مقدمة رسالة بولس الرسول إلى فليمون – تفسير الرسالة إلى فليمون – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

هذه رسالة شخصية وجهها الرسول بولس إلي صديقه فليمون من أجل عبده الهارب أنسيمس الذي التقي بالرسول في روما وآمن علي يده وتاب وإعتمد. وبعد فترة أعاده الرسول ومعه هذه الرسالة. وهي رسالة مملوءة حباً وحملت تطبيقا عمليا للمبادئ المسيحية. نري فيها الرسول في انشغاله بالخدمة وبمشكلة العبد أنسيمس مع سيده فليمون ينسى ألامه هو الشخصية وأنه مسجون، لكن يفيض من حبه لكل من فليمون وأنسيمس.

كان يكفي أن يكتب الرسالة دون أن يرسل العبد، لكنه أراد أن يهب فليمون فرصة التسامح الاختياري فيكون إكليله أعظم، ونري محبة بولس التي تتضح في أنه لا يأمر بسلطان بل في إنسحاق، وقبل أن يطلب حقه تجاه فليمون يفيض عليه بالحب، ويترك له القرار.

هنا نري الرسول بولس يهدم مبدأ العبودية ويصير العبد أخاً، العبد نظير الحر، فلقد إشتري المسيح كلاهما بدمه وحرر كلاهما، وصارا كلاهما إبنان لله على قدم المساواة، لكن بولس لم يهدم مبدأ العبودية خلال ثورة علي القوانين القائمة بل خلال المحبة المسيحية، فليمون سامح أنسيمس وأعطاه الحرية.

هنا نري بولس يستفيد من طاقات كل من حوله، فلقد صار فليمون أسقفاً علي كولوسى، وأنسيمس اسقفاً علي بوريا بمكدونية.

فليمون ولد بكولوسى ونشأ فيها وآمن علي يد بولس الرسول.

كتب الرسول هذه الرسالة في سجنه الأول في روما سنة 62 أو سنة 63 وهو يذكر أنه أسير (آيات 1، 10، 23) ويتحدث عن رجائه في الخروج طالباً من فليمون أن يعد له مسكناً (آية 22).

أنسيموس نفسه هو الذي أرسل الرسالة إلى كولوسي. والأشخاص الذين ذكر سلامهم في هذه الرسالة هم المذكورين في الرسالة إلى كولوسي.

الإصحاح الأول

الأعداد 1-3

الآيات (1 - 3): -

"1بُولُسُ، أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ، إِلَى فِلِيمُونَ الْمَحْبُوبِ وَالْعَامِلِ مَعَنَا، 2 وَإِلَى أَبْفِيَّةَ الْمَحْبُوبَةِ، وَأَرْخِبُّسَ الْمُتَجَنِّدِ مَعَنَا، وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ 3نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

بُولُسُ، أَسِيرُ يَسُوعَ:

أنه يفتخر بآلآمه التي قبلها لأجل المسيح. وبقوله أسير يثير حنو قلب فليمون تجاه بولس ليكون لكلماته قوة ويسامح أُنسيمس، وأيضا فهو أسير ويعلن بهذا مشاركته للعبد فيما يستحقه من أسرْ، ولم يذكر أنه رسول فهو يستخدم أسلوب الحب لا السلطان. وإن كان بولس قد خسر حريته لأجل المسيح ألا يخسر فليمون شيئاً لأجل المسيح ويسامح عبده.

وَتِيمُوثَاوُسُ: كأنه يشرك معه تيموثاوس في طلبه العفو عن أُنسيمس.

الْعَامِلِ مَعَنَا: شريك في العمل إذاً هو ملتزم بأن يسلك بروح رسولية كخادم ناضج، ويبحث عن خلاص كل نفس. وبالتالي يهتم بنفس أُنسيمس.

أَبْفِيَّةَ وَأَرْخِبُّسَ: يقول ذهبي الفم أن أبفية هى زوجة فليمون وأن أرخبس هو إبنه. ولاحظ كلمات المحبة والتشجيع.

الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ: لقد جعل فليمون بيته كنيسة يجتمع فيها المؤمنين.

نِعْمَةٌ وَسَلاَمٌ: يذكره بالنعمة الغافرة التي للمسيح ليغفر هو أيضا لأُنسيمس فيمتلئ سلاماً.

الأعداد 4-6

الآيات (4 - 6): -

"4أَشْكُرُ إِلهِي كُلَّ حِينٍ ذَاكِرًا إِيَّاكَ فِي صَلَوَاتِي، 5سَامِعًا بِمَحَبَّتِكَ، وَالإِيمَانِ الَّذِي لَكَ نَحْوَ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَلِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، 6لِكَيْ تَكُونَ شَرِكَةُ إِيمَانِكَ فَعَّالَةً فِي مَعْرِفَةِ كُلِّ الصَّلاَحِ الَّذِي فِيكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ.".

