المزمور الثالث والثلاثون – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثَّالِثُ وَالثَّلاَثُونَ

هتاف النصرة.

"اهتفوا أيها الصديقون بالرب..." (ع1).

مقدمة:

كاتبه: لا يوجد في النسخة العبرية عنوان لهذا المزمور؛ ولذا فهو ضمن المزامير اليتيمة، ولكن الترجمة السبعينية تنسبه لداود.

متى قيل: بعد انتصار داود في معركة مع الفلسطينيين، ولكنه تعرض للموت فيها على يد أحد أبطال الفلسطينيين الذي يسمى "يشبى بنوب" ولكن أنقذه الله بمساعدة أبيشاى بن صروية، ابن أخت داود (2 صم21: 16، 17).

مزمور ليتورجى: كان هذا المزمور يرنم في الهيكل، خاصة في الأعياد، وكانت فرق الترنيم تردد هذا المزمور مقابل بعضها البعض، فكانت كل فرقة تردد آية، أو بضعة آيات، ثم يختمون في النهاية بآيات يرددها الكل معًا؛ وهي الآيات الأخيرة في هذا المزمور.

مزمور شكر: هذا المزمور أحد مزامير الشكر الخمسة. التي هي من مزمور 30 - 34. وبداية هذا المزمور مرتبطة بنهاية المزمور السابق له.

مزمور تعليمى: لأنه يعلم أن الله هو أقوى قوة في العالم، والمنتصر على الأمم؛ لذا يمجده شعبه.

لا يوجد هذا المزمور ضمن مزامير الأجبية.

العدد 1

ع1:

اِهْتِفُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ. بِالْمُسْتَقِيمِينَ يَلِيقُ التَّسْبِيحُ.

الصديقون: الأبرار.

الهتاف هو أعلى تعبير عن التهليل. فهو ليس تهليلًا داخلي في القلب، ولكنه يعبر عن نفسه بصوت عالى. ومن يتهللون هم الأبرار؛ الذين تتسم حياتهم بالفرح الدائم بالله.

الهتاف والتهليل والفرح هو بالرب، أما الأشرار فيتهللون بالخطية، والجسدانيون يتهللون بالماديات الزائلة. ولكن الأبرار يكون تهليلهم بالله؛ وحتى لو فرحوا بأى شيء مادي يعتبرونه عطية من الله يشكرونه عليها، ولا يكون فرحهم بالماديات في حد ذاتها.

المستقيم القلب هو من يحفظ وصايا الله، ويرفض الشر، فيستنير قلبه، فيرى الله، وبالتالي ينجذب إلى تسبيحه، بل ويتمتع بهذا التسبيح، فهو أنسب شيء لحياته، بل إن أعماله وكلامه في كل نواحى الحياة هي شهادة لله وتسبيح لاسمه القدوس، وليس فقط كلمات التسبيح.

العدد 2

ع2:

احْمَدُوا الرَّبَّ بِالْعُودِ. بِرَبَابَةٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ رَنِّمُوا لَهُ.

العود: من أقدم الآلات الوترية، وهو صندوق خشبى كبير، يوجد بسطحه ثقوب تشد عليه الأوتار وهي خمسة أوتار ثنائية.

الربابة: آلة وترية عبارة عن صندوق خشبى صغير، يُشد عليه عشرة إلى إثنى عشر وتر، وكان يعزف قديمًا على الأوتار بالأصابع، أو ريشة طائر.

يدعو داود إلى شكر الله على عطاياه وإحساناته، ومصاحبة هذا الشكر بأنغام تضرب على آلة العود. وكانت العبادة اليهودية تصاحبها الآلات الموسيقية؛ لأن المستوى الروحي لليهود كان يحتاج إلى آلات موسيقية، ولكن في كنيسة العهد الجديد صار التسبيح دون آلات موسيقية؛ كما أعلن القديسون مثل يوحنا ذهبى الفم وديديموس. ولم تدخل الآلات الموسقية في العبادة المسيحية إلا من القرن الثالث عشر، فقبلتها الكنيسة الكاثوليكية ثم الكنيسة البروتستانتية، أما الكنيسة الأرثوذكسية فمازالت تعتمد على حنجرة الإنسان، ولم توجد إلا آلات إيقاعية لتنظيم الأصوات، وهي الدف والتريانتو.

