الأصحاح الثامن – سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 18- تفسير سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الثامن

غيرة يهوديت على شعب الله.

اتسمت يهوديت بالتقوى:

ا. كرّست غرفة سرية في أعلى البيت تقيم فيها مع جواريها، فقد آمنت بالحياة السرية مع الله.

ب. كانت ترتدي المسوح على حقويها.

ج. كانت تصوم كل أيام حياتها ماعدا أيام الأعياد الأسبوعية والشهرية والسنوية.

د. نالت شهرة عظيمة لا من أجل جمالها الباهر، وإنما من أجل تقواها.

ه. بالإيمان الحيّ رفضت تحديد زمان لعمل الله، وطالبت أن يقدموا توبة بروح التواضع.

و. دبّرت خطة لمقابلة أليفانا دون أن تخبر أحدًا، إنما طلبت مساعدتهم: "لا تصنعوا شيئًا غير الصلاة عني إلى الرب إلهنا" (33: 8).

1. من هي يهوديت؟ 1 - 8.

2. يهوديت توبخ القادة لعدم إيمانهم 9 - 17.

3. يهوديت والتسليم في يدي الله 18 - 24.

4. يهوديت تكشف عن غاية التجربة 25 - 27.

5. عزيا يطلب صلوات يهوديت 28 - 31.

6. يهوديت تبدأ خطة العمل 32 - 36.

الأعداد 1-8

1. من هي يهوديت

وفي تِلكَ الأَيَّام بَلَغ الخبَرُ يَهوديت،.

وهي بِنتَ مَرارِيَ Merari بنِ أَخْسَ Ox بن يوسفَ Joseph بنِ عُزِّيئيلَ Oziel بنِ حِلْقِيَّا Elkiah بنِ حَنَنْيا Ananias بن جِدعَونَ Gideon بنِ رافائيمَ Raphaim بنِ أَحيطوبَ Ahitub بنِ إِيليَّا Elijah بنِ حِلْقِيَّا Hilkiah بنِ أَليآب َ Eliab بنِ نَثانئيلَ Nathanael بنِ شَلوميئيلِ Salamiel بنِ صورِيشَدَّايَ Sarasadai بنِ إِسْرائيل [1].

يقدم لنا السفر أنساب يهوديت إلى الجيل السادس عشر حيث يبلغ إلى رئيسين مشهورين من سبط شمعون معاصرين لموسى النبي، وقد قام بتعيينهما، وهما شلوميئيل بن صوريشداي (عد 2: 12). هكذا ترجع يهوديت إلى أصل نبيل.

ذكر التفاصيل الخاصة بنسب يهوديت يؤكد أنها ليس قصة خيالية أو رمزية بل واقع تاريخي لشخصية حقيقية وبذات الاسم وليس اسمًا رمزيًا. وكما جاء في دائرة المعارف الكاثوليكية[136] أن ذكر تفاصيل موت رجلها منسَّى (يهو 8: 2 - 4) يجعل من الصعب أن تُحسب قصتها مجرد فن قصصي، إنما يؤكد أن يهوديت هي بطلة تاريخية حقيقية.

يهوديت أرملة يهودية تحرص على التعرف على الأنساب. وقد كان اليهود يلقنون أطفالهم سلسلة نسبهم، فما أن تسأل الطفل اليهودي حتى يسرد قائمة طويلة عن آبائه وأجداده؛ وهذه علامة اعتزازه بانتسابه الأصيل للأمة اليهودية كشعب الله.

يرى دميان ماكي أن يهوديت تمت بصلة قرابة لعزيا، بل ويراها أنه أخته الصغيرة من جهة الأب دون الأم. وقد كانت صغيرة حتى أن بوغا أو ربساريس الأشوري في حديثه عنها في المعسكر الأشوري قال "هذه الفتاة الجميلة this pretty girl" (12: 13).

وكان مَنَسَّى Manasseh زَوجُها مِن سِبْطِها وعَشيرتها،.

وقد ماتَ في أَيَّامِ حِصادِ الشَّعير [2].

كان زوجها منسى غنيًا جدًا كما يظهر من الثروة التي تركها لها (٨: ٧). مع غناه كان يدير موضوع حصاد الشعير وسط العمال، فأصابته ضربة شمس. كثيرًا ما يحدث هذا في منطقة الشرق الأوسط في الصيف أثناء الظهيرة.

فإِنَّه كانَ يُراقِبُ رابِطي الحُزَمِ في الحقل،.

فَوقَعَ الحَرُّ الحارِقُ على رأسِه،.

فلازمَ الفِراشَ، وماتَ في بَيتَ فَلْوى مَدينتِه.

فدَفَنوه مع آبائِه في الحَقْلِ الَّذي بَينَ دوثانَ Dothan وبَلَمون Balamon [3].

وكانت يَهوديتُ مُتَرمِّلةً في بَيتِها مُنذُ ثَلاثِ سَنواتٍ وأَربَعةِ أَشهُر [4].

كثيرًا ما ترتبط الأرامل بالأيتام والمساكين والغرباء والضيوف بكونهن يحتجن إلى اهتمام المؤمنين ورعايتهم، ويحسب الله كل خدمة تُقدم لهن كأنها مقدمة له شخصيًا. لكن بعض الأرامل استطعن أن يكرسن طاقاتهن للعبادة والعمل لحساب المجتمع، فانتقلن من فئة محتاجة إلى من يخدمها ويرعاها إلى فئة مكرسة للرب تقوم بعمل قيادي في خدمة ملكوت الله. من بين هؤلاء الأرامل حنة النبية (لو ٢: ٣٦ - ٣٧).

