الأصحاح الثامن – سفر زكريا – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن

لأن هذا السفر هو سفر رجاء وتعزية، فبعد أن قدم لهم درساً مراً من واقع تاريخهم كشف فيه عن قساوة قلب آبائهم، عاد ليؤكد لهم غيرته من نحو أورشليم عروسه وإن كان قد سمح بالتأديب القاسي لها، فعاشت فترة في مرارة، لكنه يود أن يحول أحزانها أفراحاً وأصوامها أعياداً ويباركها ويقيمها بركة للأمم. إذاً هو حَوَّل سؤالهم ليكشف لهم عن محبته لهم ورغبته بحلوله فيهم وفي وسطهم كسر فرحهم الحقيقي.

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1 وَكَانَ كَلاَمُ رَبِّ الْجُنُودِ قَائِلاً: 2«هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: غِرْتُ عَلَى صِهْيَوْنَ غَيْرَةً عَظِيمَةً، وَبِسَخَطٍ عَظِيمٍ غِرْتُ عَلَيْهَا.".

الغيرة العظيمة تنشأ من محبة نارية. والغيرة الصالحة تظهر في الكراهية الشديدة للشر، والمحبة الشديدة للخير. فكأن الله يجيبهم على سؤالهم بأن.. تلامسوا مع محبتي النارية ومن يتلامس مع محبة الله، لن يعود يهتم بأكل أو شرب أو غيره، بل يود لو صام العمر كله تاركاً ما يتلذذ به حباً في ذاك الذي أحبه وبذل نفسه لأجله، وإن أكل فهو يأكل بروح الشكر لمن أعطاه هذا الطعام (1تي3: 4 - 5). لقد صار الله شريكاً له في كل شئ، نشترك في ألامه بترك ملذات العالم، ونشركه في كل شئ حتى في أكلنا وشربنا. غرت = الغيرة إذاً تساوي الحب. بسخط عظيم = ضد أورشليم ليؤدبها وضد أعدائها حين تابت عن زناها (إش21: 1)، وإنتهى التأديب الآن. وحين تابت عاد الله لها عريساً محباً.

العدد 3

آية (3): -

"3هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى صِهْيَوْنَ وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، فَتُدْعَى أُورُشَلِيمُ مَدِينَةَ الْحَقِّ، وَجَبَلُ رَبِّ الْجُنُودِ الْجَبَلَ الْمُقَدَّسَ.".

قد رجعت إلى صهيون = كان الرب قد تركها زماناً إذ سلمها للسبي، لكنه رجع وسكن فيها. وبما أنه رجع وصار في وسطها فهي مدينة الحق. ولذلك يطلب الله منهم الحق، والحق الذي يطلبه الله منا تجاهه هو العبادة من القلب. والحق الذي يطلبه منا تجاه الناس هو العدل والرحمة والسلوك الصادق. كأن الله يريد أن يقول، يوجد أهم من سؤالكم عن الصوم أن تدركوا مركزكم الجديد، فإن صمتم أو فرحتم فإهتموا بأن أكون في داخلكم فتنعمون بسلامي. وأورشليم مدينة الحق من الناحية الروحية تمثل النفس التي تتأمل في الأمور الأبدية غير المنظورة لأن أورشليم تعني رؤية السلام. هذا هو عمل عريسنا الغيور، يدخل لقلبنا فيجعله أورشليم مدينة الحق فتنعم برؤية السلام بين الله وبين أنفسنا، وندخل لأعماق الحق الإنجيلي، ويقيمنا على جبله المقدس (مز1: 124). نرتفع للأعالي لا تزعزعنا العواصف.

الأعداد 4-5

الآيات (4 - 5): -

"4« هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: سَيَجْلِسُ بَعْدُ الشُّيُوخُ وَالشَّيْخَاتُ فِي أَسْوَاقِ أُورُشَلِيمَ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ عَصَاهُ بِيَدِهِ مِنْ كَثْرَةِ الأَيَّامِ. 5 وَتَمْتَلِئُ أَسْوَاقُ الْمَدِينَةِ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْبَنَاتِ لاَعِبِينَ فِي أَسْوَاقِهَا.".