الآلات الموسيقية ترمز إلى استخدام الإنسان لجسده ونفسه، أو لسانه وذهنه في تسبيح الله. أما العشرة أوتار التي للربابة فترمز لإسم يسوع الذي بدايته حرف يوتا "I" وهي رقم 10 في اللغة القبطية واليونانية.

العشرة أوتار ترمز للجسد والنفس؛ لأن الجسد له خمسة حواس، والنفس لها الحواس الداخلية، فيكون مجموع الإثنين عشرة، أي أن الإنسان يسبح الله بكل كيانه.

العدد 3

ع3:

غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. أَحْسِنُوا الْعَزْفَ بِهُتَافٍ.

الأغنية الجديدة تقدم لله؛ لأن مراحم الله جديدة في كل يوم؛ لذا نقدم له أغنية وتسبيح متجدد كل يوم.

الأغنية الجديدة رمز لتسابيح الكنيسة في العهد الجديد، ورمز أيضًا لتسبيح السمائيين كما يحدثنا سفر الرؤيا (رؤ5: 9؛ 14: 3).

نسمع في سفر المزامير أن الخلائق كلها تسبح الله، الجبال، والأنهار، وكل المخلوقات. وهذا تسبيح جديد، أي خضوع الخليقة كلها لله خالقها، وشكره على إحساناته ورعايته لها، ويرأس هذا التسبيح الإنسان.

ينادى داود أيضًا أن يصاحب العزف الحسن هتاف، وهو أعلى تعبير عن الفرح والتهليل، وهو التسبيح بصوت عالى، وهذا يرمز إلى تسابيح العهد الجديد وهتافها العالى من القلب، فمع النمو الروحي يبدل الإنسان الأصوات العالية بالمشاعر العالية. وفى العهد القديم نجد صور لهذا الحديث القلبى القوى، كما قال الرب لموسى عند البحر الأحمر، عندما وجد فرعون وجيشه يتبعه وكان موسى صامتًا يصلى في داخله بعمق، فقال له لماذا تصرخ إلىَّ، مع أنه لم يفتح فاه (خر14: 15).

العدد 4

ع4:

لأَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ، وَكُلَّ صُنْعِهِ بِالأَمَانَةِ.

كلمة الرب هي الأقنوم الثاني المسيح إلهنا، وهي مستقيمة أي ليس فيها اعوجاج، بل صادقة وكاملة.

كلمة الرب مستقيمة؛ لأنها تعلمنا الاستقامة بواسطة وصاياه، فنسلك باستقامة في كل أعمالنا، بالإضافة إلى أفكارنا ونياتنا.

إن كلمة الله تجذبنا وتقودنا لله، الذي هو الاستقامة، فنؤمن به ونحيا معه في استقامة.

إن كلمة الله المستقيمة تجعل داخلنا مثل خارجنا، فنكون أمناء مثل الله وليس عندنا أي رياء، أو نفاق.

إن كل صنائع الله، أي مخلوقاته عملها بدقة وأمانة، وكلها تشهد له أنه خالقها، فهي تدعو الإنسان أن يؤمن بالله. فكلما نظر إليها يمجد الله.

العدد 5

ع5:

يُحِبُّ الْبِرَّ وَالْعَدْلَ. امْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ.

الله هو البار القدوس، فهو بطبيعته يحب البر، أي النقاوة والصلاح، وبالتالي يحب كل أولاده الذين يسلكون بالبر، وإن أخطأوا يعودون بالتوبة إلى النقاوة.

الله كامل في بره، وكامل في عدله، فهو يرفض الخطية ويتنافر معها.

وإن كان يعطف على الضعفاء ويرحمهم إن تابوا، بل ويدعوهم إلى التوبة برحمته، ولكنه لا يطيق المتمردين، والمستبيحين، والخطاة، الذين يبررون أخطاءهم، فيصرون عليها. وإن كان يطيل أناته عليهم، ولكن في النهاية لابد أن يواجهوا عدله في يوم الدينونة؛ ليعاقبوا عن خطاياهم.

الله كامل أيضًا في رحمته، ورحمته غير محدودة، فهي أوسع من جميع خطايا البشر، وقادرة أن تغفر لكل التائبين. والله يتقدم برحمته نحو كل الأبرار، والأشرار ليدعوهم إليه، ولكن الذي يتمتع بفيض مراحمه هم الأبرار.