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الكنيسة ككل هي أرملة واحدة، سواء كانوا رجالاً أو نساء، متزوجين ومتزوجات، الكنيسة ككل أرملة واحدة مهجورة في هذا العالم! إن شعرت بهذا، وعرفت حقيقة ترملها، عندئذ يكون العون بين يديها حاضرًا لديها[137].].

وفي حديث القديس يوحنا الذهبي الفم لأرملة شابة يقولً: [عندما نظم (الرسول) موضوع الأساقفة لم يحدد لهم السن، أما هنا فحدد السن، لماذا؟ ليس لأن الترمل أعظم من الكهنوت، إنما لأن للأرامل أعمال خطيرة... فهن محاصرات بأعمال متنوعة، عامة وخاصة. وكما أن المدينة غير الحصينة تكون نهبًا لمن يريد أن يسلبها، هكذا الشابة الأرملة، يترقبها كثيرون حولها، ليس فقط الذين يرغبون في نهب أموالها، وإنما الراغبون في إفساد عفتها أيضًا[138].].

  • يلزم الأرملة أن تتمم كل عمل صالح، وإن لم تستطع فلتساهم فيه.
  • هكذا يتطلب الرسول التدقيق في الأرامل أكثر مما يتطلبه في العذارى، يتطلب فيهن أن يكن أكثر دقة وأعظم فضيلة[139].
  • بقوله هذا جعلنا نفهم أن اللواتي فقدن رجالهن هن عرائس المسيح بدلاً من رجالهن... هذا أنت ترين أن كرامة عظيمة تُمنح للأرامل! هذا في العهد الجديد حيث أضاء نور البتولية أيضًا بوضوح. وبالرغم من شدة بهاء هذه الفئة (البتوليين) إلاَّ أنها لا تطغي على أمجاد الأرامل، حيث تضيء للكل محتفظة بقيمتها[140].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

وكانَت قد هَيَّأَت لِنَفسِها مسكنًا على سَطحِ بَيتها،.

وكانَت تَضَعُ مِسْحًا على حقويها،.

وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها [5].

اعتاد اليهود أن يخصصوا العلية للصلاة مثل سارة ابنة راكويل Raquel (طو ٣: ١٧)، ودانيال (دا ٦: ١٠)، وبطرس الرسول (أع ١٠: ٩).

لم يُذكر ليهوديت أن لها ابن أو ابنة، وكان من حقها الزواج من شقيق رجلها أو من الوَّلي لتقيم له نسلاً، لكنها أرادت أن تعيش حياة البتولية، فانقطعت للعبادة في علية بيتها، ترتدي ثياب الترمل التي تخلو من كل زينة، ثيابًا سوداء أو غامقة.

  • واضح أن كل ما فيه احتشام يكون دائمًا نافعًا. فالقديسة يهوديت بالاحتشام لم تبالِ بسلامها، ووضعت نهاية لمخاطر الحصار، وبفضيلتها كسبت ما هو نافع للكل بصفةٍ عامةٍ[141].

القديس أمبروسيوس.

كتب القدِّيس جيروم إلى الأرملة فيوريا Furia، مقدَّما لها حنَّة مثلاً حيًا، إذ يقول:

[أتريدين أن تعرفي ما يجب أن تكون عليه الأرامل؟ لنقرأ الإنجيل بحسب لوقا، فإنَّه يقول: "وكانت نبيّة حنَّة بنت فنوئيل من سبط أشير". فإنَّ كلمة "حنَّة" تعني "نعمة (حنان الله)"، وفنوئيل في لساننا يعني "وجه الله"، "وأشير" يمكن ترجمتها "غنى" أو "طوباويّة"، وكانت منذ صباها قد تحمَّلت الترمُّل لمدة 84 عامًا لا تفارق الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهارًا لذلك نالت النعمة روحيًا وتقبَّلت لقب "ابنة وجه الله" وتمتَّعت بنصيب في "الطوباويّة والغنى" إذ تنسب له[142].].

وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها،.

ماخَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها،.

وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم [6].

"ماعدا عشيات السبوت": لا توجد أية وصية بخصوص عدم الصوم في عشيات الأعياد، لكن يبدو أن هذا كان سائدًا باعتبار أن اليوم يبدأ من عشيته.

لم يكن الترمل يُلزم المرأة اليهودية بالصوم، أما يهوديت التي تطلب حياة الشركة مع الله فقضت كل أيام ترملها صائمة فيما عدا أيام الأعياد الأسبوعية (السبوت) والشهرية (رؤوس الشهور) والسنوية.

  • إذ صام أهل نينوى ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هربوا من تنفيذ الغضب عليهم، وبالصوم هربت أستير ومردخاي ويهوديت من الشريرين المُسلَّحين أليفانا وهامان[143].

قوانين الرسل.

  • لا تكن الأرامل متجولات ولا مغرمات بالأطاييب، ولا متسكعات من بيت إلى بيت؛ لكن ليتهن يكن مثل يهوديت التي كانت تهتم أن تكون جادة، ومثل حِنة مكرمة من أجل تعقلها. لست أصدر أمرًا كرسولٍ، لأنه من أنا؟ وما هو بيت أبي؟ حتى أحسب نفسي مساويًا للرسل؟ لكنني كجنديٍٍ صالحٍ آخذ موقف من ينصحكنّ[144].