الأسواق: حيث تجري المعاملات بين الأفراد، وهذه الأسواق ستمتلئ شيوخاً وصبياناً = التصوير هنا يعنى أن البركة تسود مع الفرح، الحكمة مع الحيوية والبساطة والبراءة. فالناس تعيش في سلام إلى حد الشيخوخة. والعمر الطويل هو بركة من الرب، والأطفال يرمزون للعيش في سلام وفرح. الشيوخ يرمزون للحكمة "كونوا حكماء كالحيات" والأطفال يرمزون للبساطة "كونوا بسطاء كالحمام". إذاً الأسواق أي المعاملات بين الناس ستسودها الحكمة والبساطة، أليس هذا هو عمل الروح القدس (يؤ2: 28)، فعمل الروح القدس أن يعيد الكنيسة إلى صورة رأسها المسيح أقنوم الحكمة (أم20: 1، 21). شيوخ وشيخات = الحكمة ليست للرجال فقط بل هي للنساء كما للرجال..

العدد 6

آية (6): -

"6« هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا إِنْ يَكُنْ ذلِكَ عَجِيبًا فِي أَعْيُنِ بَقِيَّةِ هذَا الشَّعْبِ فِي هذِهِ الأَيَّامِ، أَفَيَكُونُ أَيْضًا عَجِيبًا فِي عَيْنَيَّ؟ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.".

قد يبدو هذا الكلام عن وصف الكنيسة، وسط الشر السائد أيام النبي، عجيباً في نظر الناس. ولكن هل يستحيل على الرب شئ، وراجع قصة تغيير القديس موسى الأسود.

الأعداد 7-8

الآيات (7 - 8): -

"7« هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُخَلِّصُ شَعْبِي مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَرْضِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ. 8 وَآتِي بِهِمْ فَيَسْكُنُونَ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ.".

تدل على إيمان الأمم واليهود، وأنهم سيكونون معاً جسد الكنيسة الواحدة يكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً = هذا هو وعد الله للكنيسة (إر33: 31).

العدد 9

آية (9): -

"9«هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: لِتَتَشَدَّدْ أَيْدِيكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ هذَا الْكَلاَمَ مِنْ أَفْوَاهِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِي كَانَ يَوْمَ أُسِّسَ بَيْتُ رَبِّ الْجُنُودِ لِبِنَاءِ الْهَيْكَلِ.".

من أفواه الأنبياء = كانت دعوة حجي وزكريا النبيين أن تتشدد أيادي الشعب ليبنوا بيت الرب = وبيت الرب هو جسده، أي الكنيسة. فلنستمع لكلمات الكتاب المقدس ونتشدد ونقدم توبة فنثبت في ذلك الجسد. يوم أسس بيت رب الجنود = هو يوم التجسد والفداء وحلول الروح القدس على الكنيسة يوم الخمسين. والله يعطي لشعبه قوة لتتحول الوصية لحياة معاشة وبلا يأس.

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّهُ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ لَمْ تَكُنْ لِلإِنْسَانِ أُجْرَةٌ وَلاَ لِلْبَهِيمَةِ أُجْرَةٌ، وَلاَ سَلاَمٌ لِمَنْ خَرَجَ أَوْ دَخَلَ مِنْ قِبَلِ الضِّيقِ. وَأَطْلَقْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ، الرَّجُلَ عَلَى قَرِيبِهِ.".

لقد أحاط بهم الضيق، فكان الإنسان مثل الحيوان، كلاهما بلا قيمة وإن عمل شيئاً فبلا أجرة. وقد يكون المعنى المباشر أنه في بداية بناء الهيكل، كانت أيام ضيق ومضايقات من الشعوب حولهم، وكان من يعمل لا يحصل على أجرة، فلا موارد لزربابل. ولكن الله يعدهم هنا بتحسن الأحوال، فكل هذا الضيق كان بسبب خطاياهم. ولكن المعنى الروحي أن الإنسان يشير لمن يحيا في بر، والحيوان يشير لمن يسلك وراء شهواته، وكان كلاهما بعد الموت يذهب للجحيم قبل المسيح أي بلا أجرة سماوية بعد الموت عن أي برٍ عَمِل. وكانوا في ضيقهم قد قاموا على بعضهم في صراعات = أطلقت كل إنسان الرجل على قريبه = أي تركهم الرب ليعملوا كما أرادوا أعمال ظلم وتشويش، فالإنسان بدون إلتقائه بمخلصه يكون كالحيوان يعمل بلا فهم، ولا يستحق أجرة.

