكتاب الأول: الفصل الأول

(مقدمة لعمله)

(1/1/1) لقد ختم يوسيبيوس  Eusebiusالملقب بامفيليوس([2]) Pamphilus كتابه “تاريخ الكنيسة”([3]) Eusebius’ Ecclesiastical History ends with the death of Licinius in 323. His Life of Constantine is in a sense a continuation of the History, and yet as it is very well characterized by Socrates, it is a eulogy and therefore its style and selection of facts are affected by its purpose, rendering it too inadequate as a continuation of the Ecclesiastical History; hence Socrates’ constraint to review some of the events which naturally fall in Eusebius’ period.الذى كتبه فى عشرة كتب، بفترة الامبراطور قنسطنطين بعدما انقضى اضطهاد دقلديانوس ضد المسيحيين. وأيضا عندما تناول نفس المؤلف حياة قنسطنطين، تناول بشىء زهيد الأمور الخاصة بأريوس إذ كان منشغلا بالنهاية البليغة لعمله، ومدح الإمبراطور عن التسجيل الدقيق للحقائق.

(1/1/2) وإذ عزمنا الآن على كتابة تفاصيل ما قد حدث فى الكنائس منذ أيامه إلى وقتنا الحاضر، فإننا سنبدأ برواية ما قد تركه على وجه الخصوص، وسنضع أمام القارىء ما قد استطعنا تجميعه من المستندات، وما قد سمعناه من أولئك الذين كانوا ملمين بالحقائق التى تكلموا عنها.

(1/1/3) ولمّا كان الأمر الذى سنتناوله من الأهمية بمكان فإنه من الملائم أن نبدأ بوصف مختصر لإهتداء قنسطنطين إلى المسيحية جاعلين هذا الحدث هو البداية.

الكتاب الأول: الفصل الثانى

(الوسيلة التى اهتدى بها قنسطنطين إلى المسيحية)

(1/2/1) عندما اعتزل دقلديانوس ومكسيميانوس([4]) الملقب هرقليوس herculius بالاتفاق المشترك بينهما الرتبة الملكية وتفرغا لحياتهما الخاصة. جاء مكسيميانوس الملقب جالريوس([5]) إلى ايطاليا، وعيَّن قيصريَن، مكسيمينوس على القسم الشرقى وسفيروس على القسم الايطالى.

(1/2/2) ومع ذلك أُعلِن قنسطنطين امبراطورا فى بريطانيا عوضا عن ابيه قنسطانتيوس، الذى توفى فى الخامس والعشرين من يوليو من السنة الأولى للأولمبياد271([6]). وفى روما رفع جنود البريتوريان([7]) ماكسنتيوس ابن مكسيميانوس ليكون طاغية لا امبراطورا.

(1/2/3) وفى ظل هذه الظروف فكر هراقليوس من باب الرغبة فى استعادة السيادة، فى القضاء على ابنه ولكن الجنود منعوه من تنفيذ ذلك، وسرعان ما مات بعد ذلك فى طرسوس بكليكية([8]).

(1/2/4) وفى نفس الوقت عندما أُرسِل سفيروس قيصرا من قِبل جالريوس مكسيميانوس للقبض على ماكسنتيوس، خانه جنوده وقتلوه. وأخيرا مات جالريوس مكسميانوس الذى مارس السلطة الرئيسية([9])، بعدما عيَّن سابقا صديقه القديم ورفيقه فى السلاح ليسينيوس Licinius وهو من داكيا Dacia بالمولد، خليفة له. وفى نفس الوقت ضغط ماكسنتيوس على الشعب الرومانى وعاملهم كطاغية أكثر من كونه ملكا، فإغتصب بلا خجل زوجات النبلاء وقتل كثيرين من الأبرياء، واقترف أعمالا شنيعة مماثلة.

(1/2/5) وإذ علِم قنسطنطين بذلك اجتهد فى تحرير الرومان من العبودية له([10]). وبدأ فى الحال يفكر بأية الوسائل يمكنه خلع الطاغية.

(1/2/6) وبينما كان ذهنه منشغلا بهذا الموضوع العظيم، بدأ يفكر فى المعونة الإلهية التى يتعين أن يلتمسها عند مباشرته للحرب. وبدأ يدرك أن حزب دقلديانوس لم يستفد على الاطلاق من المعبودات الوثنية التى استعطفوها بينما نعِم أباه قنسطانتيوس الذى هجر ديانات اليونان العديدة بالرخاء طوال حياته.

(1/2/7) وبينما كان يزحف على رأس قواته بهذه الحالة من عدم التيقن إذا برؤية خارقة للطبيعة وتفوق كل وصف تظهر له. ففى الحقيقة، رأى فى ذلك اليوم فى منتصف النهار عندما بدأت الشمس فى الانحدار إلى الغرب عمود نور فى السماء على شكل صليب منقوش عليه هذه العبارة “بهذا تغلب”.

(1/2/8) وأذهلت هذه العلامة الإمبراطور، وبالكاد استطاع أن يصدق عينيه. فسأل مَن حوله إن كانوا قد رأوا هذا المشهد، فـحكموا جميعا أنهم قد رأوه. وتقوى ذهن الإمبراطور بهذا الإعلان الإلهى والإعجازى.

(1/2/9) وفى الليلة التالية، رأى المسيح فى نومه الذى وجَّهه إلى عمل نموذج تبعا لِما قد رآه، وأن يستخدمه ضد أعدائه كعلامة نصر مؤكدة([11]).

(1/2/10) وطاعة لهذا الوحى أمر بعمل شعار على شكل صليب مازال محفوظا فى القصر إلى اليوم الحاضر([12]). ثم تقدم فى اجراءاته بحماس كبير وهاجم العدو وهزمه على ابواب روما بالقرب من جسر مولفيان  Mulvian، وغرق ماكسنتيوس نفسه فى النهر. وقد تحقق هذا النصر فى السنة السابعة من عهد المنتصر([13]).

(1/2/11) وبعد ذلك، قدَّم الإمبراطور قنسطنطين الشكر العظيم لله صانع الخيرات اعترافا بالبركة العظيمة التى نالها، بأن حرر المسيحيين من الاضطهاد، ورد المنفيين، وأطلق سراح المسجونين، وأمر برد الممتلكات المصادرة إلى مَن صودرت منهم، وأكثر من ذلك أعاد بناء الكنائس وأنجز ذلك كله بأعظم حمية. بينما كان ليسينيوس الذى كان يشاركه فى الحكم ويقيم فى الشرق وهو نسيبه إذ كان متزوجا من أخته قنستانتيا.

(1/2/12) وفى حوالى نفس الوقت، مات دقلديانوس الذى كان قد اعتزل السلطة الامبراطورية، فى سالونا بدالماتيا([14]).

الكتاب الأول: الفصل الثالث

(قنسطنطين يهتم بالمسيحيين، وليسينيوس شريكه يضطهدهم)

(1/3/1) وإذ اعتنق الإمبراطور قنسطنطين المسيحية الآن، اجتهد كمسيحى فى إعادة بناء الكنائس وإمدادها بالعطايا الثمينة وأغلق أيضا أو دمَّر معابد الوثنيين، وعرَّض التماثيل التى كانت فيها للإزدراء العام.

(1/3/2) ولكن رفيقه ليسينيوس ظل متمسكا بعقائده الوثنية وأبغض المسيحيين. وعلى الرغم من أنه لم يُظهِر الاضطهاد العلنى لهم خوفا من قنسطنطين، إلاَّ أنه كان يدبر لهم المكائد بمكر، وأخيرا بدأ يضطهدهم علانية. ومع ذلك، كان هذا الاضطهاد محليا، فقد شمل فقط تلك المناطق التى كان فيها ليسينيوس نفسه.

(1/3/3) ولكن، لمَّا لم تعد بعد هذه الأمور ولا الانتهاكات العامة الأخرى بخفية على قنسطنطين، ووجد لسينيوس أنه قد صار غاضبا من سلوكه اضطر إلى الاعتذار. وإذ توسل إليه هكذا، دخل فى معاهدة صداقة ظاهرية معه متعهدا بقسم ألاَّ يسلك ثانية كطاغية.

(1/3/4) ولكنه سرعان ما حنث بقسمه لأنه لا تخلى عن أسلوبه المستبد، ولا كفَّ عن اضطهاد المسيحيين. إذ أنه، فى الحقيقة، قد حظر على الاساقفة افتقاد المعوزين من الوثنيين لئلا يكون ذلك ذريعة لضمهم إلى الايمان المسيحى.

(1/3/5) وكان الاضطهاد فى ذلك الوقت معروفا وسرا. لقد كان مخفيا بالإسم، ولكنه ظاهر فى الواقع([15]) لأن أولئك الذين كانوا يتعرضون لإضطهاده كانوا يعانون بأقسى شدة فى أشخاصهم وممتلكاتهم معا.

الكتاب الأول: الفصل الرابع

(نشوب الحرب بين قنسطنطين وليسينيوس بسبب المسيحيين )

(1/4/1) وجلب على نفسه بهذا السلوك غضب الإمبراطور الشديد، وصارا أعداءَ ونُقضِت المعاهدة الصورية للصداقة بينهما. وليس بعد ذلك بوقت طويل أن رفعا السلاح ضد بعضهما كأعداء. وبعد عدة اشتباكات بحرا وبرا هُزِم ليسينيوس أخيرا بالقرب من كريسوبوليس([16]) Chrysopolis  فى بيثينية وهى ميناء للخلقيدونيين، واستسلم لقنسطنطين. وإذ قبض عليه حيا، عامله بكل انسانية ولم يقتله بأى حال من الأحوال، ولكنه أمره بالإقامة فى تسالونيكى فى هدوء.

(1/4/2) ومع ذلك بقى هادئا لفترة قصيرة، ثم دبَّر بعد ذلك أن يجمع بعض البرابرة([17]) المرتزقة، وتوجه بهم إلى مصيره الأخير، بإعلانه الحرب. وإذ أحيط الامبراطور علما بإجراءاته أمر بقتله، الأمر الذى تم فى الحال.

(1/4/3) وبذلك صار قنسطنطين الحاكم الأوحد، وأُعلِنت له السيادة المطلقة([18])، ومن ثم سعى إلى ترقية رفاهية المسيحيين. وقد سعى إلى ذلك بطرق متنوعة، وتمتعت المسيحية بسلام لا ينقطع([19]) نتيجة لجهوده.

ولكنه سرعان ما أعقب هذه الفترة من الراحة، فاصل من الشقاق. وهذا ما سأصف الآن منشأه وطبيعته.

الكتاب الأول: الفصل الخامس

نزاع بين أريوس والكسندروس اسقف الأسكندرية)

(1/5/1) بعد أن نال بطرس اسقف الأسكندرية([20]) الشهادة فى عصر دقلديانوس، تم تنصيب اخيلاس([21]) فى الخدمة الاسقفية، ثم خلفه الكسندروس([22]) خلال فترة السلام المشار إليها عاليه. هذا أدار الكنيسة، ومارس مهامه فى التعليم بلا خوف.

(1/5/2) وفى ذات يوم حاول أن يشرح السر اللاهوتى العظيم، ربما بدقة فلسفية جدا فى حضور الكهنة وبقية الاكليروس، آلا وهو وحدانية الثالوث القدوس([23]) فظن أحد الكهنة الذين تحت اشرافه ويُدعى اريوس، وكان ذا لوذعية منطقية ليست بقليلة، أن الأسقف يعلِّم نفس آراء سابيليوس الليبى([24])، فرد على ما قاله الاسقف وقال إذا كان الآب قد ولد الابن، فإن المولود يكون له بداية وجود، وأنه اتخذ وجوده من العدم.

الكتاب الأول: الفصل السادس

(بداية الانقسام فى الكنيسة الجامعة. حرْم الكسندروس اسقف الأسكندرية لآريوس وأتباعه)

(1/6/1) وإذ أدلى بمداخلته هذه انطلاقا من تدريب ذهنه الادبى، فقد أثار بذلك الكثيرين إلى التفكير فى المسألة، وهكذا من شرارة صغيرة اندلعت نار كبيرة لأن الشر الذى بدأ فى كنيسة الأسكندرية قد انتشر فى سائر ارجاء مصر وليبيا وطيبة العليا، وأخيرا امتدت إلى باقى المقاطعات والمدن. وتبنى آخرون كثيرون آراء آريوس، وبصفة خاصة يوسيبيوس اسقف كنيسة بيرتس([25])، ثم إلى حد ما اسقفية نيقوميديا فى بيثينية.

(1/6/2) وعندما صار الكسندروس واعيا بهذه الأمور من كل من ملاحظته الذاتية، ومن التقارير، وأنها جاوزت سائر الحدود؛ عقد مجمعا من المدبرين الكثيرين، وحرم أريوس وهرطقته.

(1/6/3) وفى نفس الوقت كتب ما يلى إلى الاساقفة الثابتين فى المدن العديدة.

(رسالة الكسندروس اسقف الأسكندرية )

“لما كانت الكنيسة الجامعة جسدا واحدا، وقد أُمِرنا فى الكتاب المقدس أن نحافظ على رباط الوحدانية والسلام([26])، كان لزاما علينا أن نكتب لبعضنا بعضا ونحيط بعضنا بعضا علما بطبيعة الأمور لدى كل منا، لكى ما إذا تألم عضو أو ابتهج نتعاطف مع بعضنا بعضا([27]).

لذلك اعلموا أنه قد قام حديثا فى ايبارشيتنا رجال بلا ناموس وأضداد للمسيح يعلمون بتجديف ما يجعل المرء يعتبرهم بصواب كسابقين لضد المسيح.

لقد وددتُ فى الحقيقة الصمت على هذا التشويش لكى ما ينحصر الشر، إذا ما أمكن، فى المجدِّف وحده، ولا ينتشر إلى مناطق أخرى ويصطك آذان البسطاء.

ولكن لما كان يوسيبيوس الذى هو الآن فى نيقوميديا([28]) يظن أن أمور الكنيسة تحت سيطرته، ولذا هجر ايبارشيته فى بيرتس ونصَّب نفسه على كنيسة نيقوميديا بلا حصانة، وجعل نفسه رأسا للمجدفين، بل وتجاسر بإرسال رسائل توصية من أجلهم لسائر الأنحاء، لكى ما يجذب بوسيلة ما وبأى نحو، بعض الجهلاء إلى هذه البدعة الأكثر كفرا ضد المسيح.

فشعرتُ أنه لا يجب علىَّ الصمت أكثر من ذلك، عالما بما هو مكتوب فى الناموس لكى ما أخبركم جميعا بهذه الأمور لكى تعرفوا مَن هم هؤلاء المجدفين وأيضا سمات هرطقتهم المزرية، كى لا تلتفتوا إلى أى شىء يكتبه يوسيبيوس لكم. لأنه إذ يريد الآن أن يجدد حقده القديم الذى كان يُظَن أنه قد زوى بمرور الوقت، قام بالكتابة نيابة عنهم. بينما الحقيقة تُظهر أنه قد فعل ذلك لأغراضه الخاصة.

وهؤلاء هم المجدفون: اريوس، اخيلاس، اثالس، كربونس، اريوس آخر، سارماتس، يوزيوس([29])Euzoïus ، لوكيوس، جوليان، ميناس، هيلادس، جايوس. وإلى جانب هؤلاء يمكن أيضا إضافة سيكوندس وثيوناس اللذين كانا ذات مرة اساقفة([30]).

أما العقائد التى ابتدعوها وأكدوا عليها ضدا للكتاب المقدس فهى كالآتى:

أن الله لم يكن دائما آب، ولكن كان هناك وقت لم يكن فيه آب. وأن “كلمة الله” لم يكن منذ الأزل، ولكنه مصنوع من العدم لأن الله الدائم الوجود(“أنا هو”، الأزلى) صنع من العدم ذاك الذى لم يكن له وجود سابق. لذلك كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه([31])، ومن ثم الإبن مخلوق ومصنوع. وأنه ليس مثل الآب بالنظر إلى جوهره. ولا هو، من حيث الطبيعة، كلمة الآب الحقيقى. ولا الحكمة الحقيقى. ولكنه فى الحقيقة أحد أعماله وخلائقه. وأنه دُعِىَّ “كلمة” و”حكمة” على نحو غير صحيح من حيث أنه هو نفسه قد صُنِع من كلمة الله وحكمة الله التى بها صنع الله جميع الأشياء، وهو أيضا.

ولذلك هو من حيث الطبيعة متقلب وخاضع للتغير مثل باقى المخلوقات العاقلة. ومن ثم الكلمة غريب عن جوهر الله ومختلف عنه، والآب لا يمكن للإبن أن يعرفه، فهو غير مرئى له. لأن الكلمة لا يعرف بالكمال وعلى وجه الدقة الآب، ولا يمكنه أن يراه بتدقيق. والإبن لا يعرف طبيعة جوهره، لأنه صُنِع من أجلنا، لكى ما يخلقنا الله به، كما بأداة، وما كان ليوجد قط ما لم يكن الله قد أراد أن يخلقنا.

ولمّا سألهم شخص ما هل يمكن لكلمة الله أن يتغير مثلما حدث للشيطان؟. فلم يخشوا من القول “نعم يمكنه، لأنه مخلوق وخاضع للتغير”.

لذلك اجتمعنا نحن اساقفة مصر وليبيا، حوالى مائة بالعدد، وحرمنا اريوس لنطقه بلا خجل بهذه البدع. وكل مؤيدى مثل هذه الآراء. ولكن أنصار يوسيبيوس استقبلوهم، وسعوا إلى ربط الزيف بالحق والى الكفر بالمقدس. ولكنهم جميعا لن يسودوا لأن الحق لابد وأن ينتصر، وليس هناك شركة للنور مع الظلمة، ولا للمسيح مع بليعال([32]). فمن سمع قط بهذه التجاديف؟، أو يسمع الآن أى رجل تقى ما يصك الأذن ولا يسدها لئلا تُدنِس هذه العبارة حاسة سمعه؟. مَن يسمع يوحنا وهو يقول “فى البدء كان الكلمة”([33])، ولا يدين أولئك الذين يقولون “كانت هناك فترة، لم يكن فيها الابن موجودا”.

أو مَن يسمع فى الانجيل “الإبن الوحيد”([34]) و”كل شىء به كان”([35]) ولا يشجب أولئك الذين يقولون أن الإبن أحد هذه الأشياء. كيف يكون أحدَ هذه الأشياء التى قد صُنِعت بواسطته؟. أو كيف يكون الابن الوحيد إذا كان محسوبا بين المخلوقات؟!. وكيف يتخذ وجوده من العدم، والآب يقول “فاض قلبى كلمة صالحة”([36]) و”أنا ولدتك قبل الفجر من حضنى”؟([37]). أو كيف لا يكون من جوهر الآب وهو “صورة الله”([38]) و”بهاء مجده”([39])، ويقول من رآنى فقد رأى الآب” وأيضا كيف إذا كان الإبن كلمة الله وحكمة الله، كانت هناك فترة لم يكن موجودا فيها. إن ذلك يعادل قولهم أن الله كان ذات مرة محروما من الكلمة والحكمة. كيف كان متغيرا وخاضعا للتقلب ذاك الذى يقول عن نفسه “أنا فى الآب والآب فىَّ”([40]) و”أنا والآب واحد”([41]) وأيضا يقول بالنبى “لأنى أنا الرب لا أتغير”([42]). ولكن إذا طبق أى شخصٍ الكلام على الآب نفسه فإنه سيكون مناسبا فى ذات الآن على الكلمة لأنه لم يتغير بصيرورته إنسانا، ولكن كما يقول الرسول “يسوع المسيح، هو هو أمس واليوم وغدا”([43]). ولكن من ذا الذى أغواهم بالقول أنه جُعِل من أجلنا بينما يعلن بولس صراحة أن “كل الأشياء به وله”([44]).

إن المرء ليس فى حاجة لأن يتعجب حقا من تجاديفهم وهم يزعمون أن الإبن لا يعرف تماما الآب، لأنهم إذ عزموا أن يحاربوا ضد المسيح، رفضوا حتى كلام الرب نفسه عندما يقول “كما أن الآب يعرفنى، هكذا أنا أعرف الآب”([45]). فإذا كان الآب يعرف لذلك الإبن جزئيا، فمن الثابت إذن أن الإبن جزء. ولكن إذا كان من الكفر قول هذا فإنه من المسلم به أن الآب يعرف الإبن تماما. ولما كان من الثابت أن الآب يعرف كلمته، هكذا الكلمة يعرف أباه الذى هو كلمته.

ونحن بتقريرنا لهذه الأمور وشرحنا للكتب المقدسة، قد دحضناهم مرارا ولكنهم كانوا يتغيرون ثانية بلا خجل مجاهدين على أن يطبقوا على أنفسهم ما قد كُتِب “إذا وصل الشرير إلى قاع الرذيلة صار مزدرِيا”([46]).

لقد ثارت هرطقات كثيرة قبل هذه تجاوزت كل الحدود فى الجسارة ثم صارت لا شىء بتاتا، ولكن هؤلاء وهم يحاولون فى أحاديثهم هدم ألوهية الكلمة إنما يقتربون من ضد المسيح، وأصغوا بالكلية إلى خزى السابق. ولهذا رُذِلوا علانية من الكنيسة، وحُرِموا.

نحن فى الحقيقة، حزانى بسبب هؤلاء الأشخاص وخاصة لأنهم بعدما تعلَّموا عقائد الكنيسة، يجدفون عليها الآن. ومع ذلك لسنا مندهشين من ذلك، لأن هيمانس وفيلتس([47]) قد سقطا فى مثل ذلك، ومن قبلهما يوداس الذى كان أولا تابعا للمخلص ولكنه هجره بعد ذلك وصار خائنا له.

ولم نتوان من تحذير أولئك الأشخاص لأن الرب نفسه يقول “احترسوا لئلا يخدعكم أحد لأن كثيرين سيأتون بإسمى قائلين أنا المسيح ويخدعون الكثيرين”([48]) و”انظروا لا تضلوا”([49]). وإذ علِم بولس بهذه الأمور مِن المخلِّص كتب يقول” وفى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مُضلة وتعاليم شياطين”([50]) الذين يحرِّفون الحق. وها هو ربنا ومخلصنا يسوع المسيح نفسه قد سبق وأعطانا أيضا بواسطة الرسول إخطارا بشأن أمثال هؤلاء الأشخاص. وإذ قد سمعنا بأنفسنا تجاديفهم فقد حرمناهم نتيجة لذلك، كما قلنا سابقا وأعلنا أنهم غرباء عن الايمان وعن الكنيسة الجامعة.

وأكثر من ذلك فإننا نخطر تقواكم أيها الأحباء والمكرَّمين شركائنا لكى لا تقبلوا أيا منهم إذا فكر فى الحضور إليكم، ولا تنخدعوا بالثقة فى يوسيبيوس أو أى أحد آخر يكتب لكم عنهم. لأنه من المحتم علينا نحن المسيحيين أن نبتعد عن جميع أولئك الذين يتكلمون أو يعتقدون فكرا ضد المسيح، بإعتبارهم يقاومون الله ويدمرون نفوس الناس، ولا يليق بنا حتى تحية مثل هؤلاء الأشخاص مثلما يحذرنا يوحنا المبارك “لئلا نكون فى أى وقتٍ شركاء آثامهم”([51]) .

التحية للإخوة الذين معكم. الذين معى يحيونكم.”.

(1/6/4) وعندما خاطب الكسندروس([52]) الأساقفة فى كل مدينة بهذا، صار الشر أسوأ حيث صار هؤلاء الذين تواصل معهم مستعدون للنزاع. وفى الحقيقة اقتنع البعض بالمفاهيم الواردة فى الرسالة، واتفقوا معها، بينما كان آخرون على النقيض.

(1/6/5) ولكن يوسيبيوس النيقوميدى كان أكثر الجميع استعدادا للجدال حيث أشار إليه الكسندروس شخصيا وانتقده فى رسالته.

(1/6/6) وفى هذه النقطة كان يوسيبيوس ذا تأثير كبير لأن الإمبراطور قد أقامه على نيقوميديا حيث كان دقلديانوس قد أقام هناك قصرا منذ وقت قليل مضى، ومن ثم كان كثيرون من الاساقفة يترددون على يوسيبيوس.

(1/6/7) لذلك كتب مرارا إلى الكسندروس أن يضع جانبا المناقشة التى ثارت مع أريوس ويقبله ثانية هو وأنصاره فى شركة التناول، كما كتب أيضا إلى اساقفة كل مدينة ألاَّ يتفقوا مع اجراءات الكسندروس.

(1/6/8) وبهذه الوسيلة انتشر النزاع فى كل مكان، فكان المرء لا يشاهد الجدل بين مدبرى الكنائس فحسب، بل وأيضا بين الناس إذ انقسموا إلى فريقين، هؤلاء مع طرف وأولئك مع الآخر.

(1/6/9) إلى هذا الحد من الخزى وصلت الأمور، وصارت المسيحية موضع سخرية العامة حتى فى المسارح. فأولئك الذين فى الاسكندرية جاهدوا بشدة من أجل أركان العقيدة الأسمى، وأرسلوا الوفود إلى أساقفة الايبارشيات العديدة. بينما أثار أولئك الذين كانوا تابعين للحزب المضاد المنازعات المماثلة. وانضم الميليتيون الذين كانوا قد انفصلوا منذ قليل عن الكنيسة إلى الأريوسيين، وكانوا قد استقروا الآن.

(1/6/10) ففى أيام بطرس اسقف الأسكندرية الذى نال الشهادة فى ايام دقلديانوس كان مليتيوس اسقف إحدى مدن مصر قد عُزِل لأنه خلال فترة الاضطهاد أنكر الإيمان وقدَّم الذبائح، هذا إلى جانب تهم أخرى.

(1/6/11) وإذ جُرِّد هذا الشخص من رتبته وكان له تابعون كثيرون، صار رأسا للهرطقة التى تُعرَف فى سائر أرجاء مصر حتى اليوم([53]) بالميليتيين. ولما كان ليس لديه أى عذر مقبول للإنفصال عن الكنيسة تظاهر بأنه قد خُلِع ظلما، ونسب إلى بطرس افتراءات شنيعة.

(1/6/12) ولما توفى بطرس شهيدا خلال الاضطهاد، نقل مليتيوس اتهامه إلى اخيلاس أولا الذى خلف بطرس فى الاسقفية، ثم بعد ذلك إلى الكسندروس خليفة أخيلاس. وفى ظِل الأمور هذه تشيع مليتيوس ومناصروه لآريوس([54]) متحالفين معه ضد الاسقف.

(1/6/13) لكن عندما اعتبر الكثيرون آراء آريوس لا يمكن تأييدها برروا قرار الكسندروس ضده، ورأوا أن أولئك الذين يقبلون آرائه قد أدينوا بعدل.

(1/6/14) وفى نفس الوقت طلب يوسيبيوس النيقوميدى وأتباعه بوصفهم مشايعين لمفاهيم أريوس، إلغاء الحرم الصادر ضده، وإعادة قبول المستبعدين إلى الكنيسة بإعتبارهم لا يعتقدون بمفاهيم خاطئة. وهكذا أُرسِلَت رسائل الحزب المعارض إلى اسقف الأسكندرية. وجمع اريوس لنفسه تلك الخاصة به، وفعل الكسندروس بالمثل. وأدى ذلك فى الواقع إلى فرصة مواتية للشيع التى سادت آنذاك وهى الاريوسية والانومية([55]) للدفاع، وتلك التى أخذت اسمها من مقدنيوس لأنهم استخدموا مرارا هذه الرسائل لتعزيز هرطقتهم.

الكتاب الأول: الفصل السابع

(قنسطنطين يحزن من القلاقل بين الكنائس. يرسل هوسيوس الاسبانى إلى الأسكندرية. حضه لآريوس والكسندروس على المصالحة والوحدة)

(1/7/1) وعندما أُحيط قنسطنطين عِلما بهذا القلق، حزن بشدة واعتبر الأمر كسوء حظ له شخصيا. واجتهد فى الحال بفحص هذا النزاع الذى اضطرم، وأرسل رسالة إلى اريوس والكسندروس بيد شخص موثوق فيه يدعى هوسيوس  Hosiusالذى كان اسقف كوردوفا([56]) Cordova   بأسبانيا. فلقد احب الإمبراطور هذا الرجل جدا وكرَّمه بأكثر تقدير. ولن يكون فى خارج محله أن نورد هنا جزءًا من خطابه. فالخطاب كله قد أورده يوسيبيوس [القيصرى] فى كتابه “حياة قنسطنطين”([57]):

(1/7/2) “المنتصر([58]) قنسطنطين مكسيمم أوغسطوس إلى الكسندروس وآريوس.

لقد علِمتُ بجدلكم الحالى الذى نشأ عندما سألتَ يا الكسندروس كهنتك عن فكر كل واحدٍ بخصوص فقرة معينة غامضة فى الكلمة المكتوبة([59])، أو بالأحرى عن موضوع لا يصح مناقشته. فعبَّرت يا اريوس بإندفاع عن وجهة نظر ما كان ينبغى بتاتا أن تُقال، أو إن  وردت على خاطرك كان ينبغى وأدها فى صمت. وإذ ثار هذا النزاع بينكما أنكرتما شركة التناول، وانشق الشعب المقدس إلى فريقين وابتعدوا عن اتساق الجسد الواحد. لذلك فليُظهِر كل منكما الاعتبار للآخر، وأن يُصغى إلى وعظ شريكه فى الخدمة وأى مشورة يُقدمها، فليس من الفطنة أن تُثَار مثل هذه المسألة أولا، ولا أن يُرَّد على سؤال مثل هذا عندما يُطرَح. لأن ادعاء عدم وجود ناموس يتطلب فحص مثل هذه الموضوعات، هو نقاش فارغ ناجم عن مناسبات تسلية لا طائل لها. وحتى إن كان من أجل تدريب الملكات الطبيعية لنا، إلاَّ أنه كان ينبغى أن نحصرها فى فكرنا، وألاَّ نعرضها بعدم حرص فى الاجتماعات العامة. ولا أن نطرحها على مسامع كل شخص بعدم اكتراث.

ففى الحقيقة ما أقل أولئك الذين يستطيعون شرحها بدقة أو فهمها بالتدقيق، فهى أمور عميقة وواسعة جدا. وحتى إذا أُعتُبِر شخص ما أنه قادر على تناول مثل هذا الأمر بشكل مُرضِى، فكم من الناس سينجح فى اقناعهم؟. أو من ذا الذى سيقع فى شراك هذه الأبحاث بدون خطر الزلل فى أخطاء؟. لذلك صارت مثل هذه الموضوعات بالنسبة لنا ثرثرة، لئلا نكون غير كفاة بسبب ضعف الطبيعة البشرية لشرح المسائل المطروحة، أو أن الفهم الضعيف للعامة يجعلهم غير قادرين على الإدراك بوضوح لذلك المطلوب تعليمهم إياه. وفى حالة إحدى هذه الضعفات ينهمك الناس إما فى تجديف وإما فى شقاق.

لذلك فليسعَ كل منكما إلى طلب الغفران عن السؤال غير المحترص وعن الإجابة غير المعتبرة. فلا علة للخلاف الذى اندلع بينكما يشهد لها الناموس بأى نحو من الأنحاء، ولا يتعين إدخال هرطقة جديدة بشأن عبادة الله. ولكن ليكن لكما نفس المفاهيم فى هذه النقاط التى هى قانون الإيمان. وعلاوة على ذلك بينما تتنازعان فى أمور زهيدة وغير مهمة ليس من المناسب لكما أن تتهما العديدين من رجال الله لأنكما انقسمتما فى الرأى، ولا يجب أن يكون هذا، فهذا غير قانونى.

ولكى ما أذكركما بواجبكما بمثال من نوع أدنى فإننى أقول: أنتما تعلمان أنه حتى الفلاسفة([60]) وهم ينضوون كلهم فى طائفة واحدة، يختلفون مع ذلك فيما بينهم فى بعض النقاط، أو النظريات. ولكن على الرغم من أنهم يختلفون فى فروع المعرفة الأعلى إلا أنهم لكى ما يظلوا متحدين فى جسم واحد، يظلون متفقين على الاندماج. والآن، إذا كان ذلك يتم بينهم، فكم بالأحرى، أنتما اللذان أُعتبُرتما خدام الله الحى، أن تكونا بإتفاق فى أمور دينية كهذه.

