الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ – رسالة بولس الرسول إلى غلاطية – مارمرقس مصر الجديدة

رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ.

.

مقدمـة

أولا: كاتبها:

بولس الرسول كما يعلن ذلك فى بداية الرسالة (غل 1: 1).

ثانيا: لمن كتبت:

غلاطية وهى ولاية فى وسط آسيا الصغرى أى تركيا حاليًا، تشمل بلاد كثيرة مثل دربة ولسترة وأيقونية وبيثينية. وتمتد هذه الولاية 200 ميلا طولًا وحوالى 150 ميلا عرضًا.

سميت غلاطية نسبة إلى غالية أى فرنسا التى هاجر أهلها إلى هذا المكان واشتركوا فى حروب كثيرة، وتميزوا بالعنف والقوة والتقلب واختلطوا فى أيام بولس بأهل فريجية واليونان. وسكانها معظمهم أمميون ومعهم قليل من اليهود. وقد زارها بولس فى رحلاته التبشيرية الثـلاث، فى الأولـى (أع 13: 14)، وفى الثانية (أع 16: 6) وفى الثالثة (أع 18: 23).

ثالثاً: زمن كتابتها:

عام 57م فى أثناء رحلته التبشيرية الثالثة.

رابعاً: مكان كتابتها:

كورنثوس حيث كتب أيضاً رسالة رومية وفى وقت قريب منها. ويلاحظ تشابه الموضوع بين الرسالتين.

خامساً: أغراضها:

  1. الرد على المعلمين الكذبة وهم اليهود المتنصرين الذين نادوا بضرورة التهود والإلتزام بأعمال الناموس لنوال الخلاص وشككوا فى رسولية بولس، فأثبت لهم أن الإيمان بالمسيح كافٍ ولا حاجة لأعمال الناموس الذى كان ممهداً للمسيحية.
  2. أهمية عمل النعمة والإيمان فى حياة المؤمنين وكيفية التبرير والخلاص.
  3. عمل الروح القدس فى الحياة المسيحية والسلوك الروحى والفضائل.
  4. مفهوم الحرية المسيحية.

سادساً: أقسامها:

  1. المقدمة ودفاع بولس الرسول عن رسوليته. (ص 1، 2).
  2. التبرير بالإيمان دون أعمال الناموس (ص 3، 4).
  3. ثمار الروح القدس ونتائج عمل النعمة والنهى عن أعمال الجسد. (ص 5، 6).

الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ

رفض التعاليم الخاطئة وحياة بولس قبل وبعد الإيمان.

(1) تحية بولس ودفاعه عن رسوليته (ع 1 - 5):

1بُولُسُ، رَسُولٌ، لاَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ بِإِنْسَانٍ، بَلْ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاللهِ الآبِ الَّذِى أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، 2 وَجَمِيعُ الإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعِى، إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ. 3نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ، وَمِنْ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 4الَّذِى بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا، لِينْقِذَنَا مِنَ الْعَالَمِ الْحَاضِرِ الشِّرِّيرِ حَسَبَ إِرَادَةِ اللهِ وَأَبِينَا، 5الَّذِى لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، آمِينَ.

العدد 1

ع1:

لا من الناس ولا بإنسان: أى لم يتتلمذ على يد بشر ولم يرسله إنسان للبشارة.

بل بيسوع المسيح والله الآب: كمصدر واحد للإرسالية، فالآب والابن واحد فى الجوهر، وهذا اعتراف بلاهوت المسيح إذ يقر بولس الرسول بأنه (المسيح) ليس من الناس أى ليس إنساناً عادياً.

الذى أقامه من الأموات: نسبت قيامة المسيح من الأموات للآب أحياناً وللمسيح أحياناً أخرى، فإذا كان القديس بولس نسبها للآب هنا، فلا ننسى أن المسيح قال عن موته وقيامته "لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضا" (يو10: 18).