القديس أغناطيوس الأنطاكي.

وكانَت جَميلةَ الطَّلعَةِ،.

ظَريفَةَ الهَيئَةِ جِدًّا،.

وقد تَرَكَ لَها مَنَسَّى زَوجُها ذَهَبًا وفِضَّةً وخُدَّامًا وجَواريَ وقُطْعانًا وحُقولاً،.

وكانَت تُقيمُ في أَمْلاكِها [7].

لم تستطع هذه الثروة أن تدفع قلبها إلى التشامخ، بل تحلَّت بكثير من الفضائل في تواضعٍ حقيقيٍ، مع اتكال على عمل الله الفائق، فصارت موضع سرور الله، وتقدير أهالي المدينة كلها. كانت تحمل بركة الرب وتمجد الله بحياتها كما بلسانها.

ولم يكُنْ هُناكَ أَحَدٌ يَقولُ علَيها كلِمةَ سُوء،.

لأَنَّها كانت تتَّقي اللهَ كَثيرًا ومُكرسة له [8].

بتقواها خدمت يهوديت شعبها أكثر من كثيرين من القادة وشيوخ بلدها. قدمت عبادتها الطاهرة ما لم يفعله هؤلاء بكل مجهوداتهم.

  • كما أن يهوديت المشهورة جدًا بحكمتها، وذات سمعة طيبة من أجل ضبط نفسها، "صلَّت إلى الله نهارًا وليلاً لأجل إسرائيل"، هكذا أيضًا الأرملة التي تود أن تكون مثلها تقدم شفاعة عن كنيسة الله بلا انقطاع. فسيسمع الله لها، لأن فكرها ثابت على هذا الأمر وحده، ولا يميل نحو النهم أو الطمع أو طلب الأشياء الثمينة. عيناها طاهرتان، وسمعها نقي، ويداها غير دنستين، وقدماها هادئتان، وفمها ليس معدًا للنهم وللكلمات التافهة، إنما تنطق بما هو لائق، وتشترك في الأمور الخاصة بحفظها وحده. وإذ هي جادة ولا تسبب قلقًا، يُسر بها الله. فحالما تسأل شيئًا تنال طلبتها كقوله: "تتكلم (تستغيث) فأقول: هأنذا" (إش 58: 9). لتكن مثل هذه متحررة من محبة المال، ومن التشامخ، لا تطلب الربح القبيح، ولا نهمه بل عفيفة. ووديعة ولا تسبب اضطرابًا لأحدٍ، تقية، محتشمة، جالسة في بيتها، مسبحة، مصلية، تقرأ (الكتاب المقدس)، ساهرة، صائمة، تتحدث مع الله باستمرار في أغانٍ وتسابيح. لتغزل الصوف، تعين الآخرين أكثر منها أن تطلب منهم. لتفكر في الأرملة التي كرَّمها الإنجيل بشهادة الرب، هذه التي جاءت إلى الهيكل، وألقت فلسين قيمتهما ربع في الخزانة. رآها المسيح ربنا وسيدنا، فاحص القلوب، وقال: "الحق أقول لكم إن هذه الأرملة ألقت في الخزانة أكثر من الجميع، لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر 12: 43 - 44؛ لو 21: 2) [145].

قوانين الرسل.

الأعداد 9-17

2. يهوديت توبخ القادة لعدم إيمانهم

وسَمِعَت كَلِماتِ الشَّعبِ السَّيِّئَةَ على الرؤساء،.

لأِنَّ عَزيمَتَهم خارَت بِسَبَبِ قِلَّةِ المِياه.

وسَمِعَت أَيضًا يَهوديتُ جَميعَ الكلامِ الَّذي كَلَّمَهم بِه عُزيَّا،.

إِذ أَقسَمَ لَهم بِتَسْليم المَدينةِ بَعدَ خَمسةِ أَيَّامٍ إلى الأشوريِّين [9].

إذ عاشت كما في قلاية في علية بيتها مع جواريها اللواتي كن يقتدين بها لم يكن يشغلها شيء من أمور العالم، لكن قلبها المرتفع إلى الله بغنى نعمته كان يتسع بحبها كسيدها. كانت تحمل بالحب شعبها، تصلي لحسابه، وتشتهي بنيانه روحيًا. فمع اعتزالها جسديًا شاركت شعبها بقلبها وفكرها وحواسها في الرب. حزنت لإساءة الشعب لرئيس البلدة، وتألمت لانهيارهم روحيًا ونفسيًا من أجل قلة المياه؛ وتمررت نفسها من أجل كلمات عُزيَّا الذي حدد موعدًا لعمل الله وألا استسلم للعدو!

  • إنني أحدث النساء أن يجعلن هذا هو عملهن، وأن يقدمن المشورة اللائقة. فإنه إذ لهن قوة عظيمة للصلاح هكذا أيضًا للشر. امرأة حطمت أبشالوم، وامرأة حطمت أمنون، وامرأة كادت تحطم أيوب، وامرأة أنقذت نابال من القتل. نسوة حفظن الأمم مثل دبورة ويهوديت، اللواتي أظهرن نجاحًا يليق بالرجال. هكذا ربوات من النسوة فعلن هكذا[146].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

فأرسَلَت وَصيفَتَها الأمينة القَيِّمةََ على جَميعِ أَمْوالِها،.