لكننا دعونا إلى فحص بأكثر تدقيق وبإنتباه شديد لما قد تقرر بالفعل. وما إذا كان من الصواب بسبب نزاع زهيد وتافه بينكما بشأن كلام، أن يقوم الإخوة ضد بعضهما بعضا، وتنفصم الشركة المكرمة بنزاع غير مقدس من خلال جدالنا مع بعضنا بسبب هذه الأمور غير المهمة، وليست بجوهرية بأى حال من الأحوال. هذه المشاجرات مبتذلة، وتتسم بالأحرى بعدم فطنة، عن الفكر الملائم للكهنة والفطناء. ينبغى علينا أن نبتعد فى الحال عن تجارب الشيطان فقد وهبنا كلنا الله العظيم مخلص الجميع نوره. اسمحوا لى أنا الخادم، تحت عنايته، أن أدعوكم أنتم شعبه بحرارة إلى العودة إلى إتحاد الشركة. لأنه كما قلتُ مادام لكما إيمان واحد ومفهوم واحد بشأن الدين، ولمَّا كانت وصايا الناموس فى سائر أجزائه تربط الجميع بنفس واحدة، فليبعد الاختلاف فى الرأى ذلك الذى أثار النزاع بينكما وأدى بلا سبب إلى الشقاق، حتى لا يؤثر ذلك على الناموس ككل.

إننى أقول هذا لا كمن يجبركم على رؤية مماثلة بالضبط لموضوع الجدل الزهيد هذا، أيا كان، إذ أن كرامة الشركة ستُحفظ بلا تأثر ونفس الإخوة مع الجميع ستظل مصونة حتى لو كان بينكما بعض الخلاف فى الرأى فى أمور ليست هامة. لأننا بالطبع لا نرغب جميعا نفس الشىء فى كل الأمور، ولا هناك طبيعة غير متغيرة أو معيار حكم ثابت فينا. لذلك، ليكن هناك ايمان واحد بشأن العناية الإلهية، ومفهوم واحد وعهد واحد للألوهية. ولكن هذه الاستفسارات الدقيقة التى تثيرونها فيما بينكما بهذا الشكل الدقيق، حتى إذا لم تكونا فى اتفاق واحد بشأنها، فلتكن فى نطاق تأملاتكما الخاصة، وفى مخادع أذهانكما. وليكن رباط الصداقة غير المنفصم والمختار، والإيمان بالحق، والإكرام لله، والمراعاة التقوية للناموس دائما بينكما بلا اهتزاز. أعيدا الصداقة والنعمة المتبادلة، ورُدَّا للشعب الألفة المعتادة ولأنفسكما أيضا. واعترفا لبعضكما بعضا بقوة لتطهير نفسيكما، لأن الصداقة تصير أحلى بعد إزالة العداوة. وبهذا تردان لى الأيام الهادئة، وتخلو الليالى من الهم، ويكون لى أنا أيضا بعض المسرة بالنور النقى المحفوظ والمحبة الخالصة خلال بقية حياتى. وإلاَّ سأضطر إلى النواح وذرف الدموع، ولا تبقى لى راحة فى وجودى على الأرض، لأنه إذ ينفصل شعب الله (أعنى شركائى فى الخدمة) عن بعضهم بعضا بهذا النزاع غير التقوى، فكيف يكون لى حفظ الهدوء المعتاد؟. ولكن لكى تكون لديكما فكرة ما عن شدة الحزن الذى لدىَّ بسبب هذا الخلاف غير السعيد اصغيا إلى ما سأقرره.

عندما وصلتُ إلى نيقوميديا كان فى نيتى التوجه إلى الشرق فى الحال، ولكن بينما أنا اتعجل الذهاب إليكم وقطعت مسافة معتبرة من طريقى غيَّرت هذه الأمور كلها من عزمى لئلا أكون مضطرا لأن أرى بعينى حالة تلك الأمور التى بالكاد استطعتُ أن أتحمل سماع التقرير عنها. فإفسحا لى الطريق بتصالحكما من جديد للوصول إلى الشرق الذى عرقلتموه بنزاعكما مع بعضكما بعضا. ودعونى ألتقى بسرعة بكما وبكل الشعب بإبتهاج معا لكى ما أقدم لله الشكر الواجب عن الانسجام العام والحرية لسائر الأطراف المصاحبة للإتفاق الودى معا بفضلكما”.

الكتاب الأول: الفصل الثامن

(مجمع نيقية ببيثِنية. وقانون الايمان الصادر منه)

(1/8/1) هكذا احتوت رسالة الإمبراطور على المشورة الحكيمة والجديرة بالإعجاب. ولكن الشر كان قد استفحل للغاية ضد وعظ الإمبراطور وسلطة حامل الرسالة معا. لأنه لا الكسندروس ولا اريوس قد خضع لهذه المناشدة([61]). وكان هناك أكثر من ذلك، شغب وجلبة بين الشعب.

(1/8/2) وكان هناك مصدر محلى آخر للنزاع كان قد سبق ذلك، مما سبب أيضا نزاعا بين الكنائس، وهو النزاع بشأن الفصح الذى كان يجرى فى مناطق الشرق فقط. وهذا النزاع نشأ من الرغبة فى جعل عيد الفصح أكثر اتفاقا مع اليهود، بينما فضل آخرون الاحتفال به حسب اسلوب سائر المسيحيين فى كل انحاء العالم([62]). ومع ذلك هذا الاختلاف لم يتدخل فى الشركة بينهم على الرغم من أن بهجتهم المتبادلة قد تعوقت بالضرورة.

(1/8/3) لذلك عندما وجد الإمبراطور أن الكنيسة قد تطوحت بهذين السببين دعا إلى مجمع عام وأرسل رسائل يستدعى سائر الاساقفة لمقابلته فى نيقية ببيثينية([63]) Bithynia. وبناء عليه اجتمع الاساقفة من سائر المقاطعات والمدن العديدة.

(1/8/4) وقد كتب يوسيبيوس بامفيليوس بخصوصهم ما يلى بالنص فى كتابه الثالث من “حياة قنسطنطين”:

ولذلك دُعى خدام الله الأتقياء جدا من كل الكنائس التى تملأ اوربا وافريقيا وأسيا. وامتلأ مبنى مقدس واحد، كما من الله، فى نفس المناسبة بالسوريين والكيليكيين والعرب والفلسطينيين وبالإضافة إلى هؤلاء المصريين والطيبيين والليبيين والذين أتوا من بلاد ما بين النهرين. وفى هذا المجمع كان حاضرا أيضا اسقف بارثيا([64])Persia، ولم يتخلف عنه الاسقف الاسكيثى([65]). كذلك كان حاضرا اساقفة بونطس وغلاطية وبامفيليا وكبادوكيا وأسيا وفريجية. وإلى جانب هؤلاء إلتقى هناك التيراقيون([66]) والمقدونيون والآخائيون والايبيريون([67]) وحتى أولئك الذين يقطنون الأماكن الأبعد من هذه. كما شغل مقعد الاسبانيين أكثرهم تقوى. غير أن أسقف prelate المدينة الإمبراطورية([68]) كان غائبا لشيخوخته، ولكن بعضا من كهنته قد حضروا وشغلوا موضعه.

لقد كان هذا التاج رباط السلام الذى لم يكرسه الإمبراطور قنسطنطين وحده للمسيح مخلصه كتقدمة شكر مستحقة لله من أجل انتصاره على أعدائه مستهلا هذا الاجتماع الرسولى([69]) لأنه كان بينهم، قيل، رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء بارثيين وماديين وعيلاميين وأولئك المقيمين فى بلاد ما بين النهرين واليهودية والكبادوكية وبونطس واسيا وفريجية وبامفيلية ومصر وجزء من ليبيا التى هى ناحية قيرين[أو سيرين] وأيضا من روما غربا. يهود ودخلاء مع كريتيين وعرب.

ومع ذلك كان هذا المجمع أدنى من ناحية أخرى وهى أنه لم يكن كل المجتمعين خداما لله. فبينما كان الاساقفة المجتمعون فى هذا المجمع يجاوز عددهم الثلاثمائة فى العدد([70])، كان الكهنة والشمامسة والأتباع([71]) الآخرين الحاضرين عددا لا يُحصى.

وكان البعض من خدام الله هؤلاء متميزين بحكمتهم والبعض الآخر بصرامة حياتهم واحتمالهم الصبور [للإضطهاد]([72]). وجمَع آخرون كل هذه السمات المتميزة فى اشخاصهم، والبعض كان مكرما لتقدمه فى العمر، وآخرون كانوا يتسمون بالشباب وتوقد الذهن، وآخرون كانوا قد اندرجوا توا فى السلك الخدمى. وعيَّن الإمبراطور لكل هؤلاء جميعا مؤونة يومية وفيرة من الطعام.”.

(1/8/5) هكذا كان وصف يوسيبيوس لأولئك الذين التقوا فى هذه المناسبة. وإذ أنهى الإمبراطور هذا الاحتفال الوقور بإنتصاره على ليسينيوس حضر أيضا بشخصه إلى نيقية.

(1/8/6) وكان من بين الاساقفة([73])، شخصيتان مكرمتان للغاية هما بافنوتيوس([74]) اسقف طيبة العليا، واسبيريدون  Spyridonاسقف قبرص([75]). لماذا يتعين علىَّ أن اشير إلى هذين الشخصين بصفة خاصة، ذلك ما سأدونه فيما بعد.

كذلك كان حاضرا أيضا كثيرون من العلمانيين([76]) ممن تمرسوا على فن المنطق([77])، وكان كلٌ منهم تواقا للدفاع عن رأى حزبه.

(1/8/7) وقد دعم يوسيبيوس النيقوميدى كما قلنا رأى اريوس وكان معه فى ذلك ثيوجنيس  Theognisوماريس Maris. وأولهما كان اسقفا لنيقية، وثانيهما كان اسقفا على خلقيدون([78]) فى بيثينية، وهؤلاء عارضهم بشدة اثناسيوس الشماس بكنيسة الاسكندرية الذى كان محل تقدير كبير من الكسندروس الاسقف، وكان لهذا السبب محل حسد شديد كما سنرى فيما بعد.

(1/8/8) والآن وقبل الاجتماع العام للأساقفة بوقت قصير تركزت المداولات على الإعداد المنطقى للقضايا لعرضها على الجمهور. وعندما انجذب الكثيرون لأحاديثهم، وبخ أحد العلمانيين وكان من “المعترفين”([79]) وليس له فهم سوفسطائي هؤلاء العلمانيين قائلا لهم ان المسيح ورسله لم يعلمنا الجدل ولا الفن ولا المكر الباطل، ولكن بساطة الذهن المحفوظ بالإيمان والأعمال الصالحة.

(1/8/9) وعندما قال هذا أُعجِب جميع الحاضرين بالمتكلم واقتنعوا بعدالة ملاحظته. وأظهر المتنازعون أنفسهم بعد سماعهم لعبارات الحق الصريحة هذه درجة أكبر من الاعتدال.

(1/8/10) وفى اليوم التالى، اجتمع سائر الاساقفة معا فى مكان واحد. وسرعان ما وصل الإمبراطور بعدهم ووقف فى وسطهم، ولم يشأ أن يشغل مقعده إلى أن أبدى الاساقفة رغبتهم بإنحنائهم لكى يجلس. هكذا كان احترام وتوقير الإمبراطور لهؤلاء الرجال.

وعندما ساد الصمت الملائم لهذه المناسبة، بدأ الإمبراطور من مقعده يحضهم على الوحدة والانسجام، ويطلب من الجميع أن يضع كل منهم جانبا احساساته الخاصة.

(1/8/11) لأن كثيرين منهم كانوا قد قدَّموا للإمبراطور فى اليوم السابق عرائض اتهامات ضد بعضهم بعضا. ولكنه وجه اهتمامهم نحو الموضوع الذى أمامهم والذى من أجله قد اجتمعوا، آمرا بحرق هذه العرائض ملاحظا فقط أن المسيح قد أمر ذاك الذى طلب المغفرة أن يغفر هو لأخيه. وعندما أصر بشدة على تحقيق السلام والانسجام، كرَّس ثانية اهتمامهم نحو الفحص الدقيق للمسائل محل التداول.

(1/8/12) ولكنه من المفيد أن نسمع ما يقوله يوسيبيوس فى هذا الصدد فى كتابه الثالث من “حياة قنسطنطين”، ففيما يلى كلامه:

“لقد عُرِضت موضوعات متنوعة من كل طرف وأثيرت مجادلات كثيرة منذ البداية وأصغى الإمبراطور إلى الجميع بصبر واهتمام، مقدرا بإجتهاد وبلا ملل كلَّ ما قد قُدِّم. فكان يؤيد من ناحية، الأحكام التى تصدر من أىٍ من الطرفين ويلّطف بالتدريج من عنف المعارضة المستمرة لكل منهما، مصالحا كل منهما بلطفه ووداعته([80]). وكان يخاطبهم باليونانية لأنه لم يكن غير ملم بها. ولذا كان فى ذات الآن مقنعا ولذيذا، وترك اقتناعا فى أذهان البعض وساد على الآخرين بالمناشدة. لقد مدح الذين تكلموا حسنا، وحث الجميع على الإجماع. وأخيرا نجح فى جعلهم متماثلين فى الحكم، ومتفقين فى كل نقاط موضوع الجدل، لدرجة أنه لم يكن هناك فقط وِحدة فى الاعتراف بالإيمان، ولكن أيضا اتفاقا عاما على وقت الاحتفال بعيد الخلاص([81]). وأكثر من ذلك، تم التصديق على العقائد التى كانت محل قبول عام، بتوقيع كل أحدٍ عليها.”

(1/8/13) هذه هى شهادة يوسيبيوس بنص كلامه بشأن هذه الأمور والتى تركها لنا كتابة. ونحن لم نستخدمها على نحو غير ملائم، ولكننا اتخذنا ما قد قاله كسندٍ وأدرجناه هنا من أجل أمانة هذا التاريخ. ومن أجل هذا الغرض ذاته وهو أنه إذا أدان أحدٌ الايمان المعلن فى مجمع نيقية هذا، فعلينا ألا نتأثر به. وألاَّ نثق فى حكم سابينوس المقدونى([82]) الذى نعت أولئك الذين اجتمعوا هناك بالجهل والسذاجة.

(1/8/14) لأن سابينوس هذا الذى كان اسقفا للمقدونيين، قد جمع قرارات مجامع اساقفة عديدة، وتناول تلك الصادرة فى مجمع نيقية على وجه الخصوص بالإزدراء وعدم الاكتراث غير مدرك أنه بذلك يجعل يوسيبيوس نفسه جاهلا، ذاك الذى قدَّم اعترافه بعد تدقيق وثيق. وفى الحقيقة، لقد ترك([83]) بعض الأمور بإرادته، وحرَّف البعض الآخر، ثم قدَّم فى آخر المطاف توليفة حسب أرائه الخاصة. ومع ذلك نعت يوسيبيوس بامفيليوس كشاهد موضع ثقة، ومدح الإمبراطور بوصفه قادرا على إقرار العقائد المسيحية. ولكنه استمر فى دمغ [صيغة] الايمان المعلنة فى نيقية بأنها صادرة عن أشخاص ساذجين وجهلاء، وهم بوصفهم هذا ليسوا فطنين فى الموضوع.

(1/8/15) وهكذا يشجب كلام الرجل الذى نعته هو نفسه بالحكيم والشاهد الصادق، لأن يوسيبيوس يُعلِن أن خدام الله الذين كانوا حاضرين فى مجمع نيقية كان بعضهم، متميزين بكلام الحكمة، وآخرين بصرامة سيرتهم، وأن الإمبراطور نفسه كان حاضرا وأنه قاد الجميع إلى إجماع الرأى مؤسسا وحدانية الحُكم والاتفاق فى الرأى بين الجميع.

ولكننا سنشير إلى سابينوس فى فرص أكثر متى تطلب الأمر ذلك.

(1/8/16) ولكن الاتفاق على الايمان الذى تقرر فى مجمع نيقية العظيم، بإستحسان شديد كان كما يلى:

“نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل صانع جميع الأشياء ما يُرى وما لا يُرى. وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله، وحيد الآب، الذى من طبيعة الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مصنوع، واحد مع الآب فى الجوهر([84])consubstantial . به صُنِع كل شىء مما فى السماء وما على الأرض. الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد وصار إنسانا. وتألم وقام فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات. وسيأتى ثانية ليدين الأحياء والأموات. وأيضا [نؤمن] بالروح القدس”.

وتحرم الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية أولئك الذين يقولون أن هناك وقتًا لم يكن فيه “الإبن” وأنه لم يكن [مولودا] قبل أن يُولد، وأنه صُنِع من لا شىء. وأولئك الذين يزعمون أنه من طبيعة substance غير تلك التى للآب، أو من جوهر غير جوهره essence. أو أنه مخلوق وخاضع للتغير.

(1/8/17) وقد اعترف بقانون الإيمان([85]) هذا الثلاثمائة وثمانية عشر [اسقفا]([86]) وصدَّقوا عليه. ولأنه كان بإجماع الآراء تعبيرا ونطقا، كما يقول يوسيبيوس، فقد وقَّعوا عليه.

(1/8/18) ما عدا خمسة فقط اعترضوا على مصطلح هومووسيوس  homoousios“من نفس الجوهر” أو “مساوى فى الجوهر”([87]) وهم: يوسيبيوس النيقوميدى، ثيوجنيس اسقف نيقية، ماريس [اسقف] خلقيدون، ثيوناس [اسقف] مارمريكا([88])، سكوندس[اسقف] بتولمايس([89]). وقالوا أن “مساوى فى الجوهر” تعنى أنه من آخر إما بالتجزىء وإما بالاشتقاق وإما بالإنبات: بالتجزىء مثل آنيتين أو ثلاث من الذهب معا، وبالإشتقاق مثل الأبناء من الآباء، وبالإنبات مثلما يُفرِخ الجذر[الغصن]. والإبن هو من الآب ليس بأىٍ من هذه الطرق لذلك أعلنوا أنهم غير قادرين على التصديق على صيغة الإيمان هذه([90]). وإذ اعترضوا على كلمة “مساوى فى الجوهر” consubstantial هذه، رفضوا التوقيع على حرم أريوس([91]).

(1/8/19) وبناء على ذلك حرم المجمع اريوس وكل من شايع أرائه، وفى نفس الوقت حظر دخوله الاسكندرية. وصدر مرسوم من الإمبراطور فى نفس الوقت بإرسال اريوس إلى المنفى مع يوسيبيوس([92]) وثيوجنيس وأتبعاهم.

(1/8/20) ومع ذلك أرسل ارخيلاوس وثيوجنيس بعد فترة وجيزة من نفيهما إقرارًا مكتوبا بتغيير مفهومهما، واتفاقهما على الايمان بمساواة الإبن للآب فى الجوهر، كما سنرى فيما بعد.

(1/8/21) وفى خلال هذه الفترة، أثناء انعقاد جلسات المجمع، صدَّق أخيرا يوسيبيوس الملقب بامفيليوس، الذى ظل طول الوقت مترددا بشأن ما إذا كان ينبغى عليه قبول صيغة الإيمان هذه أم لا، وأخيرا اعترف بها وووقع عليها مع الباقين. وأيضا أرسل نسخة من قانون الايمان هذا إلى الشعب الذى تحت رعايته مع شرح لكلمة “هومووسيوس” حتى لا يطعن أحدٌ فى دوافعه بسبب تردده السابق.

(1/8/22) وأما ما قد كتبه يوسيبيوس فقد كان كما يلى، بنص كلامه:

” أيها الأحباء من المحتمل أن لديكم بعض الإلمام بأعمال المجمع العظيم الملتأم فى نيقية بالنسبة لإيمان الكنيسة، حيث أن الاشاعات بصفة عامة تخفى الرواية الحقيقية لِما يكون قد حدث بالفعل. ولكن لئلا تكوِّنوا فكرة غير صحيحة نتيجة لهذه الاشاعات عن الأمر، فإننا نحسب أنه من الضرورى أن نوضح لكم فى المقام الأول [صيغة] الإيمان المقدَّم كتابة منا، وثانيا الصيغة التى تم إعلانها، والتى تحتوى على صيغتنا مع بعض الإضافات إلى تعبيراتها.

إن إعلان الإيمان المقدم منا عندما قُرِأ فى حضور امبراطورنا الأكثر تقوى بدا أنه قد قوبل بإستحسان عام وكان كما يلى: طبقا لما قد استلمناه من الاساقفة الذين سبقونا فى تعليمنا([93]) [لمعرفة الحق] عندما اعتمدنا، وأيضا طبقا لما تعلمناه نحن من الأسفار المقدسة، وطبقا لما علَّمنا به ونعلمه اثناء القيام بخدمة الكهنوت والاسقفية ذاتها، هكذا نؤمن الآن وهكذا نقدّم لكم النذر المحدد لإيماننا وهو ما يلى:

“نؤمن بإله واحد الآب ضابط الكل صانع جميع الأشياء ما يرى وما لا يرى. وبرب واحد يسوع المسيح كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الإبن الوحيد، المولود من الله الآب قبل كل الخليقة([94])، وقبل كل الدهور. به كان كل شىء. الذى من أجل خلاصنا تجسد وعاش بين البشر وتألم وقام ثانية فى اليوم الثالث، وصعد إلى الآب وسيأتى ثانية فى مجده ليدين الأحياء والأموات. ونؤمن أيضا بالروح القدس.”

ونحن نؤمن فى وجود وطبيعة كلٍ من هذه [الأقانيم]([95]) وأن الآب آب بالحقيقة. والإبن ابن بالحقيقة والروح القدس روح قدس بالحقيقة. مثلما قال ربنا أيضا عندما أرسل تلاميذه ليكرزوا بالإنجيل “اذهبوا وعلّموا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس”([96]). فبهذه العقائد نحافظ على الحق بثباتٍ، ونجاهر بها بكل ثقة.

هكذا كانت مفاهيمنا وهكذا سنستمر فى التمسك بها إلى الممات. ونتمسك بهذا الإيمان بلا اهتزاز ونحرم كل هرطقة كافرة. ونشهد أمام الله ضابط الكل وربنا يسوع المسيح، أنه هكذا آمنا واعتقدنا من كل قلوبنا ونفوسنا حيث أننا نملك تقديرا جيداَ لذواتنا. ولذا نفكر ونتكلم الآن بما يتفق تماما مع الحق. وأكثر من ذلك، قد أعددنا لكم أدلة لا تُدحَض لتقنعكم أنه قد آمنا فيما مضى بذلك وهكذا كرزنا به.

وعندما عُرِضت مواد الإيمان هذه لم يكن هناك أى أساس للإعتراض عليها، بل أن امبراطورنا الأتقى نفسه كان أول مَن يسلّم بأنها صحيحة تماما([97])، وأنه هو نفسه قد استخدم العبارات الواردة فيه لحض الآخرين على التصديق عليها والتوقيع على ذات المواد.

وهكذا وافقوا بالإجماع عليها، ومع ذلك أدرجوا كلمة واحدة وهى “هومووسيوس” وهو التعبير الذى أوضح الإمبراطور نفسه([98]) أنه لا يشير إلى علاقات أو خواص هيولية، ومن ثمة لم يوجد الإبن من الآب، لا بالانقسام ولا بالبتر لأن الطبيعة غير الهيولية وغير المادية، كما قال، لا يمكن أن تخضع لأى تأثير مادى. ومن ثم فإن مفهومنا لمثل هذا الأمر يجب أن يكون بمعنى سرائرى وإلهى فقط. هذه هى وجهة النظر الفلسفية للموضوع كما فهمه سيدنا([99]) التقى والحكيم، والاساقفة بالنسبة لكلمة “هومووسيوس”. لذلك حررنا صيغة الإيمان هذه:

“نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، صانع جميع الأشياء ما يُرى وما لا يُرى. وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله، وحيد الآب، من طبيعة  substanceالآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوى للآب فى الجوهرconsubstantial. به كانت سائر الأشياء ما فى السماء وما على الأرض. الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل وتجسد، وصار انسانا، وتألم وقام ثانية فى اليوم الثالث وصعد إلى السماء وسيأتى ليدين الأحياء والأموات. وأيضا [نؤمن]  بالروح القدس.”

ولكن أولئك الذين يقولون “انه كان هناك وقت لم يوجد فيه” أو يزعمون “أنه لم يوجد قبل أن يولد” أو “أنه صُنِع من العدم” أو “أنه خاضع للتغيّر”، أو “معرَّض للتبدل” فإن الكنيسة المقدسة الرسولية الجامعة تحرمهم.”

والآن عندما عُرِضت صيغة الايمان هذه منهم، لم نتوان فى فحص المعنى المحدد لتعبير “من طبيعة الآب” و”مساوى فى الجوهر للآب”. ومن ثم وُضِعت الأسئلة والأجوبة وتم تعريف هذه المصطلحات بوضوح. وعندما تم التسليم من الجميع بأن كلمة “أوسيا” ousias (جوهر أو طبيعة) تتضمن ببساطة أن الإبن هو من الآب بالحقيقة، ولكنه ليس منفصلا عنه أو أنه جزءٌ من الآب، فقد بدا لنا أنه من الصواب أن نصدّق على هذا التفسير للعقيدة المقدسة الذى يعلن أن الإبن هو من الآب ولكنه ليس جزءًا من طبيعته. ونحن أنفسنا قد وافقنا لذلك على هذا التعبير ولم نعترض على كلمة هومووسيوس من أجل السلام، وخشية أن نفقد الفهم السليم للموضوع.

وعلى نفس الاساس سلمنا أيضا بتعبير “مولود غير مصنوع” لأن [كلمة] صُنِع يقولون أنها مصطلح يُطبَق بصفة عامة على المخلوقات المصنوعة بالإبن والتى ليس لها أى شبه به، وبالتالى ليس هو مخلوق مثل باقى هذه الخلائق، الأمر الذى يعلمنا الوحى الإلهى، أنه مولود من الآب على نحو لا يمكن شرحه، ولا حتى إدراكه من أية خليقة. ولهذا أيضا عندما ناقش الإعلان [عبارة] أن الإبن “مساوى للآب فى الجوهر” تم الاتفاق على أنه يجب ألاَّ تُفهَم بمعنى هيولى أو بأى نحو مماثل للخلائق البائدة، أى على نحو غير قابل للإنقسام فى الطبيعة سواء بالانفصال، أو بأى تغير فى جوهر الآب أو سلطة الآب، حيث أن طبيعة الآب المتفردة لا تتطابق مع كل هذه الأشياء. ولهذا “مساوى للآب فى الجوهر” تعنى ببساطة أن إبن الله ليس له شبيه بين الأشياء المخلوقة، ولكنه فى كل النواحى مثل الآب فقط الذى ولده، وأنه ليس من أى طبيعة أو جوهر آخر ولكن من الآب. وعندما شُرِحت العقيدة بهذا النحو، صار من الصواب قبولها، وخاصة عندما علمنا أن بعض الاساقفة المتميزين والكتَّاب القدماء قد استخدموا مصطلح “هومووسيوس” فى أحاديثهم اللاهوتية الخاصة بطبيعة الآب والإبن.

هذا ما أود أن أدونه لكم بالإشارة إلى بنود [قانون] الإيمان الذى صدر، والذى وافقنا عليه جميعا، ليس بدون فحص مناسب ولكن طبقا للمعانى الخاصة به والتى فُحِصت فى حضور امبراطورنا التقى، وللأسباب التى ذكرناها عاليه. وقد اعتبرنا أيضا الحرومات الصادرة منهم غير معثرة، بعد أن صار إعلان الإيمان. لأنها تحظر استعمال مصطلحات غير شرعية والتى تثور بسببها تقريبا شقاقات ونزاعات الكنائس.

وبالتالى لما كانت الأسفار المقدسة الموحى بها إلهيا لا تشتمل على تعبيرات مثل “لم يكن موجودا” و”كان هناك وقت لم يكن فيه”، ومثل هذه التعبيرات الأخرى المتفرعة منها، فقد لاقى حظر النطق بها أو تعليمها موافقتنا وبالأحرى من باب أننا لم نعتاد استخدام هذه التعبيرات.

لقد حسبنا أنه من المحتم علينا أن نطلعكم بالاحتراس الخاص بفحصنا واتفاقنا على هذه الأمور، وكيف أننا قاومنا إلى آخر لحظة، على أسس مبررة، إدخال تعبيرات محل اعتراض معيَّن طالما أنها غير مقبولة، وقبلناها بلا نزاع عندما أدت المحاورات المتبادلة عند فحصنا لمعانى الكلمات إلى موافقتنا على ما يتفق مع اعتراف الإيمان الذى قدمناه”.

(1/8/23) هذا هو الخطاب الذى وجهه يوسيبيوس بامفيليوس إلى المسيحيين فى قيصرية فلسطين.

وفى نفس الوقت كتب المجمع بروح واحدة الرسالة التالية إلى كنيسة الأسكندرية والمؤمنين فى مصر وليبيا وبنتابوليس([100]).

الكتاب الأول: الفصل التاسع

(رسالة مجمع نيقية بخصوص قراراته. إدانة اريوس وأنصاره. رسائل لقنسطنطين بخصوص نفس الأمر )

[رسالة مجمع نيقية]

(1/9/1) “الاساقفة المجتمعون بنيقية المشكلين للمجمع المقدس والكبير، يرسلون التحية فى الرب إليكم أيها الإخوة الأحباء والمقدَّسين بنعمة الله فى سائر أنحاء مصر وليبيا وبنتابوليس ([101]) وإلى كنيسة الأسكندريين العظيمة.

لما كان بنعمة الله قد إلتأم مجمع مقدس فى نيقية، وجمعنا سيدنا التقى قنسطنطين من المدن المتعددة والمقاطعات لهذا الغرض فقد ظهر لنا ضرورة ملحة لكتابة رسالة إليكم بالنيابة عن المجمع المقدس لكى ما تعلموا بالموضوعات التى طُرِحت للفحص والتمحيص، وما قد تم تحديده وإصداره فى الحال.

أولا بالنسبة للكافر والمذنب اريوس وأنصاره فقد تم فحص [موضوعه] فى حضور امبراطورنا التقى قنسطنطين، وتقرر بالإجماع أنه يجب حرم رأيه الكافر وكل تعبيرات التجديف التى نطق بها من أن “ابن الله قد نبع من العدم”، وأنه “كان هناك وقت لم يكن فيه”. وأكثر من ذلك قال أن “إبن الله لأنه يملك الإرادة الحرة، كان خاضعا للرذيلة أو الفضيلة”، ودعاه “مخلوقا ومصنوعا”. لقد حرم المجمع كل هذه التعبيرات الكافرة، أو بالأحرى الجنون ومثل هذه التجاديف التى بالكاد احتمل سماعها.

أما عن الاجراءات النهائية التى اتخذناها ضده، فربما قد أحطتم بها بالفعل أو سرعان ما ستعلمون بها، لأننا لم نشأ أن نطأ بالأقدام على إنسان تلَّقى بعدل القصاص المستحق لجريمته. غير أن خطأه المهلك قد انتقل إلى آخرين وجرهم إلى الهلاك وهم ثيوناس اسقف مارماريكا([102]) Marmarica، وسكوندس اسقف بتولمايس([103]) Ptolemaïs إذ أنهما نالا ذات الإدانة مثله.

وبعدما تناولنا بنعمة الله هذه المفاهيم الكريهة بكفرهما وتجاديفهما، وهؤلاء الأشخاص الذين تجرأوا على شق وحدانية الشعب الذى كان قبلا فى سلام، بقيت مسألة مليتيوس وأولئك الذين رُسِموا بواسطته.

ونحن الآن ندون لكم أيها الإخوة الأحباء ما عزم عليه المجمع بهذا الشأن. لقد قرر المجمع مستخدما الرأفة معه، على الرغم من أنه لا يستحق هذا المعروف على وجه التحديد، أن يبقى فى مدينته. ولكن دون أن يمارس أية سلطة، سواء فى سيامة أو ترشيح للسيامة. وألا يظهر فى أية مدينة أو منطقة أخرى بهذا المظهر، ولكن أن يعود ببساطة إلى رتبته العادية.

أما هؤلاء الذين نالوا التعيين منه فيمكن قبولهم فى الشركة بعد تثبيتهم بسيامة أكثر شرعية. ولكن يكونوا تاليين فى المرتبة والخدمة من كل النواحى لأولئك المرسومين من أخينا المكرَّم الكسندروس فى كل كنيسة فى كل مكان، يكونون فيها. ولا يكون لهم أية سلطة فى أن يرشحوا أو يرسموا مَن يشاؤون، أو أن يفعلوا أى شىء بدون موافقة اسقف ما من الكنيسة الجامعة الذى يكون أحد المعاونين لألكسندروس.