الرحمة ناتجة من حب الله للبشر، فتسعى نحو الكل، ولكن البشر بسبب خطاياهم يحركون عدل الله ليعاقبهم. والله كامل في رحمته وعدله.

العدد 6

ع6:

بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا.

نسمة فيه: الهواء الخارج من فمه؛ أي فم الله.

الله صنع السموات بأمره، أي بكلمته، وبكل سهولة وبقدرته الكاملة صنع السموات، ولم يحتج لأحد يعاونه في ذلك.

بنسمة فم الله، أي بروحه القدوس صنع جنود السموات. والمقصود بجنودها:

أ - الكواكب والشموس التي تتحرك بنظام دقيق في طاعة كاملة لله، كالجندى الملتزم بأوامر قائده.

ب - الملائكة المطيعون لأوامر الله، ويعملون كل ما يطلبه منهم.

يظهر في هذه الآية الثالوث القدوس الذي خلق السموات وما فيها. فيذكر الرب، أي الآب، وكلمته، أي الابن، ونسمة فيه، أى الروح القدس.

الله القدوس خلق السموات مقدسة؛ ليسكن فيها الإنسان بعد أن يكمل جهاده على الأرض ويصير نقيًا ومقدسًا؛ ليصلح لسكنى السماء. فالأبرار هم بشر سماويون يحيون بفكر السماء وهم على الأرض، فيتسحقون في النهاية أن يمجدهم الله في ملكوته السماوى.

العدد 7

ع7:

يَجْمَعُ كَنَدٍّ أَمْوَاهَ الْيَمِّ. يَجْعَلُ اللُّجَجَ فِي أَهْرَاءٍ.

كند: الند هو الكوم، أو التل.

أمواه: مياه كثيرة.

اليم: البحر.

اللجج: المياه العميقة.

أهراء: مخازن.

تظهر هذه الآية قدرة الله الذي يضبط الأرض والبحار، كما أن السماء تحت سلطانه. فهو قادر أن يجمع المياه في أكوام. وهذا ضد طبيعة الماء، كما حدث عند شق البحر الأحمر بيد موسى، وصنع طريقًا بين سورين من الماء، وعبر شعبه على اليابسة.

البحار العميقة مخيفة جدًا، حتى ظنها البعض قديمًا مسكن الشيطان، لكن هذه الأعماق، أي اللجج يجمعها الله في مخازنه، وهو متحكم فيها، بل يملأها بالخيرات المفيدة للإنسان، مثل الأسماك.

إن البحر يرمز للعالم الذي هو تحت سلطان الله، فيتحكم فيه لمصلحة الإنسان، فلا يخشى أولاد الله من متاعب العالم؛ لأن الله يحميهم، فهو ضابط الكل.

الأعداد 8-9

ع8 - 9:

:

8 لِتَخْشَ الرَّبَّ كُلُّ الأَرْضِ، وَمِنْهُ لِيَخَفْ كُلُّ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ. 9 لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ.

يدعو داود كل البشر إلى مخافة الله؛ لأنه خالق الكل، وبيده حياة الكل، وهو ضابط الكل أيضًا، ولذا فإن رأس الحكمة هو مخافة الله.

تظهر عظمة الله في أنه خلق كل شيء بكلمته، وكلمته هي الأقنوم الثاني، المسيح إلهنا. وبمجرد أن يأمر الله توجد الخليقة بكل حسنها وجمالها؛ لذا فينبغى أن تمجده كل الخليقة ويسبحه جميع البشر.

الأعداد 10-11

ع10 - 11:

:

10 الرَّبُّ أَبْطَلَ مُؤَامَرَةَ الأُمَمِ. لاَشَى أَفْكَارَ الشُّعُوبِ. 11 أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.

الله خلق كل خليقته حسنة وجيدة، ولكن بعد سقوط الإنسان فكر الأشرار بالشر ودبروا مكايدهم، والله رأى كيف انحرفوا وساروا خطوات في الشر، لكنه تدخل وأبطل مؤامراتهم عندما كانت هذه المؤامرات موجهة لأولاده الأتقياء، فأنقذهم منها، كما أبطل مشورة أخيتوفل ضد داود، وأنقذه من يد أبشالوم ابنه (2 صم17: 23)، وكما أبطل مؤامرة هامان ضد شعب الله أيام أستير ومردخاى (اس7: 10).