ودَعَت شيخيَ مَدينتِها.

كَبرْى Chabris وكَرْمي Charmis (وجاء معهما عُزيّا) [10].

لم تكن يهوديت ذات مركز رسمي في المجتمع، ولم تكن تنشغل بإدارة بلدها مع الرئيس وشيوخ الشعب، لكنها إذ رأت انهيار الإيمان على مستوى الشعب والقادة أرسلت وصيفتها الخاصة التي تقوم بتدبير شئون ممتلكاتها وأمورها المادية، وطلبت القادة للحضور لمناقشة الموقف الخطير، إذ يمس الحق الإلهي.

لم ترد كلمة "عُزيَّا" في بعض المخطوطات اليونانية. لذا يرى البعض أن يهوديت أرسلت وصيفتها للشيخين الآخرين فقط. لكن عُزيَّا إذ سمع عن خبر استدعائهما، ذهب بروح التواضع بنفسه ليشترك في الحوار، ويستمع إلى مشورتها لثقته في حكمتها وتقواها مع شعوره بالمرارة والضيق الشديد الذي حلّ بالمدينة. إنه كرئيس للمدينة يود أن يسمع صوت الله بأية وسيلة لإنقاذ شعب الله.

فأَتَوا إلَيها، فقالَت لَهم:

"اِسمَعوا لي، يا رُؤَساءَ السُّكَّانِ في بَيتَ فلوى،.

لَيسَ صائبًا كَلامُكمُ الذي تَكلَّمتُم بِه أَمامَ الشَّعبِ في هذا اليَوم،.

فأَقسَمتُم ذلك اليَمينَ الَّذي أَدَّيتُموه بَينَ اللهِ وبَينَكم،.

فوَعَدتُم بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعدائِنا،.

إِن لم يُعنا الرَّبُّ في هذه الأَيَّامِ المعينة [11].

بكل تقدير لهذه الأرملة المملوءة حبًا وتقوى وغيرة جاء القادة دون ترددٍ، وبروح المحبة مع الالتصاق بالحق الإلهي، وبختهم على ما صدر منهم بخصوص تحديد مدة معينة لعمل الله وتدخله. في هذا نوع من ممارسة الضغط على الله، فصاروا يجربونه، الأمر الذي لا يليق في التعامل مع الله.

  • الأرملة الصالحة عادة لا تنقصها الشجاعة. فإنها شجاعة حقيقية تتعدى الطبيعة العادية وضعف الجنس بتكريس الذهن، كما هو الأمر في تلك التي تُدعى يهوديت. هذه التي بمفردها استطاعت أن تقوم من المذلة التامة وتحمى من العدو رجالاً سقطوا بالحصار، وضُربوا بالخوف، وانحلوا بواسطة الجوع... عندما كان الرجال المسلحون في خوفٍ، بدأوا فعلاً الحوار في الاستسلام نهائيًا، خرجت خارج الأسوار تفوق الجيش الذي خلصته، في أكثر شجاعة من الذين دخلت معهم في معركة[147].

القديس أمبروسيوس.

والآن فمَن أَنتُم، حتَّى جَرَّبتُمُ اللهَ في هذا اليَوم،.

وأَقَمتُم أَنفُسَكم كما لو كان اللهِ مساويًا للبَشَر؟ [12].

والآن فإِنَّكم تَمتَحِنونَ الرَّبَّ القَدير،.

فلَن تَفهَموا شيَئًا لِلأَبَد! [13].

يذكر لنا الكتاب المقدس كيف حاول اليهود عبر تاريخهم أن يجربوا الله، فيدخلوا تحت الغضب لا الرحمة (خر ١٧: ٢ - ٧؛ عد ١٤: ٢٢؛ تث ٦: ١٦؛ أي ٢٨: ٢؛ ٤٠: ٢٠؛ ٤٢: ٣؛ مز ٧٨: ١٨؛ ٩٥: ٩؛ ١٠٦: ١١؛ إش ٧: ١٢؛ مت ٤: ٧؛ أع ١٥: ١٠؛ ١ كو ١٠: ٩).

ليس لنا أن نحدد لله موعد تدخله لرفع الضيقة، لأننا لا نعرف فكر الله ولا حكمته، إنما في يقينٍ من أبوته وحكمته وقدرته نعرض أمورنا عليه في صلواتنا، بتسليمٍ كامل لعمله في الوقت الذي يراه مناسبًا، وبالطريقة التي يريدها. لندرك أنه يعمل لخيرنا، كأبٍ حكيمٍ قدير.

  • ليتنا لا نجرب الرب، كأن نقول: إن كنا منتمين لك، هب لنا أن نعمل معجزة[148].

القدِّيس أغسطينوس.

  • "لا تجرب الرب إلهك" (مت 4: 7). بهذا يعلمنا أن نغلب الشيطان لا بصنع المعجزات، بل بالاحتمال وطول الأناة، وألا نصنع شيئًا قط للاستعراض والمجد الباطل[149].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

لأَنَّكم لن تقدروا أن تَكتَشِفوا أَعْماقَ قَلبِ الإِنسان،.