يبدأ القديس بولس رسالته بلهجة شديدة كغير عادته، بتعريف نفسه ورسوليته، التى هى من المسيح الرب ذاته، شأنه فى ذلك شأن جميع الرسل والتلاميذ الذين أرسلهم المسيح أثناء تجسده، معلناً أنه ليس مرسلا من الرسل أو من أى مصدر إنسانى، ليرد بذلك على الذين يشككون فى رسوليته بحجة أنه لم يعاين المسيح على الأرض، وبالتالى فهو أقل شأناً فى مكانته وفى قيمة ما يعلم به، وذلك لنشر تعاليمهم الغريبة بوجوب الختان والتهود والخضوع لأعمال الناموس.

العدد 2

ع2:

كنائس غلاطية: كانت غلاطية ولاية أو مقاطعة شملت عدة كنائس، فهى لم تكن مدينة واحدة أو كنيسة واحدة بل عدة كنائس منتشرة فى بعض المدن مثل "أنثيرا" و "ثافيوم" وقد انتشرت التعاليم الغربية فى المنطقة كلها؛ ويرسل لهم التحية باسمه وباسم مرافقيه فى الخدمة فى ذلك الوقت.

الأعداد 3-4

ع3 - 4:

نعمة لكم وسلام: يتمنى لهم عمل نعمة الله فيهم وخاصة السلام الذى يملأ قلوبهم.

أبينا: أى بالفداء نلنا نعمة التبنى.

ينقذنا من العالم الحاضر الشرير: لم نعَد مستعبدين للخطية.

يظهر بولس الرسول وحدانية الآب والابن فى الجوهر كمصدر للنعمة والسلام. فإن كان الابن قد قدم الفداء، إلا أنه قد تم حسب إرادة الآب. وهكذا يظهر وحدانية الإرادة بين الآب والابن؛ وأظهر بذلك أن الخلاص بدم المسيح، وليس كما ينادى المعلمون الكذبة بأعمال الناموس.

العدد 5

ع5:

يختتم الرسول المقدمة بتقديم المجد لله، لأنه مستحق المجد والإكرام إلى الأبد..

 هل نعطى نحن المجد والشكر دائماً لله على نعمة الفداء والتبنى وأنه يحفظنا كل يوم من شرور العالم الحاضر لنكون معه فى الأبدية؟!

(2) رفض التعاليم الخاطئة وحرم من يتبعها (ع6 - 10):

6إِنِّى أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِى دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ. 7لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. 8 وَلَكِنْ، إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا. » 9كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا، أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا. » 10أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِى النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِى النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ.

العدد 6

ع6:

سريعاً آمن وتعمد الغلاطيون منذ ستة سنوات قبل كتابة هذه الرسالة عندما زارهم بولس فى رحلته الأولى، وكذلك فى رحلته الثانية منذ ثلاث سنوات كانوا متمسكين بالإيمان السليم. إذًا فقد كان تغيرهم قبل كتابة هذه الرسالة بزمن قليل، فيتعجب الرسول لتأثرهم بتعليم المعلمين الكذبة وتركهم الإيمان الذى عاشوه منذ حوالى خمس سنوات.

إنجيل آخر بشارة أخرى مختلفة أى تعاليم المعلمين الكذبة.

اعتاد بولس الرسول فى رسائله، بعد المقدمة، أن يقدم الشكر لله لأجل المرسل إليهم، أما هنا فيبدأ بتوبيخ شديد اللهجة لخطورة التحول عن الإيمان الصحيح، فهى قضية حياة أو موت. ويعطيهم أملاً فى التوبة، فلا يقول أنتم انتقلتم وانتهى الأمر بل تنتقلون، أى أنه يمكنهم التوبة والرجوع والثبات فى الإيمان. ويستنكر باندهاش لسرعة تحولهم حينما آمنوا على يديه بدعوة من الله الذى دعاهم لنعمة المسيح لنوال الفداء والخلاص المجانى، إلى دعوة أخرى للخلاص بأعمال الناموس والختان.