ومن ناحية أخرى بنعمة الله وبصلواتكم، لا يكون هناك انشقاق بعد بل تستمرون فى وحدة الكنيسة الجامعة بلا لوم ويكون لكم سلطة الترشيح وسيامة مَن تشاؤون مِن المستحقين للخدمة المقدسة، وأن تسلكوا فى كل الأمور طبقا للقوانين الكنسية.

وعند وفاة أىٍ من أولئك الذين يشغلون خدمة فى الكنيسة، دعوا هؤلاء الذين قُبِلوا حديثا يتقدمون لرتبة المتوفى، شريطة أن يُظهِروا الاستحقاق، وأن ينتخبهم الشعب، وأن يصدِّق اسقف الأسكندرية([104]) على اختيارهم. وهذا الامتياز يسرى فى الحقيقة على كل الآخرين فيما عدا مليتيوس على الإطلاق بسبب سلوكه غير المنضبط وبسبب الاندفاع وطياشة شخصيته ولكى لا يكون له حكم أو سلطة ثانية، كرجل معرَّض لخلق متاعب مماثلة. هذه هى الأمور الخاصة بمصر وكنيسة الأسكندريين المقدستين جدا.

أما عن القوانين والفرائض الأخرى التى صدرت فإن سيدنا([105]) وشقيقنا المكرَّم الكسندروس الحاضر معنا، سيوافيكم بدوره عند عودته إليكم بالتفاصيل الدقيقة إذ كان مشاركا فى كل الأمور التى تم تناولها وكان له الدور الرئيسى فيها.

ونخطركم أيضا بوحدانية الحكم بشأن موضوع عيد القيامة المقدس، لأن هذه المسألة قد تم أيضا تسويتها بسرور، بصلواتكم لدرجة أن جميع الإخوة فى الشرق الذين حافظوا حتى الآن على هذا الاحتفال مع اليهود سوف يتطابقون من الآن فصاعدا مع [نظام] كنيسة روما ونحن وكل الذين منذ القدِم يراعون فترة احتفالنا بعيد القيامة.

فإبتهجوا لذلك بهذه الخاتمة. وبالاجماع العام على السلام وأيضا بالقضاء على كل الهرطقات. واستقبلوا شريكنا واسقفكم المكرَّم الذى أبهجنا بإجتهاده غير العادى حتى فى عمره المتقدم، بأقصى تكريم وأوفر حب، لكى ما يعود السلام بينكم. صلوا بالنيابة عنا جميعا لكى ما تدوم هذه الأمور التى تقررت بدون نقض لها. ولإلهنا ضابط الكل وربنا يسوع المسيح والروح القدس المجد إلى الأبد آمين.”([106]).

(1/9/2) وقد أوضحت رسالة المجمع هذه أنهم لم يحرموا فقط اريوس ومشايعيه، ولكن أيضا ذات التعبيرات التى لمفاهيمه. وأنهم اتفقوا فيما بينهم بخصوص الاحتفال بعيد القيامة. وأنهم جردوا مليتيوس من رتبته الاسقفية ومن كهنوته، وحظروا عليه ممارسة أى سلطة تخص الاسقف.

(1/9/3) واننى افترض أنه لهذا السبب ينفصل الميليتيون فى مصر عن الكنيسة، حتى فى أيامنا هذه([107])، لأن المجمع جرَّد مليتيوس من كل سلطة.

(1/9/4) ويجب أن يُلاحَظ أيضا، أن اريوس كان قد كتب مقالة عن آرائه الخاصة والتى دُعِيَت “ثاليا” Thalia، وسمة كتابتها مهلهلة وباطلة وتماثل فى أسلوبها ووزنها أناشيد سوتادس([108]) Sotades. وقد أدان المجمع أيضا هذا الانتاج فى نفس الوقت.

(1/9/5) ولم يكن المجمع وحده هو الذى تكبد مشقة الكتابة إلى الكنائس ليعلن عودة السلام، بل أيضا الإمبراطور نفسه قد كتب شخصيا إلى كنيسة الأسكندريبن ما يلى:

(خطاب الإمبراطور إلى الأسكندريين)

“قنسطنطين اوغسطس، إلى الكنيسة الجامعة التى للأسكندريين. السلام لكم ايها الإخوة الأحباء. لقد تلقيتُ من العناية الإلهية بركة لا تُقدَّر للتحرر من الخطأ، وللإتحاد فى معرفة ذات الإيمان الواحد. ولن يكون للشيطان سلطان بعد ضدنا حيث أن كل الخبث الذى أثاره لهلاكنا قد نُقِض تماما من جذوره. إن روعة الحق الظاهرة فى وصايا الله قد بددت الشقاقات والإزعاجات وما يمكن القول سموم الفرقة المميتة. لذلك نحن جميعا نعبد إله واحد حقيقى، ونؤمن به.

ولكن لكى ما يتم ذلك جمعتُ بمشورة إلهية فى مدينة نيقية معظم الأساقفة وكنتُ أنا أيضا معهم. أنا الذى ليس سوى واحد منكم والذى أسعد بأن أكون شريككم فى الخدمة لفحص الحق. وبناء عليه تم مناقشة سائر النقاط التى بدت أنها تؤدى ظاهريا إلى الشقاق، وفٌحِصت بالتدقيق. وليغفر الله القدير تلك التجاديف المرعبة التى تجاسر البعض على النطق بها بشأن المخلِّص القدير، حياتنا ورجاؤنا، معلنين ومعترفين بأنهم يؤمنون بأمور تناقض الأسفار المقدسة الموحى بها من الله. وبينما كان أكثر من ثلاثمائة اسقف متميزين بإتضاعهم وفطنتهم، متفقين بالإجماع على نفس الإيمان الواحد الذى هو طبقا للحق ولشريعة الله، كان اريوس وحده وهو مخدوع بمكر الشيطان، هو المنشق الوحيد عن هذا الإجماع، أولا بينكم، وثانيا لغرض غير مقدس ضد الآخرين أيضا.

فدعونا لذلك نتمسك بالعقيدة التى أعلنها الله لنا، ودعونا نعود إلى إخوتنا الذين فصلنا عنهم خادم الشيطان، ولنركض بأقصى سرعة إلى الشركة وإلى أعضائنا الطبيعيين، لأنه بهذا يكون إيمانكم وقداستكم وصبركم. إذ لما ثبت أن الخطأ كان بسببه هو عدو الحق، لذا يلزم العودة إلى ما يسر الله لأن ما إتفق عليه حُكم ثلاثمائة اسقف لا يمكن أن يكون سوى عقيدة الله، عالمين أن الروح القدس يسكن فى أذهان الأشخاص المكرَّمين العديدين، وينيرهم حسب مشيئة الله لذلك لا يتوانى أحد أو يكسل. بل ليرجع الجميع بأكثر حمية إلى طريق الواجب غير المشكوك فيه، حتى إذا ما وصلتُ إليكم وهو ما سيكون قريبا على قدر الإمكان، يكون من الممكن رفع الشكر لله فاحص كل الأمور. لأنه كشف الإيمان الحقيقى وأعاد لكم ذلك الحب الذى صليتم من أجله. ليحفظكم الله أيها الإخوة الأحباء”.

(1/9/6) هكذا كتب الإمبراطور إلى المسيحيين فى الأسكندرية مؤكدا أن شرح الإيمان لم يتم لا بعجلة ولا بعشوائية ولكن بفحص عميق وتمحيص دقيق. ولا كانت بعض الأمور يتم الكلام عنها، وبعضها الآخر يتم السكوت عليها، بل كان كل شىء يُدوَّن أيا كان لدعم أى رأى. ولم يتم فى الحقيقة أى شىء اعتباطا بل نوقش كل شىء بتدقيق شديد حتى أنه تم بالتمام غربلة كل نقطة يمكن أن تؤدى إلى لبس فى المعنى ولو ظاهريا، أو خلاف فى الرأى، وأزيل اللبس الذى فيها. وبإختصار نُعِت فكر جميع الذين كانوا مجتمعين هناك بأنه كان فكر الله ولم يكن هناك شك فى أن إجماع أساقفة متميزين عديدين إنما كان من عمل الروح القدس.

(1/9/7) ومع ذلك يرفض سابينوس  Sabinusرئيس هرطقة المقدونيين، تماما عن عمد هذه المصادر وينعت أولئك الذين اجتمعوا هناك بأنهم جهلة وأميين، بل يتهم يوسيبيوس القيصرى نفسه بالجهل غير واعٍ أنه حتى لو كان أولئك الذين شكلوا هذا المجمع من غير الاكليريكيين، إلاَّ أنهم وقد أُستُنيروا من الله وبنعمة الروح القدس، كانوا بالتالى غير قادرين بتاتا على أن يضلوا عن الحق([109]).

(1/9/8) ولكن علاوة على ذلك، اصغ إلى مرسوم الإمبراطور فى منشور آخر ضد آريوس وأولئك الذين يتمسكون بآرائه، والمرسَل إلى الأساقفة والشعب فى سائر الأماكن.

(رسالة أخرى لقنسطنطين )

“من قنسطنطين أوغسطس المنتصر، إلى الأساقفة والشعب. لما كان أريوس قد حاكى الأشرار الكفرة، لذا كان من العدل أن يخضع لنفس العار. لذلك إذ ألف بورفيرى([110])Porphyry عدو التقوى مقالات خليعة ضد الدين، تلقى الجزاء الملائم ونُعِت بالفجور وغُمِر بالتقريع الواجب، ودُمِّرت أيضا كتاباته الكافرة.

وهكذا أيضا الآن، يبدو من المناسب أن يُنعَت أريوس ومَن يتمسك بمفاهيمه بالبروفيريين لكى ما يأخذوا اسمهم من أولئك الذين قلدوا سلوكه. وبالإضافة إلى هذا يجب تدمير أية مقالة يكون اريوس قد كتبها حتى لا يتم ليس فقط انتشار رأيه بل أيضا حتى لا تكون هناك ذكرى له بأى نحو من الأنحاء. ولذلك أصدرتُ أمرى بأنه إذا وُجِد أى شخص يُخفِى كتابا مؤلفا من اريوس ولا يُحضره فى الحال ويحرقه، سيكون الموت عقوبة تلك المخالفة لأنه بعد التأكد من المجرم سينال القصاص فورا. ليحفظكم الله”.

(1/9/9)  (وفى رسالة أخرى)([111])

“قنسطنطين أوغسطس إلى الكنائس. بعد أن ساد الازدهار فى الشؤون العامة بنعمة القدرة الإلهية العظيمة، رأيتُ أن يحتل هذا الموضوع اهتمامى قبل أى شىء آخر آلا وهو مراعاة وحدة الإيمان والمحبة الخالصة والتقوى الوطيدة لله ضابط الكل فى سائر الاجتماعات المباركة للكنيسة الجامعة.

ولكننى لما أدركتُ أن ذلك لا يمكن أن يتحقق بثبات ودوام ما لم يجتمع سائر الاساقفة فى مجمع، أو على الأقل الشطر الأعظم منهم، ويناقشوا كل نقطة من الدين المقدس. لذلك اجتمع الكثيرون منهم على قدر ما أمكن، وأنا نفسى كواحد منكم كنتُ حاضرا إذ لا أنكر ما أنا ابتهج به بصفة خاصة وهو أننى شريككم فى الخدمة. ومُحِّصت كل نقطة بتدقيق إلى أن تم اتخاذ القرار المرضى لذاك الفاحص لجميع الأشياء، وصدر من أجل تحقيق الإجماع فى الأحكام والممارسة، وحتى لا يكون هناك من الآن فصاعدا شقاق أو جدل فى أمور الإيمان.

وهناك أيضا مسألة جديرة بالإعتبار وهى الخاصة بعيد القيامة المقدس. فقد تحدد بإجماع عام أنه من الملائم أن يحتفل الجميع به فى نفس اليوم فى كل مكان. لأنه أى شىء يمكن أن يكون أكثر ملائمة أو أكثر وقارا من أن نحافظ على هذا العيد الذى منه نستمد رجاءنا فى الخلود، بنظام لا يتغير، ولسبب معقول لدى الجميع؟.

وفى المقام الأول بدت فكرة الإحتفاظ بهذا العيد المقدس جدا تبعا لعادة اليهود فكرة غير جديرة بالإعتبار على الإطلاق. فالشعب الذى لوَّث يديه بأبشع جريمة، قد لوثوا بذلك نفوسهم واستحقوا بذلك أن يكونوا عميانا. وإذ قد طرحوا جانبا عاداتهم، فإننا أحرارٌ إذن أن نراعى الإحتفال بهذه الفريضة فى المستقبل على نحو أكثر صوابا، تلك  التى حافظنا عليها منذ اليوم الأول للآلام([112]) حتى الوقت الحاضر.

لذلك لا علاقة لنا باليهود الشعب الممقوت للغاية، فقد تلقينا من المخلِّص طريقة أخرى. فقد وُضِع أمامنا طريقا شرعيِّا ودقيقًا معا لديننا المقدس. فلنبتعد يا إخوتى الأحباء عن هذا الربط الكريه. لأنه من السخف فى الحقيقة أن يفتخروا بأننا غير قادرين على مراعاة هذه الأمور بصواب بدون تعليمهم لأنه على أى أساس سيكونوا قانعين بتكوين حكم صائب، أولئك الذين بعدما قتلوا ربهم وهم مجردين من كل إحساس مدفوعين بدافع غير عقلانى، بل بغضب لا يُحَد يمكن لحمية غضبهم أن تؤدى بهم؟. لذلك فى هذه النقطة على وجه الخصوص هم لا يدركون الحق، ومن ثم هم على خطأ بإستمرار بدرجة كبيرة، بدلا من الصواب المعقول، [فهل] نحتفل بعيد الفصح مرتين([113]) فى نفس السنة؟. لماذا إذن نتبع أولئك الذين نعترف أنهم مخطئون بشدة؟.

بكل تأكيد لا يجب أن يُحتفَل بعيد القيامة مرتين فى السنة. ولكن حتى إذا لم توضع هذه الإعتبارات أمامكم، فإن فطنتكم محفوظة فى سائر الأوقات بمثابرتكم، لكى لا يكون لنفوسكم النقية أية صلة، أو تبدو أنها كذلك بعادات الرجال الفاسدين لغاية. وأكثر من ذلك، يجب مراعاة أنه فى أمر هام كهذا وذى دلالة دينية، يكون أقل عدم اتفاق وقحا للغاية. لأن مخلصنا قد ترك لنا يوما واحدا للإحتفال بنجاتنا، وهو يوم الفصح الأقدس. وأيضا أراد أن تكون كنيسته الجامعة واحدة وإن كان أعضاؤها متناثرين فى أماكن عديدة لكنهم مرتبطون بروح واحدة، وذلك بمشيئة الله. تأملوا بفطنة كيف يليق أنه بينما البعض يكونوا صائمين يحتفل الآخرون بأعياد، وبينما ينغمس البعض بعد أيام القيامة([114]) فى الولائم والملذات، يخضع آخرون لأصوام معينة. لذلك رأت العناية الإلهية فى هذا الصدد ضرورة إجراء تصحيح ملائم وتأسيس متماثل فى الممارسة، كما تعلمون جميعا على ما أظن.

ولذا كان من المرغوب فيه فى هذا التصحيح أن لا تكون هناك علاقة بينه وبين تلك الأمة الضالة وأولئك الذين قتلوا ربهم، وبذا صار النظام واحدا ذلك المرعى فى سائر الكنائس فى الأجزاء الغربية والشمالية والجنوبية، ومن قِبل البعض أيضا فى الطرف الشرقى.

وفى ضوء كل هذه الاعتبارات، رأى الجميع، وأنا نفسى ضمنتُ رضى فطنتكم، أنه من المناسب اتباع ذلك المقبول بالإجماع فى مدينة روما وسائر أنحاء ايطاليا، وأفريقيا، وكل أنحاء مصر وأسبانيا وفرنسا وبريطانيا وليبيا وكل بلاد اليونان وايبارشيات أسيا والبونطس، وكيليكيا، فإنكم أنتم أيضا ستوافقون بمحبة عندما تتأملون ليس فقط فى هذا العدد الكبير من الكنائس فى الأماكن التى ذكرناها قبلا ولكن أيضا وبصفة خاصة فى الإلتزام الأكثر قداسة أن يكون الجميع برغبة عامة مهما بدا للعقل الصارم، وألا تكون هناك صلة مع ضلال اليهود.

ولكى نلخص الموضوع بإيجاز، تقرر بالموافقة الجماعية أن يكون الاحتفال بعيد القيامة الأقدس فى يوم واحد معيَّن لأنه من الوقار ألا يكون هناك أى إختلاف فى هذا الإحتفال وأنه لأمر مطلوب للغاية أن نتبنى الرأى الذى لا يكون فيه الخطأ ولو بدرجة زهيدة أو الحيدان عن الصواب. لذلك إذ تمت تسوية هذه الأمور، فاقبلوا بفرح هذه الوصية الإلهية السمائية والحقيقية لأن كل ما يُعمَل فى اجتماعات مقدسة للأساقفة إنما يُعزَى للإرادة الإلهية.

لذلك عندما أشرتم إلى الأمور التى وُصِفت لإخوتنا الأحباء بدا من الملائم لكم نشر العبارات المكتوبة عاليه وأن تقبلوا الأسباب المشار إليها وأن ترسخوا هذه الفريضة لهذا اليوم الأقدس حتى إذا وصلتُ أخيرا وبكل حمية إليكم أكون قادرا على الاحتفال بالعيد المقدس معكم فى نفس اليوم ونبتهج معكم بكل الأمور عندما نرى الشيطان مسحوقا بالقدرة الإلهية من خلال جهودنا بينما يزدهر إيمانكم وسلامكم ووحدتكم فى كل مكان. ليحفظكم الرب يا إخوتى الأحباء.”.

(1/9/10)  (رسالة أخرى إلى يوسيبيوس بشأن المبانى المقدسة)([115])

“قنسطنطين اغسطس الظافر إلى يوسيبيوس. لما كان الطاغية الكافر([116]) قد اضطهد خدام الله مخلصنا كما علمتُ بصدق، فإننى مقتنع تماما يا أخى الحبيب أن كل المبانى المقدسة التى لنا إما أنها قد تداعت من الإهمال أو لم تُزيَّن بالكرامة اللائقة خوفا من التعرض للمهالك.

ولكن الآن، وقد استرددنا الحرية وأُستُبِعد بعناية الله العلى وبواسطتنا، الوحش المضطهِد ليسينيوس من إدارة الشؤون العامة فإننى أتصور أن القدرة الإلهية قد صارت معلنة للجميع وفى نفس الوقت أولئك الذين سقطوا([117]) فى أية خطية عن خوف أو عدم إيمان عندما يعترفون بالله الحى يأتون إلى الحياة الحقيقية السليمة.

لذلك فلتنضم جميع الكنائس التى ترأسها أنت بنفسك مع الاساقفة الآخرين الذين يرأسون أماكن عدة مع الكهنة والشمامسة الذين تعرفهم وتجتهدوا بشأن المبانى المقدسة إما بإصلاح ما هو قائم أو توسيعها أو إنشاء مبانٍ جديدة مهما كان المطلوب. وسيتم تزويدك بكل ما تطلب أو يطلبه الآخرون عن طريقك من مؤون، من كلٍ من حكام المقاطعات وضباط البريتوريان برفكتور prætorian prefecture ([118]). لأنه قد صدرت لهم الأوامر بتنفيذ أوامر قداستكم بكل إجتهاد. ليحفظك الرب أيها الأخ الحبيب.”

(1/9/11) هذه التعليمات بشأن بناء الكنائس قد أُرسِلت إلى الاساقفة فى كل مقاطعة، ولكن ما كُتِب إلى يوسيبيوس الذى بفلسطين بشأن إعداد بعض النسخ من الأسفار المقدسة يمكننا أن نستخلصه من الرسائل ذاتها([119]).

[رسالة أخرى إلى يوسيبيوس بشأن الأسفار المقدسة]

” قنسطنطين مكسيموس اوغسطس المنتصر، إلى يوسيبيوس القيصرى. هناك جم غفير من الأشخاص قد انضموا، بمعونة الله مخلصنا، إلى الكنيسة المقدسة فى المدينة التى تشتق إسمها منا([120]). ومن ثم ازداد العدد هناك كثيرا. ولذلك صار من اللازم زيادة الكنائس فى ذلك المكان.

وبناء عليه ارجو من محبتكم أن تضعوا فى اعتباركم هذا الأمر الذى أراه مناسبا وهو أن تأمر بنسخ خمسين نسخة من الأسفار المقدسة على رقوق جيدة جدا، وبواسطة نساخ كفاة وملمين بدقة بهذا الفن، حسب المواصفات الشرعية وبحجم مناسب بالشروط التى تراها مطلوبة لحاجة التعليم فى الكنائس.

وقد أرسلتُ أيضا رسائل من تعطفاتنا إلى الوكيل المالى([121]) للإيبارشية ليزودكم بجميع الضروريات اللازمة لإعدادها، ولكى تكون هذه النسخ جاهزة للإستعمال بأسرع ما يمكن. ولتكن هذه مهمة عنايتكم الخاصة. وأنت مخوَّل بموجب هذه الرسالة أن تستخدم مركبتيَن من المركبات العامة لنقلها حتى ما تصل الىَّ النسخ التى ترضى عنها لفحصها. وليتعهد أحد شمامسة كنيستك بإنجاز ذلك، وعندما سيصل سيختبر كرمنا. ليحفظك الله أيها الأخ الحبيب”.

(1/9/12)   (رسالة أخرى إلى مكاريوس الأورشليمى)([122])

” المنتصر قنسطنطين مكسيموس اوغسطس إلى مكاريوس الأورشليمى. هذه هى نعمة مخلصنا حتى أنه ليس هناك كلام يمكن أن يكون ملائما للتعبير عن إعلاناته الحاضرة. لأن ذلك الأثر([123]) لآلامه المقدسة جدا الذى ظل مخفيا تحت الأرض طوال هذه السنوات العديدة، قد ظهر الآن لخدامه بعدما استردوا حريتهم، بعد هلاك العدو المشترك للجميع([124]). إنه لأمر يفوق كل إعجاب. لأنه إذا اجتمع سائر المعتبرين حكماء فى كل أنحاء المعمورة فى مكان واحد وأرادوا أن يقولوا شيئا جديرا بهذا الحدث فإنهم سيشعرون بالعجز لوصف أصغر شىء، لأن إدراك هذه الأعجوبة يفوق القدرات الطبيعية للعقل البشرى بإعتبارها أمور سمائية أسمى من البشر. ومن ثم هذا هو هدفى الخاص دائما، وهو كما أن موثوقية الحق تُظهِر ذاتها يوميا بآيات طازجة، هكذا يجب أن تصير نفوسنا جميعا أكثر اجتهادا بالنسبة للشريعة المقدسة بإتضاع واشتياق جماعى.

ولكننى أود أن تعوا جيدا بما أرى أنه جيد الإلمام به بصفة عامة، وهو أنّ إهتمامى الرئيسى الآن هو أن أزين بالمبانى الجليلة تلك المواضع المقدسة التى حررتها، بترتيب من الله، من الأوثان المشينة([125]) كما من عبء ثقيل فى الحقيقة. تلك المواقع المكرسة فى الحقيقة منذ البداية لغرض الله ولكنها تقدستْ بأكثر جلاء منذ أن ظهر للنور دليل آلام مخلصنا.

لذلك صار لفطنتكم أن تقوموا بالترتيبات وتوفير مؤون كل شىء ضرورى لكى ما يكون مبنى الكنيسة ليس فقط أروع بناء فى ذاته عن أى مبنى آخر فى أى مكان، بل أيضا لتكون بقية أجزائه أروع من أى مبنى فى كل المدينة. أما بالنسبة للصناع وتنفيذ الحوائط فاعلم أننا قد عهدنا بهذه الأمور إلى صديقنا دراكليان Dracilian مندوب الحكام المشهورين، وإلى حاكم المقاطعة. لأننى أمرتُ أن يرسلوا لقدسك فى الحال كل ما هو ضرورى للبناء مهما كان من مهرة وصناع وكل شىء آخر تخطرهم به. وبالنسبة للأعمدة أو الرخام مهما تراه يكون أكثر قيمة وفائدة، اُكتب لنا عنه بعدما تفحص الأمر بنفسك. حتى متى علمنا من خطابك مقدار الأشياء المطلوبة، ومن أى نوع يلزم، تُنقَل لكم من سائر الأماكن. لأنه من اللائق أن يزين أكثر الأماكن فى العالم عجبا بما يليق بكرامته. ولكننى أود أن أعلم منك ما إذا كان يلزم أن يكون قبو vault البازيلكا مزخرفا أم مشيدا وفقا لتصميم آخر لأنه إذا كان سيزُخرَف فمن اللائق تزيينه بالذهب. ويبقى من قداستكم أن تُعلِموا الضباط السابق ذكرهم بأسرع ما يمكن كم من الصناع والمهرة يلزمكم وما مقدار النقود التى تحتاجها واللازمة للنفقات. وأحرص فى نفس الوقت أن تبلغنى سريعا ليس فقط بشأن الرخام والأعمدة، ولكن أيضا بشأن حليات القبو، وبما تراه لازما ليكون أكثر جمالا. ليحفظك الله أيها الأخ الحبيب.”.

(1/9/13) وإذ كتب الإمبراطور أيضا رسائل أخرى ذات سمة بليغة ضد أريوس وأنصاره أمر بأن تُذاع فى كل المدن، معرّضا إياه للإزدراء ومعنفا إياه بسخرية.

(1/9/14) وعلاوة على ذلك، إنتقد وهو يكتب إلى النيقودوميين ضد يوسيبيوس وثيوجنيس سوء سلوك يوسيبيوس([126]) ليس فقط لأنه اريوسى ولكن لأنه أيضا كان معروفا جيدا للحاكم فيما سبق بأنه قد تآمر بخيانة ضد شؤونه. وحضهم على إختيار اسقف آخر بدلا منه.

ولكننى أظن أنه من السخف أن أدرج هنا الخطابات الخاصة بهذه الأمور بسبب طولها، فمن يريد ذلك يمكنه أن يجدها فى موضع آخر ويقرأها بعناية. فهذه الملاحظات كافية بخصوص هذه الأعمال.

الكتاب الأول: الفصل العاشر

(الإمبراطور يستدعى أيضا اكسسيوس اسقف النوفاتيين)

(1/10/1) ويحثنى اجتهاد الإمبراطور على أن أذكر أيضا مناسبة أخرى، تعبّر عن فكره وتخدم فى إظهار كم كان يرغب فى السلام. فإذ كان يسعى إلى حفظ الوئام الكنسى، دعا أيضا إلى المجمع اكسسيوس Acesius اسقف النوفاتيين([127]).

فلما صدر إعلان الإيمان كتابة وتم التوقيع عليه من قِبل المجمع، سأل الإمبراطور اكسسيوس ما إذا كان هو أيضا يوافق على التسوية الخاصة بيوم عيد القيامة الذى يجب مراعاته، أم لا. أجاب “يا ملكى، المجمع لم يقرر شيئا جديدا لأننا نراعى ذلك منذ أيام الرسل إلى الآن. فقد استلمتُ أنا بالتقليد تعريف الإيمان، ووقت الإحتفال بالفصح”. فسأله الإمبراطور إذن متى ولأى سبب انفصلتم عن الشركة مع بقية الكنيسة؟.

(1/10/2) فروى له ما قد حدث أيام اضطهاد داكيوس([128]) Decius، وأشار إلى شدة ذلك القانون الصارم الذى ينص على أنه ليس من الصواب لأشخاص قد أخطأوا بعد المعمودية خطية كتلك التى عبَّر عنها الكتاب المقدس “خطية للموت”([129])، أن يُعتَبروا جديرين بالشركة فى السرائر  μυστηρίων.  الإلهية . إنهم يحتاجون فعلا إلى التوبة، ولكنهم لا يتوقعونها من الكاهن بل من الله القادر والذى له السلطان على مغفرة الخطايا.

(1/10/3) وعندما تكلم اكسسيوس هكذا قال له الإمبراطور “خذ سلما يا اكسسيوس واصعد إلى السماء وحدك”([130]).

(1/10/4) ولم يذكر يوسيبيوس بامفيليوس ولا أى شخص آخر هذا الأمر، ولكننى سمعتُ ذلك من رجل شيخ طاعن فى العمر بعيدٌ تماما عن أى زيف كان يروى ببساطة ما قد جرى فى ذلك المجمع.

(1/10/5) ومنها أخمن أن أولئك الذين عبَروا فى صمت على هذه الواقعة قد فعلوا ذلك مدفوعين بالدوافع التى تؤثر على كثيرين من المؤرخين الآخرين، إذ أنهم يتحاشون ذكر حقائق هامة فى أغلب الأحيان إما من باب التحامل ضد شخص ما أو من باب المحاباة لصالح آخرين ([131]).

الكتاب الأول: الفصل الحادى عشر

(عـن الاسقف بافنوتيوس)

(1/11/1) كما وعدنا سابقا([132])، أن نذكر بعض الشىء عن بافنوتيوس واسبيريدون، حان الآن الوقت لنتكلم عنهما.

كان بافنوتيوس أسقف لإحدى مدن طيبة العليا([133]). وكان رجلا تقيا جدا حتى أن معجزات غير عادية قد أُجرِيت بواسطته. وقد فقد إحدى عينيه فى زمن الإضطهاد. وكان الإمبراطور يكرم هذا الرجل للغاية، وكثيرا ما كان يستدعيه مرارا إلى القصر ويقبِّل عينه المقلوعة. هكذا اتسم قنسطنطين الإمبراطور بالتقوى الشديدة. وهذه الحقيقة لكافية عنه.

(1/11/2) وسأروى الآن، أمرا آخر قد تم بناءً على مشورته، وكان لصالح الكنيسة وحرصا على صيانة كرامة الإكليروس. فقد بدا ملائما للأساقفة إدخال قانون جديد فى الكنيسة ينص على أن يمتنع كل من شاغلى الرتب الكهنوتية، أى الأساقفة والكهنة والشمامسة، عن المعاشرات الجنسية مع زوجاتهم اللواتى تزوجوهن وهم بعد علمانيين([134]).

(1/11/3) فعندما بدأت مناقشة هذا الأمر، وقف بافنوتيوس فى وسط الاساقفة المجتمعين ورجاهم بشدة ألاَّ يضعوا نيرا ثقيلا على خدام الدين مؤكدا أن الزواج نفسه مكرَّم والفراش غير دنس([135])، حاثا إياهم أمام الله على ألاَّ يلحقوا الضرر بالكنيسة بهذا الحظر الثقيل للغاية. وقال “لأنه ليس جميع الناس بقادرين على ممارسة هذا التقشف الصارم. ولا من الممكن ضمان استمرار عفة كل زوجة مصونة”. ونعت معاشرة الرجل لزوجته الشرعية بالعفة. كما قال يكفى ما كان ساريا إبان دعوتهم المقدسة، وعدم الإضرار بالزيجة طبقا للتقليد القديم للكنيسة، وهو عدم الإنفصال عمن يكونوا مرتبطين بهن وهم بعد علمانيين قبل سيامتهم.

(1/11/4) وقد نطق بهذه المفاهيم على الرغم من أنه كان هو نفسه غير متزوج. ولنتكلم بأكثر صراحة، بدون أن يعرف قط إمرأة لأنه نشأ منذ طفولته فى دير([136])، وكان مشهورا عن كل الرجال الآخرين بعفته.

(1/11/5) وخضع كل المجمع لرأى بافنوتيوس، وصمتوا تماما عن مناقشة هذه النقطة، تاركين إياها لإفراز أولئك المتزوجين لممارسة التقشف إن هم أرادوا بعد استشارة زوجاتهم([137]). وهكذا كانت أمور بافنوتيوس.

الكتاب الأول: الفصل الثانى عشر.

(عن اسبيريدون اسقف القبارصة)

(1/12/1) وأما اسبيريدون  Spyridonفقد كانت قداسته عظيمة جدا وهو بعد راعى غنم حتى أنه أُعتُبر جديرا بأن يكون راعيا للبشر. وعندما أُسنِدت إليه اسقفية([138]) إحدى المدن فى قبرص، وتدعى تريمثوس  Trimithus، فإنه من فرط اتضاعه ظل يرعى غنمه أثناء الأسقفية. وتُروَى عنه أمور أخرى كثيرة غير عادية. وسأدون منها واحدة أو اثنتين لئلا ابتعد كثيرا عن موضوعى.