ولن تُدركوا أَفكارَ ذِهنِه،.

فكَيفَ تَهتَدونَ إلى اللهِ الَّذي صَنَعَ كُلَّ ذلك،.

وتَفهَمونَ فِكرَه، وتُدركونَ تَدبيرَه؟

لا، يا إِخْوَتي، لا تُثيروا غَضَبَ الرَّبِّ إِلهِنا [14].

إن كان الإنسان لا يستطيع إدراك أعماق إنسانٍ آخر، بل وأحيانًا لا يدرك أسراره هو الداخلية، فكيف يدرك خطة الله وحكمته، ويمارس نوعًا من الضغط عليه والمساومة كأنه أكثر حكمة من الله، وأكثر غيرة على الحق الإلهي.

شتان ما بين اللجاجة في الصلاة مع تسليمٍ كامل لمشيئته الإلهية وبين الإصرار على حلٍ معينٍ في تصلفٍ وعنادٍ.

إننا نحتاج إلى التجارب مع عمل روح الله القدوس، لكي نتعرف على فكر الرب بل ونقول: "لنا فكر المسيح" (1 قو 2: 16).

  • إننا نعرف الأمور التي في فكر المسيح، التي يريدها وقد أعلنها لنا. هذا لا يعني أننا نعرف كل شيءٍ يعرفه المسيح، بل بالحري ما نعرفه إنما يأتي من عنده وهو روحي[150].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • فحص بولس أمور الأسرار الإلهية الغامضة والخفية، وأعلن بعبارات مقترحة عن الاستنارة التي نالها من الله لإدراك ما لا يُدرك وما لا يُفحص[151].

القديس غريغوريوس النيسي.

فإِن لم يَشَأْ أَن يُعيننا في الأَيَّام الخَمسَة،.

فلَه سُلْطانٌ به يَحمِينا في الأَيَّامِ الَّتي يَشاء،.

أو يُبيدُنا أَمامَ أَعدائِنا [15].

أرادت يهوديت أن يحمل شعبها نفس روح الثلاثة فتية الذين كانوا في أرض السبي، عندما هددهم الملك قالوا بروح الإيمان والتسليم في يدي الله: "هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة، وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلا فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك، ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته" (دأ 3: 17 - 18).

في بابل (بعد أحداث يهوديت) تحدى الثلاثة فتية الموت حرقًا. لقد سلموا حياتهم في يدي الله، سواء أنقذهم أو سمح لهم بالاستشهاد!

  • تطلعوا إلى إيمانهم! إنهم يقولون: إننا نؤمن أنه قادر أن يُخلصنا، ولكن إن منعته خطايانا فإننا نؤمن بالذي لا يُريد أن يسلمنا (للموت الأبدي). لسنا نؤمن بهذه الحياة بل بالحياة العتيدة. ولسنا نؤمن به لكي نهرب من الحرق هنا، وإنما لكي لا نهرب من عبور هذه النار فنسقط في نارٍ أخرى. إذن لتفعل ما تريد، أعدد أتونك، بحرارته هذه وبناره، فإنه لتنقيتنا[152].

القدِّيس جيروم.

أَمَّا أَنتُم فَلا تَرتَهِنوا تَدابيرَ الرَّبِّ إِلهِنا،.

فإِنَّ اللهَ لَيسَ كالإِنْسانِ فيُهَدَّد،.

ولا كابنِ الإِنسانِ فيُملق [16].

ولذلك فَلْنَنتَظِرْ مِن لَدُنِه الخَلاص، ولنطلب عونه،.

فيُصغِيَ إلى صَوتِنا، إِن حَسُنَ لَدَيه [17].

الأعداد 18-24

3. يهوديت والتسليم في يدي الله

فإنَّه لم يَقُمْ في أَجْيالِنا،.

ولا في أَيَّامِنا سِبطٌ أَو عَشيرةٌ أَو أَرضٌ أَو مَدينةٌ مِن عِندِنا،.

تَسجُدُ لآلِهَةٍ مِن صُنعَ الأَيدي،.

كما جَرى في الأَيَّامِ القَديمة [18].

مع الحديث الصريح عن خطأ القادة والشعب لا تنكر يهوديت ما اتسموا به من مواقف روحية نبيلة، ولا تتجاهل أمرًا يُسرّ الله به، وهو عدم اشتراكهم في العبادة الوثنية التي كثيرًا ما سقط فيها آباؤهم.

هنا تظهر حكمة يهوديت العجيبة فمع خطورة الموقف وشجاعتها في الكشف عن الأخطاء لم يدفعها حماسها إلى إهمال الجانب الصالح في حياة من تحدثهم. تطالبهم بالتوبة، وتسندهم بمديحهم في سلوكهم الورع من جهة عبادة الله الواحد.

تذكرت يهوديت ما حدث للشعب في أيام القضاة والملوك حين انحرفوا إلى العبادة الوثنية. فإن كان الشعب في أيام يهوديت لم يسقط في هذه الخطية الخطيرة، لكن ربما كان في طريقه للسقوط، فما سمح به الله من ضيق، ليس لهلاكهم، وإنما ليصرخوا إليه ويتجنبوا السقوط فيما سقط فيه آباؤهم.

فأُسلِمَ آباؤنا إلى السَّيفِ والنَّهْب،.

وسَقَطوا سُقوطًا عَظيمًا أَمامَ أَعدائِنا [19].