العدد 7

ع7:

ليس هو آخر: أى ليس إنجيلاً بالمرة، والذين ينادون به يقلقونكم، لأنه لا يوجد سوى إنجيل واحد، حتى لو كتبه البشيرون الأربعة، فمعناه وبشارته واحدة، بينما قد يكتب واحد من الناس كتاباً يناقض نفسه فيه.

الأعداد 8-9

ع8 - 9:

إن بشرناكم نحن: هنا يضع بولس نفسه فى مرتبة الرسل، وأن بشارته هى نفسها إنجيل باقى الرسل. وقد ادعى المعلمون الكذبة أن بولس بعدما بشر غلاطية غيَّر تعاليمه، لذا فهو هنا يحكم على نفسه بالحرمان إن كان قد غيَّر تبشيره كما يتهمه المعلمون الكذبة وذلك لتأكيد البشارة الصحيحة بالمسيح التى بشرهم بها.

ملاك من السماء: الشيطان الذى يمكن أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور (2ك11: 14).

بغير ما بشرناكم: أى تسلمتم.

أناثيما: أى محروماً.

يستخدم بولس هنا سلطان الحل والربط كما سلمه الرب لتلاميذه. لذلك كان بولس الرسول يشدد على الأمانة فى التسليم (2تى 1: 13)، (1كو11: 23)، (2تى 2: 2)، وقدمت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية آلاف الشهداء للحفاظ على ما تسلمته من الإيمان السليم، فيجب علينا ضرورة التمسك بالإيمان الذى تسلمناه من الآباء. ونلاحظ أن السلطان الرسولى لم يكن للافتخار بل للبنيان (2كو 10: 8). ويضع بولس نفسه فى دائرة الحرمان إن غيَّر إيمانه. وبهذا يوضح أنه لا يحتقر بشارة باقى الرسل بل إن البشارة المسيحية مصدرها واحد وهو الروح القدس.

العدد 10

ع10:

كان بولس يرضى الناس فى كل شئ حتى وإن كان على حساب نفسه "كما أنا أيضاً أرضى الجميع فى كل شئ غير طالب ما يوافق نفسى" (1كو10: 33). ولكن عندما يختص الأمر بالإيمان والعقيدة، فلا يتنازل ولا يظهر أى استعداد للتساهل، فهو يخضع للحق الذى فى المسيح لأنه عبد للمسيح وليس للناس.

 هل نحن نرضى الله أم الناس؟!.. كان بيلاطس متأكداً من براءة المسيح ولكنه أرضى الناس وسلمهم إياه ليصلب. فكل من يرضى الناس على حساب الله فهو يدوس على حق المسيح. وقد احتمل بولس آلاماً كثيرة جداً كان فى غنى عنها لو قال ما يرضى الناس، لكنه كان حريصاً على سلامة الإيمان المرضى للمسيح.

(3) دعوة بولس وحياته قبل الإيمان (ع11 - 14):

11 وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِى بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. 12لأَنِّى لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 13فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِى قَبْلاً فِى الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّى كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا. 14 وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِى الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِى فِى جِنْسِى، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِى تَقْلِيدَاتِ آبَائِى.

الأعداد 11-12

ع11 - 12:

يدافع الرسول عن صحة الإنجيل الذى يبشر به وأن تعاليمه لم يتسلمها من إنسان بل بإعلان يسوع المسيح نفسه، وهذا دليل كافٍ لصحة بشارته. ولابد أن هذا قد تم من الرب مباشرة فى فترة خلوته فى الصحراء العربية بجوار دمشق بعد رؤياه للرب (ع17).

الأعداد 13-14

ع13 - 14:

بإفراط: أى بلا رحمة.

أتلفها: أى أخربها وأشتت المؤمنين فيها بالإساءة إليهم بكل الطرق حتى القتل.

أترابى: أى الذين فى نفس سنه من بنى إسرائيل.