العدد 11

آية (11): -

"11أَمَّا الآنَ فَلاَ أَكُونُ أَنَا لِبَقِيَّةِ هذَا الشَّعْبِ كَمَا فِي الأَيَّامِ الأُولَى، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.".

هذا وعد تشجيع من الرب لهم، فها هو يعود لهم لأنهم رجعوا إليه (زك3: 1).

العدد 12

آية (12): -

"12بَلْ زَرْعُ السَّلاَمِ، الْكَرْمُ يُعْطِي ثَمَرَهُ، وَالأَرْضُ تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَالسَّمَاوَاتُ تُعْطِي نَدَاهَا، وَأُمَلِّكُ بَقِيَّةَ هذَا الشَّعْبِ هذِهِ كُلَّهَا.".

حينما يعود الرب ويرجع تكون هناك بركة، وتكون الثمار ثلاثين وستين ومائة. زرع السلام = يكون هناك ثمر وسط أيام كلها سلام. ويكون هناك ثمر للخدمة. والسموات تعطي نداها = فيض الروح القدس على الكنيسة. وأي إنسان يرجع إلى الرب ويقدم توبة يمتلئ من الروح القدس وتصير أرضه (أي جسده) لها ثمار وأعضاؤه آلات بر للرب.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَيَكُونُ كَمَا أَنَّكُمْ كُنْتُمْ لَعْنَةً بَيْنَ الأُمَمِ يَا بَيْتَ يَهُوذَا وَيَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، كَذلِكَ أُخَلِّصُكُمْ فَتَكُونُونَ بَرَكَةً فَلاَ تَخَافُوا. لِتَتَشَدَّدْ أَيْدِيكُمْ.".

الإنسان إما أن يكون بركة أو لعنة. والله لا يقبل أنصاف الحلول. ولنذكر أنهم حين تخلى الله عنهم صاروا لعنة وخربت أورشليم. وقارن الوضع فى آية (10) مع بركة آية (12).

الأعداد 14-15

الآيات (14 - 15): -

"14«لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: كَمَا أَنِّي فَكَّرْتُ فِي أَنْ أُسِيءَ إِلَيْكُمْ حِينَ أَغْضَبَنِي آبَاؤُكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، وَلَمْ أَنْدَمْ. 15هكَذَا عُدْتُ وَفَكَّرْتُ فِي هذِهِ الأَيَّامِ فِي أَنْ أُحْسِنَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَيْتَ يَهُوذَا. لاَ تَخَافُوا.".

هذه هي وعود الله لتشجيعهم ومرة أخرى قارن مع (زك3: 1).

الأعداد 16-17

الآيات (16 - 17):

"16هذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي تَفْعَلُونَهَا. لِيُكَلِّمْ كُلُّ إِنْسَانٍ قَرِيبَهُ بِالْحَقِّ. اقْضُوا بِالْحَقِّ وَقَضَاءِ السَّلاَمِ فِي أَبْوَابِكُمْ. 17 وَلاَ يُفَكِّرَنَّ أَحَدٌ فِي السُّوءِ عَلَى قَرِيبِهِ فِي قُلُوبِكُمْ. وَلاَ تُحِبُّوا يَمِينَ الزُّورِ. لأَنَّ هذِهِ جَمِيعَهَا أَكْرَهُهَا، يَقُولُ الرَّبُّ».".

وسط الوعود يعود ويذكرهم بالوصية، فحب الإخوة والعلاقة معهم بالحق حب عملي تقوم عليه حياتنا مع الله. وما هو الحق؟ هو تجلي المسيح فينا.