قبل أن يطلب منه شيئاً يفيض عليه من محبته، هو يعطيه قبل أن يأخذ منه، يهبه عطفاً أعظم قبل أن يطلب عطاءاً أقل، يفعل هذا حتي لا يرفض طلبه في العفو عن أُنسيمس، فهو لا ينساه في وسط سلاسله بل يصلي لأجله، ويتتبع أخباره، ومعجب بإيمانه ويشكر الله على تقدمه.

أَشْكُرُ إِلهِي: هو يشعر بعلاقة خاصة تربطه بالله.

سَامِعًا بِمَحَبَّتِكَ، وَالإِيمَانِ الَّذِي لَكَ: هذا الإيمان هو سبب المحبة لجميع القديسين.

لِكَيْ تَكُونَ شَرِكَةُ إِيمَانِكَ: هو يصلي ليكون إيمانه نشيطاً، تنتقل فعاليته، ربما بالمثل أو بالحث إلي الآخرين، الذين يشاهدون تقواه ويقرون بمحبته فيتمثلوا به.

كُلِّ الصَّلاَحِ: هذه مقدمة من بولس لفليمون حتي يظهر الصلاح الذي فيه فيعفو عن أُنسيمس.

العدد 7

آية (7): -

"7لأَنَّ لَنَا فَرَحًا كَثِيرًا وَتَعْزِيَةً بِسَبَبِ مَحَبَّتِكَ، لأَنَّ أَحْشَاءَ الْقِدِّيسِينَ قَدِ اسْتَرَاحَتْ بِكَ أَيُّهَا الأَخُ.".

يا لعذوبة حب الكنيسة ووحدتها، فإنها تفرح كثيراً وتتعزي بمحبة رعاتها ورعيتها ونموهم الروحي.

العدد 8

آية (8): -

"8لِذلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِي بِالْمَسِيحِ ثِقَةٌ كَثِيرَةٌ أَنْ آمُرَكَ بِمَا يَلِيقُ".

إنه بالمسيح لا يطلب فقط بل يأمر. أن هذه تفهم أنه بالسلطان الذي لي من المسيح آمرك بكذا. ولكن بمقارنة آيات 7، 8، 9 ومن روح الرسالة نفهم أن المعني هو من أجل المسيح ومن أجل محبتك التى هي ظاهرة (آية 7) ومن أجل أن هذا هو ما يليق ومن أجل المحبة (آية 9) آمر. إذاً هو أمر في المحبة أو بالمحبة، محبة المسيح.

العدد 9

آية (9): -

"9مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ، أَطْلُبُ بِالْحَرِيِّ­ إِذْ أَنَا إِنْسَانٌ هكَذَا نَظِيرُ بُولُسَ الشَّيْخِ، وَالآنَ أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَيْضًا.".

بُولُسَ الشَّيْخِ: هنا كلمة شيخ تعني السلطان الكهنوتي الأبوي، هي محبة أبوية من بولس لإبنه فليمون، ويريد من إبنه أن لا يضيع فرصة نظير هذه ليعمل خيراً ويعفو ويغفر لمن قد صار أخيه في المسيح.

العدد 10

آية (10): -

"10أَطْلُبُ إِلَيْكَ لأَجْلِ ابْنِي أُنِسِيمُسَ، الَّذِي وَلَدْتُهُ فِي قُيُودِي.".

ما يبهج قلب فليمون أن أُنسيمس صار مسيحيا وإعتمد، فصار إبناً لبولس كما أن فليمون إبن لبولس من قبل، وما يعطي كرامة لأُنسيمس أن بولس ولده وهو في السجن، في معركة قاسية أثناء محاكمته لأجل الرب.

العدد 11

آية (11): -

"11الَّذِي كَانَ قَبْلاً غَيْرَ نَافِعٍ لَكَ، وَلكِنَّهُ الآنَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي.".

الآنَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي: لقد تغيرت صفاته، لكن هناك مقابلة طريفة فأُنسيمس تعني نافع، وبولس يريد أن يقول أنه اصبح إسما علي مسمى وقد صار مستحقا للمديح فعلا.

العدد 12

آية (12): -

"12الَّذِي رَدَدْتُهُ. فَاقْبَلْهُ، الَّذِي هُوَ أَحْشَائِي.".

الَّذِي هُوَ أَحْشَائِي الَّذِي رَدَدْتُهُ: لقد شعر أُنسيمس أنه أخطأ في حق فليمون، وطلب إليه بولس أن يعود ليصالح سيده. وكلمة أحشائى تشير أننى أحبه من داخلي، لقد صار شخصاً جديداً.

الأعداد 13-14

الآيات (13 - 14): -

"13الَّذِي كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ أُمْسِكَهُ عِنْدِي لِكَيْ يَخْدِمَنِي عِوَضًا عَنْكَ فِي قُيُودِ الإِنْجِيلِ، 14 وَلكِنْ بِدُونِ رَأْيِكَ لَمْ أُرِدْ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا، لِكَيْ لاَ يَكُونَ خَيْرُكَ كَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الاضْطِرَارِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الاخْتِيَارِ.".