مؤامرة الله هي فكره وتدبيره، فالمؤامرة هي ما يجتمع عليه الناس في مؤتمر، وهنا نجد الله بثالوثه القدوس له فكر، وهذا الفكر ثابت لا يمكن تغييره، ولا يستطيع أحد مهما كانت قوته أن يبطله، حتى لو ظن الناس أن الله يرجع في كلامه ويغير ما أعلنه، كما حدث مع أهل نينوى (يون3: 10) ولكن فكر الله ثابت، فقد دبر أن يهدد أهل نينوى، ثم يعود فيسامحهم عندما يتوبون، إذ أن الله بسابق علمه يعرف كل شيء، وبالتالي فكره ثابت.

حيث أن أفكار الله ثابتة، ومؤامرة الأشرار يمكن إبطالها، فلا ينزعج أولاد الله، بل يصلون في كل ضيقة، فينقذهم الله، ويبطل مشورة أعدائهم، كما حدث أيام حزقيا عندما هجم عليه سنحاريب فهلك جيشه.

إن الله عندما خلق البشر وكل العالم، لم يهملهم ويتركهم بعد ذلك، ولكنه وضع في خطته تدبير ورعاية أولاده، فلا يترك الأشرار يتحكمون فيهم، أي أنه يستطيع أن يحفظ أولاده وسط الضيقات، ويهلك الأشرار. وإن احتمل أولاده آلام، أو ماتوا لأجل اسمه، يكافئهم بالحياة الأبدية، ويعاقب الأشرار.

† إن كان الله هو ضابط الكل ويدبر كل شيء لخيرك، فلماذا تقلق؟!.. اتكل عليه واطلب احتياجاتك وألح عليه، فهو سيدبر كل شيء لخيرك.

العدد 12

ع12:

طُوبَى لِلأُمَّةِ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُهَا، الشَّعْبِ الَّذِي اخْتَارَهُ مِيرَاثًا لِنَفْسِهِ.

الله يُقَدِّر جدًا حرية الإنسان، فالأمة التي تطلب الله إلهًا لها بإرادتها تنال بركة عظيمة؛ لأن الله سيقودها في طريق الخلاص ويحميها، ويمتعها ببركاته.

يطوب الله أيضًا من اختاره؛ ليكون شعبًا له، وهذا الاختيار مبنى على تجاوب الشعب مع الله وإيمانه به. فالله يعرف القلوب، وكل شيء مكشوف وعريان أمامه.

اختيار الله لأولاده المؤمنين هو اختيار ليهبهم أمجاد على الأرض وفى السماء. فهم ميراث له يباركهم، ويثبتهم معه إلى الأبد.

إن شعب الله ميراث له، فهم البشر الذين أحبوا الله من وسط العالم كله. فالله يفرح بهم؛ لأنهم تجابوا مع حبه. وهم وحدهم الذين يحيون له، فهم ميراثه.

لعل في كلامه عن الأمة إشارة إلى دخول الأمم في الإيمان، حين يختارون الله إلهًا لهم، وهذا ما حدث في العهد الجديد عند إيمانهم بالمسيح إلهنا.

نلاحظ أن التطويب يرجع إلى الإيمان بالله ولشعب الله الذين اختاروه لهم إلهًا، وليس راجعًا للبر الذاتي، أو الأعمال الشخصية البعيدة عن الإيمان، أي أعمال الناموس.

إن اختيار الله لبعض الناس يعنى أن كثيرين لم يختاروا، فهذا يدعونا للتمسك بالله والثبات في الإيمان، حتى نكون من المختارين. لأنه لو كانت عبادتنا سطحية، أو تهاونا مع الخطية، فإننا نفقد مكاننا كأولاد الله.

الأعداد 13-14

ع13 - 14:

:

13 مِنَ السَّمَاوَاتِ نَظَرَ الرَّبُّ. رَأَى جَمِيعَ بَنِي الْبَشَرِ. 14 مِنْ مَكَانِ سُكْنَاهُ تَطَلَّعَ إِلَى جَمِيعِ سُكَّانِ الأَرْضِ.

الله ينظر من السماء، فهو أسمى من كل الخلائق، ولكن حبه يدعوه إلى الاهتمام بخلائقه، فهو بطبيعته يسعى إلينا، ويتنازل ليقترب منا ويرعانا ويهتم بنا. وقد ظهر عظم حبه في تجسده، إذ اتحد بنا وعاش بيننا؛ ليكون مثالًا لنا، كيف نحيا أمامه.