يذكرهم بولس الرسول بسيرته السابقة، وكيف أنه كان يهوديًا غيورًا على تعاليم موسى، وكان متقدماً فى علوم الديانة اليهودية لأنه تعلم على يد أعظم معلمى الناموس وهو غمالائيل (أع 22: 3، فى 3: 5، 1تى1: 13) وذلك لكى يظهر قوة النعمة الإلهية فى حياته، بعدما كان أكثر من أترابه اضطهادا للمسيحيين. ولكن عندما دعاه الرب يسوع تحول بكل طاقته لبناء كنيسة المسيح بعدما كان يعمل على إتلافها. فلقد كان زعيماً دينياً يهودياً متعصباً للتقاليد الناموسية الفريسية، ولكن بعد أن عرف الحق تحول تماماً للدفاع عن المسيحية والتبشير بها.

 كن مستعدًا لسماع الرأى الآخر، فيرشدك الله مهما كان انحرافك وتعود للحق. لا تهمل رأى غيرك أو تقاطعه، بل صلِ أثناء سماعك له فتتعلم من كل أحد وتزداد حكمة من الله يوماً فيوم.

(4) حياة بولس بعد قبول الإيمان (ع 15 - 24):

15 وَلَكِنْ، لَمَّا سَرَّ اللهَ، الَّذِى أَفْرَزَنِى مِنْ بَطْنِ أُمِّى، وَدَعَانِى بِنِعْمَتِهِ، 16أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِىَّ لأَبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ، لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا، 17 وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِى، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضًا إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. 19 وَلَكِنَّنِى لَمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ إِلاَّ يَعْقُوبَ أَخَا الرَّبِّ. 20 وَالَّذِى أَكْتُبُ بِهِ إِلَيْكُمْ هُوَذَا قُدَّامَ اللهِ أَنِّى لَسْتُ أَكْذِبُ فِيهِ. 21 وَبَعْدَ ذَلِكَ، جِئْتُ إِلَى أَقَالِيمِ سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. 22 وَلَكِنَّنِى كُنْتُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَجْهِ عِنْدَ كَنَائِسِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِى فِى الْمَسِيحِ. 23غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ الَّذِى كَانَ يَضْطَهِدُنَا قَبْلاً، يُبَشِّرُ الآنَ بِالإِيمَانِ الَّذِى كَانَ قَبْلاً يُتْلِفُهُ. 24فَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ فِىَّ.

الأعداد 15-16

ع15 - 16:

أفرزنى من بطن أمى: كانت دعوته من بطن أمه بسابق علم الله الذى أفرزه لمهمة خاصة كما أفرز يوحنا المعمدان من بطن أمه.

أبشر بين الأمم: كان تركيز بولس فى التبشير على بلاد العالم المملوءة بالأمم ولم يبشر فى اليهودية، ولكن ليس معنى هذا أنه لم يبشر اليهود القليلين الساكنين بين الأمم بل اهتم بهم لأن عندهم النبوات عن المسيح وساعدوه فى خدمته ببلاد كثيرة.

حقاً حدث تحول فى حياة بولس الرسول وهو فى طريقه لدمشق حين كان ذاهبًا ليضطهد كنيسة المسيح، ولما أعلن الله نفسه لبولس قَبِلَ الدعوة فسرَّ الله أن يعلن ابنه فيه. ويقول ذهبى الفم أن بولس قال "أن يعلن ابنه فىّ" ولم يقل "لى" لكى يشير إلى أنه لم يتقبل الإيمان بالكلمات فقط بل بعمل الروح القدس فيه "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ" (غل 2: 20)، فتغيرت حياته وسلوكياته.

للوقت: قَبِلَ بولس الدعوة وانطلق إلى الصحراء (شرق الأردن) ومكث فيها ثلاث سنين للصلاة والخلوة ودراسة النبوات عن المسيح ومراجعة ما درسه وطلب مشورة الله، وهو باتضاع لم يذكر ذلك فى رسالته فقال:

لم استشر لحمًا ودمًا: فهو يحتاط بسبب الذين يشككون فى رسوليته فيؤكد أن دعوته كانت من المسيح مباشرة ولم يطلب مشورة أحد، بل ذهب إلى الخلوة فى الصحراء مباشرة.