أَمَّا نحنُ فلم نَعرِفْ إِلهًا غيرَه.

ولذلك فإِنَّنا نَرْجو أَنَّه لن يَزْدَرِيَ بنا،.

ولَن يُعرِضَ عن أمتِنا [20].

تحدثت يهوديت مع الشيوخ كمسئولين عن نفوس هذا الشعب، وتطلب منهم أن ينبهوه إلى غاية هذه الضيقة، وهي امتحانهم. فإن التصقوا بالله تزكوا أمامه، ونالوا بركات عظيمة. كأن الضيقة في حقيقتها فرصة يسمح بها الله لتزكية مؤمنيه الشاكرين له.

فإِن قُبِضَ علَينا قُبِضَ كذلك على اليَهودِيَّةِ كُلِّها،.

ونُهِبَ مقَْدَِسنا،.

وطالَبَ اللهُ دَمَنا بِتَدنيسِه [21].

وأَوقَعَ علىُ رُؤُوسِنا بَينَ الأُمَم،.

(مسئولية) قتَلَ إِخوَتِنا وسبي الأَرضِ ودَمارَ ميراثِنا،.

فنخدم كعبيدٍ.

ونصبَح مَعثَرةً وعارًا في أعين سادتنا [22].

فإنَّ عُبودِيَّتَنا لن تؤُولَ إلى الحُظْوَة،.

بل إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا يُحوِّلُها إلى هَوان [23].

والآن، يا إِخوَتي،.

لِنُظهِرْ إلى إِخوَتِنا أَنَّ نُفوسَهم معتمدةٌ علَيِنا،.

وأَنَّ المكانَ المُقَدَّسَ والهيكل والمَذبَحَ مُعتَمِدَةٌ علَينا [24].

كما سلكت يهوديت مع القادة بالحديث في صراحة كاملة عن خطأهم دون نسيان الجانب الطيب في حياتهم، طالبتهم بمساندة الشعب، ليدركوا أنهم كقادة سيحل بهم ما يحل بالشعب بل وأكثر، وأن الأمر يمس مدينة الله أورشليم والهيكل المقدس، فحتمًا ما يفعله أو يسمح به إنما بحكمة تمس شعبه وخدامه ومدينته وهيكله ومذبحه! هكذا يليق بالقادة أن يمتلئوا رجاءً وطمأنينة من جهة خطة الله، ليسكبوا هذا الرجاء في قلوب الشعب.

الأعداد 25-27

4. يهوديت تكشف عن غاية التجربة

وبجانب ذلك كلَّه،.

فلْنَشكُرِ الرَّبَّ إِلهَنا الَّذي يَمتَحِنُنا كَما امتَحَنَ آباءَنا [25].

دفعت يهوديت التقية القادة ليحولوا تذمرهم ونوحهم إلى ذبائح شكر لله الصانع الخيرات، حتى حين يسمح لشعبه بتجربة تبدو مرة وقاسية. فالشكر لله هو مفتاح حلّ المشاكل واستدرار مراحم الله القديرة والفائقة للفكر البشري.

اُذكُروا كُلَّ ما صَنَعَه إلى إِبْراهيم،.

وكمِ امتحن إِسحق.

وكُلَّ ما جَرى لِيَعْقوبَ في ما بَينَ النَّهرَين في سورِيا،.

حينَ كانَ يَرْعى خِرافَ لابانَ أَخي أُمِّه [26].

طلبت يهوديت من القادة أن يوجهوا أنظار الشعب إلى معاملات الله مع آبائهم، فقد سمح بتجربة إبراهيم لتزكيته ونموه الروحي.

ما قالته يهوديت كان نبوة تحققت حيث أنقذ الله شعبه في الوقت المناسب، وخلال هذه الأرملة التقية.

فإنه لم يمتحنا بِالنّار.

كَما امتَحَنَهم لِيَسبِرَ قُلوبَهم،.

بلَ الرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذينَ يَقتَرِبونَ مِنه إِنْذارًا لَهم "[27].

في هذه العبارات [25 - 27] تصحح يهوديت مفاهيم البعض الخاطئة والتي سقط فيها أصدقاء أيوب. فقد ظنوا أن كل تجربة هي ثمرة خطايا ظاهرة أو خفية، وإنها انتقام من قبل الله.

لقد أبرزت يهوديت أن المؤمنين يقتدون بإبراهيم، يقدمون الشكر وسط الضيق، فيتزكون أمام الله. وإن كان الله يسمح بالضيق للمخطئين، فهو لا ينتقم بمفهومنا البشري، إنما يؤدب كإنذار لنا كي نرجع إليه. فالضيق يدفعنا إلى الشكر كما يحثنا على التوبة والرجوع إلى الله أبينا.

  • لم تكن طبيعة بولس الرسول تختلف عن طبيعتنا؛ ولا نفسه مختلفة عن نفوسنا، ولا عاش في عالمٍ آخرٍ، بل سكن في نفس العالم والمدينة وخضع لنفس القوانين والعادات، لكنه فاق في الفضيلة كل البشر في الماضي والحاضر. الآن، أين هؤلاء المعترضين على صعوبة الفضيلة وسهولة الخطية؟ فهذا الرجل يدينهم بكلماته: "لأن خفة ضيقاتنا الوقتية تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبدىٍ" (2 كو 17: 4). فإن كانت ضيقاته محتملة وخفيفة، فكم بالحري ضيقاتنا التي إن قارنتها بضيقاته صارت كلا شيء أو مجرد لذٌات؟...