(1/12/2) دخل ذات مرة لصوص فى منتصف الليل حظيرته عن عمد بقصد سرقة بعض الغنم. ولكن الله الذى يحفظ الراعى حافظ أيضا على غنمه إذ رُبِط اللصوص بقوة غير منظورة فى الحظيرة. وعند مطلع النهار، عندما أتى إلى الحظيرة، وجد الرجال وأياديهم مربوطة خلفهم، ففهم ما قد حدث. فصلى وحرر اللصوص، ووعظهم بحرارة وحثهم على أن يعولوا أنفسهم بعمل شريف، وألا يأخذوا أى شىء بغير عدلٍ. ثم أعطاهم كبشا وصرفهم قائلا لهم برقة “لئلا يضيع سهركم طوال الليل هباء”. هذه إحدى المعجزات المنسوبة إلى اسبيريدون. وهناك أخرى من هذا النوع.

(1/12/3) لقد كان له إبنة عذراء تُدعَى إرينى، كانت تشترك مع أبيها فى التقوى. حدث أن ائتمنها أحد المعارف على جوهرة غالية الثمن، فلكى تحافظ عليها بأكثر حرص، أخفت الوديعة التى معها فى الأرض. ولكنها توفيت بعد ذلك ليس بوقت طويل. ولمَّا جاء صاحب الوديعة ليطلبها ولم يجد العذراء، ثار على أبيها بشدة متهما إياه بمحاولة اختلاسها. وبدأ يرجوه أن يردها له. فنظر الشيخ إلى خسارة هذا الرجل سىء الحظ، وذهب إلى قبر ابنته ودعا الله أن يعرفه قبل القيامة الموعودة. فلم يُخِب الله رجاءه إذ ظهرت الفتاة لأبيها وكشفت له عن المكان التى خبأت فيه الجوهرة، ثم رقدت ثانية.

(1/12/4) هكذا كانت الكنائس مزينة بهذه الشخصيات فى زمن الإمبراطور قنسطنطين. وقد حصلتُ على هذه التفاصيل من كثيرين من سكان قبرص، ووجدت مقالة باللاتينية لروفينوس القس([139])، جمعت منها هذه، وأمور أخرى، سأشير إليها فيما بعد.

الكتاب الأول: الفصل الثالث عشر

(الراهب  اوتيكيان)

(1/13/1) وأكثر من ذلك سمعتُ عن اوتيكيان([140])  Eutychianوهو شخص تقى ازدهر فى حوالى نفس الفترة. وكان ينتمى إلى الكنيسة النوفاتية، ولكنه كان مكرَّما بسبب المعجزات المماثلة التى كان يجريها.

وسأروى هنا إحداها على مسؤوليتى دون أن أحاول إخفائها حتى ولو أتهمتُ بشىء من المحاباة([141]). لقد كان هناك قس طاعن فى السن جدا [اسمه] اوكزانون Auxanon من الكنيسة النوفاتية الذى عندما كان شابا رافق اكسسيوس إلى مجمع نيقية وروى لى ما قد ذكرته سابقا, لقد امتد العمر به إلى عهد ثيودوسيوس الصغير. وعندما كنتُ ما زالتُ شابا يانعا بعد روى لى أعمال اوتيكيان([142]) مظهرا بإسهاب النعمة التى تجلت فيه. ولكننى سأذكر هذا الظرف فقط الذى أشار إليه، والذى حدث فى زمن قنسطنطين وهو جدير بالذكر على وجه الخصوص.

(1/13/2) حدث أن تعرض أحد الرقباء العسكريين ممن يدعوهم الإمبراطور بالحرس المحلى [أو الشخصى] لإتهامٍ بأعمال خيانة, فهرب طلبا للأمان. فصدرت الأحكام الملكية ضده بالإعدام أينما وُجِد. فقُبِض عليه فى أوليمبوس Olympus ببيثينية، وقُيِّد بسلاسل ثقيلة وسُجِن بالقرب من المكان الذى يمارس فيه اوتيكيان حياة التوحد، ويشفى أجساد ونفوس الكثيرين. وكان اوكزانون شابا يافعا يتدرب لديه على التهذب بالحياة الرهبانية.

(1/13/3) فجاء أشخاص كثيرون إلى اوتيكيان يتوسلون إليه أن يُطلِق الأسير بالتشفع من أجله لدى الإمبراطور. لأن شهرة معجزاته كانت قد بلغت إلى آذان الإمبراطور. فوعد بأكثر استعداد أن يذهب إلى سيادته. ولكن لما كانت القيود المؤذية لا تُحتمَل فقد أعلن المهتمون بأمره أنه سيموت إما من الأغلال التى تقيده وإما من انتقام الإمبراطور إذا تشفع أى شخص من أجل السجين.

(1/13/4) فأرسل بالتالى اوتيكيان إلى السجانين يطلب منهم إطلاق سراح الرجل، ولكنهم أجابوا أن ذلك سيعرضهم لمخاطر إطلاق سراح مجرم. فذهب هو بنفسه إلى السجن، مصطحبا معه اوكزانون، ولما رفضوا أن يفتحوا له السجن، تجلت النعمة الحالة على اوتيكيان بأكثر جلاء، إذ أن بوابات السجن فُتِحَت من تلقاء ذاتها بينما كانت المفاتيح فى مخفرهم. وما أن دخل اوتيكيان وأوكزانون السجن حتى سقطت الأغلال عن سائر أطرافه من تلقاء ذاتها وسط دهشة جميع الحاضرين. وتوجه عندئذ مع اوكزانون إلى المدينة التى كانت تدعى قديما بيزنطيوم ثم دُعِيت بعد ذلك القسطنطينية، حيث أُستُقبِلا فى القصر الامبراطورى وأُنقِذ الرجل من الموت لأن الإمبراطور كان يقدر اوتيكيان بشدة، فمنحه طلبه.

وفى الحقيقة حدث ذلك فى وقت ما لاحق للفترة التى يتناولها الجزء الحالى من تاريخنا.

(1/13/5) وبعد أن دوَّن الاساقفة المجتمعون فى مجمع نيقية اللوائح الكنسية والتى اعتادوا على تسميتها قوانين([143])، عادوا ثانية إلى مدنهم الخاصة بهم. ولما كنتُ أدرك أن ذلك سيكون محل استحسان محبى القراءة، فإننى سأدون هنا أسماء أولئك الذين حضروا على قدر ما تأكدتُ منهم، وأسماء المدن التى كانوا يترأسون عليها وبالمثل تاريخ إلتآم المجمع.

(1/13/6) هوسيوس الذى كان، كما اعتقد، اسقف قرطبة بأسبانيا كما دونتُ سابقا. فيتو Vito وفسنتيوس Vicentius كاهنين من روما. الكسندروس اسقف مصر. يوستاثيوس اسقف انتيوكيا ماجنا  Antiochia Magna. مكاريوس اسقف اورشليم, هاربوكراتيون Harpocration    اسقف كينوبوليس([144])  Cynopolis.

(1/13/7) أما بالنسبة لباقى اسماء الباقين فهى مسجلة بالكامل فى “أعمال المجمع” Synodicon ، لأثناسيوس اسقف الأسكندرية([145]).

(1/13/8) وقد انعقد المجمع (كما اكتشفنا من التاريخ المسجل للمجمع) فى أيام قنصلية بولينس ويوليان، فى اليوم العشرين من شهر مايو لسنة 636 من عهد الكسندروس المقدونى ([146])، وبذا تمت أعمال المجمع. ويجب أن نلاحظ أنه بعد المجمع توجه الإمبراطور إلى الأجزاء الغربية للإمبراطورية.

الكتاب الأول: الفصل الرابع عشر

(نفى يوسيبيوس النيقوميدى، وثيوجنيس اسقف نيقية لإتفاقهما مع اريوس. ثم تراجعهما وتصديقهما على قانون نيقية)

(1/14/1) وإذ أرسل يوسيبيوس([147]) وثيوجنيس اعترافا بندمهما إلى الاساقفة الرئيسيين، تم إعادتهما من المنفى إلى كنائسهما الخاصة بواسطة مرسوم امبراطورى، وخلع امفيون([148]) وخريستوس([149]) Chrestus اللذين سيما محلهما. وفيما يلى نسخة من اعتذارهما المكتوب:

(1/14/2) ” لقد ظللنا نحتمل فى صمت طوال الوقت منذ أن حُكِم علينا بدون محاكمة، القرارات الصادرة من محكمتكم المقدسة. ولكن لما كان من غير المعقول أن نُحسَب بصمتنا مفترين ضد انفسنا، لذلك نعلن فى هذا الصدد أننا نتفق تماما معكم فى الايمان وأيضا بعد إمعان الفكر فى مصطلح واحد فى الجوهر consubstantial نسعى بثبات من أجل السلام وأننا لم نتبع قط الهراطقة وأننا بعدما وضعنا فى اعتبارنا سلامة الكنائس وأقنعنا تماما أولئك الذين تحت اشرافنا، فإننا وقَّعنا على إعلان الإيمان، ولكننا لم نوقع على الحرم، ليس لأننا نعترض على قانون الإيمان، ولكن بإعتبارنا لم نقتنع بالتهم الموجهة للطرف المتهَم بها سواء فى خطاباته المقدَّمة لنا، أو من أحاديثه الشخصية.

ولكن إن كان مجمعكم المقدس مقتنع [بها]، فإننا لا نعترض ونضم صوتنا لكم. وبهذا الإقرار نقدم تصديقنا وموافقتنا ليس من باب تعبنا من النفى ولكن من أجل إبعاد أية شبهة هرطقة عنا. فإذا ما فكرتم لذلك فى إعادتنا لحضرتكم ستجدوننا متفقين معا فى كل شىء وملمين بقراراتكم، وخاصة منذ بدا ملائما لقداستكم التعامل برقة مع مَن سبق إتهامه بل واستدعائه. لذلك من السخف أن نصمت ونعطى بذلك دليلا ظنيا ضد أنفسنا بينما الشخص المسؤول قد سُمح له بتبرئة نفسه من الاتهامات الموجهة ضده. فلتتعطفوا إذن بما يتناسب مع تقواكم كمحبى للمسيح بتذكرة امبراطورنا التقى وترفعوا إليه إلتماسنا، وتحددوا بسرعة ما يتم بشأننا.”

(1/14/3) هكذا كانت لهجة إلتماس يوسيبيوس[النيقوميدى] وثيوجنيس والتى أُستُدِّل منها أنهما قد وقعَّا على مواد الإيمان التى قد صدرت، ولكنهما لم يوقعا على إدانة آريوس. ويبدو أن آريوس كان قد أُعيد قبلهما([150]). ولكن على الرغم من أن ذلك قد يكون حقيقيا، غير أنه كان محظورا عليه دخول الأسكندرية. وهذا ثابت من حقيقة أنه قد حاول فيما بعد، العودة من نفسه إلى كل من الأسكندرية والكنيسة بتظاهره بالتوبة، كما سنرى فى موضعه المناسب.

الكتاب الأول: الفصل الخامس عشر

(وفاة الكسندروس بعد المجمع. سيامة اثناسيوس أسقفا للأسكندرية)

(1/15/1) وبعد ذلك بفترة وجيزة، توفى([151]) الكسندروس اسقف الأسكندرية، وأقيم أثناسيوس على تلك الكنيسة. ويروى روفينوس([152]) أنه عندما كان صبيا لعِب مع أقرانه الآخرين لعبة مقدسة، قلَّد فيها الكهنوت ورُتب الأشخاص المكرَّسين. وفى هذه اللعبة قام أثناسيوس بدور الكرسى الاسقفى، وقام الآخرون بدور الكهنة أو الشمامسة. وقد انهمك الأولاد فى هذه اللعبة فى يوم الاحتفال بذكرى استشهاد الأسقف بطرس([153]).

وتصادف أن مرَّ فى ذلك الوقت الكسندروس اسقف الأسكندرية ولاحظ اللعبة المنشغلين بها، فأرسل إلى الاولاد واستعلم عن الدور الذى قام به كل منهم فى اللعبة، مفكرا أن شيئا ما سيتم موازيا لهذا الدور الذى حدث. فأمر بأن يؤخذ الاطفال إلى الكنيسة لتعليمهم وخاصة أثناسيوس الذى رسمه بعد ذلك شماسا عندما بلغ سن الرشد.

(1/15/2) وأخذه معه إلى مجمع نيقية ليساعده فى المناقشات هناك عندما إلتأم المجمع. وقد أورد روفينوس هذه الرواية عن أثناسيوس فى كتاباته الخاصة([154]). وليست من المستحيل حدوثها، لأن أعمالا كثيرة من هذا النوع قد وقعت. ويكفى ما قيل هنا فى هذا الصدد بشأنه.

الكتاب الأول: الفصل السادس عشر

 (الإمبراطور قنسطنطين يوسع بيزنطيوم ويدعوها القسطنطينية )

(1/16/1) وبعد المجمع استراح الإمبراطور لبعض الوقت. وبعد الاحتفال بالذكرى العشرين لإرتقائه للعرش([155]). كرَّس نفسه فى الحال لترميم الكنائس. وقد نفَّذ ذلك فى سائر المدن الأخرى، وبالمثل فى المدينة التى حملت إسمه والتى كانت تُدعَى سابقا بيزنطيوم Byzantium حيث قام بتوسيعها وإحاطتها بأسوار ضخمة([156])، وزينها بالمبانى العديدة وجعلها مساوية لروما الإمبراطورية، ودعاها القسطنطينية([157])، وجعلها بالقانون تُنعَت بروما الجديدة. وقد نُقِش هذا القانون على عمود من الحجر نُصِب للعامة فى “الاستراتيجيوم”([158]) Strategium بالقرب من قاعدة تمثال الفروسية للإمبراطور([159]).

(1/16/2) وقد شيَّد أيضا فى نفس المدينة كنيستين، دعى إحداهما “إرينى”، والثانية “الرسل”([160]). ولم يُحسِّن فقط من شؤون المسيحيين، كما سبق أن قلتُ، بل أيضا دمَّر برابى الوثنيين حيث عرض أصنامهم للمشاهدة العامة كزينة لمدينة القسطنطينية، ونصب “التراى بود” ([161]) tripods الخاص بدلفى Delphe فى ميدان سباق الخيل Hippodrome علانية. وفى الحقيقة يبدو الآن من السخف ذكر تلك الأمور حيث أنها مشاهدة قبل السماع عنها.

ولكن فى ذلك الوقت حظى المسيحيون بأقصى زيادة لأن العناية الإلهية قد حفظت أمورا أخرى كثيرة جدا خلال أزمنة الإمبراطور قنسطنطين. وقد سجل يوسيبيوس بامفيليوس بعبارات التفخيم مدائح فى الإمبراطور([162]) وإننى لا أعتبر ذلك مضيعة للوقت أن أشير إليها على وجه الإيجاز حسبما أمكن.

الكتابالأول: الفصل السابع عشر

(هيلانه أم الإمبراطور تتوجه إلى أورشليم. تعثر على صليب المسيح. تبنى كنيسة)

(1/17/1) وإذ قد وُجِّهت، بحلم إلهى، هيلانه([163]) أم الإمبراطور (التى من إسمها صارت القرية التى تدعى دربانوم Drepanum، مدينة دعاها الإمبراطور هلنوبوليس([164]) Helenopolis)، ذهبت إلى أورشليم.

(1/17/2) وإذ قد وجدت تلك المدينة التى كانت تُدعى ذات يوم أورشليم([165]) خربة، مثل أشجار خريفية بلا ثمر كما يقول الرسول([166])، بحثت بإجتهاد عن قبر المسيح الذى قام منه بعد أن دُفِن فيه. وبعد مشقات كثيرة عثرت عليه. أما عن هذه المشقات فذلك ما سأوضحه بإيجاز.

(1/17/3) إن الذين آمنوا بالمسيحية بعد فترة آلامه كرَّموا للغاية قبره، أما أولئك الذين كرهوا المسيحية فقد غطوا المكان بالتراب وأقاموا عليه معبدا لفينوس ووضعوا تمثالا لها هناك غير مبالين بذكرى المكان. واستمر ذلك لزمن مديد، إلى أن صار معروفا لأم الإمبراطور. وبناء عليه أمرت بقلع التمثال ورفع الأنقاض وإزالة [تلال] التراب. وتم تطهير البقعة تماما. فإكتشفت المقبرة، وعثرت فيها على ثلاثة صلبان: ذلك الذى عُلّق عليه المسيح والآخران الخاصان باللصين اللذين ماتا معه. ووُجِد معها أيضا لوح بيلاطس الذى نقش عليه بلغات عدة أن المسيح الذى صُلِب كان ملك اليهود. ولما كان ليس من السهل معرفة أىٍ من هذه الصلبان الثلاثة هو ذلك الذى تبحث عنه أم الإمبراطور، لذا شعرت بالقلق قليلا.

(1/17/4) ولكن مكاريوس اسقف أورشليم أراحها بسرعة من هذه المشكلة وأزال الشك باليقين، إذ طلَب آية من الله ونالها. وكانت الآية هى كالآتى:

كانت هناك إمرأة من المناطق المجاورة مريضة منذ زمن طويل، وكانت آنئذ على شفا الموت. فرتب الأسقف أن يُوضَع عليها كلُ من الصلبان الثلاثة، مؤمنا أنها ستُشفى عندما تلمس الصليب المقدس. ولم يُخفق فى توقعه لأنه عندما وُضِع الصليبان اللذان لم يكونا للرب استمرت المرأة فى حالة الاحتضار. ولكن عندما وُضِع الثالث الذى كان الصليب الحقيقى، شُفيِت فى الحال واستردت عافيتها الأولى.

(1/17/5) وبهذه الطريقة تم اكتشاف الصليب الأصلى. وشيَّدت أم الإمبراطور فوق موضع القبر كنيسة ضخمة ودعتها [كنيسة] “أورشليم الجديدة”([167]) لأنها شيدتها فى مواجهة المدينة القديمة الخربة.

(1/17/6) وتركت هناك قطعة من الصليب فى صندوق من الفضة كتذكار لمن يريد أن يراها. وأرسلت الجزء الآخر إلى الإمبراطور، الذى عندما اقتنع بأنه يجب تأمين المدينة تماما حيث يجب حفظ هذا الرفات، أمر بتسويرها مع تمثاله الموجود على عمود كبير من البورفير فى ساحة تُدعَى ساحة قنسطنطين بالقسطنطينية. إننى أكتب ذلك فى الحقيقة من تقرير. ولكن جميع سكان القسطنطينية تقريبا يؤكدون أن ذلك حقيقى.

(1/17/7) وأكثر من ذلك المسامير التى سُمِّرت بها يدى المسيح على الصليب (والتى عثرت عليها أيضا أمه فى المقبرة وأرسلتها إليه) أخذها قنسطنطين وثبتها فى اللجام والخوذة التى يرتديها فى حملاته العسكرية. ووفر الإمبراطور كافة المواد اللازمة لتشييد الكنائس. وكتب إلى مكاريوس الاسقف ليُعجّل فى تشييدها([168]).

(1/17/8) وعندما أكملت أم الإمبراطور “أورشليم الجديدة” قامت بتشييد [كنيسة] أخرى ليس أقل منها على الإطلاق، فوق مغارة بيت لحم حيث وُلِد المسيح بالجسد. ولم تكتف بهذا بل شيّدت أخرى فوق جبل الصعود.

(1/17/9) هكذا كانت تقواها فى مباشرة هذه الأمور حتى أنها كانت تصلى وسط النساء وتدعو العذارى للتسجيل فى سجلات الكنائس لإعالتهن، وكانت تخدمهن بنفسها وتحضر الأطباق لهن على المائدة. وكانت أيضا سخية على الفقراء. وإذ عاشت بتقوى تُوفيت وهى فى حوالى الثمانين من عمرها. ونُقِل جثمانها إلى العاصمة “روما الجديدة”، حيث دُفِنت فى المقبرة الإمبراطورية.

الكتاب الأول: الفصل الثامن عشر

(الإمبراطور قنسطنطين يُبطل الوثنية ويشيّد كنائس عديدة فى أماكن مختلفة )

(1/18/1) وصار الإمبراطور بعد ذلك يولى اهتماما متزايدا بمصالح المسيحيين ويهجر الخرافات الوثنية فألغى مصارعات الجبابرة وأقام تماثيله الخاصة به فى المعابد.

(1/18/2) ولما كان الوثنيون يعتقدون أن سيرابيس هو الذى يجلب [فيضان] النيل لأغراض رى مصر، لأن المقياس يُنقَل عادة إلى معبده، فقد أمر الكسندروس بنقله إلى الكنيسة. وعلى الرغم من أنهم تكهنوا بعدم فيضان النيل بسبب عدم رضا سيرابيس إلاَّ أن الفيضان قد حدث مع ذلك بإنتظام فى السنة التالية وما بعدها([169])، فتبرهن بهذا على أن فيضان النيل لا يرتبط بخرافاتهم ولكن بأوامر العناية الإلهية.

(1/18/3) وفى حوالى نفس الفترة أغار بربر السارماتيين([170]) والقوط([171]) على المقاطعات الرومانية، ومع ذلك لم يقّل حماس الإمبراطور نحو الكنائس بأى حال من الأحوال، ولكنه أعد المدد الملائم لكلا الأمرين معا. وإذ وضع ثقته فى الراية المسيحية، هزم أعداءه تماما، وطرح جانبا تلك الجزية الذهبية التى كان الأباطرة السالفون يدفعونها للبربر. أما هم فإذا ذُهِلوا بالهزيمة المفاجئة غير المتوقعة آمنوا بالمسيحية التى حمت قنسطنطين.

(1/18/4) فشيَّد كنائس أخرى، إحداها عند بلوطة ممرا، التى أعلن الوحى المقدس أن ابراهيم قد استقبل عندها ملائكة. لأن الإمبراطور عندما علِم أن الوثنيين قد نصبوا مذبحا لهم عندها، وأنهم يقدمون عليه الأضاحى، انتقد يوسيبيوس القيصرى فى خطاب أرسله إليه، وأمر بإزالة هذا المذبح وإقامة بيت صلاة بجوار البلوطة. كذلك أمر بتشييد كنيسة أخرى فى هليوبوليس بفينيقية([172]) لذات السبب.

(1/18/5) فمن ناحيتى لا أستطيع أن أقرر مَن ذا الذى شرَع أصلا لسكان هليوبوليس بهذا، ولكن سماته وأخلاقه يمكن الحكم عليها من [ممارسات تلك] المدينة. إذ أن قوانين ذلك البلد تجعل النساء مشاعا بينهم. ومن ثم الأولاد المولودين هناك من نسل مشكوك فيه، لدرجة أنه ليست هناك أية صلة بين الآباء وذريتهم. كذلك العذارى يُقدَّمن للغرباء الذين يمرون هناك. فأسرع الإمبراطور بتقويم هذا الشر الذى ساد لأمد طويل بينهم. وأصدر قانونا وقورا بالعفة وأزال الشرور المخزية، ونص على الاعتراف المتبادل بالأسر. وإذ شيَّد الكنائس هناك أمر برسم اساقفة وكهنة مقدسين. وهكذا أصلح السلوك الفاسد لشعب هليوبوليس. وأزال بالمثل معبد فينوس فى أفاثا Aphaca على جبل ليبانوس([173])، وأبطل الأعمال الشائنة التى كانت تُجرَى فى الاحتفالات هناك. ولستُ فى حاجة إلى أن اصف طرده للشيطان بيثونيك Pythonic من كيليكية، بأمره بإقتلاع الدار الذى كان يتوارى فيه من أساساته.

(1/18/6) وفى الحقيقة، كم كانت تقوى الإمبراطور عظيمة حتى أنه لما عزم على شن الحرب ضد الفرس أمر بإعداد خيمة اجتماع من الكتان المطرز على غرار كنيسة مثلما فعل موسى فى البرية([174]). وأمر بإعدادها على نحو يُلائم نقلها من مكان إلى آخر لكى ما يكون له بيت صلاة حتى فى الأقاليم الصحراوية. ولكن الحرب لم تتم فى ذلك الوقت بسبب خشية الإمبراطور.

وأظن أن ذلك سيكون خارج السياق هنا أن أصف اجتهاد الإمبراطور فى إعادة بناء المدن وتحويل قرى عديدة إلى مدن، مثل دربانوم على سبيل المثال التى دعاها على اسم أمه، وقنسطانتيا فى فلسطين على إسم أخته. لأنه ليس من مهمتى إحصاء أعمال الإمبراطور، ولكن ببساطة تلك المرتبطة فقط بالمسيحية، وبصفة خاصة المتعلقة بالكنائس. ولذلك أترك تفاصيلها للآخرين الأكثر اهتماما بمثل هذه الأمور. ذلك أن إنجازات الإمبراطور المجيدة عديدة وتخص موضوعات مختلفة وتستلزم مقالات خاصة([175]).

(1/18/7) أما أنا فكنتُ سأصمت لو كانت الكنيسة قد ظلت بلا إزعاج من جراء الانقسامات. لأنه عندما لا يوفر الموضوع مادة للرواية، لا تكون هناك ضرورة لراوى. ولكن لمَّا أدت المنازعات الباطلة إلى الإضطراب وشتت فى نفس الوقت الايمان المسيحى الرسولى، فإننى وجدتُ أنه من الضرورى تسجيل هذه الأمور لكى لا تضيع جهود الكنائس نتيحة للغموض. لأن المعلومات الدقيقة لهذه الأمور تحقق شهرة بين الكنائس وفى نفس الوقت تمد ذاك الملِّم بها بضمان أكثر ضد الخطأ وتعلمه ألاَّ يبتعد بأى تعليم فارغ لجدل سوفسطائى يتصادف سماعه.

الكتاب الأول: الفصل التاسع عشر

(اهتداء سكان “الهند الداخلية” إلى المسيحية فى زمن قنسطنطين)([176])

(1/19/1) يجب أن نذكر الآن كيف انتشرت المسيحية فى عهد هذا الإمبراطور لأنه فى زمنه اعتنقت شعوب “الهند الداخلية” India interior ([177]) وايبيريا Iberia الإيمان المسيحى.

(1/19/2) ولكننى سأشرح بإختصار لماذا استخدمتُ هذه العبارة الملحقة “الداخلية”. فعندما انطلق الرسل بواسطة القرعة إلى الأمم كان نصيب توماس العمل الرسولى للبارثيين([178]) Parthians. وقرعة متى اثيوبيا، وبرثلماوس الجزء من الهند المجاور لذلك البلد. ولكن “الهند الداخلية” والتى كان يقطنها كثيرون من الشعوب البربرية والتى تستخدم لغات حية عديدة لم يستنيروا بالعقائد المسيحية قبل زمن قنسطنطين. وسأتحدث الآن عن الكيفية التى تم بها اهتدائهم إلى المسيحية.

(1/19/3) كان هناك فيلسوف صورى([179]) الجنس يُدعى ميروبيوس Meropius. هذا عزم على أن يلم بنفسه ببلاد الهنود مقتديا فى ذلك بالفيلسوف مترودورس الذى سافر قبلا خلال اقليم الهند. فأخذ معه شابين من أقاربه كانا يجهلان قطعا اللغة اليونانية([180])، وأبحر ميروبيوس بالسفينة إلى ذلك البلد. وبعدما درس كل ما يرغب فيه، رسى فى ميناء آمن بقصد التزود ببعض الضروريات. فتصادف أن كانت المعاهدة بين الرومان والهنود قد إنكسرت قبل ذلك الوقت بزمن قليل، ولذلك قبض الهنود على ميروبيوس وعلى أولئك الذين أبحروا معه وقتلوهم جميعا فيما عدا الشابين أقربائه، إذ أبقوا عليهما شفقة منهم على عمرهما الغض، وأُرسِلا كهبة لملك الهنود([181]).

(1/19/4) وإذ سُرَّ بشبابهما الشخصى، عيَّن أحدهما والذى كان اسمه إدسيوس  Edesius ساقيا عند مائدته، وعهد إلى الآخر المدعو فرومنتيوس  Frumentiusبالسجلات الملكية. وسرعان ما توفى الملك بعد ذلك بقليل وتركهم أحرارا. وانتقل الحكم إلى زوجته وابنه. وإذ رأت الملكة أن ابنها مازال قاصرا، توسلت إلى الشابين أن يتعهداه إلى سن البلوغ. فقبلا الشابان المهمة، وأدارا المملكة.

(1/19/5) وهكذا، إذ ضبط فرومنتيوس كل الأمور، اهتم بالاستعلام عما إذا كان هناك تجار من المسيحيين أو الرومان يترددون على البلد. وعندما وجد بعضا منهم، عرَّفهم بمن يكون وحثهم على اختيار مكان مناسب للإحتفال بالعبادة المسيحية. وفى غضون فترة قليلة شيَّد بيتا للصلاة وعلَّم بعض الهنود مبادىء المسيحية وأهلهم للإشتراك فى العبادة.

(1/19/6) وعندما بلغ الملك الشاب سن البلوغ، سلَّم له فرومنتيوس ورفيقه إدارة الشؤون العامة التى تعهدا بها بكل أمانة، وإلتمسا منه الإذن بالعودة إلى بلدهما. فرجاهما الملك وأمه أن يبقيا. ولكن إذ كانا تواقيَن إلى زيارة محل ميلادهما لم يستطعا الضغط عليهما، وبالتالى رحلا. فأسرع ادسيوس إلى صور ليرى والديه وأقاربه، أما فرومنتيوس فعندما وصل إلى الاسكندرية، عرض الأمر على أثناسيوس الاسقف، الذى كان قد نال هذه الكرامة حديثا([182]) وأطلعه على أسباب تغربه وعلى آمال الهنود([183]) الذين اعتنقوا المسيحية، والتمس منه أيضا أن يُرسِل اسقفا وكهنة إلى هناك وألا يُهمِل بأى حال من الأحوال أولئك العتيدين أن يأتوا إلى الخلاص.

(1/19/7) وإذ أدرك اثناسيوس كم سيكون تنفيذ هذا مفيدا، طلب من فرومنتيوس نفسه قبول هذه الاسقفية، معلنا أنه لن يقدر أن يجد شخصا أكثر ملائمة منه، وبناء عليه تم ذلك. وتقلَّد فرومنتيوس السلطة الاسقفية وعاد إلى الهند([184]) وصار كارزا هناك بالانجيل، وشيَّد كنائس عديدة مدعوما بالنعمة الإلهية، وأنجز معجزات عديدة شافيا النفوس وأيضا الأمراض الجسدية للكثيرين.

ويؤكد لنا روفينوس أنه قد سمع هذه الحقائق من ادسيوس الذى سيم بعد ذلك قسا فى صور.([185])

الكتاب الأول: الفصل العشرون

(اسلوب اهتداء الايبريين للمسيحية)

(1/20/1) ومن الملائم الآن أن نروى كيف اعتنق الايبيريون([186]) Iberians الايمان فى حوالى نفس الوقت.

كانت هناك امرأة تحيا حياة تقية ونقية، قد أُسرِت([187]) بواسطة الايبيريين، بترتيب من العناية الإلهية([188]). وكان هؤلاء الايبيريون يعيشون بالقرب من بحر أوكسينEuxine Sea ([189])، وهناك مستوطنة للأيبريين الأسبان([190]). وبالتالى مارست المرأة فى أسرها بين البربر ذات الفضيلة ولم تحافظ فقط على حياة التقشف الصارم بل أيضا قضت فترات أكثر فى صوم وصلاة. وإذ لاحظ البربر ذلك اندهشوا من غرابة سلوكها.

(1/20/2) وتصادف أن مرض ابن الملك([191]) وكان طفلا بعد فأرسلته الملكة حسب عادة البلد إلى إمرأة أخرى ليُشفَى، على أمل أن يكون لديها خبرة بعلاج ما. وبعد أن انتقل الطفل من إمرأة إلى أخرى بدون أن يُشفَى أُحضِر أخيرا إلى الأسيرة، ولم يكن لديها أية معرفة بفن العلاج ولم تطبق أى دواء مادى، لكنها أخذت الطفل وأرقدته على فراشها المصنوع من جلد جياد، فى حضور السيدات الأخريات وقالت ببساطة “المسيح الذى شفى كثيرين، يشفى هذا الطفل أيضا” ثم بعدما صلَّت عقب اعتراف الايمان هذا واستنجدت بالله، استرد الطفل فى الحال عافيته واستمر جيدا منذ تلك الفترة.