يبين بولس الرسول أن الله عندما دعاه وهو فى طريقه إلى دمشق، آمن واعتمد ثم انطلق إلى صحراء العربية بجوار دمشق فى خلوة لمدة ثلاث سنين استلم فيها من المسيح كل التعاليم، فصار رسولا له مثل باقى التلاميذ الإثنى عشر.

العدد 17

ع17:

الذين قبلى: كان تجمع الرسل ومركز التبشير فى أورشليم فلم يذهب إليهم بولس ليستشيرهم. وهو هنا يعلن أنه رسول وأن تلاميذ المسيح رسل قبله.

العربية: صحراء بالقرب من مدينة دمشق فى سوريا وهى غير شبه الجزيرة العربية أو صحراء سيناء.

دمشق: مدينة قديمة مازالت بنفس الاسم حتى الآن كعاصمة لسوريا.

رغم أن بولس بقى أياماً فى دمشق بعدما عمده حنانيا، إلا أنه لم يصعد إلى أورشليم بل انطلق إلى البرية، فرجع بقلب نارى ملتهب بعد أن تسلم تعاليمه من الرب نفسه.

الأعداد 18-19

ع18 - 19:

ثلاث سنين: من عماده على يد حنانيا وقضاها فى صحراء العربية ثم عاد إلى دمشق فترة قصيرة وذهب منها إلى أورشليم.

حينما صعد بولس لأورشليم ليتعرف على بطرس، لم يبقَ هناك سوى 15 يوماً، وتقابل مع يعقوب الذى يذكره بوقار قائلاً "أخا الرب"، وهو ابن مريم زوجة كلوبا وأخت العذراء مريم وكان أسقفاً لأورشليم. ولم يقابل غيرهما من الرسل لأنهم كانوا يكرزون خارج أورشليم، فيعلن أنه لم يكن يعمل منفرداً بل بروح غير منفصل عن قيادة الكنيسة. وهو لم يتعجل فى لقاء بطرس الرسول بعد عماده مباشرة لأن مجال كرازته كان بين الأمم وليس بين اليهود مثل بطرس كما أعلن له المسيح (أع 22: 17 - 21).

الأعداد 20-21

ع20 - 21:

مضى بولس الرسول للخدمة فى أنطاكية وكيليكية (طرسوس موطنه) ليكرز بين الأمم، فهو لم يصعد لأورشليم ليتعلم من بطرس بل ليتعرف عليه. وهو يقول الصدق والله شاهد عليه أنه لا يكذب.

الأعداد 22-23

ع22 - 23:

يذكر القديس بولس باتضاع أخطاءه السابقة وكيف أن الكنائس التى من أصل يهودى قد قبلته بعد تحوله رغم أنهم لم يكونوا قد شاهدوه من قبل، بل سمعوا عن سيرته وقسوته فى اضطهاد المسيحيين.

العدد 24

ع24:

كان المؤمنون فى كنائس اليهودية يصلون من أجله واستجاب الله لطلبتهم، لذلك كانوا يمجدون الله بسبب عمله فى حياة بولس، فكان قبوله لدعوة الله نتيجتها أن قال "يعلن الله فىّ... يمجدون الله فىّ".

 أوصانا السـيد المسيح "ليرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" (مت5: 16) فهل نحن كذلك؟... إن كانت الكنيسة تعمل تمجيداً لله فى أعياد القديسين لأن المسيح كان يحيا فيهم فظهر بنوره وتعاليمه فى حياتهم العملية، فهل حياتنا تمجد الله أم تعثر الآخرين؟! وهل نصلى من أجل توبتنا وتوبة الآخرين ليتمجد الله فينا؟!.

No items found

تفاسير رسالة بولس الرسول إلى غلاطية - الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ
تفاسير رسالة بولس الرسول إلى غلاطية - الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