الأعداد 18-22

الآيات (18 - 22): -

"18 وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ رَبِّ الْجُنُودِ قَائِلاً: 19«هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَصَوْمَ الْخَامِسِ وَصَوْمَ السَّابعِ وَصَوْمَ الْعَاشِرِ يَكُونُ لِبَيْتِ يَهُوذَا ابْتِهَاجًا وَفَرَحًا وَأَعْيَادًا طَيِّبَةً. فَأَحِبُّوا الْحَقَّ وَالسَّلاَمَ. 20هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: سَيَأْتِي شُعُوبٌ بَعْدُ، وَسُكَّانُ مُدُنٍ كَثِيرَةٍ. 21 وَسُكَّانُ وَاحِدَةٍ يَسِيرُونَ إِلَى أُخْرَى قَائِلِينَ: لِنَذْهَبْ ذَهَابًا لِنَتَرَضَّى وَجْهَ الرَّبِّ وَنَطْلُبَ رَبَّ الْجُنُودِ. أَنَا أَيْضًا أَذْهَبُ. 22فَتَأْتِي شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَأُمَمٌ قَوِيَّةٌ لِيَطْلُبُوا رَبَّ الْجُنُودِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَلْيَتَرَضُّوا وَجْهَ الرَّبِّ.".

هنا الرد على وفد بيت إيل، وهو رد محدد، لم يقل الله أوقفوا هذه الأصوام بل قال أنه سيحول أصوامهم لأفراح، على شرط أن يحبوا الحق والسلام. ففي (19) بعد أن حل الرب في وسطهم، فحتى الصوم يصير أيام فرح. والصوم الآن ليس بكاء ونحيب على خراب حدث، بل هو توقف عن الشر وصلب لشهوات الجسد (إماتة)، لأن الإنسان العتيق فينا مات مع المسيح عن العالم لنتمتع بالقيامة مع المسيح، فأيام الصوم هي أيام فرح، حتى ولو صاحبها حزن على الخطية، فهذا النوع من الحزن يحوله الله لأفراح (يو22: 16 + 2كو8: 7 - 11).

أما الآيات (20 - 22): فهي تنظر للكنيسة وليس للشعب اليهودي أو إقامة هيكل زربابل، فإن كان الله قد سمح بعودة اليهود كأمة، وبناء أورشليم، وبناء الهيكل، فكان هذا ليأتي المسيح وسطهم (مز2: 110) "يرسل الرب قضيب عزك من صهيون" هذه الآيات لم تتحقق في عودة الشعب من السبي، فكل الذين عادوا كانوا نحو 40000 أما هنا فيقول سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة.. وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود. وهذا لم يتحقق إلا بإنتشار الكنيسة وسط كل العالم. أنا أيضاً أذهب = هذه إن كانت بلسان النبي فهي تعني أنه حين رأي إنتشار الكنيسة إشتهى أن يكون وسطها. وإن كانت بلسان الرب فهي تعني وجوده الأبدي وسط كنيسته (مت20: 28).

العدد 23

آية (23): -

"23«هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يُمْسِكُ عَشَرَةُ رِجَال مِنْ جَمِيعِ أَلْسِنَةِ الأُمَمِ بِذَيْلِ رَجُل يَهُودِيٍّ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ مَعَكُمْ لأَنَّنَا سَمِعْنَا أَنَّ اللهَ مَعَكُمْ».".

التصوير هنا أساساً لرجل يهودي مسافر لأورشليم ليحضر عيداً. ويسمع الأمم البركات الحالة في أورشليم، فهؤلاء الأمم يترجون الرجل أن يذهبوا معه. والرجل اليهودي = هو شخص المسيح الخارج من سبط يهوذا. والعشر رجال هم المؤمنين الذين يمثلهم في مثل السيد المسيح العذارى العشر. والرجل اليهود أيضاً هو أي مؤمن يحيا المسيح فيه ويرى غير المؤمنين البركة التي في حياته فينجذبوا للإيمان بالمسيح (مت16: 5 + 1بط12: 2 + 15: 3).

No items found

الأصحاح التاسع - سفر زكريا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السابع - سفر زكريا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر زكريا الأصحاح 8
تفاسير سفر زكريا الأصحاح 8