وانتشر خبر هذه المعجزة على نطاق واسع وبعيد بين نساء البربر وسرعان ما وصل إلى الملكة، وصارت الأسيرة مكرمة جدا.

(1/20/3) وليس بعد ذلك بوقت طويل، سقطت الملكة ذاتها طريحة الفراش، فأرسلت إلى المرأة الأسيرة. ولما كانت إنسانة وديعة ومتواضعة الحال، فقد اعتذرت عن الذهاب بنفسها. فحُمِلَت الملكة إليها. ففعلت المرأة لها مثلما فعلت من قبل مع إبنها، فزال المرض فى الحال. وشكرت الملكة المرأة الغريبة، ولكنها أجابت “هذا العمل ليس منى ولكنه عمل المسيح ابن الله الذى صنع العالم”. وحثتها أن تستنجد به وأن تعترف بالله الحقيقى.

(1/20/4) وإذ ذُهِل ملك الايبريين من استرداد زوجته لعافيتها فجأة، أراد أن يُكافأ من شفاها بالهبات. فقالت له أنها ليست فى حاجة إلى ثراء إذ أنها تمتلك غنى تعزيات الدين. ولكن مكافأتها كهدية أعظم، تُقدَّم لها هى الاعتراف بالإله الذى تعبده وتصرّح به. وبذلك ردت له الهبات.

(1/20/5) واحتفظ الملك بهذا الرد فى ذاكرته وخرج للصيد فى اليوم التالى، وحدثت هذه الظروف. غطى ظلام دامس وكثيف قممَ الجبال والغابات التى كان يتريض فيها، لدرجة أنه شتت رفقاءه وصارت دروبهم معقدة. وفى وسط هذه الحيرة استنجد الملك بشدة بالآلهة التى يعبدها، ولم يحظ بشىء. وأخيرا صمم على إلتماس مساعدة إله الأسيرة، وعندما بدأ بالكاد الصلاة تبددت الظلمة الناشئة عن الضباب تماما، وعاد إلى قصره مبتهجا ومتعجبا من هذا الأمر. وروى لزوجته ما قد حدث وأرسل فى الحال واستدعى الأسيرة الغريبة وطلب منها أن تعرفه بهذا الإله الذى تعبده.

(1/20/6) وعندما وصلت المرأة جعلت ملك الايبريين يصير كارزا بالمسيح، إذ أنه لما آمن بالمسيح بواسطة هذه المرأة التقية جمع سائر الايبريين الذين تحت سلطته. وبعدما أعلن لهم ما قد حدث بالنسبة لشفاء زوجته وطفله، وأيضا الظروف التى جرت معه، حثهم على عبادة إله الأسيرة. ولهذا صار الملك والملكة كارزين بالمسيح، الملك لرجاله، والملكة لنسائها. وعلاوة على ذلك إذ عرف الملك من الأسيرة شكل الكنائس التى يشيدها الرومان، أمر ببناء كنيسة. ووفر فى الحال كل الضروريات لتشييدها، وبدأ العمل على الفور.

(1/20/7) ولكن عندما شرعوا فى إقامة الأعمدة تدخلت العناية الإلهية من أجل تثبيت السكان فى الإيمان. إذ ظل أحد الأعمدة غير قابل للنقل ولم تفلح أية وسيلة فى تحريكه، وتقطعت الحبال وتهشمت الماكينات ويأس العمال أخيرا وانصرفوا. وعندئذ تدعم ايمان المرأة الأسيرة على النحو التالى: ذهبت إلى المكان ليلا دون عِلم أىَّ أحدٍ، وقضت الليل كله فى الصلاة، وبقوة الله رٌفِع العمود وارتكز فى قاعدته دون أن يلمسه أحدٌ. وعند طلوع النهار حضر الملك بنفسه الذى كان شخصا فطنا ليتفقد العمل، ورأى العمود منتصبا فى قاعدته بدون أية دعامة، فإندهش هو ومرافقوه. وبعد ذلك بقليل وأمام عيونهم ذاتها نزل العمود فى فجوته بالكامل وظل ثابتا. فصاح عندئذ الشعب معترفين بالإيمان الحقيقى للملك ومرنمين بالتسابيح لإله الأسيرة. وآمنوا منذ ذلك الوقت فصاعدا، وشيَّدَوا بقية الأعمدة وسرعان ما كمل البناء.

(1/20/8) وأرسلوا بعد ذلك وفدا إلى الامبراطور قنسطنطين طالبين التحالف مع الرومان، وتلقوا منه اساقفة وكهنة مكرَّسين، إذ آمنوا بإخلاص بالمسيح.

(1/20/9) ويقول روفينوس أنه قد علِم بهذه الحقائق من باكوريوس([192])Bacurius الذى كان فيما سبق أحد أمراء الايبريين، ولكنه ذهب بعد ذلك إلى الرومان وشغل قائد القوات العسكرية فى فلسطين، وساعد ثيودوسيوس([193]) فى الحرب ضد مكسيموس المغتصب، وأخيرا أُسندِت إليه القيادة الأعلى. وبهذه الطريقة آمن إذن الأيبريون فى عهد قنسطنطين[ الكبير] بالمسيحية.

الكتاب الأول: الفصل الواحد والعشرون

 (انطونيوس الراهب)

 

أى نوع من الرجال كان ذلك الراهب انطونيوس الذى عاش فى الصحراء المصرية فى نفس هذه الفترة تقريبا، وكيف كان يُصارع الشياطين جهارا كاشفا بوضوح أنماط حروبهم الوحشية وخداعاتهم، وكيف أنجز الكثير من المعجزات. بالطبع نحن فى غنى عن الكلام، لأن أثناسيوس اسقف الأسكندرية قد أمدنا بكتاب كامل عن سيرته([194]).

وكان هناك كثيرون مثل هؤلاء الرجال الصالحين، يعيشون فى نفس الوقت خلال سنوات الإمبراطور قنسطنطين.

الكتاب الأول: الفصل الثانى والعشرون

 (مانيس مؤسس الهرطقة المانية وأصله)

(1/22/1) ولكن فى وسط هذه الحنطة الجيدة كان من المعتاد أن ينبت زوان، لأن الشرير يعشق الكيد ضد الخير. لذا حدث قبل زمن قنسطنطين بوقت قصير أن ظهر نوع من المسيحية الوثنية إلى جانب المسيحية الحقيقية، مثل الأنبياء الكذبة الذين يبرزون بين الأنبياء الحقيقيين والرسل الكذبة وسط الرسل الحقيقيين.

(1/22/2) لأنه فى ذلك الوقت تدثرت عقيدة امبِدوكلس  Empedoclesالفيلسوف الوثنى بواسطة مانيخيوس Manichæus([195]) بشكل العقيدة المسيحية. لقد ذكر يوسيبيوس بامفيليوس هذا الشخص فى الحقيقة فى الكتاب السابع من “تاريخه الكنسى”، ولكنه لم يتعرض للتفاصيل الدقيقة الخاصة به. لذلك أحسبه من الملائم لى أن أقدم بعض الخصوصيات التى تركها بدون إشارة، لكى ما يكون معروفا جيدا مَن هو مانيخيوس، ومن أين أتى وما هى طبيعة فرضياته الجريئة.

(1/22/3) تزوج أحد الساراسيين([196]) ويُدعى سكيثيان من إمرأة أسيرة من طيبة العليا، وأقام بسببها فى مصر، وتمرس على علوم المصريين، فأدخل بمكر نظرية امبدوكلس وفيثاغورس بين عقائد الايمان المسيحى. مؤكدا أن هناك طبيعتان، واحدة صالحة والأخرى شريرة. واصطلح على نعت الأولى بالصديقة، والثانية بالمضادة مثلما فعل امبدوكلس. وكان سكيثيان هذا تلميذا لبوداس([197]) الذى كان يُدعى قبلا تربنثوس Terebinthus. وكان قد توجه إلى بابيلون حيث كان يعيش الفارسيون، وأذاع عبارات كثيرة مغالى بها عن نفسه مُعلنا أنه قد وُلِد من عذراء ونشأ فى الجبال.

(1/22/4) وهذا الرجل عينه، ألَّف فيما بعد أربعة كتب: دعا الأول السرائر، والثانى البشارة، والثالث الكنز، والرابع الرؤوس([198]). وتظاهر بإنجاز بعض الطقوس السرية، ثم انحدر إلى الهاوية بالروح([199]) وهلك. ودفنته إمرأة ما كانت تقيم فى منزله، واستولت على ممتلكاته واشترت صبيا يبلغ من العمر نحو سبع سنوات اسمه كوبريكوس اعتقته وعلَّمته تعليما حرا، وسرعان ما ماتت تاركة له كل ما قد ملكته من تربنثوس، بما فى ذلك الكتب التى كتبها عن المبادىء وغير المحفوظة لدى سكيثيان. وانسَّل كوبريكوس الرجل المحرر إلى فارس وغير اسمه إلى مانيس ونشر كتب بوداس أو تربنثوس بين أتباعه المعجبين به على أنها من كتبه.

(1/22/5) والآن، تتفق محتويات هذه المقالات ظاهريا مع المسيحية فى التعبير، ولكنها وثنية فى المفاهيم. لأن مانيس كان ملحدا فعلَّم تلاميذه الاعتراف بثنائية الآلهة وأمرهم أن يعبدوا الشمس، وأدخل أيضا عقيدة القدر منكرا الإرادة البشرية الحرة، وأكد تبدل الأجساد([200]) transmutation تابعا بجلاء امبِدوكلس وفيثاغورس والمصريين. وأنكر أن المسيح وُجِد فى الجسد مؤكدا أنه كان شبحا، ورفض أكثر من ذلك الناموس والأنبياء ودعَى نفسه المعزى، وكانت كل عقائده بالإجمال ضد ايمان الكنيسة الأرثوذكسي. وتجاسر أن يدعو نفسه فى رسائله بالرسول. ولكن نظرا لهذا الادعاء غير المؤسس جلب على نفسه القصاص الذى يستحقه على النحو التالى:

(1/22/6) حدث أن داهم المرض ابن ملك الفرس، فقلِق أبوه من أجل شفائه ولم يدع وسيلة لم يستخدمها من أجل هذا الغرض. فلما سمع عن مانيخوس صانع العجائب وظن أن هذه العجائب حقيقية أرسل اليه كرسول واثقا أنه بواسطته سيُشفى ابنه. فتقدَّم هو بدوره بنفسه للبلاط، وإدعى أنه سيتعهد بشفاء الأمير الشاب. ولكن الفتى مات بين يديه، فأمر الملك بسجنه بقصد إعدامه. ومع ذلك فلح فى الهرب، فهرب إلى بلاد ما بين النهرين. ولكن ملك الفرس عندما علِم بأنه يقيم هناك أمر بإحضاره بالقوة، وبعد القبض عليه سلخ جلده وعلَّقه على بوابة المدينة.

(1/22/7) هذه الأمور التى ندونها لم نختلقها نحن من أنفسنا ولكننا استخلصناها من الكتاب المعنون “مجادلات ارخيلاوس اسقف كاشرا”([201]) Caschara  (وهى إحدى مدن ما بين النهرين) لأن أرخيلاوس نفسه يدون أنه قد جادل مانيخيوس وجها لوجه ويذكر الظروف المرتبطة بحياته التى أشرنا إليها الآن. وهكذا ابتهج الشرير كما لاحظنا سابقا، فى العمل بخبث فى وسط حالة الأمور المتيسرة.

(1/22/8) ولكن ما سبب سماح صلاح الله بحدوث مثل هذا الأمر، سوى أنه يرغب فى تنشيط مبادىء الكنيسة السامية بهذه الوسيلة، ولكى يقضى تماما على الأهمية الذاتية التى تمنع الارتباط بالايمان. وإلاَّ ما هو السبب الآخر فى نفس الوقت وهو سؤال صعب وليس ملائما للمناقشة الحالية. لأن غايتنا ليست مناقشة صحة الآراء العقيدية، ولا أن نحلل الأسباب السرائرية للعناية الإلهية والقضاء الإلهى، ولكن أن نفصل على قدر الامكان تاريخ المعاملات التى جرت فى الكنائس.

(1/22/9) وهكذا وصفنا خرافات مانيخيوس التى برزت قبل زمن قنسطنطين بوقت قصير. والآن لنعد إلى الازمنة والأحداث المناسبة لموضوع هذا التاريخ.

الكتاب الأول: الفصل الثالث والعشرون

(يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينيس بعدما استردا الثقة، يدبران المكائد ضد أثناسيوس)

(1/23/1) ولما عاد يوسيبيوس وثيوجنيس من منفاهما. وأُعيد تثبيتهما على كرسيّهما بعدما طُرِد أولئك الذين قد سيموا فى محلهما. وصارا، أكثر من ذلك، محل تقدير كبير لدى الإمبراطور، وكرَّمهما للغاية بوصفهما قد عادا من الضلال إلى الإيمان الأرثوذكسي. انتهزا مع ذلك، هذه الرخصة التى نالاها وأثارا اضطرابا أعظم فى العالم عما قد فعلاه سابقا. وكان يدفعهما إلى هذا عاملان: أولهما عدوى الهرطقة الاريوسية التى أصيبا بها سابقا، من ناحية. ومن ناحية أخرى، العداوة المرة لأثناسيوس الذى قاومهما بشدة فى المجمع عندما كانت بنود الايمان محل نقاش. فإعترضا أولا على سيامة أثناسيوس على أساس أنه جزئيا شخص غير جدير بالتدبير وجزئيا لأنه سيم بواسطة أشخاص غير كفاة.

ولكن عندما أظهر أثناسيوس نفسه بأنه شخص فوق مستوى هذه الافتراءات (لأنه إذ تقلد إدارة كنيسة الأسكندرية حافظ بحماس على قانون نيقية) اجتهد يوسيبيوس للغاية فى عزل أثناسيوس بمكر وإدخال الأريوسية. فكتب لذلك إلى أثناسيوس يُرغبه فى العلن ولكنه كان يتوعده.

(1/23/2) ولمَّا لم يستجب أثناسيوس بأى حال من الأحوال لهذا، سعى إلى حث الإمبراطور على أن يُعطى اريوس فرصة، ويسنح له بالعودة إلى الأسكندرية. واستطاع بأسلوب ما الحصول على طلبه، وسأذكر فى الموضع المناسب كيفية ذلك.

(1/23/3) وفى نفس الوقت قبل أن يثور هذا الاضطراب الثانى فى الكنيسة، ويفقد أبناؤها السلام ثانية، يقول يوسيبيوس([202]) بامفيليوس أنه عقب المجمع مباشرة، طوَّحت الإنقسامات الشديدة بمصر، دون أن يذكر سبب ذلك لدرجة أن عمله اكتسب شهرة بسبب ذلك بأنه يفتقر إلى الأصالة، وتجنبه لتحديد أسباب الشقاقات بسبب تصميمه على عدم اعطاء حكم على اجراءات نيقية.

(1/23/4) ولكن كما تبين لنا من الرسائل العديدة التى كتبها الاساقفة، لبعضهم البعض بعد المجمع، كان مصطلح “هومووسيوس” هو سبب انزعاج البعض. فعندما انشغلوا بتمحيص أهمية المصطلح بأكثر تدقيق بدأوا فى النزاع ضد بعضهم بعضا. وبدا الأمر مبهما لأن أيا من الطرفين لم يحاول فهم الأسس التى على أساسها أدان كل منهما الآخر على وجه التحديد. فأولئك الذين اعترضوا على كلمة “هومووسيوس” اعتقدوا أن الذين يتمسكون به يتبنون آراء سابيليوس([203]) ومونتانوس([204])، ومن ثم اعتبروهم مجدفين بوصفهم يلغون وجود ابن الله. وأما مشايعو هذا المصطلح فقد دمغوا معارضيهم بالتعددية ناظرين إليهم على أنهم يُدخِلون خرافات وثنية. فيوستاثيوس  Eustathiusاسقف انطاكيا يتهم يوسيبيوس بامفيليوس بالمروق عن قانون ايمان نيقية،  فأنكر يوسيبيوس أنه نقض شرح الإيمان، وقابل السب بمثله قائلا أن يوستاثيوس كان مدافعا عن رأى سابيليوس.

(1/23/5) ونتيجة لسوء الفهم هذا كتب كل منهما كما لو كان يُصارع ضد خصوم. فعلى الرغم من أن كلا من الطرفين، يُسلمان، بأن ابن الله هو اقنوم له وجود مميز والجميع يعترف أن هناك إله واحد فى ثلاثة أقانيم، ولكن لأى سبب لم يتفقوا مع بعضهم بعضا، ولم يكن لذلك بينهم سلام، فذلك ما لم استطع القطع به.

الكتاب الأول: الفصل الرابع والعشرون

(مجمع انطاكية وعزل يوستاثيوس اسقف انطاكية. الهياج وخراب المدينة)

(1/24/1) وعندما انعقد مجمع فى انطاكية، خلعوا يوستاثيوس كمؤيد للهرطقة السابيلية أكثر من [تأييده] المفاهيم التى صاغها مجمع نيقية. وكما يؤكد البعض [أُخِذ هذا المعيار فى الحسبان]([205]) لأسباب أخرى غير مقنعة، على الرغم من عدم تحديد أى منها صراحة. وكانت تلك هى الحالة العامة، حيث اعتاد الاساقفة أن يفعلوا ذلك فى جميع الحالات، متهمين دائما مَن يقاضوه بالكفر دون أن يشرحوا هذا الاجراء.

(1/24/2) ويؤكد لنا جورج اسقف لاودكية([206])Laodicea  بسوريا الذى كان أحد أولئك الذين كانوا يمقتون مصطلح “هومووسيوس” فى [عمله] ” Encomium of Eusebius Emisenus” أنهم قد عزلوا يوستاثيوس بوصفه مشايعا للسابيلية. و[كذا] عند قدح كيروس اسقف بيرية ([207]) Berœa. وسوف نتكلم عن يوسيبيوس اميسينوس فى موضع آخر مناسب([208]). وكتب جورج عن يوستاثيوس [على نحو غير متناسق]([209]) إذ أنه بعدما صرَّح أنه قد أتهم من كيروس بأنه يشايع السابيلية، قال لنا ثانية أن كيروس ما كان ليتهم يوستاثيوس بالسابيلية، إذ أنه هو نفسه مال إلى السابيلية ومن ثم يبدو من المرجح أن يوستاثيوس قد أدين على أسس أخرى.

(1/24/3) ومع ذلك، نشأ فى انطاكية فى ذلك الوقت شقاق خطير نتيجة العزل. لأنه عندما بدأوا فى إجراءات ترشيح خليفة له اندلع شغب خطير هدد المدينة بأسرها بالخراب. وانقسم الشعب إلى فريقين، أحدهما انحاز بحماس إلى نقل يوسيبيوس بامفيليوس من قيصرية فلسطين إلى انطاكية، وأصرَّ الفريق الآخر بالمثل على إعادة تنصيب يوستاثيوس. وكان الفريقان مدوفعيّن بروح الفرقة فى هذه المعركة بين المسيحيين، فتسلحوا بقوة عسكرية فى الجانبين بدافع الكراهية لدرجة أن صراعا دمويا كان على وشك الوقوع لولا أن أخمد الله، ورعب الإمبراطور، غضب الجماهير. فالامبراطور بواسطة رسائله، ويوسيبيوس برفضه قبول الاسقفية، ساعد على اخماد الحمية.

(1/24/4) وأُعجِب الإمبراطور للغاية بذلك الاسقف وكتب إليه مادحا فطنته ومهنئا له كأحد الذين يستحقون ليس اسقفية مدينة واحدة بل العالم كله تقريبا. وبناء عليه قيل أن كرسى انطاكية قد ظل شاغرا لمدة الثمانى سنوات التالية([210])، إلى أن تمكن أخيرا أولئك الذين كانوا يجتهدون فى القضاء على قانون ايمان نيقية، بإحتيال من تعيين يوفرونيوس([211])Euphronius. هذه هى معلوماتى عن مجمع انطاكية الخاص بيوستاثيوس.

(1/24/5) وعقب هذه الأحداث، اجتهد يوسيبيوس بشؤون حزبه بشدة، وكان قد ترك منذ أمد طويل سابقا بيريتس([212]) وكان يرأس فى ذلك الوقت نيقوميديا، لإعادة أريوس إلى الأسكندرية. ولكن بأى وسيلة استطاع أن يُقنع الإمبراطور بإستقبال اريوس واوزيوس فى حضرته، فهذا ما يجب أن ارويه الآن.

الكتاب الأول: الفصل الخامس والعشرون

(الكاهن([213]) الذى اجتهد لأجل عودة اريوس)

(1/25/1) كان للإمبراطور قنسطنطين أخت تدعى قنسطانتيا، وهى أرملة ليسينيوس الذى شارك قنسطنطين فى السلطة الإمبراطورية لفترة ما، ولكنه قام بأعمال طاغية فقُتِل بالتالى. وكانت هذه الأميرة تثق فى كاهن ما مشايعا للمفاهيم الأريوسية. فلما حرَّضه يوسيبيوس وآخرون، انتهز ألفته مع قنسطانتيا وأوحى إليها أن المجمع الذى عُقِد ضد أريوس كان ظالما وأن التقارير التى قُدِّمت ضده لم تكن صحيحة. ولأن قنسطانتيا كانت تثق فيه بالكلية فقد أولت تأكيدات القس كل عناية، ولكنها لم تجرؤ على نقلها إلى الإمبراطور.

(1/25/2) ثم حدث أن مرضت مرضا خطيرا، وجاء أخوها لزيارتها يوما ما. وإذ كان المرض قد استفحل وأوشكت على الموت عهدت بالقس للإمبراطور وشهدت بتقواه واجتهاده وأيضا بولائه للسلطة، وسرعان ما ماتت بعد ذلك.

(1/25/3) وصار القس بناء على ذلك أحد الأشخاص الذين يحظون بثقة الإمبراطور. وإذ ازدادت حريته فى الكلام، كرر أمام الإمبراطور ما قاله قبلا لأخته مؤكدا أن أريوس لم تكن له آراء أخرى خلاف تلك التى أقرها المجمع، وأنه إذا سُمِح له بالمثول فى حضرة الإمبراطور فإنه سيُقدِّم تأكيدا وافيا على أنه يتمسك بكل ما سنَّه المجمع. وعلاوة على ذلك، أضاف أنه قد حُكِم عليه بغير عدلٍ.

(1/25/4) وبدا كلام القس غريبا على الإمبراطور وقال “إذا وقَّع اريوس على [قرارات] المجمع واعتنق عقائده فإننى سأهبه المثول وأيضا الرجوع إلى الأسكندرية بإكرام”. وإذ قال ذلك كتب إليه على الفور هذا الكلام:

“قنسطنطين مكسيموس اوغسطس المنتصر إلى اريوس. بلغنى أن قدسك قد رغبت فى وقت ما فى الحضور إلى بلاطى لكى ما تحظى بمقابلة معنا، وإننى أعجب لماذا لم تفعل ذلك فورا. ولذلك استقل مركبة عامة وأسرع بالوصول إلينا لكى ما تختبر كرمنا وتنال عودتك إلى وطنك. ليحفظك الله أيها الحبيب.”

(1/25/5) هذا كان الخطاب الذى أرسله الإمبراطور إلى اريوس ومؤرخ بالخامس والعشرين من نوفمبر. وإنه لا يسعنى إلا أن اتعجب من الغيرة الحارة التى أظهرها الإمبراطور نحو الدين إذ يبدو من هذا المستند أنه حث اريوس مرارا على العدول عن وجهة نظره حيث أنه ينتقد تأخره فى العودة إلى الحق على الرغم من أنه قد كتب إليه مرارا.

(1/25/6) وعند استلامه لهذه الرسالة، حضر اريوس إلى القسطنطينية مصحوبا باوزيوس الذى جرده الكسندروس من الشموسية عندما حُرِم اريوس وأنصاره. وسمح لهما الإمبراطور بالمثول فى حضرته، وسألهما عما إذا كانا يوافقان على قانون الايمان أم لا. وعندما أبديا موافقتهما أمرهما بتقديم إقرار ايمانهما كتابة له.

الكتاب الأول: الفصل السادس والعشرون.

(اريوس يقدم اقرارا للإمبراطور، ويتظاهر بقبول قانون نيقية)

فحررا الإقرار التالى، وقدماه إلى الإمبراطور:

“اريوس واوزيوس إلى سيدنا التقى والديّن الامبراطور قنسطنطين. بناء على أمر تقواكم ايها السيد المبجل نعلن هنا ايماننا ونقر أمام الله كتابة أننا وأتباعنا نؤمن بما يلى:

“نؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل. وبرب واحد يسوع المسيح ابنه المولود من الآب قبل كل الدهور، الله الكلمة، الذى به كان كل شىء، ما يُرى وما لا يُرى، مما فى السماء وما على الأرض، الذى تنازل وصار انسانا، وتألم وقام ثانية وصعد إلى السموات، وسيأتى ثانية ليدين الأحياء والأموات. وأيضا بالروح القدس. وبقيامة الأجساد، وبالحياة فى الدهر الآتى، وبملكوت السماوات، وبكنيسة الله الجامعة الواحدة الممتدة من أقاصى الأرض إلى أقاصيها.

وهذا الإيمان، هو الذى استلمناه من الأناجيل المقدسة عندما قال الرب لتلاميذه([214]) “اذهبوا وعلّموا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”. فإذا كنا لا نؤمن ولا نقبل بالحقيقة الآب والابن والروح القدس، كما علّمنا الكتاب المقدس(الذى نؤمن به من جميع النواحى) وتُعلِّمنا الكنيسة الجامعة كلها، فإن الله يديننا الآن وفى الدينونة الآتية.

لذلك نلتمس من تقواكم، أيها الإمبراطور التقى، أن تعيدنا بتقواكم السلامية بصفتنا أشخاص مكرسون للخدمة ونتمسك بإيمان ومفاهيم الكنيسة، والأسفار المقدسة إلى أمنا الكنيسة. ولنتجنب سائر المنازعات والمجادلات التى لا لزوم لها([215]) لكى ما نكون جميعا نحن والكنيسة كلها فى سلام ولنقدّم معا صلواتنا المعتادة من أجل هدوء المملكة، وبالنيابة عن عائلتكم”.

الكتاب الأول: الفصل السابع والعشرون

(عودة اريوس إلى الأسكندرية بموافقة قنسطنطين. أثناسيوس لا يقبله. اتهامات حزب يوسيبيوس النيقوميدى لأثناسيوس)

(1/27/1) وهكذا إذ أقنع اريوس الإمبراطور، عاد إلى الأسكندرية. ولكن حيلته لم تفلح. لأنه عند وصوله إلى الأسكندرية لم يستقبله أثناسيوس بل ابتعد عنه كطاعون. فحاول أن يثير نزاعا جديدا فى تلك المدينة بنشر هرطقته.

(1/27/2) ثم كتب هو ويوسيبيوس([216]) إلى الإمبراطور لكى ما يُعاد قبول اريوس وانصاره فى الكنيسة. ومع ذلك رفض أثناسيوس بتاتا قبولهم وكتب إلى الإمبراطور يُعلِمه أنه من المستحيل قبول أولئك الذي رذلوا الايمان، وحُرِموا فى الشركة ثانية عند عودتهم.

(1/27/3) ولكن هذا الرد أغضب الإمبراطور، فهدَّد اثناسيوس بالكلام التالى

“حيث أنك عارضت إرادتى ووضعت العراقيل أمام الراغبين فى الانضمام إلى الكنيسة، فإنه إذا بلغنى أنك قد منعت أحدا ما من الراغبين فى الاتحاد ثانية بالكنيسة أو عرقلت قبولهم فإننى سأرسل فى الحال مَن يعزلك بأمرى ويطردك، إلى المنفى”.

لقد كتب الإمبراطور هكذا، من رغبته فى الصالح العام ولأنه لم يشأ أن يرى انشقاقا فى الكنيسة لأنه اجتهد بحماس لجعل الجميع فى انسجام([217]).

(1/27/4) وتخيل حزب يوسيبيوس([218]) المستائين من أثناسيوس أنهم قد وجدوا فرصة مواتية ورحبوا بغضب الإمبراطور كعامل مساعد فى تحقيق مآربهم الخاصة. فأثاروا فى هذا الصدد اضطرابا كبيرا وسعوا إلى عزل أثناسيوس من الاسقفية، إذ أنهم شعروا أن التعليم الاريوسى لن يسُد هناك إلاَّ عندما يُعزَل فقط أثناسيوس. وكان الخصوم الرئيسيون ضده، يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجنيس اسقف نيقية، وماريس اسقف خلقيدون، وأورساكيوس [اسقف] سينجدنوم Singidnum من موسيا Mœsia العليا، وفالنس اسقف مورسا  Mursaفى بانونيا العليا. وهؤلاء الأشخاص رشوا أتباع الهرطقة الميليتية لإختلاق التهم ضد أثناسيوس. فإتهموه أولا عن طريق اسيون الميليتى وادمون([219]) وكالينيكوس([220]) أنه قد أمر المصريين أن يدفعوا كجزية الثياب الكتان لكنيسة الأسكندرية. ولكن هذه الفرية قد دُحِضت فى الحال بواسطة الكاهنين بكنيسة الأسكندرية البيوس ومكاريوس اللذين تصادف وجودهما آنذاك فى نيقوميديا وأقنعا الإمبراطور بزيف هذه الإدعاءات ضد أثناسيوس.

(1/27/5) لذلك انتقد الإمبراطور بشدة المدعين، وحث أثناسيوس على المجىء إليه. ولكن قبل وصوله أضاف حزب يوسيبيوس إلى اتهامه السابق اتهاما آخر يعد أخطر من الاتهام السابق إذ اتهموه بتدبير المكائد ضد الإمبراطور وأنه أرسل بهدف الخيانة كيسا مملوءَ بالذهب إلى فيلومينوس. ومع ذلك عندما فحص الإمبراطور هذا الادعاء بنفسه فى ابساماثيا Psamathia التى هى إحدى ضواحى نيقوميديا، وجد أن أثناسيوس بريئا. فشيعه بإكرام وكتب بيده إلى كنيسة الأسكندرية ليؤكد لهم أن أسقفهم قد أُتُهِم باطلا.

(1/27/6) وفى الحقيقة من المرغوب فيه والملائم أن نعبر فى صمت على الهجمات اللاحقة التى شنها يوسيبيوس ضد أثناسيوس لئلا تُدان كنيسة المسيح بغير عدل من قِبل أولئك الذين هم خصوم لمصالحها([221]). ولكن إذ أننا ملزمون بالكتابة، وقد صارت معروفة للجميع، فإننى أحسبه من الضرورى الإشارة إلى هذه الأمور على قدر ما يُمكن، حيث أن تفاصيلها تتطلب مقالات خاصة. وإننى سأدون بإختصار هنا سمات أولئك الذين اختلقوا هذه التهم ومن أين نشأت اساسا.

(1/27/7) هناك عدة قرى فى ماريوتيس Mareotes احدى ضواحى الأسكندرية([222]) مكتظة بالسكان، وبها كنائس عديدة فاخرة. وهذه الكنائس جميعها تحت اشراف اسقف الأسكندرية، وخاضعة لمدينته كإيبارشية. وكان هناك فى هذا الاقليم شخص يسمى اسخيراس Ischyras، كان مذنبا بذنب يستوجب ميتات كثيرة([223]). لأنه على الرغم من أنه لم ينل أية رتبة كنسية مقدسة حمل جهرا لقب قس ومارس الخدمات المقدسة الخاصة بالكهنوت([224]). وعندما أكتُشِف انتهاكه للمقدسات هرب من ثم إلى نيقوميديا طالبا اللجوء وملتمسا حماية حزب يوسيبيوس الذين من فرط كراهيتهم لأثناسيوس لم يقبلوه فقط كقس، بل ووعدوه أيضا بمنحه كرامة الاسقفية إذا ما صاغ اتهاما ضد أثناسيوس، واصغوا إلى أية قصص اختلقها من أجل ذلك.

(1/27/8) وأشاع خبرا أنه قاسى على نحو مرعب من غارة [عليه]، قام بها مكاريوس ([225])بوحشية، واندفع فيها نحو المذبح وقلب المائدة المقدسة، وكسر الكأس السرائرية. وأضاف أيضا أنه قد أحرق الكتب المقدسة. وكمكافأة أيضا على هذا الاتهام، وعده حزب يوسيبيوس، كما قلتُ بالأسقفية متطلعين إلى ضم الاتهامات ضد مكاريوس إلى جانب تلك الموجهة ضد اثناسيوس الذى بناء على أوامره قد تصرَّف. ولكن هذه التهمة قد أدرجوها فيما بعد قبل أن يختلقوا تهمة أخرى مملوءة بأشر خبث، وهى التى سأتحدث عنها الآن.

