اَلْمَزْمُورُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الحَادِي والستون

شكر لله الحصن.

لإمام المغنين على ذوات الأوتار. لداود.

"اسمع يا الله صراخى واصغ إلى صلاتى..." (ع1).

مقدمة:

كاتبه: داود النبي.

متى كتب؟ عندما هرب من وجه أبشالوم ابنه، ثم انتصر جيش داود على جيش بني إسرائيل، وقتل أبشالوم.

كان هذا المزمور يرنمه مجموعة من اللاويين بقيادة إمام، أي قائد.

يصاحب ترديد هذا المزمور آلة موسيقية تسمى ذات الأوتار، وهي آلة وترية قديمة تشبه العود، والربابة.

يظهر هذا المزمور داود المصلى، المؤمن، والواثق من الله والمملوء رجاءً، والمحب لعبادته.

هذا المزمور نبوة عن مشاعر المسبيين قبل رجوعهم من السبي إلى أورشليم، وإعادة بناء الهيكل.

يعتبر هذا المزمور من المزامير الليتورجية، إذ يرددها جماعة شعب الله في الضيقات، وعند الصلاة من أجل الملك، أو رئيس الكهنة.

يعتبر هذا المزمور أيضًا من المزامير المسيانية؛ لأنه يتكلم بروح النبوة عن المسيح الملك الذي يملك إلى الدهر.

يوجد هذا المزمور بالأجبية في صلاة الساعة السادسة، التي فيها قدم المسيح نفسه على الصليب لأجل خلاصنا؛ لذا فهذا المزمور يصرخ إلى الله الملك؛ لينجينا من كل ضيقاتنا، ويثبتنا فيه، ويعطينا خلاصًا كاملًا.

الأعداد 1-2

ع1 - 2:

:

اِسْمَعْ يَا اَللهُ صُرَاخِي، وَاصْغَ إِلَى صَلاَتِي. مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوكَ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي.

غشى: فقد الوعي، ويقصد هنا الضعف، وفى الأصل العبري تعنى التألم والإلتواء.

شعر داود أنه بعيد عن أورشليم المدينة المقدسة، وعن تابوت عهد الله، فأحس بالعزلة، وأنه في أقاصى الأرض؛ لذا صرخ إلى الله بصلوات حارة، وترجى أن يسمعه الله، خاصة وأنه في ضعف شديد غمر قلبه، وجعله يتألم بشدة، ويتلوى خاصة وأنه معزول، ومطرود من ابنه. وطلب من الله أن يهديه إلى صخرة مرتفعة، "ارفع منى"، وثابتة فيصعد عليها، وكان إيمانه أن صخرته هو الله، وأن الله سيرفعه على هذه الصخرة، أي يثبت إيمانه، ويسمو به فوق كل أحزانه وآلامه، ويعطيه طمأنينة وسلامًا، فكان داود يطلب من الله ليس فقط حمايته، بل السمو به فوق أتعابه.

هاتان الآيتان نبوة عن المسبيين من السبي الأشوري، والبابلي الذين يصلون وهم بعيدون عن أورشليم، ومتفرقون في العالم، ومتألمون، ولكن رجاءهم هو الرجوع إلى أورشليم، وبناء الهيكل، حيث الله صخرتهم.

المسيح هو الصخرة التي ظهرت في العهد القديم مع موسى، ويتكلم عنها هنا داود، والتي هي رجاء البشرية، أي الصليب الذي قدم خلاصًا للعالم كله.

الأعداد 3-4

ع3 - 4:

:

لأَنَّكَ كُنْتَ مَلْجَأً لِي، بُرْجَ قُوَّةٍ مِنْ وَجْهِ الْعَدُوِّ. لأَسْكُنَنَّ فِي مَسْكَنِكَ إِلَى الدُّهُورِ. أَحْتَمِي بِسِتْرِ جَنَاحَيْكَ. سِلاَهْ.

يتذكر داود حماية الله له طوال حياته السابقة، فيمتلئ ثقة، وإيمان بالله، ويقول "كنت ملجأ لى". وهكذا ينبغى لكل إنسان أن يتذكر أعمال الله السابقة، ويشكره عليها؛ لينمو ويثبت إيمانه.

كان الله لداود ليس فقط ملجأ، بل برج يراقب منه العدو فيكتشف الأعداء الخفيين والمختبئين، فيضربهم بالسهام. فالله لم يحم داود فقط، بل أعطاه قوة لمهاجمة أعدائه، فخافوه. وهكذا أيضًا الشياطين تخاف من أولاد الله القديسين.

إن المسيح هو ملجأ لأولاده يحميهم من كل خطية، وهو برج قوة يكتشفون به كل حيل الشياطين، بل يهاجمونهم بالاتضاع، واكتساب الفضائل، وعمل الخير، وهو أيضًا يصد عنهم الأعداء الخفيين، أي الشياطين، ويقهرهم.

إذ تيقن داود وهو في منفاه من وجه أبشالوم أن الله هو ملجأه، وقوته، تمنى أن يسكن في مسكن الله، أي هيكله إلى الأبد. وليس المقصود بالطبع أن يقيم داخل القدس، أو قدس الأقداس، ولكن يقيم بجوار هيكل الله، كما يعنى الأصل العبري للكلمة، حتى يستطيع أن يقدم عبادة دائمة لله. بل أنه من محبته لبيت الله تمنى أن يسكن قلبه، أي يتمتع طوال حياته بسكنى الله فيه.