احتضن بولس الآلام بمحبة بلا مُقابل، وتحْمَل بكل فرحٍ ما اعترضه من صعوبات وعوائق في طريق الفضيلة. فلم يتضايق من ضعف الجسد أو ضغوط المسئولية أو بطش العادات، ولا من أي شيءٍ آخر. عِلاوة على ذلك فاقت مسئولياته كل مهام القادة والملوك، لكنه كان يزداد في الفضيلة يوميًا. وصار ازدياد المخاطر سببًا في التهاب غيرته بالأكثر، فقال: "أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام" (في 13: 3).

عندما اقترب منه الموت، دعا الجميع لمشاركته هذا الفرح، قائلاً: "وبهذا عينه كونوا أنتم مسرورين أيضًا، وافرحوا معي" (في 18: 2). فكان يتهلل فرحًا في الضيق والألم وفي كل مذلةٍ. كتب إلى أهل كورنثوس: "لذلك أُسَر بالضيقات والشتائم الضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2 كو 10: 12). ودَعا ذلك أذرع العدالة، موضًحًا أنها مصدر مثمر لفائدته، فصار لا يُهزَم أمام أعدائه. وبالرغم من الضرب والاضطهاد والشتم كان كمن في عرسٍ مبهجٍ، مُصحِحًَا الكثير من مفاهيم النصرة، متهللاً فرحًا، شاكرًا الله بقوله: "ولكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين" (2 كو 14: 2) [153].

  • عندما يحل بنا أمر ما لم نكن نتوقعه، لا نتذمر ولا تخور قلوبنا، بل نتحمل الله الذي يعرف هذه الأمور بدقةٍ، حتى يمتحن قلوبنا بالنار كيفما يُسر، إذا يفعل هذا بهدفٍ لفائدة المجربين، لذلك يوصينا الحكيم قائلاً بأن نخضع لله في كل الأمور، لأنه يعرف تمامًا متى يخرجنا من فرن الشر. (حكمة يشوع 1: 1، 2).

نخضع له على الدوام، ونشكره باستمرار، محتملين كل شيءٍ برضا، سواء عندما يمنحنا بركات أو يقدم لنا تأديبات. لأن هذه الأخيرة هي نوع من أنواع البركات[154].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • تُذكِر الأحزان الإنسان العاقل بالله، أما إذا نسى الإنسان الله فإنه يغتم بسبب الأحزان.
  • ليعلمك كل ضيق طارئ أن تتذكر الله، ولا ُتحرم قط من وجود باعث لك على التوبة.

القديس مرقس الناسك.

الأعداد 28-31

5. عزيا يطلب صلوات يهوديت

فقالَ لَها عُزيَّا: "" كُلُّ ما قُلْتِه تَكَلَّمتِ بِه بقَلْبٍ طَيِّب،.

وما مِن أَحَدٍ يُعارِضُ كَلامَكِ [28].

تجلى عمل الله في حياة يهوديت في كلماتها التي كان لها فاعليتها على الشيوخ، فامتلأوا سلامًا داخليًا وراحةً صادقة.

لأَنَّ حِكمَتَكِ لم تَظْهَرْ في هذا اليَوم فَقَط،.

بل مُنذُ أَوَّلِ أَيَّامِكِ عَرَفَ الشَّعبُ كُلُّه ذَكاءَكِ.

وحُسنَ ما يَتصَوَّرُه قَلبُكِ [29].

شعر عُزيَّا رئيس المدينة بالمهابة التي للأرملة يهوديت، وتأثر بكلماتها وحكمتها وتقوها، وأن ما تفعله الآن إنما هو امتداد لحياة تقوية عاشتها منذ صباها وربما منذ طفولتها، من أيامها الأولى.

لكِنَّ الشَّعبَ عَطِشَ عَطَشًا شَديدًا،.

وأَرغَمَنا على العَمَلِ بِمَا وَعَدْنا به،.

وعلى إلْزامِ أَنْفُسِنا بِقَسَمٍ لن نَنقُضَه [30].

والآن فصَلِّي لأَجلِنا،.

فإِنَّكِ امرَأَةٌ تَقِيَّة،.

فيُرسِلَ الرَّبُّ مَطَرًا يَملأُ آبارَنا،.

فلا تَخورَ عَزائِمُنا من العطش بَعدَ اليَوم "[31].

شعروا أنها مرسلة من الله، فعرضوا عليها موقفهم الحرج، لا ليبرروا خطأهم، وإنما لكي تصلي لأجلهم.

كانوا يظنون أن الحلّ هو في نزول أمطار تملأ الآبار التي في داخل المدينة، فلا يخور الشعب، ولم يكن أمامهم بديل آخر.

الأعداد 32-36

6. يهوديت تبدأ خطة العمل

فقالَت لَهم يَهوديت: "اِسمَعوا لي،.

سأَصنعُ عَمَلاً يَبلغٌ ذِكرُه بَني نَسلِنا مِن جيلٍ إلى جيل [32].