(1/27/9) لقد حصلوا بوسيلة ما لا أعرف ما هى، على يد إنسان. وسواء أقتلوا هم شخصا ما وقطعوا يده، أم قطعوا يد من جسد ميت ما، الله وحده هو الذى يعرف وأولئك الذين قاموا بهذا العمل. على أية حال ليكن ما يكن، وأعلنوا جهرا أنها يد ارسينيوس الاسقف الميليتى، بينما اخفوا المالك المزعوم. وأكدوا أن هذه اليد استخدمها أثناسيوس فى أغراض سحرية([226]).

(1/27/10) وبذلك تكدست التهم الثقيلة التى اختلقها هؤلاء المفترون ضد أثناسيوس. ولكن كما يحدث بصفة عامة حضر جميع المدعين ضد أثناسيوس فى نفس الوقت بتهم أخرى متعددة. وعندما علِم الإمبراطور بهذه الإجراءات كتب إلى ابن أخيه([227])، دالماتيوس المراقب([228]) الذى كان يقيم آنذاك فى انطاكية بسوريا وأمره بإحضار الأطراف المتهمة إليه، وبعد فحصهم يوّقع عليهم العقوبات التى يقتنع بها. وأرسل إلى هناك أيضا يوسيبيوس وثيوجنيس لكى ما تُفحص القضية فى حضورهم.

(1/27/11) وعندما علِم أثناسيوس بأنه مستدعى للمثول أمام الرقيب أرسل إلى مصر للتفتيش الدقيق عن ارسينيوس لأنه تأكد، فى الحقيقة، أنه مخفى هناك، ولكنه غير قادر أن يعرف أين لأنه كان يُغيّر محل اقامته مرارا. وفى نفس الوقت أجَّل الإمبراطور نظر المحاكمة التى كان من المفترض أن تتم أمام الرقيب بسبب ما يلى:

الكتاب الأول: الفصل الثامن والعشرون

 (انعقاد مجمع صور)

(1/28/1) كان الإمبراطور قد أمر بحضور مجمع من الاساقفة لتدشين الكنيسة التى أقامها فى أورشليم، وبناء عليه رتب كأمر ثانوى أن يجتمعوا أولا وهم فى طريقهم [إلى هناك] فى صور لفحص الاتهامات الموجهة ضد أثناسيوس لإزالة كل أسباب النزاع هناك قبل أن يحتفلوا بمراسيم التدشين لكنيسة الله. وكان ذلك فى السنة الثالثة عشر من حكم قنسطنطين([229]).

(1/28/2) فإجتمع ستون اسقفا([230]) فى صور من أماكن عديدة، فى حضور ديونيسيوس القنصل. وأُحضِر مكاريوس القس مقيدا بالأغلال فى صحبة عسكرية، بينما كان أثناسيوس غير راغب فى الذهاب إلى هناك، ليس خوفا لأنه كان بريئا من هذه التهم، وإنما كان خائفا من حدوث أية ابتداعات ضد قرارات مجمع نيقية. ومع ذلك، اضطر إلى الذهاب نظرا لخطابات التهديد من الإمبراطور لأنه كتب إليه أنه إذا لم يحضر من نفسه إختياريا، فسيتم إحضاره بالقوة.

الكتاب الأول: الفصل التاسع والعشرون

 (ارسينيوس ويده المقطوعة)

(1/29/1) وقادت العناية الإلهية الخاصة ارسينيوس أيضا إلى صور لأنه على النقيض من تحذيرات المدعين الذين رشوه، توجه إلى صور خفية ليرى ما سيجرى هناك.([231])

(1/29/2) وتصادف أن سمع خدم ارخيلاوس حاكم المقاطعة، على نحو ما، بعض الأشخاص فى حانة يؤكدون أن ارسينيوس الذى قيل أنه قد قُتِل مختبىء فى منزل أحد المواطنين. وإذ سمعوا هذا وحددوا الاشخاص الذين اذاعوا هذا الخبر، اعلموا سيدهم الذى أمر بالتفتيش الدقيق عن الرجل فى الحال. ولما عثروا عليه احتفظوا به فى مكان آمن، وأُخطِر أثناسيوس أنه ليس فى حاجة إلى أى دليل لأن ارسينيوس حى وأنه حاضر هناك.

(1/29/3) وفى البداية أنكر ارسينيوس أنه هو شخصيا، ولكن بولس اسقف صور الذى كان يعرفه سابقا، أكدَّ شخصيته. وهكذا قلبت العناية الإلهية الأمور رأسا على عقب.

(1/29/4) وظهر أثناسيوس بعد ذلك بوقت قصير أمام المجمع. وبمجرد أن قدَّم نفسه عرض المفترون اليد وركزوا على الاتهام. فأدار الأمور بفطنة عظيمة، إذ استعلم من الحاضرين وأيضا من المدعين عليه عن الأشخاص الذين يعرفون ارسينيوس. فأجاب عديدون أنهم يعرفونه. فأمر بإدخال ارسينيوس وذراعيه مستتران بعباءة. ثم سألهم مرة أخرى “هل هذا هو الشخص الذى فقد يده”؟. فذُهِل الجميع من هذا الاجراء غير المتوقع، ما عدا أولئك الذين يعرفون مَن ذا الذى قُطِعت يده، لأن الباقين كانوا يظنون أن ارسينيوس قد قُطِعَت يده حقيقة، وتوقعوا أن المدعَّى عليه سيقدِّم دفاعه بطريقة أخرى. ولكن أثناسيوس رفع العباءة عن ارسينيوس من أحد الجانبين وآراهم إحدى يديه. ومرة أخرى، بينما كان البعض يفترض أن اليد الأخرى هى المقطوعة، جعلهم يظلون فى شكهم لبرهة، ثم رفع العباءة من الجانب الآخر، وعرض يده الأخرى. وعندئذ خاطب الحاضرين، وقال هوذا ارسينيوس كما ترون بيدين، وعلى المدعين أن يخبروكم ممن قُطِعَت اليد الثالثة”([232]).

الكتاب الأول: الفصل الثلاثون

 (هروب المدعين عليه)

وإذ انتهى أمر ارسينيوس على هذا النحو، وصار المفترون فى حيرة شديدة، انسل آخاب ([233]) المدعو يوحنا أحد المفترين الرئيسين من المحكمة فى اثناء الجلبة وهرب. وهكذا برأ أثناسيوس نفسه من هذه التهمة دون الالتجاء إلى أى التماس إذ كان واثقا أن مجرد ظهور ارسينيوس حيا سيخزى جميع المفترين.

الكتاب الأول: الفصل الواحد والثلاثون

(الاساقفة لا يصغون إلى أثناسيوس فى الدفاع الثانى. لجوءه إلى الإمبراطور )

(1/30/1) ولكن فى دحضه للفرية الزائفة ضد مكاريوس اتخذ الطرق القانونية فاستبعد أولا يوسيبيوس وحزبه كأعداء، واحتج ضد عدم شرعية محاكمة أى شخص بواسطة خصومه. ثم أصر على أن الشاكى اسخيرون لم يحصل حقيقة على كرامة الكهنوت، ومن أجل ذلك هو متهم بالتزييف والتدليس.

(1/30/2) ولكن لما كان القضاة غير راغبين فى قبول هذه الاعتراضات فقد تناولوا قضية مكاريوس. وإذ وجد المدعون الأدلة غير كافية، تم تأجيل مناقشة القضية إلى حين توجه بعض الأشخاص إلى ماريوتس لفحص النقاط المشكوك فيها فى ذات الموقع.

(1/30/3) وإذ رأى أثناسيوس أن نفس الأشخاص المزمع إرسالهم لفحص الأمر هم نفس الأشخاص الذين استبعدهم (لأن المرسلين كانوا ثيوجنيس وماريس وثيودورس ومقدونيوس وفالنس وارسينيوس) تعجب من أن الاجراءات بها غدر وتدليس، لأنه من الظلم أن يُقيَّد مكاريوس القس بالأغلال بينما يُسمَح للشاكى والقضاة الذين هم خصومه بالذهاب ليجمعوا الحقائق من الموقع”([234]). وإذ أعلَن هذا الاحتجاح أمام كل المجمع وأمام ديونيسيوس حاكم المقاطعة، ووجد عدم اهتمام بدفاعه من أىّ أحدٍ انسحب. وأما أولئك الذين أُرسَلُوا إلى ماريوتس بعدما تحروا، زعموا أن ما قد قاله الشاكى صحيح.

الكتاب الأول: الفصل الثانى والثلاثون

 (رحيل أثناسيوس. عزل المجمع له)

وعندما رحل أثناسيوس أسرع إلى الإمبراطور، وأدانه المجمع غيابيا. وعندما قُدِّم تقرير الوفد الذى توجه إلى ماريوتس للاستعلام، صوتوا بخلعه، ناعتين إياه بألقاب مشينة فى حكم العزل، ولكنهم صمتوا تماما بالنسبة للهزيمة المشينة التى لحقت بالمفترين فى قضية القتل. وأكثر من ذلك، قبلوا فى الشركة ارسينيوس الذى زعموا أنه قد قُتِل، والذى كان قبلا اسقفا من هرطقة مليتيوس وكان قد وقع على عزل اثناسيوس بوصفه اسقفا لمدينة هبسلوبوليس Hypselopolis.

هكذا من خلال ظروف غير عادية صار الضحية المزعوم اغتياله من قِبل أثناسيوس مشتركا فى خلعه.

الكتاب الأول: الفصل الثالث والثلاثون

(انتقال اعضاء المجمع من صور إلى أورشليم للتدشين. قبولهم لاريوس)

(1/33/1) ووصلت رسائل من الإمبراطور إلى أعضاء المجمع للإسراع بالتوجه إلى “أورشليم الجديدة”([235])، للإحتفال بالتدشين. فتركوا صور فى الحال وتوجهوا بسرعة إلى أورشليم. وبعدما احتفلوا بتدشين المكان، أعادوا قبول اريوس([236]) وانصاره فى الشركة طاعة، كما قالوا، لرغبات الإمبراطور الذى أمرهم فى اتصالاته بهم أنه راضٍ تماما عن ايمان اريوس واوزيوس.

(1/33/2) وأكثر من ذلك، كتبوا إلى كنيسة الأسكندرية([237]) مقررين أن كل حسد قد زال الآن، وتأكد سلام الكنيسة. وأنه إذ عاد اريوس إلى الاعتراف بالحق، فمن الصواب أن يكون عضوا بالكنيسة من الآن فصاعدا، وأنه يتعين عليهم قبوله أيضا، وألمحوا إلى عقوبة أثناسيوس. وفى نفس الوقت ارسلوا إلى الإمبراطور معلومات بما قد تم بعبارات مثل هذه تقريبا.

(1/33/3) ولكن بينما كان الاساقفة منهمكين فى هذه الاجراءات، وردت رسائل أخرى غير متوقعة من الإمبراطور تخبرهم بأن أثناسيوس قد فر إليه طلبا للحماية، وأنه من الضرورى حضورهم إلى القسطنطينية بسبب ذلك. وكانت هذه المراسلات من الإمبراطور كما يلى:

الكتاب الأول: الفصل الرابع والثلاثون

(استدعاء المجمع إلى القسطنطينية لفحص الإمبراطور للتهم الموجهة إلى أثناسيوس بنفسه)

(1/34/1) “قنسطنطين المنتصر مكسيموس اوغسطس إلى الاساقفة المجتمعين فى صور. اننى لا أعلم، فى الحقيقة، القرارات التى صدرت من مجلسكم وأدت إلى عاصفة وجلبة شديدة من قِبل البعض بسبب هذه الفوضى والإخلال بالنظام. لأنه يمكن أن يُقال أنه من خلال حبكم للنزاع المتبادل ورغبتكم على ما يبدو فى استمراره، قد أهملتم تلك الأمور المقبولة لدى الله. ومع ذلك فإننى أثق أن العناية الإلهية سوف تبدد النتائج الضارة لهذا التنافس الغيور سريعا حالما تُكتَشف وتظهر واضحة لنا. وسواء أنتم المجتمعون قد راعيتم الحق أم لا، وسواء أكانت قراراتكم فى المواضيع التى عُرِضت عليكم للبت فيها قد أُتُخِذت بتحيز أم لا. فعليكم الحضور الىَّ لكى ما تُقدموا لى تقريرا مجددَّا بشأن اجراءاتكم. ولكن ما هو السبب الذى جعلنى أكتب إليكم هكذا واستدعيكم للمثول أمامى، هذا ما ستعرفونه مما يلى:

(1/34/2) بينما كنا نهّمُ بدخول المدينة التى تحمل اسمنا، تلك المدينة المزدهرة القسطنطينية، وكنتُ ممتطيا جوادى فى ذلك الوقت. ظهر فجأة فى طريقنا الاسقف أثناسيوس وحوله جمع من الكنسيين على نحو ادهشنا جدا. إن الله العالم بكل شىء شاهدٌ لى أننى لم استطع أن اتعرف عليه فى بادىء الأمر إلى أن اعلمنى بعض المرافقين لى عندما استعلمتُ عنه، عن طبيعته وعن مظلمته. وفى ذلك الوقت، لم اتحاور معه فى الحقيقة، ولا أجريتُ معه أي اتصال. ولكن عندما توسل مرارا بالمقابلة التى لم ارفضها فقط بل وتقريبا امرتُ بطرده من أمامى، قال بشجاعة أكبر أنه لا يلتمس شيئا أكثر من استدعائكم إلى هنا لكى ما تتاح له الفرصة العادلة للدفاع عن الشكاوى الباطلة ضده، فى حضورنا. فلما بدا ذلك [طلبا] معقولا ومتسقا مع عدالة حكمى، اصدرتُ طواعية تعليماتى بكتابة هذه الأمور إليكم. ولذلك أمرتُ أن يحضر جميع الذين شكلوا المجمع الملتأم فى صور فى الحال بأسرع ما يمكن إلى بلاطنا المكرَّم لكى ما يتبين فى حضورى من الحقائق التى تقدمونها نقاوة ونزاهة قراراتكم التى لا يمكن أن تكونوا سوى خدام حقيقيين لله. ذلك أنه نتيجة لأعمالنا التقوية لله أن حلَّ السلام فى كل الأقاليم وتمجدَّ الله حتى بين البرابرة انفسهم الذين كانوا يجهلون [معرفة] الحق إلى الآن.

والآن، ومن الثابت أن مَن لا يعرف الحق لا تكون لديه معرفة الله الحقيقية. ومع ذلك كما قلتُ حتى البرابرة قد عرفوا الله وتعلموا عبادته بواسطتى أنا الخادم الأمين لله، والذين أدركوا كم هو حامى ومعتنى بى من كل النواحى وفى كل مكان. وهكذا خشية منى أساسا قد اقتربوا إلى معرفة الإله الحقيقى الذى يعبدونه الآن. ورغم ذلك، فإننا نحن الذين نتظاهر بالتقوى الدينية (ولن أقول مَن) نحو السرائر المقدسة لكنيسته، لا نفعل شيئا سوى عدم الانسجام والإزعاج، ولنقل صراحة هلاك الجنس البشرى.

ولكن فلتسرعوا جميعا، كما قلتُ، بالمجىء إلينا بأسرع ما يمكن وتأكدوا أننى سأعمل بكل جهدى على حفظ ما ورد فى الشريعة الإلهية بلا نقض، والتى لا يمكن لتوبيخ أو وصمة أن  تُنسَب إليها فى ذاتها، ولكن هذا سيحدث عندما يُدخِل أعداؤها تحت ستار الاعتراف المقدس العديد من التجاديف المتنوعة التى تهشمها إلى قطع بل وتبطلها”.

الكتاب الأول: الفصل الخامس والثلاثون

(حضور بعض اساقفة المجمع. تهمة خطيرة ضد أثناسيوس وانخداع الإمبراطور بها. نفيه إلى الغال)

(1/35/1) وجعلت هذه الرسالة أولئك الذين شكلوا المجمع فى خوف عظيم، ولذا عاد معظمهم إلى مدنهم الخاصة بهم. ولكن يوسيبيوس وثيوجنيس وماريس وباتروفيلس وارساكيوس وفالنس قد توجهوا إلى القسطنطينية. وهناك لم يثيروا بتاتا موضوع الكأس المكسورة ولا المائدة المقدسة التى قُلِبَت ولا مقتل ارسينيوس، ولكنهم لجأوا إلى فرية أخرى إذ أعلموا الإمبراطور أن اثناسيوس قد هدد بحظر ارسال القمح المعتاد شحنه من الاسكندرية إلى القسطنطينية. وأكدوا أن هذه التهديدات قد سمعها الاساقفة ادامنتيوس وآنوبيون([238]) وأرباثيون وبطرس من فم أثناسيوس نفسه. ولأن الافتراء يكون أكثر تأكيدا عندما يُنسَب إلى أشخاص مرموقين، فقد انخدع الإمبراطور بذلك، واستشاط غضبا ضد اثناسيوس من جراء هذه الفرية، وحكم عليه بالنفى فى الحال، وأمره أن يقيم فى الغال([239]).

(1/35/2) ويؤكد البعض أن الإمبراطور اتحذ هذا القرار من منطلق حرصه على وحدة الكنيسة، حيث أن أثناسيوس كان عنيدا فى رفضه قبول اريوس وأنصاره فى الشركة([240]). وبناء على ذلك أقام أثناسيوس فى مدينة تريف([241]) بالغال.

الكتاب الأول: الفصل السادس والثلاثون

(مارسيللوس اسقف انقيرا واستيريوس السوفسطائى)

(1/36/1) وعزل الاساقفة المجتمعون فى القسطنطينية أيضا مارسيللوس اسقف انقيرا، وهى مدينة بغلاطية الصغرى لهذا السبب. كان هناك منطيقى فى كبادوكيا يُدعَى استيريوس، كان قد هجر مهنته واعتنق المسيحية وألف بعض المقالات التى ما زالت موجودة، مدح فيها تعاليم اريوس، وأكد أن المسيح هو قوة الله([242]) بنفس المعنى الذى قاله موسى بعبارات مماثلة([243])، عن الجراد والقمص. وكان استيريوس على علاقة وثيقة بالاساقفة، وخاصة أولئك الذين لم يعترضوا على التعليم الاريوسى وحضر أيضا مجمعهم على أمل أن يقيموه اسقفا على مدينة ما، ولكنه فشل فى الحصول على السيامة على أساس أنه قدَّم ذبيحة أثناء الاضطهاد([244]). فإجتاز فى مدن سوريا وقرأ جهرا الكتب إلى ألفها.

فلما علِم مارسيللوس بهذا، وأراد أن يتصدى لتأثيره سقط فى خطأ كارثى مضاد نتيجة حماسه المفرط لدحضه. إذ تجاسر وقال، مثلما فعل الساموساطى([245]) ، أن المسيح مجرد انسان. فلما اجتمع الاساقفة فى أورشليم وألموا بهذه الأمور لم يهتموا باستيريوس لأنه لم يكن معدودا حتى ضمن الكهنة المرسومين، ولكنهم ركزوا على مارسيللوس ككاهن وطلبوا أن يُقدِّم حسابا عن الكتاب الذى كتبه. ولما وجدوا أنه يأخذ بمفاهيم بولس الساموساطى، طلبوا منه التراجع عن رأيه. وإذ كان خجلا تماما من نفسه، وعد بحرق الكتاب.

 

(1/36/2) ولكن لما كان الاساقفة فى عجلة نتيجة لأمر الإمبراطور الخاص بإستدعائهم إلى القسطنطينية أثار يوسيبيوس عند وصوله مرة أخرى قضية مارسيللوس. ورفض مارسيللوس الوفاء بوعده بحرق كتابه. فعزله الحاضرون ونقلوا باسيليوس([246]) إلى انقيرا بدلا منه. وعلاوة على ذلك كتب يوسيبيوس دحضا لهذا العمل. فى ثلاثة كتب، يوضح فيها تعاليمه الخاطئة.

(1/36/3) ومع ذلك أُعيد تنصيب مارسيللوس مرة أخرى([247]) بعد ذلك من قِبل مجمع سارديكا([248]) عندما أكد أن كتابه قد أُسِىء فهمه. وأنه قد صُوِّر على أنه يشايع الآراء الساموساطية. وسنتحدث عن هذا الأمر على نحو وافى فى موضعه المناسب([249]).

الكتاب الأول: الفصل السابع والثلاثون

(اريوس يثير الاضطرابات ضد الكسندروس اسقف القسطنطينية )

(1/37/1) وبينما كانت هذه الأحداث تجرى، كملت السنة الثالثة عشر من حكم قنسطنطين. ولكن اريوس وانصاره عادوا إلى إثارة الاضطرابات ثانية فى الأسكندرية بأسرها. لأن الشعب كان فى غاية الغضب لإعادة هذا الهرطوقى غير القابل للتقويم وأنصاره من ناحية، وبسبب نفى اسقفهم أثناسيوس من ناحية أخرى.

(1/37/2) وعندما أحيط الإمبراطور علِما بتصرف آريوس المعاكس، أمره بالتوجه ثانية إلى القسطنطينية ليقدِّم حسابا عن أسباب الاضطراب الحديث الذى أثاره.

(1/37/3) وتصادف فى ذلك الوقت أن كان الكسندروس الذى خلف متروفانس فى وقت ما قبل ذلك، أنه كان يرأس كنيسة القسطنطينية. وكان هذا المدبر رجلا تقيا يتميز بوضوح بصراعه ضد اريوس. لأنه عندما وصل اريوس انقسم الشعب إلى فريقين وسادت الفوضى على المدينة كلها. فالبعض يتشبث بقانون ايمان نيقية بكل حال من الاحوال، بينما زعم آخرون أن وجهة نظر اريوس تتفق مع العقل. وسلك الكسندروس فى هذه الاحوال بإستقامة وخاصة عندما هدده يوسيبيوس النيقوميدى بشدة أنه سيعزله فى الحال، ما لم يقبل اريوس واتباعه فى الشركة.

ومع ذلك، لم يضطرب الكسندروس ولو قليلا من جهة عزله، ولكنه خشى انتهاك مبادىء الايمان التى كانت عرضة لذلك. واعتبر نفسه الحارس المعيَّن للعقائد المعترف بها، وللقرارات التى صدرت عن مجمع نيقية، فإجتهد بكل ما فى وسعه لمنع نقضها أو إلغائها.

(1/37/3) ونزولا لهذه الضرورة، هجر كل المصادر القانونية وجعل الله ملجأه وكرَّس صوما مستمرا ولم يكف عن الصلاة قط ولم يعهد بمطلبه إلى أحدٍ، بل اعتكف وحده فى الكنيسة التى تدعى إرينى، وصعد إلى المذبح وانطرح تحت المائدة المقدسة وسكب صلواته الحارة باكيا ولم يكف عن ذلك لعدة أيام وليالى متتالية، إلى أن نال من الله ما سأله بحرارة. لأن طلبته كانت “إن كان رأى اريوس صوابا، فلا تسمح لى أن اشاهد اليوم المعيَّن لمناقشته”، أما إن كان هو نفسه ([250]) يتمسك بالايمان الحقيقى “فلينل اريوس باعث سائر الشرور القصاص المستحق لكفره”.

الكتاب الأول: الفصل الثامن والثلاثون

(موت اريوس)

(1/38/1) هكذا كان تضرع الكسندروس. وفى نفس الوقت إذ كان الإمبراطور تواقا إلى فحص موضوع اريوس بنفسه، استدعاه إلى القصر وسأله عما إذا كان يصدّق على محددات مجمع نيقية أم لا. فأجاب بدون تردد بالإثبات ووقَّع على إعلان الايمان فى حضور الإمبراطور، متصرفا بنفاق. وتعجب الإمبراطور من موافقته السريعة، فألزمه بتأكيد توقيعه بقسم، ففعل أيضا بخداع. وكان الاسلوب الذى رواغ به كما سمعتُ هو هكذا.

كتب رأيه الخاص على ورقة ووضعها تحت ذراعه، ثم أقسم أنه يتمسك بالحق بهذه المفاهيم التى قد كتبها. وهذا هو ما حدث، وأكتبه سماعا ولكنه أضاف قسَما على توقيعه تأكدتُ منه بنفسى من خلال فحص الرسائل الخاصة بالامبراطور. وإذ اقتنع الإمبراطور هكذا، أمر الكسندروس اسقف القسطنطينية بقبول اريوس فى الشركة.

(1/38/2) وكان ذلك يوم سبت، وتوقع اريوس المشاركة فى الاجتماع الكنسى فى اليوم التالى. ولكن القصاص الإلهى لجرائمه الشائنة حلَّ عليه. إذ لما خرج من القصر الإمبراطورى مصحوبا بأتباع يوسيبيوس كحرس خاص، واستعرض غروره فى وسط المدينة لافتا إليه أنظار الناس، حل عليه رعب مفاجىء ناشىء من تأنيب الضمير([251]) عندما اقترب من المكان الذى يُدعَى منتدى قنسطنطين حيث نُصبت الأعمدة الحجرية التى من السماقى(البورفيرى). وترتب على هذا الرعب هياج شديد فى أحشائه، فاستفسر لذلك عن مكان ملائم قريب([252])، فوجهوه إلى خلف هذا المنتدى فأسرع إلى هناك. وسرعان ما حل عليه إغماء واندلقت أحشاؤه مع البراز وتلى ذلك نزيف دموى غزير وخروج الأمعاء الدقيقة. وعلاوة على ذلك، [خروجٍ] أجزاء من الطحال والكبد مع اندفاع الدم، ومات على الفور([253]). ومازال مسرح هذا الحدث الكارثى يُشاهَد  فى القسطنطينية، كما قلتُ، خلف رواق الاعمدة، حيث يشير المارة بأصبعهم إلى المكان. وهناك تذكار دائم لهذا النوع من الموت غير العادى.

(1/38/3) وملأ هذا الحدث الرهيب حزب يوسيبيوس اسقف نيقوميديا بالرعب. وانتشر الخبر بسرعة فى سائر ارجاء المدينة بل وفى سائر انحاء العالم. ولما ازداد الإمبراطور حماسا للمسيحية وأقر أن قانون نيقية قد شهد له الله، ابتهج بالحدث.

(1/38/4) وفرح أيضا بإعلان أبنائه الثلاثة قياصرة للتو. واحتفل كلٌ منهم بالذكرى السنوية لحكمه وقد عُهِد إلى الابن الاكبر وكان يحمل اسم قنسطنطين أيضا بحكم الاجزاء الغربية للإمبراطورية عند تمام عقده الأول. وعيَّن ابنه الثانى قنسطانتيوس، على إسم جده من أبيه، قيصرا على القسم الشرقى عندما أكمل العقد الثانى. وأعطى ابنه الاصغر قنسطانس نفس الرتبة فى السنة الثالثة عشر من حكمه.

الكتاب الأول: الفصل التاسع والثلاثون

(مرض الإمبراطور ووفاته)

(1/39/1) وانقضى عام، وبلغ الإمبراطور قنسطنطين عندئذ الخامسة والستين من عمره، وشعر بالمرض فغادر القسطنطينية إلى هلينوبوليس حيث توجد ينابيع مياه طبية ساخنة فى ضواحى تلك المدينة. وعندما أدرك أن مرضه مع ذلك يتزايد، سأم من فائدة الحمامات وانتقل من هلينوبوليس إلى نيقوميديا وأقام فى ضواحيها، وهناك اقتبل المعمودية([254]). وصار بعد ذلك منشرحا، وحرر وصيته التى عيَّن فيها أبناءه الثلاثة ورثة للإمبراطورية محددا لكل منهم نصيبه طبقا للترتيبات التى اتخذها اثناء حياته. كما منح مزايا كثيرة لمدينتىَّ روما والقسطنطينية.

(1/39/2) وعهد بوصيته إلى ذلك الكاهن([255]) الذى تم بواسطته استدعاء اريوس والذى ذكرناه قبلا، وكلفه ألا يسلمها لأى أحدٍ سوى ابنه قنسطانتيوس الذى وهبه حكم القسم الشرقى. وبعد انجاز وصيته عاش بضعة أيام ومات. ولم يكن أحد من أبنائه حاضرا. فتوجه ساع فى الحال إلى الشرق ليُخطِر قنسطانتيوس برحيل أبيه.

الكتاب الأول: الفصل الاربعون.

(جنازة الإمبراطور )

(1/40/1) ووُضع جثمان الإمبراطور فى تابوت من الذهب بواسطة أشخاص معينين، ثم نُقل إلى القسطنطينية حيث وُضِع على سرير مرتفع بالقصر محاطا بالحرس، وعومل بنفس المعاملة التى كان يُعامل بها وهو حى. واستمر الحال هكذا إلى أن وصل أحد ابنائه.

وعندما حضر قنسطانتيوس من القسم الشرقى للإمبراطورية، كرَّمه بدفنه فى المقبرة الإمبراطورية فى الكنيسة التى تدعى كنيسة الرسل التى كان قد أمر بتشييدها لهذا الغرض حتى ما يتم دفن الاباطرة والاساقفة أسفلها، ولكن بدرجة أقل مما يُعطَى من إكرام لرفات الرسل.

(1/40/2) وقد عاش الإمبراطور قنسطنطين خمسة وستين سنة حكم منها واحد وثلاثين سنة. ومات فى أيام قنصلية فليكيان وتاتيان فى الثانى والعشرين من مايو، فى السنة الثانية من الأولمبياد 278([256]).

وهكذا، يشمل هذا الكتاب لذلك، فترة الواحد وثلاثين سنة.([257])

[1] – أبقيتُ على هذه العبارة كما وردت فى نص سقراتيس للتعرف على أسلوب تعبيره، ولكن المقصود بها اهتداء الحبشة على يد فرومنتيوس. وكما قلنا، ينقل سقراتيس وسوزمينوس أحداث هذه الحقبة عن روفينوس اساسا و”حياة قنسطنطين” ليوسيبيوس القيصرى ثانيا. أنظر عن هذه الواقعة، روفينوس ك 10: 9و10

[2] – لقد تبنى يوسيبيوس لقب بامفيليوس Pamphilus  فى اسمه، نسبة إلى بامفيليوس اسقف قيصرية، كعلامة احترام واعتزاز بصداقته أنظر:  McGiffert, Prolegomena in Vol. I., Second Series of Post-Nicene Fathers

[3] – ينتهى “ت.ك.” ليوسيبيوس عند موت ليسينيوس سنة 323م. ويُعتبر عمله “حياة قنسطنطين” إلى حد ما تكملة لعمله هذا. ومع ذلك، كما لاحظ سقراتيس، هذا العمل الثانى هو فى الواقع تقريظ أو مديح أساسا لقنسطنطين، ومن ثم لا يمكن اعتباره تكملة لتاريخه الكنسى بالمعنى الدقيق من وجهة نظر سقراتيس، ولذلك حصر نفسه فى تكملة الأحداث التى سقطت من فترة يوسيبيوس

[4] – يقول زينوس فى هامشه 111 أن سقراط قد أخطأ هنا لأن مكسيموس هرقليوس Maximianusالذى كان يدعى ايضا مكسيميان الكبير كان قد قُتِل بأمر قنسطنطين، فى جاليا Gallia سنة 310م. ومكسيموس قيصر، هزمه لسينيوس بعد ذلك بسنتين، ومات فى طرسوس (انظر فاليسيوس Valesius.

[5] – يُكتب اسمه أيضا بالشكل “غاليريوس”.

[6] – أى سنة 305م غ أو 306 الآن. وتجدر الإشارة إلى أن  الأولمبياد، هو التقويم الاغريقى القديم الذى كان متبعا فى أثينا، والشرق البيزنطى فى القرون الأولى لدى الكتّاب. وهناك بالطبع تقاويم عديدة لا مجال لمناقشتها هنا. ما يهمنى أن اشير اليه هنا فقط ضرورة العلم بالتباين فى حسابات هذه التواريخ حيث أنها جميعا مبنية على افتراضات، وليست حسابات ثابتة. ومن ثمة يلجأ الدارسون إلى وضع كلمة “تقريبا” أو “فى حوالى” أو “فى نحو” قبل أى سنة ينسبونها للحدث أو لشخص. وعلى سبيل المثال السنة الميلادية الغربية السائدة الآن فى التعامل هى ذاتها محل خلاف. هذا ويجعل الناشر الانجليزى لكتاب يوسيبيوس القيصرى”ت.ك.”، تاريخ وفاة قنسطنطيوس الأب فى 25 يوليو 306م بيورك ببريطانيا. أنظر هـ 15 ص415، للكتاب ترجمة القمص مرقس داود.