إن الله يرى كل البشر، وليس شيئًا مخفيًا عنه، وهو يفيض بخيراته على الكل، وفى نفس الوقت ما دام كل شيء مكشوف أمامه، يلزم أن نخافه، وإن أخطأنا نسرع بالتوبة إليه، لنستعيد بنوتنا ونتمتع ببركاته.

إن الله ينظر إلى أعماق الإنسان، وليس فقط ظاهره، فهو يعرف النيات الداخلية لكل أحد، فيكافئ الأبرار، ويجازى أيضًا الأشرار المنافقين المرائين.

إن مكان سكنى الله ليس فقط في السماء إعلانًا عن سموه، ولكنه باتضاعه يسكن أيضًا في قلوب أولاده، ويتطلع إلى البشر الغير مؤمنين به؛ ليعلن نوره من خلال أولاده، فإذ يرى الناس أعمال أولاده الصالحة يمجدونه.

إن نظر الله إلينا هو نظر رعاية وحب؛ ليعتنى بنا بواسطة ملائكته، فيرسلهم إلينا ليعلن حبه لنا، واهتمامه بخلاصنا.

إن نظر الله إلينا ليس مجرد نظر للمعرفة، أي نظرة سلبية بلا فائدة، ولكنه نظر إيجابى؛ ليهتم بنا ويشجعنا. وإذ يرى أولاده المؤمنين في كنيسته يفرح بهم، ويقودهم في طريق الخلاص، لينالوا ملكوته.

العدد 15

ع15:

الْمُصَوِّرُ قُلُوبَهُمْ جَمِيعًا، الْمُنْتَبِهُ إِلَى كُلِّ أَعْمَالِهِمْ.

إن الله هو مصور، أي خالق القلب، وهو يعرف مشاعر الإنسان ونياته الداخلية التي تحرك كل كيانه، وبالتالي ليس شيئًا مخفيًا عنه، فلا يستطيع أحد أن يكون مرائيًا أمامه.

الله يلاحظ كل أعمال الإنسان، فهو يرى المستقيم منها والمعوج. فمن يسلك بالاستقامة لابد أن يباركه ويجازيه خيرًا، فهذا يدعونا للتدقيق والجهاد الروحي، مهما أحاط بنا الأشرار.

لأن الله خالق القلب، فهو يستطيع أن يخلق فيه الضمير أي صوته؛ ليدعو الناس للحياة معه. وهو أيضًا القادر أن يضع روحه القدوس فيهم، فيجذبهم إلى الإيمان، ويعمل فيهم بكل قوته.

الأعداد 16-17

ع16 - 17:

:

16 لَنْ يَخْلُصَ الْمَلِكُ بِكِثْرَةِ الْجَيْشِ. الْجَبَّارُ لاَ يُنْقَذُ بِعِظَمِ الْقُوَّةِ. 17 بَاطِلٌ هُوَ الْفَرَسُ لأَجْلِ الْخَلاَصِ، وَبِشِدَّةِ قُوَّتِهِ لاَ يُنَجِّي.

يبين داود أن القوة الحربية ليست بكثرة الجنود، ولا بشجاعة القائد وجنوده. وكذلك ليس بالعتاد الحربى الذي أهم ما فيه هو الخيل، ولكن بقوة الله وحده. فسنحاريب كان له جنودًا كثيرين، وجليات كان شجاعًا جدًا، وفرعون أيام موسى كانت له مركبات وخيل كثير، وكل هؤلاء أهلكهم الله بيد أولاده.

الشيطان يعزي الأشرار بالاعتماد على كثرة الجنود، أو شجاعتهم، أو الخيل الذي يمتلكونها، أو أية قوة مادية يعتمدون عليها، فكل هذه ترمز للشيطان الذي هو لا شيء إذا اعتمد المؤمنون على قوة الله. ولذا فشريعة موسى تأمر بعدم إكثار الخيل (تث17: 16)، فمن خطايا سليمان إكثاره للخيل، فهذا أبعده عن الاتكال على الله (1 مل4: 26).

الأعداد 18-19

ع18 - 19:

:

18 هُوَذَا عَيْنُ الرَّبِّ عَلَى خَائِفِيهِ الرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ، 19 لِيُنَجِّيَ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ، وَلِيَسْتَحْيِيَهُمْ فِي الْجُوعِ.