التزمت يهوديت بالعمل مع الصلاة والتقوى، وقد تدربت على الحياة السرية في علاقتها مع الله، لذلك لم تكشف للشيوخ أسرار خطتها، إنما اكتفت بالحديث بالقدر الذي فيه يمكنها الخروج من المدينة ودخولها دون مساءلة من حراس الأبواب. كما طلبت السرية التامة، فلا يفصحوا لأحدٍ عن دورها.

أكدت لهم هذه الأرملة التقية أنها لم تستدعهم لتنتقدهم، وإنما وهي تتكلم بالحق الإلهي ستقوم بعملٍ هام يذكره التاريخ مع تأكدها بالإيمان أن الخلاص قادم قبل حلول الموعد الذي حددوه لله.

  • يا لعظمة قوة فضيلتها، أنها امرأة يلزمها أن تقدم مشورة في أخطر الأمور وتتركها في أيدي قادة الشعب! مرة أخرى يا لعظمة قوة فضيلتها أن تثق في الله أن يعينها! يا لعظمة النعمة أن تجد معونة الله[155]!

القديس أمبروسيوس.

في هذه اللَّيلَة، أَنتُم تَقِفونَ على الباب،.

وأَنا أَخرُجُ مع وَصيفَتي،.

وقَبلَ الأَيَّامِ الَّتي وَعَدتُم فيها بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعْدائِنا،.

يَفتَقدُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ عن يَدي [33].

لا تَسألوني أَنتُم عن تَصَرُّفي،.

لأَنِّي لن أَقولَ لَكم شَيئًا قَبلَ أَن يتمَّ ما أَنا سأفعله "[34].

لقد طلبت يهوديت التزامهم بالسلوك اللائق بالإيمان الحيّ، كما طلبت صلواتهم وبركتهم لها، دون أن يفحصوا ما ستفعله.

إنها تعمل عملاً لم يقم به أحد غيرها، لكنها تعمل خلال الكنيسة وتحت مظلتها.

فقالَ لَها عُزيَّا والشَّيخان:

"اِذْهَبي بِسَلام، والرَّبُّ الإلهُ يتقدمك في الانتِقامِ مِن أَعدائِنا" [35].

ثُمًّ غادَروا المسكن،.

وانصَرَفوا إلى مَراكِزِهم [36].

ذُهل الشيوخ من حكمة يهوديت وتقواها وشجاعتها وإيمانها وأيضًا من تواضعها. انصرفوا إل مراكزهم وهم في يقين أن الله هو الذي يقودها لتعمل حسب إرادته الصالحة. وربما انطلقوا ليصلوا أيضًا من أجلها كطلبها.

من وحي يهوديت 8.

لقاء في مخافة الرب!

  • سجلَّ التاريخ بل وكلمة الله والسماء هذا اللقاء العجيب.

لقاء قادة مملوءين غيرة متقدة.

شعارهم العمل بروح الجماعة في تواضع أمام الله!

  • لم يكن لقاءً لمجادلات باطلة،.

ولا ليلقي كل منهم باللوم على الآخرين.

إنه لقاء الحب الأخوي الباذل والعامل.

لقاء دستوره الإيمان بعمل الله وطلب مشورته.

  • لقاء ساده روح الصراحة دون مجاملات كاذبة.

لقاء ساده روح مخافة الرب الحقيقية.

  • تحدثت يهوديت التقية بروح القوة،.

لكن بوقارٍ وتقدير لهم في غير عجرفة ولا مداهنة.

دستورها الإيمان بالله، وتذَّكر معاملاته والتمسك بوعوده.

غاية حديثها لا الهروب من المسئولية،.

بل الرغبة في العمل خلال روح الجماعة.

  • حوّلت الضيقة إلى دعوة للشكر لله محب البشر.

ودفعت القادة للحث على التوبة على مستوى كل الجماعة.

لم تتجاهل مرارة الضيق والألم،.

لكنها كشفت عن غاية التجربة،.

أنها دعوة للالتصاق بالله!

دعوة للشكر لمحب البشر!

دعوة للتوبة عن الخطايا!

دعوة للعمل الجماعي،.

لكل مؤمنٍ دوره الإيماني العملي!

دعوة للصلوات المتبادلة،.

كل يسند الآخرين برفع قلبه إلى إله الجميع!


[136] TCE, article "Judith" , VIII, (The Ency. Press, Inc. , N. Y.) , 555.

[137] In Ps. 132.

[138] المؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم رسالة تعزية لأرملة شابة، ص ١١، ١٢.

[139] In 1 Tim. hom 10.

[140] للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم رسالة تعزية لأرملة شابة، ص 14.

[141] Duties of the Clergy, Book 3: 14: 88.

[142] Ep. 54: 16.

[143] Constitutions of the Holy Apostles, 5: 1: 20.

[144] To the Philadelphians, 4.

[145] Constitutions of the Holy Apostles, 3: 1: 7.

[146] Homilies on , Homily 61: 4.

[147] Concerning Widows, 7: 37.

[148] : On Ps. 91 (90).

[149] On Matthew, homily 13: 4.

[150] On Corinthians, homily 7: 12.

[151] On Perfection.

[152] On Ps. hom. 55.

[153] في مديح بولس: عظة 2.

[154] يسوع والمفلوجان: للقديس يوحنا الذهبي الفم، ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي، 1966، ص 35 الخ.

[155] Duties of the Clergy, Book 3: 13: 85.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح التاسع - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح السابع - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 8
تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 8