[7] – prætorian soldiers هم بمثابة الحرس الخاص للإمبراطور. وكان يتم إختيارهم بعناية من بين قوات الفرسان والمشاة.

[8] – وترد أيضا بالشكل قليقية.

[9] – يقول زينوس فى هامشه 113(الكتاب المطبوع) أن العبارة πάντα περιέπων لا يجب أن تُفهَم حرفيا حيث كان هناك اغوسطسيان آخران هما قنسطنطين وماكسنتيوس، ومن ثم على الرغم من أنه اغسطس متقدم، لكنه لم يكن اوغسطس منفرد . أنظر جيبون، سقوط الامبراطورية..، ف 13.

[10] – أى لمكسميان.

[11] – عرف التاريخ الدينى للأمم المختلفة أمثلة متنوعة لهذا الرأى تبعا لمذهب الغازى، ونسبها الجميع إلى آلهة كل منهم، بدأ من ملوك ما قبل الميلاد وحتى الحملات الغربية على الشرق فى العصور الاسلامية والتى نُعِتَت “بالصليبية”!!، ولكنها جميعا كانت تُخفِى بالطبع أغراضها السياسية خلف الدين. تماما مثلما تخفى الدول حاليا اطماعها السياسية خلف شعار “نشر الديمقراطية” مثلا أو “حماية الأقليات”، بينما تمول وتدعم من طرف خفى الارهاب الدولى والمحلى والطائفى..إلخ

[12] – أى أيام كتابته هو لهذا التاريخ الذى إذا افترضته سنة انتهاء عمله على الأكثر، يكون حوالى سنة 444م على الأكثر.

[13] – أى حوالى 312م.

[14] – عن رواية هذه الأحداث،  أنظر سوزومينوس 3:1. للمعرب.

[15] – ألا يشعر القارىء لهذا التاريخ السحيق بأن التاريخ يعيد نفسه فى مواضع شتى وإن اختلف الغطاء الخارجى للنفس البشرية.

[16] – او خريسوبوليس.

[17] – البرابرة فى كتابات المؤرخين البيزنطيين فى القرون الأولى كان يُقصد بهم سائر الأمم التى خارج السلطان الرومانى، سواء الغربية أو الشرقية. لذلك وجدنا شعبا مثل الألمان كانوا داخلين فى هذه الكتابات ضمن “البرابرة”. فهذا المصطلح يقابل “الأمم” عند اليهود، و”العجم” عند العرب. ولا يعنى بتاتا صفة الهمجية التى توحى بها الكلمة حاليا.

[18] – لقد حيىَّ الجنود أميرهم، عقب النصر، صائحين “امبراطور، أوغسطس”، وهكذذا فعل أيضا المواطنون عند دخوله الانتصارى للمدينة. ومن ثم ظهر أن قنسطنطين قد تمت تحيته بشكل رسمى على اساس أنه الحاكم المفرد للأمور.

[19] – كان ذلك بالطبع كما سنشاهده فى هذا العمل وفى سائر الاعمال التاريخية الأخرى، لفترة محدودة حيث ما لبث أن ثار الاضطهاد الاريوسى بكل شراسته والذى دام لفترة لا تقل عن الستين عاما بدءَا من أواخر عهد هذا الإمبراطور نفسه.

[20] – البابا بطرس الأول، الملقب بخاتم الشهداء(من الإكليروس) (302-311م) السابع عشر فى عداد باباوات الأسكندرية.

[21] – أو أرشيلاوس، وهو البابا الثامن عشر فى عداد باباوات الأسكندرية(311-312م).

[22] – هو البابا الكسندر(أو الكسندروس) الأول، البابا التاسع عشر من باباوات الأسكندرية (312-328م).

[23] – هنا سقراتيس أكثر وضوحا فى التعبيرات العقيدية عن سوزمينوس.

[24] – صاحب الهرطقة التى بإسمه والتى تذهب إلى أن الآب والإبن والروح القدس هم شخص واحد وليس ثلاثة أقانيم. فالآب أعطى الناموس فى العهد القديم، ثم ظهر هو نفسه بإسم الإبن فى التجسد، وبعد إن اختفى المسيح بالصعود، ظهر بإسم الروح القدس. فالثالوث هو ثلاث ظهورات متتالية فى التاريخ لشخص واحد، وليس ثلاثة اقانيم فى جوهر واحد. أنظر، يوسيبيوس ،”ت.ك.”، ك6:7. ويقول زينوس (فى هـ119) أنه من غير المعروف لماذا دعاه سقراتيس هنا وكتاب قدامى آخرون منهم على سبيل المثال فيلاستريوس بالليبى. وقد تعددت الآراء فى هذا الصدد.

[25] – بيروت حاليا.

[26] – أف3:4.

[27] – 1كو 26:12.

[28] – نيقوميديا تقع حاليا في تركيا المعاصرة فى شمال غرب اسيا الصغرى.

[29] – أو اوزيوس. وهذا سيلعب دورا كما سنرى بعد موت اريوس فى نشر الاريوسية.

[30] – عن عدد مَن أيدوا اريوس، أنظر، روفينوس، 10:5:10 هـ50، للمعرب.

[31] – الله الكلمة.

[32] –  2كو 14:6.

[33] – يو1:1.

[34] – يو 11:1.

[35] – يو 2:1.

[36] –  مز 1:44 حسب السبعينية(ط/ دير انبا مقار للمزامير). (وفى البيروتية: 1:45،  “فاض قلبى بكلام صالح”).

[37] – قارن، مز 3:109 سبعينية  ” مِنَ البطنِ قبلَ كوكبِ الصُبْحِ Εωσφόρον ولدْتُكَ”.  أنظر: ط/ دير أنبا مقار.

[38] – كو15:1.

[39] – عب3:1.

[40] – يو10:14.

[41] – يو30:10.

[42] – ملا 6:3.

[43] – عب 8:13.

[44] – عب 10:2

[45] – يوحنا 15:10

[46] – حرفيا حسب النص، وهذا الشاهد يُطابق فى المعنى أم 3:18 وهو فى الطبعة اليسوعية (وهى كما قلنا عن الفولجاتا اللاتينية لجيروم) ” إذا دخل الشرير دخل الإزدراء”. وفى الطبعة البيروتية “إذا جاء الشرير جاء الاحتقار”. [المعرب]

[47] – 2تى17:2، 18

[48] – مت 4:24

[49] – لو8:21

[50] – 1تى 1:4

[51] – 1يو 10:3، 11

[52] – كان للبابا الكسندروس(الـ 19 فى عداد البطاركة) نحو سبعين رسالة، فُقِدت جميعا فيما عدا رسالتين. حُفِظت واحدة فى مخطوطات خاصة بأعمال البابا أثناسيوس الرسولى تحت عنوان “خلع أريوس واتباعه”، وترجع الى حوالى 319م. ويذكر ثيودوريت اسقف كيروس، واحدة أخرى مُرسَلة إلى الكسندروس اسقف بيزنطة، مكتوبة فى حوالى 324م، بعد إدانة مجمع الاسكندرية المحلى له.

[53] – أى إلى يوم كتابة سقراتيس لعمله هذا.33

[54] – يقول زينوس فى هامشه 142، أن فاليسيوس يرى أن تأكيد سقراتيس قد أخطأ فى تأكيده هذا، ذلك أن الميليتيين قد انضموا إلى  الاريوسيين بعد مجمع نيقية، وأخذوا يكيدون المكائد ضد البابا اثناسيوس، كما يشهد هو بنفسه فى احتجاجه الثانى ضد الاريوسيين. ولا يبدو أن آباء مجمع نيقية قد عاملوهم بغير رأفة لتحالفهم مع الاريوسيين.

[55] – “الأنومية” من كلمة يونانية “ἀ(ν)- ‘not’ and ὅμοιος” تعنى “عدم التشابه””different ; dissimilar”. أى “ليس مثل” كما يقول الأريوسيون، أى أنها الجناح الأكثر تطرفا للأريوسية. وهكذا ما أن تبدأ جرثومة أى بدعة فى البروز حتى يتولد منها بدع عديدة. وبالطبع برزت هذه الشيعة فى القرن الرابع الميلادى من رحم الأريوسية. وكان من قادتها كما سنرى اتيوسAëtius  وأونوميوس Eunomius.

[56] – أى مدينة قرطبة باسبانيا حاليا، وسنستخدم الشكل العربى هذا فى المتن فيما بعد.

[57] – أنظر: 64:2-72. للمعرب، قيد النشر.

[58] – الكلمة هنا “فيكتور” وهى لقب من ألقاب قنسطنطين، وليس إسما. ولذلك يترجمها البعض فى العربية بكلمة “المنتصر”.

[59] – “الكلمة المكتوبة” إشارة الى الأسفار المقدسة.

[60] – يقصد الفلاسفة الوثنيين، عكس مفهوم كلمة “فلاسفة” عند سوزمينوس.

[61] – لأن الأمر لم يكن خلافا شخصيا ولا فى رأى خاص، لكنه كان يخص أهم أركان الايمان المسيحى، على النحو الذى أدرك خطورته الاسقف هوسيوس نفسه حامل الرسالة، فعاد مسرعا وأشار على الإمبراطور بعقد مجمع عام فورا وقد كان.

[62] – عن مسألة موعد الإحتفال بعيد الفصح، أنظر يوسيبيوس، “ت.ك.”، 23:7-25.

[63] – يلفظها البعض أيضا ويكتبها (بيتينية، بيتانيا). وهى إحدى أقاليم تركيا حاليا.

[64] – أى من “بارثيا”، التى هى بلاد فارس باللفظ العربى، أو ايران حاليا. وفى القرون الأولى كانت تمتد من الهند إلى نهر الفرات ومن بحر قزوين إلى الخليج العربى.

[65] – اى من “اسكيثيا” (بالنطق اليونانى) Scythia. وتُلفَظ أيضا “سيثيا”. هو اقليم متعدد الجنسيات فى العصر الكلاسيكى.وقد أطلق اليونانيون القدماء هذه الكلمة على كل المناطق التى تقع فى شمال شرق أوربا، والساحل الشمالى للبحر الأسود.

[66] – أهل تيراقيا والتى تُكتَب أيضا “تيراس” فى بعض الكتابات العربية.

[67] – “الأيبيريون” ليسوا شعوب شبه جزيرة ايبيريا المعروفة بهذا الإسم اليوم(أى اسبانيا، والبرتغال) ولكن أسلاف شعب “جورجيا” الحالية.

[68] – يقصد اسقف مدينة روما القديمة، بإيطاليا.

[69] – أع 5:12-11

[70] –  يقول ينوس(فى هامشه 160) أن يوسيبيوس القيصرى يذكر فى (“حياة..”، 8:3) العدد بالضبط أنه 250 بينما يذكر يوستاثيوس أنه 270 أما ايفاجريوس (“ت.ك.”، 31:3)، والبابا اثناسيوس(فى رسالته إلى الأساقفة الأفارقة)  ، وهيلاريوس(ضد كونستانتيوم)، وجيروم فى “الحوليات”، و روفينوس فيذكرون العدد  318.

[71] –  استخدم المترجم هنا كلمة acolyths  [وهى بالطبع تختلف عن acolyte  والتى تُعرب بكلمة قُندلِفت أى الذين يوقِدون القناديل وما شابه ذلك]. وقال أنها مقابل الكلمة اليونانية ἀκόλουθος  التى تعنى حرفيا “الاتباع followers

[72] – القوس من المترجم.

[73] – الحاضرين للمجمع.

[74] – أنظر، ك11:1 بعده.

[75] – أنظر ك12:1 بعده.

[76] – سبق أن ذكرتُ أنها تعنى فى الكتابات المسيحية “غير الاكليروس”.

[77] –  يقول زينوس فى هامشه أو “فن الديالكتيك” أى المجادلة. ولذا عربتها كما فى المتن حيث المقصود “فن الاستدلال والاستنتاج المنطقى”.

[78] – كانت تقع فى مقابل بيزنطة على مضيق البوسفور فى بيثينية وحاليا ضاحية تُعرَف بإسم “قاضى كوة”، من ضواحى مدينة “اسلام بول” بتركيا (اسطامبول = القسطنطينية قديما).

[79] – “المعترفون” هم الأشخلص الذين خضعوا أيام الإضطهادات لعذابات بدنية شتى، ولكن العناية الإلهية حفظتهم من الموت لكى يكونوا شهودا للحق وللعمل الإلهى. أنظر: كليمندس الاسكندرى، الاستروماتا، 12:4، بطرس(بابا الاسكندرية)، الرسالة 14.

[80] – عرض يوسيبيوس هنا يصور لنا قنسطنطين كمحاور أو مفاوض طويل الأناة وجيد.

[81] – نلاحظ هنا التنوع فى التعبير عن “عيد القيامة” فى الكتابات الأولى. فمرة “فصحنا” ومرة “عيد الخلاص” ومرة الإحتفال “بخلاصنا”. ومرة “يوم الفصح الأقدس” ومرة “الإحتفال بنجاتنا”

[82] – سابينوس هذا كان أحد معضدى هرطقة مقدونيوس، وممثليها الرسميين، وقد كتب أعمالا هاجم فيها عقائد الكنيسة الجامعة، وسفه من اساقفة مجمع نيقية، ولاهوتيات مجمع نيقية. لذلك تصدى له سقراتيس بصرامة ذاكرا اسمه بوضوح، مفندا أعماله وموضحا سخافتها وبطلان أسانيدها، كما سنرى توا فى (2/15/6) و(2/17/3)) و(4/22).

[83] – أى سابينوس.

[84]-ομοουσιον  ذلك الاصطلاح الذى صار معلما فارقا منذ ذلك المجمع فصاعدا بين الإيمان “الأرثوذكسى الجامع” وبين المعتقدات الأريوسية والهرطوقية بصفة عامة.

[85] – هذا القانون، وُجِد إثنى عشر مرة فى أحد عشر مصدرا قديما. نسختان فى مجمع خلقيدون. والاصدار الثانى كان به بعض الاضافات عن نسخة القسطنطينية. أما النسخ الأخرى فكلها متماثلة جوهريا. (أنظر: فيليب شاف، م1، ص 24. م2، ص60، 91)

[86] – قوس المترجم.

[87] – عن هذا المصطلح، وأمثاله. أنظر، القسم اللاهوتى فى كتاب “القديس أثناسيوس الرسولى” للأب متى المسكين، نشر دير أنبا مقاره، القاهرة، مصر 1981م.

[88] – مارماريكا  Marmaricaتشير فى الكتابات القديمة الى المنطقة الواقعة على الساحل الشمالى الغربى لمصر، والتى تمتد من الأسكندرية  إلى اقليم برقة بشرق ليبيا الآن.

[89] – بتولمايس Ptolemaïs. هناك عدة مدن بهذا الإسم فى مصر وغيرها منها (Ptolemais Hermiou) فى مصر, وهى الآن مدينة المنشأة بمحافظة سوهاج. ولكن هذه المدينة المقصودة هنا هى مدينة طلميته بالقرب من المرج بليبيا الحالية.

[90] – وجهة نظر معقولة بالنسبة للمصطلح ولذلك جاهد الآباء السكندريون والكبادوكيون العظام فى شرحه وتقريب معناه إلى الأذهان نظرا لإختلاف الخلفية الثقافية للكنائس وبالتالى فهمها للمصطلحات اليونانية، وسوف ترى أنه حتى كنيسة انطاكية الشقيقة قد اعتراها القلق لفترة ليست بقصيرة من هذا المصطلح. ولذلك نحن نقول فى صيغته العربية”واحد مع الآب فى الجوهر” للحفاظ على دقة المعنى اللاهوتى.

[91] – هنا خطأهم، ففى الاعتراض حسب فهمهم للمصطلح كان لهم بعض العذر ولكن عدم موافقتهم على حرمه قد دمغهم بالهرطقة، وذلك لأنه بعيدا عن هذه المصطلح فإن اريوس قد نعت المسيح بأنه مخلوق، وأنه مخلوق من العدم، وأنه مجرد أداة للآب لخلق الموجودات ( وفى هذه النقطة وحدها دمغ للآب، الذى يقول للشىء كن فيكون، بالعجز والاحتياج إلى وسيط لتنفيذ قصده) وأنه كان هناك وقت لم يكن فيه موجودا. إذن، بعيدا عن المصطلح، هم بذلك يصدقون على مفاهيمه هذه. وبالتالى حق عليهم الحرم.

[92] – النيقوميدى.

[93] – يقول زينوس (فى هامشه 171) الكلمة المستعملة هنا وهى κατηχήσει  مقصود بها التعليم الأساسى الذى يُعطَى لطالبى العماد.

[94] – أنظر: كو15:1، يو15:1.

[95] – قوس المترجم.

[96] – أنظر: مت  19:28.

[97] – لاحظ هنا التملق السياسى من جانب يوسيبيوس. فما دخل الإمبراطور الحديث العهد بالإيمان المسيحى، والذى لم يكن قد نال المعمودية بعد، ولا حتى إنضم إلى صفوف الموعوظين، بجوهر العقائد الذى هو قاصر على الاساقفة!!. ولهذا أجمع الدارسون لكتابه “حياة قنسطنطين”، أن ثلاثة أرباعه مخصص بالكامل لتقريظ قنسطنطين.

[98] – لاحظ النفاق السياسى من الاسقف يوسيبيوس القيصرى هنا أيضا، فالرئيس المدنى ما شأنه وشأن شرح المفردات اللاهوتية والعقيدية، وكأن هذا الاسقف، فى نظرى، يدشن ويكرس الحكم الثيوقراطى.

[99] – يُلاحَظ هنا تداول هذا اللقب فى هذا الزمن للأباطرة والأساقفة والآباء البارزين كما سنرى فى هذا العمل فى مواضع عدة.

[100] – Pentapolis الخمس مدن الغربية،  فى غرب شمال مصر، وهى1- القيروان (سيرين) Cyrene: وهى غير القيروان الموجودة في تونس. وينطق اسمها أيضًا قورنية، قرنية، قريني. ولعل منها سمعان القيروانى الذي حمل صليب المسيح (مر 15: 21) ، ولوكيوس القيرواني الذي كان من الأنبياء والمعلمين (أع 13: 1). وقد أصبح أسمها علمًا على الإقليم كله. وإقليم برقة كان اسمه اليوناني القديم سيرنيكا وقد يكون مأخوذا من اسم هذه المدينة (سيرسين) وهى تسمى حاليًا (الشحات) أو (عين شاهات). 2- برنيق Berce : وتدعى أيضًا برنيقة، أو برنيقة القرينية، واسمها القديم هسبرتيس Hespertis أو هسبريديس Hesperides وفى عهد البطالمة أبدلوا اسمها إلى برنيق(وهو اسم زوجة بطلميوس الأول). وتعرف حاليًا باسم (بنى غازي)، وهى عاصمة ولاية برقة.  3 – برقة (باركه) Berce: وهى ثانى أو ثالث مدينة في القدم. وتقع في الداخل في الجبل الأخضر. وتسمى حاليًا (المرج) ولها ميناء قديم يُدعى بطولومايس.  وبطولومايس Ptolemais (ميناء برقة) تعتبر إحدى الخمس مدن الغربية في نظر كثير من العلماء. وقد وضعها (لاروس) ضمن الخمس مدن الغربية. وتعرف باسم (طلميتة) Tolomita أو طلميثا أو طليموسه.  4 – طوشيرا Tauchira: وتدعى حاليًا (توكره) أو طركرا.  5 – أبولونيا Apollonia: وهى حاليًا مرفًا أو مرسى (سوسه) Souzah.  وقد نشأ فيما بعد ميناء آخر للقيروان هو درنة Darnis. وربما تكون هي درنابوليس التي قيل انه ولد فيها مارمرقس الرسول. (عن كتاب القديس مارمرقس للبابا شنودة الثالث،(ال117 فى عداد باباوات الأسكندرية).

[101] – أنظر الهامش السابق.

[102] – أنظر هامشنا 91 عاليه.

[103] – أنظر هامش 92 عاليه.

[104] – نلاحظ هنا العرف السائد فى كرسى الأسكندرية، وقبل أن يُقنن بقانون من مجمع نيقية فيما بعد (انظر قانون رقم 6 من مجمع نيقية)، قيام “اسقف الأسكندرية” عمليا بمهام “بطريرك القطر المصرى” قبل تبلور وبروز هذا اللقب فى الاستعمال لاحقا حيث كانت الأسكندرية عاصمة للقطر المصرى كله آنذاك.

[105] – انظر هامشنا 105 عاليه

[106] – لنا هنا وقفة طقسية على الجملة الختامية من رسالة أساقفة يغطون سائر أنحاء العالم المعمور آنذاك على النحو الذين يجعلنا ننعتهم بكل أمان بالدوليين، والتى تقول ” ولإلهنا ضابط الكل وربنا يسوع المسيح والروح القدس المجد إلى الأبد آمين”. مما يعنى أنها كانت سائدة منذ أمد بعيد ورغم قرون الإضطهاد الدموى المرير والإبادة البدنية والمعمارية لبيوت الصلاة، وكيف أن هذه الجملة ما زالت قائمة فى ليتورجياتنا إلى اليوم.

[107] – أى فى وقت كتابته لهذا التاريخ ما بين نفى نسطور وقبل اصدار سوزمينوسوس لعمله(حوالى 443م). أو بين 439م(حيث توقف سرده) وبين 443م.

[108] – شاعر يونانى قديم من القرن الثالث قبل الميلاد.

[109] – هذا المفهوم ترديدٌ لعقيدة عامة شائعة فى الكنيسة الشرقية، وما زالت، وهى أن المجامع المسكونية مُلهَمة بنفس إلهام كتبة الأسفار المقدسة، ومن ثمة سقراتيس يعكس هنا، ببساطة، مفهوم عصره ومنطقته.

[110] – فيلسوف من القرن الثالث الميلادى ألَّف كتبا(لم تصلنا) ضد المسيحية، أنظر عنه يوسيبيوس، “ت.ك.”، 19:6. وسيعود سقراتيس فيذكره وكتاباته فى ك23:3.

[111] – أنظر: “حياة ..”، 17:3- 19.

[112] – الكلمة الواردة هنا تعنى “أسبوع الآلام”.

[113] – من المعلوم أن السنة اليهودية سنة قمرية، ومن ثم يبدا شهر الفصح لديهم – كما يقول زينوس – من اليوم الخامس من مارس وينتهى فى اليوم الثالث من ابريل. وقد يحدث أحيانا أن يبدأ فصحهم قبل الاعتدال الربيعى(وهو بداية السنة الشمسية)، لدرجة أنهم يحتفلون بالفصح مرتين فى نفس السنة الشمسية. ولكن لما كانت سنتهم الخاصة بهم قمرية، فإنهم بالطبع لا يحتفلون بالفصح بتاتا مرتين فى نفس السنة القمرية، من وجهة نظرهم.

[114] – “أيام القيامة” هى التى يُعبر عنها فى كتابات أخرى من ذات الحقبة(مثل عمل كاسيونوس) “بالخماسين المقدسة” والتى تمتد من يوم القيامة إلى عيد البنطقستى(أو العنصرة). وهى بالفعل أيام لا يُصام فيها بتاتا أى نوع من الصيام الجمعى أو الفردى، الجهرى أو الخاص.

[115] – يقول زينوس (فى هامشه 183) أن فاليسيوس يرى أن هذه الرسالة فى موضع خطأ، فهى تُلمِّح إلى موت ليسينيوس كحدث حديث، ومن ثم يعتقد أنها لابد أن تكون قد كُتِبَت حوالى 315-316م، أى قبل مجمع نيقية بعشر سنوات. انظر: يوسيبيوس، “حياة..”، 46:2.

[116] –  الإشارة هنا ليس فقط الى ليسينيوس ولكن بالطبع الى دقلديانوس ومن قبله.

[117] – الكلمة هنا تعنى “المرتد” وهى التى يُعبَّر عنها أيضا “بالجاحدين”، وهم الفئة التى بسببها ظهرت “شيعة النوفاتية” فى الغرب والتى مثَّلت الموقف المتشدد من جهة قبولهم، وقد واجهها القديس كبريانوس، وكذا الآباء الكبادوكيين العظام، وآباء الأسكندرية. وها نحن نرى تأثير الفكر المسيحى الشرقى على موقف قنسطنطين فى عبارته هنا “عن خوف أو عدم إيمان” وكيف يشجعهم بالعودة إلى الأحضان الأبوية، وإلى حضن الكنيسة الجامعة.

[118] – تعود هذه الوظيفة إلى التقسيم الإدارى للإمبراطورية الرومانية الشرقية منذ قنسطنطين الأول حيث كانت تنقسم إلى اربع مناطق وكل منطقة تشتمل على عدة مقاطعات أو أقاليم. ومن ثم كان يُطلق على “الحاكم الإدارى” لهذه المنطقة هذا اللقب. وبالتالى لا يمكن أن نعادله سياسيا ولا إداريا بلقب محافظ حاليا، ولا يمكن تشبيهه، كما قال أحدهم برئيس وزراء. وإنما يكفى للإشارة إليه بأنه من الوظائف الأعلى فى الهرم السياسى والإدارى آنذاك.

[119] – “حياة..”، 36:4.

[120] – يقصد القسطنطينية.

[121] – “الوكيل المالى” διοικήσεως καθολικόν. يقول زينوس (فى هامشه 185) أن هذه الوظيفة كانت خاصة بالكنيسة الشرقية، وأن أقرب معادل لها فى الكنيسة الغربية هو vicar-general ولكن ليس بالمعنى الاصطلاحى لقارىء اليوم للكلمة، وأنه تبنى ترجمتها كما فى المتن بـ financial agent. أنظر: يوسيبيوس، “ت.ك.”، 10:7 . وجدير بالذكر أيضا أن المصطلح الكنسى الشهير جدا “إيبارشية” (διοίκησις ) قد نشأ أيضا فى عهد قنسطنطين، كما هو ثابت من رسائله. أنظر: “حياة ..”، 36:3

[122] – أنظر: “حياة..”، 30:3.

[123] – يقصد “القبر المقدس”، الذى بالقرب من الجلجثة، المعروف على نطاق عام بقبر المخلِّص.

[124] – أى ليسينيوس.

[125] – كان هادريان الامبراطور قد شيَّد معبدا لفينوس على جبل الجلجثة.

[126] – النيقوميدى.

[127] – نسبة الى نوفاتس الذى رفض قبول توبة الذين سقطوا أيام الاضطهاد، وبخروا وقدّموا الذبائح للأوثان، وتبعه البعض وكونوا شيعة بإسمه. أنظر، يوسيبيوس، “ت.ك.”، 43:6.

[128] – امبراطور رومانى(249-251م).

[129] – يوحنا 16:5.

[130] – أنظر: سوزمينوس، 22:1 (تحت الطبع، للمعرب).

[131] – ذكر المترجم الانجليزى فى مقدمته أن بعض الدراسين ذهبوا إلى أن سقراتيس كان ينتمى إلى النوفاتيين، وفعلا ورد نفس الرأى لأحد الكتّاب الحديثين دون الاشارة أو التعليق كما فعل المترجم وكأنه من باب التقرير وليس التخمين. ولكن من ذِكر سقراتيس للواقعة عاليه وتعليقه عليها، يتبين صحة رأى المترجم فى مقدمته من أن سقراتيس كان يتوخى على قدر ما أمكنه الموضوعية فى عمله، ومن ثم لم يتردد فى ذكر محاسن طرف متى وُجِدت حتى لدى مَن يختلف معهم.

[132] – أنظر، ك8:1 عاليه.

[133] – أى جنوب مصر.

[134] – أنظر قوانين الرسل، 5 و17 و26 و51. ويقول زينوس (فى هامش 196) أن الكنيسة قديما كانت تشجع بصفة عامة، التبتل الإختيارى للإكليروس.

[135] – عب 4:13.

[136] – يقول زينوس (فى هامشه 198) أن الكلمة المستعملة هنا والتى ترجمها “دير” تعنى حرفيا “مكان للتدرب” على الفضيلة.

[137] – رغم وضوح هذا الأمر وضوحا لا لبس فيه فى مجمع نيقية، وهو المجمع المسكونى الأول المعترف به من سائر الكنائس الرسولية، إلاَّ أن كنيسة روما فرضت فى زمن ما العزوبية على سائر درجات الكهنوت الأدنى رغم أنهم ليسوا رهبانا، وقد نتج عن ذلك سلبيات كثيرة، لا محل للكلام عنها هنا.

[138] – فى الفترة من حوالى 270 الى 348م.

[139] – يقصد روفينوس الأكويللى، صاحب النسخة اللاتينية لهستوريا موناخوروم. أنظر “التاريخ الرهبانى…”، للمعرب، سابق الذكر. وقد كتب هذا الشخص بالفعل بابين ملحقيَن بترجمته اللاتينية التى قام بها “للتاريخ الكنسى” ليوسيبيوس القيصرى. واللذين اعتمد عليهما كل المؤرخين. وها هو سقراتيس يذكره كأحد المراجع الأساسية لعمله.

[140] – أو يوتيكيان أو يوتيخيان أو أوتيخيان، أو يوطيخيان أو أوطيخا، كما ورد لفظها أيضا، فى قاموس يونانى ناطق “افتشيا”. وهو بالطبع خلاف أوطيخا صاحب الهرطقة المشهورة بإسمه.

[141] – وكأنه يرد مسبقا على مَن رأى فى عرضه لأعمال النوفاتيين وإعجابه بفضائل الأتقياء منهم “دليلا” على إنتمائه لهذه الشيعة!!. متناسيا “العين المختتنة” التى تبحث عن كل ما هو جيد فى أى شخص، وتدين الخطية لا الخطاة. وفى رأيى أنه كان يتسم هنا بروح رياضية كما نقول الآن، وبسعة صدر تجاوز التعصب. فمع تمسكه بإيمان الكنيسة الجامعة، وعقائد مجمع نيقية لم يمنعه هذا من مدح ما يستحق المدح.

[142] – أو أوتيكيان أو اوطيخيان أو يوطيخيان.

[143] – كما قلتُ فى مقدمتى العامة، يميل مترجمو هذه النصوص، محل عملنا فى هذه السلسلة، إلى البحث فى مقدماتهم للترجمة عمن نقل منه، وكيف أن هذا كان ناسخا لذاك. أما أنا فأرى أن كل من هؤلاء المؤرخين، قد اعتمد على مصادر أولية مشتركة، لكنه لم يعرضها نساخة، وإنما اطلع عليها جيدا، ثم قام بإعداد مؤلفه وفقا للخط الذى يريده والهدف الذى حدده لنفسه. وها هو سقراتيس هنا رغم إعتماده على روفينوس الأكويللى كما ذكر صراحة، لم يذكر هنا قوانين مجمع نيقية والتى دونها روفينوس فى كتابيه العاشر والحادى عشر.

[144] – لفظها البعض “سينوبوليس”.

[145] – يقول زينوس أن هذا العمل لأثناسيوس غير موجود الآن.

[146] – هذا التاريخ حسب زينوس يُعادِل 25 مايو سنة 325م ، بينما يرى الأب متى المسكين فى كتابه “القديس أثناسيوس الرسولى” أنه انعقد فى 19 يونيو سنة 325م غ.

[147] – النيقوميدى. ويعلق زينوس على هذه الفقرة(فى هامشه 202) قائلا أن ذِكر سقراتيس لهذه الواقعة هنا ليس مضبوطا من ناحية التسلسل التاريخى طالما أنها حدثت سنة 328م. ومن ناحية أخرى تُظهِر روايات المؤرخين الآخرين الذين  تناولوا ذات الفترة أن سقراتيس لم يُعطِ سببا صحيحا لعقوبة يوسيبيوس(النقيوميدى) هذا وثيوجنيس. أنظر: ثيودريت، “ت.ك.”، 20:1. سوزمينوس،21:1 [وهما تحت الطبع، للمعرب]

[148] – الذى كان قد سيم محل يوسيبيوس النيقوميدى.

[149] – ويلفظه البعض كريستوس، وكان قد سيم محل ثيوجنيس.

[150] – هذا التخمين مبنى على العبارة الواردة فى هذا الإلتماس “بينما الشخص المسؤول قد سُمِح له بتبرئة نفسه”.