تمنى داود أن يحميه الله بستر جناحيه، فلا يستطيع أحد أن يؤذيه؛ لأن الله يحوطه برعايته، ومحبته، كما كان الكاروبين ينشرون أجنحتهم على غطاء تابوت عهد الله، لذا كان يسمى الغطاء كرسى الرحمة، وكان مجد الله يظهر على غطاء التابوت. أي أن داود يتمنى أن ينال مراحم الله عندما يظلل عليه بجناحيه.

المقصود بمسكن الله أورشليم، حيث تابوت عهد الله، فيتمنى داود أن يقدم عبادة لله طوال حياته. ومسكن الله أيضًا أورشليم السماوية، فيتمنى داود أن يحيا إلى الأبد مع الله.

تنتهي الآية بكلمة سلاه، وهي وقفة موسيقية يتأمل فيها الإنسان محبة الله ورعايته، ورحمته.

† هل تشتاق للوجود في الكنيسة حتى تتمتع برؤية الله، وتتغذى بأسراره المقدسة، وتلقى بكل أتعابك في أحضانه، فيطمئن قلبك، وتسلم بقوة في كل خطواتك؟!

العدد 5

ع5:

لأَنَّكَ أَنْتَ يَا اَللهُ اسْتَمَعْتَ نُذُورِي. أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ.

إذ تعلق قلب داود ببيت الله تمنى وهو في منفاه أن يقدم نذورًا لله، وذكرها في صلواته، وفرح الله عندما سمعها لأنها تعبر عن اشتياق داود لبيت الله، وإيمانه بقوة الله القادرة أن تعيده من منفاه إلى أورشليم. وذكر الله بالبركات التي أعطاها له، ولكل خائفى الله وهي أرض الميعاد التي طردها منها ابنه، ولكن الله قادر أن يعيده إليها. وهذه الأرض هي عربون لميراث الحياة الأبدية.

هذه الآية نبوة عن المسيح الذي قدم نفسه نذرًا عنا أمام الآب، عندما قال في صلاته الشفاعية "من أجلهم أقدس أنا ذاتي" (يو17: 19) ونحن نتجاوب مع محبة المسيح، فنقدس أنفسنا له طوال حياتنا؛ إذ صرنا ميراثًا لله، وملكًا له في المسيح، فنحيا له مكرسين قلوبنا على الأرض، ثم نتمتع بعشرته في الملكوت إلى الأبد.

الأعداد 6-7

ع6 - 7:

:

إِلَى أَيَّامِ الْمَلِكِ تُضِيفُ أَيَّامًا. سِنِينُهُ كَدَوْرٍ فَدَوْرٍ. يَجْلِسُ قُدَّامَ اللهِ إِلَى الدَّهْرِ. اجْعَلْ رَحْمَةً وَحَقًّا يَحْفَظَانِهِ.

بالإيمان رأى داود أن الله سيعيده من منفاه إلى عرشه في أورشليم، وهكذا تمتد أيامه وسنينه كملك، فيثبت جالسًا على عرشه أمام الله ويحفظه الله عاملًا بالرحمة والحق، أي العدل، فيحكم شعبه بالاستقامة. بالإضافة إلى أنه يملك إلى الدهر في ملكوت السموات.

هاتان الآيتان نبوة واضحة عن المسيح الملك، الذي يملك إلى الدهر، أي إلى الأبد، وحكمه بالرحمة والحق. فقد وفىَّ العدل الإلهي، أى الحق على الصليب بموته عنا، وظهرت رحمته في غفران خطايانا وتجديد حياتنا فيه. ونحن إذ نسلك باستقامة، ونملك على أنفسنا بضبط شهواتنا، وتوجيه طاقتنا لله، يتمجد الله فينا، ويملك من خلالنا، وبكوننا ملوكًا نكون امتدادًا لملكه.

العدد 8

ع8:

هكَذَا أُرَنِّمُ لاسْمِكَ إِلَى الأَبَدِ، لِوَفَاءِ نُذُورِي يَوْمًا فَيَوْمًا.

نتيجة أعمال الله التي ذكرها داود في الآيات السابقة، يشكر الله في ختام هذا المزمور، ويظل يشكره طوال حياته، بل يتمنى أن يدخل إلى الملكوت السماوى ليدوم في هذا الشكر إلى الأبد. وهكذا انتقل داود من الاستغاثة والصراخ لله لحاجته إليه التي ذكرها في أول المزمور، وبدأ يشكره في نهاية المزمور، بل دخل في حياة الشكر الدائم.

لم يكتفِ داود بالشكر، بل وعد أن يوفى نذوره التي قدمها لله، وهو في منفاه، ويعد أن يوفيها يومًا فيومًا. ويقصد بهذا ليس فقط نذرًا معينًا محددًا، بل عبادة مستمرة لله يقدمها كل يوم.

† إن كنت تطلب، وتلح على الله؛ ليسد احتياجاتك ويحل مشاكلك، فلا تنسى أن تشكره بعد أن يتدخل، ويظهر محبته لك؛ لأنك بالشكر تتلذذ بعطاياه، وينمو إيمانك وفرحك بالله.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

اَلْمَزْمُورُ السِّتُّون - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 61
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 61