أنه كراع صالح لا يفوت الفرصة علي فليمون أن يعفو عن أُنسيموس بإرادته واختياره، الله لا يًلزِمْ أحداً بصنع الخير بل يعطي للكل حرية الإرادة، وهكذا عمل بولس مع فليمون. والله يعطى مع حرية الإرادة إمكانية الإرادة الصالحة والعمل الصالح، هو بنعمته يسندنا ويعيننا، يبدأ معنا الطريق ويسير معنا ويكمله دون أن يقهرنا علي ذلك قهراً.

الأعداد 15-16

الآيات (15 - 16): -

"15لأَنَّهُ رُبَّمَا لأَجْلِ هذَا افْتَرَقَ عَنْكَ إِلَى سَاعَةٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى الأَبَدِ، 16لاَ كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخًا مَحْبُوبًا، وَلاَ سِيَّمَا إِلَيَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعًا.".

حقا كل الأمور تعمل معاً للخير، فهروب أُنسيمس قاده للإيمان، وصار أخاً لفليمون. ولكن الهروب نفسه ليس عمل صالح لكن الله قادر أن يخرج من الآكل أكل. وبهذا إرتبط أُنسيمس مع فليمون لا في علاقات زمنية بل في أخوة مملوءة حباً فيصير لفليمون إلي الأبد لا تفرقه عنه أحداث أو حتي الموت. ولاحظ كلمات بولس الرسول المملوءة حكمة لكي يخفف من حدة الموقف علي فليمون يقول له ربما ولكي يراعي مشاعر أُنسيموس لا يقول هرب بل يقول إفترق عنك.

العدد 17

آية (17): -

"17فَإِنْ كُنْتَ تَحْسِبُنِي شَرِيكًا، فَاقْبَلْهُ نَظِيرِي.".

نَظِيرِي: أنني أحبه كنفسى، فإذا قبلته كأنك قبلتني.

العدد 18

آية (18): -

"18ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذلِكَ عَلَيَّ.".

نحن شركاء، لذلك ما عليه أنا أوفيه حتي في فترة ما قبل إيمانه.

العدد 19

آية (19): -

"19أَنَا بُولُسَ كَتَبْتُ بِيَدِي: أَنَا أُوفِي. حَتَّى لاَ أَقُولُ لَكَ إِنَّكَ مَدْيُونٌ لِي بِنَفْسِكَ أَيْضًا.".

أنا قد عرفتك طريق الحياة، فأنت مديون لي بنفسك.

العدد 20

آية (20): -

"20نَعَمْ أَيُّهَا الأَخُ، لِيَكُنْ لِي فَرَحٌ بِكَ فِي الرَّبِّ. أَرِحْ أَحْشَائِي فِي الرَّبِّ.".

سيفرح بفليمون إذ يري ثمار محبته في عفوه عن عبده انسيمس.

العدد 21

آية (21): -

"21إِذْ أَنَا وَاثِقٌ بِإِطَاعَتِكَ، كَتَبْتُ إِلَيْكَ، عَالِمًا أَنَّكَ تَفْعَلُ أَيْضًا أَكْثَرَ مِمَّا أَقُولُ.".

وهكذا كانت المسيحية تعمل لا بثورات دموية لتحرير العبيد بل بخميرة الحب والإخاء في المسيح.

العدد 22

آية (22): -

"22 وَمَعَ هذَا، أَعْدِدْ لِي أَيْضًا مَنْزِلاً، لأَنِّي أَرْجُو أَنَّنِي بِصَلَوَاتِكُمْ سَأُوهَبُ لَكُمْ.

كان الرسول يتوقع الإفراج عنه وتُرَّد إليه حريته = أُوهَبُ لَكُمْ، ويطلب إعداد منزل له حين يخرج، وكأنه لا ينتظر رداً في أمر أنسيمس إذ يثق في طاعة فليمون ومحبته.

الأعداد 23-24

الآيات (23 - 24): -

"23يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 24 وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي.".

يقدم له سلام الخدام العاملين معه، ولعله في ذكرهم إستشفاع بهم في أمر أُنسيموس. كما يحمل وحدة الكنيسة الجامعة ومحبة الخدام لبعضهم البعض.

أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي: غالباً يقصد في المسيح يسوع، أو ربما قَبِل أبفراس من محبته في بولس الرسول أن يسجن معه.

دِيمَاسُ: الذي ترك بولس في أسره الثاني 2تي4: 10.

العدد 25

آية (25): -

"25 نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ. آمِينَ.".

No items found

تفاسير الرسالة إلى فليمون الأصحاح 1
تفاسير الرسالة إلى فليمون الأصحاح 1