[151] – طبقا لرواية ثيودريت(26:1، للمعرب تحت الطبع) توفى البابا الكسندروس عقب مجمع نيقية المسكونى الأول بشهور قليلة، أى فى سنة 325م[ ووفقا للسنكسار القبطى، تنيح البابا الكسندروس(التاسع عشر فى عداد باباوات الاسكندرية فى 22 برمودة لسنة 44 ش الموافق 17 أبريل لسنة 328م]، وخلفه البابا أثناسيوس فى السنة التالية. ومن ثم يكون سقراتيس وسوزمينوس قد أخطآ فى وضعهما لتاريخ وفاة البابا الكسندروس وسيامة البابا اثناسيوس الرسولى، بعد عودة يوسيبيوس النيقوميدى وثيوجنيس من المنفى.

[152] – فى ملحق التاريخ الكنسى ليوسيبيوس القيصرى، السابق الاشارة اليه، ك 3:15:10.

[153] – البابا بطرس الأول، السابع عشر فى عداد باباوات الأسكندرية (302-311م).

[154] – أنظر روفينوس، “التاريخ الكنسى”، ك10 ف15.

[155]– تولى قنسطنطين الحكم بعد وفاة والده قنسطانتيوس عام 305م ولكنه صار فيما بعد الحاكم المفرد للامبراطورية الرومانية بشطريها الغربى والشرقى. وتاريخ التذكار الذى يورده سقراتيس هنا محسوب من سنة إعلانه امبراطورا أى من 305م. وبذلك يكون التذكار العشرون سنة 325م (أو 326م فى تقدير آخرين) عقب مجمع نيقية.

[156] – هذه الأسوار حلت محلها الأسوار الضخمة التى شيِّدت فى عهد الامبراطور ثيودوسيوس الثانى. أنظر: سقراتيس، 31:7.

[157] – من التاريخ المدنى نعلم أنه قرر تحويل بيزنطة إلى روما الجديدة عام 324م، واعلنها عاصمة رسمية للإمبراطورية الرومانية عام 330م. ويقول البعض أنها حملت اسمه بعد وفاته سنة 337م. ولكن هذا غير صحيح حيث وردت فى رسائله اثناء حياته عبارة(المدينة التى تحمل اسمنا، القسطنطينية).

[158] – أى “بيت القصر” Mansion house”. وهو مبنى كان المقر الرئيسى للماجستيريَّن ” magistrates الرئيسيَّن.

[159] – وكانت المدينة قد صارت عاصمة فى سنة 330م.

[160] – قارن، ك40:1 ، ك16:2 هنا.

[161] – “التراى بودس” tripods حامل بثلاثة أرجل، مثل حامل الكاميرات، كان الوثنيون اليونانيون يستخدمونه فى حمل موائد الأضاحى، وكان بالطبع مزخرفا بدرجة ثمينة.

[162] – فى كتابه “حياة قنسطنطين” 33:3 ، 52-55.

[163] – وترد أيضا بالأشكال: هيلانة، هيلانا، هيلينا، هيلين.

[164] – كانت Helenopolis أو Drepana بلدة رومانية وبيزنطية قديمة في بيثنية بآسيا الصغرى، على الجانب الجنوبي من خليج آستاكوس  Astacus. وهى حاليا قرية هرسك Hersek، في حي التينوفا Altınova، من مقاطعة يالوفا بتركيا الحالية. وتعتبر تقليديا مسقط رأس سانت هيلانة.

[165] – لأنها كانت قد تخربت على يد تيطس الرمانى فى حوالى سنة 70م، وهُدمت أسوارها ونُقض الهيكل، حسبما أعلن رب المجد، ثم أقام الإمبراطور هادريان على أنقاضها مدينة ايليا. أنظر: عن خراب أورشليم، “الحروب اليهودية” للمؤرخ اليهودى يوسيفوس ، للمعرب(تحت الطبع). وقد كان معاصرا للحملة الرومانية، وحفظه الله ليسجل إتمام النبوة كشاهد عيان.

[166] – يه 12.

[167] – وهى التى عُرفِت بإسم كنيسة القبر المقدس. وحاليا بإسم كنيسة القيامة. وعبارة “فى مواجهة المدينة ..” صحيحة تاريخيا وأثريا. فالقبر كان فعلا خارج أورشليم التى تخربت.

[168] – أنظر، رسالة قنسطنطين الى الأنبا مكاريوس فى (1/9/12) عاليه.

[169] – نلاحظ هنا أثر البيئة المصرية على الليتورجيا القبطية “أذكر يارب مياه النهر اصعدها كمقدارها” ثم “أذكر الزروع ونباتات الحقل وكل شجرة مثمرة”. لأن الزراعة عماد حياة الانسان المصرى والنشاط الاقتصادى الرئيسى لمصر إلى عهد قريب، وهى تعتمد فى مصر على نهر النيل بصفة رئيسية.

[170] –  Sarmatians (السارماتيون، وباللغة الإغريقية Σαρμάται) هم اسلاف الشعب الإيراني الحالى، فى الفترة من حوالي القرن الخامس قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادى. وكانت أراضيهم والتي تعرف بإسم Sarmatia لدى الإثنوغرافيين اليونان والرومان، تتطابق مع الجزء الغربي من سكيثيا (وهى أوكرانيا الحالية وجنوب روسيا، وأيضا إلى حد ما البلقان وشمال شرق مولدافيا ). وتراوحت هذه القبائل من نهر فيستولا إلى مصب نهر الدانوب وشرقا إلى نهر الفولغا(أو الفولجا)، المطلة على شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين، وكذلك القوقاز إلى الجنوب. وقد انخفض Sarmatians في القرن الرابع الميلادى مع عمليات التوغل المتواصلة للهون والقوط. وهم الآن جماعة عرقية تعرف بإسم الأوسيتيك.

[171] – شعوب ألمانيا القدماء. ولاحظ كيف أن هذه الشعوب كان اليونانيون يطلقون عليهم لقب “البربر”. الذى كان يعنى عندهم شعوب غير متحضرة!!.

[172] – مدينة بعلبك الآن بلبنان.

[173] – أى جبل لبنان حاليا.

[174] – خر40:35.

[175] – لقد أغنانا يوسيبيوس بامفيليوس الذى كان متيما بقنسطنطين عن مشقة هذا العمل بكتابه “حياة قنسطنطين” الذى سجل فيه بالتفصيل مآثره بتقريظ شديد. كما مدحه ايضا المدافع لاكتانتيوس، وقال عنه هوسيوس أسقف قرطبة بأسبانيا أنه صنع عجائب في الكنيسة.

[176] – أبقيتُ على هذه العبارة كما وردت فى نص سقراتيس للتعرف على أسلوب تعبيره، ولكن المقصود بها اهتداء الحبشة على يد فرومنتيوس. وقد نقل سقراتيس ومن بعده سوزمينوس، هذا اللقب عن روفينوس، ك 10: 9و10. ويذكر زينوس فى هامشه 220 أن كلمة “الهند” هنا مقصود بها “الأحباش” أى سكان اثيوبيا الحالية. وعلى الرغم من ان يوسيبيوس يعزو تبشير الحبشة إلى متى وبرثلماوس(“ت.ك.”، 10:5) إلا أن الأحباش يعزون مسيحية بلادهم فى سجلاتهم إلى “فرموناتوس” Fremonatos وسيدراكوس Sydracos. كما يكتبونهما. ويعتمد سقراتيس هنا على روفينوس بالكلية. أنظر: روفينوس، للمعرب، نشر مطرانية جنوب سيناء، 2015م.

[177] – “الهند الداخلية” India interior هكذا وردت بالفعل عند روفينوس فى(ك9:10) ونقل عنه سوزمينوس فى 19:1، وثيودوريت. أما لماذا دعيت منطقة الحبشة حاليا “بالهند الداخلية” فأنظر هامشنا رقم 70 فى روفينوس، و150 على سوزمينوس, ويلاحظ جغرافيا أن ما يُعرف اليوم بإثيوبيا( وهو إسم أطلقه التجار اليونان على شعب هذه المنطقة ويعنى ذوى “الوجوه المحروقة”) كانت تضم اليمن شرق البحر الأحمر ومملكة أكسوم القديمة، وممالك تيجرى، والنوبة وبلاد الصومال وجيبوتى الحالية.

[178] – بارثيا أو فارثيا أو بارثية. هو اسم منطقة تاريخية في شمال شرق إيران تعادل تقريبا غرب خراسان حاليا.

[179] – أى من مدينة صور بجنوب لبنان الآن.

[180] – هكذا وردت هذه الجملة لدى سقراتيس، وهى تختلف عن الأصل الذى استقى منه وهو عمل روفينوس. فهناك، كما رأينا فى كتابنا السابق، كان يعلمهما الأبجدية لأنهما كانا بعد صبيين وليس لأنهما يجهلان اليونانية. لأنه كيف تخاطب فرومنتيوس بعد ذلك مع البابا أثناسيوس الرسولى، وكيف كان يتخاطب مع الاحباش. ولا ننسى أن اليونانية كانت آنذاك اللغة العامة المشتركة فى الشرق، واللاتينية هى السائدة فى دول الغرب وشمال غرب افريقيا.

[181] – إلى ملك أكسوم. ومن التاريخ الإثيوبى نعلم أنه على الأرجح ابرهة الأول أو إيزانا( أو عيزانا) الذى كان ملك أكسوم وحمير والنوبة.

[182] – لا يتعين فهم “حديثا” هذه على أن ذلك، قد تم فى أوائل سيامة البابا أثناسيوس توا، ذلك أنه قد وصلتنا رسالة للامبراطور قنسطانتيوس مرسلة إلى ملك الحبشة لإرسال فرومنتيوس ليتلقى السيامة من الاسقف الاريوسى الدخيل. ومن ثم ذهب المؤرخ ارشيبالد روبرتسون إلى ترجيح سيامة فرومنتيوس فى وقت ما بعد سنة 357م. (أنظر القديس أثناسيوس الرسولى، للأب متى المسكين، ص 51). ولعل هذا يدعم رأى المترجم الانجليزى فى فرضيته أن سقراتيس اخطأ فى التسلسل التاريخى. غير أننى أرى أن سقراتيس لم يهتم فى ترتيب الأحداث بزمن حدوثها ولكنه كان يجمع “الأحداث” الخاصة بعنصر معين فى ذهنه معا أيا كان زمنها. فمثلا هنا يريد أن يتكلم عن انتشار المسيحية خلال حقبة قنسطنطين، ومن ثم لا يهمه هل حدث ذلك معا أو متتاليا وهكذا.

[183] – أى الأحباش.

[184] – أى إلى اثيوبيا الحالية، كما سبق أن شرحنا.

[185] – ويعتبر فرومنتيوس أحد قديسى الكنيسة الحبشية ويدعونه بلغتهم “keste Birhan” أى باعث النور Revealer of light  و”آبا سلامة” اى ابو السلام، وهو أول “أبونا” عندهم، وهو لقب يُطلقونه على رأس الكنيسة عندهم أى ما يعادل البطريرك. وتعيد له الحبشة فى أول أغسطس، والغرب فى 27 أكتوبر. ويذكر كامل صالح نخلة فى كتابه “تاريخ أثناسيوس الرسولى”، نشر مكتبة المحبة، يناير 1952م، ص22 (نقلا عن مروج الاخيار ص656، ولاروس ج3) أنه كان أول أسقف للحبشة، وسيم بيد البابا أثناسيوس الرسولى سنة 330م.

[186] – Iberians  الايبيريون نسبة إلى ايبيريا Iberia ، التي لها معنيان أساسيان، أحدهما قديم (وخاصة فى الكتابات التاريخية القديمة مثل سوزمينوس وسقراتيس) ويُقصد بها قوقاز ايبيريا (التى تقابل تقريبا في العصر الحديث جورجيا والتي لا تزال تستخدم على الجبل المقدس في اليونان) وهذا هو العنوان الذى وضعه بالفعل مترجم تاريخ روفينوس من اللاتينية إلى الانجليزية. أما الآخر وهو الذى ينصرف إليه ذهن القارىء أو المستمع لأول وهلة وهو المعنى الحديث والذى يُقابل(شبه الجزيرة الايبيرية)،أى البرتغال وأسبانيا اليوم. وسوف نجد أن الأحداث بالطبع تؤكد المعنى القديم. ومن غير المعلوم سبب اطلاق هذا اللقب على المنطقتين المتباعدتين جورجيا فى الشرق، واسبانيا والبرتغال فى الغرب. ويقول زينوس: لسنا ندرى فى الوقت الحالى سبب ارتباط هذا الإسم بسكان اسبانيا الحالية والعلاقة بين الشعبين.

[187] –  يحدثنا السنكسار القبطى تحت اليوم السابع عشر من شهر توت(أى 27سبتمبر)، عن تذكار(نياحة القديسة ثاؤغنسطا) وهذه كانت أسيرة فى بلاد الهند !!. وتتفق تفاصيل الرواية القبطية لسيرتها مع الرواية عاليه بإختلاف طفيف فى بعضها. وتضعها فى أيام (انوريوس وأرغاديوس الملكين البارين). أنظر السنكسار الجزء الأول.

[188] – أى بسماح من العناية الإلهية.

[189] – “بحر أوكسين” هو الاسم الذى استخدمه الكتَّاب الانجليز على ما يُعرَف الآن بالبحر الأسود الذى يقع فى جنوب شرق أسيا وتشترك حاليا فيه شعوب تركيا وبلغاريا ورومانيا وأوكرانيا وروسيا. ومن هذا يتأكد أن ايبيريا المقصودة هنا هى ما يُطلَق عليها “ايبيريا القوقاز” أو “ايبيريا الأسيوية” أو “أيبريا الشرقية، تمييزا لها عن “شبه جزيرة ايبريا” وهى جنوب غرب أوربا والتى تشمل جغرافيا الآن (اسبانيا والبرتغال وأندورا وجبل طارق). وبذلك يتضح أن هذا الفصل خاص بإهتداء شعب جورجيا إلى المسيحية لأن جورجيا تقع بالفعل على البحر الأسود وتشترك فى الحدود مع روسيا وأرمينيا وتركيا وأذربيجان.

[190] – هذه الكلمة يقصد بها ما يُعرف حاليا بأسبانيا والبرتغال. وهذا واضح من كلمة “مستوطنة” التى تشير إلى جالية ليست من سكان البلد الأصليين. ولذلك من المرجح كثيرا أن سقراتيس يقصد هنا اهتداء شعب جورجيا إلى المسيحية. تماما مثلما دعا شعب الحبشة “الهند الداخلية”.

[191] – هنا أيضا اختلاف عن رواية روفينوس، أنظر، روفينوس(10/11/3)

[192] – أو باسوريوس أنظر روفينوس، مرجع سابق الذكر،  ك 11:10. ويذكر روفينوس عنه أيضا أنه كان شخصا تقيا ومخلصا قدَّم خدمات جليلة لثيودوسيوس فى حربه مع اوجينيوس.

[193] – الأول أو الكبير. أنظر ك 14:5.

[194] – أنظر أيضا سوزمينوس،3:1، 31:2، 34.

[195] – أو مانيشوس باللاتينية، ومانس باليونانية ومانى بالسريانية والفارسية والعربية(عن السريانية). وقد لقب البعض أتباعه بمانكيين، ومانيخيين. عن هذه الهرطقة أنظر ايضا، يوسيبيوس،”ت.ك.”، 31:7.

[196] – يقصد البدو، من العرب

[197] – بوذا عندنا.

[198] – Summaries

[199] – يقول زينوس أن الكلمة اليونانية هنا  πνεύματος   من الممكن انها تعنى “ريح”.

[200] – “التحول” هنا مقصود به التحول من عنصرٍ إلى عنصر آخر. وهو عكس نظرية التقمص metempsychosis

[201] – The disputation of Archelaus bishop of Caschara . ويقول زينوس أن الاسم الأكثر شهرة لهذه المدينة هو كارها Carrha .  ويقول المعرب أن كارهاى هى مدينة حران المذكورة فى التوراة، والتى استقر فيها ابراهيم أب الآباء عندما غادر مدينة أور. والتى تقع في بلاد ما بين النهرين (ميسوباتاميا). وقد عُرِفت فى العصر الرومانى بإسم كارهاى Carrhae  ورغم أنها من بلاد الشام إلا أنها أُقتُطِعَت من سوريا مع غيرها من مدن وأقاليم وضُمِّت إلى تركيا منذ عام 1923م، وهى حالياً فى جنوب شرق تركيا عند منبع نهر البليخ أحد روافد نهر الفرات.

[202] – فى “حياة..”، 23:3.

[203] – أنظر: ف5 بهذا الكتاب.

[204] – يقول  زينوس من غير الواضح سبب ضم سقراتيس لإسم مونتانوس إلى سابيليوس فالأول كان بدون أدنى شك متفقا مع عقيدة الكنيسة الجامعة بالنسبة للثالوث(أنظر: ابيفانيوس،48). ومع ذلك كانت تلميحات من كتّاب عديدين يرون أن الموناتنيين قد سقطوا فى ضلالات بشأن الألوهية.

[205] – هنا قوس المترجم.

[206] – لاودكية، حسنا قال سقراتيس بسوريا فهناك مدينة أخرى بنفس الإسم تقع فى تركيا الحالية. أما المدينة المقصودة هنا فتقع خرائبها على مسافة حوالي 25 كم جنوب غرب حمص، بسوريا (في قادش).

[207] – الإسم القديم لحلب بسوريا.

[208] – أنظر 9:2.

[209] – قوس المترجم,

[210] – يقول زينوس فى هامشه 235، أن سقراتيس قد أخطأ هنا لأنه طبقا ليوسيبيوس، “ت.ك.”، 1:10، بعد عزل يوستاثيوس ورفض يوسيبيوس [القيصرى] الانتقال إلى انطاكية، نقلوا بولينس من كرسى صور إلى هناك، وكان ذلك فى سنة 329م، وبالتالى لم يكن هناك شغور لكرسى انطاكية لمدة ثمانى سنوات.

[211] – أو اوفرونيوس.

[212] – بيروت.

[213] – يقول زينوس(فى هـ237) أن حقيقة عدم ذكر روفينوس لإسم هذا الكاهن فى تاريخه (12:10)، وتجاهل أثناسيوس الواضح لهذه القصة، يُلقى بظلال الشك على أصالة الرواية هنا. قارن أيضا 39:1 هنا.

[214] – مت 9:28.

[215] – اشارة خبيثة ومستترة إلى تجنب مصطلح هومووسيوس الذى يكشف حقيقة ايمانه ويفضح تلاعبه بالألفاظ.

[216] – النيقوميدى.

[217] – محاولة من سقراتيس لتبرير سلوك الإمبراطور هذا، وهى لها تقديرها الاجتهادى، لكن لا يمكن التسليم بها على نطاق عام.

[218] – النيقوميدى.

[219] – ويُكتب أيضا ايدامون.

[220] – ويكتب أيضا غالينيكوس.

[221] – نعم لك الحق أن تعبر فى صمت، ولكن يظل السؤال قائم لماذا لم يستخدم الإمبراطور القصاص القانونى ضد اصحاب “البلاغ الكاذب” و”مكدرى السِلم العام” بعد أن ثبت افتراءهم أكثر من مرة؟. أو على الأقل الزجر السياسى المانع. غير أن إشارة سقراتيس هنا إلى سبب صمته وهى “لئلا تدان كنيسة المسيح” إنما تعكس احترامه وغيرته على سمعة الكنيسة، التى لم يهتم بها من تدثروا “بثياب ولقب أساقفة” وكانوا فى الحقيقة ذئاب ضارية. ويقول زينوس فى (هامشه 240) أنه يمكننا ان نستدل من مشاعر سقراتيس هذه مدى احترامه للكنيسة. ورغبته فى حجب الحقائق التى تضر بشرف الكنيسة وسمعة المسيحية، ولا تظهِر مثاليتها العالية جدا.

[222] – يعتمد سقراتيس هنا على ما ورد فى دفاع البابا أثناسيوس “ضد الأريوسيين” حيث يقول (فى ف 85) “ماريوتيس اقليم فى الأسكندرية، لا يوجد به ابدا أسقف أو نائب اسقف، ولكن كنائسه كلها تخضع لأسقف الأسكندرية. وكل قس له قرى منفصلة، وهى عديدة. بعضها عشرة، وبعضها أكثر.” وكان اسخيراس مقيما بإحدى هذه القرى.

[223] – هذه إشارة أخرى تعكس مدى احترام سقراتيس للأنظمة الدينية. أنظر عن سلوك اسخيراس غير القويم 20:2 هنا.

[224] – تماما مثل اصحاب شعار “كلنا ملوك وكهنة” فى أيامنا هذه.

[225] – تلميذ البابا أثناسيوس.

[226] – سنرى عند عرض تاريخ حقبة الإمبراطور يوليانوس الجاحد كيف أن إستخدام الأعضاء البشرية فى أعمال السحر كانت إحدى أركان العبادة الوثنية فى الشرق. ومن ثم إتهامهم هنا لأثناسيوس مبنى على هذه الممارسة الوثنية، كأن أثناسيوس وثني!!.

[227] – من ك 1:3 نعلم أنه كان ابنا لأخٍ من أم مختلفة.

[228] – أو الرقيب، وكانت رتبة فى الإدارة الرومانية آنذاك.

[229] – احيانا يستخدم سقراتيس تواريخ تبدو واضحة لقارىء عصره أو هكذا يظن، ولكنها تثير صعوبات للقارىء الآن. فنحن نعلم أن كثيرين من الأباطرة الرومان كانوا يشتركون فى الحكم أولا مع طرف آخر(الأب، الأخت، مغتصب ما، وصى ما..إلخ) وكانوا يُلقبون بقناصل أولا، ثم بعد فترة ينفردون بالحكم. فعندما يقول (من حكم..) دون تحديد يترك القارىء يرجح ماذا يقصد، هل من فترة قنصليته أم منذ أن صار امبراطورا أوحد أم ماذا. على أية الأحوال بالنسبة لأحداث البابا اثناسيوس تساعدنا رسائله فى تحديد الأزمنة. ويُسمى هذا المجمع “بمجمع التدشين” ويؤرخه الأب متى المسكين بسنة 341م. أنظر “القديس اثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين، مرجع سابق الذكر.

[230] – يرى الأب متى المسكين فى كتابه “القديس أثناسيوس” أن هذا المجمع انعقد فى 17 أبيب سنة 335م، وحضره 150 أسقفا، وكان عدد الحاضرين من مصر المؤيدين للبابا أثناسيوس خمسون. كما يقول هيفيليه أن يوسيبيوس القيصرى هو الذى ترأس هذا المجمع.

[231] – قارن عن ذلك بالتفصيل، اثناسيوس “ضد الاريوسيين”، 65و71و72. أنظر أيضا سوزمينوس25:2. ثيودوريت، 28:1. روفينوس، “ت.ك” 17:10. فيلوستروجيوس 11:2.

[232] – ماذا فعلت المحكمة المدنية الموقرة فى هذه المسألة الجنائية البحتة البعيدة تماما عن المجال الكنسى؟. بالطبع مسألة كهذه على سبيل المثال لا الحصر تجعلنا نعيد النظر فى نعت قنسطنطين “بالقديس” الوارد فى بعض السير. أو وضعه فى إطاره التاريخى المحدد شأنه فى ذلك شأن قنسطانتيوس وفالنس ويوليان الجاحد. أنظر عن هذه الواقعة رواية بإسهاب فى عمل البابا أثناسيوس “ضد الاريوسيين”، الفصول 65و 71 و72. وهناك روايات موازية فى سوزمينوس، “ت.ك.”، 25:2[قيد الطبع]، ثيودوريت، “ت.ك.”، 28:1، روفينوس، “ت.ك.”، 17:10[ نشر جنوب سيناء]. فيلوستراجيوس11:2.

[233] – يوضح لنا زينوس هنا أن هذا الإسم يرد فى نص رواية البابا اثناسيوس فى “ضد الاريوسيين،65” بالشكل ᾽Αρχαφ  (Archaph) أى أرخاف وهو إسم مصرى. وصُحِف الى الإسم الكتابى آخاب، أما لقب يوحنا فهو، فى نظر زينوس، لقبا رهبانيا.

[234] – أى بلغة عصرنا كانت القضية سياسية، وليست موضوعية، والحكم فيها صادر قبل المداولة، ومبنى على “الهوية” وليس “الموضوع”. فضلا عن تحيز القضاة المسبق لطرف ضد آخر. وهكذا كما كان يكون ولو بدرجات مختلفة.

[235] – انظر 17:1 عاليه.

[236] – يقول زينوس (فى هامشه 250) أن أريوس مؤسس هرطقة الاريوسية كان قد مات قبل مجمع أورشليم هذا [مجمع للأريوسيين. المعرب]  ومن ثم يستدل فالسيوس أن أريوس المذكور هنا لابد وأن يكون شخصا آخر بنفس الاسم ورد ذِكره فى حولية [البابا] الكسندر الاسكندرى كأحد اتباع رئيس الهراطقة. قارن ف 6 عاليه.

[237] – ورد هذا الخطاب فى عمل البابا اثناسيوس الرسولى”المجامع”(الذى لم يصلنا)، وورد جزء منه فى عمله “ضد الاريوسيين”، 85.

[238] – أو انوبيوس.

[239] – “الغال” Gaul أو “غاليا” Gallia فى الكتابات القديمة كانت تضم معا المناطق التى تعرف اليوم (بفرنسا، وبلحيكا ولومباردى، وساردينيا معا.

[240] – ما من شك فى أن هذا “البعض” الذى أشار إليه سقراتيس هو حزب يوسيبيوس النيقوميدى.

[241] – تريف Treves، أو ترير. تقع هذه المدينة الآن فى جنوب غرب ألمانيا عند نهر ميرزل.

[242] – يؤ 25:2.

[243] – الشاهد هنا للعبارة المقصودة هو يؤ25:2 وليس موسى النبى. ولا أعرف هل هذا الخطأ من نص سقراتيس فى اللغة الأصلية أم أنه سهو من المترجم، أم خطأ نساخة. ويرى نيافة الانبا ابيفانيوس أن الخطأ هنا راجع إلى سقراتيس فى نسبة القول إلى موسى بدلا من يوئيل النبى. ويجب أن نلاحظ هنا أن النص الانجليزى للشاهِد(ط/ كنج جيمس) وكذا النص العربى(ط/بيروت) ترِد فيه عبارة “جيشى” عن الجراد والقَمَص، أما عبارة استيريوس هنا فهى power of God وليس my army لتخدم غرضه الشرير فى المقارنة. وهذا دأب المهرطقين فى كل زمان ومكان.

[244] – يقول زينوس (فى هامشه 254( أن الاضطهاد المشار إليه هنا هو اضطهاد داكيوس الذى حدث سنة 249م. وقد نُعِت الذين قبلوا القيام بالطقوس الوثنية بلقب “lapsed” [أى الساقطين]. وثار جدل واسع فيما بعد بشأن الإجراء الذى يتعين إتخاذه نحو أمثال هؤلاء. وكانت إحدى العواقب هى حرمان هؤلاء من الوظائف الكهنوتية العليا.

[245] – هو بولس اسقف ساموسطا الذى عزله مجمع فى انطاكية سنة 269م بسبب تعاليمه غير المسيحية وغير القويمة وأبرزها إنكار ألوهية المسيح. أنظر عن بدعته، يوسيبيوس، “ت.ك”، 30:7. ابيفانيوس، “الهرطقات”، ف 67.

[246] – ليس القديس باسيليوس الكبير.

[247] – أنظر،  ك 20:2  بعده.

[248] – “مجمع سارديكا” يرجح البعض(ومنهم الأب متى المسكين) أنه كان فى حوالى سنة 343م. وقد عُقِد بأمر من الامبراطور الغربى قنسطانس الذى كان ارثوذكسيا غير اريوسى. أما سارديكاSerdica  أو Sardicaفهى اليوم مدينة صوفيا عاصمة بلغاريا الحالية أحفاد التيراقيين الذين أسسوا سارديكا. وتقع مدينة صوفيا في الجزء الغربي من بلغاريا، على السفح الجنوبي لجبال فيتوشا في ميدان محاط بجبال ستارا بلانينا أو “الجبال القديمة”، سردنا غورا أو الغابة الوسطى، ليولين، وجبال لوزنسكا أو جبال الكرمة. ويعود اسمها الحالى( وهو باللغة البلغارية) إلى اسم كنيسة قديمة للقديسة صوفيا، وشاع عنها هذا الإسم منذ ق13/14م أثناء الاحتلال العثمانى لبلغاريا.

[249] – أنظر (2/15/2).

[250] – أى الكسندر اسقف القسطنطينية.

[251] – أرى أن ذلك تأملا خاصا من سقراتيس لأن صفات اريوس تستبعد تماما، فى ضوء الخبرة المستمدة من واقع حياة المجرمين، تأنيب الضمير. لكن الصحيح  هو أن رعب الله كقصاص قد حلَّ عليه.

[252] – أى عن مرحاض.

[253] – هذا الوصف الدقيق يوحى بالفعل فى ذهن المستمع أو القارى بحالة تسمم شديدة. وهذا هو ما لجأ إليه خدام الشيطان منذ اريوس إلى الآن، إما صراحة وإما خفية فى اسلوب أدبى. ولذلك لزم التوقف هنيهة، للبحث عمن سَّمه. لقد كان سيادته فى القصر الملكى سليما معافى، وأُعجِب الحاكم الأعلى به أيما إعجاب وأصدر له فرمانا خاصا بقبوله الفورى والحتمى!!. وبالطبع لم يضع له السم، مثلما كان يفعل حكام مصر مع خصومهم فى العصور الوسطى. وخرج من القصر فى معية وصحبة أنصاره الذين كانوا بكل تأكيد أشد حرصا على حياته من حرصه هو نفسه عليها. ولم يذكر أحدُ من المؤرخين أو من الكتّاب حتى من أتباعه أنه أكل أو شرب شيئا لا فى الطريق إلى المنتدى ولا من أحد خصومه الألداء. إذن كيف تم تسميمه؟. نحن فى حاجة هنا إلى خيال مؤلفى الروايات البوليسية لحل هذه الأحجية وإيجاد مخرج روائى، متى أردنا أن نستبعد العمل الإلهى.

[254] – كان القدماء فى ذلك الوقت يؤمنون بأن المعمودية تغفر سائر الخطايا السابقة، لذلك كانوا يحرصون على تأجيل المعمودية إلى أن يهدد حياتهم مرض خطير أو يشعرون بالإحتضار. وكان آباء الكنيسة الجامعة يشجبون ذلك، ويرفضون تأجيل المعمودية ناعتين من يفعل ذلك بالأنانية والرغبة فى المزيد من الخطية. ويُلاحظ هنا أن قنسطنطين باشر مجمع نيقية “ووعظ” اساقفته، و”علَّم يوسيبيوس القيصرى المصطلحات اللاهوتية”!! ولم يكن بعد قد اعتمد أو حتى انضم رسميا إلى صفوف “الموعوظين”!!. ومن ناحية أخرى، يرجح البعض أنه نال المعمودية على يد يوسيبيوس الأريوسى اسقف نقيوميديا. ومن هؤلاء زينوس، وأيضا يأخذ به كامل نخلة قى كتابه “تاريخ أثناسيوس الرسولى” ص61.

[255] – سبق أن ذكرتُ فى كتاب روفينوس أن آميدون مترجم عمله يذكر أن هناك  مَن يرى أنه قد عهد بوصيته إلى يوسيبيوس(أو يوساب) النيقوميدى. أنظر هـ86 على روفينوس 7:12:10.[نشر جنوب سيناء].  ويرى زينوس أيضا أن ذلك بالفعل أكثر إحتمالا إذا ما أخذنا بإفتراض أنه هو ذاك الأسقف الذى عمد قنسطنطين الكبير.

[256] – هنا أيضا مفارقة فى التاريخ عند سقراتيس فحسب عبارته (فى السنة الثانية من الأولمبياد 278 ) يكون تاريخ الوفاة حسب جداول هذا التقويم الآثينى على مراكز البحث الالكترونى هو سنة 334م.  بينما التواريخ المدنية تحدد وفاة قنسطنطين بـ 22 مايو سنة 337م غ. وهو التاريخ الذى أخذ به زينوس (فى هامشه 260) ويقول أن هذا اليوم كان فى تلك السنة عيد العنصرة.

[257] – أى فترة حكم قنسطنطين وهى بذلك محسوبة من سنة 22/7/306م عندما أُعلِن من الجيش امبراطورا عقب وفا

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found