يختم داود كلامه في هذا الجزء عن بركات الله لأولاده وذلك بعنايته بهم. فهو يرعاهم ويكفى كل احتياجاتهم الجسدية والروحية؛ لذا فهم يعيشون في طمأنينة وشبع وفرح، فيسبحونه على الدوام.

مَن يتمتع بعناية الله يلزمه شرطين هما:

أ - مخافة الله.

ب - الاتكال عليه.

لأن من يخاف الله يبتعد عن كل شر، ومن يتكل عليه يعلن إيمانه به.

أولاد الله لا يخافون الموت ولا أية ضيقة؛ لأن الله قادر أن ينجيهم منها، فيصد عنهم الأعداء، ويشبعهم في المجاعة، ويحل كل مشاكلهم؛ لذا فهم يحيون في أمان دائم.

إن الشبع الذي يهبهم الله إياه هو أولًا الشبع الروحي قبل الجسدي. وهذا يكون بكلمة الله ووصاياه التي تنقذ أولاده من الموت الروحي. وفى كنيسة العهد الجديد يشبعهم فوق كل هذا بجسده ودمه الأقدسين.

† بركات الله وفيرة جدًا، وتنتظرك إذا اتكلت عليه بإيمان حقيقي. فإن كانت مخافة الله أمام عينيك؛ فستحميك من الشر، وتقودك للتوبة إذا سقطت، فلا تضيع بنوتك لله؛ لتتمتع بعشرته وحياتك الأبدية.

العدد 20

ع20:

أَنْفُسُنَا انْتَظَرَتِ الرَّبَّ. مَعُونَتُنَا وَتُرْسُنَا هُوَ.

ترسنا: الترس هو آلة دفاعية يستخدمها الجندى لصد السهام عن نفسه، وهي عبارة عن قطعة خشبية لها عروة من الخلف، يضع فيها الجندى يده، ويحركها أمام رأسه وجسده؛ ليحمى نفسه بها.

يعلن داود أهمية الجهاد الروحي بقوله انتظرنا الرب. فهو يجاهد متكلًا على معونة الرب التي لابد أن تسانده وتنصره في النهاية.

الله في حربنا الروحية يعطينا قوة إيجابية وهي معونته، وقوة دفاعية هي الترس، فيحمينا من حروب الشيطان بالاتضاع والصوم، ويعطينا قوة لننتصر عليه بالصلاة، وكل أعمال الخير.

العدد 21

ع21:

لأَنَّهُ بِهِ تَفْرَحُ قُلُوبُنَا، لأَنَّنَا عَلَى اسْمِهِ الْقُدُّوسِ اتَّكَلْنَا.

الاتكال على اسم الله هو اتكال على الله نفسه، فهو قوة فوق كل قوة، وتستطيع أن تغلب كل قوى الأعداء.

إن ترديد اسم الله يملأ القلب قوة، بل وثبات فيه، فلا ينزعج أمام حروب الشياطين، بل يقهرها، كما نقول في التسبحة كل من يقول يا ربى يسوع كمن بيده سيف يصرع العدو (أبصالية الأثنين).

الثقة في قوة الله أثناء حروبنا الروحية، والانتصار على العدو الشيطان يفرح قلوب أولاد الله، فيتمسكون بجهادهم ويختبرون عمل الله المتجدد فيهم، فيتذوقون الملكوت وهم على الأرض.

إن الاتكال على الأمور المادية الزائلة يولد اضطراب في النفس، أما الاتكال على الله فيعطى ثبات وسلام داخلي، وبالتالي تمتع بعشرة الله، وعدم انزعاج من كثرة حروب الشياطين.

العدد 22

ع22:

لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا حَسْبَمَا انْتَظَرْنَاكَ.

إن مراحم الله لا نهاية لها، فهي وفيرة جدًا، ويهبها الله لكل من يجاهد ويتكل عليه بمقدار تعبه، وتمسكه بالله، فيتمتع بعشرة الله، ويشكر الله في تسبيح دائم، ويفرح فرحًا لا يعبر عنه.

† لا تخش حروب إبليس فهو ضعيف جدًا أمام قوة الله. اتكل على الله، واطلب معونته، فهي قريبة جدًا منك، وتسعى لمساعدتك في كل تفاصيل حياتك، بل بها تتذوق حلاوة جديدة في عشرة الله، فتتقدم بخطى واسعة نحو الملكوت.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الرابع والثلاثون - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

المزمور الثاني والثلاثون - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 33
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 33